إسلام ويب

فضائل آخر الزمانللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأمر يختلف من زمان إلى آخر، وكما يكون الناس يولى عليهم، ولا ينبغي إلغاء اللوم على الزمان عند حصول مالا يحمد ولا سبه، علماً أن هناك مميزات لهذه الأمة في كل تاريخها، وأنها لا تخلو من الصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أيها الأحبة.. عنوان هذه الكلمة هو: (فضائل آخر الزمان) ولعل الكثيرين منا لم يسمعوا عن آخر الزمان إلا الذم والعيب، حتى صارت هذه الكلمة عذراً كبيراً لتقبل وتسويغ كل الأخطاء والمخالفات، والقعود عن أداء الواجبات، فحسبنا أننا في آخر الزمان، ولعل سامعاً يسمع هذا العنوان، فيقلب رأسه يمنة ويسرة، ويقول: الله المستعان! هذه من موضوعات آخر الزمان.

    من أشراط الساعة (رفع العِلْم

    نعم.. نحن نفرق -ولا شك- بين زمان وزمان، فالزمان مختلف، وكلما بعد العهد بالناس، وطال الأمد قست القلوب، ورفع العلم ووضع الجهل، وضعفت أنوار النبوة، ويكفيك حديث أنس المتفق عليه في صحيح البخاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو أو يظهر الزنا} وقوله عليه الصلاة والسلام: {أن يرفع العلم} تحتمل معنيين:

    المعنى الأول: أن يكون بمعنى: قبض أهل العلم، وموت العلماء، حتى لا يبقى في الأرض عالم، وحتى يقل بين الناس نشر العلم وتداوله.. وهذا هو المعنى الأقرب، بل لعله المعنى الصحيح، ولذلك جاء في رواية أخرى، في الحديث نفسه: {أن يقل العلم} بدل من قوله: {أن يرفع العلم} ويؤيده قوله -أيضاً-: ويظهر الجهل، فكلما رفع العلم وزال حل الجهل محله.

    وهناك معنى آخر للحديث: أن يكون المقصود برفع العلم: (رفع مكانة أهله)، وأن يعظم حملته، وأن يعلى قدرهم، وما ذلك -أيضاً- إلا لقلتهم وندرتهم بين الناس.. فإن الناس كلما قل العلم والعلماء، احتاجوا إلى من يكون في المرتبة الثانية أو الثالثة.

    ولهذا جاء بعض الشباب إلى بعض السلف يسألونه، فقام فزعاً ينفض ثوبه، ويقول: احتيج إلي، احتيج إلي، إن زماناً يحتاج إلي فيه لزمان سوء.

    وقال آخر يعاتب نفسه ويخاطبها:

    وما سدت فيهم أن فضلك عمهم     ولكن الحظ في الناس يقسم

    يعني: ما كان سؤددك لفضلك، وإنما لقلة وندرة العلماء العاملين والدعاة والمصلحين.. فهذا -أيضاً- معنىً محتمل، وكلا المعنيين يعودان إلى الإشارة إلى قلة العلم وندرته في آخر الزمان، وقبل قيام الساعة.

    تفاوت مستوى التكاليف بحسب الزمان والمكان

    إذاً: نحن لا نجادل أن الزمان يختلف، وأن الأمر يتفاوت بين عصرٍ وآخر، ولذلك فليس صحيحاً أن نطالب المسلم في هذا القرن بنفس مستوى المطالبة التي كانت في القرون المفضلة التي شهد النبي صلى الله عليه وسلم بخيريتها، ولا أن يطالب المسلم في جوار البيت العتيق، وفي عواصم العالم وحواضره بمثل ما يطالب به المسلم في جمهوريات الاتحاد السوفيتي -مثلاً- أو في يوغسلافيا، أو في مجاهل أفريقيا حيث يقل العلم، ويقل الكتاب، وتندر مجالس الذكر، ولا يكاد الناس يقفون من ذلك على جلية من الأمر أو بينة؛ فإن الحساب في الدار الآخرة يكون بقدر ما أعطاك الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق:7]. وقال عز وجل في الآية الأخرى: لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [المائدة:48].

    فالغني الذي أعطاه الله تعالى مقاليد المال، ليس المطلوب منه في العطاء كالمطلوب من الفقير الذي لا يملك إلا قوت يومه وليلته.. وهكذا العلم في شأن العالم، فالعالم غزير العلم يطالب بما لا يطالب به طويلب العلم، وطويلب العلم يطالب بما لا يطالب به العاميون من الناس، وهكذا الأمر بالنسبة للمجتمع أو المجموعة أو الأمة، وإن شئت فقل: إن الأمر الذي يطالب به الناس في القرون التي كثر فيها العلم والعلماء، وذاع واشتهر وشاع، ليس كالزمان الذي تقلص فيه العلم وقل حملته ودعاته، لكن مع هذا، ومع اعترافنا بالتفاوت بين هذا العصر وغيره من العصور، وبين مكان ومكان، إلا أن ذم الزمان وعيبه، لا يجوز أن يكون تكئة للقعود وترك العمل، ونشر العلم والدعوة والجهاد في سبيل الله تعالى، هذه مسألة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088952265

    عدد مرات الحفظ

    780100338