أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا اللقاء.
أيها الإخوة! ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات في هذه الحلقة نطرحها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، نحيي سماحة الشيخ في بداية حلقتنا هذه، كما نحيي الإخوة المستمعين.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: سماحة الشيخ! هذه رسالة وردتنا من جمهورية مصر العربية من أحمد أمين جمعة جمهورية مصر -الزقازيق- يقول في رسالته هذه: السادة أصحاب الفضيلة العلماء في برنامج نور على الدرب! لقد حججت مرتين، واعتمرت أربع مرات، وهذا العام حججت لوالدتي التي لم تستطع أداء المناسك، وأيضاً أخي الذي حج لوالدي الذي لم يستطع أداء المناسك، ونظراً لكبر سنهما فقد نويت عند الإحرام بالحج متمتعاً، وبعد أن وصلت إلى الأراضي الطاهرة قمت بطواف القدوم وطواف السعي، ولم أقصر من شعري، ولم أتحلل إلا بعد رمي الجمرة الأولى، ولم أنحر، ولم أسع مرة أخرى غير طواف الإفاضة وطواف الوداع، فهل يجوز ذلك؟ وهل يحتسب حجة فقط، أم ماذا؟ وما هو حكم الدين في ذلك؟ وهل لي حسنات أجزى بها؟ أفيدوني جزاكم الله الكريم خير الجزاء؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالذي يظهر من سؤال السائل أنه أراد التمتع بالعمرة إلى الحج، ولكنه ما صرح بعمرة، أحرم متمتعاً، فإذا كان أراد بقصده متمتعاً بالعمرة إلى الحج فالقران يسمى تمتعاً، وهذا عمل القارن، كونه طاف وسعى وبقي على إحرامه، هذا عمل القارن، ثم طاف بعد ذلك ولم يسع يجزئ السعي الأول عن السعي بعد الحج، إذا كان نوى أن يؤدي حجاً وعمرة جميعاً فقط، ولم يقصد أنه يتحلل بعد السعي عند قدومه مكة، إنما أراد متمتعاً بالعمرة إلى الحج، يعني: أن يجمع بينهما وأن يقرن بينهما، فهو قد طاف وسعى، ثم طاف بعد الحج، وطوافه للوداع هذا يكفي، لكن عليه هدي، عليه يرسل من يذبح عنه هدياً في مكة؛ لأن القارن مثل من أحل بالعمرة، سواء سواء، فعليه هدي يذبح في مكة، أما إن كان أراد بقوله متمتعاً؛ يريد متمتعاً بالحج لا بالعمرة، وأن قصده حج مفرد، هذا ليس عليه هدي، طوافه وسعيه الأول كافي، وطواف الإفاضة الذي فعله بعد ذلك يكفيه، وطواف الوداع كذلك، وليس عليه سعي آخر، وهكذا إذا كان أراد الحج والعمرة جميعاً ليس عليه إلا سعي واحد وهو السعي الأول الذي فعله يكفيه، لكن إذا كان أراد العمرة وهو يعرفها ويقصدها فإن عليه الهدي، عليه أن يأتي فيذبح بمكة أو يوكل ثقة من الثقات فيذبحه في مكة عن قرانه، ويكون بذلك قد أدى الواجب وهو واجب هدي التمتع، وليس عليه سوى ذلك، والله أعلم.
الجواب: الأفضل أن يكبر وهو واقف تكبيرة الإحرام ثم يجلس، لما جاء في عدة أحاديث فيها الأمر بأن يفعل المسبوق ما يفعله إمامه، وأنه لا ينتظر، بل إذا أتى والإمام على حال فإنه يفعل كما يفعل الإمام؛ فإذا أتاه وهو ساجد سجد، وإذا أتاه وهو راكع ركع، وإذا أتاه وهو جالس جلس، هذا هو السنة، يقف فيكبر وهو واقف تكبيرته الأولى؛ تكبيرة الإحرام، ثم ينحط جالساً.
المقدم: أيضاً سؤاله الآخر قريب من الأول وأنتم أجبتم عليه، يقول: إذا جئت إلى المسجد فوجدت الإمام ساجداً أو سيسجد، فهل أكبر ثم أسجد معه، أم أنتظر حتى يقوم. هذا أجبتم عنه؟
الجواب: يكبر التكبيرة الأولى ثم ينحط ساجداً.
الجواب: إذا أراد أن يصلي بالمرأة فإنها تكون خلفه لا تكون في الصف، ولو كان زوجاً وزوجة، أو مع أمه، أو أخته، أو بنته، المشروع أنها تقف خلفه؛ ولهذا لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بـأم سليم كانت أم سليم خلفهم، صلى بـأنس عن يمينه وأم سليم خلفهم أم أنس ، وهكذا لما صلى بـأنس والحسن بن ضمرة صارا خلفه صفاً وصارت أم سليم خلفهما ولم تصف معهما ولا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فالسنة في موقف النساء خلف الرجال، ولو كانت أم الإمام أو زوجة الإمام لا تصف معه، بل تكون خلفه، هذه السنة، ولا يلزم ذلك أن يصلي جماعة، لو صلى وحده وهي وحدها فلا بأس، لكن إذا أراد أن تصلي معه في التهجد في الليل، أو الفريضة، مثلاً مريض ما يستطيع يخرج للمسجد، أو فاتته الفريضة في المسجد فصلت معه الفريضة لا بأس، أو التهجد لا بأس، يصلي بها لكن تكون خلفه لا معه.
الجواب: اللحية الواجب إعفاؤها وإرخاؤها وتوفيرها، هذا الواجب، وليس لأحد من الناس الأخذ منها ولا حلقها ولا تقصيرها، بل يجب إعفاؤها وتوفيرها وإرخاؤها، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين)، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإرخائها وتوفيرها وإعفائها، فدل ذلك على وجوب هذا الأمر، وأن الواجب على المسلمين طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأن يعفوا اللحى ويوفروها ويرخوها، ولا يعرضوها لقص ولا حلق.
أما ما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها) هذا رواه الترمذي وهو حديث باطل عند أهل العلم ليس بصحيح؛ لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب، فلا يجوز أن يعتمد عليه، وإن كان رواه الترمذي ، فـالترمذي قد يروي أحاديث غير صحيحة، ومنها هذا الحديث وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها) فهذا خبر باطل لا صحة له، وقد يتعلق به من لا يعرف الأحاديث. فينبغي للمسلم التنبه لهذا، وأن هذا الحديث عند أهل العلم ليس بصحيح، وإنما المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بإعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما في أحاديث أخرى.
الجواب: إذا كان عنده مال وهو يحتاج إلى كتب العلم فكتب العلم أولى، يشتري كتب العلم حتى يستفيد منها، أو عنده من يحتاج إليها في بلد، يحطها في مكتبة يستفيد منها طلبة العلم، فكونه يشتري كتباً تنفع الناس مثل الصحيحين، مثل السنن الأربع، مثل المغني، مثل غيرها من الكتب النافعة.. تفسير ابن كثير ، تفسير البغوي ، تفسير ابن جرير .. إلى غير ذلك من الكتب المفيدة، كونه يشتري بها كتب مفيدة في مكتبته يحتاجها هو أو يحتاجها أولاده أو إخوانه طلبة العلم، أو يجعلها في مكتبة المسجد، أو في المكتبات العامة يرد إليها الناس ويستفيدون منها الناس، هذا أولى من الصدقة، وأما إذا كان ما هناك حاجة إلى المكتبة؛ لأن هناك كتباً تغني عن شرائه هو، فإذا تصدق بها على الفقراء من أقاربه أو غيرهم فهذا حسن، هذه قربى إلى الله جل وعلا، لكن الكتب إذا كانت لها حاجة أنفع وأفضل؛ لأن نفعها أعظم.
الجواب: الذي يظهر أن المجلات المفيدة ينبغي أن تشترى وتوزع بين الناس لعظم فائدتها، ولا يمنع من ذلك ما فيها من الصور، مثل مجلة المجتمع، مثل مجلة الدعوة.. مجلة البلاغ، هذه مجلات نافعة ومفيدة، فلا ينبغي أن يتوقف في شرائها من أجل الصور، بل يشريها ويوزعها على المحتاجين لها، ويستفيد منها، والصور لا تمنع دخول الملائكة في مثل هذا فإنها مغطاة، هذه صورة مغطاة تغطى بالأوراق التي عليها، فهي تشبه الصور التي تغطى بخرقة فوقها، وتشبه الصور التي في الفراش الذي يوطأ ويمتهن، والوسائد، فلا تمنع إن شاء الله من دخول الملائكة، لكن على سبيل الاحتياط ينبغي له أن يضع على الرءوس البوية، يعني: يمسحها بالبوية حتى تزول أحكام الصور؛ يعني زال الرأس زال حكم الصورة، ولا سيما إذا كانت على الغلاف، هذه مكشوفة، إذا كانت على الغلاف ينبغي طمسها، يجعل فوقها قرطاسة بالشمع، أو فوق الرأس قرطاسة بالشمع، أو يزيل الرأس بالحبر الذي يزيل معالم الرأس، أو بشيء من البوية ويزول الحكم.
وفي الحقيقة: أن هذا الشيء الذي ذكره السائل مؤلم، ما كان ينبغي لهذه المجلات الطيبة أن تستعمل الصور؛ لأن التصوير محرم، والرسول صلى الله عليه وسلم شدد في ذلك وقال: (كل مصور في النار)، وقال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)، وقال لـعلي : (لا تدع صورة إلا طمستها)، فما كان ينبغي لهؤلاء الذين يصدرون هذه المجلات الطيبة أن يضعوا الصور، فنصيحتي لهم جميعاً أن لا يضعوها، وأن يتركوا الصور، فتكون هذه المجلات سليمة طيبة بعيدة عن هذا التيار الذي وقع فيه الناس، هذه نصيحتي لإخواني في الدعوة، وفي مجلة المجتمع، والبلاغ وغيرها، نصيحتي لهم جميعاً أن لا يضعوا فيها صوراً، وكذلك إذا كتبوا فيها مقالاً لأحد أن لا يضعوا صورته إلا بإذنه حتى لو أذن لا ينبغي أن يصوروه على الصحيح، حتى لو أذن لا يصورونه، وأنا أحرج كل من نقل عني مقالاً أن يضع صورتي، أنا لا أسامحه، ولا أبيحه أن يضع صورتي، كل من كتب عني أنا أحرجه أن يضع صورتي، ولا أرضى بذلك؛ لأني أعتقد أنه لا يجوز التصوير مطلقاً، فأنا أقول لكل من نقل عني في أي مجلة أو في أي جريدة: لا أبيحه ولا أسامحه أن يضع صورتي، هذا الذي أقوله لإخواني جميعاً، وأنصح به إخواني جميعاً، وأبلغهم إياه من طريق هذا المنبر أني لا أرضى أن توضع صورتي مع أي مقال أو فتوى تنشر عني، هذا اعتقادي، وإن كان التصوير قد يحتاجه بعض الناس مثل التابعية، والجواز، ورخصة القيادة، هذا شيء آخر، قد يقال: إن صاحبها في ضرورة أو مكره، فيعفى عنه إن شاء الله؛ لأنه مضطر إلى التابعية ونحوها، لكن نقل المقالات في الصحف ليس هناك ضرورة إلى وضع صورة صاحبها، صاحب المقال معروف وإن لم توضع صورته.
الجواب: نكاح الشغار، ويسميه بعض الناس نكاح البدل لا يجوز، وهو أن يقول: زوجني بنتك، أو زوج ولدي أو أخي أو ابن أخي وأزوجك بنتي، أو أزوج ولدك، أو ابن أخيه، هذا لا يجوز، هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وزجر عنه في عدة أحاديث، الرسول صلى الله عليه وسلم زجر عن نكاح الشغار، وهو ما يسمى: نكاح البدل، فلا يجوز أبداً لأي مسلم أن يتزوج نكاح الشغار ولو بالمهر المعتاد، لا يجوز هذا؛ لأن الشرط نكاح في نكاح، وعقد في عقد، فهو من جنس بيعتين في بيعة، ولأنه يفضي إلى فساد كبير وإلى نزاع وخصومات، وإلى إجبار النساء وظلم النساء من جهة أوليائهن لمصالحهم أو مصالح أولادهم، أو أبناء إخوتهم أو نحو ذلك، ثم يفضي إلى النزاع بعد ذلك، كلما تنازع زوج مع زوجته خرجت الأخرى.
فالمقصود أنه منكر، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عنه، ويكفي هذا، ولكن مع هذا كله يقع أهله في مشاكل كثيرة، وهذا من شؤم الذنوب وشؤم المعصية، معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن المعصية لها عواقب وخيمة، فالذين يقعون في الشغار ويعصون الرسول صلى الله عليه وسلم تقع لهم مشاكل مع نسائهم في الغالب.
فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك، وأن لا يتزوج بالشغار أبداً، والنكاح بالشغار غير صحيح.
الجواب: ما نعلم فيه بأساً، إذا حضر الجنازة صلى عليها مع جماعة، ثم حضر جماعة وصلى معهم عليها في المقبرة أو في أي مكان لا حرج في ذلك إن شاء الله، لا بأس بذلك، الواجب أن يصلى عليها مرة واحدة، لكن لو قدر أنهم صلوا عليها في المسجد، ثم جاء آخرون وصلى معهم في المقبرة أو في مسجد آخر وحضر معهم وصلى لا بأس، كل هذا من مزيد الخير.
المقدم: إلى هنا أيها الإخوة نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي استعرضنا فيه رسائل الإخوة: أحمد أمين جمعة من جمهورية مصر العربية من الزقازيق، وسائل لم يذكر اسمه وسأل عن ستة أسئلة متفرقة، وإبراهيم حسين الحويطي من جدة البريد المركزي، وخلف سرور من جدة، وأخيراً الأخ يحيى محمد جابر غزواني من نجران، ويسأل عن تعدد الصلاة على الجنازة.
عرضنا أسئلة الإخوة الذين ذكرنا أسماءهم على سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة على استفساراتكم عن أمور دينكم، حتى نلتقي إن شاء الله تعالى في الأسبوع القادم مع سماحة الشيخ نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر