أما بعــد:
في هذه الليلة، ليلة الثاني والعشرين من شهر الله المحرم لعام (1411هـ)، ينعقد المجلس السادس عشر ضمن الدروس العلمية العامة، وعنوان هذه الجلسة هو: وقفات حول الأحداث الجديدة.
وأبدأ بالنقطة الأولى، وقد ارتضيت أن يكون العنوان الأول: بديهيات ومسلمات. إشارة إلى بعض الحقائق والمسلمات التي يجب استحضارها:
وهذه الأصناف الأربعة: اليهود، والنصارى، والمشركون، والمنافقون، كلهم حزبٌ واحد في وجه الأمة الإسلامية، كما قال الله عز وجل: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]
وليس غريباً ما نرى من تصارع هو البغي لكن بالأسامي تجددا |
وأصبح أحزاباً تناحر بينها وتبدو بوجه الدين صفاً موحداً |
شيوعيون جذر من يهودٍ صليبيون في لؤم الذئاب |
تفرق جمعهم إلا علينا فصرنا كالفريسة للكلاب |
وها هنا أود أن أشير إلى خطأ وقع فيه الكثيرون:
من المعروف أن الرافضة يستخدمون لفظ البراءة من المشركين، حتى إنهم في أعمالهم العنيفة المنحرفة التي كانوا يؤذون بها حجاج بيت الله الحرام، كانوا يسمونها: مسيرة البراءة من المشركين، والواقع أن هذا الاصطلاح الذي يستخدمه الرافضة هو من باب التضليل، وذر الرماد في العيون، وإلا فمن هم المشركون في نظر الرافضة؟ نحن المشركون في نظرهم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والمسلمون من ذلك العصر إلى اليوم، فهم حين يقولون: البراءة من المشركين، لا يقصدون -كما يتصور السذج فقط روسياوأمريكا وغيرها من الدول- بل يقصدون البراءة من المؤمنين الموحدين لأنهم في نظرهم مشركون.
وقد التبس هذا الأمر على بعض المتحدثين في أجهزة الإعلام، فقالوا: إن البراءة من المشركين أمر فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، حين كان في حالة حرب مع اليهود أو مع النصارى وقد زالت. وهذا كلام خطير جداً؛ لأنه هدم ونسخ لأصل من أصول التوحيد، البراءة من المشركين حكم باقٍ إلى قيام الساعة، أليس إبراهيم عليه السلام يقول: وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [الممتحنة:4] فليس صحيحاً أنه حين يستخدم أهل البدعة والضلالة مصطلحاً شرعياً نتخلى عنه نحن، ونحاول أن نفرغ هذا المصطلح الشرعي من مفهومه الصحيح.
أولاً: الأحداث معروفه، ولا أحتاج إلى أن أتحدث عن تفاصيلها، ونهاية هذه الأحداث وجوهرها: هو حشود القوات العراقية على الحدود الكويتية، ثم اجتياح العراق لـالكويت واحتلاله، وتكوين حكومة شكلية وَهْمُ، لا حقيقة له، تطلب الانضمام لـالعراق، فيوافق على ذلك، ويعلن ضم الكويت إلى أراضيه لتصبح جزءاً من بلاده.
هذه هي الأحداث، ثم تلاها بعد ذلك ما خُشي أن يكون مطامع أخرى أكبر مما حصل بالفعل، فما هي أهداف هذا العمل؟ في نظري أنه يمكن تلخيص أهداف هذا العمل على المدى البعيد بخمسة أهداف:
أولاً: لا شك أن ما جرى في الكويت، هو ضربة عنيفة لنشاطات إسلامية كبيرة، وقد علم الناس في كل مكان أن الجمعيات والنشاطات الإسلامية والمشاريع الخيرية، في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا تدعم من بلاد الخليج كلها، وأن الكويت من أكثر بلاد الخليج نشاطاً في هذا المجال، حتى أن أموال دول خليجية أخرى تمر عبر جمعيات إسلامية في الكويت، كجمعية الإصلاح، وجمعية إحياء التراث، والهيئة الخيرية، ولجان المناصرة، وحيثما انتقلت في أي بلد من بلاد العالم؛ تجد جهود هؤلاء الخيرين ومشاركاتهم، فهي الآن أصبحت لا تجد الدعم الذي كانت تجده بالأمس، وبذلك تقلص النشاط الإسلامي إلى حد بعيد.
الأمر الثانى: من مظاهر احتواء الصحوة الإسلامية والقضاء عليها: هو احتواء المشاعر الإسلامية في الخليج وغيره بطريقة ذكية مخططة. فقد رأينا كيف يستغل صدام البعثي، فيستخدم الأساليب الدينية لإثارة مشاعر الشباب، فيهز عواطف السذج في كل مكان، وتتعلق كثير من نفوس المغفلين به، وتظن أن الخلاص على يديه، حتى أصبحنا -بكل أسف- نجد المؤيدين له، ليسوا فقط من البعثيين أو من القوميين، بل ربما تجد من بعض المنتسبين إلى الصحوة الإسلامية وبعض رواد المساجد؛ من ينطلقون بالهتاف لهذا البطل المصنوع، الذي هو عبارة عن بالون منفوخ لا حقيقة له، لكن صنعوا منه بطلاً وليس كذلك.
وقد تخوض هذه الجموع الساذجة المغفلة، قد تخوض حرباً معه لا تدري ما نهايتها، ولا تدري ما هي أهدافها، وما أسرع ما نسيت الجماهير المسلمة أفعاله الشنيعة البشعة في العراق! بتدمير المسلمين والقضاء عليهم، وهدم المساجد على رءوس أهلها، وحرب الدعوة الإسلامية، وتشريد الدعاة، بل ما أسرع ما نسيت قتله لجموع غفيرة من المسلمين الأكراد في ما يسمى بمدينة حلبجة! حيث قتلهم بما يسمى بالأسلحة الكيماوية، ومات منهم -حسب بعض التقديرات-، ما يزيد على عشرين ألفاً، بضربة قاسية وجهها إليهم، وهو لا يرحم ولا يألو في مؤمن إلاً ولا ذمة، وكيف يرحم هؤلاء، وهو يقتل أقرب الناس إليه في سبيل الحفاظ على مصالحه وطموحاته الشخصية؟!
ما أسرع ما نسي الناس ذلك كله، أمام هذه العواطف الخادعة والأمل الكاذب!
وقد يواجه هؤلاء الشباب الذين يهتفون له، قد يواجهون في حروبهم شباباً مثلهم ينطلقون لمواجهة هذا السيل الكاسح، الذي هو في حقيقته وأهدافه سيل بعثي، يطمح إلى توحيد عددٍ من البلاد العربية المهمة، تحت راية حزب البعث الاشتراكي القومي المعروف.
إما بافتعال معركة بين العراق وإسرائيل، بحيث أن إسرائيل تضرب المواقع الحساسة في العراق وتدمر قوته كما فعلت في مصر، وهذا محتمل، وإما عن طريق تشجيع تحريك الوضع الداخلى لتغير القيادات وتغيرالوجوه، وإما عن طريق أمر ثالث الله تبارك وتعالى أعلم به.
فأقول:
المنطقة الإسلامية والعربية منطقة مهمة، وخاصة منطقة الخليج العربي، حيث فيها أعظم مخزون نفطي في العالم، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي، فالغرب وضع دولة إسرائيل في فلسطين في قلب البلاد الإسلامية، وعقد معها حلفاً تاريخياً وثيقاً، هو الذي صنعها وأوجدها وحماها ولا يزال، ولا يأمن الغرب من التغيير الإسلامي في أي وقت، مهما وجد أمثال صدام وغيره من الذين يحالفونه، فإنه لا يأمن أن يقدم الإسلام وتصبح هذه القوة في أيدي المسلمين يوماً من الأيام. ولذلك يسعى الغرب إلى إغراق المنطقة في صراعات مستمرة، وهذا في مصلحته لأن فيه إنهاكاً للمسلمين وشغلاً لهم عن التفكير بأن يصححوا أنفسهم، أو يتقدموا في مجالات الحضارة والعلم والصناعة وغيرها. فلا غرابة أن يخطط الغرب لمثل هذه الأعمال، ولا غرابة أن يفتعل الغرب حروباً طاحنة ويدعم فيها الطرفين كليهما، حتى يخرجا من هذه الحرب في غاية الإنهاك.
ولعل من الأمثلة لذلك: الحرب العراقية الإيرانية. فإن القوى الغربية كانت تدعم العراق وتدعم إيران في نفس الوقت، وكان من مصلحتها أن تستمر هذه الحرب إلى أجل معين. ومثل ذلك ما يجرى في لبنان منذ سنين طويلة.
ومع تزايد الصحوة الإسلامية أصبح هناك خوفٌ مقلقٌ، كثيراً ما تردده التقارير الغربية ومراكز البحث ومراكز الدراسات المستقبلية، وهي تدق ناقوس الخطر من الإسلام القادم، وتضخم هذه الظواهر والحقائق، وتبالغ في تصويرها، حتى أصبح رجل الشارع العادي في أمريكا أو أوروبا؛ فزعاً مما يسميه بالأصولية أو الصحوة الإسلامية، أو ما يسمونه بالتطرف أو أي اصطلاح آخر.
ولذلك تحرص هذه القوى الغربية على إرجاع الأمة الإسلامية دائماً إلى الوراء، لتنتهى حيث بدأت، وتحرص على هز بعض الأنظمة التي تعتقد أنها خرجت عن المدار، وتستبدل بها أنظمة أخرى تكون أكثر ولاءً للغرب، وكل هذا يؤيد فكرة الغرب حول إسرائيل، وأهمية وجودها في المنطقة، كحليف تاريخي لمصالح النصارى في البلاد الإسلامية.
من هنا جاءت هذه الأحداث المرسومة بدقة، وحين نقول: بدقة، نقول: هم بشر يخطئون ويصيبون في أحداثهم وخططهم، ويجتهدون في تحقيق مصالحهم، لكن: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] وكم حاولوا ثم فشلوا، ولعل ما جرى للروس في أفغانستان شاهد عيان، حيث جروا أذيال الخيبة وخرجوا منها مهزومين، وأدركوا بعد ذلك أنها كانت مغامرة خاطئة، وحاسبوا من كان سبباً فيها. فليس معنى ذلك أن كل ما يخططونه فهو ناجح ولابد، بل قد يخططون أشياء، وتأتي الأمور على خلاف ما يريدون وخلاف ما يتوقعون، ولذلك ليس ببعيد أن يكون الغرب وأن يكون النصارى؛ وراء دفع العراق إلى دخول الكويت، وأنهم أعطوه الضوء الأخضر لذلك.
ومما يؤكد هذا: الحشود العراقية على الحدود الكويتية منذ زمن، ومن الظاهر جداً أن هناك حركة غير عادية، فضلاً عن التهديدات الصريحة، إضافةً إلى هذا وذاك، فإن الدوائر الأمنية في أمريكا وغيرها؛ أطلعت مسئولين في المنطقة على ما أسمته بمخططات عراقية لغزو دولهم. وهذا معناه أنهم اطلعوا على مخططه لغزو الكويت، ولكن لمصلحة معينة يريدونها لم يريدوا أن يعلنوا هذا في حينه، ولا أن يتخذوا مواجهة ضد غزو العراق لـالكويت، وسمحوا له بذلك لأمر يريدونه ويخططونه، وإن كانوا استنكروا ذلك وشجبوه في أجهزة إعلامهم.
بوصول هذه القوات وجد نوع مما يسمى بالردع، فالقوات العراقية لا يمكن -والله تعالى أعلم- أو هذا الوضع لا يمكن أن يمنح القوات العراقية من التقدم، وفى نفس الوقت أعلنت القوات المتعددة الجنسيات؛ أن مهمتها مهمة دفاعيه وليست مهمة هجومية، بمعنى أنها فقط تريد منع العراق من التقدم، وليست تريد أن تهاجم الأراضي العراقية، هنا يمكن أن نلاحظ مشكلة، وهي وضع الكويت الذي يعتبره العراق جزءاً من أراضيه، ويعتبر الدخول فيه اعتداءاً على أرض عراقية، في حين أن دول العالم الأخرى كلها تعتبر أن أرض الكويت أرضاً كويتية، ويجب أن تعود للكويتيين أنفسهم، ويخرج منها العراق، ولهذا فليس من المستغرب؛ أن هذه القوات تفكر بأنه لابد من تطهير الكويت باعتبارها أرضاً كويتية وليست عراقية، وهذا يعتبر دفاعاً وليس هجوماً، وهذا يحتمل أن يكون فتيلاً قابلاً للاشتعال في أي لحظه، ويمكن أن تنتهي الأمور عند هذا الحد الذي وصلت إليه الآن، ويتوقف التصعيد في منطقة الخليج لفترة معينة، بحيث ينتهى الفصل الأول من المسرحية عند هذا الحد، ويبدأ فصل جديد يستثمر التحالفات العراقية العربية، الأردن وسوريا والجزائر واليمن إلى آخره، للتحضير لهجمة عراقية على إسرائيل، حيث تقول العراق: إن إسرائيل تستهدف العراق من خلال قواتها.
المهم أن إسرائيل إن حصل عليها اعتداء فسوف ترد بقوة، وهي بلاشك تفوق العراق من حيث التقنية المتطورة والإمكانيات التسليحية المتقدمة، وتستطيع بأن توجه إلى العراق ضربة قوية، وبذلك تدمر جزءاً كبيراً من قوته، وقد تدمر المفاعل النووي الذي سبق أن دمرته بمفاجأة غريبة، وبني مرة أخرى بمساعدة دول عربية.
فهذه أحد الأهداف لمثل هذا العمل، على أن هذه الامور كلها مجرد احتمالات: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] وليس ببعيد أن يأتى التدمير من الداخل -كما أسلفت- بتشجيع أي حركة بتغيير الوجوه والقيادات.
وعلى فرض نشوب حرب حقيقية أو حرب تمثيلية بين القوات العراقية والقوات المواجهة لها، فإن من أكبر المآسي التي يفزع لها القلب المؤمن؛ أن هذه الحشود التي يجمعها صدام تحتوي -كما أسلفت- على طائفة من المغفلين من أبناء الإسلام الذين خدعهم بالخطاب الديني، وحرك فيهم العواطف وألهب فيهم الحماس، فنسوا التاريخ الماضي، ونسوا التجارب السابقة، وانساقوا وراء هذه الشعارات الإعلامية الكاذبة، وما أكثر ما ينساق المسلمون وراء الإعلام المضلل! وقد يذهبون وقوداً للحرب بالوكالة عن غيرهم، لايعرفون نتائجها ولا أهدافها، ولايدرون أتنتهي لصالح هذا الطرف أو ذاك؟ وسيواجههم أيضاً مثلهم. وهكذا يصدق ما ورد في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يأتى على الناس زمان لايدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قُتِل} مسلم مؤمن موحد يقتل تحت راية لا يدري أي راية هي! ولا يدري لماذا يقاتل؟ ولا لماذا قتل؟ تسيرهم أطماع الشرق أو الغرب، وأطماع فلان أو علان، فينساقون وراءه بدون وعي ولا بصيرة، لوكانوا من دهماء الناس وهمجهم ورعاهم؛ لقلت: هذا شأنهم في كل زمان ومكان. لكن يؤسفك أن يكون هؤلاء من رواد المساجد، أو يكونوا من القوم الذين يُظن فيهم الصلاح.
كما أنه ليس من المستحيل أن يولد هذا الضغط العالمي المتزايد؛ دافعاً لأن يقول الرئيس العراقي كما قال شمعون: "علي وعلى أعدائي." ويدمر نفسه ومن حوله ويغرق المنطقة إن استطاع في بحر من الدم أو في جحيم من اللهب، ونسأل الله جل وعلا أن يقي المسلمين شره وشر غيره، وأن يقيهم شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ للمسلمين بلادهم وأمنهم واستقرارهم، ويحفظهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم إنه على كل شىء قدير.
ولذلك حين تسمع طريقتهم في إذاعة الأخبار؛ تجدها طريقة فيها قدر من الإثارة، ويعرفون كيف يخاطبون نفوس الناس، فليس حقاً أن يتأثر الإنسان بمثل هذه الإذاعات والإشاعات، ويصاب قلبه بهذا الفزع والرعب، حتى كأن الإنسان لا يملك من الإيمان بالله والثقة والتوكل عليه رصيداً أبداً!
حتى الخوف على الدين، حين تسمع بعض الغيورين على الدين؛ تجد خوفاً غير طبيعي في نفوسهم، نحن نقول بكل ثقة وإيمان: لقد انتهت مرحلة: {اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم} وأما الآن وإلى قيام الساعة مرحلة: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس} لا زالت ترن في أذني -والله- كلمة جبريل عليه الصلاة السلام، حين جاء إلى ذرية إبراهيم وقد وضعهم في البيت الحرام عند الكعبة، فقال لهم: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه.
كم جيوشٍ تحطمت على صخرة الإسلام، هذه الجزيرة هي جزيرة الإسلام، الإسلام في كل شبر منها، في كل حفنة من ترابها، في كل ذرة من هوائها، في كل حجر من جبالها، في كل لحظة من تاريخها، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، هي من الإسلام بدأت وإلى الإسلام تعود. أليس يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الدين ليأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها}؟ أليس يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} {أخرجوا المشركين من جزيرة العرب} وكل هذا دليل على أن هذه الجزيرة جزيرة الإسلام وعاصمة الإسلام، وأن الدين يعود ويحن ويرجع ويجتمع وينضم إليها، حين تضيق عليه بلاد الدنيا.
حتى بلاد اليمن، صح فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: {الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية} ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: {أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة} ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: {إني لأجد نفَس ربكم من قبل اليمن} أي: تنفيسه وتفريجه عن كربات المؤمنين , ولا عبرة بوقت أو لحظة حاضرة، فإن العبرة بالوضع الغالب، فإن نصر الإسلام يأتي غالباً من هذه الجزيرة، فهي بلاد الإسلام، ولا خوف على الإسلام -أيضاً- لا في هذه البلاد ولا في غيرها، لا خوف على الإسلام أبداً، وكيف نخاف على الإسلام ونحن ندرك أن تاريخ الإسلام المستقبلي مرتبط بالعرب أيضاً، والقبائل العربية! وأذكر حديثاً قرأته في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: {مازلت أحب بنى تميم منذ ثلاث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيهم سمعته يقول: هم أشد الناس على الدجال. وفي رواية
ومن الخطأ أن نعتقد أن الإسلام يضيع إذا حدث كذا وكذا، نحن قد نضيع. وقد ننتهي، لكن الإسلام باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إلى أن يبعث الله تعالى الريح الطيبة، فتقبض أرواح كل مؤمنٍ ومؤمنة ولا يبقى إلا شرار الناس، أما قبل ذلك فالإسلام باقٍ، ومن المحال -شرعاً- أن تستحكم الجاهلية على بلاد المسلمين. هذه حقائق قطعية ثابتة لاريب فيها ولا شك، وينبغى أن تكون مصدر أمن واطمئنان لكل قلب فزع مذعور يخاف على مستقبل الإسلام.
نخاف على مستقبلنا نحن، أو نخاف أن نكون قصرنا في حق الله تعالى وفي حق الإسلام، أو نخاف أن نكون فرطنا فنلقى الله تعالى آثمين مقصرين، كل هذا صحيح. أما أن نخشى على الإسلام فهذا خطأ، الإسلام دين الله وللبيت رب يحميه، وفعلاً عبد المطلب كان يعرف حقائق الأمور، حين ذهب إلى أبرهة الذي غزا الكعبة بكل هدوء أعصاب وبرودة، ولما قال له ماذا تريد؟
قال: أريد إبلي، أخذتم مني مائة بعير أرجعوها. قالوا له: عجيب! هذا البيت الذي هوتراثك وتراث آبائك وعزك، ونحن أتينا لهدمه ومع ذلك لا تطالبنا بالكف عنه! تطالب بمائة بعير، كيف سودك قومك وهذا عقلك؟ فقال عبد المطلب بلهجة الواثق: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. ومع أن عبد المطلب كان كافراً، فقد كانت ثقته كبيرة بالله جل وعلا، ومن المؤسف أن كثيراً من المسلمين اليوم يفتقدون هذه الثقة بالله تعالى، نحن بحاجة إلى أن نقول: نحن نعمل وندعو ونجاهد في سبيل الله عز وجل؛ حرصاً على أن لا يقع منا تقصير نؤاخذ به أمام الله تعالى، أما قضية الإسلام فهي محفوظة، وهذا دين الله تعالى.
لقد كشفت هذه الأحداث عن ضعف توكل الناس على ربهم، وعن شدة تعلقهم بالأسباب والماديات، وهذا هوالفيصل بين الإيمان والنفاق.
لما جاء الأحزاب وأحاطوا بـالمدينة، وزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً بانت الحقائق، فالمنافقون قالوا: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12] وقالوا: هذا محمد يعدنا بكنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب لقضاء الحاجة. أما المؤمنون لما رأوا الأحزاب وادلهمت الأجواء وتكهربت، وأحيطت المدينة المنورة بقوة لا طاقة ولا قبل لهم بها، قالوا: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22] فالإيمان حقيقة تتكشف مع شدة الأحداث، تكشف الأحداث عن قوتها وصلابتها وصمودها، أو يبين أن الإنسان قلبه والعياذ بالله خواء من الإيمان، ليس فيه إلا الخوف والرعب والفزع أن يتخطف بكرة أو عشياً.
والإيمان قرين التوكل، قال الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23] فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123] هودٌ عليه السلام حين جمعوا له قال: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوآخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا [هود:56] ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، فهذه القوة التي تجمعون، والمؤامرات التي تدبرون، هي بيد الله عز وجل، ولوشاء أن يحبطها أحبطها، فأنا متوكل على الله تعالى ربي وربكم وربها، فتحداهم وقال: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ [هود:55] لا تنتظروني ولا تمهلوني، وكل ما في أيديكم فاصنعوه، فأنا أملك القوة التي لا تملكون إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ [هود:56].
لا بد -أيها الإخوة- أن نعرف حجم الأسباب المادية، وأن القوة لله جميعاً، وأن المنع بيده، والإعطاء بيده، والنفع بيده، والضر بيده. كم هومؤسف أن الواحد منا يردد بكرة وعشياً: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ولكنه -عملياً- يشعر بأن الحول والقوة بيد فلان أو فلان، أو الدولة الفلانية أو الدولة العلانية، وكم هو مؤسف أن يقول الانسان منا بكرة وعشياً: حسبنا الله ونعم الوكيل. ثم تجده يتعلق بغير الله، أو ينتظر من غير الله، أو يتوكل على غير الله. وكم هومؤسف أن الواحد منا يقول دبر كل صلاة: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذات الجد منك الجد. ثم يعتقد أن المنع أو العطاء أو الضر أو النفع بيد أحد غير الله عز وجل. فالخلق كلهم أدوات ينفذون ما أراده الله تبارك وتعالى منهم، والله تعالى يجري قدره بما يشاء.
وهذا من أكبر مظاهر الضعف عند المسلمين؛ أنهم يفاجئون بالأحداث ولا ينتظرونها ولا يتوقعونها، وهودليل قطعي على أنهم لا يساهمون في صناعة الأحداث، بل ولا يستطيعون رصد الأحداث، وتوقعها قبل وقوعها، وهذا -كما أشرت- هومن أعظم مظاهر ضعف المسلمين.
ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستأمرون وهم شهودُ |
حتى الأحداث في مناطقهم وفي بلادهم في أموالهم، تدار في بلادٍ أخرى وتصنع، ويفاجئون بها دون أن يكون لهم علم، ودون أن يكون لهم أثر في تحريكها أو إيقافها أو توجيهها إلى وجهة معينه.
لعل رجل الشارع العادي في البلاد الأجنبية -أحياناً- أكثر إهتماماً بالأحداث من المسلم، والآن لونظرت إلى رجل الشارع في بلاد النصارى؛ لوجدته معنياً بالأحداث أكثر من عناية كثيرٍ من المسلمين، ويهتم لها أكثر مما يهتم لها، ويتابعها أكثر مما يتابعها، ويتصورها أكثر مما يتصورها. وكم فوجئ المسلمون في تاريخهم بأحداث كثيرة، لعل من أكثرها المفاجآت التي تمت على يد اليهود في المنطقة، باعتبار أن اليهود -كما أسلفت- خلفاء تاريخيين للنصارى، ضرب الطيران المصري كان مفاجأة، وجولات إسرائيل على العراق، لضرب المفاعل كان مفاجأة، والضرب على تونس للقضاء على مجموعة من الفلسطينيين كانت مفاجأة، وأحداث أفغانستان كانت مفاجأة، وأحداث باكستان في أكثر من مناسبة كانت مفاجأة.
وهي من آثار المفاجأة بالحدث، فإن الإنسان إذا فوجئ بشيء يتصرف -أحياناً- بصورة غير مدروسة؛ لأنه لا يدري ما هي الأسباب، ولا ما وراء الأحداث، فيندفع باتجاه الحدث، فيحقق هدفاً يراد منه أن يؤديه، مجرد دور يراد منه أن يصنعه، فيؤديه دون وعي منه بطبيعة الموقف.
مثال: عدوشرس مدجج، قوامة ثلاثة ملايين مقاتل مدرب، دخل بلداً إسلامياً واحتله بالقوة وهذا مثال تمثيلى خيالي وفي هذا البلد ألف من الشباب المتدين، لم يكن لهم من الأمر شيء، يُحكمون بغير ما أنـزل الله، مضطهدون مضيقٌ عليهم، استسلم الناس لهذا الجيش الغازي كلهم، وحنوا رءوسهم للعاصفة حتى هدأت، وعادت المياه بعض الشيء إلى مجاريها، إلا هؤلاء الأشاوس، فقد قال قائلهم: علامَ نعطي الدنية في ديننا؟
هذا فلان لا نجوت إن نجا، هبي يا رياح الجنة. وهكذا اقتحموا حتى قتلوا عن آخرهم، إنهم -إن شاء الله- شهداء، وكفاهم هذا فخراً وشرفاً، نسأل الله أن يكونوا كذلك -وهذا كما قلت لكم مثال- لكن ليس هذا طريق النصر للإسلام، لأننا تُعبدنا بالصبر كما تعبدنا بالجهاد، قال الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:77] كان المؤمنون في مكة ضعفاء، ولذلك كانوا يؤمرون بالصبر، ويتحملون أذى المشركين وقتلهم واعتداءهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ويتعبدون الله تعالى، لا يقفون مكتوفي الأيدى، يتعبدون الله تعالى بشيء اسمه الصبر، والصبر أيضاً هو قرين الإيمان، وليس الإيمان مجرد اندفاعات عاطفية هوجاء ليس لها زمام ولا خطام.
كان المسلم في مكة يقتل وإخوته صابرون، بل هذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين، لما دخل مصر وكانت معه زوجة جميلة حسناء، فأخبر بها الملك الجبار فدعا بها، يريد أن ينتهك عرضها ويعتدي عليها، ولم يكن لإبراهيم نبي الله تعالى صلى الله عليه وسلم حولٌ ولا قوة، إنما كان كل ما يملك أن يتجه إلى الله تعالى بالصلاة والدعاء، فلما دخلت على الجبار صَلَّت ودَعَت الله تعالى عليه، فقبضت يده، أصيبت يده بالشلل، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك. فدعت الله فأنفكت يده، ومرة أخرى وثالثة. فقال لمن حوله: إنما جئتموني بشيطان ولم تأتوني بإنسان، ثم أخرجها من عنده وأعطاها هاجر، وجاءت إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهويصلي، فأشار إليها بيده ما الخبر؟
قالت: رد الله كيد الكافر في نحره، وذكرت أنه أعطاها هاجر.
المهم أن المؤمن قد يتعبد بالصبر، حين يكون ضعيفاً يدرك أنه لا حول له ولا قوة، والله تعالى يقول في محكم تنـزيله: فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ [الأنفال:66] هذه آية ناسخة، والتي قبلها المنسوخة: إن يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال:65] لكنَّ المسلمين في كثيرٍ من البلاد التي يواجهون فيها قوة عاتية، حتى لا يبلغوا ولا إلى مستوى الآية المنسوخة، ليسوا (20%) ولا مائة بالألف من عدد الكفار، ومع ذلك تجد أنهم يندفعون بعواطف أكثر مما يندفعون بتفكير وتخطيط سليم.
علىكل حال تولد لدي قناعة شخصية من جراء مواجهتي لكثير من الشباب؛ أن المسلمين يمتلكون التضحية والبذل، أكثر مما يمتلكون التفكير السليم والنظر البعيد، ولوحدث التكامل بأن تضبط هذه التضحيات وفق نظر سليم وتفكير مستقبلي؛ لتحقق للإسلام والمسلمين خيرٌ كثير.
وهنا يأتي سؤال: إلى متى يظل المسلمون -عموماً- ورجال العلم والدعوة -خصوصاً- يلاحقون الأحداث ملاحقة ولا يسبقون الأحداث؟
إلى متى تسيرهم الأحداث ولا يسيرونها؟!
إيضاح: لو اتجه المسلمون لخدمة الأمة وخدمة دينها في كل صعيد، التعليم والطب والتغذية والتصنيع والدعوة، … إلخ، واستمر الحال على ذلك -مثلاً- عشر سنوات أو خمس عشرة سنة؛ لوجدنا أن الأمة حققت خلال ذلك مستوى متقدماً من حيث القوة والصحة والتعليم والفهم والتدين، وهذا كله يصب في بحر خدمة الإسلام، ويدفعها نحوالنضج والعافية بإذن الله، وتستر بذلك إيمانها وثقتها بربها، ومعرفتها بنفسها، وتعود للحياة من جديد، لكننا مشغولون بالاندفاع وراء حماس، وهذا الحماس لا يشغلنا عنه إلا حماس لحدث جديد ننسى به الحدث الأول.
مثال: أفغانستان، التي سقيناها دماءنا وعرقنا وصحتنا وأموالنا ومهجنا وأرواحنا وشبابنا، ننساها الآن في حمى الاندفاع وراء حدث آخر نلاحقه، وهكذا لم نصنع في أفغانستان إلى الآن نصراً حقيقياً للإسلام، ولن نصنع في غيرها، وما ذلك إلا لأننا نتصرف على ضوء ردود الفعل.
الدرس الأول: لا بد من أخذ الحياة بجد فالحياة للشجعان الأقوياء العاملين، ولا مكان فيها للكسالى والبطالين والتنابلة والمتخاذلين، يجب أن يشق الشباب طريقه معتمداً على الله، بعيداً عن التفكير الهامشي التافه، التفكير في الشهوات الدنيوية، التفكير في الكرة والرياضة والركض وراءها، التفكير في الأهداف المادية القريبة، يحب أن يتربى الشباب على معالي الأمور ليصدق عليه قول الشاعر:
شبـاب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا |
تعهدهم فأنبتهم نباتاً كريماً طاب في الدنيا غصونا |
هـم وردوا الحياض مباركات فسالت عندهم ماءً معينا |
إذا وردوا الوغى كانوا كماة يدكون المعاقل والحصونا |
وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا |
ولم يتشدقوا بقشور علم ولم يتقلبوا في الملحدينا |
ولم يتبجحوا في كل أمر خطيرٍ كي يقال مثقفونا |
كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مسلماً حراً أمينا |
وعلمه الكرامة كيف تبنى فيأبى أن يُقيد أو يهونا |
أين هؤلاء الشباب؟
أين نجدهم؟
في المسارح! على مدرجات الملاعب! على الأرصفة! أو أمام شاشات التلفاز والفيديو! أو وراء الركض خلف المخدرات، كلا! ثم كلا! لا نجد هؤلاء إلا في حلقات العلم والتعليم، ودروس المساجد، وأماكن البناء والمصانع وأماكن التعبئة والإعداد.
فلكي نأخذ الحياة بجد أقول: يجب على المسلمين -جميعاً- الإعداد الحقيقي بجميع صوره وأشكاله، الإعداد المعنوي, وتعبئة الناس نفسياً وعقلياً, ملء قلوبهم بالإيمان والثقة بالله والتوكل عليه والرغبة فيما عنده، والاستعلاء على متاع الحياة الدنيا، والتطلع إلى الآخرة وإلى الموت في سبيل الله, أيضاً جعل الناس يعيشون واقعهم ويعرفون الأحداث، وكيف تتم الأحداث، وما وراء الأحداث ولا يعيشون في غيبوبة، لا يدرون كيف تقع ولا كيف تجري، أو يأخذون معلوماتهم من جهات غير موثوقه، فضلاً عن وجوب التربية، والإعداد العسكرى بالتدريب، في أي مكان يتاح فيه للمسلم أن يتدرب على فنون الرماية والقتال؛ ليدافع عن نفسة وعن دينه وعن عرضه، بل وحتى عن وطنه، فإن من قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون وطنه فهو شهيد، وأعني بوطنه: ليس لأنه يقاتل دون التراب، وإنما يقاتل دون البلد الذي يعتبره بلداً إسلامياً، يريد أن ترتفع عليه راية لا إله إلا الله، وأن يحكم بشريعة الله، ويكون بلداً للإسلام كما تحدثت قبل قليل. فلا شك أن كل هذه الأمور من الأمور المشروعة التي يجب إعداد الشباب لها، ولا شك أن أفغانستان من الفرص التي كان ولا يزال يمكن أن يستثمرها المسلمون في كل مكان؛ لتدريب شبابهم على بعض فنون الرماية والقتال، وغرس القوة في نفوسهم، وإزالة الجبن والرعب الذي يسيطر عليها.
الشاب فقد إحساسه بنفسه، لا يعرف حقوقه ليطالب بها، ولا يعرف واجباته ليؤديها, بل هويحس أن هناك من يفكر بالنيابة عنه، ويدافع بالنيابة عنه، ويشتغل بالنيابة عنه، ويكسب الرزق بالنيابة عنه، وليس على هذا الشاب إلا أن ينتظر لقمة العيش، وينساق وراء شهواته وملاذه ويستمتع بالحياة كما يشاء، ولا شك أن الإعلام يتحمل مسئولية كبرى في ذلك، فإن الإعلام يستطيع أن يجند الشباب ويملأ نفوسهم بالقوة والثقة والرجولة، كما أنه يستطيع أن يجعل الشباب شباباً هامشياً، لا هم لهم إلا الركض وراء الأغنية الماجنة، والكلمة الخليعة، والصورة والكرة وغيرها.
الإعلام هوالذي يبني عقول الناس، ويؤثر فيها في كل مكان، خاصة في الاحداث المصيرية، فهو يقلب الخطأ صواباً والصواب خطأً، ويستطيع أن يصرف اهتمام الناس عن أمر إلى أمر آخر، ويشغلهم عن شيء بشيء آخر، وما حدث الآن هوخير مصداقٍ على ذلك، فنحن وجدنا أن الإعلام في أكثر من دولة نجح في صرف أنظار الناس عن الجريمة، باجتياح العراق للكويت مثلاً، إلى قضية أخرى يدندن حولها وهي: قضية القوات متعددة الجنسيات.
وهكذا يستطيع الإعلام أن يصنع -كما يقولون- دكتاتورية بغير حديدٍ ونار، الإعلام في الغرب يمارس دوره بشكل قوي، لا يلزم الناس بما يراد لهم, ولكن توجه أجهزة الإعلام لإقناع الناس بأمر من الأمور، ثم يؤخذ رأيهم، فإذا كان رأي الناس موافق لما يراد، فيعرض عليهم الأمر الذي يراد أن يفرض بقناعتهم ورضاهم، فهي دكتاتورية مبطنة مقنعة.
ولذلك فالإعلام يمارس التضليل والتعتيم، ولسان الحال يقول للناس: لستم علىمستوى شيء من الأحداث، هذه الأمور لا تعنيكم اشتغلوا بغيرها، وخذوا هذه الأغاني وهذه التمثيليات الشعبية، وهذه الأمور اشتغلوا بها، أما الأحداث الكبرى فلا تعنيكم في قليل ولا كثير.
هوأثر مدمر، وحديث القرآن عنه كبير وكثير قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ:15-17] وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:42-45] وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوهُمْ قَائِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف:4-5] وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَلَوأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:94-99] وَأَلَّواسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً [الجن:16-17].
الإنهماك في المعاصي, الغفلة, الشهوة، الحكم بغير ما أنـزل الله، موالاة أعداء الله، التمكن لهم، أكل الربا وقيام الاقتصاد عليه، والظلم الاجتماعي وسوء توزيع الثروة وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج:45] ترك الإعداد المادي والمعنوي، والغفلة عن الصناعات التي يجب على المسلمين أن يتخذوها، سوءُ التخطيط، والاستبداد، كل هذه من المعاصي، وأعظم من هذه المعاصي كلها: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد ثبت في أحاديث صحيحة أن الأمة إذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ عمها الله تبارك وتعالى بعقابٍ من عنده، وفي كل بلدة تعلن فيه الحرب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجب أن يترقبوا عذاب الله تعالى بكرة أو عشياً.
السنن الإلهية والنواميس الموجودة لا تحابي أحداً ولا تجامل أحداً، تجري على كل من استحقها، ولوكان قرشياً، ولوكان من آل محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنه يجب علينا أن ندرك أن العلاج هوأن نعود إلى الله تعالى، ونصلح ما بيننا وبين الله تعالى، وأن نقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل ما نستطيع، فإن هذه الشعيرة كفيلة بالقضاء على جميع المنكرات الأخرى التي تحدثت عنها.
ثانياً: أن نفتح صدورنا وبيوتنا وجيوبنا لإخواننا المنكوبين، بالدعم والعون والإغاثة، وأود أن أخبر الإخوة بأنه قد تم في ذلك خطوة جيدة في كل مكان وفي هذا البلد أيضاً، قامت بها جهات عديدة مشكورة، كالإمارة وجمعية البر، وإخوان لكم من الشباب يساهمون في هذا العمل بشكل جيد، وسأتحدث عن جوانب منه تستفيدون منها إن شاء الله.
أقول: لا بد من دعم هؤلاء الإخوة؛ لأنهم ولا شك مسلمون تربطنا بهم رابطة الإسلام، وهم ضيوف علينا -إن صح أنهم ضيوف- بل هم منا ونحن منهم , ولذلك فإن من الواجب علينا أن نعمل على مساعدتهم بقدر ما نستطيع، بالمال، وبالمساعدة، وبالتوجيه، وبالإرشاد، وبغير ذلك من الوسائل، وقد تم في ذلك خطوات، وهناك جهات متخصصة لإسكانهم، وهناك مساعدات لهم بالمال، وهناك مساعدات بالأشياء العينية التي يحتاجونها, وهناك -إن شاء الله- فكرة جارية في جمع بعض الأموال وإيصالها إليهم في أماكن تجمعهم، في المناطق القريبة من الحدود، فضلاً عن أن هناك فكرة إيجاد أماكن تكون بتجمعات سكنية تخصص لهم خارج البلد، وتجهز بالأشياء الضرورية، وبذلك يسهل وجودهم فيها على انفراد، ويمكن أن يُكَونوا من خلال هذه التجمعات فرصاً للإرشاد والتوجيه، والحديث عن بعض الأشياء التي يحتاجون إليها، ولابد من دعم ذلك كله من قبل كل فرد منا بقدر ما يستطيع.
فإنني أقول لكم -أيها الإخوة-: إننا نفتخر أن يكون القائمون بمساعدة هؤلاء الإخوة المنكوبين هم من المؤمنين المتدينين الصادقين، حتى إن الإنسان إذا نظر فوجد أن أصحاب اللحى وأصحاب الثياب الرفيعة، هم الذخر الذين تجدهم الأمة كلما ألمت بها ملمة، أو نـزلت بها نازلة , فيقومون مع إخوانهم ويغيثونهم ويساعدونهم، وهذه في الواقع دعوة صامته للإسلام، وهي أبلغ من مائة خطبة وأبلغ من مائة محاضرة، وأحسن من مائة كتاب تعطيها له، هي دعوة صامته؛ لأن كل إنسان عاقل يعرف ما معنى أن يتخلى عنه القريب والبعيد، فيأتيه شاب متدين ربما كان بالأمس يسخر به وبأمثاله، فيساعده في محنته، ويحرص على إنقاذه وإعانته، ولا شك أن هذه لها دلالة كبيرة، ولهذا ينبغي أن نحرص على أن نكون نموذجاً حياً في دعم المؤمنين والمحتاجين والمستضعفين والمنكوبين في كل مكان، وخلال دعوة هؤلاء ينبغي مراعاة أمور:
أولاً: اختلاف المجتمع، وهذا أمر لا بد من مراعاته، فهم عاشوا في مجتمع يختلف كثيراً عن المجتمع الذي عشنا فيه، ومن أراد أن يدعوهم أو ينبههم إلى بعض الأمور؛ فينبغي أن يراعي هذا الأمر؛ لئلا يقع في الخطأ؛ لأن الله عز وجل يحب الحكمة، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، فالعالم -مثلاً- غير الجاهل، والمعتاد على شيء غير الذي يفاجأ به لأول مرة، وينبغي مراعاة هذا الوضع والتدرج معهم شيئاً فشيئاً.
الأمر الثانى: مراعاة الهدوء وسعة البال وعدم العجلة.
الأمر الثالث: مراعاة البعد عن المن والأذى بما يعطيه الإنسان، أو باعتبار هذا ضريبة أننا ندعوكم وإلا وإلا، أو يكون هذا إعانة مشروطة، هذا لا يجوز أن يكون بحالٍ من الأحوال، فهو واجب عليك أن تساعدهم وهذا الأمر علينا جميعاً، ونشر الكتاب والشريط الإسلامي من أهم وسائل الدعوة بينهم، والمجمعات السكنية التي قد يتجمعون فيها هي فرصة، ولعله يتم تنظيم أشياء رسمية من خلالها للتوجيه والإرشاد.
من الناس من يتجاهل هذا الأمر، فقد تأتي إلى خطيب وكل نفوس الناس مليئة مشتعلة في هذا الموضوع، فتأتي إلى خطيب فتجد كأنه قد أصم أذنيه ولم يسمع شيئاً، يتكلم عن موضوع بعيد عن الحدث، إما أن يتكلم تحت الأرض، فيما يتعلق بأحوال الآخرة والقبر والموت، وإما أن يتكلم فوق السماء فيما يتعلق بأمور الجنة والنار والبعث والحساب وغيرها.
كل هذه أمور حق، والكلام فيها حق، لكن ينبغي أن يستغل الإنسان فرصة كون النفوس متهيئة للوعظ والإرشاد والتوجيه، وأخذ الدروس والعبر من هذه الأحداث، ويطمئن الناس على هذا الأمر، فيكون مصدر طمأنينة للناس مصدر سكينة لنفوسهم، يحيي المعاني الإيمانية في قلوبهم كما ذكرت، يبين لهم المخاطر التي تهددهم، بحيث يكون الكلام متعلقاً بالواقع، أما أن نعيش أحداثاً مؤلمة تحرك قلوبناجميعاً ثم نأتي للمتحدث أو الخطيب؛ فنجدة يتكلم في وادٍ آخر، فهذا في الواقع ذهول وغيبوبة لا يجوز أن يقع المؤمن أو العالم أو الداعية ضحيتها. فالإسلام هو دين للواقع، والقرآن الكريم جاء لينظم أمور الناس، وكذلك السنة النبوية، في كل شيء، حتى في علاقة الإنسان بزوجته، حتى في كيفية قضاء الحاجة، والأمور الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية قال الله تعالى: وَنـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] فليس صحيحاً أن نعزل الإسلام عن هذه الأمور، ولا نتكلم إلا في قضايا معينة، أمور الزهديات والوعظيات والأخرويات، هذه حق، ولكن غيرها حق أيضاً أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ [البقرة:85]. لا بد أن نتناول هذا الموضوع كما نتناول غيره، ليكون الطرق والحديد ساخن.
لكن كيف نتناول هذا الموضوع؟
إن من الخطأ أن نتحدث عن هذا الموضوع وكأننا نتحدث عن أمة أخرى أو شعب آخر، فنقول للحضور مثلاً: انظروا لما أصاب هؤلاء، إنه بسبب ذنوبهم، وانتبهوا أن يصيبكم ما أصابهم. لا يصلح هذا الأسلوب في الطرق، يجب أن ندرك أن هذه مصيبة لنا جميعاً، ليست مصيبة لفئة دون فئة، ولا لفرد دون فرد، هي مصيبة للأمة كلها، وبناءً على ذلك؛ ينبغي أن نقول: إن ما أصابنا هوبسبب ذنوبنا، نحن المصابون، وهل نعتقد نحن حين نتكلم بضمير الغائب، أننا أقل من غيرنا ذنوباً؟
بل بالعكس، أحياناً في بعض المجالات قد تجد أن كثيراً من الناس والعياذ بالله وقعوا في ذنوب أكثر مما وقع فيه غيرهم، ولو أردت أن تحسب من حيث الكمية والعدد؛ لوجدت ما عندنا من المؤسسات والأجهزة والمنكرات أضعاف أضعاف ما يوجد في بلاد أخرى كثيرة، فليس صحيحاً أن تتكلم عن غيرك وتظن أنك بمنجاة من هذا الأمر، كلا، بل ينبغي أن نتحدث عن المصيبة على أنها مصيبة نـزلت بنا جميعاً، وعلى أن هذا الدرس لنا جميعاً، وأننا يجب أن نتوب إلى الله تعالى ونقلع، حتى يرفع الله تبارك وتعالى عنا ما أصابنا، ويكبت عنا عدونا، ونقول كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: عَسَى رَبُّكُمْ أن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129].
وفي الختـام:
هذه الأسئلة التي أمامي، تتحدث عن ظاهرة هي أثر من آثار الرعب والفزع، وقلة التوكل الذي في قلوب الناس، حيث أصبحت السيارات أرتالاً وأسراباً لشراء المواد الغذائية بكميات هائلة، وكثير من الناس سحبوا أرصدتهم أو حولوها بعملات أخرى، أو بدءوا يشترون الذهب، أو يغادرون هذه البلاد، وكل هذا لا شك ينم لا أقول عن فقدان التوكل، لكن عن ضعف التوكل، ولا حول ولا وقوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم أعزالإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، وترفع فيه كلمتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء! اللهم اجعلنا من أنصار دينك المجاهدين في سبيلك، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم إنا عبيدك بنوعبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هولك، سميت به نفسك، أو أنـزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تكفي المسلمين شر هذه الأحداث والفتن، في أنفسهم وأموالهم ودينهم وبلادهم، إنك قريب سميع مجيب.
اللهم اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم احيي بلادك ودينك وأهل دينك وأنصار شريعتك، اللهم انصر المسلمين في كل مكان. اللهم يا ذا العرش المجيد! من رفع راية يريد فيها رفع راية الإسلام، وكلمة التوحيد، وإعزاز الدين، وتحكيم الشريعة؛ فانصره نصراً مؤزراً، واجعل التوفيق حليفه حيث كان، ومن رفع راية يريد بها هدم دينك وشريعتك، وإذلال عبادك الصالحين والتمكين للكفر في الأرض؛ فأذله وخذه أخذ عزيز مقتدر إنك على كل شيء قدير. اللهم إنا عبيدك ضعفاء بين يديك، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك؛ فادفع عنا إنك على كل شيء قدير. اللهم آمنا بك وتوكلنا عليك وفوضنا إليك، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر