يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر الأحبة! أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وانقسم الناس إلى قسمين: مؤمن وكافر، فريق حق وفريق باطل. ومن سنن الله التي لا تتغير ولا تتبدل سنة الابتلاء وسنة الصراع، ابتلاء للمؤمنين في كل مكان؛ حتى يرفع الله من درجاتهم، وليبتلي ما في صدروهم، وليمحص ما في قلوبهم، قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142].
ولقد مضت سنة الابتلاء على الأولين، قال تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] فلا بد من الابتلاء، ولن تتمكن أمة الإسلام حتى تبتلى، كما جاء في الحديث عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمرني أن أعلمكم مما علمني إياه، إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين- ثم قال في سياق الحديث- ثم بعثتك لأبتليك وأبتلي بك) فسنة الابتلاء ماضية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فما المطلوب منا في مثل هذه الظروف، وفي مثل هذه الأحوال؟
أقول:
اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر
ضل قوم ليس يدرون الخبر
وحتى ننتصر في مثل هذه الظروف لا بد من إظهار عدة المؤمنين المستمدة من قوله جل وعلا: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:139-141]، فمنذ قرون مضت، وحين ظهر نور الإسلام بدأت المؤامرات، وبدأت الدسائس تحاك على الإسلام يوماً بعد يوم، ولم يتعرض دين لمثل تلك الدسائس التي تعرض لها الإسلام، فسنوات بل قرون طوال وهم يمكرون بالإسلام وأهله، ولو لم يكن الإسلام دين حق لما استطاع أن يقاوم تلك الدسائس ومكر الليل والنهار.
إن أمتنا قوية بدليل أنهم يهاجمونها من كل الجهات، ولو لم تكن قوية لما ألبوا أحزابهم وجمعوا جموعهم، فهم تغيظهم صحوة الشباب في كل مكان، والتي قد بدأت ظاهرة جلية تعلن عن عودة الشباب إلى دينهم وتمسكهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
منذ قرون مضت عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبدأت شوكة الإسلام تقوى، وبدأ الإسلام يضرب أطنابه يمنة ويسرة، وبدأ الأتباع يزيدون كما الصحوة اليوم في ازدياد، وأبشركم بأن المصلين في صلاة الفجر في ازدياد، وقد اكتمل صفنا الثاني بعد أن كنا لا نصلي إلا صفاً واحداً، والصف الثالث أيضاً في ازدياد يوماً بعد يوم، وعدد الذين يصلون معنا الفجر من الأطفال خمسون، ومن خلفهم آباء وأمهات، فأمتنا بخير، وأمتنا معطاءة تحييها مثل هذه الظروف، وتمحص قيسها من تميمها في مثل هذه الظروف، قال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:179].
وما أشبه الأمس باليوم، فماذا صنع الرجال في تلك المواقف؟ التفوا حول نبيهم يداً واحدة، قياماً بالليل، وصياماً بالنهار، وانضباطاً على الأوامر، وتركاً للمعاصي والمخالفات؛ لأن النصر لا يستمد إلا من السماء، وأظهروا من العزة ما سطره التاريخ وعجزت الصفحات عن تسطيره.
ربعي يدخل في إيوان كسرى وهو مليء بالأثاث الوثير، ووزراؤه من حوله، وقادة جيشه يلتفون من حوله، فيسألونه وقد دخل ببغلته ورمحه المثلوم، وثيابه المقطعة، لكن تكلم بعزة المؤمن، يقول له كسرى : لماذا أتيتم؟ وماذا تريدون؟ أليس الفقر والجوع هو الذي أخرجكم؟ قال: لا الجوع ولا الفقر أخرجنا، وإنما الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
فقال كسراهم: ما المطلوب منا، وماذا تريدون؟
قال: أسلم تسلم، لك ما لنا وعليك ما علينا.
قال: فالثانية؟
قال: الثانية تدفعون لنا الجزية عن يد وأنتم صاغرون.
قال: وإن لم ندفع؟
قال: السيف بيننا وبينكم.
فهل تدري أين يتكلم؟ ومن أين ينطق بمثل هذا الكلام؟ إنه يتكلم من إيوان كسرى الذي سيكون غنيمة لهم كما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وهاهو خباب يؤتى به إلى مكة وهو الذي صنع بهم العجب يوم بدر، بل في كثير من المواجهات، فخرج قريش وقد جمعوا نساءهم وأطفالهم، وألبوا عليه من كل مكان، ونصبوه على جذع شجرة، فقالوا له: أتتمنى أن محمداً مكانك وأنت بين أهلك؟ واسمع هذا الحب الصادق لله ولرسوله مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال- قال: والله ما وددت أن محمداً يشاك بشوكة وأنا آمن مطمئن بين أهلي. قيل له: قل في الإسلام، أو قل في محمد وأصحابه؛ لكنه والله ما نطق بكلمة كفر، وإنما طلب منهم الصلاة، فصلى وأسرع في صلاته، وقال لهم: حتى لا تظنوا أني أخاف من الموت فكان سلاحه الثقة واليقين والصبر والدعاء، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنك ترى ما يصنع بنا، اللهم فبلغ رسولك أنا بلغنا الرسالة، وأدينا الأمانة، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ثم قال:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا
قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم
وقربت من جذع طويل ممنع
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي
وما أرصد الأعداء لي عند مصرعي
وقد خيروني الكفر والموت دونه
وقد هطلت عيناي في غير مجزع
وما بي حذار الموت إني لميت
ولكن حذاري جحم نار ملفع
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي
ففي كل الظروف والأحوال عزة وثبات؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فقد تعلم هؤلاء الرجال من نبيهم الذي قرأ عليهم القرآن وعلمهم كيف تكون العزة، وكيف يكون الثبات.
ولما اجتمع الأحزاب حول المدينة، وكان المسلمون قد عاهدوا اليهود على حماية النواحي الخلفية من المدينة، ذهبت قريش إلى اليهود وساوموهم، فنقضوا العهود ولا عجب، فهم نقاضوا العقود ونكاثوا العهود، أما قال الله: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100]؟! بلى والله، حالهم لا يتغير ولا يتبدل، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بخيانة اليهود من الداخل، قال لأصحابه: (أبشروا فلقد اقترب النصر) انقطعت الحبال الأرضية، ولم يبق إلا حبل السماء، انقطعت الأسباب ولم يبق إلا الارتباط برب الأرض والسماء مسبب الأسباب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، أبشروا فلقد اقترب النصر، وأنا أقول: عباد الله! أبشروا، فلقد اقترب النصر.
يا أمة الإسلام بشرى
لن يطول بك الهوان
قد لاح فجرك باسماً
فلتذكري ذاك الزمان
أبطالنا بجهادهم
ومضائهم قصموا الجبان
وبنوا لمجدك سلماً
بدمائهم بلغ العنان
فلتهنئي يا أمتي
ولى زمان الغافلين
كم من سنين قد مضت
والليث يهتف لن أعود
لن أنثني لن أشتكي
لن أرتضي ذل القعود
ولسوف أمضي شامخاً رغم المشقة والقيود
واليوم بعد أن أظهرنا الله بالقرآن وزيننا بالإيمان نعطيهم أموالنا؟! والله ليس بيننا وبينهم إلا السيف، في مثل هذه الظروف تخرج عزة المؤمنين، وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] سحابة صيف وستنقشع: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].
فالمطلوب: صدق التوكل، والتفاؤل في كل حال من الأحوال، والثقة والتبشير بنصر الله جل في علاه: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض، فأريت مشرقها ومغربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها)، إنها ثقة ويقين بنصر الله ووعده: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! اتقوا الله، ومن تقواه أن نستشعر قضية الجسد الواحد، نستشعر أن المؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وما يصيب الفلوجة اليوم إنما هو بسبب ذنوبنا؛ وبسبب تقصيرنا .. فالفلوجة اليوم تذيق الصليب وتلقنه الدروس في العزة والثبات، رغم المحاصرة من كل الجهات. يسأل مذيع الأخبار أحد رجالات الفلوجة الأبطال: ما هي استعداداتكم وأنتم ترون هذا الحصار يضرب عليكم من كل الجهات؟ فقال: لقد استعدينا لهم بلا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يملكون طائرات ولا دبابات، بل حتى حاصروا المستشفيات، فالمطلوب: ثقة ويقين، وهاهي الأمة تعلن ترابطها مع العراق، وتعلن الوحدة في البأساء والضراء، وهاهي المنابر، وهاهي المساجد، وهاهي أكف الضراعة ترفع من أجل إخواننا في العراق، وهاهي البطولات تخرج والأثر يخرج من هناك، لقد أسقطوا الطائرات ودمروا الدبابات، وأسروا أحفاد القردة والخنازير والصليبيين، وقتلوا في جيش الصليب، بل لقد قتلوا قائد القوات، فإلى النار وبئس المصير، وصحيح أنه قتل منا أبرياء، وقتل منا أطفال ونساء، لكن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار. يدعون أنهم يريدون أن يحرروا الشعوب، فلماذا تقتلون الشيوخ؟!! ولماذا تقتلون الأطفال؟!! وما ذنب الأبرياء؟!! ولماذا تهدم المساجد؟!! لكن صدق الله إذ يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].
اللهم اقلب عليهم أرض الفلوجة ناراً، وسماءها شهباً وإعصاراً.
اللهم سلط عليهم ما خرج من الأرض، وما نزل من السماء.
اللهم ثبت أهل الفلوجة، اللهم ثبت المسلمين في كل مكان، في فلسطين والشيشان وكشمير وأفغانستان وفي السودان والفلبين. اللهم انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، اللهم اربط على قلوبهم، أفرغ عليهم صبراً، وثبت الأقدام، اللهم أنزل عليهم رحمة من عندك، سدد رأيهم ورميهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم إنهم قلة فكثرهم، جياع فأطعمهم، حفاة فاحملهم، خائفون فأمنهم، مظلومون فانتصر لهم، اللهم انصر من نصرهم، اللهم اخذل من خذلهم.
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، اللهم اهزم الصليبيين وزلزلهم، واهزم اليهود الغاصبين وزلزلهم، اهزم المنافقين والوثنيين وأعداء الملة والدين، اللهم لا تدع لهم قوة في الأرض إلا دمرتها، ولا قوة في السماء إلا أسقطتها، ولا قوة في البحر إلا أغرقتها، اللهم اجعل جنودهم غنيمة للمسلمين، اللهم مكن المجاهدين من رقابهم، اللهم مكن المجاهدين من رقابهم، اللهم مكن المجاهدين من رقابهم.
اللهم لا ترفع لهم في بلاد المسلمين راية، ولا تحقق لهم في بلاد المسلمين غاية، وأخرجهم منها أذلة صاغرين، اللهم ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، فإنهم لا يخفون عليك ولا يعجزونك.
يا قوي يا عزيز! بك نصول وبك نجول، عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وطهر بيوتنا من الفواحش والشهوات، ورد الشباب والشيب إليك رداً جميلاً يا رب العالمين.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.
اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر