أما بعد:
قال المصنف رحمه الله: [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري ] .
وهذا الحديث بهذه الألفاظ قال النووي هنا: رواه البخاري، وظن بعض الناس أن البخاري انفرد به، ولا يوجد الحديث في كتب السنن سوى البخاري ، ولكن يوجد هذا الحديث أيضاً في حلية الأولياء، وذكره السيوطي في رسالة مختصرة، وكتب فيه الشوكاني كتاباً مستقلاً سماه: قطر الولي بشرح حديث الولي، وقد طبع كتابه هذا، وذكر أن أحمد رحمه الله ذكره في كتاب الزهد، وكذلك البيهقي ؛ ولكن لضيق الوقت لم أتمكن من الاطلاع عليه في كتابي أحمد والبيهقي ، وهو موجود بنصه في الجزء الثامن من حلية الأولياء، وأنصح طالب العلم ألا يكتفي بكتاب البغية الذي فهرس أحاديث الحلية؛ لأن هذا الحديث بالذات سقط من الفهرس، وهو يوجد في الجزء الثامن في ترجمة الحسن بن يحيى بن الحسنين .
وقد تكلم عليه ابن حجر فيما لا يقل عن خمس أو ست صفحات في الجزء الحادي عشر من فتح الباري في كتاب التواضع.
واستشكل بعض العلماء فقال: ما علاقة هذا الحديث باب التواضع؟ وإذا رجع طالب العلم إلى مرجعه فسيجد الجواب على ذلك مفصلاً، ويقول الشوكاني في كتابه على هذا الحديث: لم يكن عندي أثناء شرح هذا الحديث سوى فتح الباري لـابن حجر .
إذاً: هذا الحديث له أهميته، وعني به شراح الأربعين النووية، وفعلاً عني به أيضاً ابن حجر، وشرحه على ما جاء بألفاظه التي سمعنا.
ونحب أن ننبه أنه سبق وأن ذكرنا هذا الحديث عرضاً في بعض الليالي، وذكرنا في آخره زيادة كنا نحفظها أثناء الطلب، وسمعناها من مشايخنا، وفسروها لنا بما يتفق مع معنى الحديث، والزيادة هي: (وجعلته عبداً ربانياً يقول للشيء: كن، فيكون) ، وتساءلنا: ما معنى (عبداً ربانياً يقول ..) إلى آخره؟
فقالوا: يجعله مجاب الدعوة، ولكن بما أن الأمر نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بحثنا عن تلك الزيادة في المراجع فلم نجدها، وبلغني أن بعض الإخوة يجتمعون عند فضيلة الشيخ حماد الأنصاري -وكلنا يعرف سعة مكتبته وعلمه- ويبحثون عن تلك الزيادة، وأعتقد أن تلك المراجع كلها لم تذكرها؛ ولذا أحببت التنبيه على ذلك؛ ليعرف طالب العلم أنها لا توجد في كتب السنن، والأولى التحفظ من ذكرها، وما جاء في الحديث في صحيح البخاري فيه الكفاية؛ لأن الله سبحانه قال: (لئن سألني لأعطينه، ولئن استنصرني -وبعض الروايات- استنصر بي لأنصرنه) وسيأتي تفصيل ذلك.
وفي هذا المسجد النبوي الشريف دروس وعبر لطالب العلم، وأذكر هذا لا اعتذاراً في الموقف، ولكن بياناً للمنهج، وقد اجتهد عمر رضي الله تعالى عنه، وأراد أن يحدد المهور اجتهاداً منه، فتقوم امرأة وتقول: ليس لك ذاك يا عمر! والله تعالى يقول: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا [النساء:20] فكيف تحدد شيئاً لم يحدده الله في كتابه؟!
فقال عمر وبملء فيه، وعلى رءوس الأشهاد، وعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخطأ عمر، وأصابت امرأة.
ولقد رفع ذلك عمر عند أصحابه.
وفي هذا المكان بالذات، وكان والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في دروس رمضان في التفسير، وعند الآية الكريمة: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ .. [التوبة:36] إلى آخر الآية، قال: أيها الإخوة! كنا قلنا سابقاً أن تلك الأشهر قد نسخت، ونسختها آية السيف -كما يقول بعض المفسرين- ، ولكن بعد التأمل والبحث ظهر لنا أنها لم تنسخ، وأنها باقية على حرمتها، فأحببنا أن ننبه الإخوان على ما سبق أن قلناه.
وهكذا أيها الإخوة! يبلغ الحاضر منكم الغائب أن تلك العبارة بحثتها شخصياً في تلك المراجع، فلم أجد لها ذكراً في تلك المراجع؛ ولذا نقف على ما جاء في صحيح البخاري ، وما جاء في الحلية بزيادة بعض الألفاظ فنعرض لها عند شرح الحديث إن شاء الله، وأحمد الله مرة أخرى، وأشكر الإخوة الذين نبهوا على ذلك، والحمد لله.
وهل كل عداوة تدخل في هذا؟
يقول العلماء: الولي من نص القرآن الكريم عليه بقوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]من؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]
ومن قانون اللغة العربية في البلاغة -في مبحث الوصل والفصل في البيان- أن الجملة إذا كانت جديدة تعطف بالواو، وإذا كانت مفسرة أو مرتبطة بما قبلها كأن تكون جزءاً من كل، أو بياناً لمجمل، فإنها لا تعطف بالواو ولكن تأتي تابعة لها، وأشرنا إلى ذلك مراراً، وهذه القضية البلاغية تحل إشكالات كثيرة عند طلبة العلم في مآزق المواقف، وخاصة في مواقف العقائد.
بيان لذلك: تجد في مستهل المصحف الشريف قوله سبحانه: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] (هُدًى) لمن؟ (لِلْمُتَّقِينَ) ثم جاء بعد ذلك بأوصاف لأشخاص، وهل الأوصاف جاءت معطوفة بالواو أو جاءت متصلة بدون عطف؟ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:2-3] ولم يقل: (هدى للمتقين والذين يؤمنون بالغيب) لا، يقول البلاغيون: لو قيل: ومن المتقون الذين يهتدون بالكتاب؟ قال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3]، ولو جاء بالواو لكانت مفرقة، وكان عندنا قسمان: لو قيل: (هدى للمتقين، والذين يؤمنون بالغيب) يبقى عندنا متقون، وعندنا مؤمنون بالغيب.
إذاً: الوصل والفصل في البيان هو سر البلاغة، ومن هنا: أجاب أحمد بن حنبل رحمه الله على من استشكل أمر المعية، وهي إثبات ما جاء في كتاب الله بدون تأويل ولا صرف للمعنى، وذلك في قضية نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، عندما قال المولى سبحانه لما أرسله وأخاه إلى فرعون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، وقوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [المجادلة:7] وبمجموع هاتين الآيتين قال أحمد رحمه الله: إن معية الله لموسى وأخيه تفسر بما بعد المعية إِنَّنِي مَعَكُمَا ولم يقل: (وأسمع وأرى)، وإلا كانت معية سمع ورؤية، ولكن قال: (أسمع وأرى)، وهي عين المعية التي بينها سبحانه وتعالى، فهي معية تأييد ونصرة، وهي عين المعية في غار حراء مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الهجرة عندما خرج صلى الله عليه وسلم قال تعالى: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، قالها صلى الله عليه وسلم حينما قال أبو بكر : والله! يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى تحت قدمه لأبصرنا، قال: (ما بالك باثنين الله ثالثهما؟)، المولى سبحانه وتعالى بين لموسى بقوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، ومعية الله العامة هي لجميع الخلق بالعلم والاطلاع: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7]، وأحمد قال: اقرأ ما قبلها واقرأ ما بعدها أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا [المجادلة:7] وآخرها: ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]قال: بدأها بالعلم وختمها بالعلم فهي معية علم، ومعية العلم لجميع الكائنات مستوية، ولكن معية التأييد والنصرة خاصة لرسله ولأوليائه.
إذاً: الولي من الموالاة، والموالاة القرب، والعداوة من العدوة، والعدوة البعد يقال: عدوة الوادي أي: كل واحدة في جانب، وهنا قوله: (من عادى لي) يقول ابن حجر : واستشكل العلماء كلمة (عادى لي)، فالمفاعلة هنا معاداة مع أن ولي الله لا يعادي أحداً؛ لأنه متصف بالحلم ومكارم الأخلاق وسعة الصدر، فكيف تكون المعاداة بين ولي الله وبين شخص آخر؟
وأجيب عن ذلك: بأن المعاداة هنا: إنما هي من جانب واحد، كما تقول المعاناة حين تعاني الأمر، وكذا يقال: المسافر وليس مفاعلاً مع شخص آخر، والمقاتل والمزاحم معه شريك، والمناقش والمجادل معه شريك، ولكن المسافر ليس معه إنسان مفاعل معه، إذاً: المعاداة هنا تكون من جانب واحد.
الجواب: لا، ولقد وقع النقاش والخلاف في أمور دنيوية بين خيرة الأمة وأكرمها عند الله، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل كانت معاداة؟ قالوا: لا، والخصومة في أمر الدنيا من طبيعة البشر، فـعمر رضي الله عنه اختصم مع أبي بن كعب في نخيل، وقال أبي : ألأنك أمير المؤمنين؟! وهذه خصومة، فقال: لا والله! اختر من شئت نحتكم إليه، قال أبي : نحتكم إلى زيد بن ثابت، ويذهب أمير المؤمنين مع خصمه إلى دار زيد، ويدخلان معاً، فيقول زيد : هلم يا أمير المؤمنين! فيقول عمر : لا، ما جئتك أميراً للمؤمنين، إنما جئتك مختصماً مع خصمي، فقال: اجلس مع خصمك، فيجلس مع خصمه، فقال زيد : ما دعواك يا أبي ؟! قال: نخل لي في كذا وكذا، قال زيد : ألك بينة عليها؟ قال: لا، وأطلب يمينه، فتساهل زيد وقال: أوَتعفي أمير المؤمنين من اليمين؟ فصاح عليه عمر : ويحك! جرت في الحكم، أكل الناس تشفع فيه في الحكم؟! لماذا لا توجه إليّ اليمين؟! قال: أتحلف؟ قال: نعم أحلف، فحلف عمر ، وبمقتضى عدم البينة، وحلف المدعى عليه، برئت ذمته، وحكم بالنخيل لـعمر ، وصرف النظر عن دعوى المدعي، وهذه خصومة في القضاء، لكن هل هي معاداة لولي الله؟
لا والله! إنما هي أمور جبلية في أمور الدنيا، ومن هنا يقول العلماء: (من عادى لي ولياً)، ليس منه المطالبة بحق شرعي، ولنأت إلى سر الحديث وإلى البلاغة التي تُشم ولا تُلمس في هذا اللفظ النبوي الكريم، تحسسوا معي يا إخوان! (من عادى لي ولياً)، ولم يقل: من عادى ولياً لي، بل (من عادى لي ولياً)، فهل تجدون فيها فرقاً أم لا؟
الذوق البلاغي هنا: بتقديم (لي) على (ولياً)، فإن تقديم الجار والمجرور هنا، وإضافته إلى المولى سبحانه يُشعر بأن المحاربة تكون لمن عادى الولي لكونه ولياً لله، أما لو قال: (من عادى ولياً لي)، فقد يكون هذا الولي عنده ما يوجب المعاداة، لكن (من عادى لي)، يعني: من أجلي وبسببي وباسمي، فمن عاداه وهو ينتمي إليّ فقد آذنته بالحرب، والحديث في بلاغته يُشعر بأن العداوة المنهي عنها والمحذر منها هي أن يعاديه لكونه ولياً لله، ومن الذي يعادي ولي الله لولايته لله؟ نعلم جميعاً أن ولاية الله لا تحصل بالمعصية والفسوق والخروج على كتاب الله وسنة رسوله، ولا بمخالفة الإجماع وشق عصا المسلمين، فهذا الحديث -كما يتفق العلماء- يعتبر فاصلاً بين الحق والباطل.
ولي الله فعلاً كما جاء في الكتاب الكريم: الَّذِينَ آمَنُوا [يونس:63]، ومقتضى الإيمان: الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، والإيمان يستلزم العمل بالحق والتمسك به، فقولك: آمنت بالله، تؤمن بكل صفات الله، وتؤمن بكل ما جاء عن الله، ومما جاء عن الله كتابه سبحانه ورسوله الذي ارسله إلينا، فمن مقتضى الإيمان الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فتلتزم كل ما جاءك به.
عندما تقول: (لا إله) نفيت الآلهة كلها بكلمة (لا)، فإذا جئت تقول: (إلا الله)، (إلا) أداة استثناء، وما بعدها يغاير ما قبلها، فنفيت عموم الآلهة كلها، وأثبت إلهاً واحداً وهو الله، فإذا اتخذت شريكاً مع الله، وقربت قرباناً لغير الله، ناقضت ذلك، ولم تكن ملتزماً بها، فلا يصح قولك: (لا إله إلا الله) إلا بنبذ جميع الآلهة سوى الله، وقد فهم ذلك المشركون تماماً وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، فلا يكون مع الله أحد.
من الذي أنزل الماء من السماء صباً؟ من الذي شق الأرض للنبات الرطب الناعم؟ من الذي جعله مثمراً حباً وعنباً وقضباً وزينوناً ونخلاً؟ من الذي ينبت هذه ويثمرها؟
إنه الله.
إذاً: يا ابن آدم! كن عاقلاً، واشكر النعمة وقابلها بأداء حق صاحبها، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22]والند المماثل المعاند، يقال: فلان شريك لفلان، الشريك قد يكون له العشر، وقد يكون ضعيفاً، وقد يكون غشيماً، شريك بتجارة وعمره ما باع بدرهم، شريك في مصنع وعمره ما صنع بآلة، ويطلق عليه شريك، لكن الند المماثل وقد يكون أحسن منك، أنت تاجر وأنا أتجر منك، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا معانداً مضاداً لله في خلقه، ثم تصرفون العبادة له، (( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ))[البقرة:22]، يقول والدنا رحمه الله: هذه دلالة صدق على لا إله إلا الله أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35]، لا والله! ما خلقنا من غير شيء، ولا خلقنا أنفسنا، إذاً: الله خلقكم غصباً عنكم، ثم يأتي دليل على أن محمداً رسول الله: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، عبدنا الذي اصطفيناه وأرسلناه برسالة، ثم أنتم تكذبون بالرسالة، أنتم ما كذبتم بعبدنا، فأنتم تعرفون محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وتعرفون مولده ونشأته: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ [التوبة:128]هم ما أنكروا محمد بن عبد الله، ولا أنكروا صدقه ولكن أنكروا الذي جاءهم به وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]يا سبحان الله! أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف:32] أهم يقسمونها؟ لا. هذه رحمة الله يجعلها حيث شاء، إن كنتم في ريب من هذا الكتاب الذي أنزلنا على عبدنا وهو محل الرسالة، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة:23] هاتوا شهداءكم، احضروا وتجمعوا وتعاونوا: إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23] فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]انظروا هذه العظمة يا إخوان! (( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا )) وأعلم أنكم لن تفعلوا، وهل فعلوا؟ لا والله، ما فعلوا وصدق الله في قوله فيهم: (وَلَنْ تَفْعَلُوا)...، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجَارَة [البقرة:24] سبحان الله العظيم!
إذاً: تصديق الرسالة أن تؤمن بهذا الكتاب، فإذا قلت: محمد رسول الله، صدقت بالرسالة التي جاء بها، ومقتضى تصديقك بالرسالة أن تعمل بمقتضاها، ونضرب مثلاً في العصر الحاضر بما يسمونه السلك الدبلوماسي، أي دولة في العالم مستقلة بذاتها، ولكن كما يقولون:
الناس للناس من بدوٍ وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
لا يوجد دولة في العالم تعيش لوحدها أبداً، ولا يوجد فرد يعيش في العالم وحده، كل دولة محتاجة للأخرى، تترابط معها في تجارة في سياسية في علم، كيف تفعل؟ هل رئيس كل دولة يذهب إلى كل رئيس؟ لا أبداً، كل دولة تجعل لها سفيراً، فالدولة عندما ترسل سفيراً لها، السفير هذا ليس مرسلاً من أفراد الشعب، بل من رئيس الدولة، فحينما يذهب السفير نسمع أنه يقدم أوراقاً لرئيس الدولة التي جاء إليها، فيأخذها وزير الخارجية، ويعرض الأوراق على رئيس الدولة، وتعمل له مراسيم رسمية، ويُعلن بأن سفير الدولة الفلانية عندنا هو فلان.
فإذا جاءهم بقصاصة ورق.. جاءهم بتلغراف.. جاءهم بهاتف.. هل هو من عند شخصيته أم من عند الدولة التي أرسلته؟
من عند الدولة التي أرسلته؛ لأننا حينما قبلنا أوراق اعتماده فهو يعبر عمن أرسله فيما بعد، فإن كانت العلاقة دبلوماسية وسياسية ماشية طيبة فأهلاً وسهلاً، وكل شيء على العين والرأس، وإذا اختلت السياسية والعلاقة نبدأ نسوف له، والأجوبة تكون سياسية، فيقال: عفواً ما عندنا إمكانيات.. وطالما كانت العلاقة حسنة كانت الاستجابة سريعة، وعندما تسوء العلاقة يحصل التواء في المعاملة، فإذا وصلت إلى القمة في الإساءة قالوا: خذوا سفيركم من عندنا. وهكذا عياذاً بالله حينما تسوء علاقة العبد بربه! يرفض معنى الرسالة! ويرفض معنى رسول!
وفي الآية الكريمة: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].. إلى آخره.
إذاً: الولي هو الذي يقوم بكتاب الله، وسنة رسوله، ويؤمن باليوم الآخر وغيرها من أركان الإيمان الستة، ولا يكفي التصديق بمجرد يوم سيأتي، بل يلزم أن يؤمن بكل مواقفه، وما جاء من أخبار اليوم الآخر.. من البعث.. والحساب.. والميزان.. والصراط.. والجنة والنار.. وحوض لكل رسول، وللرسول صلى الله عليه وسلم حوض، فكل ما جاء به الخبر عن يوم البعث فهو داخل تحت عنوان: (والإيمان باليوم الآخر).
فولي الله حقاً هو الذي التزم بحقيقة الإيمان بالله، وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].
إذاً: معاداة ولي الله، لا تكون بأذيته في البيت والجوار أو بحد الأرض، لا والله، إنما تكون فيما كان به ولي لله بإيمانه وتقواه، فمن عادى ولياً مؤمناً تقياً في إيمانه وتقواه فهو المحارب لله، يأتي جاهل ويحارب العلماء! يأتي حاقد ويحارب ويكره ويبغض أصحاب رسول الله! يأتي حاقد ويكره إنساناً مسكيناً متبعاً ملتزماً مصلياً صائماً تقياً! يكون معادياً له لضعفه وتجنبه إيذاء الناس، فهذا عاداه في أمر دنيوي أو فيما هو به ولي لله؟! وهكذا من عادى مؤمناً لإيمانه، أو عادى تقياً لتقواه، أو عادى عالماً لعلمه، أو عادى داعياً لله لدعوته، فهؤلاء هم المحاربون لله، وفعلاً هؤلاء هم الذين يحاربهم الله؛ لأنهم يعادون من؟
من ينضمون إليه، وتحت لوائه، وينتسبون إليه: (من عادى لي ولياً).
وهنا يبحث العلماء عن لوازم مقتضيات الولاية، فلوازم الولاية هي التمسك بالكتاب والسنة، والمبادرة إليها، وتقوى الله والورع والزهد، وتاريخ المسلمين مليء بذلك، فإذا ادعى الولاية لله مع تركه كتاب الله وسنة رسوله، ومع وجود المعاصي، نعم، ليس معصوماً، ولكنه يجاهر بالمعصية، ويستمر عليها، فهو كاذب، أما المتقون فقال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، الولي لا يقول: إنه لا يخطئ، لا، ليس معصوماً، ولكن هل يستمر في الخطأ؟ هل يأتيه عمداً؟ قد تزل به قدم، قد.. قد. فهو ليس معصوماً، ولكن سرعان ما يرجع إلى الله سبحانه وتعالى.
والكرامة: أمر خارق للعادة، يجريها الله على يد من شاء من خلقه، ولكن إن كانت على يد رسول فهي معجزة، فالمعجزة للرسول، والكرامة للولي، والفرق بينهما: أن المعجزة تجري على يد النبي والرسول في موقف التحدي.
أما الكرامة فتأتي من باب الإكرام، فلا يقف ولي ويتحدى ويقول: سأفعل كذا.. لا، ولكن الرسول هو الذي يقول ذلك عندما يتحداه قومه، ولكن الولي تأتيه عفواً، وغالباً ما تكون الكرامة له في مقام الدعوة إلى الله، يؤيد الله بها دعاة الحق؛ ولذا يقول العلماء: كرامات الأولياء معجزات للأنبياء؛ لأنه ما جرت على يده تلك الكرامة إلا لاتباعه لذاك الرسول صلى الله عليه وسلم.
وذكروا كرامات جرت على يد الصحابة والتابعين وتابعيهم، والله سبحانه وتعالى فضله واسع على عباده ولا مانع من أن تجري الكرامة على يد عبد صالح في أي وقت، وفي أي زمان ومكان، ما دام أنه على ما وصف الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].
رواية ابن كثير تقول: عندما اشتد عليهم العطش وكادوا يموتون، صلى ركعتين، وسأل ربه أن يغيثهم، فجاءت سحابة تقبل من بعيد، حتى أظلت عليهم، وأمطرت، فشربوا وسقوا دوابهم، وملئوا أوعيتهم، ثم انصرفوا.
والشوكاني ذكر رواية أخرى ذكرها صاحب الحلية، وذكرها السيوطي عنه، يقول: اشتد عليهم العطش، فدعا ربه، فمشى قليلاً فإذا نهر يجري من السماء، يعني: من ماء المطر يجري، فشربوا وملئوا أوعيتهم، وسقوا دوابهم ومشوا. فرجع شخص من القوم إلى ذلك المكان فلم يرَ له أثراً.
يقول ابن كثير في قصته: ولما وصلوا إلى البحر -وهذا كان في الدهماء في الربع الخالي حينما وصلوا إلى البحرين- وجدوا العدو قد علم بهم، ولم يجدوا السفن ليركبوها إلى الجزيرة، ووقفوا أمام البحر، فقالوا: ماذا نفعل؟ جئنا مسيرة شهر، فهل نرجع؟ لا، فقال العلاء: أيها القوم! إن الله قد أراكم في البر آية، وهو قادر على أن يريكم في البحر آية، وإني عازم عزماً، قالوا: وما هو؟ قال: أخوض هذا البحر! قالوا: على بركة الله، فوقف وقال: أيها البحر! أنت تجري بأمر الله، ونحن جند في سبيل الله، عزمت عليك لتجمدن لنعبر إلى عدو الله، فجمد الماء وعبر المسلمون، يقول ابن كثير : فلم يترجل الفارس ولم يحتفِ المتنعل، ومشوا على الماء، وقاتلوا العدو وانتصروا.
في غزوة الخندق استعصت عليهم الكدية، وتكسرت معاول القوم، فجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعوله، وفي رواية أنه توضأ ونضح الماء عليها، ثم نزل إليها وضرب الضربة الأولى، فأبرقت فرأى قصور عدن، ثم ضرب الضربة الثانية فأبرقت ورأى قصور صنعاء، وتكسرت أكثر، ثم الثالثة.. وكل مرة يكبر صلى الله عليه وسلم، ويقول: (فتحت كذا.. وفتحت كذا..)
أبو هريرة إنه أسلم عام خيبر، لكن يروي عمن حضر، أنه كلما خرجت سرية أو جيش ليقاتل، يقول: اذهبوا حيث شئتم، فلا تفتحوا بلداً إلا وقد أخبرنا رسول الله عنها علماً.
الصحابة لما كانوا يحفرون الخندق، يقول جابر أو غيره: والله! لقد كان أحدنا يخاف عندما يذهب يقضي حاجته، اليهود حولهم من كل جهة، والأحزاب يأتون من هنا.. واليهود من هنا.. فكان الموقف حرجاً، قال تعالى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10]، فلما جاءت الكدية وكبر رسول الله وقال: (فتحت كذا.. وفتحت كذا..) أليس ذلك من باب الطمأنينة عندهم؟!
وكذلك تكثير الطعام! وكلما رأى الصحابة معجزة لرسول الله ازدادوا إيماناً مع إيمانهم، وكذلك المؤمن عندما يرى خارق العادة على يد مؤمن متقٍ داع إلى الله، يكون هذا أدعى إلى تصديقه.
إذاً: المؤمن التقي الذي يدعو إلى الله، ويقوم بحق الله سبحانه! يجب التعاون معه، وتجب نصرته، لا أن نعاديه، فإن عاداه أحد فهل عاداه لشخصه أو عادى ربه؟
إذاً: يصدق عليه قوله: (فقد آذنته بالحرب).
الموطن الثاني: الربا قال الله فيه: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:279]
الموطن الثالث: قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:33]الذين يخيفون الناس ويقطعون الطرق، فالله هو الذي يحاربهم، لماذا؟ لعظم جريمتهم.
إذاً: الجريمة تعظم وتصغر، وكذلك الحسنة تعظم وتصغر، وقد يكون بالنسبة للشخص بعينه تعظم سيئته أو حسنته.
فآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل هم كسائر الناس؟
لا، قال تعالى في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [الأحزاب:28] أي: فلكنّ الذي تردنَ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:29]، يعني: نساء النبي صلى الله عليه وسلم يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب:30] يعني: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب:32]وهناك يقابل بقوله: يُضَاعَفْ لَهَا .. وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا [الأحزاب:31] انظروا الجزاء! عندما يأتي بعد هذا: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35]إلى قوله: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35] يعني: المسلمين والمسلمات، لكل من اتصف بتلك الصفات مغفرة وأجر عظيم، ولكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من يقنت منهن وتعمل صالحاً لها الأجر مرتين، ولها رزق كريم، المقام يختلف! والشخصية تختلف!
وهنا المعصية لما كانت محاربة لولي الله، ولما كان المحارب يحارب الله ورسوله والمؤمنين جميعاً، كان الجزاء ناجزاً والعقوبة مضاعفة، القتل.. الصلب.. القطع من خلاف، النفي من الأرض.
كذلك الربا: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة:279]
وهذه الجملة الأخيرة (فقد آذنته بالحرب) أحب إليّ أن تترك، كما يقول العلماء في أحاديث الوعيد: تمرر كما جاءت، فإن التفصيل يهونها، (آذنته بالحرب) لو كررتها دونما شرح كانت أشد إرهاباً، وأوقع في النفس من أن يقال: يأخذه بذنبه.. يفعل به.. يسوي به.. لا، اتركه لأنه معلن عليه الحرب من الله، وأي إجرام أكثر من هذا؟! وأي إخافة أشد من ذلك؟! أي دولة أعلنت الحرب على دولة تستمر الثانية في طوارئ ليلاً ونهاراً، وتعمل خنادق وتؤدي وتعمل، وتظل عاجزة، لأنهم بشر، ويمكن أن تستعين بأمة أخرى، ولكن هذا بمن يستعين على الله؟
إذاً: نترك تفسير هذه العبارة على ما هي عليه، ومن أراد الزيادة في ذلك فليرجع إلى ابن حجر في فتح الباري، فسيجد أقوالاً موجودة، وسيرجع بعد التفصيل إلى الإجمال مرة أخرى.
الذين يدعون الولاية وهم كعامة الناس لا أزيد عن الخمس ولا أنقص، وغيره يجتهد في النوافل هل يكونون سواء؟
ليسوا سواء.
إذاً: هذا الحديث كما يقول العلماء: فاصل بين الحق والباطل، فاصل بين الدعوة والدعاية، فاصل بين الحقيقة والادعاء، فلو رأينا خارق عادة على إنسان هل نحكم بأنه ولي؟
لا، فمجرد رؤية خارق العادة قد تكون بخدعة لا ندركها، بعض الناس قد يأتي بأمور عجيبة لخفة يدٍ أو سحر فتظن أنها كرامة!
سحرة فرعون سحروا أعين الناس، فنحن ننظر أولاً -قبل أن ننظر إلى خارق العادة- إلى من جرت على يده، وما موقفه من الدين؟
يقول أئمة وعلماء التصوف الحقيقيون الذين ينقل عنهم ابن تيمية؟: كل دعوى بدون بينة فهي باطلة، والبينة على الدعاوى شاهد عدل، وكل من ادعى دعوة في الإسلام بدون شاهدي عدل فدعواه مرفوضة، وشاهدا العدل عندنا كتاب الله وسنة رسوله، فإن كان يقيم البينة على أنه من أولياء الله، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، فإيمانه كرامة، يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: ليس بلازم أن نراه يطير في الهواء أو يمشي على الماء، لا، قد يكون مجرد توفيقه في عمله ودعوته إلى الله، وإصلاح الناس على يده من أكبر الكرامات، نحن قد نجد كثيراً من الناس لهم مجهودهم الكبير في الدعوة إلى الله، وما خلفوا للمسلمين من تراث علمي نافع، ولا نستطيع أن نقول: هؤلاء أولياء الله، والله والاهم.
إذاً: ليس مجرد وجود خرق العادة يكون لازماً أنه من ولي، إنما لازم الاتباع، الحكم السليم على شخصيته أولاً.
والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر