ولذلك فإننا نجد على مدار العصور من يوم أن خلق الله آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أن الله سبحانه يفتح أبواب الإجابة للسائلين، فما من عبد يسأل الله عز وجل بصدق وإخلاص وتجرد إلا أجابه الله عز وجل، ولذلك كان عمر رضي الله عنه يقول: [[إني لا أحمل هم الإجابة لكني أحمل هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن معه الإجابة]] وقصص الذين استجاب الله عز وجل لهم كثيرة من الأنبياء والصحابة والصالحين من القدماء والمتأخرين وغيرهم، وبعض الناس قد يستغرب كيف يكون لهذا الدعاء التأثير مع أن كل شيء بقضاء وقدر، وبعض الناس يقول: ما دام كل شيء مكتوب، فلماذا أدعو؟
والجواب على هذا الإشكال أن يقال: إذا كنت تقول هذا الكلام عليك ألا تأكل ولا تشرب ولا تتزوج ولا تخرج ولا تدخل بل ولا تتنفس؛ لأن كل شيء مكتوب، فلماذا إذاً جاءت قضية الدعاء، قال: لماذا أدعو؟ وهو إذا جاع أكل، وإذا عطش شرب، وإذا أراد النكاح تزوج، وإذا أراد الولد تزوج، فنقول: نعم الأسباب مكتوبة والنتائج مكتوبة.
وكذلك من الأوقات الفاضلة التي يجاب فيها الدعاء: آخر ساعة من الليل قال تعالى: وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18] وقد سئل رسول الله هل من ساعة أقرب من ساعة؟ قال: {نعم، إن الله تعالى ينـزل في جوف الليل الآخر، فإذا استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن} وكذلك هناك أوقات كثيرة يجاب فيها الدعاء.
ولذلك فإنه يشرع للإنسان أن يرفع يديه، وكذلك لا بأس إذا اشتد بالإنسان الدعاء أن يبالغ في رفع يديه إلى السماء، ولذلك قال أبو موسى: [[ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه حتى رأيت بياض إبطيه]] وكذلك قال أنس كما في صحيح مسلم وغيره: [[أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا في الاستسقاء رفع يديه حتى رأى الناس بياض إبطيه]] وكذلك صح عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفا أنه قال: [[الاستغفار هكذا يعني: الإشارة بالسبابة]] قال بعض أهل العلم: لأن العبد إذا استغفر فإنه يسب نفسه، وينسب نفسه إلى التقصير، وإلى الذنب، وإلى الخطأ، فهو يستغفر الله من ذنوبه، فيرفع إصبعه السبابة، وأما الدعاء: فأن ترفع يديك حذو منكبيك، وأما الابتهال: فهو أن تمد يدك مداً، فإذا بالغ الإنسان في الدعاء فلا بأس أن يرفع يديه.
فينبغي لمن أراد أن يدعو أن يقدم بين يدي دعائه بحمد الله والثناء عليه عز وجل، ولذلك علمنا الله تعالى في سورة الفاتحة أن العبد يدعو فيبدأ بالذكر والثناء قبل الدعاء، فيقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] وهذا كله ثناء على الله عز وجل بفضله، وإنعامه، وكرمه، وجوده، وأسمائه، وصفاته وفضله الدنيوي والأخروي، ثم يقول بعد ذلك: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ثم يبدأ بالدعاء اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].
وهكذا ينبغي للداعي، وذلك أن الثناء هو أعظم من الدعاء، ولذلك جاء أمية بن أبي الصلت وهو شاعر من شعراء الجاهلية، إلى رجل من أجواد العرب وكرمائهم المشهورين، وهو عبد الله بن جدعان وكان رجلاً جواداً، سمحاً، كريماً في الجاهلية، وكان له داعيان في طرف مكة: داعٍ في الشمال، وداعٍ في الجنوب، يقول: يا ناس تعالوا للطعام في دار عبد الله بن جدعان؛ ولذلك مدحه الشاعر بقوله:
له داعٍ بمكة مشمعلٌ وآخر فوق دارتهــا ينادي |
إلى قطع من الشيزى ملاء لباب البر يُلبَك بالشهادِ |
يعني يطعم الناس البر مصحوباً بالعسل وغيره من أطايب الطعام بلا مال، بل يدعو الناس إلى ذلك، وجاءه أمية ابن أبي الصلت يطلب حاجة فقال له:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك، إن شيمتك الحباء |
إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء |
هذا في شأن المخلوق، يقول: هل احتاج أن أقول لك إني أريد كذا وكذا، أو يكفيني ما هو معروف من جودك وكرمك.
فالعبد يقدم بين يدي دعائه لله عز وجل: بالثناء على الله تبارك وتعالى، وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك نُقِلَ عن بعض الصالحين أنه قال: إذا أردت أن تدعو الله عز وجل فصل على النبي صلى الله عليه وسلم في أول دعائك، ثم صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تنتهي من الدعاء؛ فإن الله تبارك وتعالى يقبل صلاتك على نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو أكرم من أن يرد ما بين هاتين الصلاتين، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه علي وعمر وجاء موقوفاً ومرفوعاً: {كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم} وجاء في حديث فضالة بن عبيد السابق: أن النبي عليه السلام أرشد المصلي إلى أن يذكر الله، ويحمده، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، قبل الدعاء، ولا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الدعاء آكد من الصلاة عليه في أول الدعاء.
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله لإخفاء الذكر والدعاء فوائد:
أن ذلك أعظم إيماناً؛ لأن العبد إذا أسر فمعنى ذلك أنه يعلم أن الله تبارك وتعالى يعلم السر وأخفى، فهذا أقوى إيماناً.
أنه أعظم في الأدب والتعظيم، فإن الإنسان لو أراد أن يسأل ملكاً من ملوك الدنيا ما كان يرفع صوته بحضرته، بل كان يهمس ويخفض صوته، فالله عز وجل أحق أن يتأدب معه العبد في دعائه.
أنه أبلغ في التضرع والخشوع، بحيث أن العبد الذليل السائل، يخشع منه كل شيء، تخشع جوارحه، وتدمع عينه، ويخشع صوته أيضاً.
أنه أبلغ في الإخلاص وأبعد عن الرياء.
أنه دال على قرب صاحبه من الله عز وجل فكأنه لشعوره بأن الله عز وجل قريب منه يناجيه مناجاة القريب، لا يناديه نداء البعيد، فهو يشعر أن الله تبارك وتعالى قريب، كما أخبر: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186] لذلك يناجيه مناجاة القريب، لا يناديه بصوت مرتفع مناداة البعيد.
أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال؛ لأن العبد إذا بالغ في رفع صوته ملّ وتعب، وسئم، وأصابه من ذلك ضعف وعجز عن الاستمرار في الدعاء.
فكون الإمام مثلاً يدعو فيقول: اللهم اهدني فيمن هديت، والناس يقولون: آمين، فالناس ما جاءت إلى المسجد حتى تدعو لك أنت فقط، بل جاءت تدعو لنفسها، ولذلك علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام الدعاء الذي تسمعونه في القنوت (اللهم اهدنا) حتى يكون الإمام دعا لنفسه ولغيره، ويكون المأموم يؤمن على هذا الدعاء لنفسه ولغيره أيضاً، كما أنه لا يجوز للإنسان أن يحجِّر رحمة الله عز وجل، فلا يصنع كما صنع ذلك الأعرابي الذي دخل المسجد فصلى؛ ثم رفع يديه إلى السماء فقال: {اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حجرت واسعاً} فرحمة الله وسعت كل شيء، ولذلك تدعو لنفسك ولغيرك من المسلمين، وادع للضالين بالصلاح، وادع للكافرين بالهداية، وهذا كله قليل بجانب رحمة الله، وسعة فضله تبارك وتعالى.
أولها: أن الإنسان يعزم في المسألة فلا يقيدها بالمشيئة كما سبق، فلا يقول: اللهم أسألك إن شئت أن تغفر لي، وإن شئت أن ترحمني.
الأمر الثاني: أن يسأل الله الخير الكثير، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا سألتم الله عز وجل فاسالوه الفردوس الأعلى فإنه أعلى الجنة، ووسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن عز وجل} حتى إن كان العبد ظالماً ومخطئاً وعاصياً ومقصراً ومحتقراً لنفسه، فعليه أن يسأل الله أعظم السؤال، ويدعوه أعظم الدعاء، ويسأل الله الفردوس الأعلى، ويسأل الله من كل خير، ولا بأس أن يقول العبد وهو المقصر الظالم المسرف على نفسه: (اللهم إني أسألك أن تبلغني منازل الصديقين، اللهم إني أسألك أن تبلغني منازل الشهداء، اللهم إني أسألك أن تبلغني منازل الصالحين) إلى غير ذلك من الدعوات، ولذلك كما ينقل عن بعض الصالحين (أنه رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم إني أسألك الجنة، ثم رجع إلى نفسه وقال: أو مثلي يسأل الجنة، اللهم إنني أعوذ بك من النار) فهذا إن صح فليس بصواب، ولا يقتدى به في ذلك، بل على العبد أن يسأل الله الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، بل وعليه أن يسأل الله عز وجل الفردوس الأعلى من الجنة؛ فإن الله تبارك وتعالى لا يتعاظم شيئاً أعطاه عبده.
فلا يجوز ولا ينبغي للعبد أن يسأل الله عز وجل أن يعجل له العقوبة في الدنيا، كيف تدعو الله عز وجل أن يعجل لك العقوبة في الدنيا؟! والله عز وجل وصف نفسه بأنه رحيم، جواد، واجد، ماجد، كريم، لطيف، حنّان، منان، رحيم، رحمان، فاسأل الله عز وجل أن يغفر لك ذنبك، ويتجاوز عنك، ويرزقك خير الدنيا والآخرة.
كذلك الدعاء على الأهل والمال والأولاد، هذا كله لا يجوز، ولذلك ورد عن جابر مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على الأولاد، ولا تدعوا على خدمكم، لا توافقوا من الله عز وجل ساعة عطاء فيستجيب لكم} رواه أبو داود وسنده صحيح، فكون الإنسان يدعو على نفسه، أو على زوجته، أو على أولاده، أو على خدمه، أو على ماله من بيت أو مزرعة أو سيارة أو غير ذلك، هذا كله غير مشروع ولا ينبغي، وبعض الناس رجالاً ونساءً -خاصة النساء- كثيراً ما تدعو على أولادها بالموت أو الهلاك أو المرض أو بغيره، وهذا لا يجوز؛ لأنه قد يوافق ساعة إجابة فيستجيب الله عز وجل خاصة دعاء الوالد إذا دعا على ولده، ولاشك أن هناك فرق بين الدعاء الذي يخرج من قلب صادق وبين الدعاء الذي يكون على اللسان، لكن -أيضاً- حتى الدعاء وإن كان يطلق من الإنسان بدون إرادته فإنه ينبغي للإنسان وخاصة النساء أن يعودن أنفسهن على عدم الدعاء على أولادهن إلا بخير.
فكون السائل -مثلاً- يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وقصورها وحورها وما فيها من النعيم، وكذا وكذا وكذا، ويبدأ يفصل في صفة الجنة، أو يقول: اللهم إني أعوذ بك من النار وما فيها من السلاسل والأغلال والجحيم ويبدأ ويعدد صفة النار أعوذ بك من النار وما فيها، فهذا كله غير مشروع؛ لأنه من الاعتداء كما سيأتي، بل ينبغي للإنسان أن يقول كما قال ذلك الأعرابي: {يا رسول الله إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة
ولذلك علمنا الله عز وجل في القرآن الكريم أدعيةً جوامعَ مختصرة قال تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] وقال عز وجل: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] وهذه أيضا من الدعوات الجوامع؛ كذلك دعوة ذي النون عليه السلام: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] وأواخر سورة البقرة: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] وغير ذلك من الأدعية الجوامع، وهي كثيرة في القرآن الكريم.
أما في السنة النبوية فعن قطبة بن مالك رضي الله عنه قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الدعوات: اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأهواء والأعمال والأدواء} رواه الترمذي وحسنه، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بقوله كما عند الترمذي وأحمد: {اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، اللهم إني أسألك حبك، وحب من أحبك، وحب العمل الذي يقربني إلى حبك} أيُّ دعوة أجمع وأوسع وأخصر وأبلغ من هذه الدعوة النبوية الكريمة، فلا بد من مراعاة الاختصار في الدعاء والاقتصار على الجوامع من الدعاء.
ومن الاعتداء في الدعاء: الدعاء بالمحال، كأن يدعو الإنسان ربه أن يبلغه منازل الأنبياء؛ لأنه لا يمكن أن يبلغ العبد منـزلة نبي من الأنبياء، أما منازل الصديقين ومنازل الشهداء ومنازل الصالحين فلا بأس، كذلك أن يدعو الإنسان بالخلود لنفسه أو لغيره، كبعض الناس المتملقين إذا كانوا أمام سلطان أو حاكم أو خليفة أو ملك أو رئيس دعوا له بدعوات منها: خلد الله ملكك، ونحن نقرأ اليوم في بعض الكتب القديمة عن حكام قد ماتوا أو انقرضوا وبادوا وأكلت الأرض أجسادهم، وتجد بعض الناس كان يقول: فلان خلد الله ملكه، لا يخلد إلا مُلْكُ الواحد الباقي جل وعلا، أما ملك المخلوقين فهو وهم إلى زوال.
وكذلك من الاعتداء في الدعاء: أن يدعو الإنسان بأمور دنيوية تفصيلية، لا داعي لها -كما سبق- فهذا يخالف الدعاء الجامع، كأن يقول الإنسان: اللهم إني أسألك بيتاً في الحي الفلاني، مكوناً من كذا طابق، سعة الشارع الذي فيه البيت كذا وكذا، اللهم إني أسألك سيارة موديل كذا وكذا، صفة السيارة كذا وشكلها كذا، هذا كله من الاعتداء في الدعاء، ومثله: أن يسأل الله زوجة صفتها كذا، وطولها كذا، وشكلها كذا، ولونها كذا، وشعرها كذا، هذا كله من الاعتداء في الدعاء، وكذلك إذا دعا على قومٍ أو دعا لقومٍ فإنه يفصل في هذا الدعاء، -مثلاً- بعض الناس إذا دعا على أحد من الظالمين والفاسقين والكافرين دعا عليه دعاء تفصيل؛ بإن يفعل الله بعيونه كذا وبرأسه كذا ويجدع أنفه، ويقطع أذنه، ويصيبه بكذا وكذا من الأمراض، ويبدأ يدعو بدعوات تفصيلية ممجوجة، ليس لها مكان، لماذا لا يدعو الله عز وجل على هذا الإنسان بالهلاك وكفى؟! لماذا هذا التفصيل الذي يعتبر من الاعتداء في الدعاء؟! وكذلك لو دعا لأحدٍ فإنه قد يدعو بدعاء فيه تفصيل لا داعي له، فالصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم تعلموا في مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون بالدعاء الجامع، حتى إذا دعوا على أحد اختصروا. من ذلك قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان أميراً على الكوفة فشكوه إلى عمر فأرسل عمر لجنة تقصي حقائق فكانت هذه اللجنة تنـزل في كل مسجد من المساجد، ويسألون أهل المسجد ما رأيكم في أميركم سعد بن أبي وقاص؟ قالوا: والله ما نعلم إلا خيراً، فلما جاءوا إلى مسجد بني عبس قام رجل اسمه أسامة بن قتادة وقال: أما إذ سألتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. يريد أن يقول أنه ظالم، ويُفَضِّل بعضنا على بعض، وأنه جبان، فهكذا اتهمه، فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقال: اللهم إن كان عبدك هذا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن. فدعا عليه بدعوة جامعة، فطال عمر هذا الرجل حتى سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وافتقر حتى كان يتكفف الناس في الأسواق -نسأل الله السلامة- وأصيب بالفتن حتى كان يجلس في الشوارع يتعرض للجواري ويغمزهن، وإذا قيل له ذلك قال: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، فالتفصيل في الدعاء لأحد أو على أحد أو الدعاء للنفس أو للغير هذا من الاعتداء في الدعاء.
ومن الاعتداء في الدعاء: أن يدعو الإنسان بتيسير معصية، أو يدعو على نفسه أو أهله أو ولده أو ماله بشر، كما سبق، يقول الله عز وجل: وَيَدْعُ الْأِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً [الإسراء:11] ولذلك جاء التقييد في الأحاديث {أن الله عز وجل يجيب العبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم }.
ومن الاعتداء في الدعاء، -وهذا أمر قد عم وطم وفشا مع الأسف الشديد بين الناس كباراً وصغاراً شيباً وشباناً-، أن كثيراً من الناس قد أولعوا بالدعاء بألفاظ مفقرة فقرات، وكلمات مسجوعة، وأدعية منكرة، اخترعوها من عند أنفسهم، أو وجدوها في كراريس أو كتب أو رسائل؛ ما أنـزل الله بها من سلطان، ولا أصل لها من حيث اللفظ، ولا من حيث المعنى، ولا معول عليها، فجعلها هؤلاء الناس شعاراً لهم، واستعاضوا بها عما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم، أو عما أخبرنا الله عز وجل من أدعية الأنبياء والصالحين ونحوهم.
وهذا كله قد يمنع إجابة الدعاء كما ذكره القرطبي، ولذلك تعجبني كلمة قالها الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين يقول: الأولى ألا يتجاوز الدعوات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كل أحد يحسن الدعاء، لذلك روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يقول: [[إن العلماء يحتاج إليهم حتى في الجنة، قالوا له: كيف يا
وهذا دليل على أنه ليس كل أحد يحسن الدعاء ويحسن الأمنية، فينبغي على الإنسان أن يقتصر على الدعاء المأثور، ولذلك نقل الأثرم عن أحمد رضي الله عنه أنه قال له: (ماذا أدعو به في صلاتي؟ قال: تدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث كما في الصحيح {ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه} قال: نعم. يتخير مما ورد) يعني مما ورد سواء بلفظه أو بمعناه؛ لأن الأدعية غير متعبد بألفاظها فليست كالقرآن أو كبعض الأذكار، فإن حفظت اللفظ دعوت باللفظ، وإذا لم تحفظه بلفظه دعوت بالمعنى، فتدعو بالخير، وبالجنة، وبالنجاة من النار، وما أشبه ذلك، فلا ينبغي للإنسان أن يتوسع في تلك الأدعية، والأشياء التي لم يكن لها أصل ولا نقل، ولذلك فإن الاقتصار على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو السلامة في ذلك لفظاً أو معنى.
ومن الاعتداء في الدعاء -أيضاً-: الإطالة في الدعاء بما يتضمن المشقة على الداعي، وعلى المؤمّن، وسآمته، وتفرق قلبه عن الدعاء، فضلاً على أن من يطيلون في الدعاء لا بد أن يخرجوا عن الدعاء المأثور إلى غيره فيقعون في المحظور السابق، خاصة أن كثيراً من الناس لا يحسنون الدعاء، وقد يأتي الواحد منهم بألفاظ غريبة ومعانٍ منكرة، ومن هذه الألفاظ والمعاني المنكرة ما نقله الإمام الخطابي في كتابه شأن الدعاء: (أن أعرابياً رفع يديه إلى السماء يستسقي؛ وقال: رب العباد ما لنا ومالك، قد كنت تسقينا فما بدا لك) وهذا رجل فيه عجرفة وتهور وعدم فهم وعدم علم، ولذلك دعا بهذه الدعوة، وكذلك ما نقله الخطابي رحمه الله أيضاً: (أن رجلاً من قريش، لما هدموا الكعبة، خرجت حية عظيمة، فخاف الناس منها، فقام شيخٌ كبير من قريش وقال: (اللهم لا ترع، اللهم لا ترع، اللهم ما أردنا إلا حماية بيتك وحياطة حرماتك وهذا أيضاً لا يليق؛ لأن الله عز وجل لا يخاف سبحانه وتعالى، وإنما الخوف يكون للعبد العاجز الضعيف الجاهل، فقوله (اللهم لا ترع) ليس له وجه، وإنما هو من الجهل، ومثل ذلك يقع فيه كثير من الناس.
ومن الاعتداء في الدعاء: تسمية الله عز وجل بأسماء لم تثبت لا في الكتاب ولا في السنة، مثل ما يقوله بعض العوام حين يقول: يا سبحان يا سبحان، يا برهان، يا سلطان، مثلاً، فإن هذه الأدعية ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة، ومثل قول بعضهم: يا غفران، فإن العبد إذا أراد أن يسأل الله عز وجل غفرانه، فإنه يسأل بغير هذا فيقول: يا غفور اغفر لي -مثلاً- أو يا غفور أسألك غفرانك، وكذلك مثل قول بعضهم: يا رب طه وياسين، ويا رب القرآن العظيم، فإن هذا غير سليم، وغير صحيح، وقد ذكر الخطابي أن ابن عباس أنكره على من قاله؛ لأنه قد يوهم أن القائل يعتقد أن القرآن مخلوق، والقرآن كلام الله عز وجل منـزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وعلى كل حال فالاعتداء في الدعاء أمره يطول وأكتفي بما ذكرت.
وأودّ التنبيه على أن هناك كتاباً اسمه الدعاء المستجاب من السنة والكتاب، وهذا أيضاً مليئ بأدعية منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير منها ما بين ضعيف وموضوع وهو لـأحمد عبد الجواد، فينبغي الحذر من هذا الكتاب وعدم طبعه أو بيعه أو تداوله أو الدعاء بما فيه من الأدعية، وبعض الأئمة والداعين يدعون بأدعية أخذوها من هذا الكتاب، مع أن كثيراً مما فيه غير صحيح، وهناك كتاب آخر أفضل منه جمع الأدعية الصحيحة واسمه الدعاء المستجاب من السنة الصحيحة والكتاب.
الأمر الثاني: أن تعلم أن الله عز وجل أعلم بمصلحتك منك، فقد تدعو الله عز وجل بأمر يعلم الله أنه لو أجاب دعاءك وحقق لك ما تريد؛ لكان هذا ضرراً عليك في الدنيا أو في الآخرة، أو يعلم الله تبارك وتعالى بعلمه وحكمته أن من المصلحة لك أن يؤجل إجابتك عن هذه السنة إلى السنة التي تأتي بعدها، أو عشر سنين، أو أكثر، أو أقل، فيعلم الله عز وجل أن مصلحتك في تأجيل الإجابة أو في عدمها، فأنت حينئذٍ تستسلم لما يقع وتعلم أن الله عز وجل أبصر بمصلحتك منك. فكم من إنسان -مثلاً- يسأل الله زوجةً صالحة، فيبطئ عليه هذا الأمر، وقد يسأل امرأة بعينها أن ييسر الله سبيل الزواج منها، فربما لو حصل هذا الأمر لحصل بينهم من المشاكل والهموم والمتاعب والقضايا الكثيرة المتشابكة ما تجعل حياة الإنسان تتحول إلى نوع من العذاب، حتى يتمنى أنه لم يرها، ويقول لها: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، وقد يقع هذا للإنسان، فقد يدعو الإنسان ربه بتعجيل سفر، قد يكون لطاعة إما لحج أو لعمرة أو لجهاد ليس من الأمور الواجبة على الإنسان لكن من النوافل؛ فلا يتيسر له هذا الأمر، فيعلم بعد ذلك أنه كان الخير فيما اختاره الله عز وجل له.
الأمر الثالث: الذي يعين الإنسان على الصبر وعدم استعجال الإجابة: أن يقدر أن الله عز وجل دفع عنه بهذا الدعاء شراً أو ضراً كان سينـزل به لو لم يدعُ؛ فإذا تذكرت أن الله دفع عنك بهذا الدعاء شراً فإنك تستمر في الدعاء.
الأمر الرابع: أن تعلم أن هذا امتحان لصبرك وجلدك وتحملك هل تستمر في هذه العبادة أم تحزن وتستحسر وتترك عند ذلك الدعاء.
الأمر الخامس: أن ينحي الإنسان باللوم على نفسه، تلوم نفسك إذا لم تُجَب، ولذلك يقول الله عز وجل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] ويقول سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] فيمكن أن يكون سبب عدم الإجابة وقوعك أنت في بعض المعاصي، أو التقصير، أو الخطأ، أو إخلالك بطريقة الدعاء، أو اعتداؤك فيه، أو ما شابه ذلك، فتعود باللائمة على نفسك، وعَوْدُكَ باللائمة على نفسك من أعظم أسباب الإجابة.
ولذلك يروى في الروايات الإسرائيلية، وهي قصة وإن لم تكن مضبوطة بأسانيد، لكنها من حيث المعنى صحيحة: أن رجلاً كان يدعو الله عز وجل ستين سنة في حاجة، وبعد ستين سنة ما أجاب الله تعالى دعاءه، فنظر هذا الرجل العابد إلى نفسه، وقال: والله يا فلان لو كان فيك خير لأجاب الله دعاءك، ما تركك الله طيلة هذه الستين سنة إلا لأنك لست أهلاً لأن يجاب دعاؤك، فسمع منادياً يقول له: والله لاحتقارك لنفسك في هذه الساعة أحب إلينا من عبادتك ستين سنة.
فأعمال القلوب أعظم من أعمال الجوارح، بل أعمال الجوارح مرهونة ثمرتها وقيمتها وأجرها بأعمال القلوب، فكون الإنسان يكون في قلبه ذل وانكسار، وتواضع وخشوع، ومقت للنفس، وازدراء لها، هذا من أعظم أسباب القربة إلى الله عز وجل، وأوسع باب تدخل فيه على رب العالمين هو باب الذل والانكسار بين يديه جل وعلا، ولا يجوز للإنسان أن ييأس كما قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من رجل مسلم يسأل الله عز وجل دعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله عز وجل بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يجيبه، أو يدفع عنه من الشر مثلها، أو يؤخر ويدخر له في الآخرة مثلها، قالوا: يا رسول الله! إذاً نكثر قال: الله عز وجل أكثر} رواه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم وصححه وهو حديث صحيح، فلا يجوز للإنسان أن ييأس من روح الله عز وجل.
أما البكاء فإن بعض الناس يتباكى في صلاته، ويظهر منه أثناء الدعاء حروف وأصوات بكاء ليس مضطراً إليها، وإنما هو يتكلف هذه الأصوات، ولا شك أنه لا ينبغي للإنسان أن يتباكى ويرفع صوته بحضرة الناس في ذلك إذا كان في صلاة؛ لأن هذا يخشى على صاحبه أن يكون نوعاً من الرياء، إضافة إلى أن هذا في الصلاة لا يصلح ولا ينبغي، كذلك فيما يتعلق بالخشوع، أن بعض الناس نتيجة خشوعه قد يرفع بصره إلى السماء، وقد صح في سنن النسائي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء حال الدعاء، أو لتخطفن أبصارهم} فبعض الناس إذا رفع يديه في دعاء القنوت قال: يا رب، ورفع يديه ينظر إلى السماء وهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه.
وكذلك أسامة بن زيد كما في الصحيحين لما قتل الرجل قال: {يا رسول الله استغفر لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءتك يوم القيامة} وكذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أنهم سيأتيهم أويس بن عامر القرني مع أمداد من أمداد اليمن، وهو رجل فيه كذا وكذا من صفته، وطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يطلبوا من أويس القرني أن يستغفر لهم، فلما جاء قابله عمر وطلب منه أن يستغفر له، ويدعو له، ومن قبل أخوة يوسف قالوا لأبيهم: يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ [يوسف:97].
وفي صحيح مسلم عن صفوان بن عبد الله قال: قدمت إلى الشام، فأتيت أبا الدرداء في منـزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: {دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، على رأسه ملك موكل يقول: آمين، ولك بمثل} ثم لقي أبا الدرداء بعد ذلك، فقال له مثل ما قالت أم الدرداء، والظاهر أن هذا كان مأثوراً مشهوراً عند السلف، أما ما ورد من النصوص في النهي عن سؤال الناس، فالذي يظهر لي والله تعالى أعلم بالصواب أن المقصود سؤال الناس ما يتعلق بالأمور الدنيوية.
إذاً الخلاصة: أن الأحاديث في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ضعيفة، بل شديدة الضعف لا يجبر بعضها بعضاً، ليس فيها حديثان ضعيفان فقط بحيث يكون مجموعهما حديث حسن، بل أمثلها حديث ضعيف وفيها ضعيف جداً، فالذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، لكن لا نقول إن هذا العمل بدعة، ولا ننكر على من فعله؛ لأنه عندنا الآن في إحدى نسخ الترمذي يقول: صحيح، وابن حجر يقول: مجموعها يقتضي أنه حديث حسن، والسيوطي يقول: حديث حسن، وهناك علماء آخرون حسنوا الحديث، وبناءً على ذلك لا يمكننا أن نرمي من مسح وجهه بيديه بأنه مبتدع، لكن نقول: الأولى بالنسبة لطالب العلم ألا يمسح وجهه بيديه.
اللهم ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأهواء، والأدواء، إنك على كل شيء قدير، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: الفرق بين الدعاء والابتهال، أنه في الدعاء يجعل يديه حذو منكبيه، أي قبالة وجهه، وأما الابتهال فهو أن يبالغ في رفع يديه، حتى ورد في بعض الألفاظ أن ظهر يديه يكون إلى السماء، حين يبالغ في رفع اليدين، والابتهال يكون حين يشتد بالإنسان الأمر، ويجد في قلبه من شدة الرغبة والسؤال؛ فيرفع يديه، وهذا غالباً ما يكون في الإنسان في حالة اضطرار أو شدة، أما رفع اليدين فيرفعهما مضمومتين إلى جوار بعضهما.
الجواب: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه بعد الصلوات المفروضة ولا غيرها، بل الدعاء في أثناء الصلاة أفضل، والصلاة لها ثمانية مواطن للدعاء يمكن أن تراجع، أما أن يدعو بعد السلام فلا بأس أن يدعو بما ورد، بل يشرع: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله. اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك. هذا كله ورد ويحتمل أن يكون قبل السلام أو بعد السلام، لكن إذا دعا به بعد السلام فلا بأس، ولا يشرع له أن يرفع يديه، وكذلك بعد النافلة لا يشرع أن يرفع الإنسان يديه، وإن رفعهما لا يشرع له أن يحافظ على ذلك.
الجواب: لا ينبغي لا للإمام ولا للمأمومين أن يرفعوا أيديهم عند الدعاء، بل يدعو الإمام بأصبعه، والمأموم يؤمن على دعائه، اللهم إلا في حالة الاستسقاء والاستصحاء، فقد صح كما في الصحيحين: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعو الله أن يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا فما نـزل صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام، يقول
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
يلوذ به الهلاك من آل هاشمٍ فهم عنده في خيرةٍ وفواضل |
{فجاء الرجل -أو غيره في الأسبوع القادم- وقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على ضراب الآكام وبطون الأودية، ومنابت الشجر} قال: فانقشعت عن المدينة حتى أصبحت في مثل الجوبة، أي: المدينة صحو، وما حولها غيم ممطرة، تبارك الله رب العالمين.
الجواب: قد يكون هذا أمراً طبيعياً؛ لأن الإنسان إذا أقبل على عبادة فإن القلوب لها إقبال، ولها إدبار، فأحياناً يشعر بنشاط ورغبة، وأحياناً يشعر بكسل وخمول، لكن على الإنسان أن لا يستجيب لهذه الرغبة في عدم حب الدعاء أو عدم الرغبة فيه، بل أن يدعو الله عز وجل ويكره نفسه على هذا الأمر، ولا يطيل إطالة قد تجعله يمل، إذا شعر بثقل هذا الأمر عليه.
الجواب: لا شك أن الأولى والأفضل أن يلتزم الإنسان باللفظ النبوي؛ لأنه أسلم، من الوقوع في الخطأ، والاعتداء في الدعاء؛ كما سبق التحذير منه، لكن المشهور أن الأدعية ليس متعبداً بألفاظها وحروفها، أما الأذكار فلا، فمثلاً قوله: سبحان ربي العظيم في الركوع، أو سبحان ربي الأعلى في السجود، هذا متعبد به، ومثل بعض الأدعية الواردة خاصة في الصلاة مثل قول: (رب اغفر لي) فهذا يحسن بالإنسان أن يلتزم لفظه، لكن لو غير في لفظه، بأن قدم أو أخر، لو قال: اللهم ارحمني واغفر لي وارزقني واهدني وما أشبه ذلك، فإن هذا لا بأس به.
الجواب: اعتقد أن السائل ما ضبط الكلمة، وليت الكتاب كان عندنا حتى نقرأ كلام سماحة الشيخ عبد العزيز لنتبين هل الدعاء بعد الصلاة بدعة هكذا مطلقاً، بدون تفصيل لا أدري هل أطلقه الشيخ أم لا، على كل حال لا أستطيع أن أقول شيئاً؛ لأن الكتاب غير موجود لدينا الآن.
الجواب: لا بأس أن يدعو الإنسان في سجوده بما أحب من الأمور الدنيوية والأخروية، وأجمع ذلك كله قوله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] ويجوز أن يقول الإنسان هذا الدعاء في السجود، ولا يحتج بعدم مشروعية قراءة القرآن راكعاً أو ساجداً؛ لأنه ما قاله على سبيل القراءة هنا، بل قاله على سبيل الدعاء، وكذلك الدعاء لنفسه ولوالديه ولأهله، لا بأس أن يدعو للجميع، لكن عليه أن يدعو بدعوة مجملة كما سبق، مثلاً (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين) أما أن يقول بعض الناس: اللهم اغفر لي ولوالدي ولإخواني ولأخواتي ولجداتي و...، ويذهب يعدد الأقارب فرداً فرداً ثم ينتقل إلى الجيران ثم ينتقل إلى المعاريف، فهذا من الاعتداء في الدعاء كما سبق.
الجواب: ذكرني السائل أمراً كنت قد نسيته، وهو مسألة دعاء القنوت، أنه ورد في دعاء القنوت عند الترمذي وغيره بسندٍ حسن أن الرسول صلى الله عليه وسلم علّم الحسن بن علي دعاء القنوت: {اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، إنه لا يعز من عاديت، ولا يذل من واليت، تباركت وتعاليت} فهذا الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت، وكذلك صح من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر القنوت: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك} فهذا الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن ورد عن عمر رضي الله عنه عند البيهقي بسندٍ صحيح أنه كان يقول في دعاء القنوت: [[اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك؛ إن عذابك الجد بالكفار ملحق]] فهذا ثبت عن عمر، وكذلك ورد أنه كان يدعو على كفرة أهل الكتاب الذي يصدون عن سبيل الله ويكذِّبون رسوله، فهذا دليل على أنه لا بأس أن يدعو الإنسان في القنوت بما ورد، لكن مع التزام الآداب السابقة.
الجواب: لا بأس، يجوز الدعاء بهذا في الصلاة؛ لأنه داخل ضمن الأدعية المشروعة على سبيل الإجمال، فالدعاء للنفس وللوالدين بالمغفرة ثابت رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [إبرهيم:41] وكذلك الدعاء في صلاح النية والذرية واردٌ أيضاً، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15].
الجواب: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: إذا تمنى أموراً من أمور الخير، فهذا أمرٌ حسن؛ لأن هذا التمني قد يدعو الإنسان إلى السعي إلى هذا الأمر، أو سؤال الله سبحانه وتعالى أن يحقق له رغبته وأمنيته، أما إذا كان من أمور الدنيا فهو غير محمود، لذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة وغيره أنه قال: {انظروا إلى من هو دونكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعم الله عليكم} يعني في الدنيا، فينظر إلى من دونه، ولا يتمنى مرتبة من فوقه.
الجواب: الظاهر أن هذا خاص فيما إذا دعا دعاءً جهرياً يؤمِّن عليه المأمومون، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: {رب اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني} وعلمنا أن نقول هذا أئمة كنا أو مأمومين.
الجواب: سبق الإشارة إلى مثل هذا، والأولى أن الداعي لا يحرص على الصراخ والبكاء، ويحرص على أن يكظمه ويكتمه إن استطاع؛ خاصةً إذا كان مصلياً، وخاصةً إذا كان في حضرة الناس؛ لأن هذا من أعظم مداخل الشيطان على الإنسان، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {ورجلاً ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} فبعض الناس كما ذكر ابن الجوزي وغيره أنه إذا كان في مجتمع من الناس، يكون عنده شيء من التكلف والتصنع والتعمل، فتجد أن عنده نفسية مستعدة للبكاء، وهذا موجود، نسأل الله العافية.
الجواب: أما في غير الصلاة فلا بأس أن يدعو بما ورد عن أنس، أما في الصلاة فقد سبقت الإجابة عليه.
الجواب: هل قلت أفضل أو آكد، يوجد فرق بين اللفظين، فعلى كل حال أنا قلت أنه آكد؛ وذلك لأن النصوص فيه أكثر، منها أن الدعاء موقوف محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث جاء موقوفاً ومرفوعاً، ومنها أيضا حديث فضالة بن عبيد الذي سقته؛ فإن فيه: {إذا قعدت في الصلاة فاحمد الله وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم } فهذا قد يرجح أن الصلاة مشروعة في أول الدعاء وفي آخره وأنها في آخره آكد.
الجواب: المعنى ظاهر، أن العبد يستجير بالله منه، كما يقال إنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فتستعيذ بعفو الله من سخطه وعقوبته، وبرضاه من سخطه، وبه منه؛ لأنه لا يمكن أن يعيذك ويحميك من كل شر في الدنيا والآخرة إلا الله عز وجل، أما قول: لا أحصي ثناءً عليك، فالمعنى أن العبد مهما أثنى على الله عز وجل لا يمكن أن يبلغ قدره جل وعلا، حتى الأنبياء صلوات الله عليهم، كما ثبت في حديث ابن مسعود بسندٍ حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من عبدٍ تصيبه مصيبة أو يصيبه همٌ أو حزن فيقول: اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنـزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك} فأسماء الله وصفاته عز وجل لا يحيط بها إلا هو، والرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا خر ساجداً تحت العرش من أجل الشفاعة؛ يفتح عليه محامد وتسبيح وثناء على الله عز وجل لا يعلمه حين كان في الدنيا، ولا يعلمه إلا ذلك الوقت.
الجواب: الاعتداء في الطهور يعني الزيادة، ولذلك جاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود وهو حديث حسن: { أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي فقال: يا رسول الله! كيف الوضوء؟ فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هذا الوضوء فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم } فمن الاعتداء بالطهور وضوءاً أو غسلاً أن يتوضأ الإنسان أكثر من ثلاث مرات مثلاً، أو يكون عنده وسواس ويبالغ في ذلك، ويكثر استخدام الماء فهذا من الاعتداء بالطهور.
الجواب: نعم، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب حجب دعاء التاركين، ولذلك جاء في أحاديث عديدة قوله صلى الله عليه وسلم: {أيها الناس مُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم}.
الجواب: السبب في ذلك أمور منها أو من أهمها: أن الإنسان إذا سمع قراءة القرآن غالباً ينشغل ويسرح باله، فإذا جاء الدعاء شعر بأن القضية تتعلق به، فالمصلحة تخصه هو في دينه أو في دنياه، ولذلك يجمع قلبه على الدعاء، أما القرآن فإنه يغفل عنه، كذلك فإن بعض الناس اعتادوا سماع القرآن، فلا يهز قلوبهم ولا يحركها، وطبعاً السبب الأول والأخير أن قلوب هؤلاء الناس عليها ما يشبه الأقفال، كما قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وإلا فالقرآن أبلغ الكلام وأعظمه، وكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: [[لو صحت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم]].
الجواب: صفة الدعاء لم يرد تحديدها فيدعو الإنسان بما أحب، وكما سبق أن الدعاء بين الأذان والإقامة من أوقات الإجابة، أما رفع الأيدي فالأصل كما سبق ثابت بل متواتر، لكن كون الإنسان يرفع يديه في وقتٍ معين بصفة مرتبة، ويلتزم ذلك هذا الذي يخشى منه، لكن لو ثارت في نفس الإنسان دعوة وانفعل بها ورفع يديه لشدة وجده وتأثره فلا بأس بذلك، أما كونه يرفع يديه بالدعاء ما بين الأذان والإقامة حتى يقيم فلا شك أن هذا لم يرد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر