ما زالت سورة الحجرات تنتقل في آداب الجماعة: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا [الحجرات:9]، ثم بيّن الدافع والواجب لهذه المسئولية فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، ثم نهى عن بواعث القتال، أو نهى عن مخلفات القتال فقال: لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات:11] ، قد تسخر الطائفة القوية من الضعيفة، أو الأغنياء من الفقراء.
ثم بعد ذلك ذكر الأدب في معاملات الناس بالألفاظ، واحترام الشخصية بعدم اللمز ولا الغمز، ثم اجتناب الظنون، ثم النهي عن التجسس، ثم النهي عن الغيبة وانتهى من هذا إلى القاعدة التي يرد إليها عنصر التفاخر أو التعالي أو الافتخار بين الناس، والأصل في ذلك أن يفتخر بنسبه وبحسبه، ولكن تلك المفاخر النسبية لا مكان لها؛ لأن أصل خلقة الجميع من ذكر وأنثى، ثم إن كان هناك ولابد من تفاخر فالأصل سواء، كما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه:
الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم من أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء
لماذا تتفاخر على أخيك وأنتما مشتركان في أصل الإيجاد، وهو: الماء والطين؟!
إذاً: لا يتفاضل على نفسه إلا بصفات أخرى: تلك الصفات تكون خصوصية في الأفراد يختصهم الله بها، كما جاء في قول الشاعر:
فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
فالدم من حيث هو جنس، ولكن المسك هو جزء من دم الغزال، انعقد في حلمته أو في الأنبوب الذي يتدلى عند حلقه، فينعقد فيه دم الغزال ويتحول إلى مسك، فهو بعض الدم ولكن فاقه، وهذا في امتداح الممدوح، وأصدق ما يكون على النبي صلى الله عليه وسلم.
كم من أب علا بابن ذرا حسباً كما علت برسول الله عدنان
كم من أب افتخر وارتفعت مكانته بابنه. أي: أن الأصل يفتخر بالفرع على خلاف العادة، والعادة أن الفرع يفتخر بالأصل، ولكن في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم انعكست المسألة؛ فيفتخر الآباء بالأبناء، فتفتخر عدنان كلها بما فيها من القبائل والفخوذ والشعوب بذلك.
وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)، فيقولون: حفظ النسب مطلوب لصلة الرحم.
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، قال: هذا عند الله، أما عندنا نحن وعند الناس وفي الدنيا لا؛ فلا يزوجون من لا يعرف انتسابه إلى قبيلة بعينها، ويفرقون بين هذا وذاك، فمن ثم وجدت تلك الطائفية أو هذا التقسيم في بني البشر، فلربما يأتي إنسان ويأخذه الحماس ويقول: هذا خطأ وهذا باطل، وهذا لا أصل له، والله يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وفي الحديث: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، والآن: إذا جاء من نرضى دينه وخلقه مع كونه نسيباً نزوجه، أما إذا كان ممن نرضى دينه وخلقه وليس نسيباً فلا نزوجه، وهذا مخالفة لظاهر الحديث.
أيها الإخوة! إذا جاء إنسان يخطب وهو لا يُعرف ما صلة نسبه إلى قبيلة سوى؛ (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وجاء يخطب ابنة إنسان نسيب في قبيلته، فهل يتعين ويجب على المخطوب من عنده أن يزوجه، أم أن له الحق في أن يرفض، ولو كان من قبيلة أعلى من قبيلته ولكنه لا يريد أن يزوجه، فهل هو ملزم أم أن له الاختيار؟
الواقع أن له الاختيار. وما دام له الاختيار فيما لو تساوى معه في النسب الذي يتمسك فله الاختيار في غيره كذلك، ومعادات الناس ومحاربتهم فيها يجب أن ينظر فيها إلى النتيجة التي تترتب على ذلك، وخاصة في المباحات.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي النتائج في المستقبل، فحينما حج صلى الله عليه وسلم ومعه أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، فقالت: (أريد أن أصلي في الكعبة -أي: داخلها- فأخذ بيدها إلى حجر إسماعيل، وقال: صلي هاهنا فإنه من البيت)، فلما صلت سألت: كيف يكون من البيت وهو خارج عنه؟
فقال صلى الله عليه وسلم: (إن قومك حينما أرادوا بناء الكعبة قصرت بهم النفقة، فاحتجروا هذا الجزء وأقاموا البيت على قواعد إبراهيم من القسم الثاني، وقصروا البناء على هذا الحد على قدر نفقتهم، ثم حجروه بهذا الجدار)، ولهذا سمي الحجر حجراً لكونه محجوراً داخل هذا السور، ولذا تسمى الغرفة في داخل البيت السفلي: حجرة، والعلية تسمى غرفة لارتفاعها.
فهنا سألته عائشة: لماذا لم يدخلوه في البيت؟ فبين لها السبب، وهو ناحية مادية، أنهم قصرت بهم النفقة، لا لعجز ولكنهم كانت يحتاجون إلى عملة صعبة بالنسبة إليهم، وهي المال الحلال الذي لم يدخله شبهة؛ لأنهم كانوا يجمعون إلى مكاسبهم حلوان الكاهن، ومهر البغي، والربا، وهم يعلمون بأن هذا ممنوع، لكن كانوا يدخلونه في كسبهم، فلما أرادوا بناء الكعبة قالوا: هذا بيت الله، ولا يمكن أن نبني بيت الله بمال فيه شبهة، وهذا مبدأ كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً). فهل تبني بيت الله بما حرم الله؟! لا يجوز هذا.. تسرق ثوب وتذهب تطوف بالبيت وأنت سارق لهذا الثوب؟! تسرق ثوب جارك ويعزمك في وليمة فتأتي وأنت لابس للثوب الذي سرقته من عنده فهذا تحدٍ.
قالت: (فما بالهم جعلوا باب البيت مرتفعاً؟ قال: ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، من أعطاهم أجرهم أدخلوه، ومن لم يعطهم ولم يرضهم ركلوه بأرجلهم فسقط، ولولا حداثة قومك بكفر -وهذا محل الشاهد- لهدمت البيت، ولبنيته على قواعد إبراهيم -يعني: أدخلت فيه الحجر- ولجعلت له بابين، باب للداخل وباب للخارج)، وقد حدث هذا التنظيم في المسجد النبوي، ووضع الباب الذي يسمى باب النساء، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر الناس وكن النسوة يأتين لصلاة الجماعة عند رسول الله، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الرجال أن لا يتعجلوا بالانصراف حتى ينصرف النساء قبلهم، ويذهبن إلى بيوتهن، فلما كثر الأمر وطال على الرجال الانتظار، قال: (لو جعلتم لهن باباً)، فجعل لهن باب النساء، وكان في مؤخرة المسجد بالنسبة لحدوده من جهة الشمال، فكان هذا الباب الذي إلى الآن يسمى باب النساء بجوار باب جبريل عليه السلام.
فهنا خصص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء باباً يدخلن ويخرجن منه حتى لا يزاحمن الرجال في بقية الأبواب، وهناك يقول صلى الله عليه وسلم: (لبنيت البيت على قواعد إبراهيم، ولسويت بابه بالأرض، وجعلت له بابين؛ باب للداخل وباب للخارج)، ولو أن الناس اليوم في كل تلك الأبواب خصصوا للدخول فتحات وفتحات للخروج ما تزاحم الناس على الأبواب، وقبل سنوات حصل تزاحم عند باب السلام، وتسبب في وفيات.
إذاً: التنظيم من حيث الدخول والخروج مبدأ إسلامي، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويهمنا في هذه القضية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يكون البيت على قواعد إبراهيم، وأن تكون الأبواب مساوية للأرض حتى يتمكن كل من أراد الدخول أن يدخل، ويكون هناك بابان للداخل وللخارج لكن... ما الذي منعه أن يفعل ذلك؟
ترك ما يرغب فيه مخافة ما سيحدث من الفتنة: (إن قومك حديثو عهد بكفر) فهم لازالوا جدد، فإذا هدمت الكعبة وغيرت على ما كانت عليه، قالوا: هدم وغير وبدل، فيحصل في نفوسهم بعض الشيء، فترك هذا العمل.
ولما جاء ابن الزبير وبويع في مكة لما وقعت فتنة عثمان رضي الله عنهم أجمعين كان قد سمع من خالته عائشة رضي الله عنها وصف رسول الله للبيت، فقام وعمل ذلك، وهدم الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم، وأدخل الحجر، وجعل له بابين مساويين للأرض، ولما جاء الحجاج ، وقتل ابن الزبير ، وكان ما كان وراعى أن يعيد البيت على ما كان عليه من قبل، فبناه على ما كان عليه قبل الإسلام، وأخرج الحجر على ما كان، ولما زادت حجارة البيت لاختصاره، حار ما يفعل به، وهي حجارة مختصة بالبيت لا يستطيع أن يبيعها لأنها وقف، ولا يسمح لأحد باستعمالها، فأرسل إلى أسماء أم عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عن الجميع رسولاً، وقال: اذهب فسلها ماذا نفعل فيما بقي من الحجارة؟
انظروا إلى الاعتراف والإقرار لأهل الفضل ولو كانوا أعداء! قتل وصلب ولدها، ثم يرسل إليها يستشيرها، وحينئذٍ ما خانته المشورة، بل أشارت عليه بالصواب، ولكن بعبارة أرجفت الرسول وخاف أن ينقلها، فقالت: (ليضعها في فيه) فرجع الرسول.. وليس في ذاك الذكاء كـالحجاج ، فما استطاع أن ينطق، فقال الحجاج: قل ما قالت ولا عليك، فقال: قالت ما لا أستطيع أن أنطق به، قال: انطق به ولا عليك، قال تقول: يضعه في فيه، قال: صدقت هو خير مكان لها هي تعني: في فم البيت؛ لأن البيت جعل له باب مرتفع، وأصبح من الداخل مجوفاً إلى ارتفاع -عتبة الباب الأعلى- ما كان عليه من قبل، فأخذ الحجارة الزائدة وأدخلها في الكعبة، ورصها حتى سوات الباب الذي وضعه وأعاده على ما كان وهو ما عليه اليوم.
ولما جاء الرشيد إلى مالك وحصلت مناقشته في الموطأ وما يتبع ذلك، سأل الرشيد مالكاً واستنصحه واستشاره: إني أريد أن أعيد البيت على بناية ابن الزبير ، تنفيذاً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا أيضاً يأتي نظر مالك إمام دار الهجرة ويصدق عليه قوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108]، والبصيرة دون البصر؛ لأن البصر يرى المحسوسات المواجهة، والبصيرة ترى ما لا يرى المحسوس، وتستنتج بالفراسة نتائج الأمر لو حصل ماذا يكون. قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، قال: ولم وأنا أنفذ رغبة رسول الله، وأعيد ما فعله ابن الزبير ، قال: لا تفعل، إني أخشى أن تصبح الكعبة ألعوبة الملوك.
الحجاج لماذا أعاد الكعبة على ما كانت عليه؟ لأنه شكل ووضع مات عنه رسول الله ويجب أن يبقى على ما كان عليه، ولم يلتفت إلى الوصف الذي جاء، وهنا مالك يقول: أخشى أن تصبح الكعبة ألعوبة الملوك. يأتي واحد بعدك يقول: لا. يجب أن تعاد الكعبة على ما كانت عليه في حياة رسول الله، ويعيدها، ويأتي الآخر فيخشى أن تتزحزح الكعبة عن مكانها، ولهذا منع مالك الرشيد أن يعيدها على الوصف الذي أراده رسول الله، اتقاء للشر، وهذا ما يسمى في علم الأصول: سد الذرائع: (ترك ما لا بأس فيه مخافة ما فيه بأس).
ثم ذهبوا إلى الشيخ محمد بن إبراهيم ، فقال له: إن ما قمت وفعلته حق فيما بينك وبين الله، وهذا شرع الله، والرسول قال لبني فلان: زوجوا فلاناً -وكان حجاماً- فأبوا أن يزوجوه، والرسول صلى الله عليه وسلم زوج زينب ابنة عمته وهي في الذروة من النسب إلى أسامة ، وأبوه كان مولى، وأعتق فتبناه.. إلى غير ذلك، ثم انتهى الأمر إلى الطلاق، لكن ماذا تفعل في قومك وهم مستعدون أن يضحوا بك، وبضيفك؟ وهل أنت مفرط في صديقك، وهل ترضى أن يقع له ذلك؟ كما أن الحكومة لا تستطيع أن تمنعهم، ولا تستطيع أن تحميك ولا أن تحمي زميلك من هذا، فهذه الأمور ليس بالفرض اللازم الواجب أن يتزوج هذا الإنسان بتلك الفتاة، وممكن أن يتزوج غيرها، فدع عنك الفتنة وإثارتها فيما بينك وبين قومك وأهلك.
فحينئذٍ طلق تلك الفتاة، وانتهت المشكلة ورجع كل إلى حاله.
نذكر هذا يا إخوان؛ لأنه ربما أن تقع بعض الفتن أو الاعتراضات أو الشقاق بسبب ذلك، وطلبة العلم يتنازعون ويدعون بأن هذا هو الأصل، ويجب أن تلغى كل الاعتبارات المغايرة لذلك.
نقول: لا بأس، هو مقصد ونقول: هو مما تحكمت فيه العادات، لكن لا نستطيع أن نغفلها أو أن نميتها، أو أن نمنعها.
إذاً: ينبغي النظر في النتائج، كما نظر النبي صلى الله عليه وسلم في النتائج لو أنه هدم الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم، وكما نظر مالك رحمه الله فيما لو أذن للرشيد أن يعيد البناء على ما حدث به عن رسول الله.
هذا الذي أحببت أن أنبه عليه في مفهوم هذه الآية فيما يتمسك به البعض في قضية معينة.
أما بقية القضايا والعلاقات فكما قال سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، عليم بمن يدعي التقوى والأصالة والقبيلة.. عليم بحاله وبسره وعلنه، خبير بداخلته وظاهره، والله تعالى أعلم.
وهنا مباحث أصولية: (قَالَتْ الأَعْرَابُ) (أل) هنا هل هي للاستغراق أو للجنس؟ وهل كل الأعراب على هذا النمط، وهل كل من قال من عموم الأعراب (آمنا) يقال لهم: لا. لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا؟
الواقع أنه بخلاف ذلك، وأنه عام في الأعراب أريد به خصوص طائفة فقط من عموم الأعراب.
واتفقوا على أنها نزلت في أعراب من بني أسد لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! نحن أسلمنا وآمنا بدون قتال كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، على ما سيأتي: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17]، أي: بدون قتال، إذاً: (قَالَتْ الأَعْرَابُ) عام أريد به خاص.
وقد بين والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في: أضواء البيان عند هذه الآية ما جاء في عموم الأعراب بالإجمال والتفصيل، جاء في عموم الأعراب: الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ [التوبة:97]، ثم جاء بعد ذلك: وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ [التوبة:98]، ثم جاء بعدها: وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ [التوبة:99]، فالآية أو السياق: الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً ، شملت الجميع، ثم فصلت من بعض الأعراب من يتربص بكم الدوائر، ومن بعض الأعراب من يؤمن وينفق ويتخذ ذلك مغنماً عند الله.
هنا يختلف العلماء في نوعية هؤلاء الأعراب من حيث الإسلام وعدمه، فـابن جرير رحمه الله يقول: ما السبب الذي من أجله أُمر صلى الله عيله وسلم أن يقول لهم: لا تقولوا آمنا، وقولوا أسلمنا؟
قالوا: إن السبب في ذلك يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17].. قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ، هم يمنون عليك أنهم آمنوا بك بدون قتال.. قال: لا، لا تقولوا آمنا، ولا تمنوا عليّ إيمانكم، لأنكم ما وصلتم إلى هذه الدرجة قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا .
والفرق بين (آمنا) و(أسلمنا) يبينه لنا الشيخ الأمين رحمة الله علينا وعليه: بأن هذه الآية من مواضع المباحث في العقيدة، وهو الفرق بين الإسلام والإيمان، ويقول كما يقول علماء الكلام الباحثين في العقائد: إن الإسلام والإيمان، والفقير والمسكين إذا أفرد أحدهما جمع الآخر معه، وإذا قرنا وذكرا معاً افترقا، أو كما يقولون: إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فإذا قيل: أعط هذه الدراهم لمسلم أو أعطها لمسلم ولمؤمن، وإذا قيل: أعط المسلم درهماً والمؤمن درهمين كان هناك مغايرة، فالمسلم متميز على حدة، والمؤمن متميز على حدة.
فعلى هذا: هؤلاء الذين قالوا: (أسلمنا)، هل هم أسلموا فعلاً أم أنهم أسلموا كما في معنى: قُولُوا أَسْلَمْنَا بمعنى: استسلمنا إليك؟
قالوا: إما لأنهم يريدون أن يحفظوا على أنفسهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم، أي: قالوا: (أسلمنا)؛ ليأمنوا من المسلمين، وليغتنموا حالة المشاركة مع المسلمين، ويذكر ابن جرير نوعاً آخر: أنهم قالوا: (آمنا) ليتسموا باسم المهاجرين ولم يهاجروا، وكان ذلك في أول الهجرة، أو أنهم قالوا: (أسلمنا) رداً على أنهم يمنون على رسول الله بالإيمان.
قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، أي: مخافة السبي والقتل، وحفظكم أموالكم بقولكم: (آمنا)، وأنتم لم تؤمنوا، أو بكونهم يمنون على النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانهم، وهم فعلاً لم يؤمنوا، أو لأنهم إنما أظهروا هذا القول ولم يأت تصديق قولهم بالعمل.
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار سبة لو جدتني سمحاً بذاك مبينا
فهو يعتقد يقيناً بأن دين الإسلام الذي جاء به ابن أخيه محمد هو الحق، لكنه لم ينطق بكلمة الشهادتين، لذا كان يقول له: (يا عم! قل كلمة أحاج لك بها عند الله)، فالاعتقاد وحده لا يكفي، ويجب أن يكون مع الاعتقاد النطق، ومع النطق والاعتقاد العمل، ولذا سمى الله العمل بالفروع إيماناً، ولما تحولت القبلة قالوا: ماذا يكون حال الذين ماتوا قبل أن يصلوا إلى الكعبة؟ لأنه صلى الله عليه وسلم مكث قرابة ستة عشر شهراً يصلي إلى بيت المقدس، وفي هذه الأثناء مات بعض المسلمين، قالوا: ماذا يكون مصيرهم وهم لم يصلوا إلى الكعبة؟ فنزل قوله سبحانه: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، فسمى الصلاة إيماناً؛ لأنها تصديق بالقول، أي: صدق القول بالفعل.
وسيأتي: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]، بأن الإيمان بالقول يجب تصديقه بالفعل، ويهمنا في هذا المقام أن قول الأعراب: قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، أسلمنا في الظاهر أم في الظاهر والباطن؟
الشيخ الأمين رحمة الله علينا وعليه في أضواء البيان يرجح بأن إسلامهم كان إسلاماً لغوياً وليس شرعياً؛ لأن الإسلام لغة الاستسلام، كما قال حكيم الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالاً
دعاها فلما أطاعت أرسى عليها الجبالاً
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالاً
إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالاً
وأسلمت نفسي لمن أسلمت له الريح تصرف حالاً فحالاً
هذا جاهلي يقول هذا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: أسلمت وجهي؛ يعني: استسلمت لله الذي هذا صنعه من خلق الأرض بالجبال، ومن خلق المزن بالماء الزلال، ومن تصريف الرياح حالاً فحالاً. هذا إسلام لغوي.
أما الإسلام الشرعي فهو: من التزم بحقوق الإسلام والإيمان، وطاعة الله ورسوله، فالشيخ يرى بأن قولهم: (آمنا) وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا لغوي، أما حقيقة الإسلام الشرعية فليست موجودة عندهم، فيقول: هؤلاء من صنف المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
وابن جرير يقول هذا أيضاً، ويستدل رحمه الله بقوله فيما بعد: وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، فإذا لم يدخل الإيمان وهو التصديق والالتزام بالعمل في قلوبهم، فهذا يكون إسلاماً لغوياً وليس إسلاماً شرعياً، وسيأتي مناقشة هذا الرأي عند قوله: وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14].
والذي يهمنا: بأن القرآن فرق بين الإسلام والإيمان، لما أفرد الإيمان جمع معه الإسلام، ولما نفى عنهم الإيمان وأثبت إليهم الإسلام حينها عرفنا أن هناك فرقاً بينهما.
هناك: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36].
إذاً: في هذه الآية يتفق معنى الإسلام والإيمان؛ لأنه بيت واحد هو الذي أخرج منها، فإذا انفرد لفظ الإيمان شمل الآخر معه، كما إذا انفرد لفظ الفقير أو انفرد لفظ المسكين شمل الآخر معه، أما إذا ذكرا معاً فيكون هناك التفرقة، إذا قال: أعط الفقير درهماً وأعط المسكين نصف درهم؛ كان هناك فرق بين الفقير والمسكين، وقد فرق العلماء بينهما، فقالوا: الفقير من فقار الظهر، كأن فقرات ظهره مكسورة؛ لأنه لا يستطيع التحرك مادياً، أما المسكين فهو الساكن عن الحركة، لكن مع المعافاة، وقد سمى الله سبحانه أصحاب السفينة التي يعمل عليها مساكين: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف:79]، فكذلك اليوم صاحب المرسيدس الأجرة، وصاحب التكسي عنده بعض الشيء لكنه مسكين، فقال الفقهاء: الفقير من لا يملك شيئاً، والمسكين من يملك أقل من حاجته، فإذا قيل: أعط الفقير كان له وصف مستقل، وأعط المسكين كان له وصف مستقل، وهكذا الإسلام والإيمان.
وقد جاء في حديث جبريل عليه السلام في حديث عمر المشهور: (أخبرني عن الإسلام؟)، فأخبره بأعمال محسوسة وهي أركان الإسلام الخمسة ثم قال: (أخبرني عن الإيمان)، فذكر له ما لم يذكره في الإسلام، فعرفنا أن الإسلام من حيث هو يتميز عن الإيمان من حيث هو إيمان، وكذلك الإيمان يتميز بأركانه عن الإسلام، وكلٌ له فريقه، والجميع يسمى: الدين، وجاء الركن الثالث الذي يسيطر على الجميع عند الإحسان: أن تعبد الله، والعبادة بدنية وقولية ومالية. أي: أثرٌ فعلي، وهو مع الإيمان والتصديق (كأنك تراه). أي: مع الاعتقاد، (فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
إذاً: (قَالَتْ الأَعْرَابُ) أولاً: هذا لفظ عام أريد به خاص، ويمثل له الأصوليون بقوله سبحانه: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54]، قالوا: إن لفظ (الناس) عام في بني البشر مراداً به شخصية واحدة ألا وهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]، يعني: أنكم تحسدون محمداً على ما أنزل عليه؟! لا، وكذلك: الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، القائل: (إن الناس قد جمعوا لكم) ما هو إلا من ليسوا عموم الناس الذين قالوا، وعلى هذا فهذه الآية تصدق على هذا المثال أنه عام أريد به الخصوص، (قَالَتْ الأَعْرَابُ) والمراد به بعض الأعراب وهم أعراب من بني أسد.
(آمَنَّا) أي: التزمنا وصدقنا واتبعنا، ولكنهم لم يكونوا على هذا المستوى.
قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، أسلمنا على ما بينا سابقاً، إسلاماً لغوياً، وأشرنا بأن الشيخ رحمه الله في الأضواء يرجح بأن: (قُولُوا أَسْلَمْنَا) أي: استسلمنا إسلاماً لغوياً.
وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحجرات:14]، أي: على مقتضى قولكم: (أسلمنا)، وتطيعوا وتطبقوا القول بالعمل، وتؤيدوا ادعاءكم الإسلام والإيمان بتطبيق العمل، فحينذٍ: لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً ، أي: لا ينقصكم من أعمالكم شيئاً؛ بناء على مجيء الإيمان التدريجي الذي تلتزمون به بمقتضى العمل بأركان الإسلام.
وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في ادعائكم الإيمان، أو فيما تقولون من الإسلام مع هذا كون الإيمان لم يدخل في قلوبكم لا يمنعكم من أن تؤجروا على ما تفعلونه من طاعة الله ورسوله، وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وأنتم على هذه الحالة في قولكم: (أسلمنا) فيما علمتم أن تقولوه، وقلتم: (أسلمنا)، وأطعتم الله ورسوله مع مقالتكم تلك، لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً [الحجرات:14]، لن ينقصكم من أعمالكم شيئاً، وسيؤجركم على أعمالكم وأنتم على هذه الحالة.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات:14] في دعواكم الأولى، أو في غيرها، أو في عمومها أو في خصوها.
وهذا بيان من الله لهؤلاء الذين ادعوا الإيمان ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، أن حقيقة الإيمان هي كذا وكذا؛ لأن (إنما) أداة حصر، فالمؤمنون حقاً هم الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا [الحجرات:15]، عدة شروط في صدق دعواهم الإيمان، وقولهم: (آمنا)، وهذا رد على الأعراب؛ لأنهم إلى الآن ما صدقوا القول بالعمل، فهي بيان من الله لحقيقة المؤمنين الذين إذا قالوا: آمنا كانوا صادقين في قولهم، كما في سورة الحشر: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ [الحشر:8].
الجواب: حصرها على الرسول أقول فيه: نعم وأقول فيه: لا. لا شك عند أدنى المسلمين أن في ميزان التقوى أن الرسول عال فوق كل أحد ولا يلحق به أحد، قال: (والله إني لأعلمكم بالله وأتقاكم لله)، وذلك في قضية الثلاثة الذين ذهبوا وقالوا: نرى أعمال الرسول ما هي، فأخبرتهم أم المؤمنين، فقالوا: هذا رسول الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال حينها ما قال، وهذا ليس فيه شك أن الرسل هم أتقى الناس في أممهم، والرسول صلى الله عليه وسلم سيد الخلق، وخاتم الرسل، وسيدهم أجمعين، فلا شك أنه أتقى الناس، لكن هل هي خاصة به صلى الله عليه وسلم أم لعموم المسلمين المتقين.. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا [النحل:128]، التقوى ليست خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما تعم جميع من اتصف بها من البشر من أمة رسول الله، وعلى هذا تكون الآية عامة.
لكن إذا جئنا لما ذكر من قبل : (من خير الناس يا رسول الله؟ قال: يوسف بن يعقوب بن إبراهيم -نبي ابن نبي ابن نبي- قال: ما عن هذا سألت، قال: عن الجاهلية؟ خيركم في الإسلام خيركم في الجاهلية إذا فقهوا) ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه إمام المتقين، وسيدهم وأكرمهم عند الله، وأتقاهم لله، ولكن ليست قاصرة على شخصه صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في أبي بكر رضي الله عنه: (لو وزن إيمان
إذاً: أتقاهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا تفاوت الناس.
الجواب: كونهم الآن يعلمون ما في الرحم من ذكر أو أنثى، نقول: إن بعض المغرضين وأعداء الدين عارضوا ذلك بما جاء في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]، فعلم ما في الأرحام لم تعد مختصة بالمولى، وأصبح الناس يعلمونها أيضاً، وشوشوا على بعض الناس على ما سيأتي عند قوله: ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]، فارتاب بعض الناس في مدلول الآية في علم الله بالأرحام؛ لأن البشر صاروا يعلمونها، ولكن لم يعلم البشر ما في الأرحام من حمل أو دم جامد أو هواء متكور أو ذكراً أو أنثى بطبيعة الحال، ولكنهم ما علموا ذلك إلا بأحد أمرين:
إما أن يقتحموا الرحم ويدخلونه بأشعة ونحوها، وإما أن يخرجوا ما في الرحم وينظرونه بأعينهم، أما الاقتحام على الرحم فبالأشعة كأنهم سلطوا الأضواء على ما في الرحم، وأصبح منظوراً إليهم، لكن منعوا هذه الأشعة وأبعدوها وأخبرونا، ليس لهم علم.
وإذا كان شيء وراء الجدار وأنت نظرت بما يخرق الجدار، هل أصبح غيباً عليك، قبل الجهاز الذي يكشف لك ما وراء الجدار هو غيب عنك، لكن لما خرقت الجدار ونفذت ونظرت بعينك لم يعد غيباً، سواء خرقته بآلة ونظرت بعينيك، أو أرسلت من يخترق الجدار كأشعة وغيرها.
الشيء الثاني: يأخذون عينة من ماء الرحم ويحللونه على ما فيه من هرمونات الذكورة أو الأنوثة، فيكونون أخرجوا ما في الرحم إلى الخارج، ونظروا في ماهيته، أما ما عدا ذلك فلا.
وهناك وجه آخر، اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ [الرعد:8] قالوا: يغيض البويضة حينما تلصق في جدار الرحم لا يتبين فيها ذكورة ولا أنوثة، وكذلك أيضاً الطفل قبل ستة أسابيع لا يمكن أن يوجد فيه خلقة ذكورة ولا أنوثة، وإنما يذهب هذا الجهاز فيما وراء ذلك. والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر