أمـا بعـد:
تمخض قسم الاجتماع في فرع الجامعة بـالقصيم عن إنتاج فذ من الثقافة الإسلامية، وهي إطلالة عن تلك الثقافة الإسلامية، وحاول أن يفتح بينها وبين الشباب من أجل الإفادة من هذه الثقافة، فالمسئولون في قسم الاجتماع أقـاموا محاضرة بعنوان لقاء مفتوح مع فضيلة الشيخ: سلمان بن فهد العـودة.
فليتفضل فضيلة الشيخ : سلمان وجزاه الله خيراً.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه الأمسية هي -كما قرأتم وسمعتم- لقاء مفتوح للمناقشة والمباحثة حول ما يدور في أذهان الشباب، ولذلك فإنني أقول: إذا كان عند أحد من الإخوة سؤال سواء كان شفهياً أو مكتوباً، فليتحفنا به في هذا الوقت، فإذا كانت الإجابة حاضرة أجبته، وإلا ففي العذر متسع وكما يقال: لا أدري نصف العلم.
أيها الإخوة: وقد خمرت في ذهني كلمة عابرة وسريعة، حول موضوع مهم في جامعاتنا الإسلامية اليوم، وهو الحديث عمَّا يسمى أو ما يدخل تحت مسمى العلوم الإنسانية، كعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها من العلوم المتعلقة بدراسة الإنسان، فرداً كان أو جماعة، ومدى أهمية هذه العلوم.
فإنني أسمع من بعض المتحدثين والمفكرين من ينظرون إلى هذه العلوم نظرة فيها كثير من التشاؤم، ويصنفون هذه العلوم في عداد تلك العلوم التي نشأت ووظفت لهدم الإسلام، وأنها علوم طبيعتها منافية لهذا الدين، فينظرون إلى علم النفس مثلاً، أو علم الاجتماع، أو علم الاقتصاد، أو أي علم من هذه العلوم، ربما ينظرون إليه على أنه كالسحر، علم لا يمكن أن يستفاد منه بصفة إسلامية، أو ينظرون إليه كعلم الكلام الذي هدم جزءاً كبيراً من العقيدة الإسلامية في أذهان كثير من المفكرين المسلمين، ولذلك يسيئون الظن به وبحملته، ويحذرون من تعلمه وتعليمه، وقد سمعت هذا في بعض المحاضرات.
وفي نظري أن هذا المفهوم غير سليم؛ لأن هذه العلوم هي أشبه بالظروف القابلة لأن تعبأ بتصورات إسلامية أو بتصورات منحرفة، ويمكن أن يستفيد المسلم من دراسة هذه العلوم وبنائها على أسس إسلامية وأن يفيد المجتمعات الأخرى. نجد -مثلاً- أن الإسلام قدم نظرة متكاملة عن الإنسان، وما أكثر ما تجد في القرآن الكريم من إشارات تتحدث عن طبيعة الإنسان وحالته ونفسيته في كل الظروف، وعن طبيعة المجتمعات وسننها ونواميسها التي ركبها الله تعالى فيها، كما تتحدث عن النواميس الكونية، من طلوع الشمس وغروبها، وعن غير ذلك من الأحداث والسنن القائمة المستمرة.
ونجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في حياته وسيرته ودعوته، يراعي هذه الأشياء في تربية أصحابه وبنائهم، ومعاملة الناس كأفراد ومجتمعات، ثم حين دونت العلوم الإسلامية نال علم الاجتماع حظاً من التدوين، حيث كان هناك ومضات متفرقة عند كثير من المؤرخين والكُتَّاب، ثم تبلور هذا العلم على يدي ابن خلدون في مقدمة كتابه: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أخبار العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، فقد وضع لهذا الكتاب مقدمة فذة، تعرف اليوم بـمقدمة ابن خلدون، وتكلم فيها عن أنظمة ونواميس العمران البشري، وتحدث عن قضايا متعددة في علم الاجتماع، بل صرح في تلك المقدمة بأن هذه الأمور تعتبر -في نظره- علماً مستقلاً، له أصوله وقواعده وأهدافه وغاياته وموضوعه، كسائر العلو م الأخرى.
وقال: إنني لم أجد من تكلم عليه من قبلي، ولا أدري هل هذا ذهول من الناس ولا أظنه، ولكن ربما قد تحدث غيري عن هذا الموضوع ولم يصل إليّ.
هذا مؤدى كلام ابن خلدون، فلم يكن وقوعه على علم الاجتماع صدفة، أو فلتة غير مقصودة، بل كان أمراً مقصوداً تحدث عنه بصراحة.
وحين ابتلي المسلمون في هذا العصر بإنتاج الحضارة الغربية، وما تحمله من نظريات ومذاهب وتحليلات بشأن الفرد والمجتمع، بلي المسلمون بنظريات عديدة فيما يتعلق بالإنسان وتفسير الإنسان، منها: نظرية داروين ونظريات فرويد ودور كايم وماركس، وغيرها من النظريات التي تنظر إلى الإنسان نظرة منحرفة من جهة، وهكذا الحضارة الغربية كلها تنظر إلى الإنسان من جهة على أنه حيوان، وتلغي الروح والخلق والتسامي في الإنسان، فإذا حللت الإنسان حللته على أنه حيوان.
وقد يهتمون -مثلاً- بتشريح الإنسان جثةً، وتحليل منطلقات الإنسان تحليلاً حيوانياً، وإشباع رغبات الإنسان إشباعاً حيوانياً، لكن أغفلوا جانب الروح وجانب الفكر وجانب السمو في الإنسان، هذا لا وجود له عندهم، وقد ينظرون إلى الإنسان من جهة أخرى على أنه مسير كالآلة.
وينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه خلق بصفة معينة، وله خصائص معينة لا يمكن أن يغادرها، وهي مقتضى إنسانيته، في مقابل أن أمامه مجالات رحبة للارتفاع، ولذلك -مثلاً- في الوقت الذي يذكر الله تبارك وتعالى فيه في القرآن الكريم صفات الإنسان وخصائصه، يبين الله عز وجل في القرآن، وكذلك يبين الرسول عليه الصلاة والسلام في السنة أن أمام الإنسان مجالات واسعة للارتفاع والإشراق، حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة مائة درجة، بين كل درجة وأخرى كما بين السماء والأرض} هذه الدرجات بحسب إشراق الإنسان، وارتفاعه وإيمانه وأعماله الصالحة.
هذه هي نظرة الإسلام للإنسان، في حين أن تلك النظريات تخضع الإنسان لعوامل التطور بلا حدود، كما تخضع جميع الكائنات الأخرى، وهذه النظرية نظرية التطور التي يطبقونها على كل شيء، أصبحوا يطبقونها على الإنسان دون تمييز، إضافة إلى أنهم ينظرون إلى الإنسان باعتباره حيواناً ولا يميزونه عن غيره، وقد يجرون دراسات على القردة مثلاً، ويعتبرون أن هذه الدراسات قد تكون منطبقة على الإنسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى.
فنحن ننظر باعتبارنا مسلمين إلى الإسلام على أنه مميز على جميع المخلوقات الأخرى، من الحيوانات وما شاكلها، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] ولست أقصد الآن الدخول في التمييز بين الإنسان والملائكة، فهذا مبحث آخر.
لكن أقول: إن الإنسان في الإسلام كائن له قيمته وتميزه وسيادته في هذا الكون، الذي خلقة الله تعالى وسخره للإنسان، فالنظرة إلى الإنسان على أنه حيوان أو على أنه آلة مسيرة، نظرة تنحط بالإنسان عن وضعه الطبيعي الذي وضعه الله تعالى فيه.
وكثير من الجامعات الإسلامية تدرس الآن علم الاجتماع كما عرضه دور كايم الفرنسي، أو غيره من علماء الاجتماع الغربيين، وتغفل النظرة الإسلامية للإنسان وللمجتمع، ومهمة الباحث المسلم ليس أن يتلقى ما كتبه الغربيون بروح المهزوم، الذي يعتبر أنهم وصلوا إلى النهاية، وأنه مجرد مترجم لأفكارهم، بل مهمته أن يصوغ علم اجتماع إسلامي وعلم نفس إسلامي وعلم اقتصاد إسلامي من واقع القرآن والسنة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتابات العلماء السابقين المتفرقة، الموجودة كما أسلفت في بعض الكتب التاريخية، وفي بعض الكتب الحديثية، وفي بعض الدراسات الدعوية، وهناك كتب مستقلة مصنفة في هذا الباب منذ القدم، وفي بعض الكتب الأدبية التي تحدثت عن جوانب معينة من الإنسان.
هذه إشارة عابرة حول موضوع علم الاجتماع، والواجب الذي يتحمله الدارس في هذا العلم، وأترك المجال للأسئلة، سواء كانت مكتوبة أم شفهية.
.
الجواب: أقول في رأيي الخاص، إن علم الاجتماع والتربية وعلم النفس، من العلوم التي غزي المسلمون فيها اليوم، بسبب أنها علوم ترجمت ونقلت إلى المسلمين، وتشبع بها كثير ممن كتبوا في هذه العلوم في البداية، ولذلك فالحاجة ماسة إلى وجود الكاتب المسلم، الذي يصوغ هذه العلوم صياغةً إسلامية، ويبعد عنها لوثات الفلسفة والتصورات المنحرفة التي أدخلها إليها العلماء الغربيون.
لكن ينبغي أن نلاحظ -أيضاً- أن مستويات الناس تتفاوت، فهناك إنسان يحس بأن لديه إمكانية واهتماماً وجودةً، بحيث يستطيع أن يفهم جيداً، وينقد جيداً ويكتب أيضاً، فيثري المكتبة الإسلامية بالكتب النافعة في هذا الباب، ولا شك في أنَّ هناك كتباً موجودة الآن، لكن المكتبة الإسلامية تحتاج إلى المزيد.
هناك كتاب اسمه:المدخل إلى علم الاجتماع الإسلامي، وهناك كتاب آخر اسمه: علم الاجتماع الديني، وهناك عدد ليس كثيراً من الكتب في هذا الموضوع، فإذا كان الإنسان يجد في نفسه الكفاءة في النقد البَنَّاء والتأليف، فإن عمل الإنسان في مثل هذا الميدان يعتبر من الجهاد في رأيي، الذي ينبغي أن ينذر الإنسان فيه نفسه، سواءً كان طالباً أم أستاذاً أم غير ذلك.
أما إذا كان الطالب عادياً في كفاءته وجودته، فهو نافع في الميدان الذي يعمل فيه، في الوظائف والمجالات المحددة في مجال علم الاجتماع، يخدم الطلاب -مثلاً- من خلال التعرف على مشكلاتهم وحل ما يواجهونه، ومعرفة أسباب الانحراف ومعالجتها، إلى غير ذلك.
وكيف نرد على من يقول: إن المجتمع السعودي مجتمع وهابي؟
الجواب: السؤال فيه أكثر من نقطة:
النقطة الأولى: موقف بعض الدارسين في المجالات الشرعية من هذه العلوم، وقد أومأت في حديثي السابق إلى شيء من ذلك، فأنا أسمع من بعض الدعاة، وبعض الشيوخ، من قد ينتقد هذا العلم نقداً إجمالياً، حتى أن منهم من يصم من يَدْرُسون أو يُدَرِّسُون بوصمات لا يوافًق عليها، وينظر إلى هذا العلم على أنه علم يخدم أهداف اليهود، باعتبار أن جوسكوند ودور كايم وغيرهم ممن يحسبون على طائفة معينة، ولكن الذي أراه أنا أن هذه العلوم وإن كان واقعها الآن واقعاً مراً، وهذا يجب أن نعترف به، لأن كثيراً من كتبها ودراساتها حتى في الجامعات العربية مترجمة كأفكار، ولا زال الميدان فسيحاً واسعاً أمام الدراسات الإسلامية الأصلية، ولا شك أن الإنسان قد يكون عالماً في مجال وهو في نفس الوقت أمي في مجال آخر، وحتى نكون واقعيين وعمليين، قد تجد إنساناً متخصصاً في أي علم من العلوم أو في التاريخ أو في الاجتماع أو في الاقتصاد أو في السياسة أو في أي علم، ولو جئته في المجالات الشرعية وهي مجالات ينبغي أن يهتم بها كل إنسان، قد لا تجد لديه الكفاية في مجال العلوم الشرعية، على الأقل فيما يحتاجه هو ومن حوله في تقديم هذا العلم الذي يملكه؛ بحيث يقدمه بصورة إسلامية.
ونفس الوضع قد يوجد لدى بعض الدارسين في المجالات الشرعية، فقد تجده عالماً أو متخصصاً في الحديث أو الفقه، أو التفسير، لكن معلوماته عن هذه العلوم الأخرى ليست كما ينبغي، ولذلك قد يكون حكمه عليها ليس حكم الدارس الفاحص المدقق، بل حكماً ربما يكون حكماً مزاجياً أو حكماً عاطفياً، والناس بصفة عامة قد يعذرون في هذا، لأنهم يحكمون على الواقع.
وإذا كان واقع كثير من هذه العلوم كما هو معروف، فإن دورنا -في نظري- يتركز في أمرين:
الأمر الأول: إرساء قواعد علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم التربية وعلم الاقتصاد وغيرها، على أسس إسلامية، بحيث نقدم للناس بديلاً صالحاً في هذه العلوم، يقوم على الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، حتى نقنع الناس إقناعاً عملياً بأن كل هذه العلوم يمكن أن تصاغ بصورة إسلامية، وتخدم الإسلام وتخدم الدعوة إلى الله عز وجل.
الأمر الثاني: توعية الناس بأن هذه العلوم قابلة لأن تصاغ صياغة إسلامية، وأن هذه العلوم في أصلها يمكن أن نقول عنها: إنها علوم محايدة، لكن يكتب فيها -مثلاً- عالم يهودي، فيفرز وينقش فيها تعاليم التلمود، وأهداف اليهود، ويكتب فيها عالم مسلم فيستطيع أن يصوغها بصورة إسلامية، ويستدل لها من القرآن والسنة.
من المعلوم أن المقصود بهذه الكلمة أنها تنسب إلى الإمام الداعية المجدد الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب، ولا شك أن آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذه الجزيرة ظاهرة وباقية إلى اليوم في مجالات عديدة، في مجال تجريد الاعتقاد وتصحيحه، فإننا نعلم أن كثيراً من البلاد الإسلامية بل وهذه الجزيرة نفسها قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هذه الجزيرة كغيرها كانت تشيع فيها ألوان الوثنية إلى حد أنهم كانوا يطوفون بالقبور، ويصلون لها، ويسألون المقبورين كشف الضر وجلب النفع! وربما قد يبطئ عن المرأة الزواج فتذهب إلى قبر فتطلب منه زوجاً، وإذا مرض الإنسان فقد يتردد على هذه العتبات وهذه البقاع، إلى غير ذلك مما هو موجود اليوم في كثير من البلاد الإسلامية، إضافة إلى أنواع أخرى من الشرك، كشرك التصورات والشرك في الألفاظ.
فلما قامت دعوة الشيخ كانت تهدف إلى تجريد العقيدة وتصحيحها، وإبعاد ألوان الشرك عن المجتمع، وقد نجح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، في نشر دعوته، ليس في الجزيرة فحسب، بل كانت أصداء دعوته تنتقل إلى الهند والسودان ونيجيريا والعراق، وإلى كثير من بلاد العالم، والآثار التي تركها الشيخ في تلك البلاد معروفة، ولا زال أهل هذه البلاد يتمتعون بحساسية قوية -ولله الحمد- ضد كل ما يخدش العقيدة، سواءً مما كان يؤثر في صلب العقيدة وينافيها بالكلية، أو ما كان ينافي كمالها ويخدش صفاءها ونقاءها، وهذه خاصية لا شك إيجابية.
ومن الآثار التي لا زال المجتمع يتمتع بها بدعوة الشيخ: حماية البيئة والمجتمع من الانحرافات السلوكية، وتقويم أخلاق الناس على وفق أخلاق القرآن والسنة، ولا يعني هذا أن أخلاق الناس أخلاق صحابة، لكن أقول: كل من زار هذا المجتمع أو عاش فيه، ثم زار غيره من المجتمعات الأخرى، يحس أن هناك فرقاً واضحاً.
صحيح أن التأثيرات موجودة في كل مكان، والانحرافات موجودة في كل مجتمع، ولكن يبقى أن التميز موجود ولو بنسبه معينة، فأنت إذا كنت تقول: إن الانحراف موجود في مجتمع ما بنسبة (60%)، فقد تقول: إنه موجود في المجتمع الآخر بنسبة (50%) أو (40%)، وليس المقصود التفضيل المطلق، لكن المقصود أن هناك نوعاً من الأفضلية. فهذه من آثار دعوة الشيخ.
فإذا كان هذا هو القصد من وصف هذا المجتمع بأنه وهابي فالمعنى صحيح، ولكن الاستعمال غير سليم، لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يأتِ بدعوة من كسبه الخاص أو من جيبه، وإنما كان دوره هو دور أي عالم، أو مجدد، أو مصلح. مجرد أنه نفض الغبار عن التعاليم الحقيقية للإسلام، اقرأ -مثلاً- كتاب التوحيد لـمحمد بن عبد الوهاب، انظر إلى أي حد تدخل الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذا الكتاب، فإنك تعجب فعلاً: كل ما جاء به الشيخ رحمه الله أنه يضع ترجمة عنوان الباب، ثم يسوق آيات وأحاديث ثم يقول: فيه مسائل، ويعطيك الفوائد المستخرجة من الآيات والأحاديث.
ولذلك يفهم هذا الكتاب العالم والعامي والمجتهد والمقلد، والناس على اختلاف طبقاتهم، وتحس أن الشيخ رحمه الله لم يكن له تعاليم خاصة يريد أن يحوز الناس إليها، كل ما كان يهدف إليه أن يربط الناس بتعاليم القرآن والسنة، ولذلك كان يدعو إلى الاجتهاد وترك التقليد الأعمى، وربط الناس بالنصوص الشرعية، وهذا مدار دعوته، وهو ظاهر تراثه وتراث أبنائه وأحفاده وتلاميذه، ومن جاء بعده من حملة هذه الدعوة.
فتسمية مجتمع بأنه مجتمع وهابي، غير سليم لأننا نقول: لماذا تنسبه إلى هذا الداعية أو هذا المصلح؟!
فهو مجتمع يحاول أن يعود إلى الإسلام.
أما إن كان القصد من إطلاق هذه الكلمة على المجتمع الوهابي، أنه مجتمع متعصب لأشياء معينة فلا أحسب أنه كذلك، ولا يظهر هذا في هذا المجتمع، لا اليوم ولا قبل اليوم، بل إننا نجد أن هذا المجتمع يتقبل الأفكار الصحيحة، يتقبل أي إنتاج صحيح، ويتقبل العلم الصحيح، سواء في مجال الصناعة، أو في مجالات العلوم النظرية أو غيرها، ولكن ينبغي أن نكون واقعيين حين ننظر إلى إي مجتمع من المجتمعات.
فالمجتمع يوجد فيه أشخاص يمكن أن يحسبوا أنهم من عامة الناس، وقد لا تكون نظراتهم وتصوراتهم معبرةً عن حقيقة الدعوة، إلى الإسلام نفسه كم ينتسب إلى هذا الإسلام من أناس، وينسبون إليه من الآراء والأقوال ما ليس منه! فنحن يجب أن ننظر إلى حقيقة الدعوة، وإلى تراث الدعوة، وإلى رجال الدعوة الأصليين، الذين مثلوها حق التمثيل.
الجواب: صحيح أن كتب أبي حامد الغزالي، بل شخصية أبي حامد الغزالي مثار لجدل كبير في القديم والحديث، والكلام فيها في القديم معروف، وفي الحديث أذكر مثلاً أنني قرأت كتاباً عنأبي حامد الغزالي والتصوف وهو كتاب ضخم، حط فيه الكاتب من قدر أبي حامد الغزالي، وبين مثالب عظيمة عليه، وبالمقابل اطلعت على بحث آخر للدكتور يوسف القرضاوي حول أبي حامد الغزالي وشخصيته، وقد حاول المؤلف أن ينصف أبا حامد الغزالي من وجهة نظره الخاصة بطبيعة الحال، أما رأيي الخاص في كتب أبي حامد الغزالي، فإن كتب أبي حامد الغزالي فيها الغث والسمين، فإنه قد قرأ الفلسفة وتأثر بها تأثراً كبيراً، وإن كان ألف كتابتهافت الفلاسفة، لكنه كما يقول عنه أبو بكر بن العربي: إنه ابتلع الفلسفة ولم يستطع أن يتقيأها. فهو في نظري كشأن محمد إقبال الذي درس في أوروبا ودرس العلوم الغربية ثم جاء وقال: إنني قد خرجت من تلك العلوم كما خرج إبراهيم من نار النمرود. وهذا التشبيه غير صحيح، فإنك تجد في تراث محمد إقبال، وخاصة كتاب:تجديد الفكر الديني في الإسلام، الذي ترجمه عباس محمود العقاد؛ تجد فيه انحرافاً كثيراً في التصور العقدي عند محمد إقبال، وقل مثل ذلك في عدد من كتبه الأخرى. وأبو حامد تأثر بالفلسفة، وهذا أمر ظاهر في تراثه.
هناك أمر آخر هو أن أبا حامد الغزالي التزم بالعقيدة الأشعرية وكتبها في كتبه، بما في ذلك إحياء علوم الدين.
أمر ثالث: أن أبا حامد الغزالي كان ضعيف البضاعة في السنة النبوية كما يقول عن نفسه، ولذلك كثيراً ما يستشهد بأحاديث ضعيفة وبل موضوعة، وخاصة في كتاب إحياء علوم الدين، وقد تعقبه الإمام الحافظ العراقي في كتاب خرج فيه الأحاديث التي استشهد بها أبو حامد الغزالي، وعنوان هذا الكتاب: المغني عن حمل الأسفار -أي: الكتب في الأسفار -في تخريج ما في الإحياء من الأحاديث والآثار، وهذا الكتاب طبع عدة طبعات.
وبقراءة المغني تدرك ضعف بضاعة الغزالي في الحديث النبوي، وكذلك بعض كلام الغزالي في الإحياء يتوجس الإنسان منه خيفة، وبالمقابل فـللغزالي إشراقات وحكم، واستنباطات، وغوص في المعاني في هذا الكتاب لا يكاد يوجد في غيره من الكتب، خاصة في قضايا التربية والتصنيف والمفاضلة بين الأشياء وما شابه ذلك.
فإذا كان الباحث ذا قدرة على التمييز والنقد، فلا بأس أن يقرأ هذا الكتاب، وإلا فمن الممكن أن يقرأ بعض المختصرات التي اختصرت هذا الكتاب، منها مختصر منهاج القاصدين، أو كتاب القاسمي، أو غيره من المختصرات المعاصرة، وإن كان المختصر لا يقوم مقام الأصل.
الجواب: الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره، هي معصية، وقد نهى الله عنها في كتابه حيث قال: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] ونهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، وعرفها بأنها: {ذكرك أخاك بما يكره. قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته
ولذلك فلا يجوز للإنسان أن يُمَكِّن أحداً أن يسمعه الغيبة، فإذا سمع الغيبة فعليه أن يبادر بإنكارها بالأسلوب المناسب، وإن لم يستطع فعليه أن يصد المتكلم عن الوقيعة في هذا الشخص، بأن يصرفه إلى موضوعات أخرى الكلام فيها مفيد ونافع، أما أن يجلس الإنسان ساكتاً يستمع الكلام، فإنه حينئذٍ شريك، لأن المغتاب ما كان ليتكلم في فلان وفلان وهو منعزل بين أربعة جدران، ما كان ليتكلم إلا عندما يجد من يستمع إليه.
الجواب: الحقيقة -أيها الإخوة- إن تصنيف الكتب إلى قديمة وحديثة، في نظري أنه تصنيف غير سليم، لأنه تصنيف لا يعتمد على أسس، بل الصواب أن نعلم أن الكتب القديمة فيها الغث والسمين، فكم من الكتب القديمة ما يكون محشواً بالأفكار المنحرفة، والمبادئ الضالة، والآراء الخاطئة، والأحكام الجائرة! وكم من الكتب القديمة ما يكون مليئاً بالعلم والتوجيه والفهم والنصح والحكمة! وقل مثل ذلك في الكتب الحديثة، فكم فيها من كتاب مليء بالعلوم والمعارف والآداب! وكم فيها من كتاب آخر مليء بالأخطاء والانحرافات!
فعلى الإنسان أن ينتقي الكتاب الذي يقرؤه، سواءً كان قديماً أم حديثاً، وبعد الانتقاء على الإنسان أن يحرص على أن يكون متوازناً، وأعني بالتوازن ألا يخل بشيء على حساب شيء آخر، فمثلاً كون بعض الشباب في هذا العصر يركزون على الكتب الفكرية البحتة، مثل: كتب سيد قطب، أو كتب محمد قطب، أو أبي الأعلى المودودي، أو أبي الحسن الندوي، أو غيرهم من الكتاب الإسلاميين.
وقد تكون علاقة الإنسان بكتب التراث وكتب السلف علاقة ضعيفة أو معدومة أحياناً، في نظري أن هذا غير سليم، والعكس كذلك، فكون الإنسان يغمر نفسه في بطون الكتب القديمة، وينعزل تماماً عن الكتب الحديثة، التي تتحدث عن مشكلات العصر، وواقع العصر، في نظري أن هذا -أيضاً- غير سليم، لأن الإنسان ينبغي أن يعيش عصره، ويدرك مشكلات الواقع وحلولها، والرد على المذاهب المنحرفة، ومعرفة ما يدار حول الإسلام والدفاع عنه، وما أشبه ذلك. فلابد من التوازن.
ثالثاً: لابد من مراعاة التخصص، لأننا حين نقول: لا بد من التوازن.
لا نعني أن الإنسان يحاول أن يقرأ هنا وهناك، فيضيع هذا الإنسان دون أن يحصل شيئاً، لا بد أن يكون عند الإنسان قدر من المعرفة في علوم شتى مما يحتاج إليه، ثم يكون عنده تخصص في مجال معين، سواء كان هذا التخصص في مجال علوم شرعية أو غيرها، أو كان تخصصاً داخل تخصص، فقد يتخصص في السنة النبوية، أو يتخصص في التفسير، أو يتخصص في الفقه، أو ما أشبه ذلك، والعلوم قد توسعت اليوم، وأصبح الإنسان لو أمضى عمره في تخصص جزئي لاستنفد عمره ووقته، وكان يستطيع أن يأتي بأشياء مفيدة للناس.
الجواب: حفظ القرآن والسنة، إن كان في الصغر، في وقت تحرك وإمكانية الاستفادة من الذاكرة، ولو بدون فهم، فهذا جيد، ومن المعروف في القديم وفي الحديث أن كثيراً من الصغار كانوا يحفظون، فيحفظ القرآن، ويحفظ صحيح البخاري وصحيح مسلم، وعدداً من المصنفات، وكذلك المتون والمختصرات، فيحفظها، فإذا كبر كانت الثروة عنده بعد أن فهمها، أما إذا كان هذا بعد كبر الإنسان وبعد أن استوى على ساقه، فإنني أرى أن يجمع الإنسان بين الحفظ والفهم، لأن الحفظ اليوم إذا فات الإنسان أو فاته بعضه يمكن أن يعوض شيئاً منه، من خلال المفاتيح والوسائل التي سهلت للإنسان الوصول إلى الحديث، فأنت الآن لو أحببت أن تعرف حديثاً، يمكن بالوسائل المعاصرة، ومن خلال المعاجم، والمفاتيح والفهارس وغيرها؛ أن تصل إلى الحديث في دقائق، بعد التدرب والخبرة، لكن يبقى موضوع الفهم والاستنباط هو الذي لا يمكن أن تقوم به هذه المفاتيح والفهارس والمعاجم بل لا بد أن يقوم به الإنسان بذاته، فإذا أمكن الجمع بين الأمرين فهو أولى، وإلا فعلى الإنسان أن يهتم بالفهم ولو لم يكن له من الحفظ الشيء الكبير.
الجواب: لا شك أن المخيمات والنشاطات الطلابية من الأشياء المفيدة، التي تساهم في بناء شخصية الإنسان، والشاب -أحياناً- قد يقبل على العلم الشرعي، وهذا لا شك أنه إقبال حميد، وإنما يغفل عن أن بناء الشخصية أمر مهم، والإنسان قد يكون عنده علم شرعي.
لكنه لم يتعود على أن يلقي هذا العلم في الناس، ولا أن يواجههم به، فتجد أن هذا العلم حبيساً في صدره لكن لو أنه اشترك في أنشطة وأعمال ومخيمات تربوية وسواها؛ لكانت فرصةً للتدرب على كثير من الأعمال التي تفيد في نشر علمه، كذلك التعرف على الناس، وآرائهم، واتجاهاتهم، ومشاكلهم وأساليب معاملتهم، هذه كلها لا تتحقق إلا من خلال معايشة الإنسان للآخرين.
ولذلك يا إخوة، علينا -دائماً- أن نرجع إلى هدي الرسول عليه الصلاة والسلام وهدي الصحابة رضي الله عنهم من بعده، هل كانوا يعتزلون في طلب العلم ويتركون شئون الناس، وشئون المجتمعات؟
كلا! بل كانوا يتلقون العلم من خلال معايشة الناس، والاحتكاك بالمجتمع، ومواجهة مشكلاته وإدارته، وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم داعية اليوم.
وعلى الإنسان أن لا يضع في نفسه صورة محددة، أنا كطالب علم قد أنظر -مثلاً- إلى فلان بن فلان من الأفذاذ المشهورين، وأرشح نفسي أنني سأقوم مقام فلان، وأضع لنفسي برنامجاً قوياً في تلقي العلم والحفظ، وهذا البرنامج يستغرق عليّ وقتي، بحيث لا يصبح لدي وقت -أحياناً- ربما ولا لبعض النوافل، ولا لزيارة الأقارب، ولا لزيارة الرحم، ولا للتعرف على زملائي، فيحصر الإنسان نفسه، وهو يظن أنه قد ينفتح على الناس يوماً من الأيام، والواقع أن الإنسان إاذ حضر نفسه في وقت معين قد يصعب عليه أن يقبل على الناس في وقت آخر، بل اجعل مثلك الأعلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال الله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] وانظر كيف كان يربي أصحابه، وكيف كان يعلمهم، وكيف انتقل العلم من الصحابة إلى من بعدهم من التابعين اقرأ في الكتب وانظر، لم يكونوا يعتزلون الناس في مكتبات أو صوامع للحفظ والتلقي فحسب، بل كانوا يتعلمون ويعلمون ويوجهون ويحتكون بالناس ويدعونهم في وقت واحد.
وما أتصور كطالب العلم جاد يقرأ في الكتب، ثم يمشي إلى المسجد، أو إلى المكتب، أو إلى مكان الوظيفة، ويرى الناس وما هم عليه من أخطاء وانحرافات، ثم تطيب نفسه وتقر عينه أن يظل في عزلته ويترك شأن الناس للناس!
الجواب: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى رويت عن ابن عباس رضي الله عنه، ولكن الصحيح الذي عليه جماهير الصحابة وكافة العلماء؛ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينه، أما هذا الكلام فإنه اعتمد على ما ورد في حادثة الإسراء، وسؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: {هل رأيت ربك؟ فقال: رأيت نوراً
فالصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ربه تبارك وتعالى، وأن أحداً لا يرى الله في هذه الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث المسيح الدجال، حين ذكر أنه يدعي الألوهية قال: {واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا}.
الجواب: تتبع الرخص في المذاهب الأربعة أو في غيرها لا يجوز، إذا كان قصد السائل في تتبع الرخص أن يأخذ الإنسان بالأسهل، لأنك أيها المسلم، إذا علمت أن الدين دين الله، وأن أحمد، والشافعي، وأبا حنيفة، ومالكاً، والأوزاعي، والثوري، وأبا ثور، والطبري، بل وأبا بكر، وعثمان، وعلياً، حين يقولون: هذا حلال وهذا حرام.
إنما يقولون ما يعتقدون أنه حكم الله ورسوله، فحينئذٍ تعلم أن الاختيار بالمزاج أمر ليس له موقع في الإسلام. كونك تأتى بمجموعة آراء في مسألة. وتقول: ذوقي ومزاجي أن هذا القول هو الصحيح. فنقول لك: ما هو السبب؟
تقول: هذا ذوقي. أو تقول: هذا القول هو الصحيح أو أنا أختاره لماذا؟
تقول: لأنه أيسر ولأنه رخصة، وفيه تيسير على الناس.
فلا شك أن هذا لا يجوز، لأن مجرد التشهي دون مسوغ لا يشرع أبداً إذا كنت تعبد الله عز وجل.
بل على الإنسان أن يختار من هذه الأقوال ما يعتقد أنه حكم الله، وكيف تعرف أنه حكم الله، أو تعتقد أنه حكم الله؟
يكون ذلك من خلال الدليل الشرعي.
ولذلك نقول: يجوز للإنسان أن يختار من المذاهب الأربعة وغيرها ما يعتقد أنه الصحيح، بمقتضى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة، والقواعد التي يشهد النص بصحتها. ولا يلزم الإنسان أن يلتزم مذهباً بعينه، أما اختياره بحسب الهوى، أو بحسب الترخص، فهذا غير جائز.
أما أصل الرخص في الشرع فهي: ما جاء الدليل فيه على خلاف العزيمة، بدليل استثنائي فمثلاً: الجمع في السفر رخصة، كون الإنسان المسافر يجمع بين الظهر والعصر، ويجمع بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، هذه رخصة للإنسان، لأن الأصل "العزيمة" أن يصلي الإنسان الصلاة في وقتها، فالجمع بينهما رخصة للحاجة، وإتيان هذه الرخصة جائز إذا احتاج إليها الإنسان، فهذا أصل معنى الرخصة.
الجواب: هذه الشخصيات التي سأل عنها السائل هي من الشخصيات التي يكثر حولها الجدل، كما أسلفت في موضوع الغزالي، والكلام في إعطاء تصور كامل عنها يفتقر إلى دراسة واسعة، ولكن من خلال قراءات عامة في إخوان الصفا وابن سينا، والفارابي.
يبدو لي أن هؤلاء ينتسبون إلى الباطنية الزنادقة ، وإن كانوا يطرحون ما لديهم -أحياناً- من وراء ستار، وقد يتقمصون شخصيات معينة، أو يطرحون بطريقة معينة، لكن حقيقة مذاهبهم الزندقة، ومن قرأ تراجمهم الموسعة في الكتب، كـسير أعلام النبلاء وغيره، أدرك هذا الأمر جلياً، وأن هذه الطوائف تنتسب إلى المذهب الباطني، الذي خلاصته أن جميع الأديان والتكاليف لا حقيقة لها، فهو لا يؤمن بدين، ولا إله، ولا ببعث، ولا نشور! وإن كان يخادع العامة، بإقرار هذه الأشياء التي يعتبرها من الرسوم، أما ابن خلدون فهو أفضل من الجميع، وكتاباته تدل على أن الرجل له فضل وعلم ومكانه، وإن كان الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة، أشار إلى جوانب معينة في مسلك هذا الرجل.
الجواب: مسألة التأثيم علمها عند الله، ومن الصعب أن نقول: إن فلاناً يصلح لعلم النفس، وفلاناً يصلح لعلم الاجتماع، والطالب حين يتخرج من المستوى الثانوي يكون على مفرق طرق، وأحياناً قد يكون اختياره غير مناسب، فيكتشف بعد فصل أو فصلين أن القسم الذي هو فيه غير مناسب له، ولا يستطيع أن ينجح فيه، ولا يستطيع أن ينجز، ولا يفهم، فمن الصعب أن نفرض على الناس أن يستمروا، لكن بصفة عامة أسلفت أن المطلوب من أهل الخير والصلاح وأهل الاستقامة؛ أن يكون لهم سهم في مثل هذه العلوم والتخصصات.
الجواب: أولاً: هناك جزء فطري من هذه العلوم يكون موجوداً لدى كل إنسان يملك قدراً من الذكاء، فتجد أن الإنسان إذا تعود معايشة الناس والأخذ معهم والعطاء؛ تكونت لديه خبرة بنفوس الناس وأحوالهم وعوائدهم، وما يناسبهم كأفراد، وكذلك خبرة بالعوامل الاجتماعية المتشابكة فيما بينهم، وهذا القدر يستفيد منه الداعية، وقد لا يكون تلقاه من خلال دراسة أو قراءة، بل تلقاه بفطرته واكتشفه بذكائه، واستفاده من تجربته مع الناس، وقد يستفيد الإنسان أكثر وأكثر من خلال بعض القراءات، وهذا أمر مجرب، خاصة في تحليل بعض الظواهر وبعض المواقف، ومعرفة ما وراء الأحداث والتصرفات، فقد يحتاج الإنسان إلى دراسة بعض العلوم وقراءتها، أما أن نقول: إن كل داعية يحتاج إلى أن يكون دارساً لعلم الاجتماع وعلم النفس؛ فهذا مرتقى صعب لا أقول به، لكني أقول: إن هناك قدراً من هذه العلوم يوجد عند الإنسان الفطن، حتى لو لم يكن تلقاه عن شيخ أو قرأه في كتاب.
الجواب: أفتيك أن تدعو لهم بالهداية، فإن الدعاء بالهداية لا يحتاج إلى فتوى.
أما موقفك معهم فإنني أرى أن الشاب إذا أراد أن يدعو مجموعة، عليه أن يبدأ بهم فرداً فرداً، لأنني أخشى إن ألقى بنفسه بينهم وهم مجموعة؛ أن يؤثروا عليه بدلاً من يؤثر عليهم.
فأنصح الشاب أن يبدأ بهم واحداً واحداً، لأن هذأ أقوى في التأثير، وأسلم من مغبة الاختلاط بهم إذا كانوا مجموعة، ثم إذا حصل التأثير على بعضهم، انتقل بعد ذلك مع هذا الذي أثر عليه إلى بقية المجموعة للتأثير عليهم، وعلى الإنسان إذا ركب مع هؤلاء، ورأى أو سمع منكراً؛ أن يبادر إلى تغييره وإزالته، وبيان حكمه بقدر ما يستطيع، أما كونه يركب معهم ويسافر معهم، وقد يسمع أصوات الغناء أو الطبول، أو يشاهد منكرات، فهذا قد يضعف إيمانه ويضعف حماسه لتغيير هذا المنكر.
الجواب: في مجال التفسير: هناك كتب لعل من أهمها تفسير ابن كثير.
وفي مجال الحديث: هناك كتب لعل منها كتاب جامع الأصول وهو كتاب موسع، وكتاب رياض الصالحين في الآداب، وكتاب بلوغ المرام في الأحكام.
وفي مجال العقيدة: هناك كتب كثيرة وعديدة، ككتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب ابن القيم، وكتب الأشقر العقيدة في الله، وكتاب معارج القبول للحكمي.
في مجال المرأة: كتاب حسن الأسوة لصديق حسن خان، وكتب أخرى كثيرة.
أما الكُتَّاب الذين يحذر منهم، فهم كالجراد لا يمكن حصرهم، ومع الأسف الشديد أن المكتبات تمتلئ بإنتاج هؤلاء الكتاب، من مفكرين إلى أدباء إلى شعراء إلى غير ذلك، فالساحة تضج بكتب أمثال هؤلاء، ومن المستحيل حصر أسمائهم.
الجواب: ليست واردة في نفس السلام، لكنها ثناء على الله تعالى، والثناء على الله تعالى مطلوب، إنما لا ينبغي أن يقولها إنسان في المواضع التي ورد فيها التوقيت، كأن يقولها في السلام من الصلاة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى، فهذا لا يشرع.
الجواب: الإلحاد هو إنكار وجود الخالق جل وعلا، وهو مشتق من اللحد وهو الميل؛ وذلك لأن الملحد يميل عن الفطرة المستقيمة، ويميل عن الحق إلى الباطل، ويكابر الأمور.
أما الزندقة: فهي مذهب أشبه وأقرب ما يكون إلى النفاق، وهي تعبير عن طائفة من الناس في التاريخ الإسلامي، وفي واقع المسلمين اليوم يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر والعياذ بالله ويحاولون أن يدسوا في الإسلام أفكاراً منحرفة بقوالب إسلامية، هؤلاء هم الزنادقة، وللعلماء كلام طويل في أصل اشتقاق هذه الكلمة، وهل هي فارسية أو غير ذلك. لا طائل تحته.
الجواب: هذا ليس بحديث، إنما هو كلام لبعض الفقهاء: من تتبع الرخص فقد تزندق، والمقصود بالكلمة هذه أن الزنادقة الذين أشرت إليهم، بحكم أنهم يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر، أحياناً يجدون في بعض الأقوال الشاذة مخرجاً لهم وهذه قضية ملحوظة حتى في أسلوبهم في الحياة، فيجدون في بعض الأقوال والآراء الشاذة التي قال بها أحد العلماء مخرجاً لهم، فيتمسكون بهذا القول الشاذ ويأخذون من كل عالم شذوذه، فيعكسون القضية، لأن الأصل في المنهج السليم أن الإنسان يأخذ من العالم كل شيء إلا ما شذ فيه.
ولذلك ورد في الأحاديث التحذير من زلة العالم، كما قال عمر: [[إنما يهدم الإسلام ثلاث: زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين]] فالإنسان ينبغي أن يأخذ من العالم كل شيء إلا ما زل فيه، أما هؤلاء فيعكسون فلا يأخذون من العالم أي: شيء إلا ما شذ فيه أو زل فيه، فيجتمع فيهم الشر كله، كما قال بعض السلف: [[ من أخذ بزلات العلماء اجتمع فيه الشر كله ]].
لأن هذه زلة، وهي أصلاً زلة فإذا أخذت هذه الزلة، وهذه الزلة، أصبحت مجموعة من الزلات، وبعض الناس يأخذون هذا عن قصد، فتجد الواحد منهم يعمل عملاً منافياً للإسلام، فإذا قلت له في ذلك، قال: يا أخي! هذا أفتى به فلان. فيعمل عملاً آخر منافياً، ويقول: هذا أفتى به فلان بل إن بعضهم قد يعمل عملاً منافياً لإجماع العلماء، فإذا قلت له في ذلك قال: يا أخي هذا الإجماع من قال إنه ملزم لنا؟!
هو إجماع لهم في ظرف من الظروف وفي وقت من الأوقات، ولا يلزم أن يكون هذا الإجماع صحيحاً! فإن أجمعوا رفض الإجماع، وإن لم يجمعوا أخذ بالقول الشاذ، وهنا لا حيلة في مثل هذا الإنسان.
الجواب: الكذب كله لا يجوز، إلا ما ورد استثناؤه النصوص في الكذب لمصلحة ظاهرة، كالكذب لإنقاذ مسلم، والكذب لحل مشكلة قائمة، والكذب لإصلاح ذات البين، بحيث تكون معاريض وكلاماً عاماً، والكذب على الصغار لا يجوز، وهو ذو مردود سيئ في التربية، ولذلك في الحديث الصحيح الذي ورد من طرق {أن امرأة قالت لابنها: يا عبد الله تعال أعطيك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما تعطينه؟ قالت: تمرة. قال: أما أنكِ لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة
الجواب: مسالة أن يقول الإنسان: أنا حنبلي، أو مالكي، أو شافعي، أو حنفي، هذه من حيث الاسم قضية عادية، لأنها مجرد انتساب، ولكن الشيء المهم هو فهم الإنسان عن هذه المذاهب، فإذا كان الإنسان وينتسب إلى مذهب، ويأخذ ما في هذا المذهب من غير نظر ولا استدلال، وقد يعلم أن الحق ليس في هذا المذهب ويصر على مذهبه؛ فهذا تعصب مذهبي لا شك أنه محرم، لأن الواجب اتباع ما أنـزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما إذا كان الإنسان نشأ في بيئة حنبلية أو شافعية، وأخذ هذا المذهب من خلال البيئة ودرسه في المدارس، لكنه بعد أن أخذ شيئاً من العلم، وبدأ يستطيع أن يفهم؛ عود نفسه على أنه كلما عرف الدليل في مسألة من المسائل؛ أخذ بهذا الدليل وإن كان مخالفاً لمذهبه، هذا في نظري لا بأس به.
وأحياناً يكون اتباع هذه المذاهب ضرورة لأن الإنسان لا يمكن أن يجتهد في هذه الأمور، أمامه الآلاف بل عشرات الآلاف من المسائل المشكلة، ولا يستطيع أن يجتهد فيها في يوم وليلة، بل إنه ربما يمضي عمره كله وهو ما استطاع أن يجتهد في كثير منها.
فهناك مرحلة وسط بين من يتعصبون للمذاهب، ويأخذ بالمذهب بقضه وقضيضه، ولا يقبل الخروج عنه قيد أنملة، حتى مع المعرفة بالدليل، وبين من يتشددون في الجهة الأخرى، فيعلنون حرباً على اتباع المذاهب أو الانتساب إليها، بل يصل الحال إلى أنهم يكفرون كل من ينتسب إلى مذهب من هذه المذاهب!
الجواب: العيد هو ما يعتاد ويتكرر، وقد يكون العيد مكانياً كما في قوله {لا تجعلوا قبري عيداً} وقد يكون زمانياً كما في قوله صلى الله عليه وسلم: {هذان اليومان عيدنا أهل الإسلام} وقد يكون عبارة عن الزمان والمكان والهيئة والحال، كما في قولهم: {في يوم عيد يلعب السودان فيه بالدرك والحرب...}.
والمعنى: أن الإنسان لا يشرع له أن يشد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعتاد ذلك في أوقات معلومة، كما يزور الكعبة المشرفة، وكما يزور المسجد النبوي، بل لا يجوز شد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد} فكل بقعة لا يجوز التعبد بشد الرحال إليها إلا هذه المساجد الثلاثة، لاحظ التعبير: لا يجوز التعبد بشد الرحال إلى بقعة إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، لكن لو ارتحل الإنسان لطلب علم أو لتجارة، أو لزيارة مريض، فهذا باب آخر وكذلك قبر الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجوز شد الرحال إليه، ولا اتخاذه عيداً يزار في أوقات مخصوصة معلومة، بل إذا ذهب الإنسان إلى المدينة، وزار المسجد النبوي وصلى فيه فإنه لا بأس أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، ويسلم ويقول: السلام عليك يا رسول الله، والسلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا عمر. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر