إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (171)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلينا من ليبيا، باعثة الرسالة إحدى الأخوات من هناك تقول: ليلى علي عبد العزيز ، أستأذن سماحة الشيخ في قراءة رسالة أختنا كاملة لعلها تعطينا صورةً عن شخصيتها وعن سلوكها، تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديه إلى يوم القيامة، أما بعد:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أولاً: جزاكم الله الخير كل الخير عنا وعن جميع المسلمين؛ لما تقدمونه من فائدة عظيمة للإسلام والمسلمين، وعسى ربنا أن يوفقكم لمزيد من الخير والصلاح.

    ثانياً: مشكلتي هي كما يأتي -تقول عن نفسها-: امرأة محجبة بحمد الله، وأداوم على الصلاة في أوقاتها، وأخاف الله عز وجل، وأؤمن بأن الأعمار بيد الله، وكنت عندما أنجب طفلاً يموت، فأشار علي بعض الناس بشيء متعارف عليه هنا في ليبيا، وهذا الشيء هو: أن أجمع قطعة نقود من كل بيت يوجد فيه شخص يسمى باسم نبينا صلى الله عليه وسلم، أي: أنه يسمى محمد، سواء كان هذا الشخص طفلاً أو صبياً أو رجلاً، وتجمع النقود ويشترى بثمنها سوارة تضعها المرأة التي عندما تنجب طفلاً يموت تضعها في يدها، الإسوارة عادةً تكون من الحديد وفعلت ذلك فعلاً فشاء الله عز وجل أن يعيش الأطفال الذين أنجبتهم بعد ذلك، فلما رأت أختي الإسوارة وعرفت لماذا وضعتها أنا وعرفت كذلك قصة الإسوارة، قالت لي: اخلعيها فوراً من يدك إن هذا شرك صريح بالله عز وجل، ولو توفاك الله وأنت تلبسينها باعتقادك أنها تفيدك وتضرك فإنك تموتين وأنت مشركة، فهل هذا صحيح أي: هل يعتبر لبسي لها على هذا الأساس شركاً بالله عز وجل أم لا؟ وإن كان شركاً فكيف أكفر عن ذنبي العظيم هذا؟ وهل صلاتي وصيامي وحسناتي السابقة ذهبت هباءً منثوراً أم لا؟

    ثالثاً: إذا مكنكم الله من إذاعة رسالتي هذه فأرجو أن تكون الإجابة واضحةً مفصلة؛ لكي أستفيد ويستفيد من يسمعها، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فإن هذا الذي فعلتيه أيتها السائلة وأرشدك إليه بعض الناس رجاء أن يعيش الولد، شيء لا أصل له ولا أساس له بل هو منكر وبدعة ولا دليل عليه، ويسمى مثل هذا: تميمة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم وأمر بقطعها، يقول عليه الصلاة والسلام: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك)، وبعث عليه الصلاة والسلام في بعض غزواته من يقطع القلائد التي تعلق على الدواب خشية العين، وهي الأوتار، وقال: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)، وهي الرقى التي لا توافق الشرع، والتمائم: ما يعلق على الإنسان خشية العين أو خشية الجن، والتولة: نوع من الصرف والعطف نوع من السحر، فبين صلى الله عليه وسلم أنها كلها من الشرك، وفي مسند أحمد رحمه الله بإسناد جيد عن عمران بن الحصين رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذا؟ فقال: من الواهنة -يعني: علقتها من أجل الواهنة- قال له النبي صلى الله عليه وسلم: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً) وهذا وعيد عظيم في جعل هذه الحلقة التي يزعم أنه فعلها من أجل الواهنة، والواهنة مرض يأخذ باليد يقال له: الواهنة.

    وجاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه دخل على رجل قد علق خيطاً في يده فسأله، فقال: من أجل الحمى، فقطعه حذيفة وتلا قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].

    وجاء عن إبراهيم النخعي قال: (كان أصحاب ابن مسعود يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن). يعني: يحرمونها.

    وقال سعيد بن جبير التابعي الجليل رحمه الله: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة، كان كأنه أعتق رقبة؛ لأنه خلصه من رق الشرك.

    وبهذا تعلمين أيها السائلة أن هذا العمل الذي قيل لك: تجمعين نقوداً من كل بيت فيه اسم محمد ثم يشترى بها حاجة كالسوار ويعلق لعله يعيش الولد، فهذا شيء لا أصل له، وهذا باطل وعليك التوبة إلى الله من ذلك والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، ومن تاب تاب الله عليه، وهذا الذي يسره الله من كون الأولاد عاشوا بعد ذلك، هذا من فضل الله صادف قدراً لا من أجل السوارة هذه، بل صادف قدر الله الماضي وأن أولادك يعيشون بعد الولد الذي مات سابقاً أو الأولاد الذين ماتوا سابقاً وليس من أجل السوارة، ولكنه أمر الله الماضي في قدره السابق، فإن الله سبحانه وتعالى قدر ما يكون من أولاد ومن عقم ومن موت طفل وحياة طفل إلى غير ذلك كله مقدر، كما في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء) رواه الإمام مسلم في صحيحه.

    وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن العبد إذا أكمل في الرحم -يعني: الإنسان إذا أكمل في الرحم مائة وعشرين يوماً- ثلاثة أطوار، يرسل إليه ملك فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) فالأمور بيد الله جل وعلا، فقد سبق في علم الله وفي قدره السابق أن أولادك يعيشون بعد الذين ماتوا وليس من أجل السوارة ولكنه ابتلاء وامتحان وقع لك، فعليك التوبة إلى الله جل وعلا والرجوع إليه والندم على ما مضى وهذا شرك أصغر، تعليق التمائم من الشرك الأصغر، لا تحبط معه صلاتك ولا صومك ولا عبادتك السابقة، أعمالك السابقة الطيبة التي لله فعلتيها لا تبطل بهذا؛ لأن هذا شرك أصغر لا تبطل به الأعمال، وإن كنت أردت بهذا السوار وقصدت أنه ينفع ويضر دون الله فهذا شرك أكبر، لكن ليس المسلم يقصد هذا ولا يظن هذا ولا يعتقد هذا وإنما يعتقد أنها أسباب كما يكفي عن المرض، وكما يتعاطى الأدوية من الحبوب والإبر، كلها أسباب، فهكذا تعليق السوارة الذي نعتقد فيك أنك ظننتيها أسباباً أنها من الأسباب.

    فبكل حال عليك التوبة من ذلك وإن كنت تعتقدين فيها أنها تنفع وتضر فعليك التوبة من ذلك أيضاً والرجوع إليه والتوبة النصوح، ولعل جهلك بذلك يكون شافعاً في سلامة أعمالك الصالحة، والعبد متى تاب أيضاً إلى الله ورجع عن شركه وباطله، فإن أعماله الصالحة تبقى له ولا تبطل إلا إذا مات على الكفر بالله سبحانه وتعالى، ولهذا لما أسلم حكيم بن حزام وذكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد سبق منه عتاقة في الجاهلية وصدقة في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أسلمت على ما أسلفت من خير)، والله قال عن الكفار أن أعمالهم إنما تحبط إذا ماتوا على الكفر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ .. [البقرة:161]الآية، وقال: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:217] فقيد ذلك بقوله: (فيمت وهو كافر)، فدل ذلك على أن من لم يمت كافراً بل مات على الإسلام فإن أعماله الصالحة تبقى له ولا تفوت عليه، والحمد لله.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، شيخ عبد العزيز ! قد يبتلي الله العبد ليبتلي إيمانه ويختبره، لو حصل شيء من هذا -ونتوقع خيراً- بم توصون أختنا جزاكم الله خيراً؟

    الشيخ: مثل ما تقدم نوصيها بتقوى الله جل وعلا والأخذ بالأسباب التي أباحها الله كعرض الطفل على الطبيب أو غير الطفل المصاب بالمرض، وتعاطي الأدوية المباحة والقراءة على المريض والنفث عليه، والكي إذا دعت الحاجة إليه وأشباه ذلك من الأدوية النافعة والأسباب المباحة.

    أما الشيء الذي حرمه الله كتعليق التمائم أو دعاء غير الله، أو الاستغاثة بالجن، أو إتيان الكهان والمنجمين، كل هذا باطل لا يجوز، وإنما يجوز للمؤمن الأسباب المباحة والوسائل المباحة فقط، والله سبحانه وتعالى جعل لكل داء دواء، كما في الحديث الصحيح: (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله).

    فالمؤمن إذا أصابه شيء يعرضه على أهل الخبرة من الأطباء أو غيرهم من أهل العلم والبصيرة، فإن كان هناك طبيب يعرف هذا الداء عالجه، وإن كان يحتاج إلى قراءة قرأ عليه بعض إخوانه المسلمين وعالجوه بالقراءة والدعاء، هذا هو المشروع، أما أن يعلق حديدة أو طاسةً أو خشبةً أو شيئاً يقرأ فيه في رقعة ويعلق، كل هذا ما يجوز حتى ولو من القرآن على الصحيح، وإن كان بعض السلف خالف في ذلك فإن الصحيح الذي عليه المحققون: أن تعليق التمائم لا يجوز ولو كان من القرآن سداً للذريعة؛ وعملاً بالعموم الوارد في الأحاديث التي فيها النهي عن التمائم والتحذير منها ولم يفصل عليه الصلاة والسلام، والله المستعان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088966510

    عدد مرات الحفظ

    780209235