إسلام ويب

دروس ووقفات تربوية من السنة النبويةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • انظر حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وتواضعه معهم ومشاركته في حل مشاكلهم، فيجب علينا تطبيق النص النبوي في واقعنا لما له من أهمية وعلينا استحضار هيبته. وقد اهتمت النصوص الشرعية بأمور كثيرة منها: المعاملات، والعبادات، والمناقب وبيان الأصول التي ينبغي الرجوع إليها، والدعاء وأهميته، والمظهر وحسنه والربط بين العقيدة والعمل والربط بين القرآن والسنة.
    حمداً لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعـد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أيها الإخوة.. أيها الأكارم.. أيها الفضلاء الذين مشيتم هذه الخطى إلى روضة من رياض الجنة وبيتٍ من بيوت الله، أسأل الله تعالى أن ينـزل من رحمته وبره وبركته على هذا المجلس ما يسعد به قلوبهم وينور به دروبهم، ويجعلهم به موفقين في كل أمورهم.. إنه على كل شيءٍ قدير، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اهدنا إلى سواء السبيل، إنك على كل شيءٍ قدير.

    أما بعد...

    فهذه المحاضرة المباركة -إن شاء الله- في هذا المسجد الكبير بهذه المدينة الطيب أهلها، في هذه الليلة: ليلة السبت العاشر من شهر صفر من سنة 1413هـ، وهي حول دروس ووقفات تربوية من السنة النبوية.

    من تواضعه صلى الله عليه وسلم

    لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ملكاً متجبراً، ولا ملكاً متعالياً، ولم يكن يعيش في برجٍ عاجي بعيداً عن الناس، ولكن كان يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، يعطف على مسكينهم، ويرحم فقيرهم، ويطعم جائعهم، ويعلم جاهلهم، كما وصفه بذلك أصحابه، فقالت أسماء رضي الله عنها وأرضاها لـعمر حينما قال لها: [[ نحن سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، قالت: كلا والله! كنتم قريبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطعم جائعكم، ويعلم جاهلكم، ونحن كنا في دار البعداء البغضاء، الحبشة ]].

    إذاً: هكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم، فكان يراقب كل أمورهم، ولم يكونوا يقطعون أمراً دونه دق أو جل، دعك من كونه صلى الله عليه وسلم خطيبهم في الجمعة، ومقدمهم في الحرب، وإمامهم في الدين، ووسيطهم في الوحي، ينقل لهم خبر السماء بكرةً وعشياً.

    بل حتى أدق أمورهم كانوا يستشفعون به صلى الله عليه وسلم فيها، فربما وجد العبد الرقيق من قومه ومواليه أذى أو إثقالاً بالعمل، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه، وربما أخذت الأَمَةُ بيده صلى الله عليه وسلم في أي سكك المدينة، فكلمته حتى ينتهي ما عندها، وربما أبت المرأة زوجها وكرهته، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستشفع به إلى زوجه أن تقبله وتعيش معه، فكان صلى الله عليه وسلم معهم في كل أمورهم ومنقلباتهم.

    ولهذا لم يمت صلى الله عليه وسلم؛ حتى كان أكثر صلاته من الليل وهو قاعد بعد أن أصابه الإجهاد، لكثرة مجيء الناس إليه، وكثرة مشاكلهم وأسئلتهم، وكثرة ما يعانون ويواجهون، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم لحظةً لحظةً، وساعةً ساعةً، ويوماً يوماً في كل أمورهم، وفي كل أشيائهم، ولهذا كان منهم محل الروح من البدن، ومحل السمع والبصر، فلما دخل المدينة صلى الله عليه وسلم أشرق منها كل شيء، فلما مات صلى الله عليه وسلم ودفن، أظلم من المدينة كل شيء كما يقول أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه.

    الرسول القدوة

    هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم! مصلح المصلحين، وإمام الأئمة، وقدوة وليس غيره أحد يُقتدى به ويُتأسى، فعليه صلوات الله وسلامه، وجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، ولذلك كانت حياته صلى الله عليه وسلم برنامجاً عملياً وافياً كافياً شاملاً للمسلمين، وكل مسلم إلى قيام الساعة إذا أمر أو نهى تذكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الأمر والنهي هو من عند الصادق المصدوق، وكان قد طبق تطبيقاً عملياً في تلك الفترة النقية من حياة البشرية، فترة النبوة والخلافة الراشدة.

    التطبيق لمبادئ وأحكام الإسلام

    إذاً: ليس الإسلام أحلاماً طائرة، ولا أمثلةً خيالية، ولا دعواتٍ لا رصيد لها من الواقع، كما هي النظريات المنحرفة، حيث رفعت الشيوعية -مثلاً- شعار العدل والمساواة، فلم نجد إلا أنها ساوت الأغنياء بالفقراء، وجعلتهم جميعاً يعيشون حالةً من العوز والفقر دون مستوى الإعدام، ورفعت كثيراً من الدعوات شعار الحرية، فلم نجد في حقيقتها إلا أنها سحقت الناس، وصادرت حرياتهم، وقضت على إنسانيتهم، وجعلتهم أمثال البهائم والدواب، وزجت بهم في غياهب السجون، وشهدت الأمة العربية والإسلامية من ذلك الشيء الكثير، فالدعوات والأحزاب التي حكمت في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً باسم البعثية والاشتراكية والقومية والناصرية والديمقراطية والحرية ماذا جنت منها الأمة الإسلامية؟

    جنت الفقر والذل والجهل والهوان والعبودية والقضاء على إنسانية الإنسان، وجنت الهزائم المتتابعة حيث أن الأمة لا تحسن شيئاً كما تحسن الهزائم على يد أولئك القادة الذين شرقوا بها وغربوا، ولكنهم لم يتجهوا بها إلى الكعبة، ولم يقولوا: ربنا الله ثم يستقيموا.

    لم تكن دعوة الإسلام دعوةً نظرية ترفع شعاراً وتطبق غيره، بل كان الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم -وهو يتكلم- يطبق في واقع الحياة، فيقِيْدُ حتى من نفسه، فإن طلب أحدٌ القصاص من شخصه الكريم نفذ عليه الصلاة والسلام. فقد كشف بطنه يوماً من الأيام لرجل من الصحابة اسمه سواد بن غزية: { وقال استقد يا سواد! -أي: خذ حقك- فأكب على النبي صلى الله عليه وسلم يقبله، ويقول: يا رسول الله! حضر ما ترى من أمر الحرب فأحببت أن يكون آخر العهد بك، أن يمس جلدي جلدك }.

    وسرقت امرأة من بني مخزوم، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حِبَّه وابن حِبهِّ، فكلمه أسامة بن زيد، فغضب الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: {أتشفع في حدٍ من حدود الله، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها}.

    وقد كسفت الشمس، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقام عليه الصلاة والسلام وقال: {إنهما لا تنكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، وإنما يخوف الله تعالى بهما عباده} إنه بشرٌ رسول، يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، هابه رجل من الأعراب، فاضطرب، فقال: {هَوّن عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة} فهو يأكل مع أصحابه، ويشرب ويجلس وينام معهم، حتى يأتي الرجل الغريب لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم من غيره.

    كثرة جلوسه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه

    في حديث الهجرة -وهو في صحيح البخاري- قدم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر إلى المدينة فلم يعرف الأنصار الذين لم يبايعوه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءوا إلى أبي بكر يطيفون به، ويجعلون وجوههم إليه يظنون أنه هو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكرٍ يظلله بردائه فعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ويأتي الرجل الأعرابي في ملأٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيقف فيهم، ويقول: أيكم محمد؟ لأنه لا يتميز عنهم بمجلس ولا ببزة أو ثوب ولا بِسِمَةٍ ولا بعلامة، وإنما كان صلى الله عليه وسلم غاية في الحلم والتواضع والإخبات إلى الله عز وجل حتى وهو في أعظم المواقف، ينـزل عليه الوحي من السماء، وأي إنسان ينـزل عليه الوحي؟ إنه لا ينـزل إلا على المختار من عباد الله عز وجل، على الرسل الكرام، ينـزل عليه الوحي فيكون أضعف ما يكون صلى الله عليه وسلم، حتى إنه ليتفصد من جبينه العرق في اليوم الشاتي، ويسمع له غطيط مثل غطيط البكر، ويحْمَرُّ وجهه صلى الله عليه وسلم، وهو بين ذلك في خيمة، فينظر إليه بعض أصحابه ويتعجبون منه صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نـزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] فلحظة تنـزيل الوحي هي لحظةً من لحظات تحقق العبودية، وكمال الذل لله عز وجل، وهو كمال الإنسان، ورفعة الإنسان.

    ومما زادني شرفاً وتيهاً     وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك يا عبادي     وأن صيرت أحمد لي نبيا

    لحظة التعبد لله عز وجل وتمريغ الوجه بالتراب له تعالى، وهي لحظةٍ ضعف في ظاهرها وذل، لكنها لحظة كمال للإنسان، ولهذا قال الله عز وجل: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن:19] أي: رسول الله، فلحظة عبادته لله تعالى ودعائه إياه: هي لحظة عبودية يتجلى فيها ما وهبه الله تعالى من خصائص الجمال والجلال والكمال.

    أفضلية كتب السنة والسيرة بعد القرآن

    أفضل الكتب بعد القرآن هي الكتب التي تحكي لنا سيرته صلى الله عليه وسلم وسنته وأقواله وأفعاله، فيقرأ الإنسان -مثلاً- صحيح البخاري أو صحيح مسلم فيجد فيه أنفاس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلماته وعباراته وأقواله وأفعاله وتقريراته وأحكامه وفتاويه التي لا يمكن أن يقارن بها كلام غيره من البشر، ولهذا قال القائل:

    أهل الحديث همُ أهل النبي وإن     لم يصحبوا نَفْسه أنفاسَه صحبوا

    وقال آخر:

    دين النبي محمد آثارُ     نعم المطية للفتى أخبارُ

    لا ترغبن عن الحديث وأهله     فالرأي ليلٌ والحديث نهارُ

    ولربما جهل الفتى أثر الهدى     والشمس طالعة لها أنوارُ

    فهذه الكتب من أعظم الكتب وأولاها بالعناية وأحقها بالدراسة، ونحن في جلسةٍ مباركةٍ -إن شاء الله- مع بعض هذه الكتب، وإن الوقت لا يسعف بأن ندخل إلى مضمونات هذه الكتب من الأحاديث والنصوص، فهذا أمرٌ يطول، ولكننا سوف نطرق الأبواب فقط، ونقف عند الكتب فحسب، وسنجد فيها خيراً كثيراً إن شاء الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088948599

    عدد مرات الحفظ

    780063994