يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم صغاراً وكباراً، وأهلاً بكم رجالاً ونساءً، وأهلاً بكم في محاضرة عنوانها: حوادث على الطريق.
عناصر اللقاء ستكون كما يلي:
بعد الحمد وقبل البداية تحية، ثم السيارة نعمة أم نقمة؟ ثم أرقام وإحصائيات، ثم ما هي الأسباب؟ ثم حوادث على الطريق.
الحادث الأول: حادث قبل العيد.
الحادث الثاني: من لم تعلمه المواعظ أدبته الحوادث.
الحادث الثالث: في ذمة الله.
الحادث الرابع : الملتقى الجنة.
فقبل البداية هذه تحية:
إذا طلعت شمس النهار فإنها أمارة تسليمي عليكم فسلموا
سلام من الرحمن في كل ساعة وروح وريحان وفضل وأنعم
على الصحب والإخوان والولد والألى رعاهم بإحسان فجادوا وأنعموا
وسائر من للسنة المحضة اقتفى وما زاغ عنها فهو حق مقوم
ولولاهم كانت ظلاماً بأهلها ولكنهم فيها بدور وأنجم
أولئك أحبابي فحيا هلاً بهم وحيا هلاً بالطيبين وأنعموا
أحبتي! إن نعم الله لا تعد ولا تحصى، فقد أسبغ علينا النعم ظاهرة وباطنة، فله الحمد كله، وله الشكر كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله.
ومن هذه الوسائل السيارة، فمنافعها كثيرة، ومصالحها وفيرة، حتى صارت في هذا العصر من الضروريات بحيث لا يستغنى عنها في قضاء الحوائج وتحقيق المصالح، فالواجب علينا أن نشكر الله على هذه النعمة، ومن شكرنا له سبحانه ألا نستخدم هذه النعمة في أغراض سيئة أو نسيء استعمالها، أو نستعين بها على فعل المعاصي والذنوب.
قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لقد استعمل بعض الناس هذه السيارة في أغراضه السيئة، والوصول إلى مآربه السافلة، فصار يفر بها إلى البراري ليقترف ما تهواه نفسه بعيداً عن الناس، وعن أيدي الإصلاح، ويخرج بها عن البلد ليضيع ما أوجب الله عليه من إقامة الصلاة في وقتها، فهل يصح أن يقال لمثل هذا: إنه شاكر لنعمة الله؟ وهل يصح أن نقول: إنه سالم من عقوبة الله؟ كلا، فهو لم يشكر نعمة الله، ولم يسلم من عقوبته.
وتفكر وتأمل وقل لي بالله: السيارة نعمة أم نقمة؟
أحبتي! كم سمعنا عن أولئك الذين ماتوا في حوادث السيارات وهم سكارى، فبعضهم يسمع الغناء، وبعضهم كان سائراً إلى أماكن الخنا واللهو وما يكرهه الله تعالى.
أحبتي! كم تسببت الحوادث في وفيات وإصابات وإعاقات؟! وكم خسرنا من شباب؟! وكم ترملت من نساء؟! وكم تيتم من أطفال؟! وكم تسبب متهور بسرعته وعدم مبالاته في فقد كثير من الأبرياء؟! وكم تسببت الحوادث في إعاقات مستديمة لكثير من الشباب والشيب؟! وكل ذلك بسبب الاستخدام الخاطئ للسيارة، ومخالفة الأنظمة التي وضعت لحماية المجتمع.
يقول أحدهم: أصبت في حادث مرور منذ عشرين عاماً -بسبب السرعة الزائدة- بإصابة في ظهري أدت إلى شلل كامل، وهكذا انقلبت حياتي رأساً على عقب، وتاهت أحلامي، وضاعت طموحاتي، أقول: ومثله كثير، (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2].
توجد إحصائيات لأعوام ماضية عن عدد الحوادث والمصابين والمتوفين في جميع أنحاء المملكة، وإليك بعض هذه الأرقام:
في عام 1417هـ عدد الحوادث: (135763).
عدد الإصابات: (25870).
عدد الوفيات: (3131).
ولاحظ أن النسبة في ازدياد.
في عام 1418هـ عدد الحوادث: (153727).
عدد الإصابات: (28144).
عدد الوفيات: (3470).
وتأمل الزيادة عاماً بعد عام.
في عام 1419هـ عدد الحوادث: (264326).
عدد الإصابات: (31059).
عدد الوفيات: (4290).
وتأمل في عام 1420هـ عدد الحوادث: (267772).
عدد الإصابات: (32361).
عدد الوفيات: (4848).
والعدد في ازدياد، ولم نستطع أن نحصل على إحصائيات أكثر من هذا العام، لكن كم نفقد من الشباب والشيب، والأطفال والنساء، والصغار والكبار؟!
مخالفة الأنظمة من قطع إشارات وغيرها.
تسليم السيارة لصغار السن الذين هم دون سن الرشد، أولئك الذين لا يدركون قيمة السيارة ولا عظم المسئولية، وكم نرى صغاراً يجوبون الشوارع يمنة ويسرة مع أصحاب لهم، يملئون الشوارع بالتفاحيط والمخالفات، فأين هو الذي استرعاه الله رعية؟!
ومن آفات العصر: التفحيط والتطعيس، وما أدراك ما التفحيط والتطعيس؟ فمن الأشياء التي ابتلي بها كثير من الشباب اليوم: التفحيط في الشوارع العامة أو التطعيس على الكثبان الرملية وفي البراري، ولا شك أن فيهما إتلافاً للمال الذي بين أيديهم -وهو السيارة- وإتلافاً للأبدان؛ لأنه كثيراً ما تقع الحوادث بسبب هذا التفحيط أو التطعيس، ويذهب الضحية السائق أو أحد الذين يركبون معه أو أحد المارة.
وكم قتل من أبرياء بسبب هذه التصرفات التي تدل على عدم المسئولية وعدم المبالاة!
وقد بين علماؤنا حفظهم الله حكم التفحيط والتطعيس، ومفاسدهما وأضرارهما على الفرد والمجتمع.
فقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم الصعود على الكثبان الرملية المرتفعة وهو ما يعرف بالتطعيس، وهل يعد آثماً من يشاهد ذلك؟
فأجاب حفظه الله ورعاه: أولاً: المشاهدة تنبني على الفعل، هل هو جائز أم لا؟ فنقول: خروج الشباب إلى البر على هذا الوجه ربما يفضي إلى المفاسد منها: تركهم للجماعات في المساجد، وبعدهم عن أهاليهم.
ومنها: أن فيه إتلافاً للمال؛ لأن السيارات تتلف بهذا الاستعمال، وهو إجبار السيارات على أن تصعد على كثبان الرمل، وإذا تضررت كان في هذا إتلاف للمال، وإتلاف المال لغير مصلحة شرعية دينية أو دنيوية محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال.
إذاً فأين العقول السليمة من هذا؟
ثم يقول الشيخ رحمه الله: ثم إني أسمع كثيراً من الناس يشكون من هذه السيارات، حيث إنها تفسد الأرض والنبات، ومعلوم أنه إذا كثر تردد السيارات على أرض بعينها فإنها ستتلف، ويحصل في هذا ضرر على أهل المواشي.
وإذا تبين أن مثل هذا العمل مضيعة للمال، وقد يكون سبباً لأمور محظورة، فإن تشجيعه والخروج للتفرج عليه محرم؛ لأنه إقرار للمحرم ومساعدة عليه، وقد قال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
ويدلك أيضاً على أن هذا العمل سفه، أن مثل هؤلاء لا يمكن أن يقوموا بهذا العمل أمام شرفاء الناس ووجهائهم، لأنهم يستحون منهم، وفي الحكمة القديمة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، (والحياء شعبة من الإيمان).
أخي الشاب! يا من خلقك ربك فسواك، ورزقك وكفاك، وأطعمك وسقاك، ومن كل خير سألته أعطاك، ومع ذلك عصيت وما شكرت، وأذنبت وما استغفرت، وتنتقل من معصية إلى معصية، ومن ذنب إلى ذنب كأنك ستخلد في هذه الدنيا ولن تموت، وتبارز الله بالمعاصي والذنوب غافلاً ساهياً عن علام الغيوب، فياليت شعري متى تنتهي وتتوب؟
واسمع إلى هذا الخبر! يقول أحد ضحايا التفحيط: أنا شاب أبلغ من العمر ثلاثين سنة، وقد أمضيت منها تسع سنوات على كرسي الإعاقة بسبب التفحيط، حيث كنت أتباهى بمقدرتي وبراعتي في قيادة السيارة، وبينما كنت أفحط في يوم من الأيام أمام أحد المدارس سقطت سجارتي من مدخنة السيارة، فوقعت على قدمي وعندها اختل توازني، فاصطدمت سيارتي وحصل لي ما حصل.
ولذلك أحذر الشباب من خطورة التفحيط الذي جنيتُ عاقبته إعاقة دائمة لي، وأحرقت زهرة شبابي ولم يبق لي إلا رحمة الله جل في علاه! ومثله كثير، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2].
حادث قبل العيد، يقول صاحبنا: بدأت تنقضي أيام العشر الأواخر من رمضان، والعيد قاب قوسين أو أدنى، ولا أعرف أين سنذهب، وأنا أنتظر صديق الطفولة ولكن كالعادة، فالجزء الأكبر من وقتنا نقضيه في جولات بين الأسواق والتجمعات والشوارع، وحين استقريت على مقعد السيارة بجوار عبد الرحمن سألني: هل جهزت ثوباً جديداً لقد أقبل العيد؟ قلت له: لا، قال: ما رأيك أن نذهب إلى الخياط الآن، فسألته متعجباً وأنا أهز رأسي: بقيت ثلاثة أيام أو أربعة على العيد، فأين نجد الخياط الذي يسابق العيد ويختصر الأيام؟ فلم يجبني، وانطلق بالسيارة بسرعة جنونية وكأنه يسابق الزمن، حتى توقف أمام محل للخياطة الرجالية، وسلم صاحبي على الخياط بحرارة؛ لأنه يعرفه منذ زمن طويل، ثم قال له: نريد أن نفرح بالعيد، ونلبس الجديد، فضحك الرجل وأجاب: كم بقي على العيد يا عبد الرحمن؟ لماذا لم تأت مبكراً؟ فأجاب عبد الرحمن وهو يهز يده بحركة لها معنى: سنزيدك في الأجرة، لكن المهم أن تنتهي بعد غد، وأعاد الموعد مرة أخرى: بعد غد، وأنا أرقب المفاوضات الشاقة، وإذا بصاحبي يدفع جزءاً من الثمن وهو يردد ويؤكد: الموعد بعد غد، لا تنس الموعد.
ثم انطلقنا بسيارتنا نجوب الشوارع بلا هدف -وهذا حال كثير من الشباب- حتى قبيل الفجر، وكأنه ليس رمضان، وكأنها ليست العشر الأواخر من ليالي رمضان! ونحن لاهون ساهون غافلون، ومضت الليلة كاملة ولم نذكر الله عز وجل فيها ولا مرة واحدة، وربما إنها ليلة القدر.
حياة لا طعم لها، وسعادة لا مذاق لها، ولجنا من المعاصي كل باب، وهتكنا منها كل حجاب، وحسبنا الأمر دون حساب، إظهاراً للسرور والسعادة، وضحكات تملأ المكان، ولكن في القلب هم وغم، والنفس تحلق بها حسرات، ويحيط بها نكد، دليل البعد عن الله.
افترقنا قبيل الفجر يجمعنا الليل والسهر والعبث، ونلتقي على المعاصي، وتجمعنا الذنوب، ونوم طويل يمتد من الفجر حتى العصر، وصيام بلا صلاة، وصلاة بلا قلب، وساعة الصيام التي أستيقظ فيها قبل المغرب كأنها أيام أقطعها بالمكالمات الهاتفية العابثة، وبقراءة الصحف والمجلات، وغيري يختم القرآن مرات ومرات، وأنا أنتظر موعد أذان المغرب!
حادثني بالهاتف أحد الأصدقاء وصوته متغير وقال: أما علمت أن عبد الرحمن مريض، قلت له: لا، مساء البارحة كان بصحة وعافية، وكنت أنا معه، فقال: إنه مريض، فأدرك صاحبك.
انتهت المكالمة والأمر لا يعني لي شيئاً سوى معلومة غير صحيحة، والمؤذن يرفع أذان العشاء وإذا بالهاتف يناديني، رفعت السماعة وإذا هو الشقيق الأكبر لعبد الرحمن، قلت في نفسي: ماذا يريد؟ هل سيؤنبني على ما أفعله أنا وعبد الرحمن، أو أن أحداً أخبره بزلة من زلاتنا، أو سقطة من سقطاتنا، ولكن أتى صوته منهكاً مجهداً وعبراته تقطع الحديث. أخبرني بالخبر، وقال: عبد الرحمن مات! قال لي: عبد الرحمن مات! بهت ولم أصدق! لا زال أمامي أراه، وصوته يرن في أذني، كيف مات؟! قال لي: وهو منطلق إلى المنزل ليلة البارحة بسرعته الجنونية ارتطم بسيارة أخرى عند أحد التقاطعات، ثم حمل إلى المستشفى، ولكنه فارق الحياة ظهر هذا اليوم.
أذني لا تصدق ما تسمع، لا أزال أراه أمامي، نعم أمامي، بل اليوم موعدنا لنذهب إلى السوق الفلاني، بل غداً موعد ثياب العيد، موعد ثياب العيد غداً.
أيقظني أخو عبد الرحمن من غفوتي، وهز جوانحي، وأزال غشاوة كانت على عيني عندما قال: سنصلي عليه الظهر غداً أخبر زملاءك. انتهت المكالمة!
تأكدت أن الأمر جد لا هزل فيه، وأن أيام عبد الرحمن قد انقضت، وآمنت بأن الأمر حق، وأن الموت حق، وأن موعدنا غداً هناك في المقبرة لا عند الخياط، لقد ألبس الكفن وترك ثوب العيد!
تسمرت في مكاني، وأصبت بتشتت في ذهني، وبدوار في رأسي، وقررت أن أذهب إلى منزل عبد الرحمن لأستطلع الخبر وأستوضح الفاجعة، وعندما ركبت سيارتي فإذا شريط غناء في جهاز التسجيل، هذا الغناء الذي أفسد قلوبنا، وجعلها أقسى من الحجارة، أخرجت الشريط ورميته من السيارة، فانبعث صوت إمام الحرم من المذياع يعطر المكان بخشوعه وحلاوته، أنصتُّ بكل جوارحي، وأرهفت سمعي وكأن الدنيا انقلبت والقيامة قد قامت والناس تغيرت، أوقفت سيارتي على جانب الطريق، أستمع إلى القرآن وكأني أستمع إليه لأول مرة في حياتي.
وعندما بدأ دعاء القنوت، كانت دمعتي أسرع من صوت الإمام، رفعت يدي أستقبل تلك الدموع، يا ألله ما أجمل الدعاء! ما أجمل الخضوع والخشوع واللجوء إلى الله!
يا من يرى مد البعوض جناحها
في ظلمة الليل البهيم الأليلِ
ويرى نياط عروقها في نحرها
والمخ في تلك العظام النحلِ
اغفر لعبد تاب من زلاته
ما كان منه بالزمان الأولِ
أخذ قلبي يردد صدى تلك العبارات، وبارقة أمل أقبلت خلف تلك الدموع، فأعلنت توبة صادقة، بدأتها بصحبة طيبة ورفقة صالحة.
ودعنا عبد الرحمن في اليوم التالي، وانطلقت أنا في طريق الهداية مع رفقتي الصالحة، من كرهتهم بالأمس هم أحب الناس إلي اليوم، ومن تطاولت عليهم بالأمس هم أرفع الناس في عيني اليوم، ومن استهزأت بهم في الأمس هم أكرم الناس عندي اليوم!
كنت على شفا جرف هار ولكن الله رحمني، وهدأت نفس مع الرفقة الصالحة، وأطلت سعادة لا أعرفها وانشراح في الصدر، وعلى وجهي سكينة ووقار، زينتها تلك اللحية التي بدأت تنمو وتكبر على وجهي.
يا ألله! ما أجمل السنة! وما أجمل الاتباع! فاجأت الخياط بعد أسبوعين، وسألته عن ثوبي، سأل عن عبد الرحمن؟ قلت له: مات، أعاد الاسم مرة أخرى؟ قلت له: مات، بدأ يصف لي عبد الرحمن وسيارته وكلامه، قلت: نعم، هو، لقد مات، وعندما أراني ثوبه، بدأت أسترجع الذكريات، هل حقاً مات؟ ثوبي بجوار ثوبه، ومقعدي في السيارة بجوار مقعده، ولكن بقي لي أجل وعمر، لعلي أستدرك ما فات!
حمدت الله على التوبة والرجوع والأوبة، ولكن بقي لنا إخوة كثير مثل عبد الرحمن يعيشون في غفلة، لا يزال على أعينهم غشاوة، ويعلو قلوبهم ران المعصية، فهل نتركهم يموتون كما مات عبد الرحمن؟!
عبد الرحمن الذي كان يؤمل أن يلبس ثياب العيد ذهب ولبس الأكفان بدل الثوب الجديد! لا، لن نتركهم، لن نتركهم، كيف نتركهم وأمامهم قبر ونار وعذاب؟! كيف نتركهم وأمامهم أمور وأهوال صعاب؟!
لن نتركهم وقد هدانا الله، فهناك كتاب وشريط، وبيننا وبينهم نصيحة صادقة.
في يوم من الأيام وبعد أن قضينا أياماً جميلة في نزهة عائلية في مدينة الدمام، انطلقت بسيارتي عبر الطريق السريع بين الدمام والرياض، ومعي أخواتي الثلاث، وبدلاً من أن أدعو بدعاء السفر المأثور استفزني الشيطان بصوته، وأجلب علينا بخيله ورجله، وزين لنا سماع لهو الحديث المحرم، لأظل ساهياً غافلاً عن الله.
لم أكن حينئذٍ أحرص على سماع إذاعة القرآن الكريم، أو الأشرطة الإسلامية النافعة للمشائخ والعلماء، لأن الحق والباطل لا يجتمعان في مكان أبداً، وكما قيل:
حب القرآن وحب ألحان الغنا
في قلب عبد ليس يجتمعان
وكانت إحدى أخواتي كانت صالحة مؤمنة -نحسبها والله حسيبها- ذاكرة لله، وحافظة لحدوده، طلبت مني أن أسكت صوت الباطل، وأستمع إلى صوت الحق، ولكن أنى لي أن أستجيب؟! فقد استحوذ علي الشيطان، وملك علي جوارحي وفؤادي، فأخذتني العزة بالإثم، ورفضت طلبها، وقد شاركني في ذلك أختاي الأخريتان، وكررت أختي المؤمنة طلبها، فازددنا عناداً، وإصراراً وأخذنا نسخر منها.
فقلت لها: إن أعجبك الحال، وإلا أنزلتك على قارعة الطريق، فسكتت على مضض، وكرهت هذا العمل بقلبها بعد أن أنكرته بلسانها، وأدت ما عليها، والله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وفجأة وبقدر من الله سبق انفجرت إحدى عجلات السيارة، ونحن نسير بسرعة شديدة، فانحرفت السيارة عن الطريق، وهوت في منحدر جانبي، فأصبحت رأساً على عقب، بعد أن انقلبت فينا عدة مرات، وأصبحنا في حال لا يعلمها إلا الله العلي العظيم.
فاجتمع الناس حول سيارتنا المنكوبة، وقام أهل الخير بإخراجنا من بين الحطام والزجاج المتناثر، ولكن ما الذي حدث؟!
لقد خرجنا جميعاً سالمين إلا من بعض الإصابات البسيطة، ما عدا أختي الصالحة! أختي الصابرة! أختي الطيبة! لقد أصيبت إصابات بالغة، وماتت من حينها.
لقد ماتت أختي الحبيبة التي كنا نستهزئ بها، واختارها الله إلى جواره، وإني لأرجو أن تكون في عداد الشهداء الأبرار، وأسأل الله عز وجل أن يرفع منزلتها ويعلي مكانتها في جنات النعيم.
وأما أنا فقد بكيت على نفسي قبل أن أبكي على أختي، وانكشف عني الغطاء فأبصرت حقيقة نفسي، وما كنت فيه من الغفلة والضياع، وعلمت أن الله قد أراد بي خيراً، فكتب لي عمراً جديداً لأبدأ حياة جديدة ملؤها الإيمان والعمل الصالح.
أما أختي الحبيبة فلا تكاد تغيب عن مخيلتي، ودائماً أراها وأتخيلها وأدرك دموع الحزن والندم، وكم وجهت لي من النصائح! وكم دعت لي من الدعوات! لقد كان موتها سبباً لاستيقاظي وانتباهي من غفلتي.
أتذكر تلك الذنوب والمعاصي، وأتساءل في نفسي هل سيغفر الله لي؟ فأجد الجواب في قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[الزمر:53].
فهذه نصيحتي للغافلين وللمدبرين والمعرضين عن الصراط المستقيم.
أقول: من لم تعلمه المواعظ، أدبته الحوادث، وأفيقوا من غفلتكم، وخذوا العبرة من غيركم، قبل أن تكونوا لغيركم عبرة، قال سبحانه: ... فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:17-18]، وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:66-68].
يقول عبد الله: فقلت في نفسي: الحمد لله، فأنا منذ سنوات طوال وأنا أحافظ على جميع الصلوات في المسجد، وفي صلاة الفجر، وكم أشعر بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان، وكيف لا وهي حفظ من الله وضمان؟! وقد سألت صاحبي: أين صليت الفجر اليوم؟ فلم يستطع الإجابة، ثم توجه إلى خلف السيارة، فتوضأ ثم صلى، سبحان الله! سبحان الله! لم يبق على صلاة الظهر إلا القليل، وصاحبي لم يصل الصبح إلى الآن، فأي حياة هذه؟ وكيف سيكون حاله لو مات على هذه الحال؟! وفي ذمة من سيكون؟! إن صلاة الفجر تشتكو هجراً ومقاطعة من شباب المسلمين وشيبهم ونسائهم وأطفالهم.
وإنك لتحزن أشد الحزن على حال الأمة وهي تمر بأحلك الظروف وأشد المواقف، وإلى الآن لم ترجع إلى ربها، وإلى الآن لم تراجع حساباتها!
لي فيك يا ليل آهات أرددها
أواه لو أجدت المحزون أواه
أنى التفت إلى الإسلام في بلد
وجدته كالطير مقصوص جناحاه
قال سبحانه: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:42-43]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76]، وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:96-99].
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا
وارحم يا رب ذنباً قد جنيناه
كم نطلب الله في ضر يحل بنا
لما تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا
لما وصلنا إلى الشاطئ عصيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة
وما سقطنا لأن الحافظ الله
أبشر يا من حافظت على صلاة الفجر وباقي الصلوات في الجماعة فأنت في ذمة الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح) قال أهل العلم: في ذمة الله، أي: في حفظ الله ورعايته، وقالوا: إذا مات من يومه أو ليلته دخل الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين دخل الجنة) والبردان: الصبح والعصر.
أبشر يا من صلى الفجر وباقي الصلوات في المسجد بالنور التام يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) وما أدراك ما يوم القيامة؟ قال سبحانه: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ [الحديد:12-13] -الذين من أعظم صفاتهم النوم والتخلف عن الصلوات- لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد:13-17]..
أبشر يا من صلى الفجر بهذه البشارة العظيمة، جاء في الحديث المتفق عليه من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) اسمع الثمن؟ (فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]..
واسمع من أخبارهم في جنات ربهم:
فبينما هم في عيشهم وسرورهم
وأرزاقهم تجري عليهم وتقسم
إذا هم بنور ساطع أشرقت له
بأقطارها الجنات لا يتوهم
تجلى لهم رب السماوات جهرة
فيضحك فوق العرش ثم يكلم
سلام عليكم يسمعون جميعهم
بآذانهم تسليمه إذ يسلم
يقول : سلوني ما اشتهيتم فكل ما
تريدون عندي إنني أنا أرحم
فقالوا جميعاً : نحن نسألك الرضا
فأنت الذي تولي الجميل وترحم
فيعطيهم هذا ويشهد جمعهم
عليه تعالى الله فالله أكرم
فيا بائعاً هذا ببخس معجل
كأنك لا تدري بلى سوف تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
وقال الله عن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:142-143]..
أترضى أن تكون مثلهم؟ أترضى أن تتصف بصفاتهم؟ أترضى أن تكون معهم؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]؟!
أترضى أن تنضم إليهم؟ أترضى أيها المتخلف عن الصلوات أن تكون مثل هذا؟ سئل صلى الله عليه وسلم عن رجل نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، قال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) ، أترضى أن يكون هذا حالك كل يوم؟
واسمع رعاك الله إلى هذا الوعيد الشديد لمن ينام عن الصلاة، فجراً كانت أو عصراً أو أي صلاة، من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من القول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فيقص عليهم ما شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع -وفي رواية- ملقىً على قفاه، وإذا آخر قائم عليه بصخرة يهوي بها على رأسه، فيثلغ بها رأسه، فيتدهده الحجر ههنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يعود رأسه كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل به في المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذا؟! قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا حتى على مثل التنور، - قال أحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا -أي: علت أصواتهم من شدة الألم- قال: قلت: سبحان الله ما هذا؟ فقالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم، وإذا في النهر سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا بذلك السابح يسبح ما شاء، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه -أي: يفتح فمه- فيلقمه حجراً فينطلق يسبح، ثم يرجع وكلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق)
فاتق الله يا من تنام عن الصلوات، واتق الله يا من تعاقر الزانيات والمومسات، واتق الله يا من تأكل أموال الربا.
يا أيها اللاهي على أعلى وجل
اتق الله الذي عز وجل
واستمع قولاً به ضرب المثل
ودع الهزل وجانب من هزل
قال سبحانه: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6]، وقال عز من قائل: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنعام:30-32].
فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى
صريع الأماني عن قريب ستندم
أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده
سوى جنة أو حر نار تضرم
وبالسنة الغراء كن متمسكاً
هي العروة الوثقى التي ليس تفصم
وهيئ جواباً عندما تسمع الندا
من الله يوم العرض ماذا أجبتم؟
ماذا أجبتم به رسلي لما أتوكم؟
فمن أجاب سواهم سوف يخزى ويندم
وخذ من تقى الرحمن أعظم جنة
ليوم به تبدو عياناً جهنم
وينصب ذاك الجسر من فوق متنها
فهاوٍ ومخدوش وناج مسلّم
ويأتي إله العالمين لوعده
فيفصل ما بين العباد ويحكم
فيا ليت شعري كيف حالك عندما
تطاير كتب العالمين وتقسم
فبادر إذا ما دام في العمر فسحة
وعدلك مقبول وصرفك قيم
خرجوا شوقاً إلى الله، وشوقاً لبيت الله، واستجابة لأوامر الله. والغريب: كأنه ألقي في روعها أنها تموت، وأنها لن ترجع فودعت أطفالها، وقبلتهم وهي تبكي، وكتبت وصيتها، وودعت أقاربها، وعندما وصلوا إلى مكة طافوا وسعوا وقصروا، ودعوا وتضرعوا وسألوا الله خير الدنيا والآخرة.
وفي طريق العودة كانت على موعد مع ملك الموت، فانفجر إطار السيارة، وخرجت السيارة عن مسارها، وانقلبت بهم مرات ومرات، وأصيبت المرأة في رأسها، وخرج زوجها من بين الحطام ولم يصب بأذى، ووقف عليها وهي في سكرات الموت تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة).
فلما رأته قالت له بعد أن تبسمت في وجهه: عفا الله عنك، وبلغ أهلي السلام، وقل لهم: الملتقى الجنة، ثم فاضت روحها رحمها الله.
إن الكل سيموت، ولكن على أي حال؟ قدر الله ماض على الصغير والكبير، لكن على أي حال؟! الأعمال بالخواتيم والمرء يختم له على ما عاش عليه، والتقينا هنا وسنفترق، وكل منا ينتظر منيته، منا من سيموت في أرض، ومنا من سيموت في بحر، ومنا من سيموت في سماء، ولكن على أي حال؟! وأين سيكون الملتقى؟!
فحي على جنات عدن فإنها
منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى
إلى أوطاننا نعود ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى
وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتنا التي
أضحت لها الأعداء فينا تحكم
فلا تسرع أخي ولا تتهور حتى لا تندم حينما لا ينفع الندم، وتذكر أن وراءك صبية صغار، وزوجة ضعيفة، وأم عجوز، وأب شيخ كبير، وكلهم ينتظرونك، فعليك أيها العاقل بالصبر والتفكر في العواقب، وتحمل الزحام، وتحمل التأخير عند الإشارات وغيرها، فلعل في تأخيرك ما يكون خيراً لك، وتذكر عندما تسرع أو تقطع إشارة أو غير ذلك وصار معك حادث ما سوف يترتب على ذلك من أضرار مادية وروحية.
الجواب: لقد وضعت هذه الأنظمة لضبط أعمال الناس وتحركاتهم ومنع الفوضى، وحتى يكون المجتمع آمناً ومستقراً فيعرف كل واحد من أفراده ما له وما عليه، وخاصة في هذا الزمن الذي ضعف فيه الوازع الديني عند كثير من الناس، ولا يردعهم إلا النظام، وهذا ما أفتى به علماؤنا الكرام.
يقول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: لا يجوز لأي مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شأن المرور لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره، والدولة -وفقها الله- إنما وضعت ذلك حرصاً منها على مصلحة الجميع، ورفع الضرر عن المسلمين، فلا يجوز لأي أحد أن يخالف ذلك.
وللمسئولين الحق في عقوبة من يفعل ذلك وردعه هو وأمثاله؛ لأن الله سبحانه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأكثر الخلق لا يردعهم وازع القرآن والسنة، وإنما يردعهم وازع السلطان بأنواع العقوبات، وما ذاك إلا لضعف الإيمان بالله واليوم الآخر، أو عدم ذلك بالنسبة إلى أكثر الخلق، كما قال سبحانه: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].
وما أحوجنا على الطرقات -طويلة أو قصيرة- أن نكون على اتصال مع الله حتى يحفظنا الله في الروحة والغدوة.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا من الراشدين.
اللهم اجعلنا من الذين هم على صلاتهم دائمون، ومن الذين هم على صلاتهم يحافظون.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمورنا، ووفقهم لما فيه مصلحة البلاد والعباد.
قيض لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير إذا فعلوه، وتذكرهم به إذا نسوه.
اجمع شملنا، أصلح ذات بيننا، وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين.
نستغفر الله العظيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر