إسلام ويب

كبار العلماء يتكلمون عن الدعاةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحتوي هذه المادة على بيان العناية الإلهية بالصحوة الإسلامية وما هو الواجب على الدعاة تجاهها، ثم بيان كلام العلماء حول أولئك الذين لا همَّ لهم إلا حرب إخوانهم والوقوع في أعراضهم.
    الحمد الله الذي أمر بالاعتصام بحبله، ونهى عن الفرقة والاختلاف بين أهل الحق، وأوصى بالتعاون والتواصي بالحق والصبر، والصلاة والسلام على رسوله محمد بن عبد الله، الذي آخى بين المهاجرين والأنصار مؤاخاة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، وربّى أصحابه على المحبة في الله، والإيثار والتضحية، فكانوا نماذج رائعة لصفاء القلوب ونقاء الصدور.

    أما بعــد:

    أيها الأحبة: إن مما تتميز به الصحوة الإسلامية في عصرنا هذا أنها تسري كما يسري النسيم، وتجري كما يجري النهر الصافي المتدفق، تحوطها رعاية الله، وتكلؤها عينه التي لا تنام.

    الصحوة الإسلامية مقدمة للوعد الإلهي

    إن الصحوة الإسلامية ليست خطة سياسية غربية أو شرقية، ولا قراراً سياسياً أوروبياً أو أمريكياً، فهي لم تخرج بتوصية من هيئة الأمم المتحدة، ولا بأمر من مجلس الأمن الدولي الذي يطيب لي أن أسميه مجلس الخوف، ولا ببيان عسكري من البيت الأبيض، ولا بعقد تجاري من السوق الأوروبية المشتركة، ولا بتصريح باهت من الجامعة العربية، كلا! إن الصحوة الإسلامية مقدمة لا شك في صحتها لذلك الوعد الإلهي بالنصر للمؤمنين الذين يثقون بوعد ربهم، ويسيرون على هدىً من كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

    ولذلك فإن نهر الصحوة المبارك سيظل متدفقاً -بإذن الله تعالى- مهما بنيت أمامه سدود الباطل، وأنى لسدود بشرية واهية أن ترد قضاء الله وقدره.

    هذه -أيها الأحبة- حقيقة يجب على كل مسلم أن يثق بها، وأن يصرف عن ذهنه وقلبه الشك فيها، فإذا غلبه شكه وسيطر عليه ظنه السيئ، فليراجع إيمانه.

    وإن من توفيق الله لهذه الصحوة أن هيأ لها عقولاً نيرة، وألْسنة معبِّرة، وقلوباً موقنة، وأذهاناً متوقدة، من دعاة، ومفكرين، ومصلحين، وأدباء، وشعراء، يحملون لواءها، ويبصرون الناس بها، ويصدقون في بيان زيف الباطل وأهله، ويرفعون عن وجوه الماكرين أقنعة الغدر والنفاق، ويهزون بعض القناعات الزائفة التي رسخت في نفوس كثير من المسلمين، كما أن من توفيق الله لهذه الصحوة أن هيأ لها شباباً مؤمناً مجاهداً يبذل روحه رخيصة في سبيل الله، ويعيد إلى الأمة ثقتها بعقيدتها التي تصنع الرجال الأفذاذ، الذين تتكرر على أيديهم مواقف البذل في سبيل الله بذلاً سخياً لا يبخل بشيء في هذه الحياة لا بمال، ولا بولد، ولا بنفس.

    فلكم رأينا شاباً عهدنا به لاهياً عابثاً تحول في جبال الهندكوش بـأفغانستان، وفي أرض فلسطين، وفي بلاد البوسنة والهرسك أسداً هصوراً، يواجه دبابات الأعداء ومدافعهم وطائراتهم مواجهة الأبطال.

    ولكم رأينا فتاة مسلمة كانت الغاية من الحياة عندها أن تلبس فاخر الثياب، وأن تقتني أغلى الجواهر، ثم أصبحت مجاهدة بمالها، تبذل ما لديها في سبيل الله عوناً للمجاهدين ودعماً لهم، كل ذلك -أيها الأحبة- ما كان ليتم لولا أن الله قد رعاه وحفظه، ووفق المسلمين إليه تحقيقاً للوعد بنصر هذا الدين.

    تحمل مسئولية هذه الصحوة

    وإن من أوجب الواجبات على العلماء والدعاة والمصلحين، الذين يحملون مسئولية هذه الصحوة، أن يكونوا على مستوى هذه المسئولية، عملاً دؤوباً وإخلاصاً لله، وتجرداً من أهواء النفوس وحظوظها، ووعياً بالمرحلة التي يعيشونها، وتعاوناً مثمراً لا مكان فيه للفرقة والنـزاع، ولا مجال فيه لتغليب هوى النفس الأمارة بالسوء.

    إن الصحوة الإسلامية نهر متدفق يحمل على ظهره زوارق الهدى والخير؛ ليصل بها إلى شاطئ الأمان، وإنه لا مكان في هذا النهر الصافي للذين يحاولون تغيير اتجاهه أو سد مجراه، أو تعطيل الزوارق التي تمخر عبابه.

    والصحوة أمر قدره الله ليس للجهد البشري فيه إلا الدعم والتوجيه، وتبليغ ما أمر الله بتبليغه، أما المشككون، والمعوقون، والمرجفون، فسوف يلقون خسراناً، وإن الرابح من كان له في هذه المسيرة المباركة يد بيضاء، وعمل صالح مشكور.

    الحاجة إلى الوعي والتعاون

    إن المرحلة التي نعيشها بحاجة إلى وعي، فلا مكان في هذه المرحلة للعقول القاصرة عن الإدراك والتفكير، ولا مقر فيها للقلوب المسكونة بالحيرة والاضطراب.

    إن كل عالم وداعية ومصلح، بل وكل مسلم صغير أو كبير مطالب بأن يكون لبنة في البناء، ويداً مضمومة إلى الأيدي المتوضئة، ونفساً مطمئنة باليقين محبة لكل من يدعو إلى الخير ويحث عليه ويسعى إلى نشر الوعي بين الناس.

    ولا أظن مسلماً صادقاً في انتمائه لهذا الدين يقف ولو ساعة من نهار في صف أعداء هذه الصحوة، متنكراً لعلمائها ودعاتها مهما تكن المسوغات التي يسوغ بها هذا الوقوف مما قد يلبس به عليه الشيطان لعنه الله.

    ليس من منهجنا أن نـزكي أحداً على الله، أو نقدس أشخاصاً بأعيانهم -أعوذ بالله من ذلك- ولكن ليس من منهجنا -أيضاً- أن نجرح إخواننا الدعاة الذين وفقهم الله إلى الصدع بكلمة الحق، وجعل لهم عند الناس قبولاً، وننال من أعراضهم، ونغلب سوء الظن فيهم، نعم.. ليس من منهج المسلم الذي يخاف الله ويرجو رحمته ورضاه، أن يحكم على نيات الناس زوراً وبهتانا، ولا أدري كيف يجيز بعض المسلمين لنفسه هذا، وهو يقرأ ليل نهار آيات القرآن الكريم التي توصي المؤمنين بالتثبت حتى لا يندموا على أحكامهم، كما توصيهم بالاعتصام بحبل الله المتين.

    سد الثغرات بين أبناء الصحوة

    أيها الأحبة: كل مسلم مسئول على الثغرة التي يقف عليها، كل بحسب طاقته وقدرته، وبحسب ما هيأ الله له من المواهب، وإن هذه الحرب الشعواء التي يشنها الغرب الكافر ومن يسير على نهجه من أصحاب المشروع الغربي في العالم الإسلامي، لدليل قاطع على أن الصحوة المباركة قد آتت ثمارها، وأن أهل الباطل يرفعون أسلحتهم الفتاكة ليحموا بها مذاهبهم الفاسدة التي شقيت بها البشرية زمناً طويلا.

    وإن هذه الحرب لجديرة بأن نجد من دعاة الإسلام صفاً واحداً كأنه البنيان المرصوص لا مجال فيه للفرقة والعداوة بغير حق، وإني أنادي من أعماق قلبي من يحمل همَّ هذا الدين أن يكون ذا وعي، وألاّ يكون أداة في يد أعداء الصحوة شعر أم لم يشعر.

    وإن التشكيك في مقاصد الدعاة والعلماء، والحكم على نياتهم ليس من منهج الإسلام في شيء، والفائز من عرف الطريق ولزمه، وكان عوناً على البر والتقوى، وحقق قول الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] وحقق قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}.

    الفائز من كان له وعي قائم على عقيدة صافية، يسلم بها من أن يكون مثل المنافق الذي صور لنا الرسول صلى الله عليه وسلم صورته في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما: {مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع}.

    الطعن في العلماء وخطره على الصحوة

    أيها الأحبة: إن الذي دفعني إلى هذا القول الذي أعلم أنكم تدركونه، إنما هو ما ظهر في الفترة الأخيرة من اتهامات أطلقت في بعض الأشرطة والكتب، وانتشرت في بعض المجالس، وجهت هذه الاتهامات إلى بعض العلماء والأئمة والدعاة إلى الله، الذين نفع الله بعلمهم ودعوتهم، ونحسبهم -والله حسيبهم- من المخلصين والداعين إلى الخير، والبعيدين عن التحزب وضيق النظرة، وقد زكاهم علماؤنا الأجلاء كما ستسمعون بعد قليل.

    إن أخشى ما نخشاه -أيها الأحبة- أن يكون لتلك الاتهامات أثرها السلبي على مسيرة الصحوة، مما سيفرح به أعداء هذا الدين في كل مكان وزمان، على أننا لا نغلق باب النصيحة بالحق، بل إن النصيحة واجبة في حق كل مسلم، ولكن بالطريقة المشروعة التي نعرفها جميعاً، خاصة وأن هؤلاء الدعاة الذين تطلق عليهم التهم، يدعون إلى الإسلام، ويحثون الناس على التمسك به، ويعتمدون على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فيما يقولون، وليسوا من أولئك الذين يجاهرون بالمعصية، أو بقول السوء.

    وهذا الكلام أوجهه من قلب مخلص محب للجميع، ويعلم الله أنني لا أميل إلى أحد دون أحد إلا بالحق فإن الحق أحق أن يتبع، وإنما دفعني إلى هذا، الحرص على هذه الصحوة، والخوف على صفها من التمزق والتشرذم، والله المطلع على السرائر وهو المستعان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088970129

    عدد مرات الحفظ

    780249108