إسلام ويب

كلمة إلى شباب الأمةللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • واجب الشباب تجاه الأمة الإسلامية عظيم جداً، فهم عمادها، وبهم يكون عزها ومجدها، وعلى الشباب أن يدركوا عظم المسئولية الملقاة على عواتقهم، وأن يقوموا بواجبهم وفق شرع الله عز وجل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أسوة وقدوة في النهوض بالأمة، وإخراجها من الذلة والمهانة إلى الرفعة والعزة والمجد والنصرة والتمكين.

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.

    هذه كلمة إلى شباب الأمة، فهم أغلى ما تمتلك الأمة، الأمم بصفة عامة تمتلك مقدرات كثيرة: مقدرات مالية، مقدرات عسكرية، مقدرات جغرافية، مقدرات إستراتيجية، لكن أغلى ما تمتلك الأمة من المقدرات هي المقدرات الإنسانية، والشباب أغلى هذا المقدرات، بنظرة إلى شباب الأمة تستطيع أن تستقرئ مستقبلها، فلو نظرنا إلى شباب أمة الإسلام، ماذا نتوقع أن يكون المستقبل؟ لا داعي إلى الإجابة على هذا السؤال، لكن لنراجع، نتائج استطلاع فعلته بين شباب إحدى الكليات، كان عندي ندوة في كلية وكانت بعنوان (مشكلات الشباب)، والكلية هذه تمثل شريحة من الشباب المسلم، شريحة من العالم الإسلامي، فماذا كانت مشكلات الشباب المسلم؟ عندما أتيح لكل شاب أن يقول: مشكلتي كذا وكذا، قطاع ضخم من الشباب قال: أن خائف من البطالة، خائف أن أكمل الكلية ولا أجد عملاً، ولو وجدت عملاً فقد لا أتعين بكفاءتي، بسبب تدخل عوامل الرشوة والمحسوبية والوساطة وغير ذلك.

    وقالت مجموعة من الشباب: مشكلتنا تأخر الزواج، فأنا لا أتزوج إلا عند سن ثلاثين سنة، أو عند سن خمس وثلاثين سنة، وأحياناً عند سن أربعين سنة، يعني: لا أتزوج حتى أكون نفسي، فيظل عشرين ثلاثين سنة يكون نفسه إلى أن يتزوج، فيكون قد فقد زهرة شبابه.

    وقال بعضهم: الاختلاط البشع بين الرجال والنساء، وما يتبعه من آثار سلبية ضخمة على المجتمع.

    وقال بعضهم: انتشار المخدرات مشكلة ضخمة يعاني منها الشباب في جامعة من الجامعات المصرية، في جامعة من الجامعات المسلمة في بلد مسلم، وهذا أمر لا يتوقع عقلاً.

    وقال بعضهم: الفجوة الهائلة بين الأجيال، أنا لا أفهم أبي وأمي، وأمي وأبي لا يفهماني، وأنا لا أفهم أستاذي، وأستاذي لا يفهمني، هناك فجوة ضخمة ما بين الجيل الذي قبلنا ونحن وبين الجيل الذي سيأتي بعدنا، تغيرات هائلة في المجتمع.

    وقال بعضهم: أنا مشكلتي في العادة السرية. فهذا الصنف من الشباب فقد السيطرة تماماً على شهوته.

    وهذا شخص أو مجموعة من الأشخاص مشكلتهم التخلف الدراسي، وصعوبة مناهج التعليم، والإحساس بأنه لا توجد مادة يتعلمها الشخص فتفيده، ولكن هي أشياء يحشي بها مخه إلى أن يمتحن الامتحان وبعد الامتحان ينسى كل شيء امتحنه.

    وبعضهم مشكلته أنه مرتبط بصديقة له عاطفياً، لكن لا يزال الوقت متأخراً على الزواج، فهو لا يعرف ماذا يعمل.

    وبعضهم مشاكله اقتصادية لا توجد أموال ولا يوجد أمل أن تكون عنده أموال.

    هذا كان نموذجاً من المشاكل التي عرضت لي في الأوراق التي جمعتها أو قريباً منها، ومع أن معظم هذه المشاكل تعتبر مشاكل حقيقية، إلا أنني أحبطت جداً لكون هذه المشاكل هي كل مشاكل شباب أمة الإسلام، هل يعقل أنه لا يوجد شاب واحد يقول: أنا مشكلتي الرئيسية أن هناك بلاداً إسلامية كثيرة محتلة من قبل أعداء الله، وأنا لا أعرف ماذا أعمل لها مثل: فلسطين، العراق، أفغانستان، الشيشان، كشمير غيرها؟!

    لا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي أنه لا يوجد بلد إسلامي يطبق شرع ربنا سبحانه وتعالى على وجه الأرض تطبيقاً صحيحاً؟!

    لا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي أن هناك هجمات إعلامية شرسة على الإسلام، وأنا لا أستطيع الرد بصورة كافية؟!

    لا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي أن مواقع الإنترنت فيها سب للرسول صلى الله عليه وسلم وبصورة بشعة، وأصبحت هذه المواقع لا تحصى ولا تعد؟!

    لا يوجد شخص يقول لي: أنا مشكلتي حالة الفقر والجهل والتأخر التي عمت بلاد المسلمين؟!

    لا يوجد أحد يقول لي: أنا مشكلتي الديون المتراكمة على الأمة، والتي جعلتها تسير في طرق مظلمة إلى طرق أشد إظلاماً؟!

    لا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي الظلم الذي يقع على عاتق الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها؟!

    ولا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي أن هناك ناساً كثيرين في الأرض لم تسمع عن دين الإسلام، أو لم تسمع عنه إلا كل تشويه وتبديل وتغيير؟!

    يا شباب الإسلام أليس منكم رجل رشيد؟! من لهذه المشاكل إذاً؟! يا ترى من يحل مشاكل أمة الإسلام؟! يا ترى هل يحلها الكبير الذي عمره خمسون سنة أو ستون سنة؟! يا ترى هل يحلها الغرب؟! يا ترى هل تحلها الأمم المتحدة أو صندوق النقد الدولي؟! من لمشاكل أمة الإسلام يا شباب أمة الإسلام؟! تعرفون ما هي أكبر مشاكل أمة الإسلام؟ أكبر هذه المشاكل: هي فقد الطموح، واضمحلال الهدف، يصبح الحلم كله زوجة، وبيتاً، وسيارة، وشركة، هذه ليست أحلاماً سيئة، لكن لا يصح أن تكون هي كل الأحلام، بل إن كل طموح بعض الشباب يكون في (موبايل) جديد، أو رنة (موبايل) جديدة، أو في فسحة جديدة، أو في صديقة جديدة، أو في قصة جديدة، أو فيلم جديد، أو مسرحية جديدة، لعلكم قرأتم بالجرائد عن فيلم هزلي جداً أرباحه ثلاثة وعشرين مليون جنيه مصري، من يدفع كل هذه الأموال؟ إنهم شباب أمة الإسلام.

    أحياناً الشاب يخسر أصدقاءه من أجل مباراة كرة قدم، بعض الشباب يعطل المرور على كل السيارات؛ لأنه فرحان بفوز فريقه الرياضي، وبعض الشباب يدخل الأستاد الرياضي وهو يحمل كميات كبيرة من الحجارة لماذا؟ الشباب في فلسطين يرمون الدبابات اليهودية بالحجارة، والشباب في مصر يرمون جمهور الفريق الثاني بالحجارة، يرمي جاره وصديقه وقريبه، مع أنهم متفقون في الدين والعقيدة والمواطنة والبلد والمرحلة العمرية، وفي المستوى الثقافي، لكنهم مختلفون في الفريق الذي يشجعونه، فحدثت المأساة، وبدأ التراشق بالحجارة، ماذا حدث يا شباب أمة الإسلام؟ أتراها قسوة مني عليكم أم رحمة مني بكم؟ هل تعتقدون أني أحملكم فوق طاقتكم؟ هل أنتم فعلاً كما يقال: ما تزالون صغاراً؟ أم يا ترى الصغير فعلاً هو الصغير في العمر أم الصغير في الفكر والفهم، والصغير في الدين، والصغير في الخلق، والصغير في الهدف؟ من هو الصغير؟! أحب أن أخبرك أخي الشاب عن معلومة هامة جداً: إذا بلغ الطفل سن البلوغ أصبح مكلفاً، يعني: كل خطوة وحركة وسكنة محسوبة عليه، والله سبحانه وتعالى الذي خلقه يعلم قدراته وإمكانياته، فإذا تخلف عن الصلاة فإنه سيعاقبه بالنار يوم القيامة، وإذا تعاطى المخدرات عذبه يوم القيامة، وإذا انتهك حرمة من حرمات الناس أو حرمة من حرمات الدين عذبه يوم القيامة، لقد أصبح الطفل رجلاً مكلفاً مسئولاً منذ بلغ.

    إذاً: لا ينفع أن تكون هموم طالب المستوى الثانوي هي هموم الطفل، لا، فهو لم يعد طفلاً لقد أصبح رجلاً، ولا ينفع لطالب الجامعة أن يقضي كل فترته الجامعية في فسح وأغان وحفلات وسينمات وتمشية على الكورنيش، وألعاب فيديو وبلياردو، لا، وقتك هذا أنت مسئول عنه، وأنت محاسب عليه، وفترة الشباب من الأشياء التي ستسأل عنها يوم القيامة، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وعن شبابه فيما أبلاه)، هذه الفترة العمرية بالذات ستسأل عنها سؤالاً دقيقاً؛ لأن الله عز وجل أعطاك فيها عطاء جماً كبيراً، وعلى قدر النعمة يكون السؤال، وأنت أعطيت في شبابك نعماً ضخمة جداً، من صحة، وقوة، وفكر، وعقل، وإمكانيات ستسأل عن كل ذلك، ثم أنت لماذا لا تعرف إمكانياتك وطاقاتك؟ هل أنت فعلاً صغير؟ لا يا أخي، الإسلام ينظر إليك نظرة مختلفة تماماً عن نظرة عموم الناس لك، بل مختلفة تماماً عن نظرتك أنت شخصياً لنفسك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088972458

    عدد مرات الحفظ

    780270396