إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (89)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، لعلنا في لقائنا هذا نتمكن من عرض رسائل السادة: محمد شاهر القومي، والمستمع (ع. خ. خ) من السنان بالزلفي، ويسأل عن صحة أحاديث، ومحمد بن عبد الله من الرياض.

    مرحباً بفضيلة الشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    ====

    السؤال: شيخ عبد العزيز وردتنا هذه الرسالة من مقدمها محمد شاهر القومي يقول فيها: نقص علي فلوس حوالي عشرين ألف ريالـ، ولم أجد سلفة، ورحت لواحد يعطي الدنية الدينة علي عدد صناديق أقمشة، ويقول: إنني بعدما اشتريت منه الصناديق، قال: ضع يدك عليها، ووضعت يدي عليها قال: هل عددتها؟ قلت: نعم، فقال صاحب الدكان أو الذي باعها علي: هل تريد أن تبيعها في السوق أو تبيعها على صاحب الدكان؟ قال صاحب الدكان: أتنازل من رأس المال مائتين ريال، وعد لي صاحب الدكان المبلغ تسعة عشر ألفاً وثمانمائة ريـال، وقال لي المدين: العشرون ألف تصبح عليك بمبلغ وقدره ثمانية وعشرين ألفاً، كل شهر يبلغ كذا وكذا التسديد. يقول: نريد أن نعرف صحة هذا البيع وهذا الشراء وفقكم الله، وهل هو من الربا؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه من اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فهذه المسألة يسميها الفقهاء: مسألة التورق، وهي مشهورة عند العامة بالوعدة، وهي ما إذا احتاج الإنسان إلى نقود لزواج أو لتعمير بيت، أو لقضاء دين أو لأشباه ذلك، ولم يجد من يقرضه، فإنه يحتاج إلى أن يشتري سلعاً إلى أجل ثم يبيعها على الناس بنقد، حتى يستفيد من النقد، وهذا العقد فيه خلاف بين أهل العلم، من أهل العلم من قال: إنه لا يجوز؛ لأنه دراهم بدراهم، ولأن المقصود دراهم بدراهم، ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز وجماعة.

    والقول الثاني: أنه لا بأس به، ولا حرج فيه، وهو من المداينة الشرعية، التي قال الله فيها سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، وهذا هو الصواب، وهو داخل في قوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، فالصواب أن هذه المعاملة وهي معاملة التورق التي تسمى: الوعدة، صحيحة في الجملة، لكن بشروط: منها: أن يكون البائع قد ملك السلعة، لا يبع شيئاً ما هو عنده عند الناس، لا يبع إلا شيئاً قد ملكه وحازه في بيته، أو في دكانه أو في السوق؛ لأن النبي عليه السلام قال: (لا تبع ما ليس عندك)، وقال: (لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك)، فليس له أن يبيع ما عند الناس، يروح هو والمشتري يعطيه من عند التجار، لا، بل يشتري أولاً ويحوزه، فإذا حازه في بيته أو في السوق أو في دكانه بعد ذلك يبيع، ثم المشتري الذي شراه لا يبيعه على صاحب الدكان ولا على غيره حتى يحوزه أيضاً، حتى ينقله إلى السوق أو إلى بيته أو إلى دكانه ثم يبيعه، وبهذا يعلم أن هذه الصورة التي سأل عنها السائل غير صحيحة، وضع اليد على الصناديق ما يكفي، ولا عدها ما يكفي على الصحيح المعروف عند أهل العلم، مجرد العد لا يكفي لابد من قبض ولابد من استيفاء المبيع، ولهذا ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تبع ما ليس عندك) قال: (لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك)، ونهى عليه الصلاة والسلام أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فالتاجر ممنوع أن يبيع ما ليس عنده، وهكذا غيره من الناس حتى يحوزها إلى رحله، قال ابن عمر : (كنا نشتري الطعام جزافاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكنا نضرب إذا بعناه في محلنا، حتى ننقله إلى رحالنا) وفي لفظ: (من أعلى السوق إلى أسفله، ومن أسفله إلى أعلاه).

    والخلاصة أن هذا البيع الذي سأل عنه السائل لا يصح؛ لأنه باع ما لم يقبض، باعه البائع شيئاً لم يقبضه، ثم هو باع على راعي الدكان ما لم يقبض فلا يصلح هذا البيع، وليس للبائع إلا الدراهم التي سلمها له صاحب الدكان، لأنها هي ثمن المثل، فيعطيه ثمن المثل، أو يرد عليه من جنس ما شراه من السلعة التي شراها منه، يعني: اشترى منه سلعة معروفة ولم يقبضها القبض الشرعي، فباعها قبل ذلك فليس له بيعها، بيعها غير صحيح وحينئذ فهي باقية في عصمته، عليه أن يقبضها ويبيعها ويتصرف فيها حيث شاء، والشخص الذي أعطاه الدراهم يرد عليه دراهمه فقط، الذي أعطاه الدراهم يردها عليه بنفسها؛ لأنه باعه شيئاً لم يقبضه، والشخص المشتري للصناديق وأشباهه كالسكر وكالخام وأشباه ذلك، هذا تبقى السلعة على حسابه، فيرد قيمتها ذلك الوقت، أو يردها إن كانت موجودة بعينها.

    والحاصل أن البيع الأخير غير صحيح؛ لأنه باع ما لم يقبض، والبيع الأول غير صحيح، إذا كان باعه شيئاً لم يقبضه، أما إن كان قد قبضه، ونقله إلى دكانه أو إلى السوق فإنه يصح؛ لأن هذا الرجل ما قبض لا الأول ولا الآخر، كلاهما ما قبض، فقد باع شيئاً لم يقبضه فلا يصح، والبيع غير صحيح، وليس للبائع إلا الدراهم التي سلمها المشتري الأخير، سلمها البائع الأخير بل المشتري الأخير؛ لأنه اشتراها منه بنقد، فله جنس تلك الدراهم التي سلمها لصاحب الوعدة، الذي هو صاحب التورق المحتاج، فإذا كان مثلاً شراها من الأول مثلاً بألفين، ثم باعها على صاحب الدكان بألف وستمائة، فالذي يلزمه هو الألف والستمائة؛ لأن الألف والستمائة هي التي قبضها فيردها فقط، يردها على الذي باع عليه السلعة، والأول بيعه ما صح.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088951715

    عدد مرات الحفظ

    780093415