يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون، نحمد الله تعالى الذي جعل الخيرية في هذه الأمة قائمة باقية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فجعل هذه الأمة آخر الأمم وخيرها وأكرمها على الله عز وجل، وأولها دخولاً الجنة، وذلك لما اختصها به من الإيمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام على البشرية كلها.
لقد كتب الله تعالى أن يكون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خير الأنبياء وآخرهم، فقال عز وجل:مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] وكذلك جعل أمته هي خاتمة الأمم وآخرها وأفضلها وخيرها وأبرها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: {نحن الآخرون السابقون يوم القيامة} فهذه الأمة هي أول من يدخل الجنة، وأمر خزنة الجنة ألا يفتحوا لأحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل محمد صلى الله عليه وسلم دخل المؤمنون من ورائه.
وفي مقابل ذلك تجد في بناة الإسلام الأولين أمثال سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي الذين كانوا من أمم أخرى، بل تجد في عباقرة الإسلام، وتجد في حملة رسالته، وتجد في قادة الفتوح رجالاً أبطالاً عظماء لم يكونوا ينتسبون إلى أصول عربية، ولا ينتهي نسبهم إلى نسب العرب، وإنما جمعهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم اتبعوه وأطاعوه ورضوا به هادياً وإماماً.
لعمرك ما الإنسان إلا ابن سعيه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب |
فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب< |
وهذه الضربة لا يمكن أن تكون مجرد مواعظ عابرة من متكلم، ولا خطباً رنانة من خطيب، لا،إنها عبارة عن أحداث وأزمات ومصائب تنـزل بهذه الأمة ترشدها إلى الطريق المستقيم، وتبين لها خطأها، إنها أمة مستغفرة، توابة، كلما عثرت في طريقها أو انحرفت سلط الله عليها من عدوها من يوجهها إلى الطريق المستقيم، وهكذا يتسبب عدوها في دلالتها على الطريق المستقيم من حيث لا تريد، ومن حيث لا يريد.
لا تنتظر أبداً أن أمم الأمريكان، أو أمم الروس، أو أمم الشرق، أو أمم الغرب هي التي سوف تحمل هذا الدين، وإن وجد من هذه الأمم من يدين بالإسلام، ووجد من يتحمس للإسلام، ووجد من يدافع عن الإسلام، والأمر كما قال الله جل وعلا: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89] لكن أيضاً هذه بلاد الإسلام، وهذه أمم الإسلام، وهذا أمر معلوم ظاهر لا يشك فيه من له معرفة بالتاريخ، ولا من له معرفة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من له معرفة بسنن الله جل وعلا.
حتى حينما تقرأ ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم مما يقع في آخر الزمان من الفتن، والمحن، والشدائد، والملاحم الكبيرة، تجد أن موقع هذه الملاحم هي بلاد العرب، وهذه الجزيرة العربية بالذات، وما حولها كـبلاد الشام وبلاد اليمن، وفلسطين، وما جاورها من بلاد الإسلام.
وتجد أن القبائل العربية هي التي تقف في وجه الزحوف الكافرة، حتى زحف المسيح الدجال الذي يقف وراءه النصارى واليهود والوثنيون والمرتدون، وهو فتنة عظيمة، فلا يقف في وجه هذا السيل الكاسح إلا أهل هذه البلاد بقيادتهم الراشدة المهدية التي يبعثها الله سبحانه وتعالى في ذلك الوقت.
إذاً لا تتصور أن يوماً من الأيام سوف يأتي تكون فيه الدول الشرقية أو الغربية تحمل هذا الدين أبداً.
هذا الدين نـزل للبشرية كلها، ولكن اقتضت حكمة الله تعالى وعدله ورحمته أن تكون هذه الأمة هي الأمم التي استحفظت كتاب الله عز وجل، وشريعته ودينه، وكلفت به، وكلما انحرفت عنه يمنة أو يسرة سلط الله تعالى عليها ضربة في وجهها أو في رأسها تردها إلى الطريق المستقيم.
كانت هذه الأمة يوم كان يقودها الرسول صلى الله عليه وسلم تحصل لها الهزائم كما صار في معركة أحد؛ فيتعجبون ويقولون: أنى هذا؟! فيأتيهم الجواب: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:165-166] أي: السبب من عند أنفسكم.
وحين تهزم هذه الأمة هزيمة أخرى في بداية معركة حنين يتعجبون، فينـزل الوحي: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [التوبة:25] إذاً إنما ذلك أتيتم من قبل أنفسكم؛ حين اغتررتم بعدتكم وعددكم وكثرتكم وبأسكم، فقلتم: لن نغلب اليوم من قلة، ونسيتم قوة الله عز وجل، والاعتماد عليه، وكمال التوكل عليه، فأدبكم الله بالهزيمة التي ردتكم إلى صوابكم ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنـزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:26].
لم تقل هذه الأمة في يوم من الأيام في تاريخها الطويل: نحن لا نستحق ما أصابنا؛ لأننا مستقيمون على شريعة الله، آخذون بهدى الله، ملتزمون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلقد وجدنا في هذه الأمة فئاماً كثيرة من الناس قد ارتضوا ديناً غير دين الله عز وجل، فأصبح منهم الشيوعي الملحد الذي لا يدين بدين، وأصبح منهم العلماني الذي يطالب بفصل الدين عن الحياة، ويطالب أن يكون الدين محصوراً بين أربعة جدران في المسجد، لا علاقة له بالسياسة، فلا علاقة له بالإعلام، ولا علاقة له بالاقتصاد، ولا علاقة له بشئون المرأة، ولا علاقة له بالأمور الاجتماعية، ولا علاقة له بالتعليم، بل هي مجرد علاقة بين العبد وربه في المسجد أو المعبد. أما بقية شئون الحياة فتكون للجاهلية، وتكون للشيطان يصرفها كيف شاء.
فاليوم المؤسف -كل الأسف أيها الإخوة- أن الأمة -سواء على النطاق الفردي أو على النطاق الدولي والجماعي- لا تزال مصرة على ذنوبها ومعاصيها، على رغم البلايا والأزمات التي تنـزل بها، بل ربما تقول أحياناً: إن الأزمات لا تزيدها إلا إصراراً على ما هي عليه، أما على المستوى الفردي فكل امرئ خبير بنفسه، يكفيك أننا أصبحنا نسمع نغمة تتردد كثيراً في المجالس، وفي وسائل الإعلام، وفي غيرها تتنكر لسنة إلهية: وهي أن ما أصابنا بذنوبنا، ويقولون: "لا! هذا ليس صحيحاً"، منهم من يقول: كلا! إن ما أصابنا إنما هو كرامة من الله تعالى، إن ما أصاب الأمة تكريم من الله تعالى لها، إن ما أصاب الأمة هو لرفعة درجاتها، إن ما أصاب الأمة هو أمر عادي يحدث لكل أمة.
ومن الناس من يقول: إن هذا بسبب أمور مادية بحتة، وينكر السبب الشرعي وراء هذا كله، وبالتالي نحن نتساءل كم منا من غير من سلوكه بمناسبة الأزمات التي نـزلت بالأمة؟
إن وجود خمسة أو عشرة اهتدوا بسبب الأزمة هذا ليس جواباً وليس حلاً، ماذا يقع خمسة أو عشرة مما يراد لهذه الأمة أن تستقيم عليه؟!
خطط البعث التي كانت تخطط لجمع كلمة الأمة العربية كما يقولون تحت راية القومية والاشتراكية والحرية والبعث، تجاهلنا هذا كله، ففوجئنا به في أخطر اللحظات وأحلك الأوقات، وسوف يتكرر الأمر مرةً بعد مرة ما دامت هذه الأمة غافلة عن خطط عدوها.
إذا كنا مؤمنين فعلاً بقول الله عز وجل: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] وقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] وفي مواضع كثيرة يذكر الله عز وجل أن ما أصاب الناس فهو بسبب ذنوبهم، إذا كنا مؤمنين بهذا حقاً فلنتساءل ما هي الذنوب التي أقلعت عنها الأمة؟
قد يقول قائل: من الصعب أن تقلع الأمة بين يوم وليلة عن ذنوب كثيرة وقعت فيها. فنقول: نعم، لنفترض أن هذا الأمر صحيح، هل بدأت الأمة تضع قدمها في الطريق الصحيح؟ هل بدأ المسلمون الآن سواء مسئوليهم أو تجارهم أو خبراؤهم أو مختصوهم، هل بدءوا -مثلاً- بإنشاء المستشفى المتخصص للنساء؛ ليكون بديلاً عن الاختلاط الذي يملأ مستشفياتنا؟ ويكون هذا بداية لتوبة صادقة إلى الله عز وجل من معصيته مما يقع في مثل هذه المؤسسات، هل حدث هذا؟!
هل بدأ المسلمون بإقامة المؤسسات المالية السالمة من شبهة الربا، ولو مجرد بداية لتكون بعد حين من الزمان بديلاً عن البنوك الربوية التي تحارب الله ورسوله؟
هل بدأ المسلمون بتأصيل مناهج الإعلام الصحيح القائم على تعبئة الناس تعبئة شرعية، ورفع معنويات الناس، ورفع أخلاق الناس، وربط الناس بالدين، ليكون ذلك ولو بعد حين بديلاً عن الإعلام الهابط الذي يهيمن على العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه؟
هل بدءوا بمواجهة ما يسمى بالبث المباشر الذي أصبح يهدد المسلمين من كل مكان، والذي يخشى معه أن تصبح سماء المسلمين تمطر عليهم من هذه البرامج التنصيرية، وبرامج الفساد، والإلحاد، والتخريب، وحتى الإخلال بالأمن يمكن أن يأتي من خلال هذه البرامج وغيرها؟
هل بدأ المسلمون فعلا تحركاً صادقاً جاداً في التوبة إلى الله تعالى؟
أليس بعض العلماء يقول: إن الذي يقول: "أستغفر الله" وهو مصر على ذنبه هو كالمستهزئ بالله عز وجل؟! فلماذا نقول أحياناً بألسنتنا: "نستغفر الله" ونحن مصرون على ذنوبنا، سواء كانت ذنوبنا ذنوباً فردية، أم كانت ذنوباً اجتماعية عامة؟
وكيف ييئس من معه كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
كيف تيئس أمة معها خبر ثابت صادق لاشك فيه من رسول الله عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمة باقية إلى قيام الساعة؟ إنها ظاهرة منصورة إلى قيام الساعة!
كيف تيئس أمة معها خبر أنها هي التي سوف تقاوم زحوف الكفر والإلحاد والتي يكون آخرها المسيح الدجال؟!
كيف تيئس أمة قال فيها نبيها صلى الله عليه وسلم: {أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره}؟! كيف تيئس أمة ذكر لها نبيها الصادق المصدوق، الذي تؤمن به وتحبه صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سوف تهيمن في آخر الدنيا، وتذل لها الرقاب، وتحكم الدنيا، ويضرب الحق بجذوره في الأرض، وسوف تملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت من قبل ظلماً وجوراً؟ كيف تيئس أمة معها هذه النصوص؟
كيف تيئس أمة تقرأ في قرآنها: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]؟!
كيف تيئس أمة تقرأ في قرآنها قوله عز وجل: وَلَيُبدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوفِهِمْ أمناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55]؟!
كيف تيئس أمة تقرأ في قرآنها وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40-41]؟ كلا لن تيئس أبداً!
لكن الأمر الذي يدعو إلى التساؤل: هل هذه المحن التي تعيشها الأمة الآن بداية لتوبة صادقة إلى الله عز وجل؟! فمعنى ذلك أن هذه الأمة سوف تدخل حياة وبداية صحيحة. أما إذا ظلت الأمة على ما هي عليه على مستوى الأفراد والفئات والدول، فمعنى ذلك أن هذه الأمة بحاجة إلى دروس جديدة، وفي حاجة إلى صفعات جديدة، وضربات جديدة حتى تعي.. -وسوف تعي- وإن لم تع اليوم وعت غداً، وإن لم تع غداً وعت بعد غد؛ لكن من الخير لهذه الأمة أن تدرك أنه لا قيام لها إلا بالإسلام.
فلقد طرقنا كل الأبواب، ومددنا أيدينا إلى كل الأمم، فما رجعنا منهم إلا بالخيبة، والهزيمة، والفشل، وعرفنا ماذا يخبئ لنا العالم كله، إنه في الوقت الذي يرفع يده بالسلام يعد أسلحة الفتك والدمار.
ومع ذلك ما زالت هذه الأمة تتسول منهم، وتأخذ منهم الأفكار، وتأخذ منهم النظريات، وتأخذ منهم التصنيع، وتأخذ منهم كل شئ، وتفتقر إليهم في كل شيء... هذا ما عند العالم لهذه الأمة.
وما بقي للأمة إلا باب واحد، وإذا طرقت هذا الباب فإنه سيفتح لا شك؛ لأنه باب مجرب، ألا وهو باب الله عز وجل! وهو باب التوبة إلى الله! وهو باب الصدق مع الله! باب الرجوع إلى الله!
لابد من مراجعة الحسابات على كافة المستويات لنعرف مدى قربنا أو بعدنا مما يريد الله تعالى منا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لى ولكم، فاستغفروه من كل ذنب يغفر لكم ويتوب عليكم، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
يكفيك أن تقول من قلب صادق: "أستغفر الله وأتوب إليه" وتجدد العزم على توبة نصوح ليقبلك الله في عباده الصالحين.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بذل في سبيل الله عز وجل ما بذل، وأوذي في الله ما لم يؤذ أحد، وصبر وصابر، وقام الليل وصام النهار، وطرد من بلده في سبيل الله عز وجل، وجرح وجهه، وكسرت سنه، وأوذي وسخر به، وشج وجهه، ومع ذلك كله عبد الله تعالى بكل ما يستطيع، وكان يقوم الليل حتى تورمت قدماه عليه الصلاة والسلام.
ومع هذا كله كان عليه الصلاة والسلام يعلمنا دائماً أن نكثر من الاستغفار، وألا يدل الإنسان منا بعمل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لن يدخل أحداً منكم الجنة عمله! قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا..! إلا أن يتغمدني الله برحمته}.
هذا درس كبير ليس للأفراد فقط، بل للأفراد وللأمم كلها، إن الأمة وكذلك الفرد يجب أن لا يغتر بعمله، ولا يجوز له ذلك، مهما كان عمله؛ لأن الأمة والفرد إذا قال الواحد منهم: أنا كامل، ليس عندي أخطاء، ولا عندي عيوب، ولا عندي أغلاط، ولا عندي مخالفات، فمعنى ذلك أنه سوف يظل مصراً على ما هو عليه؛ لأنه قد أعجب وزين له سوء عمله فرآه حسناً، وهذه كبرى المصائب:
يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن |
كبرى المصائب أن الأمة أو الفرد ينحرف، ومع ذلك يعتقد أنه على الطريق المستقيم؛ فيصر على أنه ليس لديه أخطاء ولا عيوب ولا ذنوب، كيف يتوب من أمر يراه صواباً؟! يتوب من حسنات يظن أنه يقدمها؟! لا يتوب أبداً.
فلذلك أول خطوات الإصلاح على مستوى الأفراد والأمم... أول خطوات الإصلاح: الاعتراف بالذنب.
كذلك أبونا آدم عليه السلام وأمنا حواء قالا: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] وقال الله أيضاً عن يونس: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]ن وهكذا الأنبياء جميعهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، كانوا دائماً يعترفون بذنوبهم، ويستغفرون الله تعالى منها، وذلك لأن الاعتراف بالذنب هو أول خطوات التوبة.
فالمؤمنون الصادقون: هم أصحاب قلوب حية، أصحاب نفوس قريبة من الله عز وجل، أصحاب تواضع لله، يجعل أحدهم جبهته في التراب، ويمرغ خده، ويسبل دموعه على وجهه، ويرفع أيدياًً مرتعشة إلى الله سبحانه وتعالى، يسأله غفران الذنوب، وستر العيوب، وإلا فإن العبد ضعيف ضعيف، وقد جبل على شئ من النقص والضعف، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام:{كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون} فالإنسان مجبول على ضعف، ومجبول على تقصيره بنظرة، أو بسمع، أو بأخذ مال بغير حق، أو بكلمة خرجت من فمه على غير تدبير وتقدير، أو بتقصير في عبادة، أو بظلم للنفس، أو بظلم للغير، هذا على مستوى الفرد.
أما على مستوى الأمم فحدث ولا حرج من احتمالات الأخطاء على كافة المستويات المالية، سواء في توزيع الأموال، أم في الأخطاء الأخلاقية، أم الأخطاء في التقصير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم غير ذلك.
فليس هذا هو المقصود، ليس هناك أحد ادعى لك أنك معصوم، ولا ادعى أنك نبي ينـزل عليك الوحي من السماء.
والأصل مقرر ومتفق عليه أننا جميعاً خطاءون مقصرون، وعندنا من الأخطاء ما الله به عليم! هذا أمر مسلم، لكن الكلام في تحديد ما هي هذه الأخطاء؟ بحيث نعترف أنه عندنا من الأخطاء كذا وكذا، على سبيل التحديد والدقة، وليس على سبيل الإصرار عليها، وإنما على سبيل التواضع، والشعور بأن العبد متى استطاع سوف يخرج من الذنوب واحداً بعد آخر، أو يصحح الأمور الموجودة عنده بقدر ما يستطيع.
فلا بد من ترك الإصرار على الذنوب: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم اخذل أعداء الدين، اللهم اخذل أعداء الدين، اللهم أنـزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنـزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنـزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم، اللهم إنا نعوذ بك من شر الأشرار، وكيد الفجار، وما اختلف به الليل والنهار، يا عزيز يا غفار.
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر