إسلام ويب

من تصادق ؟!للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحتوي هذه المادة على الحث على صحبة الأخيار والحذر من صحبة الأشرار؛ وحقوق وآداب وثمار الصحبة الصالحة.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه, وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

    الحمد لله الذي جعل هذه الدنيا سجناً للمؤمنين, وجعلها جنة للكافرين, كما صح ذلك عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم, جعل هذه الدنيا سجناً للمؤمنين, بالقياس إلى ما ينتظرهم عند الله تبارك وتعالى من النعيم المقيم, مما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر, وإن كان لهم في هذا السجن من ألوان النعيم والسرور من قربهم من الله، واللذة بمناجاته, والأنس به سبحانه, ما يجعلهم في نعيم لا يقاس به نعيم مما في هذه الدار, وجعل الدنيا جنة للكافرين بالقياس إلى ما ينتظرهم عند الله تبارك وتعالى من النكال والأغلال والحجاب والحرمان, وإن كان لهم في هذه الجنة من ألوان العذاب والنكال والنكد والكبد والشقاء؛ ما يجعلهم في شقاء لا يقاس به شقاء, فقد ذكر الله عز وجل في كتابه هؤلاء الكفار, وما مُتِّعُوا به من الأموال والأولاد, وأن الله عز وجل أراد أن يعذبهم بها في الدنيا قال تعالى: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55] فكل ما أعطوا في هذه الدار فهو شقاء عليهم، مع ما ينتظرهم عند الله عز وجل من ألوان العذاب المعلومة.

    المحبة تكون بعد المعرفة

    1000066أيها الإخوة! إن الله عز وجل حين خلق الناس خلقهم متفاوتين في كل شيء, متفاوتين في أخلاقهم وطبائعهم وميولهم, ومع هذا التفاوت العظيم والبون الشاسع, فقد جعل الله تبارك وتعالى أرواحهم جنوداً مجندة, فما تقارب منها وتعارف ائتلف, وما تنافر منها وتناكر اختلف, كما في الحديث الذي رواه مسلم، وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف}.

    ولذلك فإن اللقاء بين المؤمنين في هذه الدار -كما سيتضح لكم- هو نوع من النعيم العظيم, الذي تأنس به قلوبهم في هذه الدنيا, وإن كانوا -كما ذكرت في مقدمة الحديث- في سجن بالقياس إلى ما ينتظرهم في الآخرة.

    فالمسلمون على رغم فوارق الزمان والمكان هم من حيث الجملة ممن تقاربت قلوبهم وتآلفت, وهم بالنسبة لغيرهم من الكافرين والمنافقين قد تنافرت معهم قلوبهم، وتباعدت واختلفت أرواحهم, وتناكرت وتباغضت, وبناء على ذلك فإنك لو رأيت من يدعي الإسلام بلسانه, ثم يحب الكافرين ويميل إليهم، فاعلم أنه مسلم شكلاً لا حقيقة, وفي هذا المقام يروي لنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله متى الساعة؟} ونظراً لأن هذا السؤال مما لا ينبغي أن يعلم جوابه إلا الله عز وجل؛ لأنه استأثر بعلم الساعة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صرف السؤال إلى أمر مهم آخر, كان ينبغي أن يُسأَل عنه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: ما أعددت لها؟

    قال الرجل: لا شيء, إلا أني أحب الله ورسوله, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت, قال أنس: ما فرحت بشيء فرحي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل {أنت مع من أحببت}, قال رضي الله عنه: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بعملهم} والحديث متفق عليه عن أنس، ورواه البخاري ومسلم أيضاً عن ابن مسعود وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.

    الولاء والبراء قائم على المحبة والبغض

    إذاً: فمن أحب المسلمين فهو معهم, ومن أحب الكافرين والمنافقين والفاسقين فهو معهم في الدنيا والآخرة, قال الله تبارك وتعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22], والمقصود بالأزواج في هذه الآية ليس الزوج بالمعنى المعروف أو الزوجة, كلا, لأن الله عز وجل ذكر لنا في القرآن الكريم أنه قد يكون الزوج صالحاً والزوجة غير ذلك, وقد يكون العكس كما في قصة زوجة فرعون وزوجة لوط وزوجة نوح , وغير ذلك من القصص المعروفة.

    إنما المقصود بالأزواج هم الأشباه والنظراء، نظراء الإنسان في دينه وطريقه ومنهجه, وقال تعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7], أي: قرنت وحشرت مع أشباهها ونظرائها يوم القيامة.

    إذاً من أحببته فاعلم أنك معه في الدنيا والآخرة, فإذا أحببت المؤمنين، فاعلم أنك معهم في الدنيا على الإيمان والعمل الصالح، وأنك محشور معهم إن شاء الله يوم القيامة, ومن أحب الكافرين أو المنافقين أو الفاسقين فشأنه وشأنهم كذلك.

    هذه النقطة الأولى التي أحببت أن أجليها لكم في هذه المحاضرة, وهي باختصار أن الله عز وجل خلق الخلق متفاوتين في كل شيء, ومع ذلك جعل أرواحهم متقاربة أو متنافرة, فهي جنود مجندة, أرواح الطيبين والصالحين تحشر زمرة واحدة في الدنيا والآخرة, وأرواح الخبثاء والفاسدين كذلك, هذه هي النقطة الأولى التي أحب أن ننتبه إليها لنبني عليها النقطة الثانية التالية لها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089227405

    عدد مرات الحفظ

    782932087