أما بعـد:
هذه الليلة هيل ليلة الإثنين، الرابع من ربيع الثاني من عام (1411هـ) وقم الدرس (24) من الدروس العلمية العامة، عنوان هذه المحاضرة: كيف نتحرر من الأوهام؟
(كيف نتحرر من الأوهام؟)
وتقول: بأنها تشعر بذلك وهي في صلاتها: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99] تقول: إنها خائفة! تتذكر هذه الآيات وهي نائمة فتهب من فراشها مذعورةً فزعة، وتضطرب أعصابها، وتحس في قلبها خفقاناً شديداً لا يهدأ إلا حين تقوم فتتوضأ وتصلي وتدعو الله عز وجل.
وتقول الأخت الكريمة: إن ما يزيد من خوفها وقلقها وتعجبها؛ عندما ترى النساء مشغولاتٍ بالتفصيل والخياطة والتجميل وغير مباليات، بل يصرح بعضهن بأنهن يشعرن بالأمان، ليس النساء العاديات، بل وكثيراً من المتدينات والصالحات اللاتي تعقد عليهن الخناصر.
وتتساءل عن معنى خوفها هذا! هل هو خوفٌ زائد لضعف الإيمان، وضعف التوكل على الله عز وجل؛ أم ما معناه؟ ثم تذكر في آخر رسالتها: أنها بعد سماعها لمحاضرة (
لم أكن أدري أن هذه الرسالة من ضمن هذه الأسئلة! حين أعلنت عن العنوان وهو (كيف نتحرر من الأوهام؟!) ولا شك أن هذه الرسالة داخلة في موضوع محاضرة هذه الليلة، وسوف نتحدث أو نتعرض لجانب من هذا الموضوع.
كثيراً ما يشكو الناس من الأمراض؛ سواء أكانت هذه الأمراض أمراضاً بدنية أم كانت أمراضاً قلبية، أي: من ضعف الإيمان، وضعف اليقين، وضعف التوكل، ومن الشهوة، ومن الشبهة…إلخ.
وأعتقد أن هذه الأمراض التي يشتكي الناس منها نصفها أمراضٌ حقيقية أو أقل من ذلك، والنصف من ذلك -بل يزيد- هي عبارة عن أمراض وهمية، فالوهم ذاته مرض أكبر وأعظم من الأمراض التي نشتكي منها.
فقال له الرجل: إلى أين أنت ذاهب؟
قال: ذاهب إلى قرية كذا وكذا، لأهلك خمسة آلاف رجل قد أمرت بإهلاكهم، وفعلاً انتشر الطاعون في تلك القرية، ولكن مات خمسون ألفاً بدلاً من خمسة آلاف، ثم رجع الوباء فمر بالرجل، فقال له: من أين أتيت؟ قال: من قرية كذا وكذا، قال: إنك كذبتني! أخبرتني أنك سوف تقتل خمسة آلاف، والواقع أنك قتلت خمسين ألفاً، فقال له الوباء: كلا! أنا قتلت خمسة آلاف، أما الباقون فقد قتلهم الوهم، أي: من شدة الخوف من هذا المرض، توهموا أنهم أصيبوا بجرثومته، فما زالت بهم الأوهام حتى جعلتهم على فرشهم، وأودت بهم إلى مراقدهم وإلى قبورهم.
باختصار شديد: الوهم ينشأ من وضعنا للأشياء في غير موضعها، حين نصغِّر الكبير ونكبِّر الصغير؛ فحينئذٍ يتولد لدينا الوهم، وأضرب لكم بعض الأمثلة المادية القريبة: الشمس -مثلاً- جرمٌ هائل، ولما تقرأ كلام العلماء في جرم الشمس وحجمها وثقلها تتعجب أشد العجب!
وتقول: سبحان الله العظيم!
وتبارك الله أحسن الخالقين!
لكن حين تأتي إلى إنسان شابٍ صغير أو طفلٍ ثم تريه الشمس وهي في رابعة النهار وفي كبد السماء، وتشير إليها؛ ثم تشير في مقابل ذلك إلى شيءٍ آخر قريب من عينيك وليكن -مثلاً- برجاً ضخماً، فتقول له: أيهما أكبر؟!
بكل تأكيد هذا الصغير سوف يقول لك: إن البرج أكبر؛ مع أن هذه حقيقة مضحكة في نظر الناس؛ لأنه لا مقارنة بينهما، لكن لأن هذا الصبي الصغير لا يعرف حجم الشمس ولا يعرف أنها بعيدة عنه جداً، تصور أنه البرج -أكبر منها لأنه أقرب من الشمس- فهذا وهم في نفس الصغير! فكيف نشأ؟!
نشأ لأنه وضع الأشياء في غير موضعها، فكبرَّ الصغير -وهو البرج- وتصور أنه كبير، وصغَّر الكبير -وهو الشمس- فتصور أن الشمس صغيرة لصغر عقله، وقد نضحك نحن من هذا المثال؛ لكننا نمارس هذا المثال على نطاق أوسع، وفي مجالات أخرى.
مثال آخر -وهو مثال مادي-: لو أتيت بورقة صغيرة ووضعتها قريباً من عينيك؛ لوجدت أنها تحجب عنك الدنيا كلها! الدنيا بسعتها وعرضها احتجبت وراء قصاصة من الورق بحجم راحة اليد!
وذلك لأنك قربتها من عينيك فكبرت وغطت، أما الدنيا فكانت وراء ذلك، فهذا أيضاً وهم يحجب عن الإنسان رؤية الأشياء على حقيقتها.
وهكذا الأشياء المعنوية؛ خذ -مثلاً- قضية الموت؛ فالموت يحجبه عن كثير من الناس الوهم، لأن الموت يتصور الإنسان أنه بعيد، فينظر إليه نظرة صغيرة ولا يعطيه ما يستحق من التفكير، ولا ما يستحق من الاستعداد؛ وتكبر في عينه أشياء قريبة جداً، ولو تصور الموت؛ لتغير الميزان عنده.
هل مر بك نعيمٌ قط؟
فيقول: لا والله يا رب! ويؤتى بأشد أهل الدنيا بؤساً من أهل الجنة، فيغمس بالنعيم غمسة، فيقال له: يابن آدم هل رأيت شراً قط؟
هل مر بك بؤسٌ قط -أو شدة قط-؟
فيقول: لا والله يا رب! ما رأيت شراً قط، وما مر بي بؤسٌ قط
}.مثلاً: أنت في هذه الدنيا عندك موازين: مصالح، وأشياء تحبها، وأمور تبغضها، أناس تصادقهم، ناس تعاديهم، أشياء تفعلها، أشياء تتركها، وعندك أشياء كثيرة في هذه الدنيا، ولو سألناك على أي أساس هذه الأشياء؟!
لماذا تحب فلان وتبغض فلان؟
لماذا تفعل هذه الأشياء وتترك هذه الأشياء الأخرى؟
قد تجد أنها لمصالح دنيوية.
هل الناس الذين كنت تحبهم لا زلت تحبهم؟
لقلت: لا والله! الآن أبغضهم وأتخلى عنهم! لماذا؟
لأنهم لم ينفعوك، وهل الدنيا التي كنت تحبها وتركض وراءها لازلت كذلك تحيها؟
لقلت: لا والله! مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29] أي تخلى عنك.
إذاً: عند الموت تتغير الحقائق كثيراً في ذهن الإنسان، لكن بعد فوات الأوان!
وذُكر رجل، بالغيبة عند معروف -وهو أحد الزهاد المعروفين- فقال معروف للمتحدث: اذكر القطن إذا وضع على عينيك.
ومن الآثار السيئة لذلك: أن الإنسان أصبح يحسن القبيح، ويزين في عينه الحسن، كما قال الشاعر:
زُين في عينك القبيح كما زُين في عين غيرك الحسن |
يقضي على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن |
وقال الله تعالى -وقوله أبلغ وأصدق-: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:14-16] وقال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر:8].
كلا، ولو فعلها هل كان يتلذذ بها؟
كلا، لم يكن ليتلذذ بها، بل كان الموت ينغص عليه كل لذة، كيف لا! ونحن نجد أن الموت ينغص على الإنسان اللذات المباحة، فضلاً عن اللذات المحرمة، فضح الموت الدنيا، فلم يبق فيها لذي عقلٍ فضلاً ولا مكانة!!
وكيف يمكن أن أبلغ أهله؟
وكيف يمكن أن أتخلص من الموقف؟
وما أشبه ذلك.. فيقول: يهيمن عليه خوف الموت إلى حد أنه أصبح - وهذا نوعٌ من الوسوسة - الخوف من الموت وهماً كبيراً يغطي على عين الإنسان.
تمخضت المنون له بيومٍ أتى ولكل حاملة تمام |
يعني: كأنه قال: إن المنون -وهو الموت- مخاض، يعني: ولادة أخرى للإنسان؛ ولذلك يقول بعض الحكماء: إن الإنسان في الدنيا مثل الفرخ في البيضة، فكما أن اكتمال نمو الفرخ وبلوغه -كماله المقدر له- يكون بانكسار هذه البيضة وخروجه منها، فكذلك الإنسان خروجه من هذه الدنيا -خاصةً الإنسان المؤمن- هو نوعٌ من الكمال له:-
أولاً: لخروجه على الإيمان -هذا إذا خرج مؤمناً -وتجاوزه الخطر، وتجاوز القنطرة.
ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت كانت فاطمة رضي الله عنها تقول: {واكرب أبتاه، وترى النبي صلى الله عليه وسلم يصيبه الكرب ويتغشاه، ويتفصد جبينه عن العرق، فتقول: واكرب أبتاه، فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم} أي: آخر ما عليه، واليوم يقضي محمد صلى الله عليه وسلم آخر ما عليه، فهذه الكربات هي آخر عهده بكل الآلام.. وبكل الأحزان.. وبكل ما يكرهه الإنسان.. بعدها يفضي إلى نعيم دائم لا تَحوَّل عنه ولا زوال، فهذا كمال للإنسان.
كما أن الإنسان المؤمن عند انتقاله إلى الدار الآخرة هو كمال أيضاً؛ لأنه ينتقل إلى رضوان الله تعالى وجنته ونعيمه، وهذا لا شك ما لا يحصله الإنسان، ولا يدركه في هذه الدنيا.
كما أنه كمال من وجه ثالث؛ فإن الإنسان في هذه الدار هي دار التي الأحزان والأكدار:
جبلت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار |
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار |
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفيرٍ هار |
فاقضوا مآربكم عجالى إنما أعماركم سفرٌ من الأسفار |
فالدنيا جبلت على كدر، ففيها الموت وفيها الآلام وفيها الأحزان وفيها المخاوف، وفيها الهموم، وفيها وفيها... لكن! إذا انتهى الإنسان وأفضى إلى الدار الآخرة ترك ذلك كله وراء ظهره.
خذ من الدنيا بحظ قبل أن تنقل عنها |
فهي دارٌ لست تلقى بعدها أطيب منها |
فهل هذا الكلام صحيح أم خاطئ؟
ليس بالضرورة أن يكون خطأ، فقد يكون صحيحاً بالنسبة له هو؛ لأنه إذا لم يكن تاب من هذا الكلام فهو من الكفار، والكفار عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا؛ فالكافر قطعاً لن يلقى بهذه الدنيا داراً أطيب منها، كيف وهو ينقل من نعيمه وملذاته وبيته وقصوره وجماله وزيناته وأمواله؛ ينقل إلى العذاب والعياذ بالله؛ وينقل إلى سخط الله عز وجل، وينقل إلى الملائكة الذين يضربونه في قبره بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعه كل شيءٍ إلا الجن والإنس -كما في حديث البراء وهو حديث صحيح- فصحيح أن الدنيا للكافر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر}.
ويروى أن الـحافظ ابن حجر رحمه الله -ذكر في ترجمته- أنه مر بموكب -وابن حجر كان إماماً جهبذاً، له مكانه وفضله -فكان يمشي معه الناس في السوق- فمر في موكب حسن برجلٍ من اليهود في مهنة رديئة -كأن يكون مثلاً: يمسح الأحذية أو غير ذلك - فوقف هذا الرجل الكافر للإمام الـحافظ ابن حجر وقال له: أريد أن أسألك سؤالاً، قال ما لديك؟
قال: أليس رسولكم -ونقول نحن صلى الله عليه وسلم- يقول: {الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر} قال: بلى، قال: لكن أنت الآن في جنة وأنا في سجن؛ فكيف يحصل هذا؟!
قال: نعم، أنت الآن وإن كنت في سجن إلا أنك إذا نسبنا ما أنت فيه وقارناه بما أنت صائر إليه في الدار الآخرة إذا ما لم تكن أسلمت فهو يعتبر جنة؛ وكذلك أنا؛ إذا وفقني الله عز وجل وسددني وثبتني ومت على الإسلام والإيمان، فما أنا فيه بالقياس إلى ما أنا صائر إليه من النعيم المقيم هو يعتبر سجناً، فأسلم هذا اليهودي، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ولذلك فإن الكافر يريد أن يأخذ مثلما سمعتم في البيت السابق الذي يقول:
خذ من الدنيا بحظٍ قبل أن تنقل عنها ......... |
أي: يريد أن يأخذ من هذا النعيم؛ لأنه ليس عنده إلا فترة واحدة، فقط وهي الدنيا، فيأخذ منها بقدر ما يستطيع، فهو يملئ فرجه وبطنه ويده من الشهوات بقدر ما يستطيع.
ولذلك عمر الخيام وهو أحد شعراء الفرس المشهور بالخمريات وشعر الغزل، والعكوف على الشهوات، له قصيدة -ضمن الرباعيات المشهورة له- يخاطب ساقيه أو منادمه فيقول:
أفق وصب الخمر أنعم بها …
إلى أن يقول في البيت الذي بعده:
وُروِّ أوصالي بها قبل ما يصاغ دن الخمر من شربها
يعني: عجل اسقني الخمر قبل الموت.
إذاً: الكافر هذه فلسفته وهذا مذهبه، يقول: عجل واشرب من الخمر وارتكب من الحرام، واملأ نفسك من الملذات؟
لأنه ليس عندك إلا فترة واحدة؟!
أما المؤمن فعنده منطق آخر مختلف تماماً، فهو يقول: وارد في حسابي جداً أنني أُؤجل كثيراً من أعمالي الصالحة للدار الآخرة؛ وهذا وارد جداً في الحساب، خاصة إذا كانت هذه الأعمال محرمة أو كانت مما يعوق عن الله عز وجل؛ فإن الإنسان يؤجلها؛ ولذلك قد يخرج الإنسان المال وهو يحبه، كما قال عز وجل: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً [الإنسان:8].
ولذلك روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قصة طويلة؛ وهي المعروفة بقصة سرية القراء الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض أحياءٍ من العرب، وهم سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان معهم حرام بن ملحان خال أنس بن مالك فلما جاءوا إلى القوم الذين بعثوا إليهم، وقف حرام بن ملحان يدعوهم إلى الله عز وجل، ويبلغهم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأشاروا إلى رجلٍ منهم -واحدٌ من هؤلاء الكفار المشركين المدعوين- قيل إنه عامر بن الطفيل وقيل إنه جبار بن سلمى، فجاء إلى حرام بن ملحان وطعنه بالرمح حتى أنفذه، أي: طعنه في بطنه حتى خرج الرمح من ظهره، ففار الدم بغزارة.. فماذا صنع حرام بن ملحان؟
والآن أنت أمام إنسان تخلى عن أمر دنيوي، تخلى عن الدنيا كلها، فهل بكى على ما خلف من الزوجة والأولاد وعلى العبيد وعلى الدنيا وعلى المزارع والبساتين؟
كلا، لم يحصل هذا، إنما استقبل الدم الذي يفور من بطنه بغزارة، حتى امتلأت يده، ثم رشق الدم على رأسه، ووجه وصدره وقال: [[الله أكبر! فزت ورب الكعبة]]
وهذا عجيب! فزت ورب الكعبة، ثم مالوا على البقية وقتلوهم، فأنـزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم قرآناً نسخ بعد ذلك، وهو:{أن بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا} فكان الرجل القاتل يتعجب من هذا المؤمن! الذي يقتل الآن، ويقول: فزت ورب الكعبة، عجيب! فهل تعتقد أنه يمثل؟!
هذا ليس موقف تمثيل، بل هذا موقف يصدق فيه الكاذب، ويؤمن فيه الكافر؛ فهو موقف جدِّ لا هزل فيه، والرجل يقول الحقيقة: [[فزت ورب الكعبة ]] ولابد أنه رأى بعينه وامتلأ اليقين بقلبه، فصار يقول: فزت ورب ا لكعبة.
إذاً: المؤمن عنده منطق آخر ومقياس آخر غير مقياس أهل الدنيا؛ وهذا المقياس يقول: من الممكن جداً أن يتخلى الإنسان المؤمن عن كثيرٍ من أمور الحياة الدنيا رغبة في الله تعالى والدار الآخرة.
وهذا النوع الأول من الذين يخافون من الموت: وهو الذي لا يؤمن بالدار الآخرة، فيريد أن يبقى أكبر مدة ممكنة في الدنيا، حتى يستمتع بلذاتها.
فيخجل العبد من ربه، ويتمنى أن يمد الله تعالى في أجله لعله يعمل صالحاً، ولعله يجدد توبة، ولعله يكفر عما سلف من ذنوبه ومعاصيه.
ولذلك الإمام الشافعي ويذكر أنه لما حضرته الوفاة، والإمام الشافعي شاعر كما هو معروف، وهو القائل:
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد |
فلما تلفت ونظر قال:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما |
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما |
فما زلت غفاراً عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منةً وتكرما |
فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ فكيف وقد أغوى صفيك آدما |
فللّه در العارف الندب إنه يفيض لفرط الوجد أجفانه دما |
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه على نفسه من شدة الخوف مأتما |
فصيحاً إذا ما كان في ذكر ربه وفي ما سواه في الورى كان أعجما |
ويذكر أياماً مضت من شبابه وما كان فيها بالجهالة أجرما |
فصار قرين الهم طول نهاره أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما |
يقول حبيبي أنت سؤلي وموئلي كفى بك وللراجين سؤلاً ومغنما |
ألست الذي غذيتني وهديتني ولا زلت مناناً عليّ ومنعما |
عسى من له الإحسان يجبر زلتي ويستر أوزاري وما قد تقدما |
فهذا النمط الآخر ممن يكرهون الموت: من قدموا ذنوباً وسيئات يخافون أن يلقوا الله تبارك وتعالى بها.
ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطفِ |
وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبرد الطرف |
فهو يقول خشية الموت عندي نكتة باردة، وأنا لا أخاف الموت! فخشية الموت عندي أبرد الطرف.
وكان رضي الله عنه يقول: [[والله ما أبالي وقعت على الموت أو وقع عليَّ الموت]] وكان يخوض المعركة ويضرب بسيفه حتى ينكسر وهو يقول:
أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر |
يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجي الحذر |
وانظر كيف هي الحكمة! وانظر الفهم! وانظر الإدراك! وانظر كيف تحولت المعاني من كلام يقال على لسانه إلى واقع يحكم حياته! يقول علي رضي الله عنه:
أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر |
يعني: متى أفر من الموت؟
والآن أنا مقبل على معركة، فهل يحق لي أن أخاف من الموت؟
يقول: لا يحق لي أن أخاف! لماذا؟
لأنه إن كان مقدوراً عليه أن يموت فسيموت ولو بغير المعركة، وإذا كان المقدور أن ينجو فإنه لن يموت بسبب دخوله المعركة:
أي يوميَّ من الأيام أفر؟ يوم لا قُدّر أم يوم قدّر |
يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجي الحذر |
ولذلك مما يتعلق بسيرته رضي الله عنه وأرضاه: أنه كان رضي الله عنه كما جاء في روايات عديدة يخبر أنه مقتول، وأنه يعرف قاتله، وليس بالضرورة أنه يعرفه باسمه، لكن يدري أنه مقتول، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تخبرنا من سيقتلك فنقتله؟
فالإمام رضي الله عنه بحكمته وإدراكه وذكائه قال: إذاً تقتلون غير قاتلي، فكر فما هو معنى هذا الكلام؟!
معناه أن من هو مكتوب له أنه يقتلني سيقتلني.
إذاً: لا يمكن أن يقتل قبل أن يقتلني، فهو لا بد أن يقتلني، فلو قتلتم أحداً لكان هذا الذي قتلتموه ليس هو الذي كتب وله أنه سيقتلني؛ لأنه مكتوب عند الله أن الذي سيقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن ملجم فلابد أن يقتله عبد الرحمن بن ملجم، ولو قتلتم رجلاً آخر، فلن يكون هو قاتل علي [[إذاً: تقتلون غير قاتلي]].
قال تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة:51-52] فهذا المنطق في فهم الموت؛ أكسب المؤمنين على مدار التاريخ شجاعة في الحروب.
وقوة، حتى كان الواحد منهم يخوض المعركة ويتعرض للموت، وليست مسألة أنه يخاف ولا يتعرض للموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف خير الناس وأفضلهم: {رجلٌ مؤمن على متن فرسه يقوده في سبيل الله يبتغي الموت أو القتل مظانه} أي: إن هذا الرجل يبحث عن الموت، وليس هو خائفاً أو تغلب على الخوف، بل هو يبحث عن الموت.
قال: نعم أنا منافق! إني إذا خضت المعركة أشعر بشيء من الرهبة في قلبي، وقد يمر في خاطري ذكر زوجتي وذكر ولدي، وأنا في صلب المعركة، وهذا لا يليق بالمؤمن، وهذا لا يليق بالمسلم، فأخبره الشيخ وقال له: يا ولدي، بارك الله فيك وثبتك الله، هذا أمر طبيعي، وهذا أمر جبلي، وذكره بـعبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وكيف أنه في معركة مؤتة مرت في خاطره هذه الأشياء فتأخر بعض التأخر، فقال: يا نفس، إلى أي شيءٍ تتوقين؟
تتوقين إلى زوجتي، فهي طالق.. إلى عبيدي؛ فهم أحرار... إلى مالي فهو صدقة لله عز وجل؛ ثم خاض المعركة وقاتل حتى قتل، وما زال يذكر له من هذه القصص ويورد عليه، فلما انتهى قال له هذا الرجل ببساطته وصدقه وإخلاصه: والله الذي لا إله إلا هو ما أخرج من عندك حتى تخرج النفاق من قلبي بعصاك هذه، فهو يطلب منه أن يؤدبه حتى يخرج هذا النفاق من قلبي ما هو هذا النفاق؟
النفاق أنه يحس بشيء من الرهبة، أو يتذكر شيئاً من الدنيا.
فهذا المنطق في فهم الموت أكسب المؤمنين شجاعة لا توصف؛ وما أخبار المجاهدين الأفغان عنا ببعيد، وكيف أنهم شباب أحياناً وقد اطلعت على كثير منهم ورأيت أسماءهم وسمعت بهم ورأيت منهم الكثير، تجد شاباً ما طرَّ شاربه، فهو في أعمار أولادنا! يخجل الإنسان من هؤلاء، فتجد الواحد منهم يترك دنياه ويذهب ليبحث عن الشهادة، وبغض عن رأيي الخاص في هذه القضية، وهل هناك تشجيع قوي للجهاد في أفغانستان، أم لا؛ فهذه قضية أخرى ليس لها مجال الآن؛ لأني تكلمت عنها وسأتحدث عنها -إن شاء الله-.
لكن أقول: إن مجرد كون هذا الشعور القوي عند هذا الشاب -يبحث عن القتل في سبيل- فهذا شعور كبير يستحق الإشادة.
إنه الخوف؛ ورأس الخوف من الموت، لكن حين يتحرر الإنسان من الخوف، وعلى رأس ذلك الخوف من الموت؛ تزول عنده المخاوف والأوهام فيصبح هذا الإنسان يتعامل مع الحقائق؛ فهو يقول كلمة الحق ولا يبالي؛ لأنه يعرف أن الموت سوف يأتي في الوقت المكتوب -لا يتقدم ولا يتأخر- فلا يرهبه؛ فحينئذٍ: تجد أنه إذا اقتنع بأن من المصلحة أن يقول الحق: قاله ولا يبالي ولا يخاف.
والأمثلة على الصدق والقوة في الحق بسبب التحرر من الدنيا كثيرة، ولعل ما ذكرته لكم في المجلس السابق من قصص العز بن عبد السلام رحمه الله! هي أنموذج للتحرر من الموت الذي جعل العلماء ينطلقون من هذه الأوهام ويتخلصون منها، فيكون الواحد منهم شجاعاً في الحق، لا يخاف في الله لومة لائم.
يقول الإمام ابن حزم رحمه الله! وهو أحد العلماء المشهورين بالنطق بكلمة الحق والجهر بها، يقول:
قالوا تحفظ فإن الناس قد كثرت أقوالهم وأقاويل الورى محن |
فقلت هل عيبهم لي غير أني لا أدين بالدجل إذ في دجلهم فتنُ |
وأنني مولعٌ بالحق لست إلى سواه أنحو ولا في نصره أهن |
دعهم يعضو على صم الحصى كمداً من مات من غيظهم منهم له كفن |
ولما أحرقوا كتبه رحمه الله -كما ذكرت هذا في غير هذه المناسبة، فقد أحرقوا كتبه من باب الغضب عليه، والحقد والكراهية- تحداهم! ولاحظ التحرر من الأوهام، وهذا وهم آخر، وهم الخوف على الكتب، والخوف على العلم، الخوف على المنصب، والخوف على المكانة، هذا وهم تحرر منه ابن حزم فكان يقول:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدرِي |
يسير معي حيث استقلت ركائبي وينـزل إن أنـزل ويدفن في قبريِ |
دعوني من إحراق رقٍ وكاغدٍ وقولوا بعلمٍ كي يرى الناس من يدريِ |
وإلا فعودوا في الكتاتيب بدأةً فكم دون ما تبغون لله من ستر |
كذاك النصارى يحرقون إذا علت أكفهم القرآن في مدن الثغر |
إذاً: قضية التحرر من الموت هو سر الشجاعة التي يتميز بها المسلم، سواء كانت الشجاعة في ميدان المعارك أو الشجاعة في كلمة الحق.
ولما سجن الأديب المعروف العقاد -سجن تسعة أشهر- ثم أخرج من السجن، قال قصيدة طويلة جميلة، من ضمنها يقول:
وكنت جنين السجن تسعة أشهر وهأنذا في ساحة الخلد أولد |
ففي كل يوم يولد المرء ذو الحجا وفي كل يوم ذو الجهالة يلحد |
وانظر ومنطق الحكماء!: والحقيقة هذا الكلام -بغض النظر عن مصداقيته- كلام يقول الجميع أنه صدق، فهو سجن تسعة أشهر ثم خرج، فماذا يقول؟
وكنت جنين السجن تسعة أشهر وهأنذا في ساحة الخلد أولد |
ففي كل يوم يولد المرء ذو الحجا وفي كل يوم ذو الجهالة يلحد |
أي: إن العاقل يولد كل يوم، يعني: بالخبرة والتجربة والمعرفة، وأما الجاهل الغبي فيموت في اليوم الواحد مرات.
إذاً: الإنسان عنده وهم آخر غير وهم الموت؛ وهو وهم الفوت: فوات المصلحة، فوات الدنيا، فوات الرزق، فوات المال، فوات الأولاد، فوات الأهل، فوات اللذة، فوات السيارة، فوات المراكب الدنيوية؛ وهذا هو الذي يمنع الإنسان من البذل والمجاهدة في سبيل الله، فكم من واحدٍ يقعد عن الجهاد! لماذا؟
لأنه خائف على أولاده، ولعلكم جميعاً تذكرون ذلك الشاعر الذي يقول: لولا بنيات، وهو يقصد بناته الصغار:
لولا بنيات كزغب القطا ردَّدن من بعض إلى بعض |
لكان لي مضطرب واسع في الأرض ذات الطول والعرض |
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض |
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض |
فهل تعتقد أن المجاهدين الصادقين لا يحبون أولادهم؟
والله إن الواحد منهم يضم ولده على صدره حتى يكاد أن يكسر أضلاعه؛ من شدة شوقه وحبه له وحنانه وعطفه عليه، ويكفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إمام المجاهدين، وإمام المتعبدين، يذهب إلى ابنه إبراهيم وهو عند أبي سيف القيم كما في صحيح البخاري، حيث كانت زوجة أبي سيف ترضع إبراهيم -كانت حاضنة ومرضعة لـإبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم- فلما مرض إبراهيم؛ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه بعض أصحابه إلى أبي سيف فتعجل بعض الناس وتقدم وقالوا لـأبي سيف: الرسول صلى الله عليه وسلم قادم -أي: استعد- ليطفئ الكير حتى يزول الدخان، ويستعد لاستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فحمله وشمه وقبله.
ثم بعد ذلك جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى إبراهيم وهو يجود بنفسه -أي: يموت- فضمه النبي صلى الله عليه وسلم إليه وبكى ودمعت عيناه؛ فتعجب الصحابة، وقالوا: هذا وأنت رسول الله!! هذا أنت يا رسول الله تبكي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا تسمعون؟! إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه
وقال صلى الله عليه وسلم: {إن له مرضعاً تكمل رضاعه في الجنة} وكذلك عمر: جاءه مرةً عيينة بن حصن أو غيره فوجد أنه يقبل الصبيان -وعمر هو أمير المؤمنين- يضم هذا ويشم هذا ويحمل هذا ويضع هذا!
وهذا حصل للرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً، فقال له الرجل: أتقبلون صبيانكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من لا يرحم لا يرحم} وعمر أجابه بنحو ذلك.
فكيف نعالج التعلق بالدنيا؟! سواء كان التعلق بالزوجة، فيخاف الإنسان على زوجته أحياناً، أو يخاف على فوات اللذات، ويخاف على الرزق -كما ذكرت- يخاف على أهله، يخاف أن يحرم من هذه الأشياء؛ بل يخاف من أن يأتيه أشد منها وعكسها من المصائب الدنيوية -من الفقر والذل والهوان وما أشبه ذلك- كالجوع أو الخوف، فيخاف من هذه الأمور؛ فما هو العلاج؟
العلاج هو:
أولاً: أن تتصور الأمور الدنيوية على حقيقتها، وتعرض عن الشكليات، فإياك والتعلق بالشكليات! وخذ مثلاً الحياة: كيف تقاس الحياة؟
وهل تقاس الحياة بعدد الأيام والليالي؟
أي: فلان عاش مائة وعشرين سنة فمعنى ذلك أنه انتهى من الحياة بشكلٍ جيد وأخذ حقه وافياً، والآخر الذي عاش أربعين أو خمسين سنة فهذا مسكين! ولم يعش شيئاً؟
كلا، فالحياة لا تقاس بالمدد والأعمار! فكم من الناس عاش أربعين سنة، لكن لما مات كانت الدنيا كلها قد انتفعت به؛ فأصبح كما يقال: ملء سمع الدنيا وبصرها، وقد تجد شاباً مات في الثلاثين أو بعد الثلاثين بقليل، ومع ذلك هو باقٍ بين الناس بالذكر الحسن؛ وبالمؤلفات النافعة، بالعلم، بالدعوة، بالمواقف المذكورة المشكورة المشهورة، بالجهاد، بالمنهج الذي خطه ورسمه للناس، المهم أنه باق بين الناس وإن كان في قبره:-
يا رب حيٌ رخام القبر مسكنه ورب ميتٍ على أقدامه انتصبا |
إذاً: الحياة لا تقاس بالأيام والليالي، بل تقاس بالآثار، ولذلك أوجه إليك سؤالاً وأرجو -إن شاء الله- أنه من قلبٍ خالص، وأن توجه هذا السؤال إلى نفسك؛ بل هما سؤالان:
السؤال الأول: اسأل نفسك: كم عمرك؟
السؤال الثاني: ماذا قدمت في هذا العمر الذي مضى؟
قد يكون عمرك أربعين أو خمسة وأربعين، فمعناه: أن زهرة عمرك انتهت، قوة الشباب وأريحيته، وتوقده، وحيويته، ونشاطه انتهت أو كادت، فتدارك ما بقي من عمرك، بارك الله فيك!
والرسول صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة ورواه البخاري عن أنس يقول: {من سرَّه أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه}.
فالمقياس في بسط الرزق ليس هو كثرة المال، والمقياس في طول العمر ليس هو كثرة الأيام والليالي، فكم من إنسان كان ماله وبالاً عليه.
وأنا -والله- مرة من المرات زرت واحداً من كبار الأثرياء أصحاب رءوس الأموال، الذين يعدون على الأصابع؛ فوجدت هذا الرجل في حالة يرثى لها! في همٍ وغم لا يعلمه إلا الله عز وجل، وقد فقد وعيه وعقله وأصبح كأنه صبيٌ صغير، فقال لي: هلمَّ معي أريك بيتي -بيت سكنه منذ عشرات السنين- فصار يذهب بي إلى هذه الغرفة وتلك الغرفة، ويتذكر ذكريات الطفولة والصبا، وأيامه في صغره، وأعماله وعمله…الخ، فقلت سبحان الله! رجع الإنسان كما كان؛ كأن فترة الدنيا هذه كلها قد انتهت وشُطِّب عليها؛ فسار الإنسان في آخر عمره لا يتذكر إلا أيامه الأولى، أيام شظف العيش، وأيام الجوع، وأيام الفقر، وأيام الكد والكدح، فماذا نفع المال، وماذا نفع هذا الإنسان؟! لا شيء.
إذاً: ليس المقياس كثرة المال؛ بل كثير من أصحاب رءوس الأموال هم رواد المصحات النفسية، فهم يعيشون من الأمراض والأحزان والمخاوف شيءٌ لا يوصف أبداً، ولا أحد يتصوره، كذلك بالنسبة للدنيا ليس المقياس هو كثرة الأيام والسنين؛ بل المقياس هو مدى ما فعله الإنسان؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، فليصل رحمه}.
الإيمان بالقدر:
ثانياً: العلاج الثاني: هو أن يعرف الإنسان أن المقدور كائن، فإذا كان الله عز وجل كتب لك في هذه الدنيا شيئاً من ألوان المسرات الدنيوية، فسوف يصيبك مهما كان، حتى لو تركته فإنه يلحقك، وكم من إنسان سواء من السابقين أو اللاحقين كان يدفع الدنيا عنه بالراحتين وباليد ثم تلحقه الدنيا.
فـعبد الله بن المبارك هل كان يبحث عن الدنيا؟
أبداً.. كان يركلها بقدمه وتقبل عليه؛ وفي مقابل ذلك: كم من إنسان يواصل كلال الليل بكلال النهار، ويتعب ويكدح من أجل الحصول على الدنيا وما حصل عليها؛ فالأسباب مشروعة فعلاً؛ لكن المقسوم سيقع لك.
الاهتمام بالآخرة والعمل لها:-
ثالثاً: العلاج الثالث هو: أن يوسع الإنسان نظرته بحيث يضم الآخرة إلى الدنيا -كما ذكرت في مطلع الحديث- فيفكر بالآخرة كما يفكر بالدنيا، فلا ينتهي نظره عند تسرب العمر، بل يمتد إلى الدار الآخرة وما فيها.
وهاهنا أنقل لكم كلاماً للإمام ابن الجوزي رحمه الله! في كتاب صيد الخاطر وضع له المحقق عنواناً، يقول: لا ينبغي الحزن للموت، يقول: هو يتكلم عن نفسه: ما زلت على عادة الخلق في الحزن على من يموت من الأهل والأولاد، ولا أنظر -أو أتذكر- إلى بلى الأبدان في القبور إلا وأحزن لذلك حزناً شديداً.
يقول: فمرت بي أحاديث كانت تمر بي ولا أتفكر فيها، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما نفس المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرده الله عز وجل إلى جسده يوم يبعثه} -يعلق أي يأكل من شجر الجنة..
فهذه روح المؤمن- يقول: فرأيت أن الرجل إذا ارتحل إلى الدار الآخرة فإنما يرتحل إلى الراحة، وأن هذا البدن ليس بشيء؛ لأنه مركب تفكك وفسد، وسيبنى بناءً جديداً يوم البعث، فلا ينبغي أن يتفكر الإنسان في بلاه ولتسكن نفسه إلى أن الأرواح انتقلت إلى راحة، فلا يبقى كبير حزنٍ للإنسان، وإن اللقاء للأحباب في الدار الآخرة عن قريب، وإنما يبقى الأسف -عند من يتأسفون على موت الأحباب والأصحاب- لتعلق الخلق بالصور، فلا يرى الإنسان إلا جسداً مستحسناً جميلاً قد نقض فيحزن لذلك، والجسد ليس هو الآدمي وإنما هو مَرْكب الآدمي، وإنما الآدمي حقيقة هو الروح، فالأرواح لا ينالها البلى والأبدان ليست بشيء. هكذا يقول رحمه الله وهو منطقٌ حسن من هذا الرجل العارف البصير رحمه الله!
خذ مثلاً نعيم الدنيا وقارنه بنعيم الجنة، إن نعيم الدنيا معروف، ويكفيك أن الله عز وجل كتب الفضيحة على الدنيا بحيث أن كل لذة في الدنيا فهي مشوبة بأمر يكرهه الناس، فلو نظرت -مثلاً- إلى الطعام! متى يكون الطعام لذيذا؟
إذا شعرت بالجوع، إذاً ألم الجوع يسبق لذة الطعام، وكذلك الطعام إذا ذكر الإنسان إلى ماذا يصير! فيجد أنه يصير إلى ما هو معروف فيكرهه، ويدرك أن لذات الدنيا مشوبة ومطوقة ومنغصة بأمور يمقتها الإنسان ويكرهها.
ونفس الكلام يمكن أن نقوله: عن لذة النكاح -وهي أعظم لذات هذه الدنيا- فيجد الإنسان أن هذه اللذة فيها من القبح والكراهة شيءٌ قد يمتعض منه الإنسان ويكرهه، ولولا أن النفس والجبلة قد جبلت عليه، وهي حكمة من الله عز وجل لاستمرار النسل والتوالد إلى أن يشاء الله عز وجل.
أما الآخرة: فأمرٌ آخر وراء ذلك، فليس فيها جوع ولا عطش ولا كدر ولا غم ولا هم ولا حزن، وإليك هذه الأمثلة.
في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه يقول: [[غاب عمي
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردٌ شرابها |
والمؤمنون الذين كانوا يقاتلون في الأزمنة الأخيرة كانوا يقولون بلهجتهم العامية:
هبت هبوب الجنة وين أنت يا باغيها |
فكانوا يحسون بريح الجنة فيقولون: هبت ريح الجنة، وكان يقول: [[الجنة ورب
والقضية ليست تخييل ولا رسم ولا تصوير، فالرجل لشدة شوقه إلى الجنة شم ريحها في أنفه؛ فاشتاق إليها وأسرع إليها، وصار يقاتل المشركين حتى قتل، وبعد المعركة بحثوا عنه، فما عرفه أحد إلا أخته، يقول أنس: [[فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة ما بين طعنة بسيف أو رمية بسهم أو ضربة برمح، ووجدناه قد قتل ومَثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته عرفته ببنانه، قال: فكنا نظن فيه وفي أمثاله نـزل قول الله عز وجل: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23]]]
وخذ -يا أخي الكريم- هذا المثال الآن: أنس بن النضر كبرت عنده الحقائق وصغرت عنده الأوهام، فحقيقة الجنة كبرت عنده حتى أصبحت حقيقة حسية يشمها بإحدى الحواس الخمس التي أعطاه الله عز وجل وهي الشم، وصغرت عنده الدنيا حتى أصبح يطؤها بقدمه ولا يلتفت إليها.
فهنا تحرر هذا الرجل من الوهم -وهم التعلق بالدنيا- وكيف لا يكون كذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: {لقاب قوس أحدكم في الجنة خيرٌ مما تطلع عليه الشمس وتغرب} ويقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري أيضاً: {لموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها} أٌف وتُفٍ على لذات الدنيا ونعيمها وبهرجها بالقياس إلى هذه الجنة!! فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لكن ما هو الجاري؟
وما هو الحاصل بالنسبة لنا؟
الحاصل: أن لذات الدنيا كبرت في قلوبنا، فأصبحنا نتفنن -مثلاً- بالمطاعم والمشارب والملابس والقصور والسيارات والنساء، وأغرقنا في هذا الأمر حتى غلب علينا، وبالمقابل صغرت عندنا الحقائق الكبيرة -حقائق الجنة ونعيمها- حتى أصبحنا لا نتذكرها إلا في المناسبات، من رمضان إلى رمضان، أو بمناسبات الوعظ والتذكير يتذكر الإنسان هذا الأمر، وقد يبكي بعض الصالحين ثم يغادر ذلك وينساه، ويعود إلى ما كان عليه في دنياه، وهنا الخطأ فيجب أن نعيد الأمور إلى نصابها.
وخذ مثلاً نساء الجنة من الحور مع نساء الدنيا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث من قرأه وتأمله؛ يعجب له أشد العجب، والحديث رواه البخاري- يقول صلى الله عليه وسلم: {لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الدنيا لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً} الله أكبر! وهذا كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فهي تضيء ما بين المشرق والمغرب ولملأته ريحاً من طيب ريحها، وقارن هذه بأجمل نساء الدنيا وأعطر نساء الدنيا، وهل هناك وجه للمقارنة؟!
هل يقارن الذهب بالخزف؟
هيهات هيهات، ثم يقول عليه الصلاة والسلام: { ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها }.
إذاً: فأعد الحساب يا أخي الحبيب: {ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها} أي: خمارها إن صح التعبير كما نسميه في هذه الدنيا.
إذاً: امرأة من نساء أهل الجنة خير من الدنيا وما فيها!! أفلا ما تستحق هذه الدنيا أن نقول لها: بئس لك متى ما كنتِ عائقاً في الطريق إلى الله عز وجل والدار الآخرة؟!
بلى والله.
فيا أخي: أعد النظر في هذا الحديث، واقرأ وتأمل فإن هذا هو كلام الصادق المصدق: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] {لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها}.
ونعود -أيضاً- إلى ابن الجوزي رحمه الله! وننقل لكم النقل الثالث والأخير، يقول -أيضاً- في صيد الخاطر: والله إني لأتخايل دخول الجنة، ودوام الإقامة فيها من غير مرضٍ ولا بصاق ولا نوم ولا آفة تطرأ؛ بل صحة دائمة وأغراض متصلة لا يعتورها منغص، في نعيمٍ متجدد في كل لحظة؛ بل في زيادة لا تتناهى، فأطيش يقول رحمه الله: فأطيش ويكاد الطبع يضيق عن تصديق ذلك لولا أن الشرع قد ضمنه، فوا عجباً من مضيع لحظةٍ يقع فيها، فتسبيحة يغرس لها في الجنة نخلة أكلها دائمٌ وظلها، فيا أيها الخائف من فوت ذلك، شجَّع قلبك بالرجاء، ويا أيها المنـزعج لذكر الموت تلمح ما بعد مرارة الشربة من العافية.
فما هي الأشياء التي -ونحن نتحدث عن وهم اللذة الدنيوية- نتحسر على قوتها أيها الإخوة؟
نحن بحاجة إلى أن نكون صرحاء مع أنفسنا.
نحن غالباً ما نتحسر على فوات الدنيا: فوات المنصب أو الشهادة أو الوظيفة أو الزوجة أو ما أشبه ذلك، وهذا غالب حديث الناس، فهم يتحسرون على فوات أمورهم في الدنيا لماذا؟
لأنه كبر عندهم الصغير وهي الدنيا -وقد تقدم- وصغر عندهم الكبير وهي الآخرة، فتولد عندهم من ذلك وهمٌ عظيم.
أما الصالحون والعارفون فكانت حسرتهم على فوات الخير -فمثلاً- من التابعين من كان يتحسر على فوات صحبته صلى الله عليه وسلم كما كانوا يقولون لـحذيفة رضي الله عنه: [[والله لو أدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أكتافنا]] وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر بعض من يأتون بعده، وأن الواحد منهم يتمنى أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولو وُتر أهله وماله، يعني: يتمنى أن يخسر ويفقد الدنيا بمقابل أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتمنون صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا الصالحون حتى اليوم.
وأسألكم بالله! هل هناك واحد منا جلس يوماً من الأيام حزيناً فلو سئل ما سبب حزنك؟
لقال: حزنت لأنني حرمت من رؤية وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحرمت من سماع كلامه وحديثه، وحرمت من الجلوس إليه، وحرمت من الصلاة وراءه؟!
فهل هناك أحد منا مرَّ في خاطره هذا الشعور؟!
اصدقونا فوالله إن كنتم مثلي فلا أظن أحدكم كذلك، فينبغي أن نعيد الحساب إذاً.
مثلاً: كانوا يتحسرون على فوات -المشاهد تقدم سمعتم قبل قليل- فـأنس بن النضر رضي الله عنه يقول: يا رسول الله غبت عن أول قتالٍ قاتلت فيه المشركين، يعني: معركة بدر غاب عن هذا المشهد وعن هذا الموقف العظيم -معركة بدر- فيفكر بعملٍ صالح في معركة أحد، فهو يتحسر على فوات ذلك، ويتحسرون على فوات بيعة العقبة، وعلى فوات بيعة الرضوان، وعلى فوات المشاهد العظيمة والمناسبات الكبيرة، وهم يتحسرون -أيضاً- على فوات الشهادة، فكان الواحد منهم يذم نفسه ويوبخها على أنه ما رزق الشهادة، ويقول مخاطباً نفسه: [[لو كان لكِ عند الله تعالى قدر؛ لرزقك الشهادة في سبيله]] أما نحن فحسراتنا على هذه الدنيا الفانية.
فبعض الصالحين بكى، فقيل له: ما يبكيك؟
أي: لما ذكرت عنده النار، فقيل: لِمَ تبكي؟
قال: والله لو أخبرني الله عز وجل أنه سوف يسجنني في حمام لكان هذا أمر عظيم؛ فكيف وقد أخبرت أني إذا عصيت سوف أسجن في النار؟
وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه وفي صحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم عما أعد الله تعالى لأهل النار فيها، من الأمور التي يطول العجب منها، وأعظم ذلك: حرمانهم من رؤية الله تعالى والجنة والخير وإقامتهم الدائمة الأبدية في هذا العذاب الذي لا ينقطع، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الموت يكون في يوم القيامة بصورة كبشٍ أملح بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة؛ أتعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم نعرفه، هذا الموت، ويقال: يا أهل النار؛ أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم! هذا الموت قال: فيذبح في قنطرة بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة؛ لا موت، ويا أهل النار؛ لا موت، كلٌ خالد فيما هو فيه، فيزداد أهل الجنة سروراً إلى سرورهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم
ويقول الله عز وجل في قضية الجهاد: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة:81-82] فقوله: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا [التوبة:81] إلى قوله لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ [التوبة:81] ما هو الجواب؟ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً [التوبة:82].
إذاً: هل قارن هؤلاء بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة؟
فهم فعلاً تخلصوا من الحر ولم يخرجوا في الغزو فسلموا، فهم جلسوا تحت المكيفات وفي الظل الظليل وفي الهواء البارد، في مزارعهم وفي ثمارهم، ولم يخرجوا في الحر، فسلموا من هذا الخطر القريب الصغير، وهو خطر الحر الدنيوي لكنهم وقعوا في الحر الأعظم، وهو نار جهنم، قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً [التوبة:82] فلو كان عندهم فقهٌ وعقلٌ وعلم لتحملوا الحر الدنيوي في سبيل النجاة من الحر الأخروي.
وكذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم -في الحديث الآخر لما ذكر المرور بين يدي المصلي، أي: الذي يمر بين يدي المصلي- قال: {لو يعلم المار بين يدي المصلي، ماذا عليه -أي: من الإثم- لكان يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه} يعني: أنت مررت بين يدي المصلي الآن، وقطعت صلاته، وإذا قيل لك لماذا مررت بين يديه؟
تقول: أنا مستعجل ولم أستطع أن أنتظر حتى يكمل الصلاة، فيقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلم العقوبة لكان لك أن تنتظر أربعين سنة واقفاً خيراً من أن تمر بين يديه؛ لكن الإنسان غفل عن العذاب الأخروي وفطن للعذاب الدنيوي وهو تأخره عن عمله أو طول انتظاره أو وقوفه في الشمس؛ فاختلت الموازين عنده.
ولعل من الأشياء التي يكثر الناس من الحديث عنها اليوم هي قضية الأسلحة الكيماوية، فقد أصبحت خطراً كبيراً والكثير منا قد يكون لأول مرة يسمع بهذا الكلام في مناسبة الأحداث الأخيرة، فإن هناك أسلحة كيماوية كثير من الناس لأول مرة يعرفونها أو يسمعون بها أو يسمعون الحديث عن خطرها وآثارها المدمرة، فأصبحت شبحاً مزعجاً لكثيرٍ من الناس، حتى أصبحت بعض النصائح والتوصيات تقول للناس: لا فائدة، لا بد من الموت، وعليك الاستسلام والانتظار حتى يأتيك الموت.
فهذا الخطر كبر في أعين الناس، وربما قد يمنع بعض الناس من الجهاد في سبيل الله.
وافترض أنه كان هناك جهاد في سبيل الله، فأراد أن يجاهد وخشي من هذه الأشياء، فقد لا يجاهد في سبيل الله؛ لماذا؟
لأنه خائف، أليس الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وهو حديث صحيح: {لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم} أي: ودخان جهنم ولا شك لا يقارن بأسلحة الدنيا مهما كان الأمر، فإذا أردت النجاة من هذا الدخان في جهنم؛ فعليك أن تبتغي الموت أو القتل مظانه، وأن تسعى إلى أن تعفر وجهك وأنفك بالغبار في سبيل الله عز وجل، وإن ترتب على ذلك مفاسد لك بالنسبة للدنيا، من مرض أو موت أو ما أشبه ذلك، فهذه في الحقيقة مصلحة وليست مفسدة.
وأنا الآن تحدثت لكم عن السبيل إلى التخلص من وهم الفوت -وهم الخوف من فوات المصالح الدنيوية- فذكرت أولاً: تصور هذه الأشياء على حقيقتها؛ ثم ذكرت معرفة أن قدر الله كائن، ثم ذكرت ساعة النظرة: بحيث ينظر الإنسان إلى الدنيا وإلى الآخرة معاً.
كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن |
فالمؤمن يشكو والكافر يشكو، فقد يكون المؤمن فقيراً قد يكون غنياً، وكذلك الكافر وقد يكون المؤمن صحيحاً وقد يكون مريضاً، وكذلك الكافر، وقد يكون المؤمن قوياً وقد يكون ضعيفاً، وكذلك الكافر.
إذاً: هذه الدنيا مركبة على النقص، وحتى الإنسان حين يتجه إلى أموره الدنيوية فإنه يتعرض لنقص، إما من مرضٍ أو فقرٍ أو مصائب أو أحزان أو غير ذلك؛ لكن تعب السعيد شيءٌ آخر ولا أريد أن أتحدث عنه فسبق وأن تكلمت عن تعب السعداء وتعب الأشقياء؛ لكن أضرب لكم أمثلة سريعة تناسب المقام يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وهو حديث صحيح: {لا يجد الشهيد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم من القرصة} أي: قرصة العقرب، وأمرها سهل.
إذاً: الموت مكتوب على الجميع، وكل الناس يتألمون من الموت، لكن الشهيد مع أن له عند الله الكرامة العظيمة حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {للشهيد عند الله سبحانه وتعالى ست خصال -وذكر- أنه يغفر له مع أول قطرة من دمه، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع…} إلى آخر ما قاله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فموته في الدنيا ليس موت تعب، بل كما يجد أحدكم من القرصة.
وقد تسمع بمغنٍ أو فنان أو خبيث من خبثاء الدنيا، جلس أياماً في فراش الموت يعاني من ا لآلام والمصائب والمصاعب المبرحة ما أن لو وضعت على جبل لانهد وتفتت والعياذ بالله "وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:85] -نسأل الله العفو والعافية- فهذا نموذج.
نموذج ثانٍ: {مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بامرأة -كما في الصحيح- وهي تبكي على قبر -أي: عند قبر ولدٍ لها مات- فقال لها صلى الله عليه وسلم: اتقِي الله واصبري، فما عرفت المرأة الرسول صلى الله عليه وسلم- فقالت: إليك عني -ابتعد عني- فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، ثم قيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت عنده فلم تجد عنده بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك، واعتذرت إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى} فكل المصائب وكل الأحزان عند الصدمة الأولى.
يا أخي الحبيب -مثلاً- أنت لم تتعود على الشيء، ولذلك تخاف منه، لكن الخوف بحد ذاته هو الخطر وإلا لو أزلت هذا الخطر وهذا الخوف؛ لتبين لك أن الأمور أقل مما تتصور.
فمثلاً: كثير من الناس يكرهون أن يتكلم الناس فيه، فهو حساس، ولا يجب أن يسمع أي كلمة نقد، ولذلك تجد أن الإنسان دائماً حذر يأتي من هنا ومن هنا... يحب أنه لا يسمع أي ملاحظة؛ وهذا مستحيل، فالناس:
أولاً: لا بد أن يتكلموا فيه، فليس هناك أحد من البشر المخلوقين يرضى الناس كلهم عنه، كما سبق أن تكلمت في محاضرة: المستقبل للإسلام.
إذاً: لا يمكن أن ترضي الناس كلهم، فهذه واحدة.
الثانية: أنك إذا جعلت همك هو إرضاء الله عز وجل، وتحري الصواب؛ فبعد ذلك يمكن أن أول مرة تسمع فيها كلمة نقد تجرحك؛ لكن عندما تسمعها مرة ثانية وثالثة، ورابعة وخامسة وعاشرة؛ يصبح الأمر عندك طبيعياً؛ فيصبح الذي يقول لك: أخطأت ولماذا وماذا...، مثل الذي يقول لك: أحسنت وجزاك الله خيراً، فيكون الأمر عندك سيان، فهذا أمر يعطيه الله العبد وهو الصبر عند الصدمة الأولى.
إذاً: إذا أردت -مثلاً- أن تعود نفسك على أي أمر من الأمور، فابدأ بالصبر عند الصدمة الأولى، فمثال هذا الكلام ينطبق على كل شيء.
مثلاً: الآن أنت شاب تريد أن تتدرب على الكلام أمام الناس فيكون عليك الصبر عند الصدمة الأولى، فأنت أول مرة سوف تجد صعوبة في الكلام وستجد أنك مضطرب، ويمكن أن يضيع نصف الكلام الذي سوف تقوله؛ لكن إذا وقفت ثم استمريت في الحديث؛ بعد ذلك تجد في المرة الثانية أن الأمر عندك هين، كما يقولون بالنسبة للسباحة، فلكي يتعلم الإنسان السباحة؛ يحتاج إلى أن يجزم أول مرة بعد ذلك يهون الأمر لديه، فكل الأمور الشرعية الجهاد في سبيل الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الاتصال بالناس، الدعوة إلى الله، الوقوف أمام الناس، الكتابة، الخطابة إلى غير ذلك، كل الأشياء الصبر فيها عند الصدمة الأولى، فأزل هذا الوهم -وهم الخوف- الذي يمنعك، ثم بعد ذلك ستجد الأمور سهلة -بإذن الله تعالى- أكثر مما تتصور.
والقصة رواها ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين يقول بكر بن عبد الله المزني وهو من التابعين: [[ إن الحواريين فقدوا عيسى عليه السلام -فقدوا نبيهم- فذهبوا يبحثون عنه، فجاءوا إلى شاطئ البحر فوجدوه في البحر والموج يرفعه تارة -أي: يمشي على البحر- ويضعه مرة أخرى، وعليه إزارٌ ورداء، فأقبل نحوهم، فلما اقترب منهم قال له أحد الحواريين -ولعله من أفضلهم-: ألا أجيء إليك يا نبي الله، أأخوض البحر إليك؟ قال: نعم تعال، فوضع الرجل الحواري رجله اليمنى في البحر، فلما وضع اليسرى قال: غرقت غرقت يا نبي الله، فمد يده عيسى عليه السلام إليه وقال: أرني يدك يا قصير الإيمان، أي: أعطني يدك يا قصير الإيمان. لو أن لابن آدم من اليقين قدر شعيرة لمشى على الماء
وقد يقول قائل: لماذا تذكر هذه القصة؟
أولاً: القصة صحت أو لم تصح فهذا موضوع آخر، وهي رواية إسرائيلية ذكرها بكر بن عبد الله المزني وهو تابعي -كما ذكرت لكم- لكن السلف لم يجدوا حرجاً من سياق بعض الإسرائيليات التي لا يكون فيها غرابة ولا نكارة؛ لأن معجزات الأنبياء أو بالأصح لأن آيات الأنبياء حق، فالنبي قد يمشي على الماء، وقد يُخضع الله له من نواميس الكون الشيء الكثير، فليس في القصة غرابة ولا نكارة، وإنما مقصودي بها أن كثيراً من الناس شدة خوفهم تمنعهم من أن يعملوا أي شيء، وبالتالي يحسون بالعجز كما أحس هذا الرجل حين وضع رجله في الماء فأحس أنه يغرق، فقال: غرقت يا نبي الله، لكن لو كان عند الإنسان توكل على الله عز وجل وثقة به؛ لربما استطاع أن يتغلب على كثير من العقبات ولا يشعر بالغرق!
إذاً: لابد من اليقين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم من ضمن ما كان يدعو به في مجلسه، أنه كان يقول: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا} فقد يبدأ الإنسان بمشاريع أو يفكر على الأقل بمشاريع خيرية كثيرة، مشروع كتاب، مشروع درس، مشروع إصلاح، أمر بالمعروف، نهي عن منكر، تكوين حلقة علمية، أي عمل يمكن أن يخطر في بال أحدنا، فما هو المانع الذي يمنعه من ذلك؟
إنه الخوف من أنه سوف يفشل في هذا العمل، فلا بد من اليقين، والحديث الذي ذكرته: { اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك} رواه الترمذي وحسنه ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
فالدعاء قد يجري الله عز وجل به للعبد ما لا يخطر له على بال، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس في الصحيحين يقول: {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره} أي: لصدق اليقين، فلماذا أقسم على الله؟
أقسم على الله لأنه قام في قلبه من شدة التوكل على الله، وشدة الثقة واليقين بوعد الله عز وجل أن أصبح الأمر كالمشاهدة، فأصبح يحلف على الله أن يفعل كذا، فيحصل ذلك فعلاً، كأن ينـزل مطراً فينـزل المطر: {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره} وللسلف قصص ربما لو جمعناها لكانت درساً مستقلاً في هذا الباب، فادع الله عز وجل، وجأر إلى الله بالدعاء، وثق بأن الله تعالى يستجيب لمن دعاه.
والثانية: حتى لو جاء المستقبل، فالمستقبل يحمل معه مشاغله ومشاكله وعوائقه.
فلذلك أنصح إخواني في الله: أنه لا أحد يعلق على المستقبل، اترك المستقبل لله عز وجل، والذي تستطيع أن تعمله؛ اعمله الآن، والذي لا تستطيع أن تعمله؛ دعه وقل: إن أمكنني الله منه فعلته:-
وخذ لك منك على مهلةٍ ومقبل عيشك لم يدبر |
وخف هجمة لا تقيل العثار وتطوي الورود على المصدر |
ومثل لنفسك أيُّ الرعيل يضمك في ساحة المحشر< |
وكفر إبليس من أين جاء؟
جاء من قوله: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12] فأنا هذه هي التي كفر بها إبليس.
وهذا فرعون رأس الطغاة يقول:أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ قال سبحانه: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزخرف:50-53].
وهذا قارون: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:76-79] إنما أوتيته على علمٍ من عندي، فهو يرى أنه بجدارته ومواهبه أستحق ما أعطاه الله عز وجل.
وبعدهم طاغية هذه الأمة الذي أنـزل الله تعالى فيه قوله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً * أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً * فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً * يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم:77-86] أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا، إنه العاص بن وائل لما جاءه خباب يتقاضاه -كما في صحيح البخاري-دين له عنده، فقال أعطني الدين، قال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، قال: لا أكفر حتى يميتك الله ثم يبعثك، قال: فدعني حتى أموت وأبعث فسوف أوتى مالاً وولداً فأقضيك، فأنـزل الله قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً فما هي المسوغات أن يؤتى مالاً وولداً؟
وما هي الجدارة التي استحق بها هذا الأجر؟
قال تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً [المدثر:11-16] وقال تعالى: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ [المعارج:38-39] أي: أنت تعرف من أين خلقت؟! فليس هناك مسوغات لدخول الجنة إلا العمل الصالح، فإذا خسرت العمل الصالح فأنت من أهل النار، إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ [المعارج:39].
إذاً: تعظيم الذات -الأنا- قد توصل الإنسان والعياذ بالله إلى درجة الكفر، وأحد الشعراء المعاصرين، بالمناسبة أحد الإخوة وجه لي سؤالاً وأذكره لأن له مناسبة، يقول: كيف تستشهد ببيت عمر الخيام، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من أنشدكم شعراً في المسجد فقولوا له: فض الله فاك} مع أن البيت فاحش؟
وأقول: الحديث الذي استشهد به الأخ لا يصح، بل كان الصحابة رضي الله عنهم كـحسان وكعب وعبد الله بن رواحة ينشدون الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول: {زد أو هيه} وأحياناً يقول: {اهجمهم وروح القدس معك -أو جبريل يؤيدك-} فالحديث الذي استشهد به الأخ لا يصح.
واسمحوا لي أن استشهد لكم ببيتين لهذا الخبيث المخبث نـزار قباني وإنما أتيت به بمناسبة الأنا -عبادة الأنا- والشرك بالله عز وجل عن طريق عبادة الذات، يقول بلسانه:
مارست ألف عبادة وعبادة فوجدت أفضلها عبادة ذاتي |
والواقع أنني أشهد بالله العظيم أن هذا الكافر العنيد ما مارس أي عبادة إلا عبادة ذاته وعبادة الشهوة، وعبادة المرأة التي يوم كان المسلمون يقولون: نشهد أن لا إله إلا الله، كان هو يقول للمرأة: أشهدُ ألا امرأةً إلا أنتِ، كما أخرج كتاباً بهذا اللفظ، فالرجل لم يكن يعبد إلا نفسه وشهوته، فعبادته لذاته هي الأولى والأخيرة، وإنما صرحت بكفره؛ لأنه ثبت عندي؛ لأنه قال ما قد ذكرت لكم، وقال أبشع وأفضع وأشنع منه، ولست أحفظ من شعره كثيراً؛ لكنني أذكر أنه نسب إلى الله تعالى من النقائص والعيوب في شعره -كالملل والعجز والضعف وغير ذلك- ما يكفر به قولاً واحداً عند جميع المسلمين إلا أن يتداركه الله بتوبة ويسلم من جديد؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، والإنسان ما دامت روحه في جسده فقد يتوب، فيتوب الله عليه مرة أخرى، ويقول هذا المستكبر:
أنا أرفض الإحسان من يد خالقي قد يأخذ الإحسان شكلاً مفجعا |
فانظر كيف عبادة الأنا والعياذ بالله، ويا سبحان الله! وتبارك الله! وما أحلم الله! يعني: السمع والبصر والفؤاد والجسم والبدن والهواء والأكل والشرب والحنان والعطاء والصحة والعافية والرزق، ممن أتت بهذا المسكين؟
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53] ومع ذلك يرفض الإحسان، فتبارك الله ما أحلمه!!
التذكير بالله:
أولاً: يعالج بتذكيره بالله عز وجل؛ لأن الإنسان المستكبر إنما استكبر في نفسه حين غفل عن ربه فوقع في القضية التي ذكرتها لكم في البداية، فهو قد كبر في عينه الصغير وصغر في عينه الكبير، فنفسه الصغيرة كبرت حتى صارت الأنا ملء الدنيا عنده، والله جل جلاله بعظمته وكبريائه صغر في عينه حتى لا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يرجوه، فهنا حصل الوهم عند الإنسان، ولذلك تجد عند الإنسان من الوهم بقدر ذلك، فأحياناً قد تجد إنساناً طيباً مسلماً قد يشعر أو يحس أو يسمع بانتقاص الدين أو سب المؤمنين أو سب الرسل أو حتى سب الله عز وجل، فلا يغضب ولا يثور؛ لكن لو سمع أحداً يسبه لغضب وزمجر وأرغى وأزبد وقام ليدافع عن نفسه، فعلامَ يدل هذا؟
يدل على الأنا؛ وأن عندك قدر من الأنا، فهو وإن لم يصل إلى حد الشرك؛ لكنه وهم يجب أن تنتصر عليه بحيث يكون غضبك لله ورسوله ودينه؛ أعظم بكثير من غضبك لنفسك.
وأنا أدعوكم مرة أخرى -يا أحبابي- إلى أن تطبقوا هذا المعيار على أنفسكم، هل فعلاً نحن نغضب لله ولرسوله مثلما نغضب لأنفسنا؟
فإذا قيل لك: إن المكان الفلاني فيه معصية أو في البلد الفلاني ترتكب فيه معصية؛ فانظر وراقب ما هي المشاعر التي تثور في قلبك؟!
ثم إذا قيل لك: إن بعض الجيران قد أعطى ولدك كفاً بغير حق، فانظر ما هو الشعور الذي يثور في نفسك؟!
ومثال آخر: قيل لك: إن هناك كاتباً أو شاعراً في أقصى الدنيا ألف كتاباً يسخر فيه من الأنبياء والمرسلين فانظر ماذا يكون رد فعلك؟!
ولو قيل لك: إن آخراً ألف كتاباً يهجوك ويسبك ويشتمك وينسبك إلى أن فيك كيت وكيت من النقائص، فماذا يكون رد فعلك؟!
قارن بين الحالتين حتى تعرف: هل كبر الله جل وعلا في عينك أم كبرت في عينك نفسك، فكبر في عينك الصغير وصغر في عينك الكبير.
فلا بد أن يعرف الإنسان ربه جل وعلا حق معرفته بقدر ما يطيق، وأن يتعرف إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته وآياته وسننه وأفعاله جل وعلا.
تسليط الدنيا على ابن آدم:
والأمر الآخر الذي يعيد الإنسان إلى الاعتدال ومعرفة نفسه: عبر الحياة ومآسيها، أن الله تعالى سلط الدنيا على بني آدم، فهؤلاء الذين يكبرون في عيون أنفسهم ويستكبرون سرعان ما يصغرون حتى يصيرون أصغر من النمل، سبحان الله! كتب الله أن يفتضحوا في الدنيا قبل الآخرة! ولنفرض أنه سليم من الأمراض ولا يسلم، وسلم من الآفات والفقر والجوع لكن الموعد عند الموت، فيصبح هذا الإنسان المستكبر أحقر من ذبابة، فـأمية بن أبي الصلت كان مستكبراً، حتى أنه من استكباره رفض الانصياع للرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به؛ انظر ماذا كان حاله عند الموت؟! عند الموت أصبح يتقلب ويقول -كأنه يخاطب الملائكة-: لبيكما لبيكما هأنذا لديكما ثم قال:
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في رءوس الجبال أرعى الوعولا |
كل عيش وإن تطاول دهراُ صائر مرة إلى أن يزولا |
وكذلك الملوك والسلاطين والخلفاء الكبار، حين نـزل بهم الموت كان الواحد منهم يتمنى أنه كان فقيراً لا يعرف؛ لأنه ذهب صفو الدنيا -بالنسبة لهم- وبقي لهم الكدر في الدنيا وفي الآخرة.
فالذين يدركون تحول هذه الحياة وسرعة انتقالها؛ لا بد أن يدركوا أنهم أضعف من أن يكبروا في عين أنفسهم، وأن الإنسان لا حول له ولا قوة إلا بالله.
أحبتي الكرام: -كما أسلفت لكم- الأوهام كثيرة: وهم الدنيا، وهم الموت، وهم الخوف، من المخلوقين، وهم اللذة، وهم الشعور بالعجز، وهم استكبار الإنسان، كل هذه الأوهام عندنا قدر منها، سواء قل أو كثر.
فأدعو الإخوة إلى أن يراجعوا أنفسهم ويكونوا صرحاء للغاية لعل الله عز وجل أن ينقذنا من هذه الأوهام؛ لنعيش في دنيا الحقائق.
الجواب: هذا صحيح، قد كنت حاضراً في أحد المجالس، وكان معنا أخونا الكريم الشيخ/ أسامة بن لادن، فتكلم عن خطر العراق ومخططه للغزو، وكان هذا قبل سنة، فما ذكره لك السائل صحيح.
الجواب: ليس الشافعي من قسم العصاة وحاشاه من ذلك؛ بل هو من نبلاء هذه الأمة وعبادها وصالحيها وأئمتها، لكنه هو نفسه يرى لنفسه ذلك وهذا من تواضعه -كما أسلفت- وله أبياتٌ من الشعر يقول:
أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة |
وأكره من بضاعته المعاصي وإن كنا سواءً في البضاعة |
فرد عليه الإمام أحمد كما يقول بعضهم ببيتين يقول:
تحب الصالحين وأنت منهم وترجو أن تنال بهم شفاعة |
وتكره من بضاعته المعاصي وقاك الله من تلك البضاعة< |
ويقول: لماذا لا يفرش السطح حتى يجلس فيه بعض الإخوة بدلاً من الشارع؟
الجواب: الحقيقة يؤسفني جداً أن يجلس الإخوة في الشارع، وهذه قضية لا بد أن تحل بإذن الله تعالى ونرجو الله أن تحفهم الملائكة، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.
الجواب: استشهدت ببعض أبيات العقاد، والعقاد له كتب طيبة ومفيدة، فهو أديب معروف، لكن لا شك من حيث الوضوح في تصوراته الإسلامية وفهمه للإسلام نظر، أي: لا تؤخذ من العقاد، إنما يستفاد منه في مجاله وفنه.
الجواب: صحيح أنك مصيب فيما ذكرت، وكنت ممن يحذر من هذا؛ لكني -أحياناً- عندما أشعر بضيق الوقت وكثرة الموضوع الذي أريد أن أتحدث إليه؛ يغلبني ذلك، فأسأل الله أن يعفو عني، وجزاك الله خيراً.
الجواب: نعم مقدرة؛ لكن لا مانع من أن يكون قد قُدر لهذا الإنسان طول الأجل؛ لأن الله تعالى كتب أنه يصل رحمه، فكان هذا سبباً لزيادة عمره.
الجواب: مواضع رفع السبابة في الصلاة: عند الدعاء في التشهد الأول والأخير، فإذا قلت السلام عليك أيها النبي... السلام علينا... أشهد أن لا إله إلا الله، اللهم صلِّ على محمد، اللهم بارك على محمد، فكل ذلك ترفع فيه السبابة.
الجواب: وإنما قرأت هذا؛ لأنه سبق أكثر من مرة جاءتني ورقه مثل هذه وأعرضت عنها؛ لأن الناس يعرفون الأيام، وإنما تكررت فذكرتها، والأخ إنما ذكرها يرجو أن يكون شريكاً في الأجر.
الجواب: أقول: نعم، وهذا ما فاتني أن أذكره لضيق الوقت، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا خاف من قوم قال: {اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم}.
الجواب: نعم يخاف عليك ذلك في الواقع:-
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر |
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر |
يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور جاء بالضرر |
فأحذر يا أخي: يقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] وجاهد ثم جاهد واقرأ كتاب الجواب الكافي في من سأل عن الجواب الشاف للإمام ابن قيم الجوزية.
الجواب: إذا تذكر هذا، فعليه أن يتذكر ما بعد ذلك، فإن كان من الصالحين؛ فإنه يصير بعد ذلك إلى مغفرة من الله ورضوان.
الجواب: لا، بالعكس! الوهم الذي يصيبك، يجب أن يكون حادياً لك إلى أن تضاعف من أعمالك الصالحة.
الجواب: نعم هذه لا شك أنها من الأخطاء والمفاهيم السائدة عند المسلمين، وسببها هو التخلف الذي يعانيه المسلمون في كثيرٍ من المجالات، ونرجو من الله عز وجل أن يرفع عن المسلمين هذه الضوائق التي يعيشونها، وأن يكتب لهم العز والنصر في التمكين في الدنيا، حتى يزول هذا الوهم عن الشباب، ولن يكتب الله عز وجل النصر والتمكين حتى يزول هذا الوهم من نفوسهم.
الجواب: لا بل تستطيع أن تتخلص من هذا النظر؛ لكن لا شك أن النظر يحتاج إلى مجاهدة، وفي نفسي أن أخصص له درساً إن شاء الله تعالى.
بعد أن تحدثت عن الأوهام حول الموت، فما هي الأشياء الأساسية التي نتشبث بها حتى يدركنا الموت ونحن على حالة طيبة؟
الجواب: تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وحالة الموت هي حالة شدة، والأشياء التي تتشبث بها أنك تتعرف على الله في الرخاء بالبحث عن مرضاته.
الجواب: نعم صحيح أن من قرأ سورة الملك قبل أن ينام فإنها المنجية: {سورة من كتاب الله، ثلاثون آية ما زالت بصاحبها حتى أنجته من عذاب القبر} وهي سورة تبارك الذي بيده الملك.
أما أسباب عذاب القبر فكثيرة:
منها: الغيبة والنميمة.
ومنها: أن الإنسان لا يستنزه ولا يستبرئ من البول.
ومنها: أن الإنسان لا يتعلم الدين وهذا من أعظم الأسباب المجهولة عندنا، أن الإنسان يؤخذ الدين بالوراثة والتقليد ولا يخصص وقتاً لتعلم الدين، ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاختبار في القبر، فقال: {أما الكافر والمنافق فيقول: هه هه لا أدري! كنت أقول ما يقوله الناس...}.
إذاً: هو يردد كلاماً يقوله الناس ولم يأخذ الدين بالدراسة، وعن العلم والعلماء والكتب، إنما أخذه بالتقليد والوراثة فقط.
الجواب: تكلمت عن الخشوع في الصلاة في دروس بلوغ المرام في الأسابيع الثلاثة الماضية فبإمكان الأخ الكريم أن يراجعها.
وربك ما أخشى من الموت إنه طريقٌ وكل الناس في الدرب سائر |
وربك ما أخشى من الحرب إنها سجال فمحظوظ بهن وعاثر |
وربك ما أخشى من الفقر إنه بتدبير من تهفو إليه المشاعر |
ولكنني أخشى من الغفلة التي تموت بها عند الخطوب الضمائر |
أخاف علينا من خطوبٍ كثيرة تزلزلنا والقلب في الغي فاجر |
أقول لقومي لا تسوقوا ركابكم إلى غير دين الله فالموج هادر |
ولا تيئسوا ما خاب أصحاب ملة إذا ما تواصوا بينهم وتآزروا |
الجواب: في الواقع الأبيات جميلة وحلوة! وأنا أبدي إعجابي أولاً بالأخ الكريم الذي يبدو لي أنه كتب الأبيات من الذاكرة؛ لأن فيها بعض الملاحظات اليسيرة التي عدلتها، وقبل ذلك: إعجابي بالشاعر الكبير الدكتور/ عبد الرحمن العشماوي؛ ومن هذا الموقع أقول جزاك الله خيراً يا عبد الرحمن العشماوي.
الجواب: نرجو الله عز وجل أن يكون كفارة ما دمت تبت إلى الله عز وجل، فلا شك أن العبد إذا تاب تاب الله عليه، وهذا المرض الذي ابتليت به إذا صبرت عليه أجرت عليه أيضاً.
الجواب: ينبغي لمن سمع القرآن أن ينصت.
الجواب: الأمر في ذلك واسع، فإن صلى ركعتي تحية المسجد فهذا حسن وجيد، لقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وإن ترك بحجة أنه وقت نهي؛ فلا حرج عليه في ذلك؛ لأنه لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وإن كنت أرى أن يصلي ركعتين.
الجواب: إذا كان الإمام لا يسكت لقراءة الفاتحة؛ فلا أرى أنه يجب على المأموم أن يقرأها.
وأترك بقية الأسئلة إلى أسئلة أخرى عندي -إن شاء الله- سأجيب عليها.
ولا أترك شيئاً منها بإذن الله تعالى إلا ما كان مكرراً أو لا داعي له.
سبحانك وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر