إسلام ويب

مفهوم الشهادتينللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فيه بيان لمفهوم الشهادتين، وأهمية الشهادتين، وأنهما شرط للإيمان، كما أنه يحتوي على ذكر مقتضيات ولوازم شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله، وفيه أيضاً ذكر لصور الشركيات الظاهرة والخفية التي تناقض مفهوم الشهادتين.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:

    أيها الإخوة: إن كثيراً من المفاهيم، والحقائق الكبرى في الإسلام، قد أصابها ما أصابها من الالتباس والضعف في نفوس المسلمين، وانحرف فهم الكثيرين منهم لها، ومن هذه القضايا قضية: (مفهوم الشهادتين)؛ مع أن هذه القضية هي الأصل الذي يدور عليه الإسلام، والحديث عن مثل هذه الموضوعات، وتجلية المعنى الحقيقي لها لجميع المسلمين أمرٌ ضروري، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة.

    معرفة قريش لمفهوم الشهادتين

    إن هاتين الشهادتين اللتين هما المدخل الذي يدخل منه الإنسان إلى الإسلام، ليستا مجرد كلمتين تقالان باللسان، بل هما منهج حياة كاملة؛ ولذلك فإن العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وقفوا من دعوته ذلك الموقف، لمعرفتهم بما تنطوي عليه هاتان الشهادتان من تغيير كامل لحياتهم الفردية والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والدينية وغيرها. ولذلك فقد ثبت في الأحاديث الصحاح، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على القبائل في المواسم، في عكاظ، ومجنة، وذي المجاز، ومنى، فيعرض عليهم نفسه ويقول صلى الله عليه وسلم: {من يؤويني.. من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي} ويقول: {يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} ومن خلفه رجل ذو غديرتين يرميه بالحجارة والتراب، ويقول: يا أيها الناس! لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب، وهذا الرجل هو أبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وهذا الموقف من قريش إنما هو مبني على معرفتهم الصحيحة بالمدلول الحقيقي لهذه الكلمة؛ إذ يدركون أنها ليست مجرد كلمة؛ ولذلك لما طلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوها، أو قال لهم: {يا معشر قريش! كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فقالوا: نعم وأبيك! وألف كلمة -نقولها ونقول معها ألف كلمة- فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا: لا إله إلا الله} فانطلقوا وهم يولولون، ويقولون: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] وكم يحز في النفس أن يصبح كثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم لا يدركون من معنى هذه الكلمة ما أدركه كفار قريش الأوائل.

    فقبح الله مَنْ كان أبو جهل وأبو لهب أعلم منه بمدلول هذه الكلمة!

    الشهادتان شرط للإيمان

    أيها الإخوة: ولفضل هاتين الكلمتين شأن عظيم في الإسلام، فقد نوه الرسول صلى الله عليه وسلم بمكانتهما وفضلهما، ففي الحديث المتفق عليه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من شهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه؛ أدخله الله الجنة على ما كان من عمل} وفي حديث عتبان الذي رواه البخاري ومسلم -أيضاً- أنه صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله؛ يبتغي بذلك وجه الله} وقد روى مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار}.

    وروى مسلم -أيضاً- عن أبي مالك الأشجعي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله؛ فقد حرم دمه وماله} ومن هذه الأحاديث: تعلم أيها المسلم! أن العاصم لدم المسلم وماله في الدنيا، وأن الذي يحقق له السعادة والجنة في الآخرة، هو نطقه بهاتين الكلمتين؛ مؤمناً بهما، عالماً بما دلتا عليه من الإخلاص والتوحيد، عاملاً بمقتضاهما، مخلصاً من قلبه، فحينئذٍ فإنه يحرم على النار، ويدخل الجنة، ويسلم له ماله، ونفسه، وأهله في هذه الدار.

    كلمة التوحيد هي دعوة الأنبياء

    وسنقف -أولاً- عند الشق الأول من الشهادة، وهو: (شهادة أن لا إله إلا الله) وهذه الكلمة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من دعا إليها؛ بل قد دعا إليها قبله جميع الأنبياء والمرسلين، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ويقول سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ويقول سبحانه على لسان كثير من أنبيائه -أن الواحد منهم كان يقول لقومه-: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] أو يقول: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [الأحقاف:21].

    إذاً: فهذه الدعوة هي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين، وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {نحن معاشر الأنبياء إخوة لعَلَّات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد} أي: أن الأنبياء بمثابة الإخوة من الأب، فأبوهم واحد وأمهاتهم مختلفة، وهكذا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ شرائعهم متعددة، فكثير من الأنبياء جاءوا بشرائع في الأحكام والمعاملات، تختلف عما جاء به الأنبياء قبلهم.

    أما العقيدة والتوحيد -وهو الذي جاءوا به جميعاً- فإنه لا يتغير بين نبيٍ وآخر.. فكل نبي يدعو إلى الدعوة نفسها التي دعا إليها النبي قبله.. صلى الله عليهم جميعاً وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088951408

    عدد مرات الحفظ

    780089125