أيها الإخوة: إن كثيراً من المفاهيم، والحقائق الكبرى في الإسلام، قد أصابها ما أصابها من الالتباس والضعف في نفوس المسلمين، وانحرف فهم الكثيرين منهم لها، ومن هذه القضايا قضية: (مفهوم الشهادتين)؛ مع أن هذه القضية هي الأصل الذي يدور عليه الإسلام، والحديث عن مثل هذه الموضوعات، وتجلية المعنى الحقيقي لها لجميع المسلمين أمرٌ ضروري، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة.
وهذا الموقف من قريش إنما هو مبني على معرفتهم الصحيحة بالمدلول الحقيقي لهذه الكلمة؛ إذ يدركون أنها ليست مجرد كلمة؛ ولذلك لما طلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوها، أو قال لهم: {يا معشر قريش! كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فقالوا: نعم وأبيك! وألف كلمة -نقولها ونقول معها ألف كلمة- فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا: لا إله إلا الله} فانطلقوا وهم يولولون، ويقولون: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] وكم يحز في النفس أن يصبح كثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم لا يدركون من معنى هذه الكلمة ما أدركه كفار قريش الأوائل.
فقبح الله مَنْ كان أبو جهل وأبو لهب أعلم منه بمدلول هذه الكلمة!
وروى مسلم -أيضاً- عن أبي مالك الأشجعي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله؛ فقد حرم دمه وماله} ومن هذه الأحاديث: تعلم أيها المسلم! أن العاصم لدم المسلم وماله في الدنيا، وأن الذي يحقق له السعادة والجنة في الآخرة، هو نطقه بهاتين الكلمتين؛ مؤمناً بهما، عالماً بما دلتا عليه من الإخلاص والتوحيد، عاملاً بمقتضاهما، مخلصاً من قلبه، فحينئذٍ فإنه يحرم على النار، ويدخل الجنة، ويسلم له ماله، ونفسه، وأهله في هذه الدار.
إذاً: فهذه الدعوة هي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين، وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {نحن معاشر الأنبياء إخوة لعَلَّات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد} أي: أن الأنبياء بمثابة الإخوة من الأب، فأبوهم واحد وأمهاتهم مختلفة، وهكذا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ شرائعهم متعددة، فكثير من الأنبياء جاءوا بشرائع في الأحكام والمعاملات، تختلف عما جاء به الأنبياء قبلهم.
أما العقيدة والتوحيد -وهو الذي جاءوا به جميعاً- فإنه لا يتغير بين نبيٍ وآخر.. فكل نبي يدعو إلى الدعوة نفسها التي دعا إليها النبي قبله.. صلى الله عليهم جميعاً وسلم.
كما أنكره طائفة من المعاصرين من الشيوعيين؛ وإن كان إنكار هؤلاء الشيوعيين لله -في الحقيقة- ليس في غالبه إنكاراً حقيقياً؛ بل هم يتعصبون لإنكار وجود الله؛ محافظة على مذهبهم الشيوعي الذي بنوه على الإلحاد؛ ولذلك عندما ذهب رائد الفضاء الروسي جاجارين في الرحلات الفضائية، ورجع وصرح للصحافيين بأنه آمن بالله عز وجل، أو أقر بوجوده؛ قتلوا هذا الرجل، وسحبوا هذا التصريح الذي أدلى به.
إذاً: فقضية اعتقاد أنَّ الله موجود ليست موضع خصومة ولا شك من السابقين، ولم تقف يوماً من الأيام مشكلة أمام نبي من الأنبياء.. وأنت تقرأ القرآن الكريم والأحاديث، وقصص الأنبياء؛ لا تجد نبياً من الأنبياء كانت مشكلته مع قومه أنه يدعوهم إلى الإيمان بوجود الله وهم منكرون! أبداً.. بل إن الكفار والمشركين -على حد سواء مع المؤمنين- يعترفون بوجود الله؛ من حيث أصل الوجود.
إذاً: فمجرد الإيمان بوجود الله، وإن كان لازماً من لوازم شهادة أن لا إله إلا الله؛ إلا أنه ليس هو المعنى الذي دعا إليه الأنبياء والمرسلون.
ولكنك أيضاً تجد أن الخصومة بين الأنبياء وأممهم لم تكن على هذا؛ بدليل: أن الناس الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا يقرون بهذا الأمر قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25].
وفي آيات كثيرة يبين الله عز وجل إيمانهم بأنه هو المالك قال تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِسَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [المؤمنون:84-89]
وهكذا يعترف الكفار الذين رفضوا أن يقولوا: لا إله إلا الله؛ يعترفون بألسنتهم بأن المتصرف بالأكوان هو الله وحده.
إذاً: فالمسلم مع أنه مطالب بأن يعرف معرفة حقيقية، أن الرب المتصرف المدبر للأمور هو الله؛ إلا أن هذا ليس هو المعنى الذي قصده الأنبياء -أصالة- عندما دعو إلى لا إله إلا الله؛ فعارضتهم أممهم في ذلك.
فمن أسمائه مثلاً: العزيز، الحكيم، الخالق، البارئ، المصور، وكل اسم تليه صفة، ومن صفاته العزة، والكبرياء، وغيرها مما ورد النص عليها.
وأفعاله مثل: استوائه على عرشه، ونـزوله إلى السماء الدنيا، ونـزوله لفصل القضاء، وغير ذلك مما ثبت له في الأحاديث الصحاح المتواترة.. فلا بد من الإيمان بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفتة سبحانه وتعالى معرفة حقيقية.
أما منا إنسان يؤمن بأن الله موجود، ويؤمن بأن الله هو المتصرف في الأكوان كلها، ويؤمن بأن الله سميع.. عليم.. بصير.. خالق.. بارئ.. مصور... إلى آخر هذه الأسماء، ويؤمن بالصفات وبالأفعال كذلك؛ فهل نقول: إنه حقق لا إله إلا الله إذا اقتصر على ذلك، أم لا بد من أمر رابع عظيم؟
الجواب: بل لا بد من أمر رابع عظيم جليل، ألا وهو: (إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة) وهو: توجيه جميع أعمال الإنسان ونشاطاته إلى الله عز وجل، وهذه الكلمة التي هي (لا إله إلا الله) فسرها الأنبياء بقولهم: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [هود:2].. اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].
إذاً: الإله هو: المعبود الذي تألهه القلوب، وتطمئن وتسكن إليه النفوس.. فتتوجه إليه بالعبادة بأنواعها؛ وهذا هو موضع الخصومة بين الأنبياء وأممهم.
ولذلك قال المشركون: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً [ص:5] وقد كان أبو جهل وأبو لهب يعرفون أن هناك إلهاً في السماء، وما كانوا يوجهون عبادتهم إليه، بل كانوا يعبدون اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ولم يكن اعتقادهم بأن اللات والعزى هي التي خلقت الكون، أو هي المتصرفة، أو التي تحاسبهم يوم القيامة، كلا! بل كان اعتقادهم أن هذه الأشياء تقربهم إلى الله زلفى، فكانوا يعتبرون الله رب الأرباب، والإله الأعظم، ويعتبرون هذه الأصنام آلهةً صغيرة تقربهم إلى الله؛ لأنهم يقولون: نحن بأدناسنا، وأرجاسنا وذنوبنا، وخطايانا؛ لسنا على مستوى أن نتوجه إلى الله مباشرة، وأن ندعوه مباشرة، فلا بد من وسائل تقربنا إليه، فكانوا يلبون في حجهم فيقولون: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك.
إذاً: كانوا يعترفون بربوبية الله، ويعترفون بوجوده، لكنهم يصرفون العبادات إلى غيره.. فلما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: {قولوا: لا إله إلا الله} عرفوا أنه لا يقصد بمعنى (لا إله إلا الله) أنه لا خالق إلا الله، لأنهم يعرفون سلفاً أنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا قادر على الاختراع والإرجاع إلا الله؛ يعرفون أن هذا ليس هو المعنى المقصود من وراء ذلك، ويعرفون أن معنى لا إله إلا الله التي طالبهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقولوها، يعني: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].. اتركوا اللات والعزى، واتركوا حلفاءكم من الجن، الذين كنتم تتقربون إليهم بألوان من العبادة؛ واصرفوا صلاتكم ونسككم وحجكم ومحياكم ومماتكم لله، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ [الأنعام:162-163] وقال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
ولذلك: فإنهم قاوموا هذه الدعوة ووقفوا في طريقها، ومن المؤسف جداً -أيها الإخوة- أن يكون أبو لهب، وأبو جهل وأمية بن خلف، وغيرهم من أساطين الكفر والجاهلية؛ أعرف بالمفهوم الصحيح لـلا إله إلا الله من كثير من المسلمين، الذين يقولونها اليوم دون أن يعرفوا حقيقة المعنى الذي دلت عليه.
فلو سألت بعض المسلمين اليوم -ولا أقول العوام؛ بل حتى بعض المثقفين-: ما معنى لا إله إلا الله؟
لقال: معناها: لا خالق إلا الله، وآخر يقول: معنى (لا إله إلا الله) يعني: لا قادر على الاختراع والإبداع إلا الله، وثالث يقول: لا متصرف إلا الله؛ وهذا كله تفسير غير صحيح، وإن كان داخلاً في الإقرار والإيمان بالله، إلا أن هذا لم يكن موضع خصومة بين الأنبياء وأممهم؛ وإنما المعنى الصحيح للا إله إلا الله، هو: أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده؛ ولذلك فإن هذه الكلمة تتضمن نفي العبادة عمن سوى الله، وإثبات العبادة لله وحده.. فهي كما يقول العلماء: نفي وإثبات؛ تنفي العبادة عن جميع المعبودات، وتثبت العبادة لله تبارك وتعالى وحده بلا شريك.. فهي إيمان بالله، وكفرٌ بالطاغوت: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].. فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256] فالعروة الوثقى هي: الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
فالمعنى الصحيح لهذه الكلمة التي يطالب كل مسلم أن يقولها، ويتعبد بها، ويدعو إليها هو: الإيمان بالله والكفر بالطاغوت.
والإيمان بالله يشمل: الإقرار بوجوده، والإيمان بربوبيته وتصريفه للكون، والإيمان بأسمائه وصفاته وأفعاله، والإيمان بأنه لا يستحق العبادة إلا هو سبحانه، وتوجيه العبادة له وحده.
والكفر بالطاغوت يشمل: نفي جميع الآلهة المدعاة من دون الله؛ فهو ركن من أركان الشهادة.
وأنت لو نظرت في واقع المسلمين اليوم؛ لوجدت أنهم قد وقعوا في ألوان وألوان من الشرك، منه ما هو شرك أكبر مناف لأصل هذه الكلمة وحقيقتها، ومنه ما هو دون ذلك مما ينافي كمال الإيمان والتوحيد.
وقد حدثني بعض إخواننا من بعض البلاد الإسلامية، فقال: والله لقد رأيت بعيني رجلاً في إحدى البلاد الإسلامية، وهو مستقبل للقبر مستدبر للكعبة، قال: فظننته يدعو -وإن كان الدعاء لا يجوز؛ لكن يقول: إن الأمر قد يكون غير مستغرب- يقول: فما لبث هذا الرجل أن ركع وسجد؛ فعرفت أنه يصلي مستقبلاً القبر.. والذي حدثني شاهد عيان لهذا الحادث.
أما الطواف بها، ونذر القرابين لها، والدعاء عندها؛ فحدّث ولا حرج.. وفي كثير من مجتمعات الأرياف، وفي أوساط السذج البعيدين عن المعرفة؛ تجد أن الاستشفاء للمريض يكون عند القبر؛ سواء بالدعاء، أو بالذبح، أو بالنذر، وقد يسافر الواحد منهم مئات الكيلو مترات ويتجشم المشاق، ويضيع كثيراً من ماله في هذا السبيل، وهذا بلا شك شرك أكبر؛ بل إن هذا هو بالضبط، وبدون أي فرق، هو الشرك الذي وقعت فيه قريش، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليحرر الجزيرة العربية والعالم كله من قبضة هذه الوثنية، وهذا الشرك؛ لأن هؤلاء القوم الذين يوجهون عبادتهم للمقبورين اليوم ليسوا يعتقدون إلا أن هذا المقبور يتوسط لهم عند الله فقط! وقريش كما قال الله كانت تقول: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] وكما قال سبحانه: وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] في حين أن المعبودين أنفسهم هم عباد فقراء محتاجون، يتوجهون إلى الله بالدعاء والعبادة؛ ولذلك يقول الله عز وجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57] أي: أن هؤلاء القوم المدعوين؛ كعيسى، وعزير، وغيرهم من الصالحين الذين يعبدون أولئك الذين يدعون، هم أنفسهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57].
فكيف يدعونهم وهم عبيد، يتقربون إلى الله عز وجل؟!
فهؤلاء وقعوا في لون من الشرك الأكبر، ولا شك أن هذه الظاهرة الخطيرة موجودة في كثير من بلاد الإسلام، وهي قضية تمس أصل الدين والاعتقاد، ويجب أن تأخذ حقها من العناية والاهتمام، وإن كان الوعي -بحمد الله- قد انتشر أيضاً في بلاد إسلامية كثيرة، وأصبحت تجد في تلك البلاد من يستنكر مثل هذا العمل، ويدرك ما ينطوي عليه من خطورة، ويدعو إلى الرجوع بالإسلام، وبالدين، وبالعقيدة الصحيحة، إلى نقائها وصفائها.
فأنت تجد اليوم كثيراًمن المسلمين لم يحققوا هذا المعنى، ولم يحققوا معنى الكفر بالطاغوت؛ بل أصبحوا يتلقون نظمهم وتشريعاتهم، وقوانينهم، وأنماط سلوكهم عن الكفار، من الأوروبيين وغيرهم؛ وأصبحت تجد بين المسلمين من يؤمن بالنظريات والمذاهب الإلحادية المعارضة للإسلام، والمنافية له، سواء في مجال الاقتصاد، أو الاجتماع، أو علم النفس، أو غيرها؛ وأصبحت تجد بين المسلمين من يأخذ النظم والقوانين والتشريعات المختلفة لجميع شئون الحياة؛ فيطبقها في خاصة نفسه، أو في من يستطيع تطبيقها عليه، مما ينافي الدين، ويعارض أصله، وهذا لا يعني -بطبيعة الحال- النظم الإدارية البحتة التي أذن الإسلام بالاستفادة منها مما عند الأعداء؛ فهذا يختلف عن تلقي القوانين والشرائع المتعلقة بالدماء والأعراض والأموال، وبغير ذلك من الخصومات والحكومات بين الناس على مستوى الفرد والمجتمع الذي يعتبر لوناً من ألوان الشرك بالله عز وجل؛ ولذلك قال الله تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً [الكهف:26] وفي قراءة وَلا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَداً [الكهف:26] فهي نفي ونهي -في نفس الوقت- عن أن يشرك المسلم في الحكم أحداً مع الله عز وجل؛ فلا حَكَم إلا الله وله الحكم، ولا يجوز أخذ الأنظمة والشرائع والقوانين إلا منه سبحانه.
آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني |
فيعتبرون العروبة ديناً يدينون به وينتسبون إليه، ويدندنون حوله، وقبل أن يصرح الواحد منهم بما يدعيه من الإسلام؛ يصرح بعروبته؛ بل قد لا يصرح بإسلامه، ولا يعتز بذلك.
ومثل ذلك: تقديس الأوطان وتعظيمها، والموت من أجلها، حتى أصبحت أوثاناً، وليست أوطاناً في الحقيقة، وليس هذا التعبير من عندي؛ بل إنَّ هؤلاء الذين أصيبوا بلوثة هذه الوثنية عبروا بنفس التعبير، حتى يقول أحد الشعراء:
وطني لو صوروه لي وثناً لهممت ألثم ذلك الوثن |
وبكل أسف! حدثني بعض الشباب: أن هذه القصيدة كانت تغنى وتذاع من أجهزة الإعلام في أيام مضت في بلدان متعددة.
ويقول آخر يخاطب وطنه:
ويا وطني لقيتك بعد يأسٍ كأني قد لقيت بك الشباباً |
أدير إليك قبل البيت وجهي إذا رمت الشهادة والمثابا |
كم هو محزن -أيها الإخوة- أن يكون مسلم يفوه بالشهادة وبالمثاب أي: يشهد أن لا إله إلا الله؛ يدير إلى وطنه وجهه قبل البيت الحرام، وهو نفسه يقول:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي |
أي: (في الجنة).
فتقديس الوطن أو العرق والقومية، أو تقديس الأشخاص، وتعظيمهم، وإضفاء خصائص وصفات الألوهية عليهم؛ هو شرك بالله عز وجل.
ويجب أن نعرف أن الإنسان العاقل الذي يتكلم وهو صاحٍ، عاقل غير مغلوب على عقله، مؤاخذ بما يتكلم به، ومسئول عنه، ولا يجوز أن نقول: هذه مجرد فلتات، أو كلمات تنطلق منهم دون فهم لمعناها، أو حساب لها.
ولذلك يقول الله عز وجل في محكم كتابه: وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [إبراهيم:2] من هم الكافرون؟ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ [إبراهيم:3] ويقول: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:16-17] وفي الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} يدعو صلى الله عليه وسلم عليه بالتعاسة، ويسميه عبداً، عبداً: للدينار.. للدرهم.. للقطيفة.. للخميلة.. للخميصة.
كم يوجد -أيها الإخوة- من العبيد لهذه الأصنام الجديدة! كم يوجد من أصبح يتعبد لهذا الذهب الثمين البراق! وإذا أصيب بدينه لم يبال، فإذا أصيب بهذا المال؛ جن جنونه، وقد يصاب بضغط في قلبه، وقد يصاب بجنون حقيقي! بل منهم من يموت على أثر انتكاسةٍ مالية تنـزل به!
وقد يكون الحب لشيء آخر غير المال.. قد يكون الحب للصور.. صور النساء، مثلما يتعلق شخص بامرأة يعشقها، ويتأله قلبه إليها، وتستولي محبتها على قلبه، فيصبح خيالها لا يفارقه في الليل وفي النهار.. وهو يصلي -إن كان يصلي مثلاً-؛ تجد هذه المرأة في مخيلته.. وهو يدعو؛ تجدها بين ناظريه، وهو ينام يحلم بها، فإذا وجدته سارحاً في أفكار وتأملات؛ وجدته يدور حولها، وهذا لون من الوثنية في منتهى الخطورة؛ لأنه يأسر القلب، وأسر القلب أخطر من أي شيء آخر، فإن مأسور البدن قد يكون معذوراً، قد يكون مسلماً أسره الكفار، وقد يتخلص منهم، ولو قتل عندهم لكان شهيداً؛ لكن مأسور القلب -والعياذ بالله- على خطر عظيم، وبعضهم يصرح بعبوديته لهذه المعشوقة، يقول قائلهم:
لا تدعُني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي |
وكما تكون الوثنية في تأله القلب، وولعه في عشق الصور، وكما تكون في عشق الرجل لامرأة؛ تكون أيضاً على العكس من ذلك؛ بولع وتعلق امرأة برجل، فيقع لها من اندماك القلب، وانشغاله، وبلباله، وتوجه جميع همه وإرادته إلى هذا الرجل؛ حتى يصبح الأبوان -مثلاً- اللذان جبل الإنسان على محبتهما، يصبحان عند هذا المحب -رجلاً كان أو امرأة- ليسا على بال، ولا يكترث لهما، ولا يعبأ بهما، ويغفل عن أولاده، ويغفل عن أشياء كثيرة؛ لولع القلب بهذا اللون من المحبة.
وأنت لو تأملت الوسائل التي يتلقى منها الناس ثقافاتهم اليوم؛ لوجدتها تدغدغ هذه المشاعر، وتحرك هذا العواطف، وتحاول عبر وسائل كثيرة أن تملأ قلوب الشباب والفتيات بمعاني الحب المحرم، الذي يؤدي في حالات كثيرة إلى تعلق القلب بغير الله.. فلا تكاد تسمع عن فيلم، أو تمثيلية، أو ديوان شعر؛ إلا وتجده يضرب على هذا الوتر، ولعلكم تعرفون أنه يوجد شاعر من شعراء الدعارة والمجون، الذين لوثوا اللغة العربية بشعرهم، والذي وظف الشعر لوصف المرأة ومحاسنها، والتغزل بها، فكتب ديواناً كاملاً اسمه.. (أشهد) يشهد ماذا؟
يشهد (أن لا امرأة إلا أنت!)
فهذا ينتسب للإسلام والإسلام منه براء، ما دام على مثل هذه الحال؛ لأن الإسلام لم يعرف منه إلا الشتم.. يشتم الله عز وجل! ويشتم الأنبياء والمرسلين! ويشتم المؤمنين! لكن: يشهد أن لا امرأة إلا أنت!
إذاً: فتعلق القلب بالمعشوق -أياً كان المعشوق- هو نوع من تأله القلب وتوجهه لغير الله عز وجل، وهو في الناس اليوم كثير.
فإن الله عز وجل جعل للمسببات أسباباً في الغالب، تتحقق بها؛ ولكن الله تعالى هو خالق السبب والمسبب، وهو قبل الأسباب، وإرادته فوق السبب ومع السبب، ولذلك فإن هذه الأسباب لا أثر لها إلا بإرادة الله، وهو الذي رتب عليها ما يكون بعدها.
والمسلم وإن كان يفعل السبب؛ إلا أنه يؤمن بأن الله هو خالق السبب والمسبب؛ لكن لضعف ارتباط الناس بالله عز وجل؛ صاروا يلاحظون أن الأسباب التي تفعل تؤدي إلى نتائجها في حالات كثيرة، أو في غالب الحالات.. فالمريض إذا ذهب للمستشفى؛ يحصل في غالب الأحوال على الشفاء، والطالب إذا اجتهد في دراسته؛ حصل على النجاح. ومع الغفلة عن الإيمان اليَقِظ بالله عز وجل؛ أصبح الناس يتوكلون على هذه الأسباب، ويعتبرون أنها كل شيء، وينسون قدر الله تعالى وحكمه وراء ذلك، ولذلك يقتل الإنسان نفسه بالتعب في تحصيل الأشياء، وبذل الأسباب التي تعسُر؛ بل قد تكون أشبه بالمستحيل أحياناً، ثم إذا لم يحصل على ما يريد؛ تقطعت نفسه حسرات على ما كان! وهذا أمر ينبغي للمسلم أن يحرر قلبه منه.
أيها الإخوة: هذا المعنى المتعلق بالشق الأول من لا إله إلا الله؛ هو معنىً خطير عظيم، أي: توجه القلب، واللسان والجوارح لله عز وجل بكليته، فلا يمكن أن ينطق الإنسان بلسانه، وقلبه خاوٍ؛ لأنه حينئذٍ يكون منافقاً، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، ولا يمكن أن يكتفي الإنسان بإقرار القلب.. فـأبو طالب كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرف أنه صادق في دعوته، ويقول في قصيدته المشهورة:
لقد علموا أن ابننا لا مكذَّبٌ لدينا ولا يعنى بقولِ الأباطلِ |
فو الله لولا أن أجيء بسبة تُجر على أشياخنا في المحافلِ |
لَكُنَّا اتبعناه على كل حالة من الدهر حقاً غير قول التهازلِ |
ومع ذلك ورد في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن أهون أهل النار عذاباً رجل تحت قدمية جمرتان من نار يغلي منهما دماغه، ما يرى أن في النار أحداً أشد عذاباً منه، وإنه لأهونهم عذاباً} وفي رواية في الصحيح أيضاً: {أنه
إذاً: مجرد دعوى الإيمان في القلب، أو وجود شيء من الإيمان في القلب لا يكفي، والذين يقولون: ربك رب القلوب، والتقوى هاهنا، مخطئون في ذلك، بالمعنى الذي يقصدونه، وإن كانت الكلمة في أصلها صحيحة، لكنها كلمة حق أريد بها باطل.. فإنه لابد مع إيمان القلب من نطق اللسان، ولا بد مع نطق اللسان من توجه الجوارح بالعمل لتحقيق معنى ومدلول لا إله إلا الله.
ولذلك كان من اليهود من آمنوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول ونبي؛ ومع ذلك ما نفعهم هذا، ففي صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه: {أن يهودياً جاء إلى الرسول صلى الله عليه سلم، فقال: السلام عليك يا محمد! قال فقلت له: ألا تقول: السلام عليك يا رسول الله؟ قال: أنا اسميه باسمه الذي سماه به أهله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن اسمي الذي سماني به أهلي محمد، ثم قال اليهودي: يا محمد! إني سائلك عن مسائل، قال صلى الله عليه وسلم: هل ينفعك إن أخبرتك -أي: هل تستفيد- قال: أسمع بأذني -لن يستفيد إلا مجرد السماع بأذنه- فقال له صلى الله عليه وسلم: سل عما تريد، قال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟! -في ذلك الموقف أين يكون الناس؟!- قال: هم في الظلمة دون الجسر -والجسر هو الصراط- قال: فمن أول من يجوز؟ -من هو أول من يجتاز الصراط؟- قال: فقراء المهاجرين، قال: فما أول طعام يأكلونه في الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت -الزائدة الموجودة في كبد الحوت- قال: فما غذاؤهم عليها؟ قال: ثور يأكل من أنحاء الجنة، قال: فما شرابهم؟ قال: من عين تسمى سلسبيلاً، قال: إني سائلك سؤالاً لا يعلمه إلا نبي، أو رجل، أو رجلان.. ما الذي يجعل الولد ينـزع إلى أبيه، أو ينـزع إلى أمه؟ قال: ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أَذْكَر بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنث بإذن الله -ماذا قال هذا اليهودي الحبر؟- قال: صدقت وإنك لنبي
فهناك إيمان كامل، وكمال الإيمان لا يتحقق إلا بتحقق كمال المحبة، لكن -أيضاً- أصل الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتحقق إلا بوجود أصل المحبة، بمعنى: لو وجد إنسان لا يحب النبي عليه الصلاة والسلام -والعياذ بالله- أو يبغض النبي عليه الصلاة والسلام، فهو غير مسلم، وغير مؤمن به صلى الله عليه وسلم؛ لكن لو وجد إنسان يحب النبي صلى الله عليه وسلم -لكن قد لا يدرك بالضبط ما مقدار هذه المحبة- فحينئذٍ يكون له من الإيمان بقدر ما للنبي صلى الله عليه وسلم في قلبه من المحبة.
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيعُ |
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيعُ |
وأنت إذا نظرت إلى الذين يحبون بشراً من البشر محبة شركية؛ وجدتهم في الحقيقة أصبحوا مجرد آلات تأتمر وتتحرك بإشارة المعشوق المحبوب بشكل واضح جداً، فالمحبة الحقيقية لا بد أن تظهر آثارها على الجوارح؛ ولذلك لما ادعى قوم محبة الله ورسوله، ابتلاهم الله عز وجل بالآية التي كان بعض السلف يسميها آية المحنة: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
فالمحبة -أيها الإخوة- ليست دعوةً باللسان، وليست مجرد شعور يخفق به القلب؛ بل هي محبة تجعل الإنسان مستعداً لأن يقف حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوقوف، ويعمل ما أمره صلى الله عليه وسلم أن يعمل، ويترك ما أمره صلى الله عليه وسلم أن يترك؛ مهما كان ذلك مخالفاً لمحبوبه ومراده هو.
حتى وهم يعلنون بالطريقة التي يعلنون بها عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه؛ يخطئون وينحرفون عن المعنى الصحيح، ولنتأمل صوراً ونماذج من الإخلال بهذه الشهادة:
فهؤلاء -بلا شك- مشركون في تحقيق معنى شهادة أن محمداً رسول الله، وخارجون عن الإسلام بهذه الدعوة. ولو نظرت -مثلاً- لبعض الذين يقدسون بعض الزعماء والقادة والسياسيين؛ فيسمونهم بالأنبياء.. فهذا نبي القومية مثلاً، وأحد الشعراء يقول على أثر وفاة بعض الحاكمين، يخاطبه بقصيدة يقول فيها: قتلناك يا آخر الأنبياء!!
فهؤلاء أيضاً هم مشركون، وغير مؤمنين بشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يبعد هؤلاء وأمثالهم -وهم كثير، لا كثرهم الله!- من الإحصائيات التي تعلن لأعداد المسلمين في أحيان كثيرة.
لقد جهل كثير من المسلمين اليوم معنى الاتباع الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم، فوجدتهم يستغربون سنته ويستنكرونها، وينكرون أحياناً على من فعلها، وقد يُشَهِّرون به، وقد يصفونه بأوصاف كثيرة، فيقال عن المتبع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه متزمت، ومتشدد، ومتطرف... إلى غير ذلك من الأوصاف التي يراد منها تنفير الناس عنه، وعن السنة التي يحملها، وكثير من الناس اليوم يقدمون آراء الرجال وأقوالهم على أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا خطأ عظيم، وقع فيه المسلمون، فإن من المعلوم أنه لا قول لأحد، ولا كلام لأحد بعد كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا عرفت أيها المسلم! أن نبيك، ومتبوعك، وإمامك، وقدوتك صلى الله عليه وسلم، يفتي في هذه المسألة، أو يقول في هذا الحكم قولاً، لم يكن لك أن تتعدى قوله، ولا أن تترك قوله إلى قول غيره، وكما قيل:
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر |
ويقول آخر:
وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائعُ |
فهؤلاء الأئمة: إنما يغترفون من بحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكما قيل: (وكلهم من رسول الله مغترف) فإنما هم يأخذون من هديه ومن سنته، ويقول كل واحد منهم: "إذا صح الدليل فهو مذهبي، وإذا صح الحديث قلت به".
روى الأئمة الذين ترجموا للإمام الشافعي كـالبيهقي، والرازي وغيرهما: "أن رجلاًَ جاء للإمام الشافعي فسأله عن حديث أصحيح هو أم لا؟
قال: نعم صحيح، قال: وتقول به أنت يا إمام؟!
فغضب الشافعي، وأحمر وجهه! وقال لهذا السائل: هل رأيتني في كنيسة؟!
أرأيت في وسطي زِنَّاراً؟!
وغضب! وقال: حديث يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به كيف هذا؟!
ولذلك نال هؤلاء الأئمة من المكانة عند المسلمين ما نالوا؛ لشدة متابعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وشدة تحريهم لهديه، وبعدهم عن مخالفته في كل شيء، إلا فيما لا بد للبشر منه، ولكن إذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اختلفوا؛ فمن بعدهم أولى بالاختلاف، والاختلاف أمر لا بد منه، وإنما الشيء الذي يجب على المسلم أن يعيه ويسمعه ويفهمه، هو المنهج الصحيح في هذا الاختلاف، وفي مواجهته.
وخلاصة ما يتعلق بموضوعنا الآن هو: أن كل اختلاف فمرده إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه إذا صح الحديث، فكل واحد منا يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، قلت به، ولا حاجة لأن أقول: الأئمة أعلم مني بهذا الحديث، أو أعرف مني به.. لو كان صحيحاً لقالوا به، أو لو كان هذا معناه لقالوا به؛ لأنك حينئذٍ قد أحلْتَ سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقاعد أو إلى المعاش، واستبدلت بها آراء هؤلاء الأئمة، وهذا ما لا يرضيهم؛ لأنك حينئذٍ كما تكون خالفت هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، تكون خالفت هؤلاء الأئمة الذين تتبعهم وتسير على نهجهم.
إذاً: فالحديث هو المقدم، وهؤلاء الأئمة إنما يغترفون من بحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كتاب الله تبارك وتعالى.
فيجب عليك أيها المسلم! أن تعظم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتربي في قلبك تعظيم الحديث، فإذا سمعت كلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليها بكليتك.. بقلبك وقالبك، واحرص على فهمها ومدى صحتها وثبوتها، ثم ابن على ذلك العمل بها، والدعوة إليها، واعرف أنك بهذا لن تخرج عن قول إمام من الأئمة، فما من شيء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا وقال به بعض هؤلاء الأئمة أو كلهم.
فهذه أشياء مما يتعلق بالأخطاء التي يقع فيها كثيرٌ من المسلمين، في تحقيق معنى شهادة أن محمداً رسول الله، والإنسان الذي يطمع في رحمة الله، ويطمع في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، عليه أن يقف مع نفسه وقفة صدق، ويتأمل مدى تحققه وامتثاله للمعاني التي آمن واقتنع بأنها هي المعنى الصحيح للشهادتين.
وفقني الله وإياكم لصالح القول والعمل، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: أقول: ليس من الضروري أن يكون الجواب هو: نعم.. إن توحيد الأسماء والصفات هو من لوازم لا إله إلا الله؛ ولكن الإنسان الذي آمن بوجود الله سبحانه، لا يكفي إيمانه به إيماناً مجرداً، بل لا بد أن يعرف ربه، لأن اليهود والنصارى، وكثير من أمم الكفر يؤمنون بوجود إله خالق للكون، فالفرق بين إيمان المسلم بوجود الله، وبين إيمان غيره، هو أن المسلم يؤمن بالله، ويعرفه بأسمائه وصفاته وأفعاله.
وهذا الأمر لا بد منه، وهو أحد أنواع التوحيد، التي يطالب المسلم بتحقيقها، فهو جزء من مفهوم الإيمان بالله عز وجل.
وما حكم من قال مثل هذا القول؟
الجواب: الدعوة إلى تصحيح العقيدة أصل وليست فرعاً، فالخطأ في الفروع، خطأ وصواب؛ لكن الخطأ في الأصول هدىً وضلال.. فالإنسان الذي يخطئ في عبادة من العبادات، أو في تطبيق حكم من الأحكام؛ يختلف كثيراًعن إنسان يخطئ في قضية اعتقاديه.. فالدعوة إلى تصحيح المفاهيم الاعتقادية، وبنائها على ضوء الكتاب والسنة، هو أصل في الدين وليس فرعاً، وهذا الأصل يبنى عليه غيره. ولذلك فإن من الواجب على المسلم، وطالب العلم -بصفة خاصة- أن يحرص على تصحيح عقائد الناس، وليس من الضرورة أن يكون تصحيح عقائد الناس -وخاصة العامة من المسلمين- عن طريق بيان انحراف أصحاب الفرق الضالة -مثلاً- وكيف انحرفوا؟ وما هي الفرق المنحرفة في الأسماء والصفات، أو في غيرها؟
إنما الضروري أن يشرح لهم التوحيد الصحيح، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والذي فهمه منه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسائر الصحابة، وبلغوه إلى من بعدهم، وأن يقرأ عليهم الأحاديث التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، والأشياء التي ذكرها لأصحابه، ويكفي أن الناس بفطرتهم يعرفون ذلك.
فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى العرب، فكان يخاطبهم باللغة العربية، فيصف الله لهم بصفاته، ويسمي الله بأسمائه، ويذكر أفعال الله عز وجل، فماذا تتوقع من العربي القح الذي لم يدرس الفلسفة والمنطق وغيرها، عندما يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ينـزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له، هل من تائب فأتوب عليه؟ وذلك حتى يطلع الفجر}.
وهذا الحديث المتواتر، ثابت ثبوتاً قطعياً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالعربي عندما يسمع هذا الحديث لا يفهم أن المعنى: تنـزل رحمة الله، وأن رحمة الله هي التي تنادي؛ بل يفهم أن الله ينـزل، وأن الله ينادي، دون أن يكيف هذا النـزول بكيفية، أو يحده بحد، أو يتصور له شكلاً معيناً، ولو خطر في باله تصور معين، أو كيفية معينة، دفع ذلك وعرف أن الأمر كما قيل: كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام:103] وقال: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه:110].
فحين تقرأ عليهم الأحاديث، وأقوال الصحابة والتابعين، في الله عز وجل، في أسمائه، وأفعاله، وفي غير ذلك من أبواب الإيمان، وتشرح له ذلك شرحاً مبسطاً، بل حتى لو لم تشرح ذلك؛ لفهم كثير من الناس -بالفطرة- المعنى الصحيح الذي تدل عليه هذه الأشياء، إلا أن يكون سبق إلى فطرتهم ما يفسدها.
أما العامي فليس بالضرورة أن يعرف الفرق الضالة، والرد عليها، وما أشبه ذلك من الأمور.
الجواب: التوسل بغير الله -بلا شك- لا يجوز، لكنه أنواع: فمنه ما يكون شركاً أكبر؛ وذلك كما إذا وجه الدعاء والتوسل إلى الوسيط والمدعو نفسه، كمن يدعو المقبورين، ويلتمس منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، ورد الغائب، وما أشبه ذلك. ومنه ما هو حرام؛ لكن لا يصل إلى حد الشرك، وذلك كما لو سأل الله عز وجل بفلان، كما يقول بعض الناس: اللهم إني أسألك بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، أو بجاه فلان، فهذا لا يجوز، لكنه ليس شركاً أكبر.
والإنسان عليه أن يسأل الله بما أمره الله به أن يسأله، فقد بين لنا ربنا سبحانه -الذي نؤمن به، ونقبل شرعه- وبين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم كيف ندعو؟
وكيف نتوسل؟
يقول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180] فادعُ الله بأسمائه الحسنى وبصفاته، وادعُ الله بسابق إنعامه عليك.. اللهم إني أسألك كما هديتني ورزقتني ووفقتني -مثلاً- أن تفرج همي وكربتي.. وادعُ الله تبارك وتعالى بعملك الصالح أيضاً، كما دل عليه الحديث الصحيح في قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فكان كل واحد منهم يذكر عملاً صالحاً فيقول: {اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك فافرج عنا ما نحن فيه}.
فلا بأس أن يقول المسلم -مثلاً-: اللهم إني أسألك بأني آمنت بك، وشهدت أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك إلا غفرت لي ورحمتنني.
وما حكم من يقول: إن المولد مباح أو سنة؟
الجواب: فعل المولد بدعة.. لم يعرفها المسلمون في عصورهم المفضلة؛ إنما عرفوها عند طريق احتكاكهم بالنصارى الذين كانوا يعملون الموالد لنبيهم، والواقع -أيها الإخوة- أن المسلمين اليوم تحول حبهم واتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم من اقتداء حقيقي به، وبحث عن سنته وعمله، والتأسي بذلك؛ إلى مجرد -لا أقول: حب في القلب؛ بل إلى مجرد- دعاوى يتفوهون بها بألسنتهم، وما أكثر ما تسمع من يدعي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم! أين الحب؟! هذا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ليس فقط إنساناً تحبه، ثم تتركه إلى غيره!
وأصبحت القضية مجرد أقوال تقال، لا رصيد لها من الواقع، ولا دليل عليها؛ فكيف تحبه ثم تعبر عن هذا الحب بأسلوب لم يشرعه لك صلى الله عليه وسلم؟!
ولو سألناكم أيها الإخوة! وسألنا من يقيمون المولد بصراحة، هل نحن أكثر محبة للرسول صلى الله عليه وسلم من أبي بكر، وعمر، وبقية الصحابة؟ لكان الجواب بالإجماع.. لا.. من التابعين، أو تابعيهم؟ الجواب: كلا. بل هم أكمل محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منا، وأعظم توقيراً له ومعرفةً بقدره.
إذاً: فما الذي كان يمنعهم من أن يحيوا المولد، خاصة وأنهم حديثو عهد به صلى الله عليه وسلم.. وقد جرت عادة الناس إذا مات عندهم ميت، أن يحيوا ذكرى وفاته، ويسمونها -مثلاً- الذكرى بعد أسبوع.. ذكرى الأربعين.. ذكرى كذا.. ثم كل ما بَعُد الزمن؛ قلت هذه المناسبات، حتى تختفي. فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، عاش بين أظهرهم، وأحبوه من كل قلوبهم، وكان أحب إليهم من نفوسهم، ومن الماء البارد على الظمأ، ويفدونه بآبائهم وأمهاتهم، ولما قيل لـخبيب بن عدي وهو يصلب في مكة: [[أتحب أن محمداً مكانك صلى الله عليه سلم، وأنك سالم في أهلك؟ قال: والله ما أحب أني سالم في أهلي، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم تصيبه شوكة]] فهذا هو الحب الصحيح.
فإذا حلق شعره صلى الله عليه وسلم، فإنها لا تسقط شعرة من أيديهم، فكل واحد يأخذ شعرة من شعرات النبي صلى الله عليه وسلم، ليحتفظ بها؛ وذلك لأن الاحتفاظ والانتفاع بآثاره الحقيقية في حال حياته صلى الله عليه وسلم، أمرٌ ليس فيه أدنى بأس.
وكذلك إذا بصق؛ أخذوا بصاقه صلى الله عليه وسلم، وإذا توضأ؛ كادوا يقتتلون على باقي وضوئه.. إلى هذا الحد من الحب!! وماذا تتصورن حين مات محمد صلى الله عليه وسلم؟ أقفرت منه المدينة وأظلم كل شيء فيها، وأصبح الصحابة كالغنم المطيرة.
فـأبو بكر يدخل عليه وهو مُسَجَّى قبل أن يوسد في قبره صلى الله عليه سلم، فيقبله، ويبكي، ويقول: [[طبت حياً وميتاً يا رسول الله]] فهي محبة عميقة، والله لا يشعر بها ولا بقليل منها أولئك الذين يدعون محبته، من خلال أشياء يقيمونها، وخطب رنانة يلقونها، وقصائد يرددونها.
خذ على سبيل المثال: هذا الشاعر الذي كتب قصيد البردة، وهو البوصيري الذي يقول:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم |
إلى آخر القصيدة...
هذا الرجل الذي يظن كثير من الناس أنه قال هذه القصيدة من فرط حبه للرسول صلى الله عليه وسلم؛ ابحث عن ديوانه، واقرأ ديوانه؛ تجد أن هذا الرجل شاعر متكسب، يأتي إلى هذا فيمدحه ويأخذ ماله، ويأتي إلى الآخر فيمدحه ويأخذ ماله، وقضى حياته كلها بهذا الشكل! اقرأ ديوانه، واقرأ سيرته.. ليس أكثر من ذلك.. فهو ليس عالماً أو ليس إماماً أو عابداً، ولا شيء من ذلك؛ ولكنه رجل قوي في نظم الشعر -أي يملك موهبة- فصار هذا الشعر يأسر قلوب كثير من الناس، ويرددونه.
إذاً: فقضية محبة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ليست دعاوى تقال باللسان؛ وإنما هي حقائق توجد في القلب فتنطبع على الجوارح.
الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بزيارة القبور، وأنها تذكر بالآخرة، وورد عنه أدعية تقال في الزيارة، منها ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قول: {السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، يغفر الله لنا ولكم} ثم يدعو: {اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم}.
فمثل هذه الأدعية التي هي بمناسبة زيارة القبر، وهي دعاء للميت، ودعاء للزائر أيضاً، ولكن ليس بقصد تحري المقبرة، أو بقصد تحري القبر للدعاء عنده، ومع الاقتصار منها على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا لا شيء فيه، ولا يعارض تحريم قصد القبور للدعاء.
الجواب: لا شك أن هذا محرم أيضاً، فإن هذا العمل -وهو التبرك بالدم- قد يصاحبه شيء من الاعتقاد؛ بل لا بد أنه يصاحبه شيء من الاعتقاد بهذا الدم، وبهذا المنـزل الجديد.. والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت تجد عليهم أشياء كثيرة، فكان الواحد منهم ينتقل من بلد ليسكن في بلد آخر، وينتقل من بيت ليسكن في بيت آخر، أو من مزرعة ليسكن في مزرعة أخرى، وغير ذلك من الأحوال التي تعرض لهم، كما تعرض لنا الآن؛ فما كانوا يصنعون شيئاً من ذلك؛ بل كان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا استجد شيئاً دعا دعاءً يتعلق به، كما إذا لبس ثوباً جديداً، وكذلك إذا دخل منـزله، أو ما أشبه ذلك.
أما ذبح الإنسان بنية التبرك بمناسبة دخوله بيتاً جديداً؛ فهذا ليس بجائز.
الجواب: نعوذ بالله! إذا كان الذبح للجن؛ فهذا نوع من الشرك. فالنسيكة لا تذبح لغير الله عز وجل، بل إن الحنفاء الذين كانوا على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الجاهلية، كانوا يستنكرون مثل هذا العمل، وفي الحديث في صحيح البخاري، عن أسماء رضي الله عنها قالت: [[كان
فلا شك أن الذبح للجن أو لغيرهم، هو شرك بالله عز وجل.
الجواب: الواجب على العلماء، وطلاب العلم، والدعاة، أن يركزوا على هذه القضية، ببيان العقيدة الصحيحة، وبيان المعنى الصحيح للتوحيد والشهادة والتحذير مما ينافي ذلك من عبادة المقبورين أو دعائهم، أو الطواف أو الصلاة، أو ما أشبه ذلك إليهم؛أو ما ينافي كمال التوحيد ويخدش فيه. فليحرصوا على توعية الناس بذلك، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة، وتقوم عليهم الحجة؛ فإن هذا هو الأمر الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على الذين أوتوا الكتاب: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187].
الجواب: لا أدري ماذا يقصد بهذه الكلمة، وفي أي مناسبة يقولها! لكن ظاهر الكلمة -الآن- أنه ليس فيها شيء؛ لكن إن كان يقصد بها معنىً توارثه عن أهله، أو يقولها في مناسبات تدل على أن لها معنىً خاصاً غير المعنى الظاهر والمتبادر، فقد يختلف الأمر، وإن كان في الأصل أن الإنسان يدعو الله عز وجل، فلا يقول مثلاً: يا وجه الله، أو ينادي اسماً أو صفة؛ إنما ينادي الله عز وجل باسمه الذي هو الاسم الأعظم عند كثير من الناس وهو: (الله) أو بأسمائه الأخرى، فيقول: يا ودود، يا رحيم، يا غفور.. وهذا من دعاء الله بأسمائه الحسنى، أما ما ذكر، فلا أعرف أن العلماء ذكروا مشروعية مثل هذا العمل، وينبغي للإنسان أن يحرص على تجنبه.
الجواب: قلت: إن الله عز وجل ينـزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة فيقول: {هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟} ثم قلت: إن الله عز وجل ينـزل في يوم القيامة لفصل القضاء، فإن كنت قلت إنه ينـزل إلى السماء الدنيا لفصل القضاء فهذه سبقة لسان.
الجواب: قوله: "الله ما رأيناه"، أي ما رأيناه بأعيننا، هذا صحيح، ثم قوله: "بالعقل عرفناه"، العقل لا شك أنه يدل على الله عز وجل، والشاعر يقول:
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
sh= 9902542>وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
ويقول الآخر:
تأمل سطور الكائنات فإنها من الملأ الأعلى إليك رسائل |
وقد خط فيها لو تأملت سطرها ألا كل شيء ما خلا الله باطل |
فالعقل من الوسائل إلى معرفة الله، والفطرة مجبولة على معرفة الله، والتأله إليه وحبه، وهذا لاشك فيه، ولكن هذه المعرفة بالله عز وجل تنمو وتزكو وتصح وتكمل؛ بمعرفة الله أيضاً من خلال كتبه ورسله، وما جاءوا به من أوصافه سبحانه وأسمائه، وأفعاله.
الجواب: الكتب الجيدة في العقيدة -بحمد الله- كثيرة، وفي هذا العصر -بالذات- كثرت الكتب؛ سواء المؤلفة، أو كتب السلف التي حققت وظهرت إلى الواقع، لكن تحديد الكتب يختلف بحسب مستوى الإنسان.
فإن كان طالب علم ولديه علم جيد، فيمكن أن يقرأ في كتب العلماء الأقدمين، ككتاب شرح أصول الاعتقاد للإمام أبي القاسم اللالكائي، وكتاب الإيمان للإمام ابن مندة، وكتاب التوحيد للإمام ابن مندة أيضاً، وكتاب السنة لـ ابن أبي عاصم، وكتاب السنة لـعبد الله بن أحمد، وكتاب السنة للمروزي، وكتاب الشريعة للآجري، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم وغيرها.
وإن كان مستواه دون ذلك؛ فيمكن أن يختار في العقيدة كتباً مبسطة، تشرح قضايا العقيدة الإسلامية بشكل جيد وواضح ومناسب للأصل، ومن هذه الكتب، كتب ألفها الشيخ الأشقر، وهي عبارة عن سلسلة بعنوان العقيدة في الله، أو العقائد، منها كتاب يتعلق بـالعقيدة في الله، وكتاب في الرسالات، وكتاب في الملائكة، وكتاب في الشياطين، وغيرها.
وكذلك يوجد كتاب قيم وجيد للشيخ محمد بن صالح العثيمين عنوانه: القواعد المثلى للأسماء والصفات الحسنى، وهو كتاب مفيد جداً.
إضافة إلى كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأحفاده، وتلاميذه. الذين شرحوا دعوته، ومن هذه الكتب كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، وغير هذه الكتب.
الجواب: لا أذكر الآن أشرطة في العقيدة مناسبة للجميع، وقد يكون هناك شرح للعقيدة الطحاوية للشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، يناسب أيضاً الإنسان المتقدم نسبياً؛ لأنه يشرح العقيدة الطحاوية، وهي أشرطة جيدة ومفيدة.. أما بقية الأشرطة فقد يكون هناك أشرطة، لكنني لم أسمعها، أو لا أستطيع أن أوثقها توثيقاً مطلقاً؛ لأن الشريط في الجملة طيب؛ لكن يكون فيه بعض الهفوات.. فتوثيق الشريط إجمالاً فيه شيء من الصعوبة.
الجواب: الدعاء بحق النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاهه، مر في أثناء المحاضرة، وأنه نوع من التوسل الممنوع المحرم، وبعض السلف كانوا يقسمون الشرك إلى ثلاثة أقسام:
شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك معصية.. فعلى الإنسان ألا يستغرب تسمية بعض الأشياء شركاً أصغر؛ لأن الإنسان الذي عصى الله عز وجل، قد عرف أن الله لا يريد هذا الأمر ففعل وأطاع الشيطان في هذه المسألة.. فهو واقع في نوع من الشرك، بطاعته للشيطان، وهي طاعة جزئية. فليس بغريب أن تسمى بعض الأشياء شركاً أصغر، ولو لم تكن كفراً يخرج به صاحبه من الإسلام.
الجواب: هذا الدعاء لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت؛ لما كان فيه حجة لسؤال الله عز وجل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل هو أقرب ما يكون إلى سؤال الله بعمل الإنسان الصالح، وبما أوجبه الله على نفسه من إجابة الداعين، وهذا أمر لا يستقيم به الاستدلال على سؤال الله بجاه نبي أو ولي أو صالح.
الجواب: هذا لا يصح، ولا تصلح مثل هذه العبارة، بل كلمة: حياك الله أو الله يحييك، لا بأس بها؛ لأنها نوع من التحية الموجودة عند الناس في الجاهلية والإسلام، وليس بها بأس إن شاء الله؛ لكن إضافة النبي صلى الله عليه وسلم هاهنا ليس لها مكان.. فأنت حين تقول: حياك الله، كأنك تدعو له بالتحية، سواء كان المعنى الحياة، أو كان معنى آخر من معاني التحية، فأصل هذه الكلمة نوع من الدعاء.
الجواب: الصلاة على القبر، بأن تصلي على المقبور، أي: وجد لك قريب مات في بلد، أو مات وأنت غائب، ثم قدمت من قريب، فقالوا: إن فلاناً قد توفي، فذهبت إلى قبره وصليت عليه صلاة الجنازة.. هذا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيحين {أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعدما دفن، فكبر عليه أربعاً} أما الصلوات في المقابر -سواء صلاة الفريضة أو النافلة- لا تجوز؛ لثبوت النهي عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تجلسوا إلى القبور ولا تصلوا إليها}.
الجواب: ورد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنن وغيرها، أن رجلاً كان يمشي على القبر وعليه نعلان سبتيتان فقال: {يا صاحب السبتيتين ألقِ سبتيتيك} وقد اختلف في ذلك أهل العلم، فقال بعضهم: إن المشي على القبور بالنعال ممنوع بدلالة هذا الحديث، وقال آخرون: إن النعال السبتية نعال فيها شيء من الأبهة، ولا يلبسها إلا الأغنياء، وقد يداخل الذي يلبسها شيء من التعاظم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها؛ لأن المقام مقام تذلل وتواضع، وبعد عن الزينة والزخرف، وأَوَّلَ علماء آخرون هذا بأوجه أخرى، والله أعلم.
الجواب: في الحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حين مات جعفر قال عليه الصلاة والسلام: {اصنعوا لآل
أما غير ذلك من الأطعمة والولائم التي تصنع في وفاة أحد فهي غير مشروعة، سواء كانت هذه الولائم مما يصنعه أهل الميت كما يحصل في بعض البلدان، ويدعون الناس إليه، أو غير ذلك.
الجواب: نعم. الذي يحلف بغير الله ينطبق عليه جملة هذا الحديث، فهو قد حلف بغير الله، سواء حلف بالأمانة أو بالكعبة، أو بطاغوت من الطواغيت، أو بشرفه، أو بفلان، فهذا كله لا يجوز، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك؛ لكن الكفر والشرك هاهنا ليس كفراً أكبر، مخرجاً من الإسلام؛ بل هو كفر أصغر، وشرك أصغر، فالحلف بغير الله محرم، وممنوع، وغير جائز.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا وفاء لنذر في معصية الله} ويقول: {من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه} وإذا كان الإنسان نذر بأمر وهو معصية، كما هي الحال بالنسبة لهذا السائل، فإنه سوف ينظر إلى امرأة قد حرمها الله تبارك وتعالى عليه بالنصوص الصريحة، وقد يترتب على هذا النظر فساد قلبه، ومزيد تعلق وشغف، وكما قيل:
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وترِ |
فعلى الإنسان أن يدرك حجم الخطأ الذي هو مقدم عليه، وألا يعصي الله عز وجل، ولا يفي بهذا النذر الذي هو معصية.
وهل يصل الثواب لهم أم لا؟
الجواب: الصحيح أن قراءة القرآن على الموتى أو على قبورهم غير مشروعة، أما وصول الثواب فهذا موضع خلاف بين أهل العلم.. فمنهم من قال بوصول الثواب إلى الميت، ومنهم من قال: إن الثواب لا يصل؛ لأن هذه عبادة بدنية محضة، فلا يصل ثوابها، وإنما يصل ثواب العبادات المالية، أو المشتركة بين كونها مالية وكونها بدنية، والأشياء التي ورد النص بها كالحج -مثلاً- ومما لا شك فيه أن الذين يقرءون القرآن بالأجرة -كما هو حاصل في كثير من البلدان الإسلامية- ويختمونه بالأجرة، فمثلاً: يأتون بعشرة قراء أو أكثر، كل واحد منهم يقرأ قسطاً من القرآن، ويهدونه لفلان؛ فهذا لا يصل ثوابه إلى الميت بلا إشكال؛ لأنه لا ثواب له أصلاً، فهؤلاء القوم ما عملوا عملاً صالحاً فيه أجر يصل إلى الميت، إنما هم تَأَكَّلوا بالقرآن، وجعلوا هذا الكتاب الذي نـزل ليحكم الحياة، ويسير شئون الناس، لا يعرف إلا عند الموتى وفي حال الموت، ومن أجل المكاسب المادية، وحتى تمتلئ جيوبهم من أموال هؤلاء المساكين الذين أصيبوا بميتهم، ثم أصيبوا بمالهم أيضاً، فثواب مثل هذا، لا شك في عدم وصوله.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى طريقة صحيحة ونافعة، يحمينا الله عز وجل بها من شر شياطين الإنس والجن.. من العين والحسد، والجن، ومن غير ذلك ألا وهي الأذكار والأوراد والأدعية التي يقولها الإنسان بنفسه، فيقرأ ورده في الصباح، ويقرأ ورده في المساء، ويذكر الأدعية الواردة في المناسبات التي تعرض له، ويجعل قلبه مربوطاً بالله تعالى، وحياً بذكره في جميع الأحوال، وهذا هو الطريق الأصلي والصحيح لطلب حماية الله عز وجل مما يخافه الإنسان.
وكثيرٌ من الناس اليوم لا يعرفون هذا الطريق، فلا يعرفون إلا وضع الحروز التي يكتبها أناس قد لا يكونون معروفين بالعلم ولا بالتعبد، بل وبعضهم لا يدرى ماذا يكتب، فقد تفتح بعض الحروز، فتجد فيها عبارة عن طلاسم وأشياء لا يُدرى ما معناها، ثم يعلقونها أحياناً على الصبيان وغير ذلك، دون أن يهتموا بالشيء الذي يحيي قلوبهم فعلاً، ويجعلهم يشعرون أن الله تعالى يحفظهم مما يخافون، وهذا من انحراف المفاهيم أيضاً في نفوس كثير من الناس.
فأين الأذكار؟!
وأين الأدعية؟!
وهل كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دأبهم فقط هو كتابة الحروز، والتمائم، والرقى، والتعاويذ وتعليقها؟
وحتى لو وجد هذا؛ تبقى حالات معينة! أما الأصل فالإنسان ينبغي له أن يستعمل الأذكار والأدعية النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الرقى فإنها إذا لم يكن بها شرك، وكانت من القرآن أو السنة، ومن أناس من أهل الخير فلا بأس بها.
الجواب: القومية هي الاجتماع على أساس معين، كالاجتماع على أساس الوطن، أو على أساس القوم، والجنس، والعنصر، وما أشبه ذلك، أي: أن تكون الرابطة بين الناس ليست هي الأخوة الإسلامية؛ بل القومية، فيكون العرب أمة واحدة، والترك أمة واحدة، وهكذا.. فهذه هي القومية، وهي مناقضة في أصلها للإسلام، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء بدعوة الإسلام إلى الناس كافة، وكان أتباعه منهم العربي، ومنهم الفارسي، والرومي، والحبشي، ولا فرق بينهم إلا بالتقوى.
الجواب: لا أدري ما هي السنة! هل السنة أن يكبر بَنَفسٍ واحد، الله أكبر الله أكبر؟
أو يفصل إحداهما عن الأخرى فيقول: الله أكبر.. الله أكبر؛ لكن ليس في هذا أو هذا من بأس، أما إن كان أحدهما أفضل من الآخر فلست أدري.
هل يخل ذلك بشيء من الإيمان؟
الجواب: الوساوس التي تعتري الإنسان -وخاصة الشاب- هي أمر يعرض لكثيرين، ومثل هذا السؤال يتردد ويتسرب كثيراً، وهي نوع من الوسوسة، ويخطئ من يسميها شكاً؛ بل هي وسواس, وعلى الإنسان إذا شعر بشيء من ذلك ألا يلتفت إليه، ويعرض عنه بالكلية، فإن الشيطان إذا رأى إعراض الإنسان عن هذه الأمور، وعدم التفاته لها؛ بحث عن وسيلة وسبيل آخر ليشغله به، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة أوصى أنه إذا وجد الإنسان شيئاً من ذلك: {فليستعذ بالله ولينتهِ} والانتهاء يعني ألا يكترث الإنسان، وألا يحمل هم هذه الوساوس. فحاول أن تدفعها عن نفسك، لكن لا تحمل همها، ولا تصبح هذه الوساوس شغلك الشاغل، والتخلص منها هو كل ما يعنيك، ولا تفكر إلا بذلك.
فانته عنها، ولا تأبه بها، واستعذ بالله منها، وستجد أن هذه الوساوس تختفي، وعلى كل حال فهي وساوس تعرض للإنسان في مرحلة معينة من حياته، ثم تختفي؛ ومع ذلك فعلى الإنسان أن يسعى إلى دفعها ما استطاع، بالاستعاذة.. بالذكر.. بدعاء الله عز وجل.. بإهمالها وعدم الالتفات إليها، فإن استمرت معه؛ فلا بأس أن يعرض ما يجده على بعض أهل العلم الذين يعرفهم، حتى يساعدوه في التخلص مما هو فيه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر