إسلام ويب

الحلال البغيضللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله تعالى شرع لعباده الزواج، لحكمة بالغة عظيمة، وفي مقابل ذلك شرع لهم الطلاق، حتى تسير الحياة الزوجية بدون ما يكدر صفوها أو يغيرها، فإذا رأى الزوجان أن لا سبيل إلى بقاء الزواج بينهما؛ لأمور لا يمكن بقاؤه معها، رجعا إلى حل هذه العقد الزوجية بالطلاق، فالطلاق أحياناً يكون هو الحل للمشكلات الزوجية، وليس ذلك باطراد، بل لابد من أخذ جميع الحلول المناسبة حتى يكون الطلاق هو الأخير، ولذلك فقد تحدث الشيخ حفظه الله عن حكم الطلاق في الإسلام، وأنه قد يكون خيراً للمرأة والرجل، وذكر حال المرأة قبل الإسلام، وذكر تنظيم الإسلام للحياة الزوجية، ثم ذكر أسباب الطلاق مع علاج كل سبب بشيء من التفصيل.
    حمداً لله تعالى حمداً، وشكراً لله تعالى شكراً، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، ونصلي ونسلم على نبيه ومصطفاه، وخيرته من خلقه محمد بن عبد الله وعلى آله، وصحبه ومن والاه.

    أما بعــد:

    عباد الله، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعـد:

    فهذا الدرس هو الستون من سلسلة الدروس العلمية العامة، التي تلقى بالجامع الكبير بـبريدة، يلقى في هذه الليلة- ليلة الإثنين- السادس عشر من شهر ذي القعدة، من سنة (1412هـ) عنوانه: (الحلال البغيض).

    ترامى إلى مسمعي صوتها المتهدج الباكي، الذي تقطعه الأنات والزفرات، وظللت فترة طويلة أستنطقها فلا أفهم ما تقول، وبعد جهد جهيد علمت أنها مطلقة تسأل عن بعض ما تعاني، ليست هذه حالة فردية ولكنها تتكرر كثيراً، ولا يملك الإنسان أمامها حين لا يعرف التفاصيل والأسباب إلا أن يشارك هذه المرأة الحزينة آلامها وعذابها، وهو يتذكر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو داود، وابن ماجة، والبيهقي، والحاكم، وغيرهم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أبغض الحلال إلى الله الطلاق}.

    وهذا الحديث روي مرفوعاً متصل الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروي مرسلاً، والصواب أنه مرسل عن محارب بن دثار، لا يذكر فيه ابن عمر رضي الله عنه، وهذا ما رجحه جماعة من أئمة الحديث، كـأبي حاتم الرازي، والدارقطني، والبيهقي، والخطابي، والمنذري، والألباني، وغيرهم، ولكن يغني عن هذا الحديث في تقبيح الطلاق وتشنيعه من غير سبب ولا حاجة ما رواه مسلم في صحيحه، في كتاب صفة المنافقين وأحكامهم، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منـزلة أعظمهم فتنة، فيجيء أحدهم -أي: من جنود إبليس- فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول له: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجته، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت -وفي رواية- فيلتزمه} أي: يضمه إليه ويعانقه.

    الطلاق ليس شراً محضاً على المرأة

    وعلى كل حال، فالطلاق ليس بالضرورة شراً محضاً على المرأة، بل قد يكون خيراً لها وللرجل في حالات كثيرة، وقد يكون نجاةً لها من وضع اجتماعي لا تطيق الصبر عليه، أو من زوج ظالم لا يحترم لها حقاً، ولا يرعى لها حرمةً ولا كرامةً، أو من زوج فاجر لا يخاف الله تعالى ولا يرجوه، فجواره شؤمٌ، وفراقه خير وبر، أو حتى من زوج كتب الله بغضه في قلبها؛ فهي لا تطيقه بحال من الأحوال.

    ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أصحاب السنن وأحمد وغيرهم، عن ثوبان رضي الله عنه وهو حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أيما امرأة طلبت الطلاق، أو سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة} ولا شك أن هذا الحديث صريح في تحريم أن تسأل المرأة زوجها أن يطلقها من غير سبب، ولا شك أن بغض المرأة زوجها بغضاً يحول بينها وبين القيام بحقوقه، والوفاء بحاجاته الشرعية، أن هذا سبب وجيه لطلب الطلاق.

    ولهذا لما اختلعت حبيبة بنت سهل الأنصارية من زوجها ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {والله يا رسول الله ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام -وكانت تبغضه- فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها، وقال: خذ الحديقة وطلقها تطليقة} وكان رجلاً ذميماً، ولكنه كان خطيباً مفوهاً جهير الصوت، وكان من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، شهد معركة أحد وبيعة الرضوان لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18].

    ولما قدم وفد تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، افتخروا بأمور، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {قم فأجبهم}.

    فقام وتكلم بكلام قوي، فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال بنو تميم: والله لخطيبه أحسن من خطيبنا، وشاعره -يعنون حسان بن ثابت- أحسن من شاعرنا، وقد استشهد هذا الرجل النبيل الفاضل، في معركة اليمامة، في قصة طويلة عجيبة ذكرها أهل السير المهم أن زوجته طلبت منه المخالعة وردت إليه ما أعطاها، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقصته مع زوجته قصة صحيحة، رواها مالك وأبو داود والنسائي وغيرهم، وإسنادها صحيح.

    ومن هنا ندرك الخطأ الذي يقع فيه البعض، حين يقول مثلاً: الطلاق ظلم للمرأة، بل إنني أعرف حالات كثيرة، أصبح الطلاق فيها مطلباً ملحاً تحاوله المرأة، ولكن يحول بينها وبينه رجل ظالم متلاعب محتال، يلعب بها يمنة ويسرة ويحتال عليها، فلا تستطيع أن تثبت عند القاضي ما يدعوه إلى إلزام زوجها بالطلاق، مع أن المرأة مستعدة أن تفتدي نفسها من زوجها بالغالي والنفيس، وكما قيل:

    كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا      وحسب المنايا أن يكن أمانيا<

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088962250

    عدد مرات الحفظ

    780189343