وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر الأحبة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وبياكم، وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته كما قال: إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، وأسأله سبحانه أن يفرج هم المهمومين، ويكشف كرب المكروبين، وأن يقضي الدين عن المدينين، وأن يدل الحيارى ويهدي الضالين، ويغفر للأحياء وللميتين.
نحن وإياكم في محاضرة بعنوان: قصة بطل، لأن حاجتنا للأبطال في هذه الأيام ماسة، فقد كثر الأبطال بالأقوال، وقل الأبطال بالأفعال.
فنحن بحاجة إلى رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]، نحن بحاجة إلى أولئك الذين يعيشون لهدف وغاية هي: أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تكون كلمة الذين كفروا السفلى، أولئك الأبطال الذين ضحوا بكل غال ونفيس، أولئك الذين على أيديهم تتحقق البطولات، وعلى أيديهم يتغير الواقع، وعلى أيديهم تنهض الأمة من الحال التي تمر بنا في هذه الأيام إلى حال العز والمجد والتمكين.
إن هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس، أمة معطاءة، أمة متجددة، مهما تكالب عليها الأعداء، واشتدت عليها الظروف، فقد قال صلى الله عليه وسلم مبيناً فضل هذه الأمة: (أمتي كالمطر).
وقال عن هذه الأمة: (من أمتي سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، واستزدت ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً).
إنه والله لفضل عظيم، فأمة بهذه الفضائل، وبهذه المميزات لابد أن يكون فيها أبطال، أبطال أفعال لا أبطال أقوال.
إن كل مسلم في أدنى الأرض وأقصاها لا يخفى عليه هذا البطل، فلقد ارتبطت انتصارات الأمة ماضياً بهذا الاسم العظيم، إنه خالد وما أدراك ما خالد ، مضى خالد ولكن اسمه بقي خالداً في حياة المسلمين، إنه خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، من خالد قبل الإسلام؟ لا شيء يذكر، فالذي صنع خالداًً هو الإسلام، والإسلام الذي صنع خالداً قادر على أن يصنع أمثاله، فالإسلام الذي أخرج مثل خالد قادر على أن يخرج أمثال خالد .
ملكنا هذه الدنيا قروناً
وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء
فما نسي الزمان وما نسينا
بنينا حقبة في الأرض ملكاً
يدعمه شباب طامحونا
شباب ذللوا سبل المعالي
وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهم فأنبتهم نباتاً
كريماً طاب في الدنيا غصونا
إذا شهدوا الوغى كانوا حماة
يدكون المعاقل والحصونا
شباب لم تحطمه الليالي
ولم يسلم إلى الخصم العرينا
وإن جن المساء فلا تراهم
من الإشفاق إلا ساجدينا
ولم تشهدهم الأقداح يوماً
وقد ملئوا نواديهم مجونا
وما عرفوا الأغاني مائعات
ولكن العلى طابت لحونا
فعلى أمثال أكتاف هؤلاء الشباب تنهض الأمة من الحال الذي تعيشه في هذه الأيام، حتى يتربى الأبطال فلابد أن يقرءوا سير الأبطال، حتى يتأثر الرجال، وأي سيرة أعظم من سيرة هذا البطل الذي صنعه الإسلام، إنه خالد ؟ وما أدراك ما خالد ، خالد الذي صال وجال ضد الإسلام يوماً، توقف مع نفسه وفكر، وقال في نفسه: والله لقد ظهر الحق واستقام النسب، وإن هذا الرجل لرسول. لقد رأى أطناب الإسلام بدأت تضرب بقوة في شرق الجزيرة وفي غربها، وهكذا الحق يبدأ ضعيفاً، ثم يقوى شيئاً فشيئاً حتى يهلك الباطل.
سبحان الله! فكر خالد ونعمة العقل نعمة عظيمة يملكها الكثير، ولا يستعملها إلا القليل، فلو أن كل إنسان صالح أو طالح فكر في مصيره ومآله؛ لازداد الصالح في صلاحه، ولكان الطالح على غير الحال التي هو عليها.
ففكر خالد ودبر وقدر؛ فتبين له أن الحق واضح، فقال في نفسه: أما من رجل يصاحبني إلى المدينة حتى أظهر إسلامي، فالتقى رجلاً آخر فذاً من الأفذاذ، وبطلاً من الأبطال، إنه عثمان بن طلحة ، فأخبره خالد بالخبر الذي يريده، فقال: وأنا معك يا خالد ، فخرجا سوياً حتى إذا استويا خارج وادي مكة إذا بثالث من دواهي العرب يسير في طريقه أيضاً، فإذا هو داهية العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، فقال لهما: إلى أين تذهبا؟ فبينا له الوجهة التي سينطلقا إليها، فقال: والله! هذا ما أردت.
فالإسلام حياة جديدة شعارها الاستسلام لله، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (والله يا
أيها الناس! إن نعمة العقل نعمة عظيمة، فلو أن كل إنسان فكر في نفسه، وفكر في حاله لتبين له أن بعد هذه الحياة موت، وبعد الموت قبراً، وبعد القبر نشوراً وحساباً، وبعد الحساب جنة أو ناراً، فصاحب العقل السليم يعمل حتى يفوز بجنة الله، وينجو من عذابه، وهكذا فعل خالد ومن معه.
لقد خرج خالد في جيش أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لملاقاة الروم الذين خانوا العهود والمواثيق، فهم الذين أرسل إليهم رسولاً فخانوا مواثيق الأرض كلها، وخانوا الأعراف كلها، فقتلوا ذلك الرسول الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم أن شوكة الإسلام ليست بالشوكة الهينة، وأن جند الإسلام على استعداد للتضحية من أجل دينهم، فأرسل قلة قليلة لا تتجاوز الثلاثة آلاف لكنها أرعبت الروم حين خروجها، فخرجت الروم في جحافل كثيرة تعدادها أكثر من مائة وعشرين ألفاً، فبالله عليك! ثلاثة آلاف ماذا سيصنعون أمام مائة وعشرين ألفاً؟ لكن أمة الإسلام أبداً لا تقاتل بالعدة والعتاد، مع أنها مطالبة بإعداد ذلك، ولكنها تستجلب النصر من السماء وليس من الأرض: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160]، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:13]، ومثلها قوله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249].
دارت رحى معركة من أشد المعارك، فهناك قلة قليلة ثابتة أمام جحافل كثيرة؛ لكن الإيمان يصنع جبالاً رواسي أمام تيارات الكفر.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينقل لأصحابه وقائع المعركة: (حمل الراية
ومن شدة المعركة قال خالد : تكسر في يدي في تلك المعركة تسعة سيوف، ولم تصمد في يدي إلا صفيحة يمانية.
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( ولقد حمل الراية سيف من سيوف الله، ولقد حمى الوطيس ).
ثم خرج خالد ومن معه من أرض المعركة بخطة عبقرية فذة تدرب إلى الآن في ميادين القتال، ولم يستطع الروم أن يتتبعوا ذلك الجيش الصغير.
وانتظرت المدينة قدوم ذلك الجيش، فالصغار والكبار ينتظرون رجوع ذلك الجيش، لكن بأي وجه استقبل الأطفال ذلك الجيش؟ لقد استقبلوا خالداً ومن معه في أزقة المدينة بالحجارة وهم يقولون لهم: تفرون من الموت في سبيل الله؟ فيرمونهم بالحجارة ويقولون لهم: يا فرار يا فرار! فالصغار يعيرون الكبار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله).
ولو تأملنا الصورة بالأمس والصورة باليوم لرأينا عجباً، فبالأمس كان صغارنا يستقبلون الجيش ومن معه في أزقة المدينة، وكانوا يقولون لـخالد ومن معه: إلى أين يا فرار؟!
واليوم صغارنا، يستقبلون غانية ومطرباً بيده قيثار
ولاعباً في صالة المطار
بالورود والأزهار
متار متار
هذا زمان العار
من طنجة إلى قندهار
معتقل يعيش حالة احتضار
أمتنا ليس لها قرار
أمتنا ألعوبة باليمين واليسار
نرجو صلاح الدين ندور في مأساتنا
حتى أصابنا الدوار
لكن لا خيار
من موتنا فوق شغار السيف
حتى يصير الشوك جل نار
موقنون يا متار
بحرقة المشوار
فإن النصر مع الصبر والصراط فوق النار
هذه باختصار قصيدة اعتذار
عن أمة تعدادها مليار ليس لها قرار
ثم يرجع خالد ظافراً من مؤتة، ومنتصراً انتصاراً عظيماً يوم أن خرج بجيشه من تلك المهلكة.
فمهما علا الباطل وظهر فسيأتي يوم ويظهر الحق بشرط أن ينتصر أهل الحق للحق، بشرط أن نأخذ الكتاب بقوة كما أمر يحيى عليه السلام: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم:12].
فدخل خالد فاتحاً فتذكر الأيام الماضية وهو يرى تلك الأصنام التي تعبد وتقدس وتمجد من دون الله سبحانه وتعالى، أين نعمة العقل؟ آلهة لا تنفع ولا تضر ولا تملك لنفسها حياة ولا نشوراً، فتذكر خالد ذلك واسترجع وقال: كيف كنا نقول: يا عزى سبحانك؟! بل يا عزى كفرانك، لقد رأيت الله قد أهانك، فحمد الله أنه دخل مكة فاتحاً ولم يدخل الإسلام بعد فتح مكة، لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى الحديد:10].
فمن فضائل هذه الأمة: أن الله يبعث لها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.
فشاور أبو بكر الصحابة في أمر تلك الأزمة، فمنهم من رأى أن من الحكمة البقاء في المدينة حتى تنجلي الأزمة؛ لأن هناك جيشاً صغيراً أعده النبي صلى الله عليه وسلم بقيادة شاب من الشباب في السابعة عشرة من عمره، وسبحان الله! قواد الجيوش شباب، وكتاب الوحي من الشباب، وكتاب السنة وحفاظها هم الشباب، وأهل المشورة هم الشباب، فأين الشباب اليوم عن هذا الدور العظيم؟!
إن أمة الإسلام اليوم في أمس الحاجة إلى شبابها الذي تربى على تقوى من الله ورضوان.
لقد كان لـأبي بكر نظرة في تلك الأزمة وهي: أنه لابد من الانتصار لهذا الدين مهما كان الثمن؛ لأن سنة الله لا تتغير ولا تتبدل، والله لا يحابي أحداً في سننه، إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
فأشاروا على أبي بكر بالبقاء فقال: لا والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله! لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، أينقص الدين وأنا حي؟! فنصر الله الدين بشخص أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
فخرج أبو بكر قائداً عليهم؛ حتى يعطي للأمر أهمية، وحتى يعلم المسلمون أن القضية قضية خطيرة ومهمة، فانتصر في أول اللقاءات، ثم رجع إلى المدينة وأعد العدة وأراد الخروج، فقال له علي وكبار الصحابة: نقول لك يا أبا بكر ! كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: لا تفجعنا في نفسك يا أبا بكر ! فلبث وجلس في المدينة مضطراً، لكنه عقد الألوية، وأرسل الرجال في أطناب كثيرة يمنة ويسرة، وكلم خالداً قبل أن يمضي قائلاً له: لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نعم العبد
ولقد اجتمعت فلول المرتدين وقوي شأنها وردت من ردت من فلول المسلمين، وكان أكبر تجمع للمرتدين في أرض اليمامة وهم قوم مسيلمة الذي ادعى النبوة كاذباً عليه من الله ما يستحق، وكان قد جمع أكثر من أربعين ألف رجل، فتصدت له بعض جيوش المسلمين فردهم على أعقابهم، فقال أبو بكر : ليس لها إلا البطل خالد رضي الله عنه وأرضاه، فالرجال يعرفون في الأزمات، قال الله جل في علاه: فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد:21].
وهل هم فقط؟ لا، ولكن لكل من سار على طريقهم: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].
فدارت رحى معركة ضروس لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، فإن العرب إذا التقوا مع العرب كان اللقاء أخطر مما تتصور، فبدأت الأشلاء تتقطع، والرءوس تتطاير، والبطون تبقر، والدماء تسيل، فرأى خالد في هذه الحالة أن علامات الهزيمة بدأت تظهر على المسلمين فبحث عن السبب، فوجد السبب أن روح المسئولية بدأت تضعف في حياة الرجال، واليوم هذه الروح فقدت في حياة المسلمين، فمن يتصدى لآهات المسلمين هنا وهناك ويقول: أنا لها؟ ومن يتصدى لقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)؟ ومن يقول: أنا لهذه الأزمات التي تمر على أمة الإسلام؟ لا يقوم بذلك إلا رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23].
فميز خالد الصفوف: فميز المهاجرين عن الأنصار، وميز أبناء كل أب وجعلهم تحت راية أبيهم، ثم قال لهم: اليوم نعرف من أين تأتي الهزيمة، فارتفعت معنويات الرجال، وصالوا وجالوا، وقتلوا وارتفعت الآيات والتكبيرات والتهليلات، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:4-7].
فتمايز الرجال، وارتفعت التهليلات والتكبيرات وأقبلت ريح الجنة، فصال الرجال وجالوا، وكروا وفروا، وأثخنوا في العدو الجراح، وقطعوا الأشلاء، وبقروا البطون، وأسالوا الدماء، كل ذلك من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، فلجأ مسيلمة ومن معه إلى حديقة الموت، فارتفعت همم الشباب في التضحية والبذل والعطاء من أجل نصرة هذا الدين، فالناس في سباق إلى الله جل في علاه، فإن استطعت ألا يسبقك أحد إلى الله فافعل.
فقد قيل لأحدهم في ميدان المعركة: إنا نخاف أن نؤتى من قبلك، فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي.
وآخر يحفر حفرة حتى رجليه ويقول لقومه: والله لا أتكلم بكلمة حتى ألقى الله فأدلي إليه بحجتي، فلما دخل القوم إلى حديقة الموت وأغلقوا الأبواب ظنوا أنهم في معزل عن أولئك الرجال الأبطال، فقال خالد بن الوليد : أين أنت يا فتى الأنصار؟ يعني: البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه، وكان نحيل الجسم لكنه قوي الإيمان، وقد كانت أول عملية استشهادية حدثت في الأرض كانت في تلك المعركة، فقال لهم البراء: احملوني على الترس، وارفعوني بالرماح ثم القوني في حديقة القوم، فإما الشهادة، وإما النصر.
فرفعوه ورموه في الحديقة، فقاتل القوم وحيداً منفرداً حتى فتح الله على يديه وبجسده النحيف أكثر من ثمانين ضربة بسيف، وطعنة برمح.
وانطلقت فلول المسلمين تقتل في فلول المرتدين حتى أثخنوا فيهم الجراح، وعلم أولئك القوم أن خلف هذا الدين رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]، فانفضت وانقشعت تلك الأزمة التي كادت أن تفني الدولة المسلمة.
ولما وصل خالد إلى العراق بدأ يرسل الرسل، ويكتب الكتب إلى ملوكها وسلاطينها، وكان مما كتب لهم: من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فله ما لنا، وعليه ما علينا، وإلا فإني أتيتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة، ويرغبون في الآخرة كما ترغبون أنتم في الدنيا.
وهذا هو الفرق بيننا وبينهم، وصدق نبي الهدى والرحمة حين قال: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: يا رسول الله! أو من قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع من صدور أعداءكم المهابة، ويقذف في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
فهذا هو المرض الذي تعاني منه الأمة في هذه الأيام، فكان أبو بكر يرسل الرسل، ويرسل الجيوش ويقول لهم: احرصوا على الموت توهب لكم الحياة.
سبحان الله! لقد حرصوا على الموت فسادوا على مشارق الأرض ومغاربها، فبدأ خالد انتصاراته في العراق بدءاً بذات السلاسل، وانتهاء بالفرات في أعلى العراق.
وبدأت الروم تجمع فلولها فسمع أبو بكر بالخبر، فقال: ليس لها إلا خالد ، والله! لأنسين الروم وساوس الشيطان بـخالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، فأرسل إليه يأمره بالتوجه من العراق إلى الشام، فقطع المسافة في مدة قصيرة على أرض لم يقطعها قبله إنس ولا جان، فالرجل على أتم الاستعداد للبذل والعطاء مهما كان الثمن، فما أحوجنا لمثل هؤلاء الأبطال.
فلما وصل خالد إلى الشام جمع الجيوش، ووحد الصفوف، وتلا عليهم القرآن، وذكرهم بالله وبالدار الآخرة، وذكرهم بفضل الشهداء عند الله جل في علاه، وما أعده الله لهم في جنات النعيم، وبين لهم أن الله اشترى وهم باعوا الأنفس والأموال على أن يكون الثمن الجنة، وما أعظمها من صفقة، وعد سابق وعهد صادق، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122] ، وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6].
فذكرهم خالد بالله وقال لهم: هذا يوم من أيام الله أخلصوا فيه الجهاد لله، واطلبوا الله والدار الآخرة في جهادكم هذا، ثم نزع حب الإمارة من قلوب الرجال فقال: الإمارة بيننا وبينكم يتولاها كل رجل منا يوماً، فلقد ظنوا أن المعركة ستطول؛ لأن تعداد فلول الكفار أكثر من مائتين وأربعين ألفاً، وفي المقابل فئة قليلة لا تتجاوز الثلاثين أو الأربعين ألفاً لكن قلوبهم مليئة بالإيمان، ففي ليلة المعركة كانوا قياماً يقرأون سورة الأنفال، في ثبات واستعداد للبذل والتضحية، فهناك وعد من الله إذا تضرعوا واستغاثوا: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9].
فإذا كان الأعداء الآن عندهم قنابل ومدافع ودبابات فإن الله تعالى قد أيدنا بإسرافيل وميكائيل وجبرائيل، وأيدنا بملائكته تقاتل مع المؤمنين، فماذا تصنع أسلحتهم مع جنود الرحمن؟
قال ماهان : أخبرنا أنه ما أخرجكم من دياركم إلا الفقر والجوع والحاجة، فإن شئتم أعطيت كل واحد منكم طعاماً وشراباً وعشرة دنانير ذهب ودابة، ثم ترجعون إلى أرضكم وتعودون من السنة القابلة أعطيكم مثلها، فهو يريد أن يكسر عزة المؤمن، وأنى له أن يكسر العزة المستمدة من القرآن ومن النور النبوي؟!
فقال له خالد : أما والله! ما أخرجنا الجوع ولا العطش ولا الفقر، ولكننا قوم نحب أن نشرب الدماء، ولقد أخبرنا أن دماء بني الأصفر من أطيب الدماء فمن أجل ذلك خرجنا، ثم كبر خالد رضي الله عنه وكبر الرجال وبدأت السيوف تعمل في رقاب الكفار: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12].
وبدأت التضحيات والمآثر تظهر بين الرجال، فهذا رجل يقول لـأبي عبيدة : يا أبا عبيدة ! إني عزمت على الشهادة فهل من وصية أبلغها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو عبيدة : أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام، وقل له: إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].
قال الله جل في علاه: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [المجادلة:5].
فأي قوة تستطيع أن تذل تلك الفئة المؤمنة التي تستمد العزة من القرآن؟! والله تعالى يواسي الأمة في كل حين وفي كل مكان إذا اشتدت بها الأزمات فيقول: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:139-141]، وقال: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].
وقال: ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3].
وقال: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179].
وقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة:43].
فالرجال يعرفون عند الشدائد والمدلهمات، وهنا لك تظهر معادن الرجال، فما أحوج الأمة اليوم إلى ذلك.
ها هو الأقصى يلوك جراحه
والمسلمون جموعهم آحاد
يا ويلنا ماذا أصاب رجالنا
أو مالنا سعد ولا مقداد
فانتصر الرجال في معركة من أعظم المعارك، وأبلوا بلاء حسناً، فانتهت المعركة وحسمت في يوم واحد، فمن كان يظن أن هذه الفئة القليلة تستطيع أن تحسم المعركة في يوم واحد؟! فلقد بدأت المعركة من طلوع الشمس وما غابت الشمس إلا والمعركة قد حسمت، وصلى خالد في خيمة ماهان .
لقد خاض خالد سنوات طوالاً في أرض المعارك، فلو كشف عن جسده لرأيت كل موضع فيه ضربة بسيف أو طعنة برمح فلله در ذلك البطل، وقد طلب خالد الشهادة في مضانها هنا وهناك، وخاض أكثر من مائة معركة ولكن الله قضى على خالد أن يموت على فراشه، فلا نامت أعين الجبناء.
فمن أخبار خالد أنه كان يقول: والله ما ليلة بتها والسماء تظلني والأرض تقلني في سرية من المهاجرين في ليلة دافئة أحب إلي من ليلة أدخل فيها على عروس أو أبشر بغلام.
فانظر إلى الهمم، وقل لي: أين نحن من هؤلاء؟ كان إذا اشتدت المعركة وحمى الوطيس طأطأ برأسه إلى الأرض ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم ناجى الله ثم قال: والله! ما هو إلا الموت والجنة وما إلى المدينة من سبيل.
وقال فيما قال: شغلني الجهاد عن تعلم كثير من القرآن، فماذا شغل الشباب اليوم عن الآيات وتدبر القرآن؟ هل شغلهم الجهاد والإعداد والاستعداد أم شغلتهم القنوات والمباريات عن تدبر آيات الله؟
إن الأمة لن تنهض إلا على أكتاف الشباب، ولن تقوم للأمة قائمة ويتبدل الحال إلا على أكتاف الشباب. والشباب المسلم هم الذين جعلوا خالداً ومن معه قدوة لهم وساروا على طريقهم فتشبهوا بهم، فإن التشبه بالصالحين فلاح.
فاليوم والظروف كما يعلم القاصي والداني من تآمر الكفار يمنة ويسرة على أن يطفئوا نور الله ولكن: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].
إن الإسلام يصنع الرجال كأمثال خالد وكـخطاب وغيرهما من الرجال، وسبحان الله يموت كل يوم العشرات بل المئات بل الألوف ولكن لا يعني موتهم شيئاً، ويموت واحد فتفجع الأمة في أدنى الأرض وأقصاها لفقده.
لعمرك ما الرزية فقد مال
ولا شاة تموت ولا بعيرُ
ولكن الرزية فقد فذ
يموت بموته خلق كثير
فاليوم والأزمة تشتد لابد من التفاؤل، ولابد من بث روح الانتصار، ورفع المعنويات بين أفراد الأمة، إنها سحابة صيف وستنقشع بإذن الله، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9].
نعم أيها الناس! إن هذا الدين سينتصر بعز عزيز أو بذل ذليل، لكن أين دوري ودورك؟ وأين دورك أنت أيتها الصالحة المؤمنة؟ فالإسلام اليوم في أمس الحاجة لجهد كل واحد منا، وإن أعظم ما نقدمه للإسلام اليوم أن ننتمي للإسلام حقيقة الانتماء، وأن نطبق الإسلام واقعاً ملموساً في حياتنا، وأن نحافظ على الصلوات، ونعمر المساجد، وننتهي عن المحرمات.
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم التفاؤل في الأزمات، فما ضاقت إلا فُرجت، وبعد الليل فجر سواء طال الليل أو قصر.
متفائل واليأس بالمرصاد
متفائل بالسبق دون جيادِ
متفائل رغم القنوط يذيقنا
جمر السياط وكثرة الجلاد
متفائل بالغيث يسقي روضنا
وسماؤنا شمس وصحو باد
متفائل بالزرع يخرج شطأه
رغم الجراد كمنجل الحصاد
متفائل يا قوم رغم دموعكم
إن السما تبكي فيحيا الوادي
والبحر يبقى خيره أتضره
يا قومنا سنارة الصياد
فدعوا اليهود بمكرهم وذيولهم
نمل يدب بغابة الآساد
متفائل بشرى النبي قريبة
فغداً سنسمع منطقاً لجماد
حجر وأشجار هناك بقدسنا
قسماً ستدعو مسلماً بجلاد
يا مسلماً لله يا عبداً له
خلفي يهوديُّ أخو الأحقاد
فطهر تربنا من رجسه
لا تبق دياراً من الإلحاد
قسماً بمن أسرى بخير عباده
وقضى بدائرة الفناء لعاد
لتدور دائرة الزمان عليهم
ويكون حقاً ما حكاه الهاد
هذا يقيني وهو لي بل للصدى
والكأس غامرة لغلة صاد
فاجعل يقينك بالإله حقيقة
واطمع بكفك صارماً لسداد
وإذا قطعت الرأس من حياتهم
لا تنس أذناباً بكل بلاد
إن هذا الدين سينتصر بـخالد وبغير خالد ، فالأمة التي أخرجت خالداً قادرة على أن تخرج أمثال خالد ، واليوم نرى تباشير الصباح قد ظهرت وأشرقت، فهاهم الشباب يعمرون المساجد، وهاهي الفتيات يتزين بزينة الإيمان، وهاهم الآباء في وسط هذه الأحداث يحثون الصغير والكبير على التمسك بهذا الدين.
أبي الإسلام لا أب لي سواه
إذا افتخروا بقيس أو تميمِ
إن هذا الدين سيظهر بعز عزيز أو بذل ذليل، لكن ما هو الدور الذي ينبغي أن أقوم به أنا وأنت وأنت؟ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ * وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:7-8].
وقال جل في علاه: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر