هذا من آداب يوم العيد، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى المصلى وصلى العيد خالف بين الطريق، وهذا عندما يكون للمصلى طرق متعددة بالنسبة للإمام وكذلك المصلي، وقد اختلفوا في هذه المغايرة هل هي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذين في الطرقات أو في البيوت ينتظرون مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم ويسلم عليهم وتنالهم بركات سلامه عليهم ودعواته، أم أن ذلك عام لكل مصل؟
فبعضهم يقول: هذه خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الناس ينتظرون عودته ورواحه، وهنا يذكر ما يفعله بعض الناس من التهنئة بيوم العيد، وربما نسمع بعض الناس يقول: هذه بدعة! وهي سنة عن رسول الله، والسلف رضي الله تعالى عنهم ينقل العلماء عنهم أنه كان بعضهم يقول لبعض: تقبل الله منا ومنك، وهذه هي التهنئة بيوم العيد.
فالذهاب من طريق والعودة من طريق قيل: إنها ليرى الإنسان من لم يره من قبل، وقيل: هذا من جانب المقيمين، ليكون لهم حظ من سلام الإمام ودعوته لهم في ذلك اليوم بالخير.
فمغايرة الطريق قيل: هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل هي عامة لكل مصلٍ، والله تعالى أعلم.
في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً صلوات الله وسلامه عليه، وجد لأهل المدينة يومين يلعبون فيهما، وهذه من عادات الشعوب، فلها -حسب العادات والوقائع- أيام يفرح فيها الناس ويلعبون فيها، كما هي العادة المشهورة عند كثير من الأمم، وسبب هذين اليومين لم أقف عليه حتى الآن.
وهنا لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أسباب اللعب في هذين اليومين، ولكنه لما كان من عمل الجاهلية وقبل الإسلام، ولم يتضح لهما سبب شرعي لم ينههم عن ذلك، وهذه مسألة ينبغي التنبيه عليها؛ لأنها قاعدة إسلامية إصلاحية عظيمة جداً، فإذا رأيت إنساناً يرتكب أمراً مخالفاً فقبل أن تنهاه عنه انظر إلى البديل الذي يصلح لتقدمه إليه ليتخلى عن غير الصالح، إنسان كفيف له عصا يتوكأ عليها، لكن تلك العصا متنجسة، أو فيها شوك، أو أنها على وشك الانكسار، أي أنها غير صالحة لمهمتها في نظرك وأشفقت عليه، فلا تقل له: ارم العصا من يدك، بل قبل ذلك، وقبل أن تقول له إن العصا غير صالحة ائت بعصا صالحة، وقل له: خذ هذه فهي خير مما في يدك، وألق التي في يدك. فستجد أنه عندما يحصل على شيء خير من الذي بيده سيلقي ما بيده قبل أن تقول له: ألق ما في يدك؛ وهكذا لو وجدت شخصاً في طريقة مبتدعة وطريقة منكرة لم تجد لها أصلاً في الدين.
فلا تأت إلى إنسان لتنزع ما بيده استنكاراً قبل أن تهيأ له البديل عن ذلك المنكر.
ولو جئت من باب الترفيه، ومن باب التسلية، ومن باب إظهار السرور لا تجد يومين في حياة الأمة كيومي العيد، بخلاف الأفراد؛ لأنه قد يكون للفرد في حياته يوم خير من العيد، كما وقع لـكعب بن مالك حين كان مع الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك، فعندما تخلفوا عن تبوك وجاءوا يعتذرون قبل عذرهم إلا ثلاثة، ومنهم كعب بن مالك ، حتى جاءت توبتهم من عند الله، وليس المخلفون الذين تخلفوا عن الغزوة، فالذي تخلف عن الغزوة عدد كثير، لكن كلهم جاءوا فاعتذروا فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظاهر الأمر، وترك حقيقتهم إلى الله إلا هؤلاء الثلاثة الذين صدقوا وقالوا: والله ما كان عندنا عذر فخلفوا عن قبول توبتهم وعذرهم، فيوم أن نزلت توبتهم وذهب إلى كعب رجل ونادى وقال: أبشر يا كعب ، وركض إليه رجل بالفرس فكان صوت المنادي أسرع من ركض الخيل، فلما جاء الذي صرخ له أعطاه ثوبه الذي عليه وقال: والله ما عندي غيره، ثم استعار ثوباً من جماعته وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبله رسول الله بالبشر وقال له: (أبشر -يا
فالأيام السعيدة ذات الذكرى الجميلة قد تكون للفرد، وكلنا له يوم أو أيام حسب ظروفه ومشاغله، لكن لا يوجد للأمة يومان أفضل من يومي العيدين، وتقدم لنا أن الأعياد عند الأمم لمناسبات سببها حدث في يوم واحد تبقى ذكراه مع التكرار، لكن في الإسلام في كل سنة عيد حقيقي؛ لأن عيد الفطر عيد بصيام رمضان، وهذه نعمة كبرى؛ لأن الله وفق الناس وأعانهم على أنفسهم وعلى الشيطان والهوى، وحجزوا النفس عن الأكل والشرب والشهوات حتى أكملوا الشهر، كذلك الحج جاءوا من كل فج عميق، واجتمعوا في واد غير ذي زرع، وأدوا المناسك بحمد الله، فكان عيد الأضحى.
فهما يومان عظيمان مرتبطان بيومين متكررين وعبادتين متكررتين في كل سنة، والرسول صلى الله عليه وسلم انتقد اليومين ولم ينتقد اللعب، وأشعرهم أن الله قد أبدلهما خيراً منهما.
ولو أن للناس عادة ويوجد نظير ذلك من السنة من الشرع فالأولى أن يأخذ البديل من السنة، بل قد يتعين؛ لأن المسلمين أمروا باتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24] والخير كل الخير فيما جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان يخالف عادات وطباع الناس، وعلى الناس أن يتطبعوا على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، لا أن يخضع الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به لأهوائهم، قال صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
دعا الرسول صلى الله عليه وسلم وصنع له الطعام، وكان رجل بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الطعام من الدباء، فالرجل يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء في القصعة، قال: فما زلت أحب الدباء من ذلك اليوم)، فبسبب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم للدباء صار الصحابي يحب الدباء، وهل هناك حب أكبر من هذا؟ فكأنه يقول: اخترت ما اختاره الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت الحديث الذي يدل على لعب الأحباش في المسجد النبوي وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: (ربما سألني -أو سألته-: أتحبين أن ترينهم؟ قلت: بلى. فقمت وهو يسترني من الناس وخدي على خده، وهو يقول لهم: دونكم يا بني أرفدة، دونكم يا بني رفيدة) وكان يقول لـعائشة : (هل اكتفيت) وهي تقول: لا. قالت: والله ما بي رؤيتهم، وإنما أردت أن يعلم زوجات رسول الله بقيام رسول الله معي ليعرفن مكانتي عند رسول الله، فهل يمكن أن تتسع لإنسان أخلاقه مع الزوجة في مثل هذا الباب إلى هذا الحد فيتحمل من أجلها ويصبر؟ فانظروا إلى مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك.
فلا مانع من اللعب في يومي العيد، وفي القديم كان يوجد مكان للعب الصبيان في المدينة، وكان أهلهم يجمعونهم ويحملونهم على العربات التي تنزل من القرى محملة بالبرسيم أو الدباء، وهي التي كانت تستعمل في التنقل في المدينة، فكانت هذه العربات التي تجرها البهائم يوم العيد تزين، ويجعل لها صندوق، ويجمع الأطفال بلباسهم يوم العيد والزينة، ويذهب بهم للتنزه واللعب، وتظهر ألعاب جديدة منها الجائز ومنها المحرم، فكان أطفال المدينة يظلون ثلاثة أيام في لعب ومرح وبهجة، ولا يعكر عليهم شيء.
فلا مانع أن يسمح للكبار والصغار، ولا مانع أن يسمح أيضاً للأطفال ذكوراً كانوا أو إناثاً، ماداموا في السن الذي ليس فيه فتنة، وكان عندهم كبير يرعاهم حتى لا يتأذون، فلا مانع أن نسمح لهم، ونجعل لهم أماكن للعب، بشرط أن تكون تحت إشراف مسئولين، وبأنواع جائزة بعيداً عن المقامرات.
ومما جاء في هذا أيضاً أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على عائشة ، وأنكر عليها وجود الجاريتين تغنيان، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (دعهن يا
فسعادة الإنسان إن يجد شيئاً كان يفتقده، وهذا ما يحصل في يوم العيد، ومما يذكر عن بعض الفلاسفة أن إنساناً جاء يشتكي إليه الضيق والقلق، فسأله: هل أنت متزوج؟ قال: لا، قال: هل ينقصك من الدنيا شيء؟ قال: عندي أموال كثيرة، قال: هل أحد ينغص عليك وظيفتك؟ قال: أنا أعمل عملاً حراً، فأخذ يسأله عن كل الجوانب فرأى أن كل شيء متوفر عنده، فقال له: اكتب لي أن تعمل ما آمرك به حتى تنال السعادة؟ قال: أعَملُ ما أردت، فأخذه ودخل به على الطبيب وقال له: اثنِ رجله إلى فخذه وغطها بالجبس، فخدره فنام، وجاء من المشرحة برجل مبتورة ووضعها بجانبه على السرير، فلما استيقظ إذا به يبحث عن رجله فلم يرها، ووجد رجلاً مبتورة بجانبه، فظن أن رجله قد بترت، فقال: أنا ما قلت لك أن تفعل هذا، قال: لقد كتبت لي أن أعمل ما أشاء حتى أوصلك إلى السعادة، ثم قال له: إن أردت أن أرجع لك رجلك، فإني أريد مالاً، قال له: خذ ما تريد، فخدره وفتح الجبس وأعاد تلك الرجل إلى المشرحة، فلما استيقظ قال: أنا الآن أسعد مخلوق؛ لأنه افتقد شيئاً عزيزاً عليه ثم وجده وظفر به.
ورجل هرب عليه عبد، فقال: من يأتيني بعبدي فله عشرة آلاف. فقيل له: العبد لا يساوي أكثر من ألف! قال لهم: ائتوني به، فلما أتوا به دفع العشرة الآلاف، فعوتب على ذلك، فقال: إنكم لا تعرفون لذة الظفر، فالعشرة الآلاف لم أدفعها لعودة العبد، ولكن لأظفر بمطلوبي.
وقد روي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قيل له: شاركت في المعارك، ولك أموال وصحة، فما هي أمنيتك بعد هذا؟ فقال: (أن تكون ليلة شديدة البرد عاصفة الرياح غزيرة الأمطار وأقوم حارساً للجند تالياً لكتاب الله).
فسعادة الإنسان في أن يجد شيئاً كان مفقوداً، وإذا ما استكملت له كل أغراضه افتقد السعادة، فيوم العيد يجد فيه الأطفال والكبار والصغار البهجة ودواعي السرور وما يسمى الترفيه البريء، وليس غير البريء، والذين يذكرون بعض الحروب المتأخرة يعرفون الترفيه البريء ماذا كانت نتائجه، سواءٌ على إسرائيل أم على غيرها.
هذا الأثر عن علي رضي الله عنه، وهذا اصطلاح علماء الحديث، والسنة لغة: الطريقة، والسنة: نهج الحياة، كما قيل:
من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل أمة سنة وإمام
فالسنة: الطريقة التي تعارف عليها الجماعة.
والسنة في الشرع تطلق على معنيين، فتطلق على النصوص التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجانب القرآن، فتقول: الكتاب والسنة، فيكون الكتاب نصوصه وحي من الله والسنة وحي لرسول الله، وكلاهما وحي كما قال السيوطي : الوحي وحيان: وحي أمرنا بكتابته وتعبدنا بتلاوته، فقال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، فهذا تعبدنا الله بتلاوته، قال: ووحي لم نؤمر بكتابته ولم نتعبد بتلاوته، وهو السنة. وكان كلامه وحياً لنص القرآن الكريم في حقه صلى الله عليه وسلم: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3] إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، لكن اتفقوا على أن الحديث القدسي كلام الله، ولكن فرق في الاصطلاح بين القرآن المأمور بكتابته المتعبد بتلاوته وبين الحديث القدسي، وكذلك هناك فرق بين الوحي الثالث والسنة النبوية.
وتطلق السنة على منهج العمل، فالسنة في الأكل والشرب أن تأكل بيمينك، نسبة إلى الحديث الذي يقول: (يا غلام! سم الله وكل بيمينك)، والسنة في النوم أن تضطجع على شقك الأيمن، فالسنة: الطريق والمنهج الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة.
فهنا علي يقول: (من السنة) ولم يقل: من السنة قوله صلى الله عليه وسلم فتكون سنة قولية، لكنه هنا ينقل لنا سنة فعلية، فقال: (أن تذهب إلى العيد ماشياً) وتخرج من بيتك إلى مصلى العيد ماشياً، ولا يكلف كل إنسان أن ينزل من ذاك المكان ماشياً، ويمكن أن نقول: في الزمن الأول لا بأس بذلك، الرسول صلى الله عليه وسلم -وقد جاوز الخمسين- كان يخرج إلى قباء تارة ماشياً وتارة راكباً، لكن قد تغير الناس في زماننا، فقالوا: لو ركب يركب من منزله حتى يقارب مشارف مصلى العيد فينزل ويمشي. وقالوا: المشي هنا لأنه ذاهب إلى عبادة، ويكون ممشاه له فيه بكل خطوة أجر.
وعند الرجوع لم يذكر لنا علي سنة، قالوا: العودة على حسب العادة راكباً أو ماشياً، والفرق بين الذهاب والعودة أن الذهاب من البيت إلى المصلى بقصد العبادة، فهذا يتمحض فيه المشي للطاعة والعبادة، لكن في العودة تكون العبادة قد انتهت.
فالسنة في الذهاب لمن كان يقدر على المشي أن يذهب ماشياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى المصلى ماشياً، وكان يغاير بين الطريقين، فقالوا: ذلك سنة فعلية نقلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا: لأن في المشي نوعاً من التواضع وإظهار الإخبات إلى الله، فيكون منذ خروجه من بيته إلى مصلاه في إخبات وإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.
لما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج لصلاة العيدين إلى المصلى، وذلك لأمرين: لضيق المسجد، ولإظهار الكثرة العددية، والكثرة العددية في ذلك التاريخ كان لها أثر كبير؛ لأن مجتمع المدينة كان فيه المسلمون والوثنيون واليهود والمنافقون، والوثنيون واليهود والمنافقون يتربصون بالمسلمين، وكان في نواحي المدينة أعراب لا يعرفون شيئاً، ولا يقدرون إلا القوة والمنفعة.
فالأعداء في داخل المدينة وخارجها كانوا لا يعرفون إلا منطق القوة، فعندما يخرج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين بهذا العدد الكبير رجالاً ونساء وأطفالاً حتى الحيض يخرجن مع المسلمين إلى صلاة العيد، يرى أعداء الإسلام الكثرة فيعملون لذلك حساباً، ومن هنا كانت الكثرة قوة، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على التكاثر، فقال: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)، بل يذكر في تاريخ العصور الحديثة والدول الكبرى والصغرى أن جولدا مائير كانت كل صباح تسأل مصلحة المواليد الإسرائيلية عن عدد المواليد الإسرائيليين والمواليد العرب تنتظر العدد والكثرة،؛ لأن الكثرة قوة وغلبة.
وقد ذكر أن محاضراً ذهب يحاضر في الصين عن خطورة القنبلة الذرية ويحذرهم منها، فضحك الحاضرون، فسأل المحاضر: لم يضحكون؟ قالوا: لأن الصين تفرح ولا تهتم إذا جاءت قنبلة وأخذت مائة ألف أو أكثر من ذلك، فإنه سيبقى في الصين من يرث العالم كله بالتعداد، فالعدد في الأمة إنما هو قوة.
وحدث في مؤتمر ماليزيا عام خمسة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة -وشاركنا فيه- أنهم قدموا قراراً بتحديد النسل تتدخل فيه الدولة، فقلنا لهم: نحن قبل أن نأتي إلى ماليزيا درسنا التعداد السكاني والوضع الاجتماعي.. حتى نكون على بينة، فعرضنا على رئيس اللجنة عدد سكان ماليزيا، فالمسلمون فيهم خمسة وخمسون في المائة، والصينيون خمسة وأربعون في المائة، والصينيون لم يكونوا يحددون النسل عقيدة في ذلك الوقت، أما اليوم فأصبحت القضية عامة، فإذا أصدرتم قراراً بتحديد النسل في ماليزيا الذي سيعمل به المسلمون، فإذا عمل المسلمون بهذا القانون ولم يعمل به الصينيون -وهم أعداؤكم- فبعد خمس سنوات سيقضي هذا القرار على ماليزيا دون أن تشعروا، فألغي القرار وألغي الموضوع؛ بسبب ما سيئول إليه التعداد من الكثرة أو القلة.
وهنا كانوا يخرجون إلى مصلى العيد لإظهار تلك الكثرة أمام الأعداء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث الشباب على الزواج، ونهى عن تحديد النسل على الصحيح، فنهى عن العزل أو كرهه، والله تعالى يقول: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] وأقل شيء أن كل واحدة تأتي بواحد.
وسوداء ولود خير من حسناء لا تلد.
إذاً: كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين لمصلى العيد لأمرين:
الأول: التوسعة على المسلمين، فقد كان مسجده ضيقاً لا يسع لجميع الناس، فخرج بهم إلى الصحراء، وقد كانت الصحراء واسعة قبل أن يحدث البناء الموجود اليوم.
ولما نزل المطر وعم الجميع، وأصبح المصلى ممطوراً صلى بهم في المسجد، وهنا يبحث الفقهاء مسألة صلاة العيدين في المسجد.
فالفقهاء يقولون: إن كان المسجد يسع المصلين فهو أولى وأفضل؛ لأنه معد للعبادة طوال السنة فهو أولى من الخروج إلى المصلى.
والآخرون قالوا: ولو كان يسع فإن السنة الخروج.
ومن قال: إن تعذر الخروج، أو كان فيه مشقة على الناس، فإنهم يصلون في المسجد، ولكن إذا ضاق المسجد بالناس فإنهم يصلون حوله؛ ولهذا ينص المالكية على أن الجمعة تصح في تلك المحلات المحيطة بالمسجد إذا كان يدخل إليها بدون استئذان، مثل المعارض المفتوحة، والدكاكين التي بجوار المسجد، ففي هذه المحلات تصح الجمعة، فإذا امتدت الصفوف من المسجد إلى الشارع إلى المعرض والدكان صحت الجمعة لمن صلى في الدكان ما دام الصف متصلاً بالمسجد، فإذا كان الحال كذلك في الجمعة -وهي آكد من العيد- وحصل مطر وتعذر الخروج إلى المصلى صلينا في المسجد.
وفي الحرمين من زمن بعيد يصلون صلاة العيدين في المسجد، فلو جئت إلى مكة الآن، أو سألت أهل مكة: هل يوجد مكان يمكن أن يصل الإنسان إليه بقدمه أوسع من المسجد الحرام وما حوله؟ يقال لك: لا.
وهل يوجد مكان بسعة المسجد النبوي يمكن أن يصل إليه إنسان برجله؟ خاصة بعد التوسعة الأخيرة والتخلية التي حولها، فالمدينة كلها دخلت في التوسعة، ولم يبق بيت واحد مما كان داخل السور الرسمي للمدينة إلا دخل في توسعة المسجد النبوي.
فالمؤلف رحمه الله يختم البحث بهذا الحديث ليبين لنا أنه إن كان المسجد ضيقاً، ويوجد مصلى للعيد، وليس هناك عذر فالسنة الصلاة في المصلى، وإن كان هناك عذر مانع، أو ما يشق على الناس معه الذهاب إلى المصلى صلوا العيد في المسجد، سواءٌ أكان في المسجدين الشريفين أم المسجد الأقصى، أم أي مسجد كان في أي قرية كانت، وبالله تعالى التوفيق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر