يقول الله عز وجل: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] لقد مس المسلمين القرح في أزمنة طويلة، وخلال قرونٍ مضت كانت الأمة الإسلامية تعاني من ألوان الضعف والتخلف والهوان ما لم تعهده منذ وجدت؛ حتى دب اليأس إلى كثيرٍ من أبناء هذه الأمة وتطاول هذا الليل الذي يضرب بظلامه في كل مكان، فكان قائلهم يقول:
بلي الحديد ومسنا القرح فمتى تفيق أخي متى تصحو |
والوعتاه كم انقضت حقبٌ وامتد ليلٌ ما له صبح |
وبغى وحوش ليس يردعهم خلقٌ ولا دينٌ ولا نصح |
ألفاظهم مطلية عسلاً وقلوبهم بسمومها رشح |
والوحش وحشٌ دينه فمه والغدر لا يمحوه من يمحو |
وصحا التراب أخي ولم تصحُ وَيْليْ عليك أينفع النوح< |
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها} و(من) كما هو معروف تطلق على المفرد وعلى الجمع، ولذلك فإن المجدد لهذا الدين ليس بالضروري أن يكون فرداً يشار إليه بالبنان، كما قال الإمام السيوطي في منظومته:
يشار بالعلم إلى مقامه وينصر السنة في كلامه |
وأن يكون حاوياً لكل فن وأن يبز علمه أهل الزمن |
من الممكن أن يقوم بهذه المهمة الجليلة أمة من العلماء والدعاة والمصلحين والمجددين، ولئن جاز أن يقول بعض أهل العلم: إن المجدد في القرن الأول مثلاً فرد هو عمر بن عبد العزيز وأن المجدد في القرن الثاني فرد واحد كما قال بعضهم أنه الإمام الشافعي، لئن جاز أن يقال في مجدد القرن الأول مثلاً أنه عمر بن عبد العزيز فإن ذلك أبعد فيمن جاء من بعده، فإنه لا يكاد يوجد إنسان جمع القرآن والسلطان، أي: جمع العلم والسلطة بحيث استطاع أن يجدد الدين علماً وعملاً وتطبيقاً في حياة الناس، ونظراً لأن الأمة الإسلامية قد انتشرت وتوسعت ودخل في الإسلام أمم وشعوب بأكملها، ونظراً أيضاً لأن الشر قد كثر وفشا وانتشر، وأعداء الإسلام استطاعوا أن يصلوا إلى بعض مآربهم في إدخال الشهوات والشبهات على الأمة الإسلامية، ونظراً أيضاً لأنه كلما تقدم الزمن قل جودة النوعيات التي تقوم بالمهمة، فنحن نقطع أنه لا يمكن أن يوجد جيل مثل جيل الصحابة رضي الله عنهم أو كجيل التابعين، وهيهات أن يوجد حتى أفراد في الأمة يكونون بمنـزلة بعض رجالات الإسلام المعروفين من كبار الصحابة أو من الصحابة والتابعين وغيرهم، فحتى نوعية الأفراد الذين يقومون بمهمة التجديد تقل، والمجالات التي يحتاج فيها إلى التجديد تكثر وتتسع، ولذلك فإن من المنطق أن يكون القائم بمهمة التجديد لهذه الأمة خاصةً في العصور المتأخرة أن تكون طائفة من الناس ما بين فقيهٍ ومحدثٍ وداعية ومصلح ومجاهد إلى غير ذلك من ألوان وأنواع الخير التي تحتاجها الأمة الإسلامية في كافة مجالاتها، ولذلك كان العلماء حتى منذ قرون يقولون مثلاً: مجدد القرن الفلاني في الفقه فلان، وفي الحديث فلان، وفي العقيدة فلان، وفي التفسير فلان، فيذكرون أفراداً كل فردٍ يعتبرونه مجدداً لنوع من أنواع العلم أو العمل.
فنحن الآن نلمس آثار هذه الصحوة وآثار هذا التجديد في هذه الأمة، ويبرز ذلك في صورٍ شتى لا أستطيع أن أحصيها لكن أشير إلى شيءٍ منها.
1- شعور المريض بالمرض:
فأبرز آثار هذا التجديد الذي بدأنا نلمسه هو شعور المريض بالمرض، وشعور المريض بالمرض هو أول خطوات العلاج، فالمصيبة حين يخيل إلى المريض أنه سليمٌ معافى ما به سوء، وحينئذٍ يستعصي على الأطباء ويرفض نصحهم ويصر على ما هو عليه، وهكذا كان حال المسلمين في وقتٍ مضى، لكن اليوم أصبح المسلمون أو أصبح كثيرٌ منهم يحسون بحقيقة المرض ويتململون تحت وطأته، ويتلفتون يبحثون عن العلاج وعن المخرج مما هم فيه، وبغض النظر عن كونهم استطاعوا فعلاً أن يجدوا المخرج أو لم يجدوه، وعن كونهم سلكوه أو لم يسلكوا، فإن الشعور ذاته بهذا الألم وبهذه الحرقة على الواقع هو في حد ذاته من أبرز مظاهر التجديد التي تعيشها الأمة الإسلامية.
يوماً من الأيام كنا نجد من شباب المسلمين من يقول: إن الأمة الإسلامية إذا أرادت أن تتقدم وتتحضر؛ فإن عليها أن تسير خلف أوروبا حذو القذة بالقذة وتقلدها في حضارتها خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وفي يوم من الأيام كنا نجد من الناس الذين انسلخوا عن هذه الأمة، وتخلوا عن التزامهم ودينهم وصلاحهم، من أصبحوا يسخرون من الإسلام وأهله ويرمونهم بالألقاب والأسماء التي لا تليق بهم، أما اليوم فقد أصبح كثيرٌ من شباب الأمة يحسون بالألم من واقع هذه الأمة ويعبرون عنه بصورٍ شتى ويبحثون عن المخرج.
2- الإقبال على المادة الإسلامية الفكرية:
صورة أخرى، هذا الإقبال الكبير على المادة الإسلامية التي تقدم للناس، كتاباً، شريطاً، مجلةً، برنامجاً، محاضرةً، أي مادة تقدم للناس وتكون ذات محتوى إسلامي تجد الإقبال، انظر كم معرض كتاب إسلامي يقام، كم معرض شريط، كم محاضرة، كم ندوة، كم كتاب؟ تجد أنك أمام حجم هائل جداً، وأيضاً أقول بغض النظر عن التقييم لهذه الأشياء أن هذا منها الغث والسمين، ومنها شيء أفضل من شيء ومنها ومنها، هذا أمر ليس هذا مجال الحديث عنه، إنما مجال الحديث النظرة العامة أنه الكم الهائل وهذا الإقبال على كل ما هو إسلامي يؤكد فعلاً أن الأمة بدأت تعي ضرورة الولاء الحقيقي للإسلام، ولذلك أصبح كثير من الناس الذين يريدون -مثلاً- الربح المادي يهتمون بطبع الكتاب الإسلامي، وأصبح كثير من الكتَّاب والمفكرين الذين كانوا بالأمس ربما ضد الإسلام؛ فمنهم من كان ماركسياً، ومنهم من كان علمانياً ومنهم ومنهم، ومع ذلك اليوم ركبوا الموجة وصاروا يتكلمون باسم الإسلام ويتحدثون عنه، ولا حاجة إلى ذكر الأسماء أيضاً، ولا يعني هذا أننا نغلق باب التوبة في وجوه الناس، لا مانع أن يكون كاتباً منحرفاً بالأمس وتاب إلى الله عز وجل اليوم، وصار يكتب عن الإسلام الكتابة الصحيحة، لا مانع من هذا، إنما المقصود أن منهم من يركب الموجة ويتحدث باسم الإسلام وربما يكون محتفظاًً بآرائه وأفكاره، وربما يصوغها بقالبٍ آخر.
3- الإقبال على العلم الشرعي والاستفتاء:
الصورة الثالثة: مسألة الإقبال على العلم الشرعي: ففي وقتٍ مضى لم يكن أحد يستطيع أن يستقطب الناس إلا من خلال الإشارة، فمثلاً لو وجد خطيب يتحدث عن قضايا الواقع بتهجم وبشده وبحرارة كان الناس يأتون، من باب حب الاستطلاع في كثير من الأحيان أو لأي غرض، لكن اليوم أصبحت تستغرب أنك قد تجد عالماً في حلقة علمه متكئاً على أسطوانته في المسجد، فتجد أن حوله عدداً غير قليل من الطلاب من كافة المستويات يعدون بالمئات أحياناً؛ يجلسون ليسمعوا كلاماً علمياً ربما يكون فيه جفاف، وثقل يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى كدّ، ومع ذلك تجد عندهم الصبر والمثابرة، وتجدهم قد تعودوا حني وثني الركب في مجالس أهل العلم.
كثرة الاستفتاءات: فتجد الناس أصبح الواحد منهم يسأل عن كل ما يمر به، بل ربما تجد الناس أصبحوا يسألون عن قضايا حدثت لهم من عشرات السنين طيلة المدة الماضية، الناس منهم من كان في غفلة ما سأل أو ما مر الأمر في خاطرة؛ لكن الآن وعى وتيقظ وأصبح يسأل، ولذلك تجد أن أهل العلم الذين وضعوا أنفسهم لهذا العمل الجليل: (موضع الفتيا وبيان أحكام الإسلام والحلال والحرام للناس) أصبح بعضهم ربما لا يجد وقتاً ليرتاح من كثرة إقبال الناس عليهم وسؤالهم واستفتائهم، وما نجد مثلاً فيما يتعلق بهيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة أو غيرها من الجهات التي قامت بهذا العمل ما هو إلا نموذج من ذلك.
4- إحياء الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من الصور أيضاً -وهي صورة مهمة في نظري-: إحياء شريعة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي ضعفت في نفوس كثيرٍ من الناس، فأحيا المسلمون هذه الشعيرة في هذا العصر وقامت حركات جهادية في أكثر من بلد، وانتعشت في هذا الوقت بالذات، واستطاع المجاهدون الأفغان بفضل الله تبارك وتعالى أن يحققوا نصراً على عدوهم، إضافة إلى أن المسلمين في بلادٍ أخرى كثيرة ممن وقعوا زمناً طويلاً تحت تسلط النصارى، وغيرهم بدءوا يفكرون: إلى متى نظل تحت تسلط هؤلاء الكافرين؟ ولعل ما نسمع فيما يقع في روسيا نفسها من تحرك في أوساط المسلمين أو الأمم التي كانت موالية للإسلام فسيطر عليها الروس وحاولوا سلخها ومسخها يمت إلى هذا الأمر بصلة.
كذلك موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكثرة السؤال عن هذا الأمر، كثرة الحديث عنه، ويقظة الناس تجاهه، شعور الابن -مثلاً- وهو في بيته أنه لابد أن يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر ما يستطيع، وشعور كل إنسان في أي مكانٍ أنه لابد أن يقوم بهذه المهمة، لم يعد الإنسان المستقيم مجرد إنسان سلبي يتردد على المسجد للصلاة فقط، لا، أصبح يحس بأنه لا يمكن أن يرضى بالتناقض بين ما يعتقد وبين ما يشاهد في الواقع، وأنه لابد أن يعمل على تحويل هذا الأمر إلى الصورة الإسلامية.
5- صياغة الحياة كلها إسلامياً:
ولذلك جاءت الصورة الخامسة وهي: العمل على صياغة الحياة كلها صياغة إسلامية بكافة مجالاتها؛ الأب يصوغ بيته صياغة إسلامية، المدير يصوغ مدرسته، المدرس يصوغ طلابه، الزوج يؤثر في زوجته، الموظف في إدارته، المسئول في أي قطاعٍ كان، أصبح هناك هَمُّ كبير.
وأنا أقول: إن هذا الأمر ربما يكون النتيجة، هَمٌّ في محاولةِ صياغة الحياة صياغة إسلامية وإزالة كل ما يعارض الإسلام وجعل المجتمع أقرب إلى الالتزام بشرائع الإسلام وأصوله، وهذا لا يعني أن هذا الأمر حصل فعلاً وانتهى وأصبح كل شيء كما يحب الله ويرضى، لكن أقول: إنه وُجِدَ هَمٌّ في نفوس الناس هو هكذا، هَمُّ محاولةِ صياغة الحياة صياغة إسلامية في جميع مجالاتها، أصبح الطبيب مثلاً يفكر كثيراً في محاولة تحويل هذا المستشفى الذي يعمل فيه إلى مستشفى ملتزم بأوامر الله بفصل الرجال عن النساء مثلاً، تجنب الاختلاط بقدر ما أمكن، وتجنب الأمور التي لا ترضي الله ورسوله من المحرمات بأنواعها، أصبح المسئول في إدارته يحرص على تحويل هذه الإدارة إلى إدارة ملتزمة بأوامر الله ورسوله.
ولذلك أقول: إن هذه الصحوة التي بدأت هي أمانة في أعناق العلماء والمصلحين.
وبالمقابل هناك من قد يحاول تشويه صورة الشباب والدعاة والصالحين عند شيوخهم وعلمائهم وأساتذتهم، فلابد من حماية ظهور شباب ورجال الدعوة الإسلامية وقطع الطريق على من يحاول الوقيعة بينهم.
ولا تغل في شيءٍ من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم |
وكما قيل: (الزيادة أخت النقصان).
إن وجود الانحراف أيها الإخوة يمكن أن يحول هذه الصحوة التي يستبشر بها المسلمون بكافة مستوياتهم أو جزءاً من هذه الصحوة إلى اتجاه يكون فرصة لضرب الإسلام وأهله والوقيعة فيهم، وربما خطأ يرتكبه إنسان أو أفراد تلقى بمسئوليته على المسلمين بأكملهم أو على الدعاة والصالحين بأكملهم، وهذه مشكلة.
وعلى كل حال فالحديث عن هذا الموضوع أيضاً لا يخلو من حساسية؛ لأن هناك من لا يستطيع أن يفرق بين المتكلم على سبيل النصح والإرشاد والتحذير ومن يضيء الإشارات الحمراء ويقول: انتبه، إياك أن تخطئ، قد لا يفرق البعض بين هذا وبين من يشتهي الوقوع في أعراض الصالحين، هناك مع الأسف اليوم ممن ينتسبون إلى العلم والدعوة في كثير من البلاد الإسلامية من يجد لذة حين يتناول أهل الخير الملتزمين بالسنة فيسخر منهم؛ لأنهم يهتمون مثلاً في زعمه بقضية اللحية، يهتمون بقضية تقصير الثياب، يهتمون بالسنن في الصلوات، يهتمون بقضية المرأة، يهتمون بكذا وكذا، فيتناولهم بطريقة معينة ليست في الواقع طريقة تؤدي إلى الإصلاح وتعديل الخطأ، بل ربما تؤدي إلى خطأ آخر في حين أنه قد يتناول أموراً ليس فيها خطأ في الواقع، فليس من خطأ الصالحين والدعاة أن يهتموا باللحية أو يهتموا بتقصير الثياب أو يهتموا بحجاب المرأة، هذه أمور هي جزء من الدين، ونحن لا نعرف أن الدين فيه قشور يمكن أن يتخلى عنها أو تترك، الدين كله من عند الله عز وجل، ولا معنى أن نقول اهتم بالأهم واترك ما عداه، نحن لا نقول اترك قضية العقيدة واترك قضية دعوة الناس إلى أصل الدين واهتم بقضية الحجاب أو بقضية اللحية، لا، لكن نقول اهتم بهذا وهذا وهذا، فإذا تعارضت هذه الأمور فيمكن أن تقدم الأهم على المهم كما هو معروف.
فلابد من التفريق بين هؤلاء وبين هؤلاء، التفريق بين من يتحدث عن الأخطاء على سبيل التحذير منها والوقاية كما يقول الأطباء: (الوقاية خيرٌ من العلاج) والفقهاء لهم عبارة أخرى يقولون: (الدفع أسهل من الرفع) بمعنى أن دفع الأمر قبل وقوعه أهون من رفعه بعدما يقع. فلذلك التحذير من الأخطاء قبل وقوعها أو قبل استفحالها وانتشارها في الواقع أمانة ومسئولية وضعها الله عز وجل، لا أقول فقط: في عواتق العلماء؛ بل في عاتق كل من يعلم أمراً لابد أن يتحدث عنه.
1- وضوح المنهج العقدي:
لا بد من وضوح المنهج في مجال الاعتقاد بأن يكون الإنسان واضحاً في عقيدته، سواءً ما يتعلق من ذلك بتوحيد الربوبية وهو إفراد الله تبارك وتعالى بأفعاله، واعتقاد أن الله تبارك هو الخالق المالك المدبر، أو بتوحيد الألوهية وهو: توحيد الطلب والقصد وإفراده جل وعلا بأفعال العباد والتوجه بالعبادة لله تبارك وتعالى وحده، أو بتوحيد الأسماء والصفات وهو الإيمان بأسماء الله عز وجل وصفاته، كما أخبر الله عنها في كتابه، وكما أخبر عنها رسوله صلى الله عليه وسلم دون تحريفها أو تأويلها عن معانيها الحقيقية، وفي هذا توجد أخطاء عديدة.
وبطبيعة الحال من الناس من لا يدرك هذه القضايا، فقد يكون داعية ومصلحاً في نظر الناس، لكنه لا يفهم توحيد الألوهية ولو سألته عنه لفسره بتوحيد الربوبية، ويوجد من الناس من لا يفرق بين هذه الأشياء، ويوجد من الناس من يؤول أسماء الله وصفاته، هذا كله لا شك موجود، وهو خطأ لا غبار عليه ولا شك فيه، لكن هناك أخطاء أخرى قد تلتبس عند كثير من الناس، وهي التي أريد أن أركز عليها الآن.
من هذه الأخطاء: أن من الناس من يؤمن بهذه الأشياء، أو يملك نوعاً من الوضوح في عقيدته، لكنه لا يملك الحماس لهذه العقيدة، مثلاً قد تجد داعية صنف كتاباً في العقيدة الإسلامية، تقرأ في هذا الكتاب من أوله إلى آخره تجد أن الكتاب لا غبار عليه، يتحدث عن العقيدة الإسلامية، ويعرض العقيدة بأقسامها عرضاً صحيحاً، لكن حين تنتقل إلى واقع هذا الإنسان، وحياته لا تجد أن لهذه العقيدة تأثيراً في حياته، بمعنى أنه لم يعط هذا الجانب اهتماماً كافياً، فتجد أنه يعيش بين قبوريين مثلاً، يعيش بين خرافيين، يعيش بين صوفية، يعيش بين مؤولة والوضع عنده طبيعي، ويعتبر أن التركيز على مثل هذه القضايا، هو مدعاة لإثارة الخلاف وتفرق الصفوف ولذلك لا داعي للتركيز عليه، فيقع عند الناس التباس، فلان يا أخي كتابه جيد، صحيح أن كتابه جيد لا غبار عليه، لكن المشكلة أن واقع هذا الإنسان لم يصغ على أساس أنه يوالي في هذا المعتقد السلفي الذي التزمه. هذه نقطة وهي قضية مهمة وواقعة في كثير من الأحيان.
1- أهمية اللغة العربية للأعجمي:
يمكن أن يروج وينتشر كل مذهب خاصة عند من لا يكون عندهم فهم صحيح للغة العربية، ولذلك قال بعض السلف: " إن من سعادة الحدث والأعجمي إذا تمسك أن يوفق بصاحب سنة" أي: الشاب في أول هدايته عنده استعداد أن يسير في أي اتجاه، عنده حماس، عنده عاطفة، فلو ابتلي بصاحب بدعة لأشرب هذا الشاب حب البدعة وكان لسان حاله يقول:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا |
وكذلك الأعجمي؛ نظراً لعدم قدرته على فهم النصوص فهماً صحيحاً، أصبح ربما يقع منه أحياناً سوء فهم للنصوص، فيأخذ عمومات ويطبقها على غير وجهها، مثلاً يأخذ قول الله عز وجل: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] فيحكم على كل من اتبع عالماً أو قلده في مسألة من المسائل بأنه اتخذه ربّاً من دون الله وبالتالي فهو مشرك، فقهٌ أعوج وجهل بالدين، فالأمة متفقة على أن العامي مذهبه مذهب مفتيه يقلد من يثق بدينه، ومن غير المعقول أن نطلب من الناس أن يتخلوا عن بيعهم وشرائهم وتجارتهم ليتفرغوا لمعرفة العلم والأحكام والحلال والحرام بالدليل، حتى الصحابة رضي الله عنهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال}.
المهم أن الأعجمي إذا لم يكن عنده فهم للغة العربية ولا فقه في الدين قد يقع في هذا الانحراف، وإنني أقولها صريحة في حدود ما أعلم: لا أعتقد أنه يعلم في هذه الجزيرة العربية بالذات غلو أو ما يسمونه بالمصطلح الصحفي اليوم "تطرف" من هذا النوع، اللهم إلا أن يكون حالات فردية نادرة إن وجدت فهي لا تستحق أن يشار إليها، لكن نحن اليوم نعرف أن العالم أصبح جزيرة واحدة كما يقال، وما يوجد في بلد قد يوجد في بلد آخر أو قد ينتقل إلى بلدٍ آخر؛ سواء بواسطة أشخاص أم كتب أم وسائل متعددة، ولذلك كان هذا التحذير، وإلا فإننا لا نعلم أن هذه الجزيرة يوجد في شبابها ودعاتها ومخلصيها شيئاً من ذلك، والفضل لله عز وجل حيث قيض لهذه الجزيرة من العلماء من يضبطون مسيرة الشباب، فكل شاب مهتد يعتبر المثل الأعلى له من الأحياء هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أو الشيخ محمد بن عثيمين أو الشيخ عبد الله بن جبرين، أو فلان أو فلان، من العلماء الذين هم من علماء أهل السنة والجماعة ومن رءوس الطائفة المنصورة والفرقة الناجية فيما نحسبه والله تعالى حسبهم ولا نـزكي على الله أحداً.
ولذلك سلم الشباب المسلم في هذه الجزيرة من هذا الأمر، ولكن هذا لا يمنع من التحذير؛ خاصة أننا قد نجد حتى من غير أهل هذه البلاد من يكون عنده شيء من ذلك، فقد حدثني بعض الإخوة أن هناك من الإخوة من بلادٍ أخرى من ينادون ببعض هذه الأفكار ويحاولون نشرها، وقد يبتلى بهم جاهل فيقع ضحية تضليلهم وخداعهم.
2- المنهج الفقهي:
لا بد من الوضوح في المنهج الفقهي وأعني بالمنهج الفقهي: معرفة الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية، معرفة الحلال والحرام، لابد من الوضوح في هذا المنهج بأن يتبع الإنسان كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمعت عليه الأمة واتفقت عليه من الأحكام، أو ما قرره العلماء نتيجة الاستنباط أو القياس الصحيح أو ما شابه ذلك، وهذا الأمر الناس فيه على درجات فبالنسبة للعلماء والفقهاء المجتهدين يأخذون الأحكام من أدلتها مباشرة ولا حاجة أن يوجد بينهم وبين النص واسطة، فهم يختارون من أقوال العلماء قبلهم ما يعتقدون أن الدليل يساندهم فيه.
بالنسبة لطالب العلم الذي لا يستطيع، يمكن أن يسأل العالم عن الحكم ويسأله عن الدليل أيضاً، فيكون متبعاً على بصيرة وليس على جهل، قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ [النحل:43-44] أما العامي الذي لا علم عنده ولا يستطيع معرفة الدليل ولا فقهه فإنه يسأل عن الحكم من يثق بدينه.
وفي مجال عملية التفقه لابد من ضبط هذه العملية لتجنب الشطط، فإن من الناس من يشتط فيه ذات اليمين أو ذات الشمال، ومن الناس مثلاً من يشتط في مسألة التعصب المذهبي، والتعصب المذهبي أمر خطير على مدار التاريخ، كم خرب من بلدان وأحدث من فتن، ولله در المنذر بن سعيد الذي كان يتبرم من هذا التعصب ويقول منتقداً على من يتعصبون لمذهب الإمام مالك وينتقدون من خالفه بمقتضى الدليل عنده يقول:
عذيلي من قومٍ يقولون كلما طلبت دليلاً هكذا قال مالك |
فإن عدت قالوا هكذا قال أشهبٌ وقد كان لا تخفى عليه المسالك |
فإن عدت قالوا قال سحنون مثله ومن لم يقل ما قاله فهو آفك |
فإن قلت قال الله ضجوا وأعولوا وصاحوا وقالوا أنت قرم مماحك |
وإن قلت قد قال الرسول فقولهم أتت مالكاً في ترك ذاك المسالك |
وأحد القضاة في بغداد في عصر من العصور وهو القاضي الكرخي كان يقول: كل نصٍ خالف مذهبنا فهو منسوخ أو مؤول، إذاً لا قيمة للقرآن والسنة من حيث الاستنباط لأن المهم أن تأخذ بالمذهب، وهذا اشتطاط في جانب.
هذا الاشتطاط يقابل اشتطاطاً آخر عند بعض الناس حيث يحملون على هذه المذاهب، وقد يهونون من شأنها ومن شأن أصحابها، ونحن لا نشك بأن الله عز وجل وفق هذه الأمة للاقتداء بالأئمة الأربعة لأنهم أهلٌ لذلك؛ بعلمهم وعملهم وجهادهم واجتهادهم، ولا يعني هذا أن الواحد منهم معصوم، لكن اتفاق العلماء حجة وبعض العلماء يقول: واختلافهم رحمة، لكن المهم أن الإنسان إذا اختلف هؤلاء العلماء لا يسعى إلى الخروج على اختلافهم إلى أقوال حادثة لم يقل بها أحدٌ من قبل.
3- إجلال العلماء:
إن المهم تقدير هؤلاء العلماء وعدم الاشتطاط في الحط من قدرهم، أحياناً تجد شاباً ربما يكون عمر هذا الشاب خمس عشرة سنة, وربما يكون علمه بالقرآن الكريم ضعيفاً وفقهه بالسنة ضعيف، ومعرفته بالقواعد الأصولية ضعيف، ومقدرته اللغوية ضعيفة، لكنه قد يقرأ في بعض الكتب أن هذا حديثٌ صحيح وهذا حديث حسن، ثم يستنبط من هذا أحكاماً معينة، وبالتالي من وجده يخالف هذا الحكم الذي استنبطه، ربما اتهمه بأن هذا ليس على صواب، هذا يخالف الدليل، هذا يخالف الحديث، هذا لا عبرة به، اضرب بقوله عرض الحائط وما أشبه ذلك.
وفي الواقع يجب تربية الإخوة الأحباب الشباب على أنه حتى حين تتبع عالماً وتترك عالماً آخر فإنه يجب عليك أن تدرك أن هذا العالم الذي تبعته في نظرك ينبغي أن تكون كما قال الإمام الشافعي رحمه الله، وهو جليل القدر كان يقول: " قولي صوابٌ يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب " ونحن نجد العلماء في مسائل كثيرة يرجع بعض منهم إلى قول الآخر، مثلاً ذكر العلماء أنه حصلت مناظرة بين الشافعي وبين إسحاق بن راهويه الحنظلي في مكة، حصلت مناظرة بينهما في جلود الميتة هل يطهر جلد الميتة أو لا يطهر؟ فكان إسحاق بن راهويه يقول: "لا تطهر جلود الميتة أبداً" أما الشافعي فكان يرى أن جلود الميتة تطهر بالدباغ، فقال الشافعي رحمه الله: حجتي في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بشاة يجرونها فقال: {هلا انتفعتم بإهابها؟} أي: بجلدها، فهذا دليل أنه يمكن الانتفاع بجلود الميتة وكان الإمام أحمد رحمه الله حاضراً، فقال إسحاق بن راهويه: لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث عبد الله بن عكيم {لا تنتفع من الميتة بإهابٍ ولا عصب} وكان هذا قبل أن يموت بشهرٍ، فأشبه أن يكون ناسخاً للأول، وبناءً على هذا الحديث فإنه لا يجوز الانتفاع بجلد الميتة باعتبار أن الحديث الأول منسوخ بالحديث المتأخر، فقال الإمام الشافعي: هذا كتاب وذاك حديث مشافهة، "أي: حديث لا تنتفع من الميتة" كتاب كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عبد الله في حديثه: {أتانا كتاب رسول الله قبل أن يموت بشهر في جهينة} فقال هذا كتاب فلا يؤخذ به ويقدم عليه الرواية، قال له إسحاق بن راهويه: فقد كتب الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى المقوقس وإلى غيرهم يدعوهم إلى الله عز وجل فكانت حجة عليهم، إذاً فكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم حجة على من بلغه الكتاب فسكت الشافعي رحمه الله، قال العلماء: فرجع الشافعي إلى قول إسحاق بن راهويه، ورجع إسحاق بن راهويه إلى قول الشافعي.
وهناك أمثلة عديدة طريفة لكن هذا مثال واحد، ليس قصدي الآن الحديث عن هذه المسألة الفقهية فهي مسألة جزئية، لكن أقصد أن الإنسان كلما منَّ الله عليه بالفقه الصحيح كلما كان أكثر اعتدالاً للحماس في الآراء الفقهية، لكن العالم الجليل الذي بحث المسألة ومحصها تجده يقول هذا هو الراجح باعتدال، لكن بعض الناس الذين لم يتلقوا هذا القدر وخاصة حين يكون في مقتبل العمر يغلب عليه الحماس فتجد أن هذه القضية الفرعية يطرحها على أنها قضية أصلية، ويتحمس لها وربما يبالغ في الوقيعة فيمن خالفها.
وهذا كما ذكرت نوع من الشطط يجب حماية الصحوة الإسلامية منه، كما يجب حفظ مقدار العلماء، يجب الاعتدال، والهدوء في مسألة التفقه، يجب أن نأتي البيوت من أبوابها، وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا[البقرة:189] لابد من الوضوح أيها الإخوة في المنهج الإصلاحي لهذه الصحوة، أعني أن يكون عملاً إصلاحياً يعتمد على تحقيق المصلحة والحكمة قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] وذلك أننا نعرف أن المقصود من وراء الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تحقيق المصلحة ودفع المفسدة، ولذلك فإن من وضوح المنهج الإصلاحي أن يتوخى الإنسان العمل على تحقيق المصالح وعلى دفع المفاسد بقدر ما يستطيع.
هذه قضية أصولية يطول الحديث فيها، لأن المصالح قد تتعارض مع المفاسد أحياناً، وربما يجد الإنسان أنه يستطيع أن يحقق مصلحة لكنه بالمقابل يحقق مفسدة تقع، وهنا يأتي دور الهدوء والتيقظ والبصيرة، بحيث أن الإنسان حين يرى أن تحقيق المصلحة يترتب عليه مفسدة أكبر منه يترك هذه المصلحة دفعاً للمفسدة، وحين يرى أن دفع هذه المفسدة يترتب عليه حصول مفسدة أكبر يترك أيضاً، ولذلك قال العلماء كما ذكر ذلك الإمام ابن القيم في العديد من كتبه، حين يتحدثون عن موضوع إنكار المنكر: إن إنكار المنكر له حالات، فقد يزول المنكر بإنكارك ويحل محله منكر أقل منه، أو يزول ولا يحل محله شيء فهنا يجب الإنكار، ولكن قد يزول المنكر ويحل محله منكر أعظم منه، فهنا يحرم الإنكار، وقد يزول المنكر ويحل محله منكر مثله فهذا موضع اجتهاد، وتقدير هذه القضية أمر بالغ الحساسية والأهمية، وكثير من الناس ليس عندهم فقه في هذه المسالة، بعضهم يقول: أنا أرى أن هذا منكر أو أن هذا حرام لابد أن أقوم بالواجب، ماذا يترتب على هذا الأمر؟ أنا لا يعنيني فأنا قمت بواجبي، ولكن قد يكون ما قمت به ليس واجباً، بل قد يكون محرماً وأنت لا تدري.
وقد يقول بعض الإخوة: ما هو الضابط في تقدير المصلحة والمفسدة؟ صحيح هذا السؤال مهم، ما هو الضابط في تقدير المصلحة أو المفسدة؟ الأمور تتفاوت وتختلف في هذه القضية، إن كانت القضية قضية عادية فردية صغيرة، فالإنسان بحسب اجتهاده ينظر ويغلب ما توصل إليه ويعمل ما يرى أنه هو الأقرب لتحقيق المصلحة، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، وهو على كل حال خيرٌ ممن لم يهتم بهذا الأمر ولم يرفع به رأسه، لكن إن كانت القضية قضية ذات بعد ولها استمرار، قضية منهج، فهنا لابد من ضبطها بالرجوع إلى أهل العلم، تحديد المصلحة يرجع فيه إلى علماء أهل السنة والجماعة في هذا العصر.
اضرب لذلك مثلاً يتعلق بموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذكر بعض أهل العلم مسألة تغيير المنكرات بالقوة والحكم فيها، فقال بعض الفقهاء: يجوز تغيير هذا المنكر بالقوة إذا تحقق من وراء ذلك المصلحة، بعض المتعجلين في هذا العصر في بلادٍ عديدة أصبحوا يقومون باستخدام القوة في تغيير المنكرات، فيترتب على هذا العمل منكرات أعظم منه، وإذا قلت له شيئاً، قال لك: يا أخي رأينا المصلحة في ذلك، أحياناً الإنسان إذا ثار الحماس في قلبه وغلا الدم في عروقه؛ رأى أن المصلحة في أن ينفس عن هذا الغيض الذي يحس به، فأقدم معتقداً أن في ذلك المصلحة، لكن ربما بعد فترة عندما يهدأ ويفكر ربما تختلف الموازين عنده.
ولذلك نقول: إن تغيير المنكر بالقوة يرجع فيه إلى المصلحة، بحيث لا تصبح المسألة عبثاً بحسب نظرات الناس وأمزجتهم فقد يأتي انفعالي فيصبح يحطم ما يرى بصورة غير جيدة معتقداً أن في ذلك المصلحة، لا،لابد هنا من ضبطها بالرجوع إلى علماء أهل السنة والجماعة في العصر، وإلا يكون الإنسان في ذلك مسيئاً إلى نفسه وإلى غيره، وقد يذهب مأزوراً غير مأجور كما قال الإمام ابن خلدون في مقدمته.
كذلك ما يتعلق بموضوع نشر السنن بين الناس، هذه قضية تحتاج إلى منهج واضح، هناك سنن وهناك واجبات، أحياناً الشاب قد يتحمس لسنة أكثر من حماسه لواجب، وهذا ليس بصحيح كما أنه ليس بصحيح أن نقول: أهمل السنة وعليك بالواجب فقط، السنة من الدين أيضاً لكن نقول اهتم بالواجب واهتم بالسنة فإذا تعارض الأمران، قدم الواجب، وهذا لا شك فيه، ومما لا تردد فيه أنه لو ترتب على فعل السنة فوات واجب، لكان الأولى تحصيل الواجب، ولو ترك الإنسان السنة، ولو أجَّل تطبيقها، ولو لم يعمل بها، وأحياناً قد يتحمس الإنسان لسنة؛ لأنها مهجورة ويغفل أنه ربما يترتب على نشر هذه السنة أحياناً في بعض البيئات حصول منكر أعظم، أو فوات تحقيق واجب يريده الإنسان، فالإنسان هنا بين أمرين، لا يقول: أنا والله أترك السنن، المسلمون الآن يقتلون في كل مكان وأنتم مشغولون بالثياب واللحى، هذا منطق غير صحيح؛ لأن كون الإنسان يغفل قضية اللحية، لا يعني أنها توقفت مجازر المسلمين، المجازر قائمة من قبل أعداء الإسلام، ومن أسبابها المعاصي التي وجدت في الأمة الإسلامية، فالاهتمام بالسنة لا يعارض الاهتمام بغيرها، إنما لو فرض بحالة من الحالات أنه وجد تعارض فإنه يقدم الواجب ثم يأتي بالسنة بعد ذلك.
1- استعجال النتائج:
من الاستعجال: استعجال النتائج بحيث إذا عمل الإنسان شيئاً يريد أن يرى نتيجته، ونحن نعرف في حديث ابن عباس المعروف في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد} هناك نبي يأتي يوم القيامة وحده لم يتبعه إنسان واحد، أقام الحجة، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وبلغ هذا الواجب عليه، فما استجاب له الناس، هذا أمره إلى الله تعالى.
نوح عليه السلام دعا ألف سنة إلا خمسين عاماً ولم يستجب له إلا أناس يعدون على الأصابع، فأحياناً كثيرة الداعية قد يتعجل النتائج ويريد أن يرى نتيجة دعوته أو أمره أو نهيه، فإذا فعل مرة أو مرتين أو ثلاثاً قال: والله ما رأيت النتيجة، وربما يستحسر ويدع العمل، والمفروض على الإنسان الذي يعمل لوجه الله عز وجل أن لا ينظر إلى النتيجة دائماً، أما إني أقول أن رؤية النتائج مما يزيد من حماس الإنسان وهذا أمر معروف، كما أننا قد عرفنا من تجارب الواقع أن هذه الأمة فيها خير كثير، ولذلك فإن كل داعية حكيم لابد أن يجد نتيجة عمله؛ لكن مع الصبر، إنما على الإنسان ألا يعجل وأن يربط نفسه بالأجر والثواب عند الله جل وعلا، أما النتائج الدنيوية فإن لم تأت اليوم أتت غداً، وإذا ما جاءت على يديك فستأتي على يد غيرك من الدعاة.
2- التعجل في خطوات الإصلاح:
الصورة الثانية من استعجال النتائج: أن بعض الناس قد يتعجل في الخطوات في ميادين الإصلاح، وهذا التعجل ربما يتسبب في قطع الطريق عليه، فمثلاً ربما يريد الإنسان أن يصلح في ليلة ما فسد في دهر، وهذه الطريقة يمكن أن تؤدي إلى أن تكثر العداوات والخصومات، ويستفز الناس فيقفون ضده، وبالتالي لا يستطيع أن يواصل في هذا الطريق.
أضرب لذلك بعض الأمثلة: قد يأتي إنسان إلى مؤسسة من المؤسسات دخل فيها الآن وهي جديدة، فوجد فيها من المنكرات ما الله به عليم، تضايق هذا الإنسان وتبرم، ومن حقه بل ومن واجبه أن يكون كذلك، لأن هذا من الإنكار بالقلب, والمؤمن لابد أن يغتاظ إذا رأى المنكر، لكن كيف يغير هذا المنكر؟ ربما يتعجل الخطوات فيريد أن يغير هذه الأمور كلها فيقول: يا أخي أنا مسئول في هذا القطاع في هذه المؤسسة لماذا لا أغير؟ سأغير كل شيء، ربما يغير طاقم الموظفين أحياناً، وربما يقلب الأنظمة رأساً على عقب، ما الذي يحدث؟ قد ينجح أحياناً إذا كان واثقاً من هذا الأمر؛ لكن في أحيان كثيرة لا يستطيع الإنسان أن يقدر المصلحة، فيجد أن هذا العمل كان من نتيجته أنه استطاع أن يستقطب عداوة كثير من الناس، وبالتالي أصبح هؤلاء الناس وقد وضعوا على عواتقهم أنه لابد أن يعملوا ليل نهار على إبعاد هذا الإنسان عن هذا العمل والحيلولة بينه وبين تحقيق ما يريد، ما أصبحت القضية قضية فرد واحد، كما يقول الشاعر:
فلو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهم وثانٍ وثالث |
حينما يأتي واحد فرضاً إلى مسؤول أعلى منه ويقول له: إن فلاناً فعل وفعل، يمكن أن يرده؛ لكن جاء الثاني والثالث والرابع والخامس والعاشر لا يمكن أن يردهم، وحتى لو فرض أنه مقتنع بأنك على صواب وهم على خطأ سيقول نحن لسنا في حاجة لهذه المشاكل، نحن في غنىً عنها، وبالتالي يقطع الطريق على هذا الإنسان باستمرار عملية الإصلاح، والقليل الدائم خيرٌ من الكثير المنقطع.
مثلٌ آخر: قد يوجد إنسان مسئول إداري أو قاضٍ أو غيره ربما يعرض إليه إنسان يحتاج إلى تعزير، قام بذنب يحتاج إلى عقوبة تعزيرية، الناس في بلد من البلدان تعودوا على حكمٍ ضعيف، قد يؤتى بإنسان وقع في ذنبٍ عظيم فيجلد خمس جلدات مثلاً، فأتى إنسان غيور وحريص على إيقاف الناس عند حدود الله فصار يعاقب من كان يعاقب أمس بخمس جلدات صار يعاقبه اليوم بألف جلدة ويقول: هذا حقه الذي يستحقه، ما الذي يحدث؟ قد لا يستطيع أن يستمر في هذا الطريق، ولو وزعت هذه الجلدات على مجموعة من أصحاب الجرائم، وما دام في نفسي أن أقوم بهذه الجلدات لهذا الإنسان ممكن أنني أزيد العقوبة لكن بقدر تدريجي، وكما يقال: خذ وطالب زد الجرعة، ولا يعني هذا أنك توقفت عنده، لكن حتى يتعود الناس عليها، ثم تنتقل إلى ما هو أولى وأكثر منها، والناس يمكن أن يتعودوا على الأشياء الصالحة بالتدريج كما تعودوا على الأشياء السيئة بالتدريج.
الآن كثيرٌ من المعاصي والمنكرات أصبحنا نألفها لماذا؟ لأنها تدريجياً فرضت علينا وأصبحت تنمو كما ينمو الطفل نمواً تدريجياً لا يشعر به من يراه على الدوام.
الخير يمكن أن يطبق بنفس الطريقة، وهذا الذي كان يفعله المسلمون الأوائل، لما وجد الإسلام في مكة كيف استطاع المسلمون أن يفرضوه؟ كانت هناك حرب لا هوادة فيها ضد المسلمين، لكن لما أسلم أبو ذر قام أبو ذر وصاح في ملإٍ من قريش: أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قاموا عليه وضربوه وآذوه وأدموه، المهم أنه خرج من بين أيديهم.
غداً أسلم شخص آخر وما صبر على السكوت فقام وأعلن القضية، كثرت هذه العمليات، كل يوم يقوم شخص بهذه القضية، أصبحت شيئاً فشيء تهون في نفس القرشيين، ولم يعد واحد منهم يقوم بهذا العمل، ولذلك لما أعلنها عمر بن الخطاب رضي الله كما هو في المستدرك ومسند أحمد بن حنبل وغيره بسندٍ صحيح: أنه لما أسلم عمر ذهب إلى رجل من قريش وكان هذا الرجل مشهور بإشاعة الكلام اسمه جميل بن معمر، فأخبره عمر أنه قد أسلم، فذهب هذا الرجل يجر رداءه ويمر بالناس ويقول: هل علمتم أن عمر بن الخطاب قد صبأ، وعمر وراءه يقول له: كذبت ولكنني أسلمت فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتجمع الناس على عمر وصار يضاربهم ويضاربونه، وعمر كان رجلاً جلداً قوياً في الحق يضاربهم ويضاربونه من طلوع الشمس حتى الزوال، فتعب ولما تعب أعيا وقعد، وكان الناس معرشون حوله واقفون، وهو يلتفت إليهم ويقول: يا أعداء الله اصنعوا ما بدا لكم، والله لو بلغنا ثلاثمائة رجل لنخرجنكم من مكة أو تخرجوننا منها، ثم جاء العاص بن وائل وكان حليفاً لـعمر فوجد هذه المجموعة من الناس فقال ما هذا؟ قالوا: هذا عمر بن الخطاب أما علمت أنه قد صبأ؟ قال: فمه؟ يعني ثم ماذا؟ رجلٌ اختار لنفسه ديناً فدعوه وما اختار لنفسه.
ما كان القرشيون يقولون مثل هذا الكلام بالأمس، لكن لكثرة فرض الخير، وكثرة من يعلن إسلامه هانت القضية عليهم شيئاً فشيئاً حتى صاروا يتشدقون بما يسمونه اليوم حرية الاعتقاد.
فكما أن الشر يفرض على المسلمين بصورة تدريجية حتى يألفوه، كذلك الخير يمكن أن يفرض في المجتمع بصورة تدريجية هادئة لا تدعو إلى استفزاز الناس واستثارتهم ومواجهة الخير وحربه والقتال ضده.
بعض الدعاة في البلاد الإسلامية يخيل إليهم أنهم يملكون أحياناً من القوة ما يغيرون به الدنيا، في الوقت الذي قد تجد فيه أن الداعية لم يستطع تغيير بيته الذي يعيش فيه، لم يستطع أن يؤثر في الحي الذي يعيش فيه، لم يستطع أن يؤثر في المدرسة أو المؤسسة التي يعمل فيها، وهذه أحياناً من الأحلام التي يتعلق بها الإنسان، فالداعية لا ينبغي أن يغتر بنفسه وبقوته، ويظن أنه يستطيع أن يقلب الدنيا كلها رأساً على عقب، كلا، بل عليه ألا يتعجل الخطوات وأن يسير إلى هدفه بصورة تدريجية هادئة و(5%) مستمرة أفضل من (50%) منقطعة وهذا مما تقتضيه الحكمة.
وتفرقوا شيعاً فكل قبيلةٍ فيها أمير المؤمنين ومنبر |
وكما قال الآخر:
مما يزهدني في أرض أندلسٍ ألقاب معتصم فيها ومعتضد |
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد |
أصبحت مسألة التفرق والاختلاف والتنازع بين المسلمين من أخطر المسائل وأهم القضايا، ولذلك لابد من إلقاء الضوء على هذه النقطة.
فمسألة الاختلاف من حيث الأصل هي قضية لا بد منها، وهذا أمر يخفى على كثير من الناس، ومع أن الأمة الإسلامية تعيش حالة من التمزق والاختلاف عظيمة إلا أنك مع ذلك تجد من الدعاة والمصلحين وطلاب العلم من يقول لك: يا أخي يمكن جمع المسلمين كلهم على كلمة واحدة ورأي واحد في الأصول وفي الفروع، وأنا أعتقد أن هذا الأمر غير صحيح ولا ممكن، بل إنني أقول: إنه مستحيل، صحيح جمع الناس على الأصول لابد منه ولابد من الدعوة إليه سواءً استجابوا أو لم يستجيبوا.
أما فيما يتعلق بالفروع الفقهية، فإذا كنا نعرف أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في هذه الفروع أبو بكر الصديق وعمر والعشرة المبشرون بالجنة وأصحاب بدر وبيعة العقبة وبيعة الرضوان وكذا وكذا، أفضل جيل فيهم اختلافات في الفروع في قضايا فقهية كثيرة، كما حدث لمن بعدهم، ولذلك تجد أن الأقوال الفقهية إذا ذُكرت قيل: وهذا القول قال به أبو بكر وفلان وفلان، والقول الآخر قال به عمر وابن مسعود وفلان وفلان.
وإذا حدث الاختلاف في عهد الصحابة وهم أفضل الناس وأعلم الناس وأكثر الناس تجرداً وأوسع الناس عقولاً، فمن البديهي أن يقع الاختلاف فيمن بعدهم، بل أن يزيد ويكثر وينمو، ولذلك فإن الاختلاف أمرٌ واقع ليس في القضايا الفقهية الفرعية فقط، بل في أمور عديدة سوف ترد الإشارة إليها.
وليس المهم إخواني الكرام القضاء على الخلاف، لكن الشيء المهم الذي يجب أن يكون همّا لكل غيور على الإسلام هو إيجاد منهج سليم للتعامل مع الخلاف الواقع، كيف نتعامل مع هذا الخلاف؟ هذا هو المهم، لا يكون السؤال عندك كيف نقضي على الخلاف، لا،ليكن السؤال عندك كيف نتعامل مع الخلاف؟ وسأحاول الإجابة على جزء من هذا السؤال.
1- البعد عن التعصب لغير الحق:
فأولاً: لابد من البعد عن التعصب لغير الحق، فإن من أسباب الخلاف التعصب لشخص سواءً كان هذا الشخص عالماً أم شيخاً تتلمذت عليه، أم كان داعيةً تدور في فلكه وتتلقى عنه وتتعلم منه وتستشيره في أمورك، بحيث تتعصب لهذا الإنسان وترى أن ما يقوله هذا الإنسان حق، فإذا والى هذا الإنسان أحداً واليته، وإذا عادى أحداً عاديته، أحب أحداً أحببته، أو أبغض أحداً أبغضته، مدح مدحت أو ذم ذممت، وهذا تقليد غير سليم؛ لأن المفروض أن يكون الولاء في الحق، نوالي أهل الإسلام وأهل الخير مهما كانت ألوانهم وأشكالهم وأحوالهم، ونخطئ الخطأ مهما كان مصدره.
فالتعصب لشخص أو التعصب لراية أو التعصب لحزب أو جماعة أو طائفة، هذا من أعظم أسباب شيوع الاختلاف وانتشاره، ونحن أيها الإخوة أمام أمانة حملنا الله تبارك وتعالى إياها وسوف يسألنا عنها، من واجبنا أن نساهم في علاج جراحات هذه الأمة الإسلامية وآلامها بأن يكون تعصبنا للحق وحده، وأن نخلع التعصب للأشخاص وللطوائف، والهيئات، والأحزاب، والشيوخ إلى غير ذلك.
المسلمون الغيورون على وحدة الأمة يعلنون أساهم وحزنهم من التعصب المذهبي، واليوم حل محل هذا التعصب المذهبي التعصب للفئات والجماعات، وأصبحت تمزق كثيراً من المسلمين وتفرق بينهم، وتوجد الحواجز في نفوسهم وفي واقعهم، ولذلك لابد في موضوع معالجة الخلاف من التجرد للحق بقدر ما يستطيع الإنسان، لا شك أن الإنسان ليس ملكاً لكنه يحرص على أن يتجرد للحق من جميع الملابسات الأخرى الثانوية من التعصب لشيخ أو طائفة، أو مسلك أو راية، أو ما أشبه ذلك.
2- عدم تضخيم الخلاف:
ثانيا في قضية معالجة الخلاف: مسألة عدم تضخيم الخلاف في القضايا الفرعية، الخلاف في الفروع أمر موجود منذ فجر الإسلام، موجود حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحين قال عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيحين: {لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة} اختلف الصحابة في كيفية تطبيق هذا الحديث فبعضهم قالوا: لا نصلي العصر إلا في بني قريظة حتى لو فاتت الصلاة، وبعضهم قالوا: إنما أراد منا الإسراع فصلوا في الطريق، ومع ذلك لم يعنت النبي صلى الله عليه وسلم أحداً منهم، وبالتالي اختلف العلماء من بعدهم أيهم المصيب: الذي صلى في الطريق أو الذي صلى في بني قريظة، فالخلاف موجود.
الخلاف الفقهي الفرعي موجود ولا شك أن له ضوابط، فما كل من قال بقول يقبل منه هذا القول، أو رجح شيئاً يقبل منه، لكن المقصود أن أصل الخلاف بين أهل العلم الذين هم أهل العلم فعلاً؛ أصل هذا الخلاف موجود، لا ينبغي أن يتحول هذا الخلاف الفرعي إلى عداوات وخصومات وولاء وبراء، مثلاً بعض الشباب يجعل سنة من السنن أصلاً، من فعلها أحبه ومن تركها أبغضه، تقول له: لماذا؟ قال لك: لأن هذه السنة أصبحت شعاراً للصالحين، فمن لا يجلس جلسة الاستراحة مثلاً ينظر إليه نظرة ريبة، هذا لا يحب السنة ولا يعمل بها، لماذا يا أخي؟ قال لك: صحيح أن العلماء اختلفوا وأحمد قال كذا، والشافعي قال كذا، ولكن اليوم أصبحت جلسة الاستراحة شعاراً لمن يطبق السنة، من قال هذا؟ ومن الخطأ أن تصبح شعاراً، عيب أن تصبح هذه شعاراً، صحيح أنها سنة على رأي جماعة من أهل العلم ورجح ذلك بعض شيوخنا المعاصرين كسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز ولا ينبغي التضييق على من فعلها ولو أحياناً، بل ينبغي أن يفعلها، لكن فرق بين هذا وبين أن تتحول إلى شعار.
السنة أصبحت شعاراً!! هذه من المعضلات أن توضع الفروع مكان الأصول، وضع اليدين مثلاً بعد القيام من الركوع، كيف يخر الإنسان إذا هوى إلى السجود يقدم ركبتيه أم يقدم يديه؟ هل يرفع يديه عند تكبيرات الجنازة أو لا يرفع يديه؟ هل يغتسل للجمعة وجوباً أو لا يغتسل؟ مصيبتنا أن هذه القضايا أصبحت هماً مسيطراً على نفوس كثير من الشباب، وهي التي تملأ وقتهم وحياتهم، وليس هذا فقط بل الولاء والبراء يدور حول هذه القضايا حتى أني وجدت في كتاب كتبه أحدهم، كاتب هذا الكتاب قد يرجح مسألة من المسائل ثم يقول بعد الترجيح وهذا دين الكتاب والسنة، أي: الذين خالفوك في هذا القول الذي اخترته أتوا بآرائهم من التوراة والإنجيل، وإلا من أين أتوا بها، والغريب أنه قال هذه الكلمة وفي رأيي أنه رجح خلاف ما عليه أهل الحق، وخلاف القول الصحيح لمجرد فهمٍ تبادر إلى ذهنه من ظاهر آية، وصار يقول هذا دين الكتاب والسنة، معنى ذلك أنه يوالي فيه ويعادي فيه ويعتبر من قال بهذا فهو مخالف للكتاب والسنة، وربما يحمل عليه وربما ينكر جميع فضائله ومحاسنه وما قدمه للإسلام والمسلمين من خدمات. من الخطأ أن يتحول الاختلاف الفقهي إلى حزازات وخصومات وعداوات.
3- الخلاف لا يضر:
ثالثاً: في موضوع الخلاف أيضاً يجب أن نعلم أن هناك خلافاً في معالجة بعض الأمور الاجتهادية الواقعية، وهذا خلاف لا يضر ما دام مبنياً على المصلحة، خلاف مثلاً في التعامل مع بعض القضايا الواقعية، خلاف في تقدير المصلحة، خلاف هل أنكر الآن أو غداً واليوم جدت أشياء كثيرة جداً يختلف الناس حولها، وقد يختلف الدعاة في التعامل مع هذه الأشياء، سواء أكانت منكرات أو أمور أخرى، وقد يختلفون في نوعية التعامل معها وفي الأسلوب وكيفية طريقة التغيير؟ فالخلاف في الأمور الاجتهادية هو الآخر وجد في عهد الصحابة رضي الله عنهم، بل نحن نعرف أن الصحابة اختلفت مواقفهم لما حدثت الفتنة في أواخر عهد الصحابة فمنهم من كان مع علي رضي الله عنه، ومنهم من كان في الطرف الآخر مع معاوية رضي الله عنه، ومنهم من اعتزل وانفرد وقال: لا أدخل مع هؤلاء ولا مع هؤلاء حتى تنـزل القضية وتتضح لي، ومع ذلك فكانوا كلهم على خير ولهم فضل وإحسان ومكانة وكان منهج أهل السنة والجماعة اعتقاد أن الكل من هؤلاء مجتهدون لهم أجر اجتهادهم، والمصيب منهم له أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وما كان هذا مدعاة إلى أن ينال أهل السنة من أحدٍ منهم.
ولذلك فإن القضايا الواقعة قد يختلف الناس في تقدير المصلحة فيها أو التعامل معها، فهذا الاختلاف المبني على الاجتهاد هو الآخر اختلاف يجب أن يكون مقبولاً، ولا يمنع أني اعتبر أنك مخطئ في اجتهادك، لكن هذا الخطأ في اعتقادي لا يوجب أن يكون بيني وبينك خصومة أو عداوة وتباعد.
4- الاختلاف في الوسائل مباح:
النقطة الرابعة أن هناك اختلاف في الوسائل، والأصل في الوسائل أنها مباحة إذا لم يكن هناك دليل واضح على تحريمها، ولذلك استفاد الصحابة رضي الله عنهم من وسائل كثيرة ما كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مثل مسألة تدوين الدواوين، بل إننا نجد أن هناك أموراً نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، مثل مسألة كتابة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان ينهى عن كتابة الحديث يقول: {لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن} إلى جوار أحاديث أخرى بينت جواز الكتابة كما قال عليه الصلاة والسلام: {اكتبوا لـ
وهناك قضايا واقعية كثيرة جدت اليوم في هذا العصر، أول ما وجدت كان لبعض العلماء منها موقف، موقف الرفض والمنع، لكن بعدما ظهرت مصلحتها وانتشرت وشاعت أطبقت الأمة على إباحتها وجوازها والانتفاع بها، والأمثلة في ذلك عديدة.
مثلاً الرد على أهل البدع، وسائل الحرب التي يستخدمها المسلمون، طرق التعليم، طرق القضاء، الوسائل الإدارية، وسائل الإيضاح إلى غيرها، أمور كثيرة جداً جدت فأخذها المسلمون، لأنها من باب الوسائل التي الأصل فيها الإباحة، ولا نحتاج إلى دليل خاص على أن هذه القضية مباحة، لا،إنما نحتاج إلى دليل لمن يقول أنها محرمة، وإلا فالأصل في الوسائل أنها مباحة.
المهم أيها الإخوة: هو أن ندرك أن هذه الوسائل قد يقع فيها اختلاف أحياناً حول استخدامها، مثلاً: وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة وغيرها -وهذا مجرد مثال- قد يقع اختلاف سواءً بين أهل العلم أم بين بعض الدعاة في استخدام هذه الوسائل في الدعوة إلى الله عز وجل والانتفاع بها، هذا الخلاف لا يوجب التنافر والتقاطع، قد يكون من رحمة الله بالأمة أن يوجد هذا الخلاف، لأن هذا الخلاف من جهة جعل المسلمين يستفيدون من هذه الوسائل، ومن جهة أخرى جعلوا هناك حذراً منها، بمعنى لو أن وسيلة من الوسائل الإعلامية -مثلاً- كل الناس الصالحين أقبلوا عليها ربما ألفها الناس وتعاطوها وأقبلوا عليها، لكن من رحمة الله وحكمته أنه قد يوجد من يشارك وقد يوجد من يعتذر ويرفض ويمتنع لحرجٍ شرعي، فيوجد عند الناس من استخدام هذه الوسائل حذراً، خاصةً حين تكون هذه الوسائل من الوسائل التي يكون فيها خير وشر، وقد يكون الشر فيها أغلب أحياناً.
وكذلك لابد أن ندرك أن هذا الخلاف لابد أن لا يؤدي إلى التناحر والتباغض وتناقض الجهود وتسليط الأعداء، لأن كون كل مخالفٍ يجعل همه الأكبر هو أن ينتقد مخالفه ويرد عليه ويبين خطأه؛ هذا من شأنه أن يجعل المسلمين والصالحين مشغولين بعضهم ببعض ويعطي الفرصة للأعداء.
ومن المؤسف فعلاً أنك تجد أحياناً الداعية الغيور الحريص على الكتاب والسنة تجده مشغولاً بإخوانه من الدعاة والعلماء، في تخطئتهم في أمور معينة، أو بيان أن ما رجحوه غير راجح وهي قضايا مهما كانت فهي جزئية، ومع ذلك تجده مشغولاً عن الصوفية، والباطنية، والإباحية، والعلمانية، والحداثة وغيرها من المذاهب التي تنخر في الأمة، مشغولاً عن الفساد الخلقي الذي يعيه في قلوب الناس وفي واقعهم، مشغولاً عن الجهل بالدين الذي أصبح معششاً في كثير من المجتمعات.
والله إن من المؤسف أيها الإخوة أنك تجد الدعاة مشغولين بعضهم ببعض والمجتمع لا علاقة لنا به، المجتمع سلَّم للصوفية، والمنحرفين، والضالين والمفسدين.
حتى لو كنت تعتقد أن ما تقوم به تجاه إخوانك من العلماء والدعاة والمصلحين واجب، فالنـزول للمجتمع والإصلاح فيه أوجب منه، فإذا قمت بالواجبين معاً فإن الله يقويك، لكن أن تترك الواجب الأعظم المتفق على وجوبه وضرورته وخطورته مشتغلاً بمن تعرف، قد يقول قائل: ما هو السبب؟
في نظري أن السبب هو وجود نوع من العزلة عن الواقع، لأن الإنسان دائماً يقبل على الأشياء المهمة بحسب ما يعرف، فلأنه يقضي حياته بين إخوانه من الدعاة والعلماء ويسمع ما يدور في أوساطهم صار مهماً عنده أن يخطئ الخطأ عندهم، لكن ما يجري في المجتمع هو مشغولٌ عنه، وربما لا يدري به، وإن علم فليس أمراً ملحاً عنده يطرق أذنه صباح مساء ليل نهار، ولذلك لم يعطه الاهتمام الكافي، وهذا لا شك نقيض الحكمة التي أمر الله تعالى بها، الحكمة هي وضع الأمور في مواضعها.
مسألة الخلاف من القضايا الخطيرة ولا أعتقد أنني قلت فيها شيئاً، ولكن نسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الكلمة بداية خير، وأن يجمع أمر المسلمين على كلمة سواء، وأن يوحد صفوفهم، ويصلح ذات بينهم، ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور إنه على كل شيءٍ قدير.
الجواب: يقولون في المثل أنه لو وجد اثنان، ووضع أمامهم كأس فيه ماء إلى نصفه، فإن الإنسان المتفائل منهم يقول هذا الكأس نصفه ملآن، والآخر يقول: هذا الكأس نصفه فارغ، وكل واحد منهم ذكر نصف الحقيقة، فنحن نقول: المتفائلون الذين يتحدثون عن مظاهر الإيجابية ذكروا نصف الحقيقة، والمتشائمون ذكروا النصف الآخر والمعتدلون هم الذين يذكرون النصفين معاً، فلا يغفل عن المظاهر السلبية انشغالاً بالحديث عن المظاهر الإيجابية، ولكن هذا الحديث له ضوابط، الحديث عن المظاهر السلبية له ضوابط:
الضابط الأول: ألا تكون الشهوة في نفس الإنسان، فإن بعض الناس يكون عنده مرض في قلبه والعياذ بالله يجعله يرتاح للحديث عن السلبيات، وإذا جلس معك قال: يا أخي في مكان كذا حدث كذا، وعلى شاطئ البحر كذا، وفي السوق رأيت كذا ويبدأ يسرد لك سلسلة طويلة عريضة، وهذا ينظر بعين سوداء، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: {من قال هلك الناس فهو أهلكهم} أي: من قال على سبيل التقنيط والتيئيس والمبالغات في ذكر المنكرات، وهذا أمر مشهود أن بعض الناس يكون عنده مرض في قلبه، بل إن بعضهم وإن كان يذكرها على سبيل الألم إلا أن في قلبه شيئاً من اللذة بها، خاصة إذا كانت منكرات أخلاقية.
الضابط الآخر: أن ذكر الإنسان لهذه السلبيات يجب أن لا يكون مع التيئيس والتقنيط بمعنى أنه يذكر السلبيات للعمل على إزالتها، لكن حين ينظر إلى المستقبل يجب أن ينظر بتفاؤل، يجب أن يكون عنده ثقة بوعد الله عز وجل، لأن هذا التفاؤل هو الحادي الذي يحدو الإنسان للعمل، فإن الإنسان إذا يئس وقنط لا يعمل شيئاً، لكن إذا كان عنده تفاؤل وطموح، وتطلع؛ فإن هذا يكون دافعاً له إلى أن يعمل الكثير.
الجواب: صحيح أن الفساد الأخلاقي والاجتماعي والإعلامي وغيرها من ألوان المفاسد هي الأخرى موجودة، ونحن حين نتحدث عن الصحوة الإسلامية لا نعني أن الأمة أصبحت كلها تحت راية هذه الصحوة إنما طوائف من هذه الأمة، أصبحت الأمة، ممثلة في جيلٍ منها تتجه في الوقت الذي كثير من الناس يشاهدون مظاهر الفساد ولا يشاهدون في مقابله مظاهر الخير والصلاح، وهناك جزء من هذا الموضوع سأشير إليه غداً إن شاء الله في المحاضرة التي هي بعنوان (
الجواب: نعم المرأة كما يقول فيها حافظ إبراهيم:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق |
من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق |
المرأة ربما نقول إنها حجز الزاوية في الإصلاح، لأسباب منها:
أننا نجد الآن أن المرأة هي أعظم وسيلة هدم يستخدمها الأعداء، اليهود وغيرهم من المفسدين يحاولون أن يلقوا بشباكهم لاصطياد المرأة المسلمة، لأنهم يدركون أنه إذا فسدت المرأة فإن من الصعب على الرجل أن يستقيم، وبإمكانهم من خلال وقوع المرأة في أيديهم أن يفسدوا بها أجيالاً من الشباب، وهذا أمر مشاهد وملحوظ، ولذلك فالعكس بالعكس استقامة المرأة وصلاحها يؤدي إلى نتيجة إيجابية وعظيمة في قوة الصحوة الإسلامية.
دعم المرأة لزوجها وكونها تقف وراءه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قيض الله له امرأة تقول له في أول موقف يواجهه: {أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق} المسلمة الداعية تكون خلف زوجها تؤيده، وتسدده، وتسد غيبته.
دورها في تربية أطفالها؛ لأن الأطفال هم جيل المستقبل، ومن الخطأ أن نعتبر أن الأطفال أمر لا نتحدث عنه، الأمم الغربية أصبحت تعتني لا أقول بالأطفال، بل تعتني بالأجنة في بطون أمهاتهم، تعليم الأجنة، فما بالك بالأطفال، اليوم تجده طفلاً، وبعد سنوات أصبح رجلاً.
الأمر الثالث: دور المرأة المسلمة مع زميلاتها، سواء بالقدوة الحسنة، في شكلها، في سلوكها، في أخلاقها أو بالدعوة من خلال وسائل كثيرة معروفة، هذا كله واجب ملقى على عاتق المرأة، ولا شك أن المصلحين الآن يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً مما يدور في عالم النساء، لأننا نجد بلا شك أن الشاب لديه فرص كثيرة للتعلم من خلال المسجد والمدرسة والمركز، ووسائل كثيرة جداً؛ لكن المرأة ليس هناك نفس الوسائل، وبالمقابل هناك كيد مسخر لإفساد المرأة من خلال أجهزة ووسائل كثيرة، فهناك خطر محدق فيما يتعلق بالمرأة، والواجب على الأخوات المؤمنات واجبٌ مضاعف.
الجواب: مخالطة هذه البيئات بغرض إصلاحها أمرٌ مطلوب، لأن المصلح بطبيعة الحال لن يصلح هذه البيئات وهو من خارجها، وكون الإنسان في هذه البيئة قادراً على أن يقلص المنكر، فبدلاً من أن يكون المنكر (40%) وبسبب وجودك خفَّ مبدئياً إلى نسبة (30%) وأنت تطمع أنه خلال فترة سينقص إلى نسبة (20%) هذا عمل طيب تقوم به وبهذه الطريقة يحصل زوال المنكر، هذا جانب.
الأمر الثاني: أنك خلال وجودك لن يكون وجودك سلبياً بطبيعة الحال، فحتى المنكرات التي لم تزل أنت لم تقر هذه المنكرات أو ترض بها، وإنما أنت تنكرها بقلبك من جهة وتفكر ما هي الوسيلة لتغيير هذه المنكرات وإزالتها بالطريقة التي تحقق المصلحة من جهة أخرى.
بالنسبة للمرأة المتبرجة يجب على من رآها أن يخاطبها بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وبيان الأدلة لها في ذلك، إذا لم يخاطبها أو رأى في خطابها ما يريب فإنه يستطيع أن ينكر عليها، سواء بواسطة الهاتف أو بواسطة كتاب، أو بواسطة شريط يوصله إليها ليكون في ذلك بيان أن ما هي عليه حرام ولا يرضي الله ورسوله.
الجواب: لا يترك ما دام أن هذا الأمر الذي يتمسك به ليس انحرافاً يدعو إلى هجرانه وتركه ومباعدته، فالأولى أن تستمر معه وتبذل معه الوسائل الممكنة، اللهم إلا إن كنت تعتقد أن هجرانك له وتركك له قد يؤدي إلى أن يعيد النظر في هذا الأمر، فإن مسألة الهجر من المسائل الخاضعة للمصلحة، فأنت لو رأيت أن في هجرك لإنسان مدعاة إلى أن يترك ما هو عليه فاهجره في الله، لكن لو رأيت أن هجرك له قد يدعوه إلى الوقوع في منكر آخر فلا يجوز لك أن تهجره في هذه الحال.
الجواب: بالنسبة لما يتعلق بالعلماء: العلماء لهم مكانتهم وهم قادة الموكب المسلم، ولذلك فإن النيل منهم لا يجوز، والذب عنهم واجب ممن يسمع أحداً يتعرض لهؤلاء العلماء بسوء، ونقول ما ينسب إلى هؤلاء العلماء من خطأ فبعضه مكذوب والبعض الذي يمكن أن يصح منه فنقول: إن كان فيهم خطأ فغيرهم أكثر خطأً، فلماذا يركز البعض على أخطاء هؤلاء إن صح أنها أخطاء ولا أبرئ أحداً فليس أحدٌ من البشر معصوماً إلا الأنبياء، لكن أقصد أن من الناس من ينسب إليهم أموراً يعتقد أنها أخطاء وهي في الواقع ليست بأخطاء، ومنهم من يتهمهم بالتقصير وهو لا يدري ما هو الجهد الذي يقومون به.
على كل حال مسألة التقصير واردة، ولا أقول التقصير فقط، بل إنني أقول: إن القضية قضية ندرة في العلماء، الوضع الذي نعانيه الآن -أيها الشباب- هو ندرة العلماء الشرعيين، بحيث أن الحمل أصبح في عدد من العلماء يعدون على أصابع اليدين أو يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، والحمل ثقيل، والسبب في ذلك ندرة العلماء المخلصين المتمسكين بالكتاب والسنة، وهذا يوجب علينا أن ينبري من بيننا من يعتقد في نفسه القدرة والكفاءة بتعلم العلم الشرعي والتفرغ لهذا العلم والعناية به حتى يسد هذا الفراغ ويحل مشكلة هذه الأمة ولو في المستقبل، فليس كل المشكلات تحل اليوم، ولو نجد بعد عشر سنين أو بعد خمس عشرة سنة مجموعة من الشباب تفرغوا للعلم وأصبحوا يسدون هذا الأمر ويلبون حاجة الأمة في الفتيا والتعليم وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك.
الجواب: أعني أن المجدد يكون في مجال معين، فمثلاً في ميدان الجهاد قد يوجد إنسان متخصص في هذا الأمر أكثر من غيره، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجد شخصاً آخر، في ميدان العلوم الشرعية تجد فيها أو في بعضها مجدداً يختلف عن غيره وهكذا.
الجواب: صحيح، ولذلك من المهم على الشاب المتعلم بالعلم الشرعي، خريجي الكلية الشرعية أن يحرص على أن يؤدي دوره في هذا المجال، إمام المسجد -مثلاً- يجب أن يقوم بدروس للشباب الذين يصلون معه في المسجد، يجب أن تكون خطبة الجمعة موجهة وتكون وجبة لدعوة الناس وتوجيههم تجاه أمر من الأمور ورسم المنهج الصحيح لهم، لكن هل يتم القيام بهذا الأمر أو لا يتم؟ قد نرجع ونقول: إن المشكلة أحياناً مشكلة ندرة من يقوم بهذه الأشياء، وهذا يجعلني أؤكد مرة أخرى على ضرورة طلب العلم الشرعي لمن يجد في نفسه الكفاءة والحماس لذلك، بحيث على الأقل إن لم نحل هذه المشكلة حلاً نهائياً الآن فإننا نستطيع أن نحلها ولو بعد حين.
الجواب: الحسد داءٌ عظيم أمر الله تعالى بالاستعاذة منه، وهو يوجد في بعض النفوس التي فيها ضعفٌ وشر، وخاصة بين الأقران الذين قد يفوق بعضهم بعضاً من الشباب وغيرهم، أما علاجه فمن شعر بشيء من ذلك فعليه أن يقاومه بكل وسيلة، الاستعاذة بالله كما أرشد الله عز وجل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ *وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ *وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ *وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:1-5] كذلك محاولة دفع هذا الأمر عن نفسه بكل وسيلة، الدعوة لهذا الإنسان الذي قد يشعر بالحسد تجاهه، الثناء عليه، تشجيعه على المجالات التي هو فيها، وبالمقابل فإن هذا الإنسان إذا لم يعمل هذا الحسد أثراً في نفسه ولم يستقر في قلبه، بل دفعه بقدر ما يستطيع فإن الله تبارك وتعالى ييسر له كافة هذا الأمر، وهذا أمر مجرب في الواقع، فلا تقبل أن تكون نداً لهذا الإنسان تتكلم فيه وتحاول النيل منه بكل وسيلة، وإذا جاءت فرصة تحاول أن تهون من قدره ومن شخصيته بحيث ينمو هذا الحسد وينبت في قلبك، لا،حاول العكس أن تقاوم هذا الشعور بأن تعمل ضد ذلك، فتثني على هذا الشخص وتدعو له وتبارك خطواته، حتى ترغم نفسك على أن تستسلم لهذا الأمر الواقع، وألا تنظر إليه على أنه ند إذا سبقك خطوة حسدته على ما أتاه الله من فضله.
الجواب: ليس هناك تعارض، الإسلام وجد بعد أن لم يكن موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام دعا هؤلاء الناس فأخرجهم من الجاهلية إلى الإسلام، ومع ذلك وجد من بينهم عدد قليل ارتدوا على أدبارهم، مثلاً ابن جحش الذي ارتد نصرانياً في الحبشة ومات فيها، الرجال بن عنفوة الذي تبع مسيلمة الكذاب، حالات معينة حصل فيها من بعض الذين أظهروا الإسلام ولما يدخل الإسلام في قلوبهم وجد عندهم ردة، لا يعني هذا أن الإسلام ما قام قياماً صحيحاً، بل قام الإسلام وزالت غربته وانتصر وعم الجزيرة كلها، فالصحوة الإسلامية موجودة، وهذا لا يعارض أن يوجد واحد أو اثنان أو عشرة من الشباب في بلادٍ شتى قد يحدث لهم ضعف أو تردد أو تأخر.
الجواب: نعم، هناك أشياء ليست بسنن وإنما هي عادات فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى العادة ولم تكن شريعة يأمر بها صلى الله عليه وسلم أو يشرعها ويسنها على الناس، فمثلاً مسألة العمامة، العمامة كانت العرب تلبسها فلبسها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يأمر بلبسها أو يحافظ عليها، بل لبسها أحياناً وخلعها أحياناً، ولذلك يتعبد الإنسان في الحج بأن يكشف رأسه ولا يغطيه، فليس لبس العمامة من قبيل السنن التي يحرص عليها.
كذلك كون الإنسان يضع حذاءه تحت إبطيه، بطبيعة الحال الرسول عليه الصلاة والسلام، قال كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين أمر من أراد أن ينتعل أن يبدأ بالرجل اليمين، وإذا أراد أن يخلع يبدأ باليسار لتكون اليمنى أولهما تنعلاً وآخرهما خلعاً، فدل هذا على أن لبس النعل من الأمور الطيبة المحمودة التي يبدأ فيها باليمين، ولكن لا يمنع أن الإنسان يمشي حافياً أحياناً إذا لم يتيسر له النعل، فقد حدث هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما كون النعل في إبطيه وهو يمشي حافياً، فلا أرى أن هذا من السنة.
الجواب: إنما هي رسائل يسيرة منها كتاب المسلمون بين التشديد والتيسير، ومنها رسالة نداء الفطرة، ومنها تحقيق كتاب اسمه التشيع والشيعة) ألفه عالم إيراني اسمه أحمد كسروي يرد فيه على دين الشيعة رداً علمياً منطقياً عقلياً، وقد دفع مؤلف هذا الكتاب حياته ثمناً لهذا الكتاب حيث اعتدى عليه الرافضة في الشارع وأردوه قتيلاً وصادروا كتابه وحاربوه بكل وسيلة، حتى لم ينتشر، وحققت مع أحد العلماء والمشايخ، ومنها كتاب الغرباء الأولون وقد قامت مكتبة ابن الجوزي بطباعته، وهو طريقة جديدة في دراسة السيرة النبوية، وأخيراً منها كتاب حوار هادئ مع محمد الغزالي وسينـزل السوق قريباً إن شاء الله.
الجواب: رسالة الماجستير عنوانها: غربة الإسلام وأحكامها في ضوء السنة المطهرة.
ورسالة الدكتوراه عنوانها: أحاديث التشبه جمع ودراسة وتحقيق.
الجواب: الكتب كثيرة والإجازة ينبغي أن يستفيد الشاب منها ويستثمرها، وأقترح أن يقوم الشاب أولاً بمحاولة ولو أن يحفظ شيئاً من القرآن الكريم، وكذلك يحاول أن يقرأ كتاباً ولو مختصراً في التفسير، سواء قرأ تفسير ابن كثير أو عمدة التفسير لـأحمد محمد شاكر، أو نحوهما من المختصرات، وكذلك يقرأ كتاباً أو أكثر في السنة النبوية وأرشح كتاب رياض الصالحين، وكذلك كتاب جامع العلوم والحكم لـابن رجب الحنبلي، إضافة إلى أن يقرأ شرحاً لبعض الكتب المتعلقة بالأحكام التي يحتاجها مثل أحكام الطهارة أو أحكام الصلاة في كتابٍ مستقل أو في أحد الكتب المشهورة كتاب نيل الأوطار مثلاً، أو صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيرهما، وكذلك يقرأ في بعض الكتب المتعلقة في إيضاح العقيدة الصحيحة، أقل ما يمكن أن يقرأ كتاب العقيدة الواسطية، أو كتاب التوحيد أو أحد شروحه للشيخ محمد بن عبد الوهاب وشروح لبعض تلاميذه وأحفاده، ممكن أن يقرأ كتاباً في الثقافة الإسلامية العامة، كذلك المرأة هناك كتب مخصصة لمعالجة قضايا المرأة، وهي كثيرة معروفة.
الجواب: أما المساوئ فلا أعتقد أن هناك عملاً إلا وفيه بعض المساوي قلَّتْ أو كثرت.
بالنسبة للمراكز الصيفية أرى أنها مناسبة لطبقة من الشباب، ممن ربما لو لم يشترك في هذه المراكز لضاع عليه كثير من الوقت، وكذلك من الشباب الذين لهم دور في التوجيه؛ لأن المراكز يقبل عليها عدد كبير من الشباب فيحتاجون إلى من يقوم بتوجيههم وإرشادهم، ولو لم يوجد هؤلاء الموجهون والمرشدون ربما لم يستفد من هذه المراكز، لكن هناك إنسان يقول أنا والله مشغول مثلاً بأعمال طيبة، بطلب علم، بأمور خيرية، بدعوة إلى الله عز وجل في كلٍ خير، والإنسان يمكن أن يشارك بأكثر من ميدان بحسب ما تتحمل طاقته، ليس من الضروري أن يكون كل إنسان مشتركاً مثلاً في المركز الصيفي، كما أنه ينبغي على الشباب ألا يبتعدوا عن المراكز الصيفية، من خلال مشاهدتي لعدد من المراكز في زيارتها لاحظت أن فيها خيراً، فيها أنشطة مفيدة، فيها ترفيه، فيها فرصة للتعارف بين الشباب وإيجاد صداقات طيبة، فيها موجهون صالحون، فينبغي الاستفادة من هذه المجالات.
الجواب: التواصي من صفات المؤمنين الذين حكم الله عز وجل لهم بالنجاة قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] والإنسان ضعيف بنفسه قويٌ بإخوانه، ولذلك على الإنسان أن يتخذ له أخاً يصطفيه، ويكون فيما بينهم أخوة ومناصحة، كما أن عليه أن يناصح إخوانه المؤمنين عموماً فيما يرى عليهم من أخطاء، وينصحهم في الله عز وجل وهذا كان سمتاً يتحلى به السلف الصالح رضوان الله عليهم.
الجواب: المصيبة أيها الإخوة أن أجهزة الإعلام اليوم أصبحت هي التي تحدد أفكار الناس وتتحكم في عقولهم حتى في القضايا الإسلامية، فالناس بل كثيرٌ منهم أصبحت معرفتهم بالشخصيات من خلال أجهزة الإعلام فإذا رضيت أجهزة الإعلام العالمية، وفي العالم الإسلامي أيضاً عن أشخاص أو شخص أبرزته بالصورة التي تجعل الناس ينظرون إليه على أنه شخصية لها قيمتها ومكانتها، وإذا سخطت عن شخص فإنها تكتفي بأن تتجاهله حتى لا يكاد يعرفه أحد، وهذه مصيبة تؤكد على غفلة المسلمين عن أجهزة الإعلام، وأهمية أن يوجد للمسلمين مشاركة حقيقية في هذه الأجهزة وأن يوجد لهم جهود إعلامية تضمن ظهور العلماء الحقيقيين واشتهارهم ووصولهم إلى الناس في كل مكان، بحيث لا يكون الناس تحت سيطرة ورحمة هذه الأجهزة المنحرفة، التي قد تظهر الأشخاص الذين يتميزون بما يمكن أن نسميه بمرونة وبمجاراة الناس في إعطاء أحكام ميسرة فيما يزعمون، وتناسب رغبات وأمزجة ومطالب أولئك القائمين على تلك الأجهزة والوسائل، وعلى العلماء -على كل حال- أن يقوموا بدورهم في إيضاح الحق بالوسيلة التي يستطيعون، والله عز وجل يقيض للحق من يقبله مهما كان هناك ضجيج وصراخ، ووسائل الباطل كثيرة، فإن ذلك الحق له جاذبية وله قوة، والقلوب تهفو إليه وتتطلع إليه مهما كان الإنسان أحياناً يحاول أن يتهرب منه.
الجواب: أما أن هذا كونه نفاقاً فلا أعتقد أن هذا نفاق ما دمت تدرك أن هذا خطأ وتعمل على التخلص من هذه المشكلة، ولكن هذا يدل على أنك تحس أنك في خطأ، ومن الطبيعي أن الإنسان المخطئ لا يحب أن يعرف الناس خطأه، ولا يشرع له أن يشهر خطأه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم {كل أمتي معافى إلا المجاهرين} فالذي يعمل العمل بالليل ويصبح يقول فعلت كذا وفعلت كذا، ارتكب جرماً مضاعفاً، ولذلك توعده النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يعافى في هذا الحديث، أما طريقة العلاج فصحبة هؤلاء الشباب أمرٌ طيب، وعليك أن تستعين بالقرآن الكريم، لأن القلب مثل الوعاء إذا ملأته بمادة طيبة أصبح غير قابل للمواد السيئة، وإذا ملأته بمادة سيئة فإنه غير قابل للأشياء الطيبة، ولذلك الإنسان الذي يتلذذ بالغناء ويكثر من سماعه ربما لا يجد لذة في القرآن الكريم، يقول الإمام ابن القيم:
حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلبٍ عبدٍ ليس يجتمعان |
وعلى الأخ أن يشغل قلبه بالقرآن الكريم ويكثر من سماعه وقراءته وترتيله وحفظه وتفسيره ويعوضه الله تبارك وتعالى عن هذه الأشياء الهابطة التي يسمعها.
الجواب: نعم، مر وقت من الأوقات كان كثير من الناس ينطلقون من الحماس فحسب، وكانت بضاعتهم غالباً تتراوح بين الكتب الفكرية مثل كتابات حسن البنا وسيد قطب وأبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي وغيرها من الكتب التي عنيت ببيان القضايا العامة في الإسلام والمناهج الكلية، وهذه الكتب أدت دوراً في وقت من الأوقات، ولا زالت تؤدي دوراً معيناً لبعض الناس، لكن الشاب الذي اهتدى وتوجه عليه أن يحرص على تكوين علم شرعي صحيح، بمعرفة حقيقية بالحديث، بالفقه، بالكتاب والسنة حتى لا تكون القضية مقصورة على مجرد الحماس، فكونه خطيباً متحدثاً هذا لا يعني أنه يتحول إلى عالم، يجب التمييز بين متحدث وبين من عنده علم، يمكن أن يكون الإنسان خطيباً مؤثراً ولا يكون فقيهاً، وقد يكون فقيهاً عالماً ولا يكون خطيباً فلابد من التفريق بين هذا وهذا.
الجواب: هذه الطريقة تنفع لا شك، لكن نفع هذه الطريقة لا يعني الاستغناء عن غيرها، هذه الطريقة قد تخاطب فئة من الناس، هناك ناس لا يحضرون إلى المساجد في المحاضرات، يحتاجون إلى وسائل، والمفروض أن يعمل أهل الإسلام على إيصال صوت الحق إلى كل ناحية، الشباب المتجه إلى الخير يأتي حين يعلم أن هناك محاضرة، لكن جمهور الناس يأتي إلى الخطبة فقط، وهناك طبقة من الناس قد لا تحضر حتى للخطبة، فكلما أمكن أن نوصل صوت الحق إلى كل طبقات الناس رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، فجاراً وفاسقين وصالحين، كلما أمكن أن نوصل صوت الحق إلى كافة الطبقات كان هذا هو المتعين علينا.
الجواب: هذا السبب يعود بلا شك إلى خطأ يرتكبه بعض الشباب وهو أنهم ينسون الطريقة المناسبة لمخاطبة من أمامهم، أحياناً قد يكون الشاب عنده علم ليس عند الكبير، فتجد هذا الشاب يخاطب الكبير بهذا العلم الذي عنده، كما يخاطب أحد زملائه، وهذا لا شك من عدم الفقه، لأن من الفهم والحكمة أن تعرف من تخاطب وما هو الأسلوب الصحيح الذي تخاطبه فيه.
ولذلك يذكر أن الحسن والحسين رأيا رجلاً كبيراً يخطئ في الوضوء، فما أحبا أن يقولا له: أخطأت في الوضوء، والصفة الصحيحة كذا وكذا، فقال له أحدهما: اختلفت أنا وأخي في الوضوء ونريد أن نتوضأ لتحكم لنا، فتوضأ الأول ثم توضأ الآخر فقال: أصبتما وأخطأت أنا.
بغض النظر القصة صحيحة أم لا المهم أنه بلا شك أن هناك وسائل كثيرة جداً، يستطيع الشاب أن يوصل فيها ما يريد إلى الكبار بأسلوب مناسب، فبدلاً من أن تقول الكلام من عندك لوالدك أو للرجل الكبير وتخبره بالحكم أو الطريقة هات كتاب من تأليف العالم الجليل فلان واقرأ عليه الكلام مرة ومرتين وثلاثاً، حتى يفهم أن هذا كلام ليس من عندك ولكنك أنت قرأته في هذا الكتاب عن هذا العالم فأوصلته إليه.
فتتلطف في تعليم هذا الإنسان، فإن رأيت أنه لا يقبل منك، يمكن أن توصي إنساناً آخر يكون أكثر قدرة على مخاطبة هذا الإنسان، لأنه ليس المقصود أن تفرض شخصيتك وكلامك على هذا الإنسان، المقصود الوصول إلى الحق فإن أمكن فبها وإن أمكن عن طريق غيرك فهو كذلك.
الجواب: من أعظم الوسائل: التتلمذ، أن تختار لك الشيخ الذي تطمئن إلى علمه وفهمه وفقهه، وصلاحه وعقيدته واستقامته، وكذلك اختيار الكتاب الذي تقرأه، وكذلك من أهم الوسائل: مراجعة الإنسان لسيرته بين الحين والحين ارجع إلى الوراء وفكر في أعمالك وخطواتك والأوضاع التي أنت عليها، والتصرفات التي قمت بها، اعمل تنقية من جديد حتى تستطيع أن تكتشف الخطأ بنفسك، إضافة إلى مسألة المناصحة التي مرت الإشارة إليها.
الجواب: لا شك أن الغاية والوسيلة، فكما أن الغاية شريفة لابد أن تكون الوسيلة إلى هذه الغاية شريفة، وكون هناك طبقة من الشباب اليوم تجد الواحد منهم يحلق لحيته أو يخففها مثلاً ويطيل ثوبه ويتظاهر بأنه غير متمسك بالإسلام من أجل أن يصل إلى بعض الناس، فهذا نوع من التنازل غير حميد، وإذا كنت تريد أن تدعو هؤلاء الناس، فمن غير المعقول أنك ستدعوهم يوماً من الأيام إلى هذه الواجبات الشرعية وأنت مقصرٌ فيها.
إضافة إلى أننا وجدنا من يتحججون بهذه الحجة، وجدنا أنهم في الواقع ما استطاعوا أن يصلوا إلى شيء، في الوقت الذي كان الذي يتمسك بالإسلام كله جملة وتفصيلاً ولا يتنازل عن شيء منه في قضاياه وأموره الشخصية وغيرها؛ وجدنا أنهم هم الذين استطاعوا فعلاً أن يوصلوا الإسلام إلى الناس في أفعالهم وأقوالهم وشخصياتهم، فالإنسان الجاد في أمر تجده جاداً في كل أمر، جاد في تطبيق الإسلام في نفسه وفي بيته وفي مجتمعه، والإنسان الذي يكون متسامحاً ويبحث عن الرخص والمعاذير، وعن المسوغات التي يتحجج بها لترك أمر الله ورسوله تجد أنه لم يقم بشيء يذكر؛ لا في نفسه ولا في بيته ولا في مجتمعه، فحين تأتي إلى بيت هذا الإنسان تجد فيه منكرات كثيرة لم يغيرها من سنين، تجد في مدرسته أو في مجتمعه ما أحدث أي تغيير، فالقضية أحياناً مجرد مسوغ يلقي به هذا الشاب حتى يتخلص من العتاب الذي يمكن أن يوجه إليه، وهناك فرق لا شك بين هذا وبين التدرج في إنكار المنكر بضمان زوال منكرٍ قائمٍ موجود.
ويحرص على أن يكون في خلوته مع الله عز وجل في اتقاء المنكرات والصدق والإخلاص بالمنـزلة، الرفيعة والداعية عليه أن يدرك أن هذه ضمانة لاستمراره، لأن الإنسان الذي تظاهر بشيء وهو على خلافه لا يمكن أن يستمر، لكن ينبغي أن نفرق أيضاً بين هذا وبين كون الداعية أحياناً يدعو إلى أمر من الأمور ويعمل على إصلاحه، وربما يكون في داخله تقصير لا يعلمه الناس، هذا التقصير لا يجوز أن يمنعه من الجهاد في الواقع، بمعنى أن الإنسان الواقع في المنكر يجب عليه أن ينكر حتى هذا المنكر الذي هو واقع فيه، والإنسان التارك للمعروف يجب أن يأمر حتى بهذا المعروف الذي تركه، وإلا غير معقول أنه نكون كما يقال: (حشفاً وسوء كيلة) ما دام أنت واقع في منكر لا تنهى عنه، ومادام أنت تارك للمعروف لا تأمر به، هذا غير معقول، بل يجب حتى على من يقع في المنكر أن ينهى عنه، ولذلك قال بعض الأصوليين: واجب على من يتعاطى الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضاً.
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنبٌ فمن يعظ العاصين بعد محمدِ |
لكن الأكمل والأمر الذي يجعل الناس يتقبلون منك هو أن تكون أنت أول الممتثلين، ولذلك كان منهج الأنبياء وهديهم كما قال شعيب عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88].
الحديث في هذه المسألة يطول كما سبق وأن أشرت إليه في أكثر من مناسبة.
الجواب: شروط من يريد الدعوة إلى الله عز وجل في هذه الأيام، أولاً: أن يكون عالماً بما يدعو إليه، لئلا يدعو إلى خطأ يظنه صواباً، وهو خطأ، أو بدعة يظنها سنةً.
الأمر الثاني: أن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة والأسلوب المناسب، بحيث يستطيع أنه يحقق بدعوته المصلحة المرجوة من خلال هذه الدعوة.
الجواب: كلا لا تطعه، فالدعوة إلى الله عز وجل واجب، وليس من حق أبيك أو غيرك أن يلغي هذا الواجب عنك، ولكن لا يعني هذا أيضاً أن تخاطب والدك بأن تقول: سوف أعصيك وآمر شئت أم أبيت أو ما شابه ذلك، تلطف مع والدك ودم على ما أنت عليه بواجب الدعوة.
الجواب: لا يجوز لك الذهاب إلى أفغانستان، إلا بإذن ورضاء والديك.
الجواب: هؤلاء الشباب وضعوا أقدامهم في بداية الطريق ونقول: هنيئاً لكم ما خصكم الله تعالى به، وما قادكم إليه من هذا الخير، ونقول لهم: إن هذه البداية تحتاج إلى أن تواصلوا السير في هذا الطريق الذي بدأتموه، إنكم أيها الشباب لا تستطيعون أن تسيروا بمفردكم إلا أن تحاولوا أن تبحثوا عن إخوة لكم تصطفونهم كأصدقاء يعينونكم على متاعب هذا الطريق.
فإن الإنسان إذا كان مفرداً قد يتخطفه الشيطان، إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش مفرداً، بل لا بد له من أصدقاء، ولذلك فعليه أن يبحث عن الأصدقاء الصالحين الذين يعينونه على هذا الطريق ويثبتونه عليه.
الجواب: عليك بوعظ والدك، وسعة البال معه وطول النفس، تلطف مع الوالد ومع ذلك ناقشه في بعض الأشياء التي يقولها، إذا تحدث عن بعض المظاهر الطيبة عند إخوانك الطيبين، ذكره بأن هذه سنن مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن حصل منه تقصير فيها فعسى الله أن يهديه ليقوم بتلافيها، وحاول أن لا تستفزه أو تستثيره بحيث أنه ربما يخرج منه كلمات تكون قاسية وشديدة، وربما تكون سبباً في خروجه من الإسلام كما يقع لبعض الشباب الذين يحاولون أن يصادموا أهاليهم أو غيرهم مما يسمعون من كلمات؛ فيكون نتيجة الصدام أنهم يجرون هذا الإنسان ويستفزونه بالوقوع في كلمات نابية وخطيرة، حاول أن تتلطف في الموقف، تتحدث بهدوء، لا تنفعل، وكذلك فيما يتعلق بالبدع التي تنقلها عنه تبين له وجه الحق فيها بقدر ما تستطيع بنفسك أو بغيرك إن استطعت.
الجواب: أولاً هذه فضيلة كبيرة -نسأل الله عز وجل أن يكتبها في ميزان حسناتك وحسناتها- فإن من تمنى الشهادة قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح {من سأل الله الشهادة صادقاً بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} أما فيما يتعلق بمسألة أطفالكم ومسألة الذهاب إلى أفغانستان فأرى أن تبقى أنت وزوجتك وأطفالكم وأن تحرص على بناء البيت المسلم، وعلى تربية هؤلاء الأطفال لعله أن يخرج من بينهم من يجدد لنا سيرة خالد بن الوليد والقعقاع والنعمان بن مقرن وصلاح الدين وغيرهم من أبطال الإسلام، أو سير العلماء الذين جددوا لهذه الأمة أمر دينها في مجال العلم والتعليم، وإذا استطعتما أن تصلا أمر المجاهدين بوسيلة ما فعليكما بذلك.
فمثلاً دعم المجاهدين بالأمور المالية كأن تعطيهما شيئاً من راتبك أو من راتب زوجتك مثلاً، الدعاء للمجاهدين بالنصر والتمكين، محاولة الدفاع عن المجاهدين وعن قضاياهم، وتبني قضيتهم من الناحية الإعلامية، إلى غير ذلك من الوسائل الممكنة حتى المناصحة، مراسلتهم ومناصحتهم بجمع الكلمة والوحدة وتجنب المعصية، وغير ذلك من الأمور التي لا شك أن كل مجاهد بحاجة إليها.
وإذا استطعت أن تذهب بين حينٍ وآخر للجهاد لمساعدتهم فافعل فربما يرزقك الله الشهادة.
الجواب: كلها أفضل، فالمذاهب الأربعة هي مذاهب إسلامية أئمتها متبعون، لكن الحق ليس محصوراً في مذهب من هذه المذاهب، وليس هناك واحد أفضل من الآخر بحيث نقول الشافعي أفضل من أبي حنيفة، أو مالك أفضل من أحمد، ولكن هناك مسائل الحق فيها مثلاً مع هذا المذهب، ومسائل أخرى الحق مع مذهبٍ آخر بحيث أن الحق ليس محصوراً في واحد من هذه المذاهب، ومن قال: إن الحق منحصر في مذهب من هذه المذاهب فهو مبتدع وضال وقال بقولٍ لم يسبق إليه، فالحق إن أجمع العلماء على أمر فالحق معهم لا شك، وإن اختلفوا فالحق مشاع بينهم، بمعنى أن هناك مسائل الحق فيها مع أبي حنيفة، وأخرى الحق فيها مع مالك، وأخرى الحق فيها مع الشافعي، ورابعة الحق فيها مع أحمد هذا إذا اختلفوا، وإذا اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أمر فإجماعهم حجة كما سلف.
فليس الحق محصوراً في واحد منهم دون آخر، وكل إنسان متمذهب بمذهب لا نقول له بالضرورة أن تترك مذهباً وتنتقل إلى مذهب آخر، لكن نقول له: لا تتعصب لهذا المذهب، فإذا علمت أن الحق في غير المذهب في مسألة من المسائل فيجب عليك أن تنصاع لهذا الحق ولو كان خلاف مذهبك.
الجواب: عذر أقبح من فعل.
السؤال الثاني: وقد وجه لنا الدعوة للحضور في زواجه ما هو الحل مع هذا الجار، وأنا أصبحت أقاطعه لا أسلم عليه لأنني حاولت معه بكل الطرق، فهل عليَّ حرام في هذا؟ وهل ألبي الدعوة جزاك الله خيراً؟
الجواب: أنت ذكرت أنه لا يصلي في المسجد وقد نصحته ووعد أنه سوف يصلي إذا تزوج، ومعنى ذلك أن هذا الإنسان قد يصلي في البيت، فالذي أراه أن لا تقاطع هذا الإنسان، وأن تسلم عليه، وأن تحرص على الجلوس معه أحياناً، فلا زال هناك إمكانية في استجابته، والواقع فعلاً أن بعض الناس بعد أن يتزوج تتغير أوضاعه، خاصة إذا وفق بامرأة فيها خير وفيها صلاح، ولذلك فإنه لربما تكون عوناً له على نفسه لو تلطفت معه، وحاولت أن تناصحه، ولا تيأس منه، لأنه ما دام أن هجره لا يفيد فيه، وربما يكون استمرار الصلة معه يدعوه مع طول الزمن إلى الحياء، وإلى قبول ما تقول، والاستجابة لك، فأنا أرى استمرار الصلة معه مع استمرار النصيحة خيرٌ من تركه وهجره ما دام أنه لم يثبت لديك أن هذا الإنسان تارك للصلاة بالكلية.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر