فقوله: (وإقام الصلاة) الصلاة تحتاج إلى كلام طويل، ولكن معلوم أمرها وأن إقام الصلاة هو أهم شيء في الإسلام، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم لما سأله السائل: (أي العمل أفضل؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: الصلاة على وقتها).
وكما في الحديث الآخر: (والصلاة عماد الدين) فإذا كان البناء من خمسة أعمدة أو خمسة أركان فإن للبيت عموداً في الوسط إذا رفع هذا العمود أقيم البناء، وإذا سقط هذا العمود سقط البناء، ولو كانت الأطراف قائمة؛ لأن هذا العمود هو الذي يثبت البناء ويرفعه، ولذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر)، وجاء في الموطأ عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى عمّاله بالحث على الصلاة، وقال: (ألا إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة).
والعلماء يعقدون مباحث طويلة، هل الكفر في ترك الصلاة مخرج من الملة أم أنه كفر بالنعم، أو كفر دون كفر؟
فجمهور العلماء: على أنه كفر مخرج من الملة.
والبعض يقول: هذا الحديث في عمومه للزجر والوعيد، وقد جاء ما يصرفه عن هذا الظاهر لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة، فمن وفاها وأداها بحقها كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحفظها ولم يحافظ عليها لم يكن له عند الله عهد، إن شاء أدخله الجنة، وإن شاء أدخله النار) فقالوا: هو ممن يدخل تحت المشيئة.
ولكن الأئمة الأربعة اتفقوا على أن تارك الصلاة إذا رفع أمره إلى ولي أمر المسلمين أنه يستتاب، أي: ثلاثة أيام، وعند أحمد حتى يمضي وقت الصلاة الأولى فقط، فإن رجع وصلى خلي سبيله، وإن لم يصل قتل باتفاق الأئمة الأربعة، سواء كان جاحداً لها أو كان معترفاً بفرضيتها، ولكنه تركها عناداً أو كسلاً، فعند الأئمة الأربعة يقتل، ولكن عند أبي حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله يقتل حداً كالزاني المحصن، وكقاتل النفس المعصومة، وعند أحمد : يقتل كفراً.
والفرق بينهما: أن من قتل حداً يعامل معاملة موتى المسلمين، إلا أن الإمام لا يصلي عليه، فترث منه زوجته، ويغسل، ويكفن، ويقبر في مقابر المسلمين، ويصلي عليه أولياؤه.
أما عند أحمد فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يورث ماله من بعده، وماله فيء لبيت مال المسلمين، ويوارى في التراب كما يوارى الحيوان عياذا بالله!
ومن عظم شأن الصلاة أن الله سبحانه فرض كل أركان الإسلام وحياً بطريق جبريل، والصلاة فرضها على رسول الله مباشرة بدون جبريل ليلة الإسراء والمعراج، وكانت قد فرضت خمسين صلاة، وما زال موسى يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارجع إلى ربك وسله التخفيف، فقد بلوت الناس قبلك، بلوت بني إسرائيل وكانوا أقوى أجساداً وبناية على دون ذلك فلم يستطيعوا، وكان يستشير جبريل فيشير عليه أن ارجع، فيرجع ويستشفع) فانتهت الخمسون إلى خمس صلوات، وبين سبحانه في الأخيرة: (هي خمس وهي خمسون) أي: في الأجر، والحسنة بعشر أمثالها.
وقد بين الله سبحانه حكمة الصلاة، ولكل ركن من أركان الإسلام فعاليته في سلوك المسلم، وفي روابط المجتمع، أما الصلاة فبين سبحانه: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فإذا كانت تنهى عن الفحشاء والمنكر فهي عامل صيانة ووقاية للعبد.
ومثلها بنهر جار أمام بيوتكم يغتسل فيه أحدكم خمس مرات كل يوم، أترون يبقى على جسده شيء من الدرن؟.
والزكاة إنما هي في الأموال الزكوية مما تنبت الأرض من الحب والثمار، ومن النقدين الذهب والفضة، وما ناب عنهما من النقود الورقية وأمثالها، وبهيمة الأنعام، وعروض التجارة.
وقد جاء أمر الله سبحانه وتعالى بها، وبين الوعد والوعيد: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261] .. مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [البقرة:245] وجاء: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] يقول العلماء: الطهارة والتزكية بمعنى واحد، ولكن تكون التزكية بمعنى النماء، والتطهير بمعنى النقاء، فهي تزكي مال الغني بما أنفق، وتطهر قلب الفقير من الحقد والحسد على هذا الغني فيما أعطاه الله، فإذا ما أخذ الزكاة كان قلبه طيباً لا يحقد على الغني، بل يتمنى له الزيادة.
وبحث الزكاة بحث طويل، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (من أدى الزكاة طيبة بها نفسه فقد أجر عليها، ومن منعها أخذناها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا لا يحل لمحمد ولا لآل محمد منها شيء).
وهل يكفر مانع الزكاة كما يكفر تارك الصلاة؟ وهل يقتل مانع الزكاة كما يقتل تارك الصلاة؟
جاء عن الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قال: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، ولو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه) ولكن يقول العلماء: (قاتل) خلاف (قتل)؛ لأن المقاتلة تكون عند المنع، أما القتل فهو عقوبة، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم في أمر الزكاة أنه قال: (ومن منعها أخذناها وشطر ماله) ولم يقل: قتلناه.
إذاً: من منع الزكاة لا يقتل، وإنما تؤخذ منه عنوة، وعقوبة تركه أو منعه أن يشطر ماله، فتؤخذ الزكاة الفريضة، ثم ينصف المال ويؤخذ نصف ماله عقوبة له، وهذا من أدلة عقوبة المال في الإسلام، والباب في ذلك واسع.
وبإجماع المسلمين: أن صوم رمضان على كل بالغ قادر ليس مريضاً ولا مسافراً، على الذكر والأنثى والحر والعبد، فكل بالغ مسلم فعليه الصوم ما لم يقم به مانع أو رخصة.
أما حج البيت فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما أمر بالحج: (قالوا: يا رسول الله! أفي كل عام؟ فسكت ولم يجبهم، ثم قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج في العمر مرة).
ويقول بعض العلماء: لماذا كان الحج في العمر مرة، مع أن أشهر الحج تتكرر كما يتكرر الصيام بتكرر رمضان؟
قالوا: الحج ليس للأشهر، والأشهر زمن للحج وظرف له، وإنما الحج للبيت: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] والبيت واحدوليس متعدداً.
قالوا: لما كان المحجوج -وهو البيت- واحداً اكتفي بحج مرة واحدة، أما الصيام فإنه لذات الشهر: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] فكلما جاء شهر رمضان وجب الصيام.
وهكذا أيها الإخوة نجد هذا الحديث مع الحديث الذي قبله يبين أن ما ذكر في جواب جبريل إنما هو بهذا الحديث أركان الإسلام.
ويقول بعض العلماء: لماذا لم يذكر الجهاد؟ لماذا لم تذكر الأمانة وغيرها؟
وأجيب عن ذلك: بأن البناء إنما هو للأركان الأساسية، كما إذا أردت أن تقيم بيتاً فبنيت الأعمدة والجدران فهذا هو قوام البيت، أما ما يكون بعد ذلك من اللياسة والبوية، والخشب، ومن الكهرباء، والماء، والبلاط، ومن تلك التتميمات فهي تتميم الإسلام، إنما الأركان الأساسية التي بها قوام البناء هي ما جاءت في هذا الحديث، فإذا ما سقط ركن منها سقط البيت أو مال من جهته، إذا انهدم عموده الأساسي -الصلاة- سقط كله، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
ولهذا كما تقدم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق) فإذا أقمت العمارة كاملة، ونسيت تركيب باب أو نافذة أحدثت نقصاً في تلك العمارة بقدر هذا النقص البسيط، وإذا ما أكملتها وكانت موادها جيدة كان البناء حسناً.
وهكذا يتم تشبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام بالبناء بهذه المواد التي ذكرها صلى الله عليه وسلم.
(الحمد لله) ثناء على الله بما هو له أهل.
(سبحان الله) تنزيه الله عما لا يليق به، فهي حقيقة لا إله إلا الله.
(وسبحان الله والحمد لله تملآن) هذا بيان الثواب.
المؤمن بالله واليوم الآخر يتصدق ويخفي صدقته؛ لأنه يتعامل مع من لا تخفى عليه خافية، ويدفع القليل والكثير رجاء ما سيكون له يوم يلقى ربه، فهي برهان على إيمانه بالله، وإيمانه باليوم الآخر، وبأن الله سيظله في ظل صدقته يوم القيامة.
(كل الناس يغدو فبائع نفسه) إن باعها للرحمن فهي للجنة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] إلى آخر الآية، وإن باعها للشيطان فهذه بيعة خاسرة.
إذاً: (فمعتقها) إن باعها لله، (وموبقها) أي: مهلكها؛ إن باعها للشيطان.
إذاً يضم هذا الحديث إلى حديث (بني الإسلام) وإلى سؤال جبريل، فيتكون عندنا: معنى الإسلام ومعنى بنيانه، ومعنى آثاره على الأمة أفراداً وجماعات. وبالله تعالى التوفيق.
اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، واجعلنا ممن أقاموا بناء الإسلام، واستظلوا بظله، وعاشوا في حماه، وأسأل الله تعالى أن يرد المسلمين شعوباً وحكاماً، صغيراً وكبيراً إلى الإسلام، فيدخلوا في هذا البناء الفسيح الرحب، وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابة: من إقامة الصلاة أن تؤدى في جماعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، ولكن الجمهور يختلفون: هل الجماعة شرط في صحة الصلاة؟ فالجمهور على أن الصلاة تصح ولو منفرداً لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة المرء في جماعة أفضل من صلاته في بيته بخمس وعشرين درجة -أو- بسبع وعشرين جزءاً) فقالوا: إذا كانت تفضل عن صلاته فرداً، فالمفاضلة تدل على التساوي وزيادة أحد الجانبين، فزيد أطول من عمرو، معناه: عمرو طويل ولكن زيداً أطول منه.
إذاً: تشترك الصلاة منفرداً وجماعة في الصحة، ولكن الصلاة في الجماعة تفضل على الصلاة منفرداً.
وجاء في حديث آخر: (إذا كان أحدكم في غنمه، أو كان في بر وجاء وقت الصلاة؛ فليؤذن وليقم وليصل، فإنه يصف وراءه من الملائكة ما بين المشرق والمغرب) وجاء أيضاً: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي) وذكر صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فعنده طهوره ومسجده) فأيما رجل، أي: فرد، إذاً: صلاته منفرداً صحيحة.
ولكن الحفاظ على الجماعة أمر مهم، وكان السلف يقولون: (ما كنا نرى يتخلف عنها إلا منافق بيِّن النفاق)، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، وأنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى أولئك الذين تخلفوا عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) وفي بعض الروايات: (لولا ما في البيوت من النساء والأطفال لحرقت عليهم بيوتهم)، وذلك لترك الجماعة.
والذي جاء في الحديث الصحيح أو الحسن: (من صلى أربعين صلاة في مسجدي هذا، لا تفوته صلاة كتبت له براءة من النار وبراءة من النفاق، وأمن من عذاب القبر).
نقول: أيها الإخوة! ليس المراد أربعين صلاة في ثمانية أيام ونودع الصلاة، ونقول: أخذنا براءة! لا والله، إنما المراد أن تتابع الجماعة بشرط ألا تفوتك صلاة، فإذا فعلت ذلك كان بمثابة الترويض والتعويد، وبمثابة أخذ علاج مكثف هو علاج حفاظك على الجماعة، فإذا رجعت إلى بلدك كنت قد أخذت دورة تدريبية على الحفاظ على الجماعة، وكان قلبك معلقاً بالمسجد، كلما نادى المنادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أجبت المنادي، وحضرت الجماعة. وبالله التوفيق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر