أما بعــد:
عباد الله، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعـد:
فهذا الدرس هو الستون من سلسلة الدروس العلمية العامة، التي تلقى بالجامع الكبير بـبريدة، يلقى في هذه الليلة- ليلة الإثنين- السادس عشر من شهر ذي القعدة، من سنة (1412هـ) عنوانه: (الحلال البغيض).
ترامى إلى مسمعي صوتها المتهدج الباكي، الذي تقطعه الأنات والزفرات، وظللت فترة طويلة أستنطقها فلا أفهم ما تقول، وبعد جهد جهيد علمت أنها مطلقة تسأل عن بعض ما تعاني، ليست هذه حالة فردية ولكنها تتكرر كثيراً، ولا يملك الإنسان أمامها حين لا يعرف التفاصيل والأسباب إلا أن يشارك هذه المرأة الحزينة آلامها وعذابها، وهو يتذكر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو داود، وابن ماجة، والبيهقي، والحاكم، وغيرهم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أبغض الحلال إلى الله الطلاق}.
وهذا الحديث روي مرفوعاً متصل الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروي مرسلاً، والصواب أنه مرسل عن محارب بن دثار، لا يذكر فيه ابن عمر رضي الله عنه، وهذا ما رجحه جماعة من أئمة الحديث، كـأبي حاتم الرازي، والدارقطني، والبيهقي، والخطابي، والمنذري، والألباني، وغيرهم، ولكن يغني عن هذا الحديث في تقبيح الطلاق وتشنيعه من غير سبب ولا حاجة ما رواه مسلم في صحيحه، في كتاب صفة المنافقين وأحكامهم، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منـزلة أعظمهم فتنة، فيجيء أحدهم -أي: من جنود إبليس- فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول له: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجته، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت -وفي رواية- فيلتزمه} أي: يضمه إليه ويعانقه.
ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أصحاب السنن وأحمد وغيرهم، عن ثوبان رضي الله عنه وهو حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أيما امرأة طلبت الطلاق، أو سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة} ولا شك أن هذا الحديث صريح في تحريم أن تسأل المرأة زوجها أن يطلقها من غير سبب، ولا شك أن بغض المرأة زوجها بغضاً يحول بينها وبين القيام بحقوقه، والوفاء بحاجاته الشرعية، أن هذا سبب وجيه لطلب الطلاق.
ولهذا لما اختلعت حبيبة بنت سهل الأنصارية من زوجها ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {والله يا رسول الله ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام -وكانت تبغضه- فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها، وقال: خذ الحديقة وطلقها تطليقة} وكان رجلاً ذميماً، ولكنه كان خطيباً مفوهاً جهير الصوت، وكان من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، شهد معركة أحد وبيعة الرضوان لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18].
ولما قدم وفد تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، افتخروا بأمور، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {قم فأجبهم}.
فقام وتكلم بكلام قوي، فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال بنو تميم: والله لخطيبه أحسن من خطيبنا، وشاعره -يعنون حسان بن ثابت- أحسن من شاعرنا، وقد استشهد هذا الرجل النبيل الفاضل، في معركة اليمامة، في قصة طويلة عجيبة ذكرها أهل السير المهم أن زوجته طلبت منه المخالعة وردت إليه ما أعطاها، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقصته مع زوجته قصة صحيحة، رواها مالك وأبو داود والنسائي وغيرهم، وإسنادها صحيح.
ومن هنا ندرك الخطأ الذي يقع فيه البعض، حين يقول مثلاً: الطلاق ظلم للمرأة، بل إنني أعرف حالات كثيرة، أصبح الطلاق فيها مطلباً ملحاً تحاوله المرأة، ولكن يحول بينها وبينه رجل ظالم متلاعب محتال، يلعب بها يمنة ويسرة ويحتال عليها، فلا تستطيع أن تثبت عند القاضي ما يدعوه إلى إلزام زوجها بالطلاق، مع أن المرأة مستعدة أن تفتدي نفسها من زوجها بالغالي والنفيس، وكما قيل:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا< |
ففي جاهلية العرب -مثلاً- عرف الناس العضل، وهو: أن الزوج بعد ما يطلق الزوجة، قد يعضلها ويمنعها من الزواج بغيره، ولهذا نهى الله تعالى عن ذلك، وقال: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] فقد يعضلها قريبها أو أبوها أو أخوها، وحتى الزوج أحياناً قد يمنعها، فلا تنكح من بعده إلا بإذنه.
وكذلك التعليق: أن يعلق الرجل المرأة، فليست بالزوجة، وليست بالمطلقة، وهذا أيضاً مما نهى الله عنه ورسوله، فقال تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129] وجاء له ذكر في القصة المعروفة، في حديث أم زرع، فكانت إحداهن - وهن إحدى عشرة امرأة اجتمعن فتعاقدن وتعاهدن على ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً- والحديث في صحيح البخاري، فكانت إحداهن تقول: زوجي العشنق، إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، فهي لا مخرج لها من أحد هذين الأمرين.
ومثله أيضاً الظهار، كان معروفاً في الجاهلية، يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ولما حدث هذا في الإسلام، وسألت خولة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {ما أراك إلا قد حرمت عليه، فأنـزل الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ [المجادلة:1]} ثم بين الله تعالى كفارة الظهار المعروفة في القرآن.
ومثله الإرث أيضاً، فكان الرجل يرث المرأة، يرثها كما يورث المتاع، ويضع عليها إن أعجبته رداءه أو ثوبه، فتكون له، ولا تملك أن تنكح غيره.
ومن طرائف أخبار أهل الجاهلية، بل أخبار أهل الإسلام الذين تأثروا بالجاهلية وورثوا بعض عاداتهم، ولم يستقيموا على أمر الإسلام، من طرائفهم في الطلاق -أمر عجيب في التلاعب به وإيقاعه لأدنى سبب- ما قاله الأصمعي لـهارون الرشيد: إن رجلاً من العرب طلق خمس نسوة في مجلس واحد. فضحك الرشيد، وقال له: كيف وإنما ينكح الرجل في الإسلام أربع نسوة لا خمساً؟ فقال له الأصمعي: كان رجلاً أحمق فدخل على نسائه، أربع نسوة، وهن متلاحيات فيما بينهن -بينهن خصومة وجدل وقيل وقال وارتفاع الأصوات- فنظر إلى إحداهن، وقال: والله ما أظن هذا الأمر إلا من قبلك يا فلانة، اذهبي فأنت طالق! فقامت إحداهن، وقالت: والله لقد عجلت عليها بالطلاق يا فلان، فلو أدبتها بغيره لكان حقيقاً لك ذلك. فقال: وأنت طالق أيضاً! فقالت الثالثة: قبحك الله! لقد كانتا محسنتين إليك مفضلتين عليك. فقال: وأنت أيضاً أيها المعددة أياديهما طالق!. فقامت الرابعة، وقالت: ضاق صدرك عن نسائك إلا بالطلاق. قال: وأنت تبع لهن! وكانت جارة من جاراته تسمع هذا الخبر وتسمع الأمر، فلما سمعت طلاقه لزوجاته الأربع، أشرفت عليه من طرف الدار، وقالت له: والله لقد شهد العرب عليك وعلى قومك بالضعف؛ لما عرفوا عليك وعنك من العجلة وسوء الخلق. وقال: وأنت أيضاً أيها المؤبنة المؤنبة المتكلفة، أنت طالق إن أجاز زوجك هذا. فناداه زوجها من أقصى الدار يقول: قد أجزت! قد أجزت!
وطلق رجل زوجته بعد خمسين سنة، وهذا ممن تأثروا بآثار الجاهلية. فقالت له: أبعد خمسين سنة تطلقني؟ فقال: والله ما أعيب عليك إلا هذا! أي: ما طلقها إلا لطول مكثها معه.
يريد الفتى طول السلامة جاهداً فكيف ترى طول السلامة يفعل< |
وهذا ما شرعه الله تعالى في قوله: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:229] فإن الإمساك بمعروف: هو الإحسان إلى المرأة، بتحمل ما قد يبدر منها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: {لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر} فقد تجد فيها نقصاً في جانب، يسدد في جانب آخر، أو تجد منها خلة في وقت، ولكن تجد منها في وقت آخر ما يغطي على هذا ويمسحه ويزيله.
ومن أروع وأجمل النماذج في الإمساك بمعروف والتسامح بين الزوجين، ما جاء في قصة أم زرع، التي ذكرتها قبل قليل، وقد روتها عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم، فعقب عليها عليه الصلاة والسلام بقوله لـعائشة {كنت لك كـ
لما ذكرت معاملتها له، وكلامها هذا بعد ما طلقها، قالت: أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟! عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟! منامه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة، بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟! طوع أبيها وطوع أمها، وغيظ جارتها، وملء إهابها -تصفها بالكمال في خلقها وجسمها وطاعتها لوالديها- جارية أبي زرع -خادمته- فما جارية أبي زرع قالت: لا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تبث حديثنا تبثيثا ولا تملأ بيتنا تعثيثا، أي نظيفة وخدومة وأمينة على السر وعلى الكلام وعلى متاع البيت، حتى ذكرت ضيف أبي زرع، وهذا كلام امرأة تحب زوجها وتعلقت به، ولذلك فهي تثني عليه وعلى أمه وعلى ولده وعلى بنته وعلى خادمه وعلى ضيفه وعلى كل شيء.
ثم ذكرت أن أبا زرع هذا، خرج يوماً والأوطاب تمخض، فرأى امرأة فأعجبته، فطلق أم زرع ونكحها، ثم تزوجت أم زرع بعده رجلاً آخر، فأعطاها من كل شيء من المال وغيره، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك. أي أعطيهم، قالت: فوالله لو جمعت كل ما أعطاني، ما بلغ إناءً من آنية أبي زرع، لأنه كما قيل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول |
كم منـزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منـزل |
فالرسول عليه الصلاة والسلام قال لـعائشة: {كنت لك كـ
وعلى كل حال؛ فقد شرع الإسلام التسامح بين الزوجين:
أولاً: وعظ المرأة وتذكيرها.
ثانياً: شرع الإسلام للزوج حين يرى من زوجته مالا يحب ولا يرضى، أن يعظها بالقرآن والحديث والتذكير، وبالأمر وبالنهي، وغير ذلك مما يكون فيه أمر لها وتذكير لها بما يجب عليها، كما قال الله تعالى: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، فإن أجدى الوعظ كفى، وإن لم يجدِ الوعظ، فإنه يمكن أن ينتقل بعد ذلك إلى الهجر، يهجرها في المضجع ويعرض عنها، فإن لم يجدِ، فإنه يضربها ضرباً غير مبرح، كما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يجدِ ذلك، فإنه يمكن أن ينتقل إلى قول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35].
إذاً يجب عدم إدخال أي طرف آخر، إلا حينما يتعذر الإصلاح عن طريق الزوجين فقط، فإذا لم يجدِ الإصلاح بينهما عن طريق المناقشة، أو عن طريق الوعظ، أو عن طريق الهجر، أو عن طريق الضرب الغير مبرح، فحينئذٍ يمكن أن يدخلا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، وإذا أراد هذان الحكمان الإصلاح وفق الله بينهما قال تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] ولذلك يبقى الطلاق هو آخر الحلول، وآخر الدواء الكي.
وليس الطلاق كلمة تقال في لحظة انفعال أو غضب، فهذا لا يفعله عقلاء الرجال، ولكنه قرار مدروس محكم، يتخذه الزوج، بل ربما يتخذه الزوجان بالاشتراك بعد طول دراسة وتأني، ولهذا حرم الله تعالى -مثلاً- طلاق الحائض، وحرم أيضاً طلاق المرأة إذا كانت في طهر جامعها فيه، فلا يحل للرجل أن يطلق امرأته إلا في طهر لم يجامعها فيه، وهنا لا يكون الرجل طلقها في ساعة انفعال، بل انتظر حتى تطهر -مثلاً- إن كانت حائضاً، أو حتى تحيض ثم تطهر إن كان جامعها في ذلك الطهر، ثم هو في الطهر قد يكون متطلعاً إليها، مشتاقاً إلى معاشرتها، فلا يوقع الطلاق حينئذٍ، وهنا يكون الطلاق حلاً لمشكلة قائمة، لا صبر لهما أو لأحدهما عليها.
قال الأصمعي: كنت أغدو إلى رجل من الأعراب؛ أقتبس منه بعض الغريب، وأسأله عن بعض الكلمات التي لا أعرف معناها، قال: وكان كثيراً ما يذكر عندي أمامة وهو اسم زوجته، فدخلت عليه مرات فوجدته لا يذكرها، فقلت له: رأيتك لا تذكر أمامة، فأنشأ يقول:
ظعنتأمامة بالطلاقِ ونجوت من غل الوثاقِ |
بانت فلم يألم لها قلبي ولم تدمع مآق |
ودواء ما لا تشتهيـه النفس تعجيل الفراق |
والعيش ليس يطيب بين اثنين من غير اتفاق |
لو لم أُرَحْ بفراقها لأرحت نفسي بالإباق |
أي: لو لم أطلقها؛ لهربت من البلاد؛ لأن الحياة بينهما كانت أمراً صعب الاحتمال.
ومما يذكر في أخبار العجم: أن رجلاً منهم يقال له بولس طلق زوجته، وأراد بعض أصدقائه رده عن ذلك، وأثنوا عليها بأنها امرأة جميلة عاقلة ولود، فقال لهم: حذائي جديد، جيد الصنع، ومع ذلك فأنا مضطر إلى تغييره، ليس هناك أحد سواي يعلم أين يؤلمني.. بغض النظر عن هذه الكلمة، لأنها كلمة من رجل جاهلي، فلهذا لا غرابة أن يشبه المرأة بالحذاء، ولكنه أشار إلى معنى قد يوجد عند الكثيرين، وهو أنه يقول: هناك مشكلة قائمة بيني وبين زوجتي، هذه المشكلة من الصعب أن يدركها الناس؛ لأنها قضية دقيقة خفية، لا أحد يعرف من أين يأتيني الألم!
ولعله من المعروف الموافق للفطرة وللشريعة أيضاً، أن يكون الطلاق بيد من بيده عقدة النكاح وهو الرجل، فهو الطالب أصلاً، وهو الخاطب، وهو الباذل، وهو المنفق؛ ولذلك كان أمر الطلاق إليه في شريعة الله عز وجل، قال الحسن بن علي بن الحسين لزوجته يوماً من الأيام، وهي عائشة بنت طلحة، قال لها: [[أمرك بيدك. -أي إن شئت أن تطلقي فاطلقي- فقالت له: قد كان أمري بيدك عشرين سنة، فأحسنت حفظه، فلماذا أضيعه الآن إن وضعته بيدي ساعة من نهار؟ أنا قد صرفته إليك الآن وأرجعته إليك]] فأعجب بهذا العمل وأمسكها، وكان قد سخط عليها.
والطلاق من حيث حكمه في الإسلام، تجري عليه الأحكام الخمسة.
وقيل لـابن عباس أيضاً: ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟ فقال: يكفيه من ذلك عدد كواكب الجوزاء، قال تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] أي: الطلقة الأولى طلقة رجعية، والطلقة الثانية رجعية، ثم بعد ذلك ما هناك إلا أن يمسكها بإحسان ومعروف، أو يسرحها بإحسان ومعروف أيضاً، (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وهذه هي الطلقة الثالثة، ولما طلق عبد الله بن عمر رضي الله عنه زوجته وهي حائض؛ أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث المتفق عليه- وأمره أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن بدا له بعد ذلك أن يطلقها فليطلقها في طهر لم يجامعها فيه.
ومثله المولي كما يقول تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] فلو حلف ألا يأتي امرأته، ثم أصر على ذلك، ورفض فيئة إليها بعد التربص أربعة أشهر؛ فإنه يجب عليه حينئذ أن يطلقها.
ومما يذكر ويحكى: أن الفرزدق كان عنده امرأة يحبها اسمهانوار، فطلقها فندم على ذلك ندماً شديداً، فأنشأ يقول:
ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار |
وكانت روضتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار |
فأصبحت الغداة ألوم نفسي بأمر ليس لي فيه اختيار |
ثم أراد الفرزدق زوجته، فذهب إلى ابن الزبير يريد أن يراجع زوجته وذهب إلى ولده حمزة؛ ليشفع له عند أبيه، وذهبت نوار إلى زوجة عبد الله بن الزبير تقول لها: بلغي زوجك بأني لا أريد الفرزدق فلا يحاول؛ إنني لا أريده؛ لأنه رجل فيه كذا وكذا، فكان كل ما صنعه حمزة نهاراً من إقناع والده بالشفاعة؛ نقضته زوجته ليلاً، حتى غلبت المرأة، وقرر ابن الزبير أن لا يعود الفرزدق إلى زوجته، فقال الفرزدق يهجو عبد الله بن الزبير ويخاطبه:
أما البنون فلم تُقْبَل شفاعتهم وشُفِّعَت بنت مظعون ابن زبانا |
ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً |
المهم أن ابن الزبير قال للمرأة: إن هذا رجل شاعر، فإني أخاف أن يهجوني، فلو رجعت إليه، فقبلت الرجوع إليه، ثم طلقها مرة أخرى، وأشهد على هذا الحسن البصري وطلاب حلقته، فجاء وهم جالسون فقال: اشهدوا أني قد طلقت زوجتي نواراً، فشهدوا عليه، ثم ندم بعد ذلك.
وهكذا يطلق يوماً ثم يندم يوماً آخر، ولهذا كانت العرب تذم الإنسان المزواج أو الذواق المطلاق، بل جاء في هذا حديث -لكنه لا يصح، في ذم الذواق المطلاق أو المزواج المطلاق، يتزوج بكرةً ويطلق مساء.
إن من الثابت أن الأسباب التافهة المتكررة، هي التي تقوض الحياة الزوجية غالباً، وتجعل استمرارها أشبه بالمستحيل، وتقضي على كل معاني السعادة، فما إن يتذكر الرجل زوجته -مثلاً- وهو غائب عنها أو بعيد، حتى تقفز إلى ذهنه مجموعة من الصور والمشاكسات والمشاكل، وفي النهاية تعطي هذه المشاكل الطرفين قناعةً بأن الطلاق هو الحل، أما المشاكل الكبيرة والمشاكل العويصة المزمنة، فهي أقل تأثيراً وأقل ضحايا.
فغالب الأسباب هي أسباب صغيرة، ولكنها كثيرة تتكرر يومياً، ولهذا يتعجب الكثيرون، لماذا طلق فلان فلانة مع أنه ما حصل شيء؟! هو يحبها، وما نعرف منهم شيئاً!! أمور بسيطة تافهة، ولكن هذه الأمور البسيطة التافهة كثرت، وكما قيل: إن السيل من نقط، حتى آلت إلى مثل هذا الأمر.
وهم بهذا يهربون من تحمل المسؤولية، ويقنعون أنفسهم بأنه لا يد لهم فيما جرى، وأن ما جرى محض قضاء وقدر، ليس لهم فيه حيلة ولا اختيار ولا سبب.
ولا شك أن المسلم يؤمن بقضاء الله وقدره، فالإيمان بالقضاء والقدر هو من أركان الإيمان، والمسلم أيضاً يؤمن بالجن، بل ويؤمن بأن الجني قد يتلبس بالإنسي، وهذا جاء في قول الله عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] فأثبت المس في القرآن.
ويؤمن المؤمن- أيضاً- بالعين، وقد جاء في القرآن: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ [القلم:51] قال بعض أهل العلم: أي بالعين، وفي الحديث الصحيح: {العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين} وقال عليه الصلاة والسلام: {إنها تُورد الجمل القدر، وتورد الرجل القبر}.
فالعين حق، وكذلك يؤمن المسلم بالسحر، وأنه يقع ويؤثر كما ذكر الله تعالى في القرآن، ولكن الحكم بأن فلاناً وفلانة فيهما عين، أو بأن فلاناً أصابه سحر، أو فلانة أصابها مس، هذا أمر يحتاج إلى تثبت وتأكد، وأقول: اطلعت على حالات كثيرة، يدعي أصحابها الجن، وتبين لي خلافها.
اتصل بي إنسان يوماً من الأيام، فادعى أنه أصابه مس من الجن بالهاتف، فما زلت معه حتى اقتنع هو فعلاً بأن القضية لا تعدو أن تكون نوعاً من التمثيل.
فتاة أيضاً تشعر بأن أهلها معرضون عنها، لا يعطونها قدراً من الاهتمام، فتتظاهر بأنها مصروعة أو ممسوسة، حتى تلفت نظرهم إليها؛ ليقبلوا عليها ويهتموا بها، وقد يكون لسبب آخر.
وأيضاً كثيرون يدعون أن ما أصابهم سحر، وأنا أعلم أن ما أصابهم ليس كذلك، وإنما هو بأسباب أخرى، إما عدم وفاق بين الزوجين، أو لعدم محبة، أو لغير ذلك من الأسباب.
فلا ينبغي أن نصدق من أول وهلة، أن ما بين الزوجين هو سحر أو جن أو عين أو غير ذلك، بل ينبغي أن ندرك أن هناك أسباباً كثيرة، غالباً ما تكون من عدم وفاق بين الزوجين، أو تكون خطأً من أحدهما تجاه الآخر، أو تكون انصرافاً في قلب المرأة عن الزوج، أو في قلب الزوج عن المرأة، وقد لا يبين هذا من أول الأمر، فأيام الزواج الأولى كافية في الحكم، فقد تظن الزوجة أن الزوج يحبها وليس كذلك، ثم بعد فترة يتغير الحال.
الأمر الأول: ظلم الناس. فيقولون: سحرتها فلانة، ويسمون امرأة بعينها، أو يقولون: أصابتها فلانة بعينها، جارتها أو قريبتها أو زميلتها؛ لأنها غبطتها على ما رأت، أو فلان عانها أو سحرها، لأنه خطبها فرفضت فهذا من الظلم، والله تعالى لا يحب الظالمين، وهو من الظلم لعباد الله.
الأمر الثاني: إتيان الكهنة والعرافين؛ وكثير من الناس خاصة النساء، تذهب إلى الكهنة والعرافين؛ إما ليصرفوا قلب زوجها إليها، أو لتعرف ماذا أصابها، وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أتى عرافاً، فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة} من أتى عرافاً، أي: رجل أو امرأة، فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. هذا ولو لم يصدقه، أما من أتاه فصدقه بما يقول، فوعيده أعظم من ذلك.
ولذلك روى أصحاب السنن، وأحمد، والحاكم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنـزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم}.
وفي رواية: {فقد برئَ مما أُنـزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم}.
والعراف هو: الذي يدعي معرفة علم الغيب، فيقول: فلانة أصابتها فلانة، وفلانة وضع لها سحر في مكان كذا..إلى غير ذلك.
وبالمناسبة: لابد من إعلان الحرب على السحرة والعرافين والكهنة الموجودين اليوم في مجتمعنا، ويتصل كثيرون فيخبرون عنهم، ولا بد من فضح هؤلاء، ورفع أمرهم إلى أهل العلم والدعاة والمشايخ، فإن أمكن الاستعانة بالجهات الرسمية في إيقافهم عند حدهم، ومنعهم من العبث بالمجتمع، ونهب أموال الناس بالباطل فُعِلَ، وإن لم يمكن، فعلى أقل تقدير أن يفضحوا، ويبين أمرهم للناس ليتجنبوهم.
الأمر الثالث: من مفاسد الاعتقاد بأن ما حصل بين الزوجين سببه العين أو السحر مثلاً: ضياع المال؛ فإن كثيرين ممن يدعون القراءة على الجن ويأخذون أموالاً، ثبت أنهم كذبة متأكلون، يضحكون على عقول السذج والمغفلين، ويدَّعي الواحد أن هذا فيه جني، وأن الجني تكلم على لسانه وهو كاذب، أقول: ثبت لي هذا في عدد من هؤلاء، وليس هذا في الجميع، فلا شك أن هناك من أهل الخير والعلم والذكر والإيمان من قد يقرأ على المصروع، وقد ينطق الجني على ما هو معروف، لكن إثبات حالة من هذه الحالات أمر يحتاج إلى تثبت وتيقن، بل بعض هؤلاء يأكلون أموال الناس بالباطل، أما السحرة فحدث ولا حرج، فقد يطلب من الإنسان خمسة آلاف ريال، أو عشرة آلاف ريال قبل أي شيء.
الأمر الرابع: أن هذا يجعل الزوجين يعرضان عن الأسباب الحقيقية، فقد يكون سبب ما جرى تقصيراً من أحد الزوجين، فلا ينشط لدفع هذا التقصير، ولا لمعرفة السبب الحقيقي وإزالته؛ لأنه اعتقد واعتمد على أن الأمر لا يعدو أن يكون جناً أو سحراً أو عيناً أو ما أشبه ذلك، ثم إنه ليس من مصلحة الزوجين أن يعقدوا المسألة بهذه الطريقة، ويجعلوها بهذه الصعوبة، فيقول: القضية سحر أو جن. هذا تعقيد وتصعيب للأمر، ولو قلنا: إن القضية لا تعدو أن تكون سوء تفاهم بين الزوجين، لأمكن حله عن طريق بعض التعليمات والتوجيهات وبعض النصائح، وغير ذلك من الأمور التي ربما يمر شيء منها.
فعلى كل حال لو فرض أن الأمر وصل إلى ما وصل إليه، فيجب على الإنسان أن يؤمن بأن الخير فيما يختاره الله تعالى له قال الله تعالى: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] ولا يليق بالمسلم ولا بالمسلمة أن يذهب إلى أحد لكي يضيع دينه في سبيل عرض من الدنيا قليل.
وبعض الشباب يقول: أبحث عن ذات الدين، ولا شك أن هذا هو ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {فاظفر بذات الدين تربت يداك!} ولكن مع ذات الدين، لا بد أن يكون الإنسان معتدلاً في بحثه؛ لأن بعضهم قد يبحث عن ذات الدين فيسئ إليها، فبعد ما يتزوجها وهي ذات دين، ربما تصوم النهار وتقوم الليل، وبعد ذلك يقول: والله لم أحبها، لماذا يا فلان؟ قال: لأنها امرأة ليس فيها أي قدر من الجمال، مواصفات الجمال معدومة فيها. أي فأنت هنا لم تحسن إليها بل أسأت إليها، والرسول عليه السلام طلب منك أن تبحث عن ذات الدين لتحسن إليها، وربما تدخل بها الجنة، أما أن تبحث عنها حتى تؤذيها وتضايقها في البيت، وتضطهدها وتظلمها، وربما تقبحها في شكلها أو أمام الآخرين فهذا لا يسوغ، دعها عند أهلها يرزقها الله تعالى من هو خير منك، وقد يرزقك الله تعالى من هو خير منها.
فعلى كل حال، ينبغي أن يراعي الإنسان الموضوعية والاتزان والشمول عند البحث، فلا يركز على جانب واحد فقط، فإذا وجده بحث عن الجوانب الأخرى التي ربما فقدها.
بعض الناس أيضاً ينظر نظرة لا تنفع ولا تسمن ولا تغني؛ لأنها نظرة خاطفة، أو نظرة عابرة، لا تدل ولا تفيد شيئاً، أو ينظر بعدما تم كل شيء، وهذه النظرة أيضاً لا تنفع؛ لأنه لو وجد في نفسه عدم قبول، فإنه لا يستطيع أن ينسحب، وقد تم كل شيء. بعضهم قد يكتفي بوصف الأهل، فهذه الأم -مثلاً- ذهبت لتنظر إلى بنت فلان، وقد تكون فتاة ذكية خلوقة طيبة خدومة، فلما دخلت هذه المرأة الضيفة وهي لا تعرفها، أقبلت إليها وحملت عباءتها، ورحبت بها وأجلستها، وقدمت لها القهوة والشاي، فأعجبت المرأة بها، فلما رجعت أصبحت تصفها لولدها وصفاً؛ لأنها لم ترَ منها إلا المحاسن، حيث أعجبت بخلقها وأدبها وتلطفها وخدمتها، ثم يأتي الولد، فلا يجد الوصف الذي وصفته أمه أو أخته أو قريبته، والحل بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أن ينظر إليها.
والنظر يعطي الإنسان مسؤولية، لأنه لا يمكن أن يقول: ما وجدت الجمال.! فسيقال له: أنت نظرت بعينك، لم يكن هناك وصف ولا وسيط ولا شيء، نظرت بعينك وعينك لا تخونك!
وبعض الشباب -مثلاً- ليس لديه قدرة على تصور الأمر، ربما قبل الزواج تفكيره محدود، فالتفكير الوحيد عنده هو أن يفكر في امرأة تعفه لا غير، أو ينظر نظرة مثالية في بناء بيت الزوجية والعلاقة التي يمكن أن تقوم بينه وبين الفتاة، ولهذا لا يكترث كثيراً لمعرفة المواصفات في شريكة العمر ورفيقة الدرب، ولذلك نحن نلوم الشباب على تأخير الزواج لما في ذلك من المضار والمفاسد، ولكننا لا نلومهم أبداً إذا كان تأخيرهم بسبب مزيد من البحث والتحري؛ لئلا تظلم نفسك أو تظلم غيرك، فكون الإنسان تأخر وهو يبحث، ولكن يقول: ما وجدت المرأة المناسبة. شريطة أن تكون الشروط معتدلة، هذا لا يلام، أما كونه يقدم إقداماً عشوائياً، فهذا لا شك ضرر عليه وعلى الفتاة وعلى المجتمع.
ومثله المستوى الاجتماعي، كون المرأة من مستوى وهو من مستوى آخر، فهي من طبقة عالية ذات مكانة وينظر إليها في المجتمع، وهو من طبقة متوسطة الحال، أو فقيرة أو بعيدة أو ضعيفة، وكذلك المستوى الاقتصادي المادي، ومثله المستوى النفسي والخلقي، وهذا كثيراً ما يغيب عن الناس.
فأحياناً قد يكون سبب الفراق وعدم الوئام بين الزوجين أن الطِّبَاع لم تتفق، أي ما تراكبت طباع الزوج مع طباع الزوجة، فالتصرفات التي تفعلها لا تعجبه وليس فيها خطأ، و0التصرفات التي يفعلها هو لا تعجبها، وبالتالي دائماً هي تنتقده وهو ينتقدها، مع أنه ليس هناك شيء واضح، لكن ليس هناك اتفاق وانسجام في الطباع، وهذا يمكن أن يعرفه الإنسان من السؤال عن أمها وأخوالها، وكما يقول العوام في أمثالهم: قبل أن تضمها اسأل عن أمها. وكذلك معرفة إخوانها، ومدى إمكانية انسجامه معهم، والسؤال عن أخلاقها هي أيضاً وطبيعتها، وهل هي امرأة اجتماعية أو انعزالية، وهل هي محبوبة، إلى غير ذلك من الأخلاق التي يمكن معرفتها من خلال السؤال عن أحوالها.
وكثير من الأسر يقولون: فلانة لفلان، هذا معروف منذ الطفولة، وكأنه قرار نافذ لا يمكن أن يرد، حتى لو كانت هي لا تقبل به.
وبعض الأسر لا يزوجون إلا من الأسرة نفسها، وكأنهم من آل بيت النبوة، حتى آل بيت النبوة ليس لهم ميزة خاصة، لكن أحياناً أسر وقبائل وعوائل عادية، ومع ذلك يقولون: لا نـزوج فلاناً! صحيح أنه رجل له مكانته وله فضله وجاهه وليس فيه شيء، إلا أنه من قبيلة أخرى، أما فيما يتعلق بالقبائل والشعوب، فهذا أمر آخر، والله المستعان!
أما أن يكون الواحد منا يتجاهل عيوبه وأخطاءه وزلاته ونقائصه وتقصيره، ويريد أن تكون زوجته مثالية، في جمالها ودينها وخلقها وعقلها ومنطقها وعبادتها وعلمها وذكائها، فهذا لا يكون.
قال رجل لآخر: ابحث لي عن زوجة. قال: ما صفاتها؟ قال: أن تكون جميلة دينة صينة عاقلة طويلة بيضاء حسناء خلوقة فصيحة. فقال: قد وجدتها قد وجدتها! عليك بقيام الليل وصيام النهار، فهذه من الحور العين، لعل الله أن يبلغكها في الجنة!
1- المقارنات:
من المثالية: المقارنات، وطالما دمرت المقارنات البيوت، المقارنة مع الآخرين والأخريات، فمثلاً الزوج يقارن زوجته في شكلها بالأخريات، وربما وقعت عينه على امرأة، إما من غير قصد وإما لمعصية أنه عصى الله ونظر إلى مالا يحل، فنظر إلى امرأة في السوق، أو على شاشة التلفاز أو بما بلي به الناس من الأفلام التي دمرت أخلاقهم وعقولهم وبيوتهم وأسرهم، أو على صدر مجلة أو صحيفة، فأصبح يقارن زوجته بهذه، فيجد زوجته دونها، ولذلك يعزف عنها ويعرض عنها، يقارنها في الأخلاق، ويرى أن زملاءه وأصدقاءه إذا جلسوا وتحدثوا، فربما تكلم واحد منهم عن زوجته، فذكر شيئاً من جميل خلقها على سبيل قصة ذكرها أو حادثة أو مناسبة، فأصبح دائماً وأبداً يعقد آلاف المقارنات بين زوجته وبين ما يسمعه من صديقه فلان وزميله علان، وبينما رأى في المكان الفلاني وما سمع هنا وهناك، وبالتالي كل يوم يمر يزيده قناعة بأنه مهضوم الحق، وأن زوجته ليست هي المناسبة لمستواه وقدره ومقامه.
وكذلك الزوجة تجلس مع زميلتها، فتجد أن واحدة منهن تقول: زوجي أعطاني كذا، فتقول في قلبها: أنا زوجي ما أعطاني. وتقول الثانية: زوجي أعطاني كذا، فتقول: مع الأسف زوجي لا هذا ولا ذاك، والثالثة تقول: زوجي خرج بي إلى السوق، وزوجي سافر بي. فتقول في قلبها: أنا مسكينة قعيدة البيت، لا أخرج من البيت أبداً! وهكذا كلما سمعت من زميلاتها بدأت تقارنه بنفسها، وتنسى أنها هي قد تكذب -أيضاً- على زميلاتها، وربما يكون كلامهن معها هو الآخر كذب، فإن هذه المرأة التي تقول في نفسها: زوجي ما أعطاني شيئاً، ولكنها تقول لزميلاتها: والله أنا زوجي لم يقصر معي؛ بل اشترى لي من الذهب كذا، وسافر بي إلى كذا، وخرج بي إلى كذا، وقال لي كذا، وتتشبع بما لم تعط، وربما يكون ما قالته هي لهن -وهو كذب- سبباً في مقارنات يعقدنها مع أزواجهن.
فقد تكون كل واحدة من هؤلاء النسوة تكذب على الأخريات، وهذا الكذب قد يكون سبباً في تدمير البيوت، لأن المقارنة هنا، تبدأ، فتقارن الزوجة بين زوجها وبين أزواج زميلاتها أو صديقاتها أو حتى أخواتها، فزوج فلانة فعل كذا، وأتى بكذا، وقال كذا.
فتبدأ المقارنة في الشكل -كما قلت- أو المقارنة في الأخلاق، أو المقارنة حتى في نمط الحياة القائمة بينهما، كل اثنين عبارة عن شركة بينهما نمط خاص من الحياة، لا ينبغي أن يقارن بينه وبين غيره، أي أن شخصية فلان لا يمكن أن تقارن بفلان، وهكذا المرأة كل واحدة لها شخصيتها المميزة عن غيرها.
والمقارنة أيضاً تكون في سيطرة الرجل على زوجته أو تسامحه معها، أنا -مثلاً- رجل متسامح مع زوجتي، فإذا جلست مع زملائي؛ اكتشفت أن فلاناً رجل قوي الشخصية شديد القوامة على زوجته، فترتب على هذا أني أشعر بالهضم! ولذلك أقول: إن زوجتي قد تسلطت علي، وأخذت مني حقوقاً..إلى غير ذلك، فلا بد أن أثبت شخصيتي أمامها!!
فتجد أن الرجل يثور، ويريد أن يستعيد كرامته المسلوبة وشخصيته وقوامته، وربما كان ذلك سبباً في حصول الطلاق، والعكس مع أنه من الممكن أن توجد حياة زوجية بين رجلين، ويكون الزوج متسامحاً مع زوجته، والتسامح لا يعني ضعف الشخصية بحال من الأحوال، ومن الممكن أن يعيش الزوجان حياةً سعيدةً، ويكون الزوج قوي الشخصية نافذ الأمر على زوجته، وقد تطبعت هي على هذا الأمر وألفته وتقبلته بقبول حسن، ولا ينبغي أن يقارن الإنسان بين هاتين الحياتين أو هاتين الصورتين.
وعلى أي حال، فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا تخلو حياة زوجية من مشكلات، فلا ينبغي أن نكون مثاليين في تصورنا للحياة، اللهم إلا حياة الشيوخ المسنين، التي لم يبق منها شيء إلا صبحك الله بالخير ومساك الله بالخير، أما هذه المشاكل الصغيرة أو المشاكسات الصغيرة، فهي كما قال بعضهم: هي نوع من البهارات التي تجدد الحياة الزوجية، متى كانت هذه المشاكل بالقدر المعتدل، ولم تترك آثاراً بعيدة المدى في نفس أحد الزوجين.
2- قضية الحب التي غرسها الإعلام:
من المثالية أيضاً: التعويل على قضية الحب التي غرسها الإعلام الفاسد في النفوس، من خلال المسلسلات وغيرها؛ فكثيرون يبنون حياتهم الزوجية على أحلام الحب الخيالية المثالية، وينسون الفرق بين امرأة للحظة أو لساعة أو لليلة فيما حرم الله عز وجل، وبين امرأة للعمر كله، بل للدنيا والآخرة فيما يحبه الله تعالى ويرضاه.
وكثير من الشباب والفتيات يتحدثون عن مبدأ الحب قبل الزواج الذي، تلقوه من خلال المعلم الفاسد المنحرف الذي يسمى التلفاز، ومن خلال شريط الفيديو، ومن خلال المجلة الهابطة، ومن خلال القرين السيئ أو القرينة السيئة، فتلقوا مبدأ الحب قبل الزواج، ولا شك أن الكثيرين منكم سمعوا وقرءوا ما كتبته -مثلاً- كريمة شاهين، في مجلة سيدتي، أو سمعوا أو قرءوا ما كتب في روايات عبير وغيرها، التي تباع -لا أقول في المكتبات- بل تباع في البقالات، وقل شاب يقرأ إلا وقد اطلع على مثل هذه الأمور، واعتبر أن ما فيها هو المثل الأعلى لحياته!!
وأود أن أشير بهذه المناسبة، إلى أن الإعلام يقدم لنا نماذج من الفنانين والممثلين والفنانات وغيرهم، هذه النماذج كلها نماذج فاشلة على كافة المستويات، هي من أقل النماذج نجاحاً حتى في حياتها الزوجية، وليس من الأسرار أن نقول إن الممثلين والممثلات والفنانين، أغلبهم فاشلون في حياتهم الزوجية، ولم يكد ينجح أحد منهم في إقامة حياة سعيدة، إلا بعد ما اعتزل الفن وتاب إلى الله تعالى؛ فكيف يُقتدى بهم وهذه أحوالهم؟ فضلاً عن انحرافهم عن طريق الله تعالى ومخالفتهم لأمر الله عز وجل، لكن حتى في دنياهم وحتى فيما يظن أنهم ناجحون فيه هم في الحقيقة فاشلون مخفقون، ولعل من أسباب اشتغالهم بمثل هذه الأمور أنهم فشلوا في حياتهم الخاصة، فتلهوا بمثل هذه الأمور العامة.
3- استحضار الصور الجميلة:
من المثالية أيضاً: استحضار الصور الجميلة التي تراها العين -كما ذكرت قبل قليل- وينسى هؤلاء أن صناع السينما من اليهود الذين يهدفون إلى تدمير الحياة الاجتماعية في بلاد المسلمين خاصة، ينتقون أجمل الصور ويقدمونها للناس؛ للإغراء والفتنة والإثارة وتدمير البيوت، ولذلك لا غرابة أن يكون أهم أهداف دعاة الإسلام هو ترسيخ دعائم الحياة الزوجية الاجتماعية، ومنابذة ومخالفة الفكر والمكر اليهودي ومن ورائه الفكر والمكر العلماني، الذي يتسلل من خلال الإعلام الفاسد في بلاد الإسلام.
4- وجود علاقة سابقة بين الزوجين:
ومن المثالية: وجود علاقة سابقة بين الزوجين، يحكمها التصنع والتَّعَمُّل والمجاملة، سواء علاقة عبر الهاتف أو حتى أكثر من ذلك، فلا تصمد هذه الصورة الخيالية المليئة بالمجاملة والمليئة بالمثالية، لا تصمد على محك الواقع، وقد يشك أحدهم -أيضاً- في الآخر بعد الزواج، أنه يحدث منه خيانة، كلما رأى الزوج زوجته تتصل بالهاتف، أو وجد مكالمات طويلة أصابته الشكوك والظنون.
فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير شيء تطلق |
فرق له وأمره أن يراجعها. وهذا أيضاً من مثالية أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وتقديرهم لظروف الآخرين، ظروفهم النفسية، ظروف التعلق القلبي والمحبة والارتياح مع المرأة، حتى لو كان الأب يجد فيها بعض ما لا يحب منها، أو كانت الأم كذلك.
إن تدخل أهل الزوج -مثلاً- في الحياة الزوجية مع ولدهم؛ يعكر صفاء حياتهم، وكذلك تدخل أهل الزوجة يزيد الأمور تعقيداً، ولا داعي لأن أذكر صور التدخل بينهما، فهي ذات أشكال وصور كثيرة، ولكنها غالباً ما تتم على شكل وصايا من أم الزوجة لابنتها، تظن أنها تستطيع أن تستحوذ بها على الزوج وتكسب منه كل شيء، أما أم الزوج، فإنها تشعر في كثير من الأحيان، بأن بنت الناس هذه المرأة الغريبة الجديدة، قد اختطفت ولدها وفلذة كبدها من يدها، ولذلك فهي تعتبر أنه لا بد من الحيلولة دون ذلك، وعلى هذه الرحى تنطحن العلاقة الزوجية.
وحكمة الزوجين وتفهمهما، من الممكن أن تضع حداً لتدخل أهل الزوج أو أهل الزوجة، فمن الممكن ألا يطلع الزوج أهله ولا الزوجة أهلها على ما يجري أولاً، ثم إذا علموا؛ فينبغي أن يعالج الأمر بالحكمة، ويعتبر أنه يمكن أن يواجههم بالكلام الطيب، فيقول: إن شاء الله يكون خيراً، وسوف ترضى وما أشبه ذلك، ولكن يبقى أنه يدرك أن الحياة الزوجية تخصه هو دون غيره، وهو الذي تولى عقدة النكاح وأمر الزواج.
ومن واجب أهل الزوجين: الكف عن التدخل في خصوصيات الآخرين، وألا يكونوا سبباً في تدمير حياة ابنهم أو حياة ابنتهم، فمثلاً إذا تم الطلاق، فمتى سيتزوج الولد؟ بعد زمان طويل، نظراً لأن تكاليف الزواج كثيرة جداً. أما الفتاة فأمرها أصعب، فإن المرأة المطلقة عندنا، أصبح الكثيرون ينظرون إليها نظرة ريبة، لماذا طلقت؟ قد تكون غير صالحة للحياة الزوجية. وربما يتأخر زواجها، أو على الأقل لا يأتيها من هو كفء وملائم لها، فيتزوجها إنسان ليس مناسباً لها في كثير من الأحيان.
وعلى أي حال، فإن الطلاق مصيبة في حق الزوج وفي حق الزوجة، ولذلك ينبغي ألا يسعى أهل الطرفين إلى إيقاع هذه المصيبة عليهما.
أما التدخل من الأباعد، سواء أكانوا من الجيران أم الأصدقاء أم حتى من غيرهم، فهو مشكلة أخرى، تأخذ أيضاً طابع النصيحة، أو طابع التثبت من خبر سمعناه، سمعنا يا فلانة أن فلاناً فعل كذا أو قال كذا، أو يا فلان سمعنا أن فلانة اتصلت، أو قالت، أو خرجت، أو دخلت، أو فعلت.
ولذلك ينصح الزوجان بعدم إفشاء أسرار الحياة الزوجية مهما كانت، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم -في الحديث الصحيح- نهى الرجال والنساء عن ذلك، وكذلك ينصح الزوجان بأن يتفاهما على كل الأمور بينهما، ويجعلا تدخل الآخرين على أضيق نطاق، ولا يسمحا لأحد أن يتدخل في هذه الأمور الواقعة بينهما.
فكيف ترى في بيت تعرض على شاشاته في كل غرفة من غرفه مشاهد تحكي أوضاع المجتمعات الغربية، وما فيها من تقهقر وانحلال وإباحية وفساد؟!
فالرجال والنساء بعضهم مع بعض يرقصون أو يتعاطون الخمور، وقد بدت السيقان والأفخاذ والأذرع والصدور والنحور والشعور وغير ذلك!
كيف ترى هذا البيت الذي يُعصى الله تعالى في كل زاوية من زواياه، وفي كل ركن من أركانه، أنه يقوم على أساس صحيح سليم؟! أو بيت آخر تصدح فيه كلمات الغناء الماجن الخليع، كيف تقوم له قائمة؟! أو بيت يعج بالخدم والسائقين، ممن ليس لهم حاجة في المنـزل، وممن ليس عليهم رقابة، وليس لهم أدنى قدر من التربية.، فمثل هذه المعاصي في كثير من الأحيان هي من أسباب الطلاق.
ومثله أيضاً ما يحدث في الزواج، سواءً في ليلة الزواج من مخالفات شرعية، كالاختلاط، والأغاني المحرمة، والتصوير وسوى ذلك، أو حتى قبل الزواج.
ومن ذلك: الإسراف في المهور، وهذه القضية لا أدري متى تنتهي، إنها ما زالت عقبة تحول بين كثير من الناس وبين إعفاف فروجهم بما أحل الله عز وجل، وقد نهى عنها عمر رضي الله عنه كما في سنن أبي داود وغيره: [[لا تغالوا في صدق النساء]] والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {أكثرهن بركة أيسرهن مؤنة} فينبغي أن نحمل على عواتقنا تيسير مؤنة الزواج بقدر المستطاع، وليست القضية منافرة أو مفاخرة أو مباهاة بمقدار المهر الذي دفعه فلان!
فإذا كنا نعرف جميعاً حجم المشكلة الاقتصادية التي يعانيها الشباب الآن، وهو يجلس إلى الثانية والعشرين من عمره، وهو طالب في الجامعة، وبعد ما يتخرج قد يجد صعوبة في التوظف في حالات كثيرة، وإن توظف قبل ذلك، توظف بمرتب لا يكفيه، فمتى يتمكن من توفير المهر، الذي قد يصل إلى أربعين أو خمسين أو ستين ألف ريال؟ ثم إذا وفر المهر، فمتى يوفر المنـزل؟ ولو كانت شقة صغيرة؟ ومتى يتمكن من تأثيثه؟ إلى غير ذلك من التكاليف الباهظة الصعبة، التي أصبحت تثقل كواهل الشباب، وإن كنا نشكر -بهذه المناسبة- اللجان التي قامت على مساعدة الشباب الراغبين في الزواج، سواءً في هذا البلد أو في الرياض أو في جدة أو في غيرها.
ومن ذلك -مما يتعلق بقضية المعصية-: الغفلة عن ذكر الله تعالى في كل حال، ذكر الله تعالى عند الدخول على المرأة، وعند دخول المنـزل، وعند معاشرتها، وعند الصباح، وعند المساء وغير ذلك؛ فإن ذكر الله تعالى يحفظ العبد بإذن الله عز وجل من كيد وشر شياطين الجن والإنس.
ومن سوء التربية: ترك الولد أو البنت للتلفاز والصحيفة، فتجد البنت -مثلاً- تقرأ مجلة سيدتي أو حواء أو الحسناء أو الشرقية ولا تعرف من ذلك إلا هذه الصحف والمجلات التي تغريها بكل نقيصة.
فمثلاً: تقرأ في مجلة سيدتي: أول امرأة عربية تدير المؤتمرات! أو تقرأ: أول فتاة خليجية برتبة ملازم شرطة! فتأخذ من هذا أنه ينبغي أن يكون لها شخصيتها، ولها قوامتها، ولها سيطرتها، وأنه ينبغي أن تفرض شخصيتها على الرجل ولا تطيعه!
ولذلك كان من أهم مهمات هذه المجلات، التي هي منابر هدم وتخريب وأحياناً ضرار، من أهم مهماتها: إغراء المرأة بأن تحارب من حولها، فهي تشجعها على رفع قوامة الرجل -مثلاً- حتى كتبت مرة إحدى المستغربات المسترجلات في صحيفة سعودية، تقول: الرجال يقولون: الرجال قوامون على النساء! فجعلته من كلام الرجال! الرجال يقولون: المرأة ناقصة عقل ودين.
فجعلت كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً للرجال! أو تصور هذه الصحف الحياة العائلية للبنت على أنها ميدان حرب، وأنها يجب أن تخوض معركة مع زوجها، وتخوض معركة أخرى مع أبيها الذي يبتزها، وتخوض معركة ثالثة مع أخيها الذي أخذ الصلاحيات، وأصبح هو يخرج ويلعب ويسرح ويمرح، ويمنعها من الخروج في زعمهم، ومعركة رابعة وخامسة وسادسة فعبأوا هذه البنت، وحاولوا أن تكون قنبلة تحارب المجتمع وتسعى إلى تدميره.
وبعضهم أصلاً يشك ويوسوس في الطلاق، فهو لا يقبل من المرأة أي شيء، ويظن فيها بكل قول أو فعل أو حركة أو اتصال أو مكالمة، فبعض الناس يوسوسون في مثل هذا الأمر، ولا شك أن هذا ليس من شيم الرجال ولا من مكارم الأخلاق.
الجواب: نعم، هذه من مشكلاتنا الاجتماعية، التدخل في خصوصيات الآخرين، وهي تنم عن الفراغ الذي يعانيه المجتمع، فليس عندنا موضوعات ذات بال نتكلم فيها ونناقشها؛ ولهذا نملأ وقتنا وأحاديثنا ومجالسنا بالكلام عن فلان وفلانة، وهل تزوجت أو طلقت؟ وماذا حصل؟ وما هي الأسباب؟ ويبدأ الناس يفيضون ويتحدثون ويشيعون الإشاعات والقالات، التي هي في كثير من الأحيان ليس لها أصل.
الجواب: هذه فعلاً مشكلة، الأم لها حق قال الله: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء:23] وعلى الولد أن يكون لبقاً حين تعامله مع زوجته، خاصة حين يكون أمام أمه، فلا يشعرها بأنه يفضلها عليها أو يعطيها أي شيء، بل يشعر أمه بأن القرار الأخير لها، وإن كان الأمر في الواقع ليس كذلك، فكثير من الآباء والأمهات، يكفيهم أن يقول الولد لهم: لبيكَ! وسيكون ما ترضى، وبإذن الله لن يقع شيء يسخطك، ولن يكون إلا ما يرضيك وما أشبه ذلك، ثم هو يتصرف بما يراه مناسباً بطريقة لبقة، وكما يقولون: الكلام اللين يغلب الحق البين.
ثم إن كثيراً من الأسر في كثير من البلاد، جرت العادة أن الولد يستقل في بيت بمجرد ما يتزوج، خاصة حين يكون أهله ليسوا في حاجة إليه، كأن يكون هناك أولاد لهم غيره، أو هم بجواره، أو هم مشتغلون عنه، وهذا في نظري -إذا لم يكن ثمة حاجة وهذا الأمر جيد؛ لأنه يجعل للزوجين كمال الاستمتاع بينهما وعدم وجود تدخل، وكذلك يضمن أن تكون العلاقة بين المرأة وبين أم زوجها، وبينها وبين أهلها أيضاً علاقة طيبة وحسنة وحميدة؛ لأن مبناها على الزيارة والمجاملة والترحيب والتحية وغير ذلك، أما إذا وجد حاجة من الأهل للولد أو لزوجته، من خدمة المنـزل، أو أنهم لا يستغنون عنه، أو لا يوجد غيره أو غير ذلك من الأسباب، فهذا يقدر بقدره.
البخاري
في صحيحه {الجواب: هذا ليس بصحيح، قد يكون العيب في الزوج نفسه، قد يكون الزوج مطلاقاً، وقد يكون عصبياً، وقد يكون الزوج لم يقبل هذه المرأة لا لعيب فيها؛ لكن لأنه لم يكتب بينه وبينها وفاق وانسجام، وقد يكون الأمر فعلاً من الزوجة، لتقصير حصل منها، وكل ذلك وارد، ولهذا أقول للزوج والزوجة: كون فلان طلق، فهذا لا يدعو إلى رفضه، والآن هناك دراسة على مجتمع القصيم، تقول: هناك (22%) من الأسر تقريباً، لا تزوج الولد أو الشاب الذي سبق أن طلق بغض النظر عن الأسباب، وأما بالنسبة للفتاة التي طلقت، فهناك أكثر من (76%) لا يقبلون الزواج منها لأي سبب من الأسباب، وأرى أن الأمرين كلاهما خطأ.
فبالنسبة للزوج الذي طلق، يحب أن أعرف ما هي الأسباب، فإن وجدت أنه رجل انفعالي وعصبي ويطلق، وكلمة الطلاق عنده هكذا، فهذا لا يستحق أن أعطيه ابنتي؛ لأنه ليس على مستوى المسؤولية! لكن إن وجدته رجلاً متعقلاً ديناً حكيماً، ولكنه لم يكتب بينه وبين زوجته وفاق، لأسباب معروفة، وطلقها بستر وصيانة، وبعد اتفاق بينهما وما أشبه ذلك.
فهذا ما الذي يمنع من تزويجه؟ ومثله البنت أيضاً، فإذا عرفت أن هذه الفتاة طلقت لريبة، هذا أمر! لكن إذا عرف أن طلاقها كان بسبب من الزوج، أو ظلم لها أو تقصير، أو غير ذلك، أو تعجل، أو لأن الرجل مثلاً شكاك أو كثير الظن أو غير ذلك، فهذا لا يعيب المرأة في شيء، ويجب أن نعلم أن أكثر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم -بل كلهن- تزوجهن عليه الصلاة والسلام ثيبات، إلا عائشة لم يتزوج بكراً غيرها، ولهذا أيضاً كانت هي أحب نسائه إليه.
الجواب: على كل حال. هذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام وخبره ونصحه، وينبغي أن يتخذ في ذلك من الاحتياطات ما يضمن ألا يقع هذا المحذور الذي تخافه.
الجواب: غلاء المهور له سلبيات كثيرة. منها: تأخير الزواج، وكثرة العوانس في البيوت، ويترتب على ذلك الاتصالات الهاتفية، ويترتب عليها الخروج إلى الأسواق، ويترتب عليها ارتكاب الفواحش والعلاقات المحرمة بين الجنسين، ويترتب عليها تأخير النسل والإنجاب، وتأخير إقامة البيوت والأسر، ويترتب عليها أن الزوج يصبح متحاملاً على زوجته، ودائماً وأبداً يشعر في قلبه أنه تكلف من أجلها، وركبته الديون، وأراق ماء وجهه في طلب الإعانات.. إلى غير ذلك، فهو ينتظر منها أن تكون على مستوى معين، قد لا يمكن أن تكون عليه.
ومما وصلني أيضاً -وهو يتعلق بهذا الأمر- أن هناك أخباراً عن إقامة حفل أيضاً في حي السفارات بعد فترة، وهي أيضاً لطالبات الكلية التطبيقية التابعة لجامعة الملك سعود، وقد كتب لي مجموعة من الإخوة عن ذلك، وندعو الإخوة الذين كتبوا، والمشايخ الذين أرسلوا، أن يبعثوا بالإعلانات والوثائق والأوراق التي تتعلق بهذا الأمر، إلى المشايخ وطلبة العلم والدعاة؛ ليمكن إنكار هذا المنكر بالطرق الممكنة، فإن هذا من المنكر الذي يحب علينا جميعاً عامة وخاصة، علماء وطلبة علم ودعاة، أن نساهم في إنكاره، فإنه مما لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه، وهو مما يكون سبباً في دمار البيوت وخرابها وفسادها.
الجواب: أقول: الذي أذكر أنني تكلمت عن هذه الجماعة، بل دعوت الإخوة السامعين إلى ضرورة محادثة الإخوة في أفغانستان من قادة الجهاد، إلى إشراك هذه الجماعة في أية حكومة تقوم هناك، وأننا لا ينبغي أن نرمي بثقلها في هذا الجانب، وأقول: جماعة الدعوة إلى الكتاب والسنة، هي إحدى الجماعات المجاهدة الداعية إلى الكتاب والسنة في أفغانستان، ولها جهود جهادية وعلمية مشكورة معروفة، وقد سبق أن تكلمت عنها في: (
وهذا أيضاً مثله عرض خاص من أحدى المؤسسات، عن رغبتها في بث القنوات الفضائية، القناة المصرية والـ mbc وغيرها، مقابل رسوم اشتراك، قدرها مائة ريال فقط للشهر الواحد، وهناك مغريات كثيرة، ما عليك إلا الاتصال والاستفسار.
ومئات الأوراق في الحقيقة من هذا القبيل، سبق أن جاءتني في أوقات شتى، وهذا خطر ينبغي أن يقوم أهل العلم والدعوة إلى الله -بل عامة الناس- بمحاربته، بل بلغني أن بعض أصحاب محلات صناعة الألمنيوم، يقومون بصناعة هذه الأقراص وإعدادها وتجهيزها وتركيبها، وبعضهم يعلنون أن لديهم مهندسين مختصين وفنيين، يمكن أن يقوموا بمثل هذه العمل.
ونحن نقول -حتى أرد على اعتراض البعض الذين استغربوا مثل هذه الحملة- أقول: نحن لا نشك أنه تأتي في مثل هذه القنوات أخبار، وتأتي أحياناً أخبار مصورة، ويأتي أخبار قد لا يمكن أن تصل عن غير طريقها، لكن كم عدد الذين يهتمون ويتحمسون لمثل هذه الأمور، من الناحية الأخبارية والناحية العلمية والتثقيفية ومتابعة ما يجد؟ أقول: إنه في مجتمعنا عدد قليل؛ لأن مجتمعنا -مع الأسف الشديد- لا يزال أقل بكثير مما هو مطلوب في حجم المتابعة والاهتمام بأمور المسلمين، فضلاً عن أن يكون مهتماً بالأحوال العالمية.
وإنما نجد الكثيرين من أفراد المجتمع، قد يكون لديهم -خاصة من الشباب المراهقين- اهتمام أكثر بمشاهدة ما يعرض، مما يخل بالدين والأخلاق والحياء، ومما لا يمكن مشاهدته في التلفزيون أو في أشرطة الفيديو، فما هو الشيء الذي لا يعرض في التلفزيون أو لا يعرض في أشرطة الفيديو؟ إذا كنا نعلم يقيناً وقطعاً أنه في التلفزيون يعرض، وفي أشرطة الفيديو أيضاً يعرض -وبدون مبالغة- امرأة ليس عليها ما يسترها إلا ما يستر سوءتها فقط، وربما ظهر أحياناً على الشاشة رجل كما ولدته أمه، وهو يركض على مرأى من الناس كلهم. إذا كان هذا يعرض -أحياناً- وفي أشرطة الفيديو يعرض الشيء الكثير من ذلك، من الرقص ومن الفساد، بل ومن شرب الخمور وغيرها، فلم يبق إلا ما هو أشد وأنكى من ذلك، ونحن نربي ونشفق على قلوب شبابنا وفتياتنا أن يسمروا عيونهم بمثل هذه الشاشات، التي لن يجني من ورائها إلا الشر للأمة والمجتمع.
الجواب: هناك أخبار تدل على أن هناك حاجة كبيرة إلى الدعوة الإصلاحية، خاصة بعد ما هدأت الأمور بعض الشيء، فلا بد من القيام بإرسال الكتب والنشرات والأشرطة، والمشاركة في الدعوة هناك من خلال الوسائل الممكنة، كالإذاعات المرئية والمسموعة وغيرها، وتوزيع الكتب وغير ذلك، كما أن هناك تنبيهاً: إلى أن هناك وجوداً للشيعة في بعض المناطق، والشيعة يسيطرون على مناطق فيها صواريخ اسكود قريبة من كابول، ومنطقة مدخل هو عبارة عن جسر وبجانبه مسجد، وقد اتخذوا المنارة نقطة للسيطرة على هذا الجسر، ويوجد بأيديهم مناطق أخرى أيضاً، ولكن مما يذكر أن هذه المنصات التي يسيطرون عليها، يقول أفراد الحزب الإسلامي: إنهم قد نـزعوا صواعقها؛ ولذلك فإنهم لا يمكن أن يستخدموها.
أيضاً هناك اعتراف دولي بالحكومة القائمة -كما هو معروف- اعترف بها ما يزيد على مائة دولة، وأفغانستان الآن تمر بمرحلة حساسة، ويجب أن يتميز المجاهدون هناك والمسلمون في كل مكان، بقدر كبير من الحرص واليقظة على حفظ الجهاد وقبض ثمراته، ومنع الغرب أو الشرق أو إيران أو غيرها من التدخل.
يقول بعض الإخوة من الشباب: ذهبنا إلى كابول مع وفد المجاهدين، وكان الوفد تقريباً ألفاً ومائتي سيارة، وكذلك معهم بعض المهاجرين، ورافق الوفد الشيخ عبد رب الرسول سياف، وبرهان الدين رباني، وعدد كبير من القادة، وبعد يومين وصل أحد القادة أيضاً. ويقول الأخ أيضاً، وهذا حصل قبل فترة، وحصل بعده أيضاً بعض الأخبار التي تقول: إنهم دخلوا إلى مكتب وزير الأمن الذي انتحر سابقاً في مكتبه، وأنه ما زال دمه موجوداً على سجاد المكتب، ووجدوا أوراقاً على مكتبه، وأوراقاً تخص بعض المشايخ الذين كان لهم دور في الجهاد، وملفات الأسرى العرب، وكذلك ملفات سرية، تدل على تورط كثير من الدول العربية وغيرها في قضية أفغانستان، وكذلك إيران والهند وغيرها، وبدأ الإخوة بترجمتها من اللغة الفارسية إلى العربية، حتى يعلم الجميع أن العالم كله قد اجتمع ضد هذه الدولة الإسلامية الوليدة، وأجمع على ألا تقوم لها قائمة، إلا أن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وبدأت أيضاً سلطات المجاهدين هناك، بفرض الحجاب عبر الإذاعة والتلفزيون، ومنع تداول المشروبات الكحولية التي كانت تغص بها أسواق كابول، وأمروا بنـزع التماثيل والصور الكبرى لقادة الشيوعيين، واستبدالها ببعض المناظر المباحة -كما يقول- واحتلت الدبابات والمدرعات مواقعها داخل مفارق الطرق في كابول، وأعيد الموظفون إلى أعمالهم، وفتحت المدارس من جديد، وعادت الحياة إلى طبيعتها، وقد تقابل الشيخ رباني وسياف مع حكمتيار، وكتبوا بعض الاتفاقيات من أجل موضوع المليشيات الجوزجانية، وضرورة إخراجها إلى الشمال.
على كل حال أقول: هذه من أخطر القضايا، قضية المليشيات؛ فإنها ما زالت عقبة خطيرة في أفغانستان وفي كابول بالذات، لأن لها وجوداً كبيراً، ولا زال وجودها ربما في كابول أكثر بكثير من وجود المجاهدين، وقد بلغني أخبار أخيرة، بأنهم يهددون بأن يكون لهم مجال ووزن وقيمة، وكذلك من المخاطر -كما قلت سابقاً- وجود بعض المتنفذين في السلطة، ممن لا يوثق بعقائدهم ولا بانتمائهم ولا بولائهم، بل هم أصحاب وجوه غربية وعقائد صوفية.
ورد خبر قبل أيام: صرح شقيق أحمد مسعود، صرح قائلاً: إن الخيار العسكري بين الجمعية والحزب لم يبق له أثر، وحل محله التفاهم السياسي والاتجاه الايجابي وطريق التحسن -ولله الحمد- كما يقول الخبر، وعلى كل حال هذه أخبار نرجو الله أن تكون دقيقة، ومع ذلك ما زلنا ندعو إلى مزيد من بذل الجهود، في جمع كلمة المجاهدين وإبعاد أي شبح للمواجهة فيما بينهم.
وكذلك هذا خبر في جريدة الوطن العربي، يقول: تنسيق أمني تونسي مصري جزائري؛ توقعاً لعودة ثمانية آلاف أصولي، استعدوا! المتطرفون عائدون من أفغانستان، وألف أصولي إلى مصر في طريق العودة، وشبكة أصولية عالمية على الأرض الأفغانية بقيادة الترابي وأحمد الخميني، طهران كانت محطة إرسال للمتطوعين، والخرطوم محطة استقبال. هذه المجلة البائسة التائهة الضائعة، قد فقدت قراءها، حيث فقدت مصداقيتها وأصبحت مجرد إذاعة لبعض الأنظمة المعروفة، ولا هم لها إلا السخرية بالمتدينين واتهامهم بشتى التهم، حتى إنها أحياناً -وقد رأيت هذا بعيني- صورت مجموعة يقرءون القرآن في حلقة.
وقالت: المتطرفون يجمعون الصبية الحسان لماذا؟ فكأنها تتهمهم بشتى الأمور، أما هؤلاء الذين قضوا حياتهم في أماكن الفساد ومواكير الانحلال والإباحية، فإنهم لا تدب إليهم أية تهمة فيما يظنون ويزعمون!!
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، اللهم أصلح سرنا، وعلانيتنا، وظاهرنا، وباطننا.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر