أما بعد:
أحبتي! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوءتم من الجنة منزلاً، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، وأسأله سبحانه أن يفرج هم المهمومين، ويكشف كرب المكروبين، ويقضي الدين عن المدينين، وأن يدل الحيارى ويهدي الضالين، ويغفر للأحياء وللميتين، ثم أما بعد:
فحياكم الله وبياكم، وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم.
نحن في سفر، والسفر طويل، والمسافر في طريقه يحتاج إلى متاع يبلغه وينفعه، وكلما قل المتاع وغلا ثمنه كان أسهل للمسافر في طريقه، وكلما كثر المتاع وقلت قيمته تعب المسافر في طريقه.
إننا نشاهد مشاهدَ ونحن في طريق السفر من الدنيا إلى الآخرة، وكثيراً ما يتكرر أمام أبصارنا مثل هذا المنظر، وهو أن رجلاً يبني بنياناً حتى إذا أوشك البنيان على التمام أخذ المعول وأخذ يضرب في أساس البنيان حتى يسقط هذا البنيان، فماذا نقول عن هذا الرجل؟ إن أقل ما نقوله: إنه غير عاقل، وتتكرر فينا مثل هذه الصور! فمثلاً: إذا أقبل رمضان أقبل الناس على بيوت الله دعاء، وتضرعاً وصياماً وذكراً وقرآناً، وهذا كله زاد يتزود به المسافر في طريقه، حتى إذا انتهى رمضان عاد المسافر إلى ما كان عليه، فيضيع الصيام، ويتخلف عن الصلوات، ويقلل من الذكر والطاعات، حتى يضيع ما بناه طوال شهر كامل وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا [النحل:92]، ضرب الله مَثَل هذا بامرأة تغزل فبعد أن أوشك الغزل على التمام أخذت تفل خيوط هذا الغزل حتى عاد إلى ما كان عليه.
أحبتي! إن الهدم سهل، ولكن البناء صعب، فالبناء يحتاج إلى مجهود أكبر، لكن بالمقابل في ساعات قليلة تستطيع أن تهدم بنىً كاملاً يتكون من أربعة أدوار أو ستة أدوار، استغرق من الوقت في بنائه شهور أو سنوات، لكن عند هدمه فالعملية لا تستغرق سوى ساعات.
فالصعود إلى القمة صعب وفيه مشقة وتعب ويحتاج إلى عزيمة، ويحتاج إلى جهد وطاقة، لكن النزول من القمة سهل، وهكذا كثير من الناس يبني ويتعب، ثم يغريه الشيطان في دقائق وفي ساعات فيهدم مجداً عظيماً قد بناه، يبني ويتعب ويكدح ثم لشهوة في مرقد أو في مضجع، أو الشهوة في نفس أو في مال يهدم ما قد بناه.
إن القضية قضية إيمان، فيوم بنى هذا الرجل بنيانه كان على إيمان أن مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الشورى:36]، وعندما ضعف إيمانه بدأ يهدم هذا البنيان.
إنما يتفاوت الناس في بنائهم وفي هدمهم بتفاوت الإيمان، فهذا إيمانه قوي وهذا إيمانه ضعيف، والفرق بين فلان وفلان في مقدار الإيمان الذي وقر في صدور أولئك الرجال؛ لأن فلاناً من الناس يستطيع المحافظة على الصلوات الخمس، فيناديه منادي الله في كل حين: حي على الصلاة؛ فلا يتخلف، ودائماً يجيب النداء، وفلان من الناس يناديه المنادي مرات ومرات لكنه مرات يتخلف ومرات يلبي، وكثيراً ما يتخلف، فلماذا هذا قوي في بنائه وهذا ضعيف في بنائه؟ وما هو الفرق؟
إن الفرق هو الإيمان الذي وقر في صدر هذا والذي وقر في صدر ذاك.
إن فلاناً من الناس إذا نام مبكراً، أو نام متأخراً يستيقظ إذا ناداه منادي الله: الصلاة خير من النوم؟ وفلان من الناس يقول: والله لو تضرب مدافع عند رأسي لا أستيقظ! فما هو الفرق؟ ما الذي أيقظ هذا وحركه للإجابة لنداء الله، ولم يتحرك ذاك ولو بصوت المدافع، ما هو الفرق؟ إنه الإيمان، لماذا هذا يبني وهذا يهدم؟ الدافع الحقيقي لهذا الإنسان هو الإيمان، والمحرك الحقيقي لهذا الإنسان ليفعل الطاعات هو الإيمان، فالذي جعل هذا يبني ويحافظ على البنيان هو الإيمان، والذي جعل هذا يتساهل ويهدم هو ضعف الإيمان.
إن الظاهرة اليوم التي عمت وطمت وانتشرت حتى أصبحت مظهراً سائداً عاماً في حياة المسلمين هي ظاهرة ضعف الإيمان، وعلى قدر الإيمان تكون الأعمال، وعلى قدره يصمد هذا البنيان.
إن قوي الإيمان لا يسقط أمام الشهوات واللذات والمغريات مهما كانت، إنه ثابت في المحيا وثابت عند الممات.
ولماذا فلان من الناس عندما يذكّر مرة واحدة يكفيه؟ وآخر عندما يذكر مرات ومرات ومرات فلا يرتدع ولا يستجيب؟ ما هو الفرق؟ إنه فرق الإيمان، فأهل الإيمان من سماتهم أنهم أصحاب قلوب حية، فلا يمر الكلام عليهم مرور الكرام، إنه يقف ويتدبر ويتفكر.
وكم خاطبنا الله بهذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، فالقضية مهمة في بناء الإيمان، ولهذا خاطبنا الله بنداء الإيمان، ولما كانت القضية مهمة قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]، فأليسوا أهل إيمان؟ بلى هم أهل إيمان، فلماذا كرر الله الأمر بالإيمان مع أهل الإيمان؟ لأن القضية مهمة، والمعنى: احفظوا الإيمان، وارعوا الإيمان، وتعاهدوا الإيمان.
يقول أحدهم: دخلت على رجل في مكتبه في الوظيفة فإذا على وجهه من آثار الهموم والغموم ما الله به عليم، فقلت في نفسي: هذا أصابته مصيبة عظيمة إما في أهله أو في ماله، فآثار هذه المصيبة ظاهرة وبادية في وجهه، فقلت له: يا فلان! خيراً إن شاء الله -فمن حق المسلم أن يعزي أخاه-، فقال: اسكت إنها فرصة لا تعوض، قلت: يا رجل! كل شيء يعوض إلا العمر إذا مضى، قال له: يا رجل! فرصة العمر ما تعوض، قلت: خيراً إن شاء الله، قال -واسمع ما قال-: أرض تجارية في موقع تجاري عليها تصريح لستة أدوار، والدور الأول كله محلات تجارية، وقد بيعت بثمن بخس وثمن زهيد، فقلت في نفسي: إنا لله وإنا إليه راجعون، على هذا يتحسر المسلمون اليوم؟! على هذا يندم المسلمون اليوم؟! قلت له: يا رجل! ما كتبها الله لك، أما قال الله: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:23]، فاسمع على ماذا نبكي، واسمع على ماذا نتحسر.
واسمع عن بكائهم وتحسرهم في لحظات احتضار فهذا معاذ أعلم الأمة بالحلال والحرام، اسمع تزكية النبي له وهو يقول له: (والله إني لأحبك يا
وعند ساعات احتضاره بليل قال لابنه: أصبحنا؟ قال: ليس بعد، فسأله بعد حين فقال: أصبحنا؟ قال: ليس بعد، ثم قال له مرة ثالثة: أصبحنا؟ قال: نعم، فقال: اللهم إني أعوذ بك من ليلة صبيحتها إلى النار، ثم لما ازدادت سكرات الموت وأتت ساعة الاحتضار، أخذ ينادي ربه، ويتضرع إليه ويدعوه قائلاً: اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك وأنا الآن أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لطول البقاء، ولا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لصيام الهواجر، وقيام الليل، ومجالسة العلماء، فاسمع على ماذا يتحسر ويندم، إنه يتحسر على قيام الليل وعلى صيام الهواجر، وعلى مجالسة أهل العلم والفضل:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه
وإن بناها بشر خاب بانيها
فالقضية قضية بناء، فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها.
وكثير من يفعل الطاعات لكن قليل من يترك المحرمات، وأصبحت القضية قضية هدم وبناء في نفس الوقت، يبني ويهدم، ويبني ويهدم، وهكذا لا يكتمل البنيان أبداً.
والمشكلة اليوم في حياتنا أن القضية أصبحت مخلوطة، فكثير من المسلمين يصلي، لكن ينظر إلى الحرام، ويأكل الحرام، ويصلي ويفعل الطاعات من صيام وصدقة ولكن في المقابل يفعل المحرمات، فما هو الإيمان؟ الإيمان هو ما وقر في القلب، وصدقه اللسان، وعملت به الجوارح والأركان، ويزيد بالطاعة -أي: ينبني بالطاعة-، وينقص بالعصيان -أي: ويهدم بالمعاصي-، قال الله: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102]، وهذا حالنا اليوم، فنفعل الطاعات، لكن لم نترك المحرمات، فلم يظهر للإيمان أثر في حياتنا؛ لأن العملية أصبحت مخلوطة، فإذا قرأ العبد القرآن ارتفع إيمانه، وإذا حافظ على الصلوات الخمس ارتفع إيمانه، وإذا حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها والسنن الرواتب ارتفع إيمانه، وإذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ارتفع إيمانه، وإذا تصدق ارتفع إيمانه، وإذا تبسم في وجه أخيه يبتغي بذلك مرضاة الله ارتفع إيمانه، وكل طاعة يفعلها ترفع الإيمان، لكن في المقابل إذا جلس أمام التلفاز وأطلق للسمع وللبصر العنان ينخفض ويضعف الإيمان.
فالذي يعمل الطاعات يبني إيمانه بالقرآن والذكر والتسبيح والتهليل، لكن في المقابل هو يضعف إيمانه إذا استمع إلى الأغاني، وإذا نظر إلى الحرام، ضعف إيمانه، وإذا أكثر من القيل والقال فيما لا يعنيه ضعف الإيمان، وهكذا حال كثير من المسلمين اليوم، فهدم وبناء، وهدم وبناء، وأصبحت حياتنا لا قيمة لها، وكلما أوشك البنيان على التمام أخذنا في الهدم!!
والقضية يوم القيامة قضية ميزان، فإما أن ترجح فيها كفة السيئات أو كفة الحسنات، وإن رجحت كفة السيئات خاب وندم، وإن رجحت كفة الحسنات أفلح وفاز، لكن متى ترجح كفة الحسنات؟ ترجح إذا حافظ على الطاعات حتى يلقى الله تبارك وتعالى، وترجيح إذا ترك السيئات والمحرمات.
والله! إن أهل الجنة في جناتهم بين حورهم وقصورهم يتحسرون ويندمون على دقائق ضاعت منهم عندما يرون الكرامات، ويرون ماذا أعد الله لعباده الصالحين، ويتمنى أهل الجنة أن لو زادوا في الطاعة، ويتمنى أهل الجنة أن لو زادوا في القربات لما يرون من الكرامات التي أعدها الله لعباده الصالحين، فما ظنك بالفريق الآخر وهو يتقلب في النار؟! يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [الأحزاب:66]، كيف يكون حالهم؟ يقولون: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66].
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا [الفرقان:27-28]، ماذا عمل بك؟ قال: ما ساعدني على البناء إنما ساعدني على الهدم والضياع، وهذا حال كثير من الناس اليوم، لو تسألهم عن سبب هدمهم لبنيانهم لقالوا: فلان وفلان وفلان هم السبب.
فهذا رجل واحد يناديه النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: (اذهب إلى مكة وائتني برأس
فانظر لقد كانت التكاليف صعبة وشاقة على الرجال ومع ذلك ما تخلف منهم رجل واحد.
وفي يوم بدر كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثهم ويحرضهم على القتال، ويرفع شعار المعركة ويقول لهم: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)، فيتعجب الرجل ويتأمل ويتفكر ويقول: جنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: (يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؟ ماذا بيني وبينها؟ قال: أن تقاتل في سبيل الله فتقتل، قال: ادعُ الله أن أكون من أهلها، قال: أنت من أهلها، وكان في يده تمرات فقال: بخ بخ، وقذفها وانطلق وهو يقول: والله! إنها لحياة طويلة إن أنا عشت حتى آكل هذه التمرات)، ولسان حالهم:
ركضاً إلى الله بغير زادِ غير التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد وكل عمل عرضة للنفادِ
إلا التقى والبر والرشاد.
فما الذي دفع أولئك الرجال إلى تلك الأفعال؟! إنه الإيمان يوم بنوا البنيان حافظوا على البنيان حتى وصل إلى تمامه، ونحن اليوم نبني ونهدم، فلم نستشعر الإيمان وحلاوته، واسمع ماذا كانوا يقولون، كانوا يقولون: إذا لم تستطع قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم.
والله! إننا في حرمان لا يعلمه إلا الله، وذلك يوم لم نستشعر الإيمان وحلاوته ولذته، والأنس بالله، والقرب من الله تبارك وتعالى، فإذا أنس أهل الدنيا بالدنيا فليأنس أهل الإيمان بالله، وإذا أنس أهل الدرهم والدينار بمالهم فليأنس أهل الإيمان بالله تبارك وتعالى.
إنه الإيمان الذي يصنع الرجال (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، أي: تبذل الغالي والنفيس للذي أعطاك، ووهب وسخر لك كل شيء، فهكذا تكون حياة أهل الإيمان.
ما هو هذا الشعور أليس هو الإيمان؟ أليست هي الطاعات التي جعلتهم يستشعرون الإيمان؟ أليس البنيان الذي بنوه وحافظوا عليه هو الذي كمل إيمانهم؟ فيأيها الغالي! حافظ على الطاعات من كل ما يشوبها وينقص من قيمتها.
وأما صفات عباد الرحمن فقد قال الله عنهم: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، فلما وصف نهارهم قال أهل التفاسير: كان من باب أولى أن يصف ليلهم، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:63-68]، ثم قال في الآيات التي تليها: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72]، أي: ليس عندهم مجال لتضييع الأوقات وتضييع الأعمار، وكل باطل وزور لا يشهدونه، وكل مجالس لهو وتضييع لا يشهدونها؛ لأنهم ما خلقوا من أجل هذه وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:73-74]، ما هي ثمرات حفاظهم على البنيان؟ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:76-77].
فهذه أحوال الذين يبنون، وأما أحوال المضيعين والمفرطين الذين يهدمون البنيان فهي عكس صفات الرحمن تماماً.
وجاءتنا الأخبار أن أحد الشباب سلك طريق الاستقامة، وركب سفينة النجاة، وبدأ يحافظ على الصلاة ويحفظ القرآن، وبدأ يتذكر أصحاباً له لا يزالون غارقين في لجج المعاصي والآثام، فودّ لو أنهم ركبوا معه في سفينة التوبة والنجاة، وانضموا إلى قوافل العائدين، زارهم وليته لم يفعل، وهذه نصيحة لكل تائب جديد في طريق الاستقامة ألا يذهب لأصحاب الماضي وحيداً، فخذ معك من يعينك على دعوتهم؛ لأن الكثرة تغلب الشجاعة، فزارهم يريد لهم الهداية، فبدأ الهجوم عليه من كل الجهات: أتذكر يوم كذا وكذا، وعلت الأصوات وانطلقت الضحكات، وقام من عندهم بعد أن جددوا جراحاً ماضية، وحركوا في القلب والنفس أشياء، وبدأ الصراع من جديد.
جاءوه بعد أيام يعرضون عليه السفر إلى مكان قريب بقصد شراء سيارة قالوا له: نريد من يذكرنا بالله ويؤمنا في الصلاة، ويعلمنا الجمع والقصر، فزينت له نفسه السفر وانطلق معهم، وليته لم يفعل، هناك حيث يعصى الله استأجروا شقة مفروشة، وتركوه فيها وذهبوا وهم يخططون كيف يعيدونه إلى شواطئ الضياع مرة ثانية، فأمضوا ليلتهم في سهرة ليلية بين خمر وغناء وهو هناك ينتظرهم، واتفقوا مع بغي زانية فاجرة على أن يدفعوا لها الثمن أضعافاً مضاعفة إن هي استطاعت أن توقع صاحبهم في الفاحشة، الله أكبر! يدفعون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فأدخلوها عليه ومعها خمر وشريط غناء حتى تكون الليلة حمراء، والخمر مذهبة للعقل، والغناء بريد الزنا، فخلت به وخلا بها (وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، ولا زالت به حتى سقته كأساً من خمر، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم وقع المحظور وانهدم في لحظات بنيان طالما تعب حتى بناه، فنام في فراشه عارياً مخموراً -والعياذ بالله-، فلما أصبح الصباح جاء شياطين الإنس يطرقون الباب وضحكاتهم تملأ المكان، ففتحت الفاجرة لهم الباب فقالوا لها: ما عندك؟ ما الخبر؟ ما البشارة؟ قالت: أبشروا فقد فعل كل شيء: شرب الخمر، وزنى، ثم نام وهو عريان في فراشه الآن، تباً لهم ولأمثالهم أيفرحون ويستبشرون إن عُصي الله؟ أيفرحون أن صاحبهم زنى وشرب الخمر بعد أن كان يصلي ويقرأ القرآن؟!
فدخلوا عليه ضاحكين شامتين وهو مغطىً في فراشه، فأيقظوه فلم يجبهم، فكرروا النداء فلم يجبهم، فحركوه وقلبوه في فراشه فلم يستيقظ، واسمع الفاجعة: إن صاحبنا شرب الخمر، وزنى، ونام، ومات من ليلته في فراشه على أسوأ ختام! إنا لله وإنا إليه راجعون!
فيا ألله! أما كان صاحبهم يصلي ويصوم ويقرأ القرآن؟ أليس قد جاء معهم يريد لهم الهداية فأرادوا له الغواية؟ لقد دفعوا أموالهم وأوقاتهم ليصدوه عن سبيل الله، فهل سينقذونه من عذاب الله؟ فأي أصحاب هؤلاء؟! وصدق الله حين قال: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:27-29].
فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه
فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاه
ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:103-105].
وقد جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم قال له: هناك قضية شغلتني بالليل والنهار، قال له إبراهيم : دعني فأنا أيضاً مشغول، فعندي ما يكفيني ويشغلني، قال: يا شيخ! إما تشغلني، وإما أنا أشغلك بقضيتي، قال له إبراهيم : هي ثلاث قضايا لا تفارقني بالليل ولا بالنهار، قال الرجل: هات الأولى، قال: الأولى: يقول الله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، وأنا لا أدري إلى أي فريق أنتمي، وممن أكون: أمن الذين تبيض وجوههم أو من أولئك الذين تسود وجوههم.
والثانية: يقول الله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ، وأنا لا أعلم أمن الأشقياء أكون أم من السعداء.
والثالثة: يقول الله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، فلا يوجد بين البين فإما جنة وإما نار.
فاستشعارهم لليوم الآخر هو الذي غير مجرى حياتهم، وضعف هذا الشعور اليوم في حياتنا هو الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولو تدبرت آيات هذا الكتاب الحكيم فستجد أنها في كل صفحة من صفحاته تربطنا بذلك اليوم، الْقَارِعَةُ [القارعة:1]، الْحَاقَّةُ [الحاقة:1]، الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1]، ذَلِكَ يَوْمٌ [هود:103]، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ [الأنبياء:1]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].
فمن تعلق قلبه بذلك اليوم حافظ على البنيان، ومن ضعف تعلقه بذلك اليوم هدم البنيان ولم يبال.
يقول ابن الحسن البصري : أمسى أبي صائماً حتى حانت ساعة الإفطار، فقدم إليه الطعام فقيل له: الطعام يرعاك الله، قال: فاسترجع وبكى وأبكى حتى عافت نفسه الطعام، ثم قرأ عليهم قوله تبارك وتعالى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [المزمل:12-13]، فسبحان الله عندما تعرض عليهم أمور الدنيا يربطوها بالآخرة، يقول: حتى عافت نفسه الطعام، وأصبح صائماً لليوم الثاني على التوالي، ولم يذق الطعام ولا الشراب حتى حانت ساعة الإفطار فقيل له: الطعام -يرعاك الله-، فاسترجع وقرأ قوله تعالى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [المزمل:12-13]، حتى عافت نفسه الطعام، وأمسى ليله كله باكياً حتى أصبح صائماً لليوم الثالث على التوالي، ولم يذق الطعام ولا الشراب.
فأسألك بالله ما الذي حرمهم لذيذ المنام ولذيذ الطعام أليس هو استشعار اليوم الآخر؟ أليس هو استشعار المسئولية عند الوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى؟ فلما حانت ساعة الإفطار لليوم الثالث على التوالي ذهب ابنه إلى ثابت البناني ، ويحيى البكاء ويزيد الضبي فقال: أدركوا أبي! ثلاثة أيام لم يذق الطعام، ولا الشراب! فلا زالوا يكلمونه ويحدثونه حتى ذاق سويقة من تمر، ثم قرأ عليهم قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [المزمل:12-13]، تخيل المشهد يرعاك الله، يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا * إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا [المزمل:14-16]، ثم الخطاب لنا فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [المزمل:17-19]، والله! لو أن القلوب سليمة لتقطعت ألماً من الحرمان، ولكنها سكرى بحب الدنيا، وسوف تفيق بعد زمان، والله! إن استشعارهم لليوم الآخر هو الذي حرك أولئك الرجال، وضعف هذا الشعور في حياتنا هو الذي جعلنا نهدم البنيان كلما بنيناه، متى يكتمل البنيان؟ وأنى له أن يكتمل إذا كان هذا يبني وهذا يهدم؟!
فالقضية خطيرة جد خطيرة، القضية قضية مصير إما جنة وإما نار وليس لهما ثالث.
(دخل النبي صلى الله عليه وسلم على رجل في المسجد فقال له: كيف أصبحت يا
إذا هدمت فزدها أنت هدماً
وحصن أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات منها
إذا ما أنت في أخراك فزتا
أراك تحب عرساً ذات خدر
أبت طلاقها العقلاء بتا
وتطعمك الطعام وعن قليل
ستطعم منك ما فيها طعمتا
تفر من الهجير وتتقيه
فهلا من جهنم قد فررت
فإنك لا تطيق أهونها عذاباً
ولو كنت الحديد بها لذبتا
قال: (عزفت نفسي عن الدنيا)، ثم إن الإيمان لا بد أن يترجم إلى عمل.
يقول الحسن البصري : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه اللسان، وعملت به الجوارح والأركان.
فالإيمان ليس بالتمني ولا بالتخلي، ولابد أن يكون مترجماً إلى عمل، قال: (فأسهرت ليلي قياماً، وأظمأت نهاري صياماً)، وهو لا يتكلم عن رمضان، نحن لا نعرف الصيام ولا القيام إلا من رمضان إلى رمضان، وهذا يتكلم عن سائر الأيام طوال العام فليلهم قيام، ونهارهم صيام.
عبّاد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه على الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم
خرجوا إلى الموت يستجدون رؤياه
فيا ربِ ابعث لنا من مثلهم نفراً
يشيدون لنا مجداً تليداً قد أضعناه
يقول: (أسهرت ليلي، وأظمأت نهاري).
ثم إذا ارتقى الإيمان بالعبد فإنه يصل به إلى مرتبة الإحسان؛ لأن الدين ثلاث مراتب: إسلام، فإيمان، فإحسان، نحن مطالبون -أيها الغالي- أن نرقى بإيماننا وأن نرقى بمستوانا يوماً بعد يوم الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2]، إنه التفاضل في حسن العمل، فالكل يصلي لكن شتان بين مصل ومصلٍ، والكل يعمل الطاعات لكن هناك فرق بين من يحسن الطاعات ويراقب الله فيها، وبين من يؤديها أداء واجب.
إن الدين عهد وميثاق بيننا وبين الله، فكم الذين يقومون بالدين ويحافظون عليه؟ لقد سمَّى الله الذين أوفوا بالعهد مع الله رجالاً فقال: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]، والدين عهد بيننا وبين الله، والمطلوب أن نقوم به على أحسن وأتم وجه.
ولما ارتقى الرجل في إيمانه قال: (أسهرت ليلي، وأظمأت نهاري)، ويقول: (كأني أرى عرش الرحمن بارزاً أمامي، وكأني أرى أهل النار يتعاوون فيها، وكأني أرى أهل الجنة يتزاورون فيها)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت إنسان عرفت فالزم) أي: هذا هو الإيمان، فهو قول وعمل.
ثم اسمع إلى ثمرات الإيمان، ففي يوم بدر يقتل حارثة رضي الله عنه وأرضاه، فتأتي أم حارثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: (يا رسول الله! أين
يقول الشاعر مخاطباً نفسه:
تريدين إدراك المعالي رخيصة ولا بد دون الشهد من إبر النحل
إن الإيمان هو الذي يصنع البنيان، وكلما قوي الإيمان كان البنيان قوياً، وكلما ضعف الإيمان بدأ البنيان بالسقوط.
فتعالوا! نحفظ على الطاعات، ونجاهد النفس، ونلزمها على فعل الطاعات وترك المحرمات؛ لكي لا تصير القضية مخلوطة في حياتنا.
وإذا استشعرنا الإيمان فوالله! لن نرضى به بدلاً، إذا استشعرت حلاوة الإيمان فثق تمام الثقة أنك لن ترضى به بديلاً، واسأل أولئك الذين ساروا على طريق الاستقامة، اسألهم عن الماضي الذي كانوا فيه عندما كانوا يهدمون البينان، واسألهم الآن هل ترجعون إلى الماضي؟ إن أحدهم لا يرجع إلى ما كان عليه أبداً؛ لأنه استشعر الإيمان وحلاوته، وكلما تقربت وزدت في الطاعات كان أثر الإيمان واضحاً في حياتك (من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً)، وهكذا الإيمان!
قال الله عن أصحاب الكهف: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:13]، فالإيمان يزيد، والهداية ليست باباً واحداً بل أبواب، وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17].
إن المسئولية مسئوليتك أنت، فكلما اجتهدت في المسير، وقمت على بناية البنيان ورعايته، فثق تمام الثقة أن المردود أعظم في الدنيا قبل الآخرة.
فما رأيت شيئاً يصنع الرجال كالصلوات الخمس، وهو عمر الخبير يقول: من كان محافظاً عليها كان على غيرها أحفظ، ومن كان لها مضيعاً كان لغيرها أضيع.
وما أظن أن رجلاً يحافظ على الصلوات الخمس يبني ويهدم، وإنما جاءت قضية الهدم والبناء لأولئك الذين صلاتهم متقطعة، وأشهد بالله العظيم لو أن رجلاً استقام في صفوف المصلين أربعين يوماً لاهتدى، ولن يرضى أن يعود إلى الماضي القبيح، فهل تستطيع أن تجاهد النفس لله أربعين يوماً؟ لقد جاهد الرجال سنين طويلة، فهذا يقول: منذ أربعين عاماً ما فاتتني تكبيرة الإحرام، والآخر يقول: منذ خمسين عاماً ما فاتتتني لا في سفر ولا في حضر، أليست هممهم عالية؟ أليس إيمانهم راسخاً؟
ثق تمام الثقة وخذ بالعلاج، فالمريض إذا مرض يذهب إلى الطبيب ثم يوصف له العلاج، فإذا داوم وحافظ على العلاج فبإذن الله يشفى، وضعف الإيمان علاجه الاستقامة على الطاعات، وفي نفس الوقت ترك المحرمات والمعاصي، وثق بعد الأربعين أنك لن ترضى أن تعود إلى الماضي السابق من الهدم والبناء في نفس الوقت، وما تدري وأنت تبني إلا ويقال لك: توقف انتهت المدة، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبة.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظني وإياكم بحفظه، وأن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا -يا ربنا- من الراشدين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اجمع شملنا، ووحد صفنا، واعل شأننا، وأصلح ولاة أمورنا، اجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك الموحدين.
أستغفر الله العظيم، وصلى الله على محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر