إسلام ويب

ونيسرك لليسرىللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • دين الإسلام يسر، وشريعته هي الحنيفية السمحة، وبعض الناس يتشدد غيرةً للإسلام يتشدد، والبعض الآخر قد يرتكب المعاصي ويقول: الدين يسر، وفي هذا الدرس بيان لحقيقة اليسر مدعماً بنماذج من حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:-

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    إنني لأشعر بسعادة غامرة وأنا أجلس بين ظهرانيكم في هذا البلد الكريم، الذي طالما تشوقت إلى لقاء أهله، وإلى لقاء إخواني في الله تعالى في هذا البلد، فالحمد لله الذي يسَّر هذا، في هذه الليلة المباركة ليلة الخميس، الثالث عشر من شهر ذي القعدة لعام (1412هـ) وعنوان هذه المحاضرة -أيها الأحبة- هو آية من كتاب الله تعالى: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8].

    وإنما رغبت في الحديث عن هذا الموضوع، موضوع أن الدين كله موصوف بأنه يسر، لأن هذه الكلمة أصبحت في نظر كثيرين كلمة مطاطة، فأصبح الواحد منهم من الممكن أن يصنع كل شيء، ويرتكب كل مخالفة، فإذا وجد من يمنعه أو يردعه أو ينكر عليه قال له: يا أخي! ما بك؟ قال: الدين يسر.

    فاتخذوا من هذه الكلمة ذريعة إلى ارتكاب حرمات الله تعالى، وتعدي حدوده، بحجة أن الدين يسر.

    وفي المقابل نجد أن آخرين -وهذا واقع أيضاً- يقولون فعلاً: الدين يسر، ولكن هذه الكلمة تحولت عندهم إلى مجرد شعار غير قابل للتطبيق، فهو يوافق نظرياً على أن الدين يسر، لكن عندما تأتي إلى سلوكه العملي في حياته الشخصية، وفي معاملته لأهله، وفي عمله وفي دعوته وفي تعليمه وفي فتواه وفي أي عمل من الأعمال أو أمر من الأمور؛ لا تجد هذا اليسر الذي وصف به الدين، فهو يصف الدين باليسر إجمالاً، ولكنه لا يدخل هذا اليسر في التفصيلات، ولذلك ينال الناس من هذا حرجٌ شديد.

    فأحببت أن أحاول من خلال النص القرآني والنص النبوي، أن أمسك العصا من الوسط -كما يقال- وأن أجعل القرآن والحديث هادياً لنا في هذا الطريق، حتى نعرف كيف كان الدين يسراً، وما هي مجالات اليسر لهذا الدين.

    معاني آيات اليسر

    الكثيرون يقرءون القرآن ويرددون آياته، ويسمعون -مثلاً- قول الله عز وجل: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] والآية نص صريح في أن شريعة الله تعالى يسر لا عسر فيها بوجه من الوجوه، ولهذا ذكر أهل العلم أن كل أمر أدَّى إلى العسر والمشقة فهو مرفوع عن الأمة، وكل ما فيه حرج فهو مرفوع عنهم، فإذا ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير.

    ويقرأ المسلمون -أيضاً- قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8] واليسرى هي الشريعة الميسرة، التي ليس فيها حرج ولا عنت ولا شدة، واليسرى هي الحياة الهنيئة السعيدة، التي ليس فيها قلق ولا ضيق ولا ضنك.

    إنها حياة المؤمنين الأتقياء الذين كتب الله لهم في هذه الدنيا السعادة بطاعته وعبادته، واليسرى هي كلمة التوحيد، بما فيها من وضوح ونقاء وسلامة وملاءمة للفطرة، واليسرى هي الجنة نهاية المؤمنين المتقين، الذين جعل الله لهم السعادة في الدنيا عربوناً للسعادة التي تنتظرهم في دار القرار.

    ويقرأ المسلم -أيضاً- قول الله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] فيفهم من هذا بفطرته السليمة، أن القرآن كتاب ميسر، ليس فيه مشقة ولا حرج ولا عنت، يقرؤه الشيخ الكبير، ويقرؤه الأعجمي والطفل الصغير، حتى إنك تجد -أحياناً- طفلاً صغيراً ربما لم يجاوز السابعة أو الثامنة أو العاشرة من عمره، وهو يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وقد رأيت بأم عيني أطفالاً يؤمون الناس في أوزاعٍ في المسجد الحرام يقرأ الواحد منهم القرآن عن ظهر قلب، وربما كان دون العاشرة من عمره، وهذا من تيسير القرآن في لفظه، وتيسيره في معناه، وتيسيره في فهمه، وتيسيره في قراءته، فهو ميسر، وتيسيره -أيضاً- في فهمه والاتعاظ به، ولهذا قال: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:15].

    اليسر في حياة المؤمن

    ويقرأ المسلم -أيضاً- قول الله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً [الكهف:88] فاليسر مصاحب للإيمان وللعمل الصالح، ولهذا تجد حياة المؤمن تيسيراً كلها، كلما طرق باباً فٌتِحَ له، لأنه يطرق الباب بقوة الله عز وجل، ويطرق الباب متوكلاً على الله، وهو يعلم أن الأمور كلها بيد الله، فيطرقه برفق وبهون، فحيثما توجه تجد أنه يتوجه بيسر، وإذا أراد أن يبحث عن وظيفة، أو عن عمل، أو عن دراسة، أو عن زوجة، تجد أنه يسير بهدوء ويفعل الأسباب، ولكن قلبه مستقر في صدره.

    لأنه يعلم أن الأمور كلها بيد الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن القضاء والقدر نافذٌ لا محالة، ولكنه متعبد بفعل السبب، فيفعل السبب وكله ثقة بالله، فإن أجرى الله هذا الأمر فرح به وسُر، وقال: شكراً لك يا رب. وإن امتنع رضي أيضاً، وقال: شكراً لك يا رب. فربما كان الخير فيما منعه الله تعالى منه قال تعالى: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] وقال أيضاً: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]

    المسلم والمشقة

    وقد يواجه المسلم في حياته بعض المشقة، فالمسلم لم يوعد بالجنة على ظهر هذه الأرض، إنما وعد بالجنة في الدار الآخرة، ولهذا قد يصيب المسلم المرض، وقد يفتقر، وقد يُؤذى، ويُسجن، ويُعذَّب، وقد تلصق به التهم الباطلة، وقد تؤذيه زوجته، وقد يؤذيه ولده، والله تعالى خاطب المؤمنين الأولين بقوله: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] وقال: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28].

    فإذا أصابه شيء من ذلك لم تضق الدنيا في عينه، ولم تظلم في وجهه، لأنه يتذكر الآية القرآنية التي يقول فيها ربنا عز وجل: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6] فيدرك أن هذه الدنيا يصحب العسر فيها للمؤمن خاصة يسر بل يسران {ولن يغلب عسر يسرين} فحيثما اشتد الأمر شعر المسلم بأن هذا مؤذن بقرب الفرج:

    اشتدي أزمة تنفرجي     قد آذن ليلك بالبلج

    فيؤمن بأن هذا العسر يتبعه يسر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088951464

    عدد مرات الحفظ

    780089610