السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
إن للتربية الجهادية أهمية كبرى في حياة الأمم والأفراد، وحين نجري مقارنة سريعة بين الجيل الحاضر الذي نجده الآن وبين الجيل الأول نجد فرقاً كبيراً جداً.
وكذلك جاء في رواية جابر رضي الله عنه وزاد: {وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة} قال: فقمنا نبايعه وأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر القوم -أصغر السبعين سناً- إلا أنه قال: [[رويداً يا أهل يثرب ]] تصور أنت الآن أمام جماعة يؤمنون لأول مرة، ويبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فيقوم بينهم شاب (فتى) فيقول لهم بلهجة الواثق العالم الخبير: [[رويداً يا أهل يثرب: إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مفارقة الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنَّ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ]] أي يقول: انتبهوا جيداً علام تبايعون عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عليها إذا مستكم -أي على الحرب- وعلى قتل خياركم، ومفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله عز وجل، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خيفة -وفي رواية- جُبينة]] أي: جبناً وخوفاً، وأنكم قد تتراجعون إذا جد الجد وحزب الأمر [[فذروه فهو أعذر لكم عند الله عز وجل، فقالوا له يَا
إذاً: هؤلاء القوم يضعون أقدامهم في طريق الإسلام أول مرة، ولم يمر على دخولهم في الإسلام غير ساعات يسيرة، بل ربما دقائق، ومع ذلك يقولونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة: يا رسول الله، لو أردت أن نميل على أهل الموقف -أي على أهل مكان- بأسيافنا ونقاتلهم لفعلنا.
فيأتي إليه ابن الدغنة فيقول له: يا أبا بكر، إنني رجل عربي صميم، وإنني لا أريد أن أُخفر في ذمتي؛ فإما أن تقرأ في بيتك ولا تستعلن بقراءة القرآن، وإما رد إلي جواري. فيقول له أبو بكر رضي الله عنه: بل أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل.
وكذلك أبو ذر رضي الله عنه لما أسلم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {ارجع إلى قومك فكن فيهم حتى يأتي إليك أمري} أي: ارجع إلى قبيلتك حتى تسمع أنني قد ظهرت في بلد من البلدان فأت إليّ، فيقول أبو ذر رضي الله عنه؟ :[[والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين ظهرانيهم]] فيأتي أبو ذر -وهو رجل من قبيلة بعيدة من قريش -فيقف في وسط قريش، ويقول لهم: [[يا معشر قريش! إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله]] فيقومون إليه من هاهنا ومن هاهنا ويضربونه حتى يوجعوه ضرباً.
فيفزع إليه العباس بن عبد المطلب وهو يقول لهم: [[ يا معشر قريش! ألا تعلمون أن هذا الرجل من قبيلة غفار، وأن طريق تجارتكم إلى بلاد الشام تمر على هذه القبيلة؛ فهل تأمنون أن تأتي هذه القبيلة فتعتدي على أموالكم وتجارتكم؟ ]] وما يزال بهم حتى خلصه منهم، فيذهب أبو ذر رضي الله عنه. فهل قال: هذه توبة ولا أرجع لمثلها؟
لا. بل لما كان من الغد جاء إلى المكان نفسه وصرخ بأعلى صوته، وقال: [[يا معشر قريش إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اصنعوا ما بدا لكم، لا نامت أعين الجبناء]] فتقوم إليه قريش مرة أخرى، ويقوم إليه العباس حتى يخلصه منهم، وقصته في هذا الصدد رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما.
ومثل ذلك إشهار عمر رضي الله عنه الإسلام.
لما أسلم عمر وكان المسلمون قلة مستخفين، فماذا صنع عمر رضي الله عنه؟
القصة كما هي في مصادر عديدة منها في مستدرك الحاكم بطولها، وأصلها في البخاري، وهي قصة في منتهى العجب، لما أسلم عمر ذهب إلى رجل من المشاهير بأنه وكالة أنباء يقال له: جميل بن معمر الجمحي؛ لأن جميلاً هذا إنسان قوال يأتي إلى النوادي والمجالس ويقول: يا بني فلان حدث اليوم كذا وكذا وكذا. فهذه مهمته يمشي في النوادي وينشر الأخبار، فجاء إليه عمر وقال له: هل علمت بأني قد أسلمت؟
قال: وقد فعلت؟
قال: نعم أسلمت، لكن لا تخبر بذلك أحداً. يقول عمر لا تخبر بذلك أحداً، أي: لا تترك نادياً، أو مجلساً، أو محفلاً، من محافل قريش إلا وتعلن فيه خبر إسلامي؛ فأعلن الخبر.
ماذا صنع عمر؟
هل دخل بيته وأغلق داره؟
لا. بل خرج في وسط مكة بل وفي المسجد الحرام، وصار يمر على نوادي قريش ويقاولهم ويلاسنهم، فإذا قالوا له كلمة رد عليهم عشراً، وهو يقول: [[ يا معشر قريش! اصنعوا ما بدا لكم ]]. يتحداهم وهم متقصفون حوله ومتحرشون محيطون به، حتى كادوا أن يضربوه وهموا به، وربما حصل اعتداء، فكان يضاربهم ويقاتلهم، من ضربه رد إليهم الكيل كيلين، ومن تكلم عليه تكلم عليه بأقوى وأشد مما قال، حتى إذا صارت الشمس في كبد السماء وقد تعب عمر جلس في الأرض، وهم متقصفون محيطون به، وهو يلتفت إليهم ويقول: [[ اصنعوا ما بدا لكم، والله لئن بلغنا ثلاثمائة رجل في مكة لنعاجلنكم، إما أن تخرجون وإما أن نخرج ]] فكان يصرخ ويصرخ رضي الله عنه بالإسلام.
وأعجب من ذلك كله أن الحاكم روى في مستدركه بسندٍ قابل للتحسين: أن المسلمين لما بلغوا أربعين رجلاً -ممن لم يهاجروا إلى الحبشة- اجتمعوا في دار الأرقم وأعلنوا إسلامهم، فخرجوا في مسيرة نحو أربعين رجلاً في شوارع مكة يعلنون كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْكم غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ
}.حين تنظر إلى هذا الزبد الذي يجري أو يكون فوق سطح الوادي إذا سال، ماذا تجد في هذا الغثاء؟
تجد فقاقيع هواء، وأشياء لا قيمة لها ولا نفع بها، فتزول وتمضي، كما قال الله عز وجل: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً [الرعد:17] فالزبد يمضي وينتهي ويتبخر، ويبقى ما ينفع الناس.
إذاً الأمة المسلمة اليوم تعيش مرحلة الغثائية.
ولو أردنا أن نجري عملية حسابية لوجدنا أن مسلماً واحداً من المسلمين الأولين ربما لو وزن بألوف بل بمئات الألوف ممن ينتسبون إلى الإسلام اليوم لرجح بهم ديناً، وقولاً، وعملاً، واعتقاداً، وفهماً، وإدراكاً، وتضحيةً، ولذلك لم ينفع المسلمين كثرتهم وعديدهم، بل هم أضعف الأمم وأقلها وأهونها في أعين الناس.
وحق علينا الوهن الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: {وليَنَزِعنّ الله الْمَهَابَةَ مِنْ صدور عَدُوِّكُمْ، ولَيقذفن فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، قَالَوا: وَمَا الْوَهْنُ يا رسول الله؟ قَالَ: حُبُّ الدنيا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ
إذاً: فالإنسان الذي يتعلق بالدنيا، بزينتها.. بأموالها.. بوظائفها.. بمناصبها.. ليس لديه استعداد للتضحية.. فهو حريص على هذه المكاسب ألا تزول، ولذلك ليس له رغبة أن يبذل، أو يضحي في أي مجال؛ لأن عنده مكاسب: أموالاً.. أو مناصب.. أو جاهاً.. أو سمعة.. أو أمراً معيناً يريد أن يحافظ عليه، فليس لديه رغبة في أن يضحي بأمر من الأمور.
فأقول: الأسباب كثيرة جداً، لكن أذكر منها سببين ذكرهما الإمام العلامة ابن خلدون في مقدمته، وهما:
السبب الأول هو: الشجاعة الفطرية عند العرب، فلذلك اختار العرب سكن البوادي على الحضر؛ لما في الحاضرة من ضعف العز، ولأن الجبن إنما ينشأ من رغد العيش وطيب الحياة والانغماس في الملذات، فالذي ينشأ في الرفاهية والنعيم وحياة المدنية المفرطة، ويعتاد على سكن البيوت والاحتجاب بالأبواب؛ تضعف لديه غريزة الشجاعة ويعتاد الأمن حتى يصبح حاله كحال ذلك الأعرابي الذي قيل له: ألا تغزو وتقاتل العدو؟
فقال: والله إني لأبغض الموت وأنا على فراشي فكيف أركض إليه ركضاً في المعارك، كيف أقاتل العدو؟
أو كحال أسلم بن زرعة الذي وجهه الأمير عبيد الله بن زياد لقتال الخوارج، وبعث معه ألفي جندي، وكان الخوارج أربعين رجلاً لكنهم شجعان أقوياء بقيادة خارجي مشهور يقال له أبو بلال، فلما قاتلوهم حمل الخوارج على أسلم هذا وقاتلوه قتالاً مستميتاً حتى فر هو ومن معه، فلما دخل على عبيد الله بن زياد وبخه وقال له: كيف تهرب من أربعين ومعك ألفا مقاتل؟!!
وما زال يوبخه ثم خرج من عنده، فلما خرج قال له الناس: وبخك الأمير. قال: والله لأن يوبخني الأمير وأنا حي خير من أن يمدحني الأمير وأنا ميت.
إذاً: فكل ما يريده هذا المقاتل أو هذا الزعيم على السرية أن يستمتع بالحياة وأن يظل حياً، وبعد ذلك لا يهمه شيء.
أما العرب الأولون فكانت الشجاعة جبلةً وغريزة فيهم، حتى إن العرب كما قال الألوسي وغيره: إنهم كانوا يتمادحون بالموت قطعاً بالسيوف ويتهاجون بالموت على الفراش. فيقولون: فلان مات حتف أنفه -أي مات على فراشه- هذا علامة ذل وسب له، أما إذا قالوا: فلان مات مقطعاً بالسيف والسنان والرماح والخناجر، واختلفت السيوف في بطنه، كان هذا دلالة على المدح والثناء عليه. قال بعض العرب وقد بلغه موت أخيه: إن يقتل فقد قتل أخوه، وأبوه، وعمه، إنا والله لا نموت حتفاً، ولكن نموت قطعاً بأطراف الرماح وتحت ظلال السيوف.
ومن قصيدة السموأل المشهورة يقول:
وما مات منا سيد حتف أنفه ولا طل منا حيث مات قتيل |
تسيل على حد الضباة نفوسنا وليست على غير الضباة تسيل |
أي يفتخر بأنه ما فينا سيد أو زعيم مات حتف أنفه، أي: مات على فراشه، إنما في المعارك وتحت ظلال السيوف.
وكذلك حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول:
فلسنا على الأعقاب تدمى قلوبنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما |
أي لسنا أناساً نفر إذا خضنا المعارك، بحيث نهرب ونصاب من أدبارنا ويسيل الدم على أعقابنا، وإنما إذا أصبنا يصاب الواحد منا وهو مقبل غير مدبر؛ فيقطر الدم وهو مقبل على العدو غير مدبرٍ عنه.
وكذلك من أبيات الشجاعة المعروفة: قول عنترة:
بكرت تخوفني الحتوف كأنني أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل |
فأجبتها إن المنية منهل لا بد أن أسقى بكأس المنهل |
فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل |
وهذه فلسفة واضحة أن الموت لا بد منه، فإذا لم يمت الإنسان قتلاً مات حتف أنفه، إذاً أن يموت شريفاً عزيزاً خير له من أن يموت ذليلاً مهاناً.
ثم يقول ابن خلدون: والسبب في ذلك أن أهل الحضر ألقوا جنوبهم على مهاد الراحة والدعة، وانغمسوا في النعيم والترف، ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى واليهم والحاكم الذي يسوسهم والحامية التي تولت حراستهم، واستناموا إلى الأسوار التي تحوطهم والحرز الذي يحول دونهم، فلا تهيجهم هيعة، ولا ينفر لهم صيد، فهم آمنون، قد ألقوا السلاح، وتوالت على ذلك منهم الأجيال، وتنـزلوا منـزلة النساء والولدان الذين هم عيال على أبي مثواهم، حتى صار ذلك خلقاً لهم يتنـزل منزلة الطبيعة.
ثم يتكلم عن أهل البدو وما فيهم من الشجاعة، فيقول: وأهل البدو لتفردهم عن المجتمع، وانتباذهم عن الأسوار والأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم، لا يكلونها إلى سواهم، ولا يثقون فيها بغيرهم، فهم -دائماً- يحملون السلاح ويتلفتون عن كل جانب، ويتجافون عن الهجوع إلا غراراً في المجالس، وعلى الرحال وفوق الأقتاب، ويتوجسون للنبآت والهيعات، ويتفردون في القفز والبيداء، مدلين ببأسهم، واثقين بأنفسهم، قد صار لهم البأس خلقاً والشجاعة سجية، يرجعون إليها متى دعاهم داع أو استنفرهم صارخ. أ-هـ
إذاً: هناك فرق لأن الإنسان إذا تعود على السكنى في البيوت، وإغلاق الأبواب والاعتماد على غيره، وألف حياة الدعة والراحة، حياة رتيبة فهو معتادٌ عليها، آمن مطمئن واثق، ولذلك أصبح هذا الإنسان يفزع لأي طارق ولم يتعود على الشجاعة، حتى لو أنه سمع صوتاً في أقصى الدار، صوت قط -مثلاً- لفزع وذعر.
كما يروى أن رجلاً سمع صوتاً في أقصى بيته فتوهم أنه لص يريد أن يسرقه، فقام هذا الرجل وهو يرتعد من الخوف والذعر والفزع ومعه السيف، فقال: يا أيها المدل علينا، المغتر بنا، المجترئ علينا، أتعرف هذا السيف؟
إن هذا السيف يسمى لعاب المنية، قد قتلت به وقتلت وقتلت وقتلت -ويذكر بعض الشجعان الأجواد الأقوياء -وما زال يلقي هذه الخطبة وهو يرتجف من الخوف والفزع، وكل لحظة يتوقع أن يغير عليه هذا اللص- فإذا بكلب يخرج من البيت، فلما رآه سكن روعه واطمأن، وقال: الحمد لله الذي مسخك كلباً وكفانا حرباً.
فكثير من الناس يعتادون على مثل هذه الحياة، فأصبح كل شيء يخيفهم، ولا شك أن الإنسان يستطيع أن يدرب نفسه على حياة الجد والقوة، ومما يقوي على ذلك كثرة الأسفار والخروج إلى الصحاري والتدرب على الانفراد سواءً للعبادة أو للاستطلاع أو للسير، أو لغيرها من المعاني والأشياء التي من شأنها أن تقلل من حياة الدعة والاسترخاء التي يعيشها كثيرٌ من الناس.
أما السبب الثاني: فعبر عنه ابن خلدون رحمه الله تعالى بأنه يعود إلى أن الإنسان لا يملك غالباً من أمر نفسه شيئاً بل يملك أمره غيره، فإذا كانت الملكة رفيقة عادلة، لا يعاني منها حكم، لامنع وصد كان الناس من تحت يدها مدلين بما في أنفسهم من شجاعة أو جبن، أما إن كانت الملكة وأحكامها بالقهر والسطوة والإخافة؛ فإنها حينئذٍ تكسر من سورة أنفسهم، وتذهب بالمنعة عنهم، لما يكون من التكاسل في النفوس المضطهدة -كما قال ابن خلدون-.
ولذلك وبخ عمر رضي الله عنه سعد بن أبي وقاص في قصة مشهورة حدثت في معركة القادسية.
كان هناك رجل اسمه زهرة بن جوية لحق هذا الرجل الشجاع برجل من الفرس يقال له الجالنوس، لحق به في المعركة فأجهز عليه وقتله وأخذ سلبه وكان خمسة وسبعين ألفاً من الذهب، أي: مبلغ ضخم، فلما أخذه جاء إلى سعد بن أبي وقاص وقال له: كيف تأخذ سلب رجل خمساً وسبعين ألفاً من الذهب؟!
هذا غير معقول! هلا استأذنتني حين أردت أن تلحق به وتقتله، ثم بعث سعد إلى عمر يستشيره في الأمر، فماذا قال له عمر؟ قال له: تعمد إلى مثل زهرة وقد صلي بما صلي به -أي تكلف ما تكلف وعانى ما عانى- وبقي عليك من حربك ما بقي، وتكسر قوته وتفسد قلبه، وأمضى له عمر سلبه. أي أنت يا سعد في حالة حرب، تحتاج إلى الرجال الأقوياء السادة، وكذلك هذا الرجل له بلاء وخدمة وجهاد فتقابله بمثل ذلك، وتكسر من عزيمته وهمته!! لا. بل أعطه سلبه ولا تتعرض له بمثل هذا الموقف.
وهذا ينطبق على أرباب الولايات، صغروا أم كبروا، حتى الأب مع ابنه، إذا كان الأب يعود ابنه -مثلاً- على أنه يوبخه على كل شيء، ويعاقبه على كل شيء؛ ينشأ الابن ضعيفاً ذليلاً منكسراً ليس لديه شجاعة ولا جراءة، يخاف من كل أمر ويحسب حسابات كثيرة تجعله لا يقدم على أمرٍ من الأمور، وهكذا المعلم مع تلميذه والشيخ مع طلابه.
ولهذا قال بعض المؤدبين: لا ينبغي لمؤدب أن يضرب أحداً من الصبيان في التعليم فوق ثلاثة أسواط.
وأذكر لكم قصة عجيبة حدثني بها أحد الإخوة الكويتيين منذ فترة من الزمن، يقول: كان هناك رجل له مجموعة من الأطفال فاشترى بيتاً جديداً، وأثثه أثاثاً حسناً، كلفه مبالغ طائلة، فلما نـزل هو وزوجته وأطفاله في هذا البيت كانوا في غاية الفرح والسرور، وخرج الأب في يوم من الأيام إلى عمله في الصباح، واشتغلت الأم بالطبخ والتنظيف وإعداد المنـزل، أما الصبيان الصغار فقد تفرغوا لهذا الأثاث فأخذ كل واحد منهم سكيناً وذهبوا يعبثون به فأتوا عليه من آخره، خربوا الأثاث وحطموه ومزقوه.
فلما أتى الأب وجد أن هذا الأثاث الذي دفع فيه مبالغ طائلة وأثماناً باهظة قد مزق وخرب شر تخريب، فغضب غضباً شديداً وأتى إلى هؤلاء الأطفال فربطهم بأيديهم وأرجلهم بحبالٍ غليظة، وأسرهم أسراً شديداً، وتركهم فبكوا ثم بكوا ثم بكوا حتى تفتت أكبادهم، والرجل كأن قلبه قدَّ من الصخر، لا يلين ولا يتأثر من هذا المشهد، فلما همت الأم بهم هددها إن تعرضت لهم بالطلاق، فلما يئس الأطفال وتفتت أكبادهم وبحت حلوقهم؛ سكتوا عن البكاء، فلاحظ الأب على أيديهم وأرجلهم زرقة، ولاحظ أن لونها يتغير إلى الزرقة، فاقترب منهم فخاف أن يتطور الأمر ففك هذه الحبال فوجد أن الأطفال أصبحوا يترنحون وقد أصيبوا بالإغماء، فذهب بهم سريعاً إلى المستشفى.
فقال له الطبيب: إن هذه الأجسام قد تسمم الدم في أيديهم وأرجلهم، وهذا الدم المتسمم إذا سار إلى القلب فإن الوفاة محتملة؛ ولذلك لا بد أن تبتر أطرافهم حفاظاً على حياتهم، ووقع الأب ودموعه تنهمر، فوقع على عملية بتر أطراف هؤلاء الأطفال خوفاً من موتهم وهكذا قطعت أيديهم، وكان مما يزيد من حزن هذا الأب وكآبته أن هؤلاء الأطفال بعد أن صحوا من العملية وصاروا يتلفتون وينظر الواحد منهم إلى نفسه بلا يد وبلا رجل، كان كل واحد منهم يقول: أبتي..!! أعطني يدي ورجلي ولا أعود إلى مثل هذا العمل، فكان الأب يبكي من ذلك أشد البكاء، ولكن بعد فوات الأوان.
إذاً: هذا الأسلوب في التربية، سواء كان أسلوب الأب مع أطفاله في العقاب الشديد على الخطأ، أو أسلوب المعلم مع طلابه، أو أي ولاية فإنه يورث الناس نوعاً من الذل والمهانة وعدم الثقة بأنفسهم، ويجعل هؤلاء الناس ليس لديهم استعداد للشجاعة والقوة والحمية والأنفة، وإنما هم ناس اتكلوا على غيرهم واعتمدوا عل من سواهم.
بل الأمة بحاجة إلى جيل يتقن فن الجهاد حقاً وليس يتقن فن التمثيل، نحن في حاجة إلى جيل لا يسترسل أثناء السلم في النعيم، ولا يخلد إلى الراحة، ولا يستسلم أثناء الحرب للأحقاد والغضب، فيصبح همه القتل والتدمير، نحن بحاجة إلى جيل على نمط ذلك الجيل الذي كان يطالب به يوشع بن نون حين أراد أن يقاتل كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم فقال: {غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ اشْتَرَى إبلاً أو غنماً وَهُوَ يُنْتَظِرٌ وِلَادَهَا، ولا رجل ابتنى داراً ولما يرفع سقفها، ولا رجل ملك بضع امرأة ولما يبن بها} أي: لا يتبعني أحد قلبه متعلق بإبل أو غنم، بل يجلس عند إبله وبقره وغنمه، لأنه لا يصلح للجهاد، وكذلك من بنى شقة ولم يتمها، وقلبه متعلق بتجهيزها وتجميلها فيشتغل بالتبليط، ويشتغل بالبناء، ويشتغل بغير ذلك، وكذلك من عقد على امرأة ولما يدخل بها فقلبه متعلق بمقابلة هذه العروس وليس بالجهاد، هذا لا يصلح لنا.
إذاً: لا يتبعنا إلا إنسان قد تفرغ قلبه للجهاد في سبيل الله وأصبح همه كله منصباً في هذه القضية: قضية الجهاد.. قضية إنقاذ الأمة، فمثل هذا هو الذي يصلح للجهاد.
فلما قال هذا الكلام تأخر عنه مثل هؤلاء الناس، فلما أقبل على عدوه كانت الشمس تريد أن تغرب، فقال لها: {أَنْتِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا} فأوقف الله حركة الشمس حتى جاء يوشع بن نون فقاتل عدوه، ثم انتصر عليهم، فأخذ الغنائم، ثم وضعها على الصعيد.
إذاً: الجيل الذي يتخلى عن الزوجة الحسناء، ويتخلى عن المال من إبل وبقر وغنم ووظيفة وغيرها، ويتخلى عن الاهتمام بالدنيا سواء كانت عبارة عن بيت أو سيارة أو أي شيء آخر، وليس المقصود أن يترك هذه الأشياء، فكل هذه الأمور مرغوبة ومطلوبة لكن في يده وليست في قلبه.
هذا الجيل يصنع الله عز وجل له الكرامات إذا احتاج الأمر إلى ذلك، تقف لهم الشمس، وحركة الدنيا كلها، فقوانين الحياة كلها تخضع لهم، أليس الله عز وجل عطل خاصية الإحراق في النار لإبراهيم عليه السلام، وعطل خاصية الإغراق في البحر للمؤمنين في مواضع كثيرة، وأوقف الشمس لـيوشع؟
فكذلك المؤمنون الجادون الصادقون إذا بذلوا كل ما يستطيعون واستفرغوا الوسع في الأسباب المادية ثم احتاجوا بعد ذلك إلى زيادة، فإن الله تعالى يمدهم بنصر من عنده لم يكونوا يحتسبونه، ولذلك يقول محمد إقبال رحمه الله تعالى:
خذوا إيمان إبراهيم تنبت لكم في النار جنات النعيم |
إن الأمة حين تواجه مشكلة أو معركة كبرى تحتاج إلى صياغة كاملة لسلوكها، ليس صحيحاً أننا حين نواجه معركة نستطيع أن نواجهها بين يوم وليلة، كلا. فالأمة إذا واجهت معركة لا بد أنها تحتاج إلى صياغة كاملة لسلوكها، وإنني أريد أن أضرب لكم بعض الأمثلة التاريخية السريعة.
ويقول قطب الدين الحنفي يصف أهل بغداد في زمن المستعصم: مرفهون بلين المهاد، ساكنون على شط بغداد في ظل النخيل وماء معين، وفاكهة وشراب، واجتماع وأحباب وأصحاب، فما كابدوا حرباً، ولا دافعوا طعناً ولا ضرباً -فهذا حالهم كحالنا اليوم في كثير من البلاد الإسلامية- فلما قيض الله عز وجل للمسلمين الملك المظفر قطز الذي يضرب به المثل في نـزاهته، وعدالته، وشجاعته، وحزمه، وصبره، ووفائه، وتضحيته، وحكمته، وإخلاصه في الدين، ويضرب -أيضاً- مثلاً أعلى للحاكم الصالح والرجل الكامل، حتى أنه كان من شدة ما حصل أن التتر حينما زحفوا على العالم الإسلامي يخربون، كان ملوك الشام ومصر مشغولين بقتال بعضهم بعضاً، وكيد بعضهم بعضاً، لا يجدون حرجاً أن يستنجد أحدهم بالصليبيين على منافسيه من المسلمين، وقبيل المعركة الفاصلة قضى الملك قطز مدة طويلة في إصلاح الرعية والمملكة.
وقد ملأ الجيش المصري بروح الفداء والاستماتة للدفاع عن الدين، فإذا به يحن شوقاً للجهاد في سبيل الله عز وجل، واستطاع الملك المظفر أن يهدئ قلوب الناس بعد أن كانت ترجف هلعاً من ذكر التتر، ولما دخل شهر رمضان وصام الناس بضعة أيام؛ نودي في القاهرة وسائر مدن مصر وقراها بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل، ونصرة دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحس الناس وكأنهم في عهد من عهود الإسلام الأولى، وطغى هذا الشعور على جميع طبقات العامة، حتى كف الفسقة عن ارتكاب المعاصي، وامتنع المدمنون عن شرب الخمور، وامتلأت المساجد بالمصلين، ولم يبق للناس حديث إلا الجهاد، وأمست ليلة الجمعة لخمسٍ بقين من شهر رمضان ولم ينم الملك المظفر تلك الليلة، بل قضاها في ترتيب العسكر وإصدار الأوامر، وكان في خلال ذلك يكثر من ذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن.
إذاً: استطاع بهذا العمل أن يجعل الأمة كلها تعيش حركة جهاد، وحالة استنفار وتعبئة معنوية ونفسية جادة، ولذلك لما بدأت المعركة، وهجم المسلمون على التتر، وهبت رياح الجنة، حينئذٍ خلع الملك المظفر خوذته وصرخ بأعلى صوته وهو يقول: وا إسلاماه (ثلاث مرات) واندفع يضرب رءوس التتر يطلب الشهادة في سبيل الله عز وجل، فحمي المسلمون، وقلدوا ملكهم، واستبسل وزيره بيبرس، ثم قتل قائد التتر، وطوق المسلمون العدو، وحالوا بينهم وبين الفرار، وأفنوهم ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح، وانتهت المعركة وخرَّ الملك ساجداً لربه عز وجل، وأطال السجود، ثم رفع رأسه والدموع تتحادر على لحيته حتى سلم من صلاته، وامتطى صهوة جواده، ثم خطب قائلاً: أيها المسلمون، إن لساني يعجز عن شكركم، والله وحده قادرٌ أن يجزيكم الجزاء الأوفى، لقد صدقتم الجهاد في سبيله فنصركم على عدوكم، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] أيها المسلمون، إياكم والزهو بما صنعتم، ولكن اشكروا الله واخضعوا لقوته وجلاله، إنه ذو القوة المتين.
إذاً: الأمة -أولاً- تصاغ على الجهاد ثم تخوض المعركة بعد ذلك.
لذلك قصة تطول، لكن المهم أنه بعد أن انتشر في المسلمين الظلم، وشاع بينهم التعصب المذهبي والجهل، وانتشر التصوف، ولهى السلاطين في منازعاتهم وشهواتهم وانشغالاتهم وملذاتهم، حتى أن أحد الوفود الذين ذهبوا من الشام إلى بغداد يستنجدون بالخليفة، وكان معهم كيس مملوء بالجماجم وشعور النساء والأطفال، فنثروها بين يدي المسئولين لإثارة الحماس، فكان جواب الخليفة أنه قال لوزيره: دعني من هذا لا تعكر مزاجي، أنا في شيء أهم من هذا، إن حمامة البلقاء لي ثلاثة أيام لم أرها. فالخليفة مشغول بحمامته التي لم يرها منذ ثلاثة أيام، ولذلك لا يهمه أن تنثر أمامه جثث وأشلاء المسلمين في كل مكان.
بعد ذلك بدأ صلاح الدين بتهيئة المسلمين للجهاد في سبيل الله، فأسس المدارس وجعل الدولة تشرف عليها وتدفع رواتب المدرسين، وعرفت هذه المدارس في التاريخ باسم المدارس النظامية، وكان هذا سبباً في انتشار العلم بين الناس، والاهتمام بالكتاب والسنة، ومعرفة الأدلة الشرعية.
ومن بعد ذلك بدأ صلاح الدين حركة إصلاحية تجديدية على كافة المجالات السياسية والتربوية والاقتصادية، ونشطت الدولة في تدريب الجماهير تدريباً عسكرياً، وبث الروح في نفوس الأمة حتى تزايدت العناية بذلك، وأقام نور الدين زنكي ساحات وميادين للتدريب في دمشق، وألف كتاباً في الجهاد، وكان التدريب يقوم على دعامتين:
الدعامة الأولى: الإعداد المعنوي والروحي.
والدعامة الثانية: التدريب العسكري.
وفي هذه الساحات والميادين تربى الشاب صلاح الدين الأيوبي وكان نور الدين نفسه يساهم في ميادين التدريب، مثل ركوب الخيل ولعب الكرة، وليس المقصود الكرة الموجودة بل كانت كرة تلعب عن طريق رميها أمام الخيول ثم الجري وراءها، وكانت هذه الساحات والميادين متكاملة البرامج والرجال، فكان فيها مجلس عام للقيادات التربوية يحضره كبار العلماء، وتناقش فيه كافة الموضوعات بروح علمية بعيداً عن التعصب المذهبي أو الحزبي، وكان نور الدين يجلس أمام العلماء كفرد عادي، ولقد ترتب على هذه الجهود تغيير ما بأنفس الناس من أفكار وتصورات وقيم واتجاهات؛ حتى برز جيل مسلم يختلف عن الأجيال السابقة.
كذلك في ليبيا : الحركة السنوسية، وفي الجزائر حركة الجهاد وفي المغرب وفي قتال اليهود في فلسطين، قصص في غاية العجب. وخلاصة الكلام الذي يمكن أن يقال من خلال هذه الأمثلة: أننا حين نواجه حرباً فإننا لا بد أن نعد الأمة كلها لمواجهة هذه المعركة.
بل أحياناً مشاركة الصغار في الجهاد مفيدة، ومشاركتهم لها قصص كثيرة لعل من أشهر القصص: ما رواه الشيخان من قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في معركة بدر يقول: { لما ثارت المعركة التفت يميني فإذا صبي صغير، فالتفت يساري فإذا مثله، فقلت: يا ليتني بين رجلين أضلع منهما، قال: فبينما أنا على ذلك نظر إلي الذي عن يميني، فقال: يا عم! أين قلت: وما تصنع به؟ قال: فقد بلغني أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الذي لا إله غيره إن لقيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا! -وهو طفل عمره أربع عشرة سنة!- قال: فقلت له: بارك الله فيك. قال: فبعد قليل دعاني الذي عن يساري، فقال: يا عم! أين قلت: وما تصنع به؟ قال: فقد بلغني أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الذي لا إله غيره إن لقيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا! فقلت له: بارك الله فيك. قال: فإذا قالا: لا. فقال: أروني أسيافكما، فنظر إليهما، فقال: كلاكما قتله. ثم أعطى سلبه لأحدهما
والأمثلة كثيرة لا أريد أن أستطرد فيها، لكن المقصود أن الصبي الصغير يدرب على معاني الجهاد، ويربى وينشأ عليها معنوياً، وحتى جسمياً، يربى ويدرب عليها، ولا مانع أن يشارك أحياناً في الجهاد.
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول |
لكن ليس مهمة المرأة فقط جر الذيول، إلا أن المقصود أن المرأة تتستر، لكن مهمة المرأة أكبر من جر الذيول، فمهمة المرأة أكبر من ذلك بكثير، إن مهمتها تربية الرجال وإعدادهم للقتال، وهؤلاء أعظم ثروة للأمة، فإننا بإعداد الرجال نكون بذلك استطعنا أن نشغل المصنع، ونصنع الصاروخ والمدفعية والقنبلة، ونخوض المعركة، فإن الأمم بحسب التربية التي يتلقاها الناس في بيوتهم، فهذا دور المرأة.
إذاً: ليست مهمة المرأة القتال، ولذلك جاء في صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت: {يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نقاتل؟ فقَالَ لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لكن جهاد لا قتال فيه: الحَجٌّ والعمرة} وفي رواية: {لا. لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ الحج} ففي بعض الروايات (لكُنَّ) وفي بعضها (لكِنَّ) والحديث أصله في صحيح البخاري ورواه ابن خزيمة وغيره.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق |
ما بالك بأم تربي ولدها على الجهاد، وتملأ قلبه بروح الاستشهاد وحب القتل في سبيل الله عز وجل، ولعلنا أمام مثال واقعي حي، وهو ما نشاهده ونسمعه الآن فيما يسمى بأطفال الحجارة، إن الذين يقاتلون في فلسطين الآن أطفال بعضهم في سن السادسة والسابعة والثامنة، فقولوا لي: من الذي غرس في نفوس هؤلاء الأطفال بغض اليهود؟
من الذي غرس في نفوس هؤلاء الأطفال حب الجهاد في سبيل الله؟
ومن الذي جعل الطفل الصغير يميز هذا يهودي عدو لك، ولا بد أن تخرجه من أرضك، ولا بد أن يحكم الإسلام بلادك؟
لا شك أنهن الأمهات، ولذلك أعظم خطر يزعج إسرائيل الآن كما تقول التقارير الغربية، هو أن الشعب الفلسطيني هو أكثر شعوب العالم الإسلامي تكاثراً وتناسلاً، ولذلك يبذلون جهوداً كبيرة من أجل تقليل النسل، بل إنهم يقومون بمحاولات مستميتة بما يسمونه بالتعقيم؛ لأن اليهود يقولون: إن المرأة الفلسطينية الآن "عش الزنابير".
المرأة الفلسطينية الآن أصبحت مثل العش الذي يخرج زنابير تلسعنا وتلدغنا وتضربنا بالحجارة، فلا بد من تعقيمها بحيث تصبح عقيماً لا تلد، أو على الأقل تقليل الإنجاب وتحديد النسل بكل وسيلة، وأعظم خطر هو ما يسمونه بخطر الانفجار السكاني للشعب الفلسطيني، حتى في إسرائيل نفسها مع التهجير والقتل ومحاولة إبعادهم بكل وسيلة.
إذاً: دور الأم دور كبير؛ لأننا الآن نجد أنفسنا أمام ألوف مؤلفة من الناس بلا دين، أوعقيدة أو هم أو هدف؛ لأنه تربى على أن همه لقمة العيش وكسرة الخبز، وممكن أن نجد أنفسنا أمام عدد ولو قليل ممن تربوا في أحضان أمهاتهم على معاني الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وعلى أيدي هؤلاء يكون نصر الأمة.
أما في هذه البلاد فالمرأة تأخذ كراتب الرجل، مع أنها قد تتمتع بإجازات معينة ولها صلاحيات كثيرة، والمقصود مع ذلك كله أن المرأة تعطى كل هذا الراتب ويقال لها -شرعاً وديناً- أنها ليست مطالبة بالإنفاق على البيت، حتى الملابس التي تحتاجينها زوجك مطالب بأن يوفرها لك، كذلك ملابس الأطفال والأطعمة.
إذاً: هذا المبلغ الضخم الذي تأخذه المرأة ماذا تصنع به؟
لقد رأينا وسمعنا كثيراً من النساء أنها تتبذخ بهذا المال، وتضرب به يمنة ويسرة، ولأنها ليس لها هدف معين؛ فإنها قد تسرف في هذا المال وتصرفه لغير طائل في كماليات وفي أمور لا قيمة لها، بل أحياناً في أمور محرمة!
إذاً: فلماذا لا نربي المرأة على أن يكون الجهاد بالمال في سبيل الله من أعظم مهماتها؟ فإنها تستطيع أن تجاهد بالمال ما لا يستطيع الرجل، لأن الرجل راتبه -مثلاً- عشرة آلاف ريال، لكنه بحقوق البيت، وبحاجيات المنـزل، ومطالب بتموين السيارة، وبالسكن، ومطالب بأشياء كثيرة؛ ولذلك ربما لا يستطيع أن ينفق شيئاً، لكن المرأة تستطيع أن تنفق كل أو جل راتبها في سبيل الله عز وجل.
لن تفعل إذا لم تترب على الصبر.
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لها موقف طريف رواه مسلم في صحيحه، يقول أبو نوفل: [[ رأيت ثم قال: أما -والله- لقد كنت صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما -والله- لأمة أنت شرها لأمة خير -أي أن أمة يعدونك من أشرارهم حتى يقتلوك فهي أمة خير- ثم ذهب عبد الله بن عمر، فبلغ الحجاج موقف عبد الله بن عمر وقوله؛ فأرسل إلى عبد الله بن الزبير فأنـزل عن جذعه فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها يقول: فأتيني، فأبت أسماء أن تأتي إلى الحجاج، فأعاد عليها الرسول قال: تأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، فقال الحجاج: أروني سبتيتي -نعالي- ثم انطلق حتى دخل على أسماء، فقال: كيف رأيتيني صنعت بعدو الله -أي ولدها-؟
وانظر المنطق، انظر التربية، وانظر كيف دور الأم إذا ربيت، فما بكت ودمعت وقالت: الله يخلف علي، وراح ولدي والله المستعان، بل قالت بلهجة المرأة الواثقة الحكيمة: [[رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك]] أي: ما تمتع بالعز والملك والإمارة التي كان يريدها، لكنه أفسد عليك آخرتك بأنك سوف تلقى الله عز وجل بدم مسلم، ثم بدأت توبخ الحجاج فقالت: [[ بلغني أنك تقول له: يا ابن
ولها مواقف عجيبة: لما حوصر ولدها، جاء إليها وقال: يا أم ماذا ترين، الآن أصحابي قد تخلوا عني وهربوا وانطلقوا، وأنا حوصرت بـمكة، وليس معي سلاح، ولا أتباع، أو أعوان وأنصار، فماذا ترين أن أصنع؟
قالت له: يا ولدي! إن كنت إنما قاتلت من أجل الدنيا فبئس العبد أنت، وإن كنت قاتلت من أجل الآخرة فاصبر واحتسب. قال: يا أم أخشى أن يمثلوا بي!
يقول: أنا لست خائفاً من الموت، لكن أخشى إذا مت أن يمثلوا بجثتي على خشبة، ويقطعون يدي أو رجلي أو أنفي أو ما أشبه ذلك، فقالت له: وماذا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟!
فإذا قتلوك فليمثلوا بك وليفعلوا ما شاءوا، فلما رأى موقفها وشجاعتها، قام إليها وقبل رأسها، وقال: والله يا أمي ما أردت إلا أن تقوي موقفي وإلا فلم يكن من نيتي الفرار ولا الاستسلام، فقاتلهم حتى قتل.
إذاً نحن نريد تربية نساء كـأسماء رضي الله عنها، تكون وراء ولدها تقويه وتصبره.
أما فيما يتعلق بموضوع التمريض وسقي الجرحى وعلاجهم فهذا يتعلق بالناحية التاريخية، لا شك أنه كان موجوداً في عصور الإسلام كلها، ولكنه كان موجوداً وسط الصيانة التامة والبعد في مجال التدريب عن الرجال أو السفور، أو التبرج، وكان يقوم بالتمريض والتدريب نساء هن قدوة في دينهن، وأخلاقهن، وإخلاصهن، وعلمهن، وتسترهن، قبل أن يكن قدوة في خبرتهن وتمريضهن، وكانت النساء تقوم أيضاً بالإجهاز على الجرحى من الكفار، وتترك سلبهم للصبيان الصغار؛ لئلا تبدو عوراتهم، كما ذكر ذلك ابن كثير في أخبار القادسية: أن بعض النساء كن يجهزن على الجرحى من الكفار، أما سلبه -أي أخذ متاعه وثيابه وسلاحه- فإنهن يتركن ذلك للصبيان الصغار لئلا تبدو عورات هؤلاء المقاتلين.
وإنما دعاني على التأكيد على موضوع التستر والصيانة التامة أننا ندرك أن الأهداف السابقة التي تحدثت عنها، هي تربية الأم الصالحة على: إعداد الجيل، والإخلاص، والصبر، والإيمان بالقضاء والقدر، والجهاد بالمال، كل ذلك لا يمكن أن يتم إلا من قبل أم تعلمت كيف تعيش في بيتها، عرفت أن مملكتها هذا البيت، فإذا خرجت منه استشرفها الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس.
ولذلك تلاحظون الحملة المسعورة منذ عشرات السنين في جميع بلاد الإسلام لإخراج المرأة من بيتها بكافة الوسائل، ويستغلون جميع المناسبات لإخراج المرأة من بيتها، حتى كثيراً ما تسمعون مقولة: نصف المجتمع معطل.
فهم يعتبرون أن المرأة ما دامت في بيتها فمعنى ذلك أنها معطلة، والواقع أن نصف المجتمع هذا ليس معطلاً، بل هو يشتغل بداخل المنـزل فإننا نجد أن البيوت مهمتها أعظم مهمة، وهذه المرأة هي جندية قائمة على حراسة الأمة، فليس صحيحاً أن بقاء المرأة في بيتها يعني أنها معطلة، خروج المرأة من بيتها لا يعني أنها عاملة، ولعل من العجائب أنهم كانوا يقولون في الماضي: إننا نريد المرأة عاملة، ونريدها موظفة، ونريدها...
صحيح أن هناك مجالات لا شك أن المرأة يحتاج إليها فيها كالتدريس مثلاً، وما أشبه ذلك من المهمات النسائية وفي المجال النسائي المضبوط بضوابط الشرع، لكن كان بعض الصحفيين يتكلمون على أن الهدف هو إخراج المرأة، ولذلك كانوا ينادون -مثلاً- بوجود السائق، والخادمة، فلما وجد السائق ووجدت الخادمة أصبحوا يقولون: إن المرأة جالسة في البيت بدون عمل لأن الخادمة تقوم بعمل المنـزل.
إذاً: لا بد أن نوجد أماكن للمرأة تقضي فيها وقت فراغها، لكن لماذا لا تقضي المرأة وقت فراغها في عملها في المنـزل، بقيامها بشئون البيت، وتربية الأطفال، والعناية بالزوج إلى غير ذلك من المهمات الكبرى التي تنتظرها؟
إذاً: من أهداف العلمانيين في كل مكان وزمان أن يعملوا على إخراج المرأة من بيتها بكل وسيلة.
إذاً: فالتربية الجهادية تربية شمولية: شمولية للأطفال الصغار، وللنساء، كذلك هي شمولية للكبار من الشيوخ الذين يعتبرون بحكم أنهم جاوزوا فترة الشباب انتهت مهمة التربية، كلا، بل حتى الموت وهم يتربون على معاني الجهاد في سبيل الله، روى مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بن شماسة أن فقيماً اللخمي قال لـعقبة بن عامر رضي الله عنه: { أراك تختلف بين هذين الغرضين وأنت شيخ كبير يشق عليك -يقول: لماذا تختلف بين هذين الغرضين وتتدرب على الرماية وأنت رجل كبير السن- قال
إذاً: فـعقبة يستمر على الرمي لئلا ينساه؛ لأنه يدرك أنه حتى الشيخ كبير السن يجب أن يكون مستعداً للجهاد.
من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح |
فالإنسان الذي يسمع حي على الصلاة -في صلاة الفجر- ثم لا يقوم لأن الوقت بارد -مثلاً- أو لأنه لم يأخذ قسطه من النوم، فهذا الإنسان لا يمكن أن يستجيب لداعي الجهاد بأي حال من الأحوال:
من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح |
كيف يتربى اليهود على الثقافة العسكرية؟
وكيف يتربى النصارى على الثقافة العسكرية؟
وكيف تتربى الأمم كلها؟
وكيف يتربى المسلمون؟!
ولا مانع من أن يستفيد المسلمون مما عند الأمم الأخرى مما يكون موافقاً للشرع وليس فيه مخالفة.
إذاً: لا بد أن تكون التربية تربية علمية، تربط الناس بالعلم: العلم بالشرع، وبالواقع، بما يحتاج إليه من الأمور العسكرية وغيرها.
هيهات هيهات..!
ولذلك أذكر أحد المشايخ القدامى -توفي رحمه الله منذ زمن- كان يردد بيتاً من الشعر في الذين هزموا أمام إسرائيل يقول:
وجوههم ليست شبيهة وجهه لكنها قد شابهت أوجه الكفر |
يعني هؤلاء الذين قاتلوا وهزموا، وجوههم ليست مشابهة لوجه الرسول صلى الله عليه وسلم، في مظهرها، وهيئتها؛ لأن المظهر جزء من الشخصية، ولكنها قد شابهت أوجه الكفار.
وربما يكونون طلاباً في مستويات عليا لو سألتهم عن بعض الأحداث التأريخية الهامة التي حلت بالأمة من أزمات ومصائب: متى وقعت؟
وكيف وقعت؟
وما وراءها؟
لوجدتهم يقلبون رءوسهم ولا يعرفون!
لكن لو سألت بعضهم -مثلاً- عن أسماء أبرز نجوم الكرة أو الفن؛ لأخبروك، ولو سألتهم عن تسريحات مايكل جاكسون وغيره، لأخبروك، ولو سألتهم عن آخر الأحداث الفنية؛ لأخبروك.
إن هذا ليس صحيحاً، فلابد أن نربي الشباب ونعبئهم تعبئة نفسية بحيث تصبح أهدافهم عليا، فيرتبطون بالأمة، وأهداف الأمة، ومصير الأمة.
أليس من المؤسف أن كثيراً من الجهات المحاربة للإسلام أصبحت تسعى إلى شغل عقول الشباب وأمور الناس بأمور ثانوية، وأحياناً قضايا تافهة تصرف عن الأهداف العليا والمصيرية التي تفكر فيها الأمة؟!
مثلاً: في كثير من الأحيان تجد الإنسان مشغولاً بلقمة الخبز ويبذل وقته كله في الحصول عليها والسعي إليها، ولذلك ليس لديه وقت لكي يتعلم العلم الشرعي، ولا ليجاهد في سبيل الله، أو ليأمر بالمعروف، أو لينهى عن المنكر، وأصبحوا يعقِّدون هذا الأمر حتى يأخذ وقت الإنسان، وأحياناً يشتغل الإنسان بأمور تافهة، من جنس ما ذكرت قبل قليل، حتى يكون عقله مملوءاً بأشياء وقشور لا قيمة لها، فلا يكون عنده تفكير بهموم الأمة، وإذا لم نفلح في نقل الشباب من هذه الحال فإن هذا يعني أننا لا زلنا دون مستوى التربية الجهادية.
إن خطبة الجمعة تعتبر منبراً، فتصور كم كلمة تقال، وكم خطيب يتكلم، وكم مستمع، لو أن هذه الخطب وجهت إلى تحريك مشاعر الناس، وربطها بقضية الإسلام الكبرى وهي الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإعداد الناس لهذا الهدف، ليس القتال من أجل التراب، لا، إنما القتال من أجل كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فليس صحيحاً أن الفلسطيني يقاتل من أجل زيتون يافا أو برتقال حيفا ولا تراب اللد والخليل، أبداً، فإنه سيجد في الدنيا زيتوناً أحسن من زيتونه، وسيجد برتقالاً أحسن من برتقاله وأفخم، وسيجد أرضاً أخضر من أرضه وسماء أجمل من سمائه، فليست القضية قتالاً على هذا ولا ذاك، وإنما هي تعبئة الناس وإعدادهم ليكونوا مقاتلين في سبيل الله عز وجل.
إن الترابط بين الجماعة في المسجد بالاتصالات فيما بينهم والتزاور والتناصح في ذات الله عز وجل هذا من الإعداد، كذلك الندوات الثقافية والمحاضرات في المساجد.
ومما يستحق الإشادة أننا نجد في مثل هذا العصر: كثرة الدروس والمحاضرات في المساجد في العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه، فإنك لا تجد بلداً إلا وتجد فيه دروساً منتظمة ومحاضرات منوعة في المساجد، وهذا ليس خاصاً بهذه البلاد مع أن هذه البلاد لها نصيب الأسد، لكنه عام في جميع البلاد الإسلامية، وهو ينم عن صحوة إسلامية علمية ثقافية.
أيضاً الدروس في المساجد سواءً كانت دروس قرآن أو دروساً علمية، فالمقرئ -مثلاً- الذي يحفظ الطلاب القرآن، أليس لائقاً به أن يقف عند آيات الجهاد والاستشهاد، ويحيي في الناس هذه المعاني، أو الشيخ الذي يدرس الناس -مثلاً- كتب السنة أليس لائقاً به أن يقف عند أحاديث الجهاد في سبيل الله عز وجل: كتاب الجهاد.. كتاب السير والمغازي.. أخبار المجاهدين في سبيل الله.. سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا نريد أن يتخرج إنسان يحفظ القرآن فقط لكنه لا يغار لله ورسوله، ولا نريد أن يتخرج إنسان يحفظ صحيح البخاري
وصحيح مسلم ولكنه لا يهمه أن تنقلب الدنيا رأساً على عقب، نريد إنساناً يحفظ القرآن، ويحفظ صحيح البخاري، وصحيح مسلم، ومع ذلك يعيش هموم المسلمين ويحزن لأحزانهم، ويسعى إلى الإصلاح بقدر ما يستطيع، ويحاول أن يجاهد في الواقع بكافة الميادين.أيضاً المدرسة تقوم بتربية علمية وعملية كثيرة، ونشاطات مختلفة علمية وبدنية، ونشاطات صفية وغير صفية، فلا بد أن تشتغل المدرسة الابتدائية، أو المتوسطة، أو الثانوية، أو الجامعة بالتعبئة وإعداد الناس لهذا الأمر.
كذلك وسائل الإعلام يجب أن تربي الناس على الجهاد في سبيل الله عز وجل في كل شيء، حتى الأناشيد التي تبث وتذاع يجب أن تكون أناشيد حماسية تحرك في الناس روح الجهاد في سبيل الله، وترفع الناس عن حضيض الشهوة والمادة والدنيا، ولا يمكن أن نتصور أنا نتغلب على عدونا بحنجرة فلان أو فلانة، كلا، ولا بصوت المغني الفلاني، وإنما نتغلب على عدونا بأن نعد الناس إعداداً صحيحاً تتظافر فيه جميع الوسائل ومنها وسائل الإعلام، فهي تساهم مساهمة فعالة في بناء المجتمع ويدخل في ذلك التلفزة والإذاعة والصحافة وغيرها، يجب أن تجند كما ذكرت في تعبئة الناس وإعدادهم لمعركة الإسلام الكبرى.
الجواب: الواقع أن وضع الناس فعلاً مؤسف، ونستطيع أن نقول باختصار شديد أنه لم يتغير شيء..!!
وكأننا لسنا في حالة حرب!! وربما أول ما صارت الأحداث تحركت نفوس الناس وزاد رواد المساجد، وأصبح المسجد الذي يصلي فيه صلاة الفجر -مثلاً- صف يصلي فيه صفان، معناه أن الناس ارتفعت معنوياتهم واهتموا، أما الآن فقد عاد كل شيء كما كان، وهذا في الواقع ينذر بخطر شديد، وإنني أدعو أئمة المساجد وطلبة العلم إلى أن يركزوا على هذا الموضوع ويتحدثوا عنه سواء في الأحاديث بعد العصر، أو قبل صلاة العشاء، أو في خطب الجمعة، أو في غيرها؛ ليشدوا الناس ويربطوهم بالله عز وجل، ويذكروهم بأن عذاب الله عز وجل واقع على كل من وجدت فيه الأسباب، كما أن اهتمام الناس بمتابعة تفصيلات الأخبار أحياناً اهتمامٌ بغير وعي، أنا لا أنكر أو أنهى عن متابعة الأخبار، بل من الطبيعي أن الإنسان يتابع؛ لكن بعض الناس كالمسعورين ينتقل من إذاعة إلى أخرى، وقد يسمع تحليلاً فيظنه خبراً، وهذا شوش نفوسهم وأوجد عندهم حالة من الرعب والفزع والذعر ما الله بها عليم.
إن المؤمن ينبغي أن يكون عنده اعتدال وإيمان وثقة وتوكل على الله، والمتابعة حينئذٍ تكون متابعة للمعرفة والوعي والإدراك، وليست متابعة حتى يستعد الإنسان كأنه يريد أن ينظر ويرى أقصى ما يستعد فيه أنه يجهز الأطعمة في بيته أو يحول العملة أو يسافر من بلده وما أشبه ذلك.
الجواب: أقول إنني لم أذكر قصة أولاد الخنساء؛ لأن الإمام الذهبي وجماعة من نقاد الحديث ذكروا أن هذه القصة ليست صحيحة، بل هي قصة منكرة.
الجواب: الواقع أن صداماً فعل بالمسلمين الأفاعيل، فقد سبق أن ذكرت في أكثر من مناسبة بعض الجرائم التي فعلها صدام وغير صدام في المسلمين في العراق وغيرها.
وأما اليهود فقد فعلوا بالمسلمين مثل ذلك وأشد منه أيضاً، وينبغي ألا ننسى عداوة اليهود؛ لأننا اشتغلنا بعداوة غيرهم، وهذه من القضايا التي ينبغي أن نحسن التوازن فيها، اليهود أعداء لنا، والنصارى أعداء، والشيوعيون أعداء، والمنافقون أعداء، والبعثيون أعداء، ويقظتنا لعداوة صنف ينبغي ألا تشغلنا عن عداوة الآخرين.
الجواب: في الواقع ليس هناك اختصاص للعرب بالشجاعة؛ لأن البدو شجعان أو أشجع من غيرهم في كل مكان سواء كانوا من العرب، أو من البربر، أو الفرس، أو من غيرهم، فهم أشجع ممن عاشوا في الحاضرة، ولذلك -مثلا- الموحدين من أشجع الناس، يوسف بن تاشفين وأتباعه، والمرابطون وغيرهم في المغرب والأندلس من أشجع الناس، ولهم مواقف شجاعة ومشهورة لأنهم كانوا من بدو الصحراء.
الجواب: الجهاد في الواقع هو وسيلة لإعلاء كلمة الله عز وجل، ولذلك الجهاد لا يعني فقط حمل السلاح، بل الجهاد في التعليم، والجهاد في تصفية العقيدة، والجهاد في إصلاح سلوك الناس... كل ذلك من الجهاد.
هل يقتضي هذا الوجوب على المسلم؟
الجواب: هذا ليس بحديث ولا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: نعم. هي مما يضاف إلى جانب التعبئة التي ذكرت وقصص المجاهدين الأفغان كثيرة، وربما تكون حية بذهن كثير منا، لأن كثيراً من الشباب يتابعونها من خلال الصحف والمجلات وغيرها.
الجواب: نصيحتي لكم في الاستمرار في هذا العمل، والرفق واللين فإن { الرفق ما يكون في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه }
الجواب: الصيد مشكلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الصحيح: {من سكن البادية جفا ومن تتبع الصيد لها -وفي رواية- غفل} فتتبع الصيد يدعو إلى الغفلة.
الجواب: سبق أن أجبت على مثل هذا السؤال: إن القتال كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد} ونقول: إذا قتل الإنسان دفاعاً عن الوطن لأنه يريد لهذا الوطن أن ترتفع فيه راية التوحيد وألا يحكمه الكفار أياً كانوا؛ فإن هذا قتال في سبيل الله عز وجل، وكل وطن رفعت فيه راية الإسلام فهو وطن لنا نحن المسلمين، كما قال الشاعر:
ولست أبغي سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان |
وحيث ما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطان |
ويقول آخر:
أنا عالمي ليس لي أرض أسميها بلادي |
وطني هنا أو قل هنالك حيث يبعثها المنادي |
فالقفر أحلى من رياض في رباها القلب صادي |
فالمؤمن وطنه الأرض كلها، وينبغي أن ترتفع فيها راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمن قاتل دون وطنه لترتفع فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله ويحكم بشريعة الله فهذا قتال في سبيل الله عز وجل.
الجواب: الله عز وجل يحب العدل في كل شيء، فعلى الإنسان ألا يكون متأثراً بردود الفعل، نعم الخشونة مطلوبة في الرجال دائماً وأبداً، وإذا رأيت الشاب يهتم بمظهره وتسريح شعره وهندامه ويبالغ في ذلك؛ فاعلم أن وراء ذلك نفسية مهزومة، وتعلقاً بالدنيا، وترفاً، وضياعاً، وضعفاً، فالاعتدال مطلوب؛ لأن الإنسان إذا أخذ نفسه بالخشونة الزائدة بعد فترة ربما يمل ويترك هذا الطريق، ويعود إلى ما كان عليه من قبل.
فهل هذا هو إلقاء النفس إلى التهلكة مع العلم أنني أعلم أن الطريق مقطوع ولن أذهب بالسلاح؟
الجواب: في مثل هذا الظرف ما دام أن الإنسان لم يتيسر له الدخول، فإنني أنصح الأخ بأن يصبر ويجاهد حيث هو بالدعوة إلى الله عز وجل، وتعلم العلم وتعليمه، والصبر والدعاء، وأساليب الجهاد ووسائله كثيرة، وقد سبق أن أجبت على سؤال شبيهٍ بهذا.
الجواب: إن كان ذهابك هو للقتال فأنا لا أرى أن تذهب إلا بإذن والديك، وأرى أنه لا يجوز أن تذهب بغير إذن والديك، أما إن كان ذهابك للدعوة، أو للاستطلاع، أو للتدرب، أو ما أشبه ذلك فإن شاء الله لا حرج، وتستطيع أن تقنع والديك بذلك.
سسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر