أما بعــد:
أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
إخوتي الكرام! إن حفاوتكم وحسن استقبالكم وحرصكم على الخير مما يشجع الإنسان على تكرار الحضور والمشاركة في مثل هذه الأمسيات الطيبة والمحاضرات، وإن كان ما يقدمه الإنسان هو جهد المقل، ولكن من باب المشاركة وعرض الإنسان ما لديه من آراء على أنظار إخوانه وأصحابه وأحبابه، ولذلك فإنني أقول: إن مثل هذه الجموع الطيبة، التي تحيي هذه المحاضرات، وتقبل عليها، هو السر في اختياري لموضوع هذه المحاضرة (واجب الأمة تجاه علمائها).
في وقت مضى كان هناك ناس يقبلون على الإسلام، لكن غالبهم ليس لديهم إلا مجرد العواطف، والولاء الغامض للإسلام، أما اليوم فأنت أصبحت تجد الشاب المقبل على الإسلام لا يكتفي بمجرد الحب لهذا الدين، والولاء له، وإقامة شعائر الإسلام، بل إنه حريص على تلقي العلم الشرعي الذي ينير له الطريق، ويجعله خبيراً بتفاصيل الأمور، ولذلك تجد الشاب حريصاً على معرفة كل دقيق وجديد، مما يتعلق بأمر دينه، كيف يصلي؟
كيف يذكر الله؟
كيف يسبح؟
كيف يصوم؟
كيف يحج؟
كيف يدعو؟
وهذه لا شك بشارة أن هذه الصحوة الإسلامية صحوة مبنية على العلم والتعلم، وعلى الدليل من الكتاب والسنة، وليست مجرد ولاء غامض لهذا الدين.
لقد أصبح الشاب من يوم أن يتوجه يحرص على معرفة الفقه في الدين، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية في الصحيح : {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين } فإننا نرجو أن يكون الله عز وجل أراد بهؤلاء الشباب المؤمنين في كل مكان أراد بهم خيراً، حين فتح قلوبهم على التوجه إلى الفقه في الدين، والازدياد من الهدى، وأن ينهلوا من ينابيع الكتاب والسنة، وأصبح الشاب لا يكتفي مثلما كان الأمر بالأمس القريب، بمجرد أن يسأل الشيخ، ما حكم كذا؟
فيقول له: حلال أو حرام، ثم يذهب الشاب فيطبق، لا، أصبح الشاب حريصاً على أن يعرف الحكم، ويعرف دليله، ويعرف القول الراجح في كل مسألة، ويعرف الصحيح من غيره، وهذه كما ذكرت نعمة كبيرة، ولذلك شهد الإقبال على العلم الشرعي ما لا عهد له به من توجه هؤلاء الشباب.
أَمَا إنني لا أقول: طلاب كليات الشريعة وأصول الدين، والدراسات الإسلامية في جامعاتنا وغيرها، كلا؛ بل وحتى طلاب الكليات الأخرى، من طب، أو هندسة، أو علوم، أو غيرها، تجد الواحد منهم حريصاً على معرفة أحكام دينه بأدلتها، حريصاً على معرفة كيف يصلي، وكيف يركع، وكيف يسجد، وكيف يسلم، لأن هذه أمور ليس مبناها على التقليد، ولا مبناها على العادة، إنما مبناها على حديث:{صلوا كما رأيتموني أصلي} وحديث: {خذوا عني مناسككم} أمور مبناها على التوقيف، والنقل الصحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
بل وليس فقط طلاب الجامعات، تجد الطالب في المستوى الثانوي بعد أن يهديه الله عز وجل للإسلام والخير تجده يحرص على معرفة تفاصيل هذه الأحكام.
لكن هذا شأن الأمم الوثنية، من اليهود والنصارى وغيرهم، كذلك قد يعبرون عن تعظيمهم لعلمائهم بتصويرهم، وتعليق صورهم في أماكن العبادات، وهذا أيضاً وقع فيه أهل الكتاب، ولذلك لما ذكرت أم سلمة وأم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ذكرتا له كنيسة رأينها بـالحبشة، وأن فيها صوراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله} وكان أول من وقع في هذا المنـزلق الوثني هم قوم نوح كما في صحيح البخاري عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح:23] [[إنها أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى من بعدهم أن صوروا هؤلاء القوم، وانصبوا لهم هذه الصور ففعلوا، ولم تعبد، فلما مات أولئك القوم، وجاء من بعدهم ونسي العلم عبدت]]، فتصوير هؤلاء هو أيضاً مظهر من مظاهر احتفال الأمم الوثنية بعظمائها.
قد يعبرون بصور أخرى، مثل أن يطلقوا اسم العالم على ساحة، أو مؤسسة، أو شارع، أو مدرسة، أو غيرها، أو يذكرونه في أجهزة إعلامهم، أو في أناشيدهم الوطنية كما يسمونها، إلى غير ذلك، هذا شأن كثير من الأمم غير المسلمة.
فمثلاً حين ننظر إلى بناء القبور وتعليق الصور والتماثيل، وما أشبه ذلك من التعبيرات المحرمة، أو الشركية، نجد أن الله عز وجل قد وقى المسلمين شر مثل هذه اللوثات الوثنية، وحين كان يوجد مثل هذا الأمر من بعض الجهال والدهماء، كان يلاقى بالإنكار من العلماء، والرد على فاعليه، وسخطه، وبيان أنه لا يرضي الله ورسوله.
ولذلك لا يزال يوجد في الأمة الإسلامية، من يوم وجدت فيها هذه المظاهر إلى اليوم، لا زال يوجد فيها صوت غالب مهيمن مسيطر يقول للناس: إن بناء المساجد على القبور، أو دفن الأموات في المساجد، أو تعليق صور العظماء، أو وضع التماثيل لهم، إنه أمر محرم بإجماع الأمة، وأنه شرك في غالب الأحيان، وذريعة إلى الشرك أحياناً أخرى.
فهذه الصور المنبوذة المكروهة وقى الله الأمة الإسلامية شر إقرارها أو قبولها، إلا في حالات مهما كثرت يقيض الله عز وجل من يرفضها ويأباها.
ولو أردنا أن نعد على سبيل الأمثلة لطال بنا المقام، لكن انظر مثلاً، الخلفاء الراشدون، العشرة المبشرون، بالجنة أهل بدر، أهل بيعة الرضوان، السابقون، ثم انظر إلى جماهير من التابعين، انظر للأئمة الأربعة، باعتبارهم ممن أطبقت الأمة على الاقتداء بهم، الأئمة الستة، أصحاب الكتب الستة في السنة، انظر إلى علماء الأمة الذين أتوا بعد ذلك كـابن تيمية وابن القيم وابن حجر والعراقي والعز بن عبد السلام، ثم انظر إلى الذين أتوا في آخر هذه الأمة من المجددين، والعلماء والمفكرين والمصلحين، كـالإمام محمد بن عبد الوهاب، ونذير حسين، من الذين جاءوا بعدهم أيضاً رشيد رضا، ثم طبقة أخيرة كالشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ الألباني، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ الهلالي، إلى غير ذلك من علماء هذه الجزيرة، ومن علماء الهند، ومن علماء المغرب، ومن علماء الشام، ومصر وغيرها، من الذين ساروا على منهج السلف الصالح واقتدوا بهم، وحاذروا الوقوع في البدع الاعتقادية والعملية، فتجد عندك من ذلك جمعاً غفيراً لا يكاد يأتي عليه الحصر والعد.
أما من حيث الكيف؛ فهو أيضاً أمر لا عهد للأمم به، وأنتم لو كتب لكم أن تقرأوا بعض تراجم لمن يسمون بالعظماء عند الأمم الأخرى، لوجدت الواحد منهم قد يكون بارزاً في مجال، ولكنك قد تجده في المجالات الأخرى في الحضيض، ولو قرأتم بعض سير العظماء الأوروبيين وغيرهم، لوجدتم بعض العظماء عندهم وفي نظرهم، قد تجدونه شاذاً في النواحي الأخلاقية، في سلوكه، في معاملته، في بيته، ولهم في ذلك قصص وطرائف وأعاجيب يضحك منها الإنسان العادي عندنا نحن المسلمين.
ومع ذلك يصفقون لهم ويهللون، ويملئون الدنيا بذكرهم، حتى أصبح كثير من ذرية المسلمين يعرفون عن أعلام الغرب ما لا يعرفون عن أعلام الإسلام، مع أن أولئك الأعلام في نظر الغربيين لا يستحقون أن يقرنوا بوجه من الوجوه بالمسلم، ولذلك فإنني أعتب على ذلك الشاعر الذي يقول: عمر بن الخطاب أفضل من لينين مليون مرة أو يزيد، من يقرن عمر بن الخطاب بـلينين ولا مليون مرة ولا أكثر، من يقرن أصحاب الجنة بأصحاب النار؟ قال تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] من يقرن الأبطال الذين لا زالت الدنيا تحتفل بآثارهم وتفرح بتراثهم وتعيش على ما نقلوه لها من الهدى والعلم، بأولئك القمامات الذين لا زالت الدنيا تشقى في بلاد كثيرة بفكرهم الملوث، وآثارهم الرديئة، ومخلفاتهم العفنة، لا مقارنة بين هؤلاء وهؤلاء، هذا جانب من جوانب التميز التي تميزت بها الأمة الإسلامية عن أمم الدنيا كلها، من حيث العظماء كماً وكيفاً.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاًُ أن تعد معايبه |
ولذلك أيضاً كان الإمام مالك يقول: لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشاذ من العلم ويقول آخر: لو أنك تتبعت شذوذات العلماء لاجتمع فيك الشر كله، ومن قبل كان عمر بن الخطاب يقول: كما في حديث عمران بن حدير: {أتدري ما يهدم الإسلام؟ قال: لا، قال: يهدم الإسلام ثلاث: زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين} فكان السلف يحذرون من زلة العالم، يحذرون من التحذير المعتدل، الذي يحتاج إلى أن يفقهه الخلف من بعدهم، فيدرك أن الأمة الإسلامية ضمن ولائها وتقديرها للعلماء إنما تواليهم للعلم الذي يحملوه، فإذا أخطأ الواحد منهم لم تجد نفسها محتاجة إلى أن تتابعه في الخطأ، كما أنها ليست محتاجة إلى أن ترفضه لأنه أخطأ، إن الذي لا يخطئ هو النبي عليه الصلاة والسلام، أما من عداه فإنهم يخطئون، ونحن نعرف أننا لو رفضنا كل إنسان لأنه أخطأ خطأ أو عشرة أو مائة، لوجدنا أننا بلا قيادات وبلا زعامات وبلا شخصيات، حتى الصحابة رضي الله عنهم؛ نعرف أنهم اختلفوا في مسائل كثيرة، وخطَّأ بعضهم بعضاً في مسائل كثيرة، والعلماء من بعدهم قالوا: الصواب في المسألة الفلانية مع فلان، والراجح في المسألة الفلانية مع فلان، وهذا لا يعني الحط من قدر فلان، بل هو مجتهد له أجر الاجتهاد، وغيره مجتهد له أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة.
فهذه لا بد من فقهها -ووعيها أيها الإخوان- لئلا تطيش الموازين عندنا، إن من المشكلات أن من الناس -من المسلمين- من يعتبر أنه خَلْفَ هذا العالم، على طول الطريق:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد |
إن أصاب أصبنا وإن أخطأ أخطأنا، وهذا منهج جاهلي، وفي المقابل تجد أن هناك من يعالج هذا الخطأ بخطأ آخر، فإذا وقع من عالم زلة أو غلط أو سقطة أو ثنتان أو ثلاث سقط من عينه، وأصبح يتحدث فيه، ولا يعتبره شيئاً، وربما أكثر من ذكر هذه الغلطة والسقطة، ومن هو الذي لا يغلط، سبحان الله! الميزان في نفس المسلم الفقيه معتدل، هذا تميز آخر يتميز به المسلم عن غيره من الأمم الأخرى.
في مستدرك الحاكم أن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه كان يأخذ بركاب زيد بن ثابت ويقول: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا، ومرة أخرى ابن عباس رضي الله عنه، كما في فضائل الصحابة للإمام أحمد وغيره، كان يأتي إلى الرجل من الصحابة يريد أن يأخذ عنه الحديث، فيجد أنه في القيلولة نائم، فلا يطرق عليه الباب ولا يؤذيه، بل يتوسد ثوبه وينام عند باب هذا الرجل، حتى تأتي الريح وتسفي على ابن عباس التراب، فإذا استيقظ الرجل وخرج لصلاة العصر وجد الرجل نائماً عند بابه، فسلم عليه وقال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أرسلت إلي فأتيتك، يعظمون ابن عباس لعلمه ولأنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[لا أنت أحق أن يؤتى إليك]] ثم يسأله عن هذا الحديث ويرجع.
كان الناس يوقرون ويقدرون علماءهم، الإمام أحمد رحمه الله كان يجلس بين يدي خلف الأحمر كما ذكر بعض أهل العلم ويقول له: لا أقعد إلا بين يديك هكذا أُدِّبنا مع علمائنا، ومثله كان الشافعي وغيره من أهل العلم يفعلون مع معلميهم وأساتذتهم ومشايخهم، أما إني لا أقول كما يقول الغزالي صاحب إحياء علوم الدين، يقول: إنه يجب أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله، فإن هذا تسليم لا يعرف في الإسلام، ولكن لعلنا نستعين بعبارة ابن جماعة الكناني في تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم، حيث يقول: إنه يجب أن يكون بين يدي شيخه كالمريض بين يدي الطبيب فلا شك أن الجهل داء ودواؤه العلم، وكما أن الجاهل مريض فالعالم طبيب، ولذلك فإنه ينبغي للطالب أن يتحلى بحسن الأدب، والتلطف مع شيخه، وتقديره في السؤال وفي المراجعة، وفي استعادته للكلام، ولو حدث من شيخه غلط أو خطأ، فإنه يراجع بأدب وحسن سلوك، وليس بالضرورة أن يواجهه هكذا في وجهه، ويقول: هذا من الشجاعة وهذا من الجراءة في قول الحق أخطأت، وهذا ليس بصحيح، وأنت وفلان قال: غير هذا، فهذا ليس من الأدب، وليس من التقدير، هؤلاء أناس بذلوا وقتهم للعلم وللتعليم، وللجهاد في العلم والدعوة في واقع الناس، فمن حقهم أن يجدوا الاهتمام ويجدوا الأدب، ويجدوا التقدير الذي يدعو غيره إلى أن يحذوا حذوه، ويدعوهم إلى أن يستمروا في ما هم فيه من العطاء والبذل والتضحية في هذا السبيل.
أيها الإخوة: من المؤسف أن علماء المبتدعة يجدون من عامة أهل البدع التقدير والاحترام والتبجيل، والمبالغة في ذلك، التي تصل إلى حد الغلو الذي لا يرضاه الله ورسوله، فنجد مثلاً من الرافضة تعظيماً لزعمائهم، وهذا أمر ملحوظ مشاهد، تجدونهم يسيرون خلفهم ويبجلونهم ويعظمونهم، ويتقصدون أن يشعروا الناس كلهم بأنهم خلف علمائهم، وأن العالم في المحل الأرفع عندهم، وكذلك المعتزلة، وغيرهم من أهل البدع، على سبيل المثال واصل بن عطاء شيخ المعتزلة كان له أتباع ومريديون، لو قال لهم: اذهبوا إلى الصين أو السند أو الهند لركضوا ولم يترددوا عما يقول؛ ولذلك يمدحه أحد الشعراء بقوله -يمدح هذا المبتدع الضال بقوله-:
له خلف بحر الصين في كل بلدة إلى سوسها الأقصى وخلف البرابر |
رجال دعاة لا يَفلُّ عزيمهم تهكُّم جبار ولا كيد ماكر |
إذا قال مروا في الشتاء تسارعوا وإن جاء حر لم يخف شهر ناجر |
هم أهل دين الله في كل بلدة وأرباب فتياها وأهل التشاجر |
يعني يمدح هؤلاء الناس، بأنهم مطيعون لشيخهم في الضلالة واصل بن عطاء، وليس المقصود أن أهل السنة والجماعة يجب أن يكونوا مع علمائهم كأهل البدعة والضلالة، لا؛ لكن هناك قدر يخل به بعض الصالحين، ونحن كما أسلفت نفرق بين تقدير العالم وتبجيله واحترامه، وأن نتعمد إشعار الناس كلهم بأننا نقدر علماءنا، ونعظمهم، وهكذا أمرنا أن نصنع بهم، كما يقول ابن عباس، نفرق بين هذا وبين كون العالم له موقع لا نتخطى موقعه به، فالعالم ليس نبياً ولكنه وريث النبي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر} فورثة الأنبياء لهم قدر، لهم مكانة، لهم فضل، لكنهم ليسوا بأنبياء، بحيث لا يرد عليهم ولا يناقشون، ولا يراجعون، ولا يسألون عن الدليل، فلا بد من التفريق بين هذا وهذا.
فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً فليقسُ أحياناً على من يرحم |
كان علماء السلف رحمهم الله أحياناً يتعمدون أن يؤدبوا الطالب بكلمة أو بلفظة أو بعبارة معينة، لأن هذا الطالب يحتاج إلى ضربة معلم كما يقال، تجعله يعتدل، قد يشتط الطالب، قد يزداد، قد يعجب بنفسه، قد يتعدى حده، فيحتاج إلى كلمة تكون كالضربة من الشيخ يؤدب بها الطالب، ويقول له: أخطأت، والذي لا يتحمل هذا الأمر لا يمكن أن يكون عالماً، ولذلك قال مجاهد كما ذكره البخاري تعليقاً [[لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر]] لأن المستكبر يأنف من الذل في سبيل طلب العلم، وابن عباس رضي الله عنهما يقول: [[ذللت طالباً فعززت مطلوباً]] لاحظ ذللت طالباً فعززت مطلوباً، أي أنه يوم كان طالباً كان يذل نفسه بين يدي الشيخ، لا يقول: أنا فلان بن فلان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا الذي دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء مشغولون بحرثهم وزرعهم وتجارتهم، لماذا أركض وراءهم؟
لا، كان يذل نفسه بين يدي عالم وشيخ، فعز مطلوباً، فلما حصل على العلم أكرمه الناس وأعزوه، وصاروا يضربون إليه أكباد الإبل من كل مكان.
أيها الإخوة! المهم ينبغي أن نفرق بين صنفين من الناس: هناك صنف من العلماء، أو من المنسوبين إلى العلم، قد ينال من الشباب أو من الصالحين أو من الدعاة أو من طلاب العلم، ويقع فيهم ويلمزهم ويتكلم فيهم، من دافع البغض والشنآن والوقيعة والعداء للسنة، فهذا لا كرامة له، ولا نقول: إنه يجب تبجيله واحترامه وكذا وكذا، لكن هناك عالم من منطلق الحب والمودة، والحرص على الإصلاح، وتجنب العثرة، واتقاء الخطأ، قد يوجه وقد يرشد وقد يخطِّئ وقد يضيق، فنفرق بين هذا وهذا.
والإنسان إذا لم يستطع أن يميز عدوه من صديقه فهو في غاية الجهل، لأن صديقك الحقيقي هو من يقول لك: أصبت إذا أصبت، ويقول لك: أخطأت إذا أخطأت، أما من يصوبك على طول الطريق فهو عدو لك، وكذلك من يتحامل عليك، ويحوِّل صوابك إلى خطأ، فهو عدو أيضاً وكما قيل:
إذا محاسني اللائي أذل بها صارت عيوباً فقل لي كيف أعتذر |
فلا بد من تحمل ما قد يبدر من الشيخ، مما قد يعده الطالب جفوة أو شدة أو قسوة في حقه:
ومن لم يذق ذل التعلم ساعة تجرع كأس الجهل طول حياته |
وقولوا لي بالله عليكم! أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هل كانوا فقط يتعلمون منه عن طريق الدروس؟
هل كان يعقد لهم محاضرات وخطب، فيجلس يتكلم وهم يسمعون؟
لا وإن كان هذا يقع؛ لكن كانوا في معايشة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامته وسفره وضعنه وحله وترحاله وغزوه وحربه وسلمه وبيته ومسجده وسوقه، يعايشونه عليه الصلاة والسلام ويتابعونه ويتعلمون من خلقه مثلما يتعلمون من قوله عليه الصلاة والسلام.
فمسألة تعلم الإنسان من الشيخ حسن الخلق والصبر والحلم والرزانة والأدب والهدي والسمت، لا تقل أهمية عن تعلم العلم المجرد من الأحكام والأصول والفروع والأدلة والآيات والأحاديث ونحوها، فلا بد من صحبتهم لهذه الأشياء كلها، هذه الصحبة كانت سمتاً يميز علماء السلف، وأضرب لكم أمثلة يسيرة في ذلك:
1- من أشهر الأمثلة في ذلك قصة عبد الله بن المبارك، لما زار الرقة كان يسمى أمير المؤمنين في الحديث -وعبد الله بن المبارك من الشخصيات التي تجمع فيها ما تفرق في غيرها، ارجع إلى سيرته واقرأ ماذا يعجبك في عبد الله بن المبارك، إن قلت العلم فالعلم، إن قلت الحديث فالحديث، إن قلت الكرم والجود والسخاء فذاك، إن قلت الجهاد والغزو والشجاعة، إن قلت العبادة سبحان الله! إنه شخصية جامعة، المهم عبد الله بن المبارك من أئمة السلف وعلمائهم وجهابذتهم- زار الرقة بلد بالمشرق، وصادف في زيارته أن هارون الرشيد أمير المؤمنين في الواقع، ذاك أمير المؤمنين في الحديث وذاك أمير المؤمنين في السياسة والحكم، زار الرقة أيضاً، فانجفل الناس إلى عبد الله بن المبارك وامتلأت الشوارع، وارتفع الغبار، وتقطعت النعال، كان مع هارون الرشيد أم ولد، يعني أمة وطئها هارون الرشيد فولدت له، فتعجبت! موكب هارون الرشيد في هذا الاتجاه والناس ذاهبون في اتجاه آخر، فتلفتت وقالت: ما شأن الناس؟!
إلى أين يذهبون؟!
مسكينة ظنت أنهم ضلوا الطريق! فقال لها بعض من حولها: إن عبد الله بن المبارك أمير المؤمنين في الحديث قد قدم الرقة، فالناس قد انجفلوا إليه، فحركت رأسها وقالت: هذا والله هو الملك لا ملك هارون الرشيد الذي يقاد إليه الناس بالسياط والشرط والقوة.
فضمير الأمة الإسلامية كان وراء العلماء وحول العلماء، وإذا قدم العالم كانت البلدة تخرج لاستقباله، وإذا تحدث أنصت الناس له.
2- كم كان يحضر مجلس الإمام أحمد في بغداد بعدما فتن وصبر؟ قدر بعض العلماء كـابن الجوزي وغيره من يحضرون مجلسه بخمسة آلاف نسمة.
3- انظر على سبيل المثال شيخ الإسلام ابن تيمية كيف كان ابن تيمية؟، لأنه كان فعلاً مع الأمة في الواقع، كانت قلوب الناس معه كما ذكر ابن القيموالذهبي وغيرهما، العامة كلهم كانوا مع ابن تيمية رحمه الله، ولذلك كان السلطان يخاف من ابن تيمية ويخشى منه، فلا يمسه ولا يؤذيه، حتى أن ابن تيمية كان يخرج في الأسواق، ويغير المنكرات، ويكسر أواني الخمر ويهريقها، وخرج إلى جبل كسروان فقطع أشجارهم وفرقهم وأنكر عليهم، وما كان أحد يستطيع أن يتعرض له، بل كان ابن تيمية يقف أمام السلطان المملوكي في مصر، ويقول لهم: إن كنتم تخليتم عن الشام فإننا نقيم للشام حاكماً يحوطه ويحميه في زمن الخوف ويستغله في زمن الأمن، قال تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] ومع ذلك ما كان السلطان يستطيع أن يتصدى لـابن تيمية بشيء، لأن ضمير الأمة وقلوب الناس كانت مع ابن تيمية.
ولذلك فإن التفاف الناس حول علمائهم الصادقين العاملين، علماء أهل السنة والجماعة رمز يميز هذه الأمة، وهو ضمانة من وجهين: ضمانة للعامة حتى تكون قياداتها قيادات علمية وشرعية وعقائدية موثوقة، وبالمقابل ضمانة للعلماء حتى يتمكنوا من القيام بدورهم الدعوي والعلمي والواقعي وهم آمنون، وسيأتي مزيد من إلقاء الضوء على هذه النقطة بالذات.
4- العز بن عبد السلام يذكر بعض مترجميه أن العز بن عبد السلام لما خرج إلى مصر -العز بن عبد السلام بطبيعته في الحال كان في الشام فلما جاء الصليبيون ومالأهم حاكم الشام قطع العز بن عبد السلام الدعاء له على الخطبة، وتكلم عليه، فأمره السلطان بالخروج فخرج، ثم سجنه في خيمة في أحد الأماكن، وكان السلطان في نفس الوقت في خيمة مجاورة، يتفاوض مع بعض رسل الصليبيين، فسمع هذا الصليبي العز بن عبد السلام وهو يقرأ القرآن ويهلل ويسبح، فقال: من هذا؟
قال الحاكم: هذا رجل من علمائنا، عارضنا فيما نعمله معكم من المفاوضة فسجناه، فقال الرجل: والله لو كان هذا الحبر عندنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها! عالم يتخذ هذا الموقف، هذا يبجل ويعظم، المهم خرج العز بن عبد السلام إلى مصر ومكث فيها وقتاً طويلاً، كان يحكمها المماليك، وهم عبيد مملوكون أرقاء، فقال العز بن عبد السلام: لا بد أن تباعوا ويحرج عليكم بالمزاد العلني، ثم بعد ذلك إن شئتم أن تعودوا للسلطة فعودوا، أما أن تحكموا الناس وأنتم عبيد، فهذا لا يمكن، المهم قالوا له: أخرج من البلد، فخرج في موكب متواضع، راكب على حمار ومعه زوجته، وقد وضع أثاثه على هذا الحمار، وخرج هذا الموكب البسيط، فخرجت معه مصر كلها، فجاء الناس إلى السلطان، وقالوا: خرج العز بن عبد السلام فخرجت مصر وراءه! فمن تحكم إذاً إذا خرج الناس، فأمره بالعودة واسترضاه وحقق له ما يريد!
أولاً: إجماعهم حجة، فإذا أطبق العلماء واتفقوا على حكم فهو حجة، لا يسع أحد أن يخالفهم، بل يجب على الأمة أن تتابعهم في ذلك.
أما إذا اختلفوا فإن الإنسان حينئذ قد يكون عامياً، يقول: أنا والله لا أقرأ ولا أكتب، ولا أميز بين الحديث الصحيح وغيره، ولا أفهم معاني القرآن والسنة، فنقول: ما دمت عامياً فواجبك أن تكون مقلداً لمن تثق بدينه من العلماء، سواء من العلماء الأحياء أو الأموات، تقول: أثق بعلم الإمام أحمد، الشافعي، مالك، أبي حنيفة، عالم معاصر من العلماء المعتبرين، تقلده فيما ينـزل بك من الوقائع والأشياء التي تحتاج إلى معرفة حكم الله ورسوله.
وقد نقل بعض الأصوليين كـابن قدامة وغيره؛ الإجماع على أن العامي فرضه التقليد، ومذهبه مذهب مفتيه، فالعامي لا يفقه الأدلة، هذا بالنسبة لك إن كنت عامياً.
أما إن كنت طالب علم فأنت تتبعه، والاتباع هو أن تسأله عن الحكم، وتسأله عن الدليل، وحينئذٍ إن كان ما أفتاك به بدليله صحيحاً، ولم يبن لك خلاف ذلك قبلته، وإن رأيت هناك قولاً آخر أقوى منه وأجدر بالاتباع، فأنت تنتقل من عالم إلى عالم آخر، فلا زلت في إطار العلماء، أما إن كان الإنسان عالماً فهو حينئذ نظير لهذا العالم، إن وافقه حمده، وإن خالفه شكره، لأنه خالفه بمقتضى الدليل الشرعي، وهذا لا يوجب خصومة ولا عداء:
والعالم المحقق لا يأتي بشيء من كيسه، إنما يأتي بفهم فهمه من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من قواعد متفق عليها بين أهل العلم.
ولذلك على الإنسان أولاً: أن يدرك أن هؤلاء العلماء النيل منهم ليس كالنيل من غيرهم، ولذلك يقول ابن عساكر: اعلم أخي! أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، وهذا ملحوظ.
أيها الإخوة! إنني أعرف رجالاً كانوا ينالون من أهل العلم المعروفين، الذين أسلمت الأمة لهم القيادة، فقال لأحدهم قائل، سمعه يقول في حق عالم جليل من علمائنا فقال له رجل: والله ليكونن لهذه الكلمة شأن، وفعلاً ما مر غير وقت يسير حتى كان هذا الذي ينال من العلماء ضل وانحرف عن سواء السبيل، والعياذ بالله! وأصبح في حال يرثى لها، فلحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، يعني كل إنسان ينتقص العلماء ويزدريهم غالباً يهتك ستره في الدنيا قبل الآخرة.
ونحن نقول لمن ينال من علمائنا، ويحط من قدرهم، نقول له أولاً:
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا |
نحن لا نقول: علماؤنا معصومون، ولا نقول: إنهم أنبياء، ولا نقول: إنهم ملائكة، لكننا نقول: إنهم من أفضل البشر ومن خير البرية، كما قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة:7] والذي ينال منهم ينال من أفضل طبقات الأمة، ومهما يكن في العالم من التقصير، فيكفيه فخراً أنه في الوقت الذي أكون أنا وأنت مشغولون بالبيع والشراء والصفقات والدراسة وأعمالنا الدنيوية، هذا العالم قد انقطع عن كل هذه الأمور، وتفرغ للفقه في الدين والعبادة والعلم والتعليم، وغير ذلك من الجهود العظيمة.
يكفيه هذا فخراً، هذا العالم في يوم من الأيام كان طالباً في الكلية، كان زملاؤه في الكلية يعدون بالمئات كلهم ذهبوا، لا يعرفهم الناس، لا يعرفون إلا فلاناً لماذا؟
لأنه استمر في الطلب والعلم والتعليم والدعوة، حتى نفع الله به، وسد الله بيده ثغرة للأمة.
وثانياً نقول: هؤلاء علماؤنا، وبهم نفتخر، فلماذا يكونون هم بيت القصيد؟!
وهم موضع السهم؟!
لماذا تغفل عن العلمانيين ودعاة الضلالة، وكثير من الفساق والفجار، وحملة الأفكار الأرضية والمذاهب الوضعية، ودعاة الفتنة والفساد لماذا تغفلون عنهم؟!
لماذا يلقى هؤلاء الحظوة؟!
وهذا أمر غريب أيها الإخوة! المنحرفون حتى المنحرفون يبجلون قادتهم، ولذلك تجد كثيراً ما يطبق الناس على مدح فلان، فلان ناجح في عمله، قام بخدمات جليلة، أمين مخلص جاد، وهات من هذه الألقاب الفضفاضة الفخمة، لماذا؟
لأن أولياءهم من شياطين الإنس نجحوا في تضليل الناس والتغرير بهم، وتلميع شخصياتهم وصورهم، فصاروا هم العلماء والأدباء والشعراء والعاملين والمخلصين، وأضفوا عليهم من الألقاب فوق ما يستحقون!
في حين أن الدعاة وطلاب العلم وأهل الخير والصلاح خذلوا علماءهم، ورضوا بأن ينال منهم، فهذا لا يكون ولا ينبغي أن يكون.
كذلك أضيف أنه ما قد يوجد عند العالم من تقصير قد يكون طبيعياً من جهة، ومن جهة قد نتحمل نحن مسئوليته، لأن من واجبنا نحن أن نوصل إلى العالم ما نرى وجوب إيصاله، فمثلاً لكي يكون العالم بصيراً بالواقع، يحتاج إلى أن يكون الناس جسوراً يوصلون إليه ما يرون في الواقع من أمور، وإلا فالعالم ليس كالشمس يشرق على جزء كبير من الدنيا، بل الشمس لا تشرق على الدنيا كلها، وإذا أشرقت على بلاد غابت عن بلاد أخرى، فانشغاله بالعلم والتعليم، وأمور ومهام ومشاغل كثيرة، قد يلهيه عن أمور أخرى فعلاً، ويصبح ليس لديه الملكة الكافية، فمن واجب الناس أن يحرصوا على إيصال مثل هذه الأمور لعلمائهم، وإيصال ما قد يقال من الأمور التي من المهم أن يعرفها العالم.
وأصبح له رصيد كبير مع الأسف في بعض المجتمعات الإسلامية، كذلك البدع العملية وترك الصلوات، والبدع في العبادات، والحوادث التي لم تكن موجودة في عهد السلف، ووقوع الناس فيها، وانحرافهم عنها، فضلاً عن الانحرافات السلوكية، من انتشار الاختلاط والسفور والتبرج والخلوة، وما يترتب على ذلك من هتك الأعراض والوقوع في الشذوذ، وكون هناك أجهزة ووسائل كثيرة من وسائل الإعلام في كل البلاد الإسلامية، أصبحت تساهم مساهمة فعالة في مثل هذه الميادين، وأصبحت أشرطة الفيديو والأغاني والتلفزيونات في البلاد الإسلامية تعمل على تطبيع كثير من المنكرات، بحيث أن الإنسان لا يستغرب أن الرجل يخلو بامرأة أو يقبلها، أو أن المرأة تظهر سافرة حاسرة عن شعرها ورقبتها ونحرها، وربما ذراعيها وعضديها وساقيها، وتصاحب الرجال وتصادقهم، وقد تقع الخيانة، وبالمقابل أصبحت في كثير من الأحيان تعمل على تعميق غربة الشرائع الإسلامية.
ففي الوقت الذي تجد أن مسألة تعدد الزوجات -على سبيل المثال- أصبحت شعيرة غريبة، وأصبح موضوع تعدد الخليلات أمراً معروفاً في بعض المجتمعات، على الأقل في شعور الناس، وأذكر في ذلك طرفة ذكرها أحد العلماء، يقول: في إحدى البلاد الإسلامية ولم يسمها، كان تعدد الزوجات ممنوعاً، ولكن صادف أن رجلاً تزوج باثنتين، فأحد أصدقائه حصل بينه وبينه خصومة، وقال له: أنا سوف أوقع فيك، وذهب للسلطة الرسمية للشرطة، وقال لهم: فلان واقع في الجريمة! قالوا: كيف؟ قال: عنده زوجتان، قالوا: صحيح! قال: نعم، وسجل لهم بلاغاً إن فلاناً عنده زوجتان، فجاءت الشرطة تراقب هذا الإنسان، وفعلاً اكتشفوا أنه يتردد على بيتين، فقبض عليه متلبساً بالجرم المشهود، وبعد أن أحضروه، قال لهم: يا ناس أبداً أنتم مخطئون، قالوا: قد وجدناك وراقبناك، قال: نعم، صحيح هذه زوجة، وتلك كانت خليلة أو عشيقة، فاعتذورا إليه وردوه بكل أدب واحترام إلى بيته!!
والعهدة على الناقل، ولا أظنه إلا صادقاً وليس هذا بغريب، فقد رأينا من غربة شرائع الإسلام في بعض البلاد أمراً عجباً.
أولاً: لا بد أن تبلغها للعلماء، وهذا التبليغ يكون بصورة موثقة وليس مجرد كلام، لأن بعض الناس يكون عنده نوع من الحساسية المفرطة، تجعله يبالغ في ذكر المنكرات، وقد قابلت بعض الشباب مثلاً، فوجدته يتحدث بحرقة وربما انفعال فوق اللزوم، ويقول: يا أخي! البلد فيه كذا وفيه كذا، في إحدى البلاد، ويحدثك عن بعض الأوضاع، فإذا قلت له: اذهب، أنا أريد أن أرى بعيني، جاء بك إلى شباب جالسين على الرصيف مثلاً، وقال لك: هؤلاء يوجد عندهم فجور ولواط، أرني إياها! قال: هذا كبير وهذا صغير، وهذا كذا، وهم يضحكون ويدخنون، صحيح أن هذا وضع غير جيد، وضع مشبوه، والتدخين محرم، لكن مسألة أنه يكمل الرواية من خياله هذا لا ينبغي أن يكون! وبعض الناس يوجد عندهم نوع من عدم التوازن، يجعلهم يبالغون في ذكر المنكرات، ولذلك حين تذكر للعالم منكراً لا بد أن تكون دقيقاً، ولا بد أن توثق ذكر هذا المنكر بصورة جيدة.
ثانياً: بعد أن تذكر هذا للعالم، أو لمن يسعه التغيير من أهل الحسبة، أو من القائمين على هذا الأمر، بعد ذلك العالم قد ينكر وقد يعجز عن الإنكار، وهنا يأتي دور قول الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] فليس من حقك أن تنفض يدك وتقول: يا أخي! العلماء تخلوا، العلماء لا ينكرون، العلماء لا يفعلون، قد يكون أنكر لكنك ما علمت، والإنكار لا يعني بالضرورة أن المنكر زال، بذل العالم جهده، والعالم ليس سلطة في كل حال يغير الأمور بمجرد قلم، العالم قد يستطيع وقد يعجز، لكن إذا قام بما يجب عليه، هذا الذي يسعه بينه وبين الله جل وعلا.
وكم من مواقف وجهود كبيرة نعرفها لأهل العلم، لا يعرفها الناس، وهم يلومونهم، وقد لا يدرون مواقفهم القوية الشجاعة، والعالم لا يؤثر أن يتحدث الناس عنه بهذه المواقف، بل يفضل أن تكون بعيدة عن حديث الناس وكلامهم، لأنه أقرب إلى الصدق، وأبعد عن الرياء، وأقرب إلى الحكمة وتحقيق المصلحة أيضاً.
فهم الذين يقدرون المصلحة، أما كون بعض المخلصين في بعض البلاد الإسلامية سمعوا أنه في بلد معين حفل غنائي يقام، فقاموا وقالوا: لا بد أن نوقف هذا الحفل، وقاموا بالقوة واقتحموا وكسروا!! فعلاً نجحوا في تأخير الحفل، فبدلاً من أن يقام اليوم، أقيم بعد أسبوع، لكن الحفل أقيم، والمنكر ما زال، لكن وقع في مقابل ذلك مفاسد عظيمة، من التضييق على أهل الخير، وسد الأبواب عليهم، وتشويه صورتهم، وإيذائهم وسجنهم وتشريدهم، وإحداث شرطة خاصة بمثل هذه الأعمال، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تخفى عليكم، فمسألة تقدير المصلحة أصبحت خاضعة لاندفاعات بعض المخلصين، والإخلاص وحده لا يكفي، بل لا بد مع الإخلاص من بعد النظر، وسعة الأفق، وتقدير المصالح والمفاسد بصورة حقيقية.
ولذلك فإن دور العلماء أن يضبطوا هذه الحركة، فلا يأذنوا لأي إنسان غيور أن يقوم بالتغيير بالقوة بمجرد قناعته بأن هذا منكر لا بد أن يزول، وبالتالي يبقى المنكر، ويزول هذا الإنسان ويذهب، كما قال ابن خلدون: مأزوراً غير مأجور؛ لأنه ما عرف الطريق الصحيح في التغيير والإصلاح، لا تتخلى عن العالم، تقول: العالم ما أنكر! لا، اجعل نفسك حول العالم، بحيث يكون للعالم قوة، ويتحدث من مركز، في نفس الوقت أنت محكوم بقول الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] والعلماء نصوا على: أن الإنسان يجب عليه أن يغير المنكر إذا أمن الضرر على نفسه، فإذا كان في ذلك ضرر على نفسك، لم يجب عليك الإنكار، فكيف إذا كان في ذلك ضرر على الناس! أحياناً قد تغير المنكر ويترتب على تغييرك منكر أعظم منه.
وليست المشكلة ضرر على الإنسان نفسه؛ قد يقول الإنسان: أنا أتحمل الضرر ولا أبالي، وفي سبيل الله، لكن قدِّر هل سيترتب على هذا التغيير ضرر لغيرك، ومفاسد على الصالحين وعلى الدعاة وعلى العلماء وعلى الغيورين؟ فحينئذ يجب أن تتوقف، وبعض الشر أهون من بعض.
وهذا الموضوع قد أطلت فيه بعض الشيء، لأنه من الأمور التي يكثر سؤال الناس عنه، واستفسارهم حوله، خاصة وقد أصبحت المنكرات بالشكل الذي أومأت إلى شيء منه في بداية هذه النقطة، وعمت وأطمت، وأصبحت تقلق بال الغيورين.
ودعوت الله عز وجل بأن يغير هذا الأمر، ويهيئ لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، والدعاء هو سلاح المؤمن.
خاتمة: إخوتي الكرام! أقول لكم في نهاية هذه المحاضرة، كما قلت لكم في بداية ونهاية محاضرة الأمس، هذه الأشياء التي أقولها لكم هي اجتهادات من عندي، فإن كانت حقاً فمن الله وله جل وعلا المن والفضل، وإن كانت خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منها بريئان، وأسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم ممن يهدون بالحق وبه يعدلون، اللهم اجعلنا ممن يهدون بالحق وبه يعدلون، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلحنا وأصلح بنا وأصلح لنا، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، اللهم انفعنا وانفع بنا، اللهم لا إله إلا أنت أنت القوي ونحن الضعفاء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنـزل علينا من جودك وعطائك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم تقبل منا، واغفر لنا ولإخواننا المسلمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: هذا صحيح وهذا طبيعي، فكما ذكرت أهل السنة يلتفون حول علمائهم، وأهل البدعة يلتفون حول شيوخهم، ممن يعتبرونهم هم علماء، ولكن على الإنسان أن يحرص على أنه إذا تحدث عن أحد من هؤلاء، أن يتحدث عنه بعلم، لأن بعض الناس أحياناً قد يتحدث عن إنسان لكن بدون أن يكون لديه عنه علم صحيح، وبالتالي يكون موقفه ضعيفاً، فيقول: فلان إنه فيه كذا وكذا، قد يأتي إنسان يقول: أثبت لي هذا الأمر، أين قرأت هذا الكلام؟
أين وجدته؟
فلا يجد جواباً، فعلى الإنسان إذا تحدث عن عالم، أو منسوب إلى العلم من هؤلاء، أن يتحدث عن بصيرة ويكون لديه خلفية، ولذلك إذا كان الإنسان يعاصر ويختلط بقوم مخدوعين بإنسان من شيوخ الضلالة والبدعة، عليه أن يعرف الثغرات المعروفة عند هؤلاء الشيوخ، والأخطاء الموجودة عندهم، حتى يستطيع أن يتحدث عنها ويقنع هؤلاء بها.
الجواب: نقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات} فأثبت عليه السلام أمرين: الأعمال والنيات، فكل عمل يعمله الإنسان لا بد له من نية، فلو عمل عملاً بدون نية، أو بنية سيئة، لكان عمله إما أن يكون لا شيء إن كان بغير نية، وإن كان بنية سيئة فهو وبال عليه، مهما كان هذا العمل، فلا بد من أعمال صالحة، ولا بد من نيات، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: {..فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله} فمثل بالهجرة كمثال، يعني لا بد من الهجرة فالهجرة عمل، ومع الهجرة وهي عمل لا بد من نية، أن تكون هجرة الإنسان إلى الله ورسوله، وليست إلى الدنيا، ولا من أجل امرأة يتزوجها.
كذلك الصلاة فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُون * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ [الماعون:4-6] فالزكاة والصلاة والحج، هذه الأعمال المقصودة في الحديث، أما الأعمال السيئة فلا تحتاج إلى نية أصلاً، لأن العمل السيئ سيء بذاته، فالإنسان حين يفجر ويشرب الخمر، ويسرق المال، لا يحتاج إلى نية، هذا العمل أصلاً عمله باختياره فهو عمل سيئ، ولا شك إن عمله بقصد فهو آثم عليه حينئذ، وأما دعواه أن قلبه سليم وعمله سيئ، فهذا يناقض قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {.. ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب..} فقد أثبت عليه الصلاة والسلام أن صلاح القلب يعني صلاح الجسد كله، فإذا وجدت إنساناً جسده كله صالح، فأعماله صالحة، وأقواله صالحة، وعباداته صالحة، فاعلم أن قلبه صالح {إذا صلحت صلح الجسد كله}.
وبالعكس إذا وجدت إنساناً أخلاقه سيئة، وعباداته رديئة، وأقواله بذيئة، فاعلم أن قلبه فاسد، وكما قال عيسى بن مريم: من ثمارهم تعرفونهم.
الجواب: نعم تحدثت في بعض المناسبات عن بعض الأقوال والآراء والأفكار التي كتبها الشيخ الغزالي في عدد من كتبه، ومنها رأيه في موضوع الغناء، وكذلك رأيه في قضية حجاب المرأة، إلى مسائل أخرى كثيرة، وقد بلغني من مصادر عديدة أن هذه الأشرطة وصلت إليه، ولكني لم أعلم بعد ماذا كان موقفه منها.
الجواب: لا شك أن عمل هذا الإنسان منكر عظيم، أن يخلو بهذه الفتاة وهو لم يعقد عليها، ولو كان في نيته أن يخطبها، فإنها لا زالت أجنبية منه ما دام العقد لم يتم، فإن كان هذا الأخ صادقاً بأنه يريد أن يخطب هذه الفتاة ويتزوجها، فلماذا لا يعقد عليها؟!
لأنه بمجرد وجود العقد يحل له أن يخلو بها، أما أن يخلو بها بحجة أنه يريد أن يتزوجها، يعني يريد أن يعقد عليها فهذا حرام، ولذلك عليك أن تفهم أخاك بأن عليه إذا كان صادقاً في هذه النية، عليه أن يعقد عليها وبذلك يزول عنه الحرج، وإذا كان غير صادق فإنه لا يجوز له أن يخادع الناس، ويرتكب ما حرم الله جل وعلا بهذه الطريقة.
ولذلك عليك أن تستمر بنصحه وإرشاده، وألا تنصاع لهذا الأمر الذي يهددك به، بل تناصحه بالأسلوب الحسن، وتبذل جهدك معه، ولا بأس أن تتحدث مع أهل البنت أيضاً مع والدها، أو إخوانها، عن مثل هذا العمل، وأنه لا يليق ولا يجوز.
الجواب: الحل هو الاعتدال، الدين دائماً جاء بالعدل، ودين الله دائماً بين الغالي والجافي، فالذي يبالغ في مدح العلماء وتبجيلهم، وإعطائهم فوق قدرهم، ويغلو في ذلك فهذا مخطئ، وكذلك الذي يحط من قدر العلماء، ويشوه سمعتهم مخطئ، والواجب أن الإنسان يكون في ذلك معتدلاً كما أشرت في ذلك.
وما حكم من يسكت عن نصيحته بسبب المجاملة؟
الجواب: الغالب أن العالم إذا أخطأ يقيض له عالم آخر، لأن العامي، وطالب العلم، والمبتدئ قد لا يدرك خطأ العالم غالباً، وقد يخيل إليه أنه أخطأ والواقع أنه مصيب، وإنما الخطأ هو في قصور هذا الإنسان وفهمه لما يريده العالم، وهذا لا يعني تزكية العالم مطلقاً، بأنه لا يخطئ مطلقاً، لا لكن هذا يعني الإشارة إلى أنه قد يتصور الإنسان أن العالم مخطئ في هذه المسألة ويكون هو المخطئ، فالذي يستطيع أن يقدر خطأ العالم هو العالم مثله، ولكن لو فرض أن العالم وقع في خطأ حقيقي ما فيه كلام بسبب غفلة أو سهو أو غير ذلك، يبلغه الإنسان بتلطف، ولذلك ذكر ابن جماعة في كتابه القيم، الذي أنصح طلاب العلم بقراءته ليتعلموا الأدب مع شيوخهم وعلمائهم "تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم" ذكر أنه: إذا كان الطالب يقرأ على الشيخ وردَّ على الشيخ خطأً فإن على الطالب أولاً أن يعيد العبارة، يعيدها من قبل حتى يبين للعالم المعنى الصحيح، فإذا رد عليه مرة أخرى فإن الطالب يقرأها كما يريد الشيخ، لكن بصيغة الاستفهام، فإذا أصر العالم عليها فإن الطالب يقرأها ثم يراجعه بعد ذلك، ويسأله عن معناها بينه وبينه.
الجواب: أما إذا كان مروره من بين يدي الصف، يعني بين المصلي وبين موضع سجوده، أو سترته إن كان له سترة، فهذا لا يجوز لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن المرور بين يدي المصلي أنه: {لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه} أما إن كان مروره من وراء ذلك فهذا لا يضر، إن كان الأمر كما فهمت قبل الصلاة، أما إن كان أثناء الصلاة فهذا لا يضر، لأن سترة الإمام سترة للمأموم، ولذلك ابن عباس رضي الله عنه كما في حديث البخاري، قال: ذكر أنه جاء على حمار أتان، وهو يومئذ قد ناهز الاحتلام، ومر بين يدي بعض الصف فلم ينكر ذلك عليه أحد، لأنهم كانوا مأمومين يصلون بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وما حكم أخذ المال فيه؟
الجواب: إن كان هذا العمل الذي تعمله المرأة ليس فيه منكر أو محرم، مثل قص شعور النساء بطريقة غربية وعن طريق تسريحات جديدة، لأن مسالة التسريحات أصبحت مشكلة، بحيث إن النساء يتابعن يوماً بيوم التسريحات الموجودة في الغرب، فقص المرأة لشعر رأسها على الطريقة الغربية، قصة فرنسية، قصة كذا وكذا، فهذا محرم ولا يجوز، أو كانت أيضاً قصة تبالغ وتنهك المرأة فيها شعر رأسها حتى كأنها رجل، تصبح مثل الولد، حتى أظن النساء يسمينها بذلك الاسم، يسمينها قصة ولادية، بحيث إن المرأة تقص شعر رأسها حتى تغدو كأنها شاب! نسأل الله العافية من انتكاس الفطرة، ومحاربتها، الرجل يطلق شعره ويطوله، والمرأة تقص شعرها، فلا يجوز التشبه بالرجال من قبل المرأة، أما إن كان عملها في تسريح شعر النساء وتصفيفه أمر معتدل، ليس فيه منكر ولا مخالفة شرعية، وليس أيضاً في هذا العمل محظور آخر، فما أعلم في هذا بأس.
الجواب: الحقيقة هذا دورنا جميعاً، دور المجتمع بكافة قطاعاته، والعلماء يقفون في رأس القائمة كما أسلفت فدوري ودورك لا يعني أننا تخلينا، أنا أستطيع أن أقوم بدور تجاه إخوتي، تجاه أقاربي، تجاه جيراني بالإصلاح والدعوة والأمر والنهي، وأبذل ما أستطيعه، لأن هذا خطر يكتسح الأمة كلها، ولا بد من النفير العام لمقاومة هذه المنكرات، كل إنسان له دور، لكن العلماء دورهم أكبر، وخاصة في المنكرات العامة كما ذكرت، والمنكرات الرسمية، والمنكرات التي يتعذر علي وعليك كأفراد القيام بها، وأحياناً يبدو لي -والله تعالى أعلم- أن العالم ينكر، لكن قد لا يستطيع أن يزيل المنكر لأن العالم كما أسلفت ليس سلطة، بل هو مجتهد يقوم بواجبه، فقد يُسمع له وقد لا يحدث ذلك أحياناً.
وعلى كل حال كما قال الله جل وعلا: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].
وبعض الإخوة يسألونني، يقولون: هناك في مصر وفي بلاد كثيرة جداً من بلاد العالم، ولا أكتفي ببلدي، توجد منكرات كذا وكذا، وتجد الواحد يسرد عليك قائمة طويلة عريضة، ولا بد من الإنكار والتغيير، صحيح الإنسان يغير بقدر ما يستطيع، لكن لا يعني ذلك أنه يلزم أن نفلح في التغيير، ثم هذه منكرات أحياناً قديمة، ووجدت واستقرت في قلوب الناس فتغييرها يحتاج أحياناً إلى وقت.
وأنا أقول: البشائر طيبة، الآن كون الشباب غيور متحمس للتغيير والإنكار، وما اقتصر الشاب على مجرد الصلاح والتردد على المسجد، صار يحمل هم الدعوة إلى الله، هم الإصلاح، هم التغيير، أنا أقول: هذه بشرى لكن هذه البشرى يجب أن تضبط بأن يقال للشاب: اعمل بهدوء، اعمل بحكمة، اعمل برفق، حتى تستطيع أن تصل، ووالله الذي لا إله إلا هو أجزم أو أكاد أجزم لو أن كل داعية تحلى بالصبر والحكمة، والرفق والاتزان في تغيير المنكر، ما مر وقت طويل إلا وقد أفلح الدعاة إلى الله عز وجل في إزالة منكرات كثيرة من المجتمع، لأن الذي يتخلل المجتمع بهدوء وسهولة تقل معارضته من قبل جميع الناس، وبالتالي يستطيع أن يصل إلى ما يريد، لكن الذي يغير بقوة يستثير الناس ضده، ويستفز الناس ضده، وبالتالي يقف الناس في وجهه، فيحاربونه حتى يسقطوه، وقد يتأثر هو نفسه، ويقع في هذه المنكرات أو ييأس من روح الله جل وعلا.
الجواب: لا بأس في ذلك، وهذا لتمييز الأبواب بعضها عن بعض بحكم تباعدها وليس في هذا من حرج.
الجواب: وعليك سلام الله ورحمته وبركاته، الكلام في موضوع العلم أسلفت البارحة إشارة عابرة، وأجد أني مرة أخرى مضطر إلى أن أذكر بعض الإخوة من الشباب أنه قد سبق الحديث في موضوع العلم والتعليم، في عدد من الأشرطة أشرت إليها، ولا بأس أن أعيدها وأضيف إليها، منها محاضرة:
الجواب: جماهير أهل العلم على أن التمتع ليس بواجب، وهذا هو الصحيح لقول عائشة رضي الله عنها: {فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، ومنا من أهل بحج وعمرة} وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجماهير السلف والخلف، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد كـابن عباس رضي الله عنه، وأظن شيخ الإسلام، ابن القيم كذلك، ومن المعاصرين الألباني قال بهذا القول، وهو اجتهاد مرجوح.
الجواب: لا يحق، ولو كل واحد اختلف معك في الرأي سوف تهجره وتتركه، ما بقي معك أحد، مسألة الرأي، رأيي ورأيك ورأي فلان هي مجرد آراء، لا نستطيع أن نلزم الناس بها، حتى الاختلاف في المسائل الفقهية، السلف منهجهم واضح في هذه القضايا، أولاً قضية الأشخاص نحن لا نتعبد بأشخاص، والله فلان من أحبه أحببناه، ومن كرهه كرهناه، لا، نحن نعرف الأشخاص بالحق، ولا نعرف الحق بالأشخاص والرجال، ولذلك نحن نوقر العلماء والدعاة والعاملين، لكن لا نعتبر أننا نتعبد الله تعالى بحب من أحبوا، وبغض من أبغضوا، أو حب من أحبهم وبغض من أبغضهم، حتى ولو كان حباً طبيعياً أو بغضاً طبيعياً، هذا لا ينبغي، كذلك كونه خالفك في مسألة فقهية، خالفك في مسألة من المسائل، ولو فرض أنك المصيب وهو المخطئ، وقولك الراجح وقوله المرجوح، وأنت الصواب وهو الباطل، هذا لا يعني أنك تهجره، هذه الاختلافات حتى الصحابة اختلفوا فيها، فمن يأتيني بمثال أن الصحابة فرطوا بحقوق الأخوة لمجرد الاختلاف في مسألة، أو عشر مسائل، أو مائة مسألة فقهية، لا يا إخوان! حقوق الأخوة أعظم، بل بالعكس كان الصحابة يتخلى الواحد منهم عن الأمر الفاضل إلى الأمر المفضول حفاظاً على حقوق الأخوة، وحفظاً للوجه، وجمعاً للكلمة.
ابن مسعود رضي الله عنه صلى خلف عثمان بـمنى أربع ركعات، مع أنه يرى أنه ركعتان في السفر، كغيره من الصحابة، وقال: [[وددت أن نصيبي من أربع ركعتان متقبلتان]] واسترجع، وقال: [[إنا لله وإنا إليه راجعون]] ومع ذلك صلى خلف عثمان أربع ركعات، ولما قيل له في ذلك، كيف تنكر عليه وتصلي خلفه؟! قال: [[الخلاف شر]] فرأى أن جمع الكلمة ولو على الأمر المفضول أولى من الاختلاف بين الأمر المفضول والفاضل، وكثيراً ما تكلم ابن تيمية في هذه المسألة، في كتاب القواعد النورانية، وابن القيم في زاد المعاد وغيرهما، وأطالوا في هذه القضية، هذا من الفقه الذي يحتاجه شباب الدعوة الإسلامية، إن خلافك مع زميلك، أو شيخ من الشيوخ، في مسألة فقهية، أو في اجتهاد من اجتهادات الواقع، أو في رأي ما، لن يبقى لك أحد! هل أنت تقيم الناس حسب رأيك الخاص! هذا لا يصلح.
وهل الملائكة لا تدخل الغرفة التي فيها الصور؟
الجواب: كلا! لا يدخل هذا في التحريم، لأن هذا -حتى مع القول بأن هذه الصور من الصور الممنوعة- من الصور التي يقتنيها الإنسان للحاجة، وليس لمجرد الاقتناء أو العبث.
الجواب: إذا وجد عالم عنده انحراف في عقيدته؛ سواء انحراف في كل عقيدته، أو في جانب منها، فلا يمنع هذا من أن يبين للناس، وخاصة من قد يغترون به أو يقرءون كتبه، أن هذا العالم وقع في خطئه الفلاني ولو كان عالماً جليلاً، فالتنبيه على خطأ وقع فيه لا يعني الحط من قدره كما أسلفنا، بل بالعكس أنت يمكن أن تلتمس له عذر في خطئه، يعني أحياناً يقول لك بعض الشباب: يا أخي! النووي قال كذا، وابن حجر قال كذا، ويذكر لك علماء أجلاء جهابذة، هؤلاء علماء، ونحن جميعاً نتعبد الله بمحبتهم، لكن هذا لا يعني أننا نتابعهم في كل شيء، فنحن نخطئهم في مسائل خاصة من مسائل العقيدة، ونتبع من هو أفضل وأجل منهم، كـالأئمة الأربعة، والأئمة الستة، والصحابة، والتابعين فنحن ما تركنا مثلاً قول النووي، أو قول ابن حجر لقولي أو لقول فلان، تركناهم لقول جماهير الأمة، من هم أفضل منهم وأسبق وأعلم، وقد نقول نلتمس لهذا العالم عذراً، أنه اجتهد في هذه المسألة وأخطأ، وقد يكون الكلام الذي قاله محتمل، أو غير ذلك، لكن على كل حال متابعتهم في هذا الأمر غير جائزة ولا سائغة.
الجواب: من المؤسف اليوم أن سمت العالم الذي كان عليه السلف الصالح أصبح مفقوداً لدى كثير ممن يلقنون الطلاب، وبعضهم قد يقول لك هذه قشور! وهذه مشكلة؛ لأنه أين أثر العلم في سمت وسلوك العالم، أين أثره؟!
العالم من علماء السلف كان يرى أثر علمه في سلوكه وزهده وتوقيره وعمله وقوله وفعله، واليوم أصبح بعض من ينسبون إلى التعليم والتدريس، والكلام في الشرعيات، تجد أنه حليق اللحية، قد أطال ثوبه تحت الكعبين، وقد تشبه بالكفار في زيه وهيئته وشكله وحديثه، وربما تجده مدخناً في بعض الحالات، بل ربما يقع في بعض المنكرات العقدية كزيارة بعض الأضرحة والوقوف عندها، وما أشبه ذلك، هذه مصيبة في الحقيقة، وهذا يدل على فقر وندرة في العالم الشرعي الصحيح، لأن العبرة ليست في حجم المعلومات التي يحصلها الإنسان، فقد يكون الإنسان فحلاً وبحراً في العلوم، لكن هذا العلم ما ظهر في سلوكه فكيف أتقبل العلم من إنسان؛ أنا أرى على سلوكه ومظهره الانحراف؟!
الآن أنا أجد العامي ملتزم بالسلوك الإسلامي العادي الذي يعرفه كل إنسان، العامي تجده قد أعفى لحيته، وقصر ثوبه فوق الكعبين، والتزم بالسلوك الإسلامي في مظهره، فكيف لي أن أتقبل من عالم أخل بهذه الأوليات المطلوبة للشخصية الإسلامية!!
الجواب: أولاً طالب العلوم التجريبية كالطلب والهندسة وغيره، لا بد له فيما يتعلق بالشرعيات من معرفة فروض الكفايات، معرفة العقيدة الصحيحة، لأن العقيدة لا بد أن يعرفها كل إنسان، ولا يعذر أحد بالتقصير في ذلك ولو كان طبيباً أو مهندساً، أو في أي فن من الفنون، أو علم من العلوم، كذلك معرفة العلوم التي يحتاجها في عباداته، كأحكام الطهارة والصلاة والغسل، وأحكام المعاشرة الزوجية وآدابها إذا كان متزوجاً، أحكام الله ورسوله بما يتعلق في مهنته، هذه فروض عين لابد أن يتعلمها، أما فيما يتعلق بفروض الكفايات فينبغي له أن يقدم منها المهم، فقد يكون بعض الأطباء والمهندسين لديهم ملكة عقلية قوية، وهذا موجود، وعنده قدرة أن يجمع بين تخصصه بل وبين النبوغ في تخصصه، وبين أن يأخذ قدراً طيباً من العلوم الشرعية، وإلماماً بها، وهذا حسن وطيب، وهو ولله الحمد موجود وظاهرة جيدة، وملفتة للنظر، وأحياناً قد لا يملك ذلك فنقول: يأخذ بقدر ما يستطيع، أما فيما يتعلق بالقضايا الفقهية فيرجع الأمر إلى ما ذكرت، الإنسان عليه إن كان مقلداً أن يقلد من يثق بعلمه ودينه، وإن كان يقول: أنا طالب علم وأستطيع أن أميز الراجح والمرجوح، ولو بضرب من التمييز، بحيث لا يختلف أنه يتنقل بين أقوال العلماء المشهورين، ولا يأخذ بشذوذات وآراء شاذة، أو آراء مخالفة للإجماع، فهذا طيب؛ إن كان عنده قدرة على أن يبحث المسائل بحثاً متعمقاً، ويصل إلى القول الراجح، فهذا هو الأكمل والأفضل.
وأرجو أن توجه السؤال لنا جميعاً: أين نحن من تعلم القرآن الكريم، وحفظه حروفاً وحدوداً، أليس هذا أول معالم الطريق إلى الله تعالى والدار الآخرة؟!
الجواب: بلى والله، أما مسألة الخلق فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه مالك في الموطأ وابن سعد وغيرهما يقول: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} ويقول: {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق} فحدد صلى الله عليه وسلم مهمته ورسالته في تتميم مكارم الأخلاق وصالحها، فإن قلنا: الأخلاق تشمل معاملة العبد لربه، ومعاملته للعباد، فلا إشكال، وإلا فيكون المقصود أن قوله إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، المقصود بيان أهمية الخلق في الإسلام، كما في قوله صلى الله عليه وسلم {الحج عرفة} يعني أن عرفة أهم ركن في الحج، فالأخلاق أيها الإخوة! باب عظيم، والناس كانوا يعرفون جمال الإسلام من خلال أخلاق أهله، فكان اليهود إذا رأوا أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، أو أخلاق بعض الصحابة قالوا: هذه أخلاق أنبياء، ثم أسلم بعضهم، هذه أخلاق أنبياء، وفي ذلك قصص عجيبة، بل والله من بعض علمائنا ودعاتنا المعاصرين، من إذا عايشته وعاشرته، ورأيت من حلمه وسعة باله، ولطفه وحسن خلقه، ما يجعلك تقول هذه والله أخلاق أنبياء، وكما أسلفت نحن لا ينبغي أن نأخذ عن علمائنا فقط الأحكام المجردة والعلم النظري، ينبغي أن نأخذ عنهم السمت والهدي، والخلق الحسن، والله نسع الناس بأخلاقنا ولا نسعهم بأعمالنا، ولو ملكنا حسن الخلق، والتلطف والتودد، والإحسان إلى الخلق، لانفتح علينا من أبواب الخير والصلاح الشيء العظيم، وإنني أعتقد أن هذا الإقبال من الناس على الإسلام، لعل من أسبابه وجود بعض الصالحين، ذوي الخلق الحسن، الذين قرب الناس منهم وهداهم الله تعالى على أيديهم.
كذلك مسألة الاهتمام بالقرآن الكريم هذا أمر صحيح، بعض الطلاب قد تجده أحياناً لا يتقن قراءة القرآن نظراً فضلاً عن حفظه، فضلاً عن حفظ معانيه، فضلاً عن العمل به، قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30].
ومن هذا المنطلق ما موقف طالب العلم من العلماء المعاصرين، الذين يجمعون بين البدعة في المنهج والعقيدة وبين العلم في بعض فروع الشريعة؟
هل نقرأ لهم ونسمع أشرطتهم؟
أم نطرحها جانباً، ولا نقرأ أو نسمع إلا من نثق بعقيدته والتزامه بالسنة جزاكم الله خيراً؟
الجواب: أما الشاب في بداية الطلب والتحصيل فأرى أن يختار الشيخ والعالم، وكان العلماء المتقدمون يهتمون باختيار الشيخ؛ لأن شخصية الشيخ تنعكس على تلميذه، كيفما كان، وآثاره تبدو فيه، وبصماته فيه واضحة فينبغي للطالب في بداية الطلب أن يختار شيخه، ممن يكون موثوقاً بعلمه وعمله، وعقيدته وصلاحه وعبادته، لأنه سيتأثر به لا محالة، فإذا تمكن الطالب من هذه العلوم، وحصل منها، وأصبح محتاجاً إلى قراءة كتب من عليهم ملاحظات في سلوكهم أو عقيدتهم أو آرائهم أو سماع بعض أشرطتهم لغرض فلا بأس بذلك، مع الحذر مما يوجد فيها من أخطاء أو مخالفات.
الجواب: الطلب يكون بهذا وهذا، فإذا أمكن أن يتتلمذ الطالب بين يدي الشيخ فهذا أفضل وأطيب، لأنه يتحقق له ما أسلفت من مشاهدة الشيخ، والتخلق بأخلاقه، والتحلي بأدبه، والنهل من معينه، وفي حضور المجلس خير وبركة وتفرغ، لأن الطالب لما يحضر للدرس غالباً ما يكون مفرغاً نفسه لهذا العمل، فيكون أكثر تحصيلاً، بخلاف الشريط، فإنه قد يسمعه في السيارة، يسمعه وهو مشغول الذهن، لكن إذا تعذر الأول انتقل إلى الثاني، والثاني بديل حسن لمن تحول ظروفه دون الانتقال إلى أماكن العلماء، أو حضور حلقاتهم ومجالس علمهم، وينبغي مع سماع الأشرطة أن يكون هناك تواصل، بأن يسجل الإنسان بعض الأشياء ويكتبها، ويتصل بالشيخ بين الحين والآخر، يستفسره عما أشكل، ويزوره أحياناً، ويسلم عليه ليكون هناك صلة قلبية بينهما.
الجواب: هذه مشكلة، ومثل هذا السؤال يؤكد لكم ما ذكرت لكم قبل قليل، في قضية انتشار المنكرات والبدع والخرافات، والصوفية في كثير من البلاد الإسلامية، وغفلة بعض العلماء والدعاة عن المجتمع، أحياناً العلماء والدعاة يكونون منحازين في الجامعة، أوفي المدرسة، أو في حلقات معينة، والمجتمع تنخر فيه مبادئ ومذاهب ونشاطات وأعمال وهم بمعزل عنه، وهذه والله مصيبة! واجب العالم، وطالب العلم، والداعية أن ينـزل للمجتمع، ينـزل للميدان، ميدان الصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين السنة والبدعة، بين الهدى والضلال، وهذا الأخ ضريبة الهداية، وقد مَنَّ الله تبارك وتعالى عليه بالهداية، ونسأل الله أن يختم لنا وله بالخير، وأن يعمل على إنقاذ من استطاع من هؤلاء القوم فلا يقطع العلاقة معهم، بل يراسلهم ويناصحهم، ويأتيهم بالمداخل المناسبة، فرداً فرداً، لا يبدأ بهم بالمجموعة، فكما قيل: الكثرة تغلب الشجاعة، لكن يبدأ بهم واحداً واحداً، ويحاول أن يدخل بعض الأفكار عليهم، ولا يطلب منهم في البداية أن يقبلوا ما يقول، لكن يستمعوا له على الأقل، اقرأ هذا الكتاب، اسمع هذا الشريط، ويناقشه في مثل هذه الأمور لعل الله أن يهديهم، كما أنه إن كان هؤلاء القوم يؤثرون في بعض الناس، فعليه أن يعمل على منع تأثيرهم بأن يسبق إليه، إذا علمت أنهم يحاولون أن يجروا بعض الناس إلى ما هم فيه، تحاول أن تسبق وتؤثر في هؤلاء الناس لأن الإنسان يكون أحياناً كما قيل: مناخ من سبق، بعض الناس مناخ من سبق، إن سبق إليه أصحاب البدعة أخذوه، وإن سبق إليه أهل السنة أخذوه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر