الإسلام واقع، ومنهج حياة، سيظل العالم الإسلامي يعيش في هذا القلق والضنك بعيداً عن منهج الله جل وعلا، وإن أراد السعادة والريادة والسيادة والقيادة، فليرجع إلى أصل عزه ومصدر شرفه وكرامته ألا وهو: لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
إنه الذل لله، والحب لله، والانقياد لمنهج الله، وشرع ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
نعم أيها الأحبة! لقد حقق منهج الله في الأرض الأمن والأمان والسعة والرخاء، والطمأنينة القلبية والسعادة النفسية وانشراح الصدور، لا أقول هذا رجماً بالغيب، ولكنه واقع، ولكنه تاريخ مفتوحة صفحاته لكل من أراد أن يقرأ وأن يتعرف على الحقائق، أقول بملء فمي: لقد حقق منهج الله في الأرض الأمن والأمان، نعم لقد تحقق الأمن والأمان، لا أقول للمسلمين الذين نفذوا منهج الله فحسب، بل للمسلمين ولليهود والنصارى الذين عاشوا تحت ظلال منهج الله في أي بقعة من أرض الله جل وعلا.
إن ذلكم اليهودي -وكلكم يعلم القصة، وغيرها كثير وكثير- اليهودي الذي سرق درع
علي ، و
علي حينئذ كان خليفة المسلمين وأميراً للمؤمنين، ولما رأى
علي درعه عند اليهودي قال: هذا درعي، لا أتركك.
فقال اليهودي: بل هو درعي.
أتدرون ماذا حدث؟ مَثَلَ
علي أمير المؤمنين وخليفة المسلمين مع اليهودي أمام قاضي المسلمين، وقفا في ساحة القضاء أمام
شريح رحمه الله رحمة واسعة الذي ضرب بعدله المثل، ولما دخل
علي مع اليهودي أمام
شريح ، فنادى
شريح على
علي قائلاً: يا
أبا الحسن ! فغضب
علي، فظن
شريح سوءًا، قال: ما الذي أغضبك، فقال
علي -الذي غضب للعدل والحق- قال: يا
شريح! أما وقد كنيتني -أي: ناديت عليَّ بكنيتي وقلت: يا
أبا الحسن - فلقد كان من واجبك أن تكني اليهودي هو الآخر، أي: فإما أن تكنيني أنا وخصمي أو تدع.
ما هذا الخلق وما هذا الدين العظيم؟! ومَثَلَ
علي واليهودي أمام
شريح ، فنظر
شريح إلى
علي وقال: يا
علي ما قضيتك؟ قال: الدرع درعي ولم أبع ولم أهب، أي: لم أهب له هذا الدرع ولم أبعه، فنظر
شريح إلى اليهودي قال: ما تقول في كلام
علي؟! فقال اليهودي: الدرع درعي وليس أمير المؤمنين عندي بكاذب!
خبث ودهاء معهودان: الدرع درعي وليس أمير المؤمنين عندي بكاذب، فنظر
شريح إلى
علي وقال: هل عندك من بينة؟ يقول هذا، لـ
علي وهو أمير المؤمنين، هل عندك من بينة؟ فالبينة على من ادعى واليمين على من أنكر، قاعدة شرعية عظيمة أول من وضعها أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم.
قال
شريح لـ
علي : هل عندك من بينة؟ قال: لا، وكان
شريح رائعاً بقدر ما كان أمير المؤمنين عظيماً، وقضى
شريح بالدرع لليهودي.
وأخذ اليهودي الدرع وخرج، ومضى غير قليل، ثم عاد مرة أخرى ليقف أمام
علي وأمام القاضي وهو يقول: ما هذا! أمير المؤمنين يقف معي خصماً أمام قاض من قضاة المسلمين ويحكم القاضي بالدرع لي! والله ليست هذه أخلاق بشر، إنما هي أخلاق أنبياء، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وقال اليهودي: يا أمير المؤمنين! الدرع درعك ولقد سقطت منك فأخذتها، فنظر إليه
علي مبتسماً وقال: أما وقد شرح الله صدرك للإسلام فالدرع مني هدية لك!
هذا الأمن والأمان لمن؟ لأبناء يهود، تحت ظلال الإسلام الوارفة.
ذاك يهودي، وهذا نصراني قبطي سبق ابن
عمرو بن العاص في مصر، وغضب ابن والي مصر كيف يسبقه القبطي؟! وجاء بعصا وضرب هذا القبطي في رأسه وقال: خذها وأنا ابن الأكرمين!
وما كان من هذا القبطي الذي عرف عظمة الإسلام إلا أن يسابق الريح إلى واحة العدل، إلى المدينة المنورة زادها الله تشريفاً وتعظيماً وتكريماً، إلى أمير المؤمنين، إلى فاروق الأمة
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويرفع له الشكوى.
فما كان من
عمر إلا أن يرسل فوراً بأن يأتي ابن
عمرو وأبوه
عمرو ؛ لأن ابنه ما تجرأ على فعلته إلا لوجود أبيه.
ويأتي
عمرو بن العاص والي مصر مع ولده، فيقفان أمام أمير المؤمنين
عمر رضي الله عنه، ويقف القبطي ويدفع
عمر العصا للقبطي ويقول له: اضرب ابن الأكرمين!
هذا إسلامنا، هذا هو العدل في ديننا، هذه عظمة دين محمد صلى الله عليه وسلم!
ويأخذ القبطي العصا ويضرب رأس ولد
عمرو ، ويقول
عمر قولته الخالدة التي لا تكتب بماء الذهب فحسب، وإنما تكتب بماء من النور: يا
عمرو ! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً!
لله ما أورعه وما أتقاه وما أنقاه، ولله ما أعظم إسلامنا! يا
عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟! ذاك يهودي وهذا قبطي!
ويوم أن فتح
أبو عبيدة بن الجراح بلاد الشام وفرض عليهم الجزية شريطة أن يدافع عنهم وأن يحميهم من شر الروم على أيدي
هرقل ، ويوم أن سمع
أبو عبيدة رضي الله عنه بأن
هرقل قد جهز له جيشاً جراراً، خاف ألا يستطيع أن يدافع عن هؤلاء الذين أخذ منهم الجزية، فرد عليهم الجزية مرة أخرى وقال: لقد سمعتم بـ
هرقل وأنه قد جهز لنا جيشاً، ونخشى ألا نتمكن من الدفاع عنكم فخذوا جزيتكم، وإن نصرنا الله عليهم عاودنا الحماية والدفاع عنكم مرة أخرى.
أي دين هذا! هذا منهج الله يحقق الأمن والأمان في أرض الله، لا للمسلمين فحسب، وإنما لليهود وللنصارى الذين عاشوا في ظلاله الوارفة اليانعة!
نريد أن تتضح الحقائق لهؤلاء الذين يخافون من دين الله عز وجل الذي وفر لهم الأمن والأمان أكثر مما وفرته لهم دياناتهم وقوانينهم ومواثيقهم.