إسلام ويب

جلسة مع مربّيللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تكلم الشيخ عن المهمة التي يقوم بها المربي أو المدرس, ثم نبه على أن المدرس ينبغي أن يكون عمله من أجل الله عز وجل, ثم أرشد المربي للتحلي بالأخلاق الفاضلة والالتزام بالدين, وما هي الأسباب التي تحبب المدرس للطالب والأسباب التي تجعل العلاقة بين المدرس والطالب سيئة.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

    هذا الدرس الثالث والسبعون من سلسلة الدروس العلمية العامة, وهو بعنوان "جلسة مع مربيْ" ينعقد في هذه الليلة ليلة (16/4/ 1413هـ).

    المساهمة في إنشاء جيل

    إنّ مما يحتاج إلى بيان: أن كل الجيل أو جله على أقل تقدير, يتربى على مقاعد الدراسة، وفي كثير من البلاد يصبح التعليم مجانياً أو إجبارياً، إما بقوة النظام، وإما بقوة الظرف الاجتماعي الذي يجعل الأب حريصاً على إلحاق أولاده وبناته بالمدارس، فالذين يقومون على تربية الجيل إذاً هم المدرسون وهم مربو الأمة.

    ومن بين هؤلاء الطلاب الذين تلقي إليهم درسك أيها المربي النبيل, من بينهم أولئك الذين سيتحملون عبء المستقبل, فمنهم العلماء الموهوبون، ومنهم الفقهاء والمفتون، ومنهم المجاهدون الشجعان، ومنهم أرباب الصناعة، ومنهم الإداريون, ومنهم ومنهم.., فإياك أن تحتقر عملك, أو تظن أنك تجهد نفسك في غير طائل, فربما كنت مساهماً، بل يقيناً أنت مساهم في صناعة الأمة وتنوير مستقبلها بإذن ربك عز وجل.

    بناء الشخصيات والعقول

    إذا كان هناك من يساهم في بناء جزء من الجيل, فيبني الأجساد -مثلاً- سواء بالرياضة أم بالغذاء أم بالعلاج, والوقاية من الأمراض، أو كان هناك من يساهم في تحقيق الانضباط بالعسكرية وغيرها، أو كان هناك من يساهم في بناء الاقتصاد بالمال، فأنت شيء فوق ذلك كله يا أيها المعلم.

    أنت تبني شخصية, وتنمي عقلاً, وتهدي -بإذن الله تعالى- قلباً وتصوغه ليكون صالحاً في كل ميدان، فإن كان جندياً كان ناجحاً وشجاعاً, يجعل همه الدفاع عن الدين وعن الحرمات والمقدسات, ويمضي وروحه على راحته, لا يهاب الموت، وإن كان اقتصادياً كان مخلصاً أميناً لا يستعبده المال ولا يستذله, وإن كان إدارياً كان عادلاً حكيماً يعرف كيف يضع النظام، وكيف ينفذه، وإن كان عالماً شرعياً كان ذلك التقي النقي الذي لا يقول على الله تعالى بغير علم، و{إن كان في الحراسة كان في الحراسة, وإن كان في الساقة كان في الساقة } كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم.

    القيام بميراث النبوة

    ومع هذا وذاك, فأنت وريث النبي صلى الله عليه وسلم في علمه وعمله, إن كنت من المخلصين الصادقين، فأما أنك وريثه في علمه فنعم, أنت قد عقلت علماً ووعيته، وأول ذلك علم الشريعة، وعلم الاعتقاد, وعلم الحلال والحرام، الذي به النجاة في الدار الآخرة وبه الفلاح والسعادة في الدنيا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو الدرداء, وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم, قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر} وهذا حديث عظيم جليل, شرحه الحافظ ابن رجب في رسالة مفيدة مطبوعة، ولهذا جاء في صحيح البخاري : [[أن ابن عباس رضي الله عنه سُئل: هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: لا, ما ترك إلا ما بين الدفتين ]] يعني: المصحف, ما ترك إلا العلم الشرعي, فإنه لم يورث ديناراً ولا درهماً, بل ما ورَّثهُ من المال وتركه صلى الله عليه وسلم فهو صدقة, وإنما ميراثه العلم الشرعي الذي أنت وأمثالك تشتغلون به وتتعاطونه تعلماً وتفقهاً ونشراً وغير ذلك, فهذا ميراثك من علم النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ميراثك من عملك فأنت تربي الناس بهذا العلم، وتدرسهم هذا الهدي, كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يفعلون، قال الله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].

    إذاً: فتدريس الكتاب وتعليمه ونشره, وتربية الناس عليه, هذه كانت مهمة الأنبياء, ومن قام بها فهو وريثهم, سواء كان اسمه مدرساً أم معلماً أم أستاذاً أم خطيباً أم داعية أم أي شيء آخر.

    فأنت إذاً -إن صدقت- ورِيثُ النبي صلى الله عليه وسلم بحصولك على علم, ووريث له بقيامك بمهمة التدريس والتعليم, فحري بك أن تكون وريثاً له -أيضاً- في خلقك وعملك وهديك, فإن العلماء ما برزوا بمعلوماتهم فحسب, بل برزوا بعلمهم وعملهم, فهذا الحسن البصري, قال فيه بعض السلف: "ما غلبهم الحسن البصري بمزيد علم, فعلمه علمهم -يعني ما كان عنده فهو عندهم- وإنما غلبهم بالزهد في الدنيا" إنه ليس ثمة عمل آخر يعدل التدريس في أهميته وجدواه.

    وإن مما يبهج النفس ويسر القلب, أن يكون عدد كبير من العاملين في هذا الحقل هم من الصالحين والغيورين على دينهم, والغيورين على مستقبل أمتهم وبلادهم, فإذا انضم إلى هؤلاء جهد وحماس كبير من هؤلاء, لضمنَّا بإذن الله تعالى مستقبل الأجيال, وتأكدنا من استمرارية الدعوة الإسلامية في نمائها وتوسعها وترسخ جذورها, وإنه لكائن إن شاء الله تعالى, وإن غداً لناظره قريب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088945128

    عدد مرات الحفظ

    780043608