إسلام ويب

دعاة في البيوتللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ عن أهمية البيوت وحاجة الإنسان إليها واهتمام الإسلام بها، وحرمة الدخول إليها بغير إذن وحرمة النظر إليها، والوصية بالجار، وجعل النافلة فيها، ثم تحدث عن أهمية الدعوة إلى البيوت وأنها أثر للصحوة الإسلامية. ثم تحدث عن ثلاثة واجبات في البيوت وهي: أولاً: القيام بمصالح الأهل وإثبات الشخصية. ثانياً: التوعية والإرشاد والتعليم. ثالثاً: المراقبة والمحاسبة.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...وبعد:

    لقد كنت ألاحظ وأنا في كلية الشريعة وأصول الدين في القصيم، نخبة من الطلاب هم من خيرة الطلاب، لا تفارق البسمة شفاههم، والسرور يبدو على محياهم، والحب يغمر قلوبهم، فكنت أجد هؤلاء الشباب حين أسأل عنهم في كثير من الأحيان من هذه المنطقة المباركة، وكنت أظن هؤلاء نخبة قد اختاروا هذا الطريق، فلما أتيت إلى هذه المنطقة هذا العام، وفي العام الماضي ومن قبله، وجدت أن هذا الأمر الذي لاحظته على أولئك النخبة من الشباب البررة الأخيار الأطهار، وجدته وضعاً عاماً لدى السالكين إلى الله، والمستقيمين على صراطه في هذه الأرض، فهنيئاً لهذه المنطقة بأهلها من المؤمنين الصادقين، المحبين للخير، المجتمعين عليه، الفرحين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

    أحبتي! هذه المحاضرة عنوانها: (دعاة في البيوت) وأعتقد أن موضوع هذه المحاضرة من أخطر الموضوعات التي يجب أن يتحدث عنها الخطباء والمحاضرون، ويجب أن يستمع إليها الناس من كافة الطبقات، وذلك بسبب أن كل أسرة -في الدنيا كلها- لابد أن يكون لها بيت يئويها، وهذا البيت الذي تأوي إليه الأسرة يحوي جميع شرائح المجتمع، ففيه الأبوان، والأولاد، والصغار من الأطفال، وفيه الذكور وفيه الإناث، فهو عبارة عن مؤسسة متكاملة، وهذه المؤسسة في النهاية: هي التي تكِّون المجتمع الأكبر.

    ومن جهة أخرى، فإننا نجد أن كثيراً من المجتمعات، قد تفتقد بعض المؤسسات، فهناك مجتمعات -مثلاً- قد لا يوجد فيها مدارس، وهناك مجتمعات أخرى قد لا يوجد فيها أماكن العمل ومؤسسات العمل، وهناك مجتمعات أخرى قد لا تجد فيها الأصدقاء والقرناء، بل هناك مجتمعات كثيرة قد لا يوجد فيها حتى المسجد، وحتى المجتمعات الإسلامية مر عليها وقتٌ من الأوقات لم يكن يوجد فيها مساجد بصورة كافية، ففي مكة -مثلاً- لم يكن يوجد في أول عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة، إلا المسجد الحرام فقط، وكان تحت قبضة قريش وسطوتها، حتى كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً محيطة بها، وكان المسلمون لا يستطيعون أن يؤدوا عباداتهم، ولا أن يقرءوا القرآن في ذلك المكان الطاهر الأمين المبارك.

    لكن البيت، هات لي منذ وجدت الدنيا إلى اليوم مجتمعاً لا توجد فيه البيوت التي تأوي إليها الأسر، بغض النظر عن كون هذا المجتمع مسلماً أو كافراً، غنياً أو فقيراً، كبيراً أو صغيراً، فالأسرة تأوي إلى بيت، والبيت موجود في كل مجتمع.

    ألا تعتقدون أن مؤسسة بهذا الانتشار، وبهذه السعة، وبهذا الشمول، جديرة وحقيقة منا بأن نخصص لها جزءاً من وقتنا للحديث عنها؟ بلى.

    نجد أن الإسلام منذ نـزل كتابه الأول -القرآن الكريم- نجد أن قضية عناية الإسلام بالبيت كمؤسسة مثلاً، خذ على سبيل المثال بعض التشريعات الإسلامية المتعلقة بالبيت -ليس طبعاً هذا موضع الحديث لكن هذه أمثلة فقط لبيان أهمية البيت في الإسلام-:

    تحريم دخول البيت إلا بإذن أهله

    مثلاً تحريم دخول المنـزل إلا بإذن أهله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27] معنى تستأنسوا: أي تستأذنوا، السلام عليكم، أأدخل؟ السلام عليكم، أأدخل؟ السلام عليكم أأدخل؟ فإن أذن لك وإلا فارجع، فلا يجوز للإنسان أن يدخل بيت أحد إلا بعد الاستئذان، فإن أذن له وإلا رجع، ومن أجل هذا فرض الاستئذان لحماية البيوت، وبيان كرامتها.

    تحريم النظر إلى البيوت

    بل الأمر أشد من ذلك، حتى مجرد النظر حرمه الإسلام، ففي يوم من الأيام، كما في الصحيح: {كان الرسول عليه الصلاة والسلام في غرفته، وكان معه مشط يمشط به رأسه عليه الصلاة والسلام، فنظر رجل من خلل الباب، نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب عليه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال لو علمت أنك تنظر لضربت بها عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر} حتى عندما تجد الباب مفتوحاً، أو النافذة مفتوحة، أو يكون بيتك أرفع من بيت الجيران، يحرم عليك حينئذ أن تنظر في داخل البيت، لأن للبيوت كرامة وحرمه، حتى بمجرد النظر إليها، فإن هذا ممنوع، بل بلغ من عناية الإسلام بهذا الأمر، أنه لو أن إنساناً نظر في بيتك، وتيقنت هذا، ففقأت عينه، فعينه هدر، لا قيمة لها؛ لأنه قد أهدر كرامتها حين استخدمها فيما لا يجوز وما لا يسوغ، وقد سمح لبصره أن يتسلل إلى بيوت الآخرين، لأن بيوت الناس فيها عورات محفوظة مصونة، ومن أجل ذلك وضع الإسلام هذا السياج.

    حقوق الجيران

    قضية الجيران: التشريعات الإسلامية كثيرة في حقوق الجار، والجار هو جارك في المنـزل الذي إلى جوارك، فله حقوق حتى قال الرسول عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيح: {مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} إلى هذا الحد كثرت الوصايا بالجار، حتى توقع الرسول عليه السلام أن الأمر يؤول إلى أن الجار سيرث مثلما يرث الأخ والابن، ومثلما يرث الزوج وترث الزوجة.

    جعل النافلة في البيت

    ومن ذلك -أيضاً- تجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمر أصحابه ويأمر المؤمنين بأن يصلوا في بيوتهم -أحياناً- صلاة النافلة، ففي الصحيحين عن ابن عمر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً} يعني صلّ في البيت، حتى قال عليه الصلاة والسلام، في الحديث الآخر: {أفضل صلاة الرجل في بيته، إلا المكتوبة} فالنوافل يستحب أن يؤديها الإنسان في المنـزل لأسباب:

    أولاً: أنه أبعد عن الرياء.

    ثانياً: حتى يراك أهل البيت فيقتدون بك في عملك، وعبادتك، كيف تصلي، وكيف تركع، وكيف تسجد.

    ثالثاً: وحتى تطرد الشياطين عن هذه المنازل؛ بذكر الله تعالى فيها، وإقام الصلاة، فإن هذه البيوت إذا أقيمت فيها الصلاة أصبحت تشبه المساجد، لكن إذا تركت الصلاة فيها، فإنها تصبح كالقبور التي لا تجوز الصلاة فيها، فتشبه القبور من هذه الناحية، فما بالك إذا تحولت البيوت إلى أماكن للفساد وللرذيلة وللانحلال وأصبح فيها قنوات كثيرة، ونوافذ كثيرة، توصل إلى البيت ورياح الفساد، رياح الانحلال، فحينئذٍ تصبح ليست كالقبور، فالقبور ليس فيها هذا، بل تصبح أشبه ما تكون بالمواخير، وأماكن الفساد، وبيوت الحرام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089384736

    عدد مرات الحفظ

    784435154