إسلام ويب

فريضة الزكاة في الإسلامللشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الزكاة حق المال فيجب إخراجها إذا توفرت فيها الشروط من حولان الحول وبلوغ النصاب المقدر لها شرعاً، والأصناف التي تجب فيها الزكاة، ومن ثمَّ يأتي الوعيد لمن أنكر فرضيتها وجحدها أو امتنع عن أدائها بخلاً وشحاً، وإذا أخرجها الإنسان لابد أن تكون لأناس مخصوصين بينتهم الآيات الكريمات في سورة التوبة. فالحذر الحذر!! من التلاعب في إخراجها أو وضعها في غير محلها، فالإنسان يتعامل مع ربه جل وعلا الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

    1.   

    الوعيد الرباني لمانعي زكاة أموالهم

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأدوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم التي مَنَّ الله بها عليكم حيث لم تجدوها، فقد أخرجكم الله تعالى من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ولا تملكون لأنفسكم ضراً ولا نفعاً، ثم يسر لكم الرزق وأعطاكم ما ليس في حسبانكم، فاشكروا الله على هذا -أيها المسلمون- وأدوا ما أوجب الله عليكم في هذه الأموال لتبرئوا ذممكم وتطهروا أموالكم وتزكوا نفوسكم، واحذروا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، وإياكم والبخل بما أوجب الله عليكم فإن ذلك هلاككم ونزع بركة أموالكم.

    أيها المسلمون: إن أعظم ما أوجب الله عليكم في أموالكم وأفضل ما أوجب عليكم هي الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وجاء في منعها والبخل بها الوعيد بالنيران، قال الله عز وجل: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180] بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية في قوله: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له شجاعاً أقرع -والشجاع الأقرع هي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها- له زبيبتان يطوقه يوم القيامة -والزبيبتان غدتان مثل الزبيب مملوءتان من السم القاتل- يأخذ بلهزمتيه -يعني: شدقيه- يقول: أنا مالك أنا كنزك)رواه البخاري .

    وقال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35] قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان هذه الآية: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد) أخرجه مسلم .

    [وحق المال هو الزكاة] كما قال ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

    أيها المسلمون: إن النبي صلى الله عليه وسلم بين في هذا الحديث العظيم أنه لا يحمى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا، وإنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلها، فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، وأنه إذا أحمي عليها لا يكوى بها طرف من الجسم متطرف، وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية، الجباه من الإمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف، وأنه إذا كوي بها الجسم لا تترك حتى تبرد وتزول حرارتها ولكنها كلما بردت أعيدت فأحمي عليها في نار جهنم، وإن هذا العذاب ليس في يوم ولا في شهر ولا في سنة، ولكنه في يوم مقداره خمسون ألف سنة.

    فيا عباد الله: إننا نؤمن بذلك إيماناً يقينياً كما نؤمن بالشمس أمام أعيننا، فيا من آمنوا بالله! يا من صدقوا بكتاب الله! يا من صدقوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها، وما فائدتها، إنها تكون نقمة عليكم وثمرتها لغيركم، إنكم لا تطيقون الصبر على وهج نار الدنيا، فكيف تصبرون على نار الآخرة.

    فاتقوا الله عباد الله! وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسكم، وإنني أسأل: هذه الأموال التي بين أيديكم هل اكتسبتموها بحذقكم ومهارتكم أم أن الله عز وجل هو الذي ساقها إليكم؟!

    إننا نجد الرجل الحاذق الماهر الكيس فقيراً لا يملك شيئاً، ونجد الرجل الذي دونه في ذلك قد أغناه الله تعالى غناة واسعة.

    إذاً ليست هذه الأموال من كسبنا ولا من حولنا وقوتنا ولكننا نحن سبب، نفعل الأسباب والرازق هو الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم -يعني في الغنيمة- والله معطٍ) فالمعطي والمانع هو الله عز وجل.

    ففكروا -أيها المسلمون- في هذه الأموال، التي منّ الله عليكم بها هي أمر يسير بالنسبة لملك الله عز وجل، فلله ملك السماوات والأرض والله عز وجل لم يطلب منكم الزكاة لحاجته إليها، ولكنه طلب منكم الزكاة مبيناً فائدتها وحكمتها في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].

    1.   

    الأموال التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها

    أيها المسلمون: لئن سألتم: ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة؟

    فإننا نقول: إن الله بحكمته ورحمته لم يجعل الزكاة واجبة في كل شيء، وإنما جعل الزكاة في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، إن الزكاة واجبة في الذهب والفضة على أي حال كانت، سواء كانت جنيهات وريالات، أم قطعاً من الذهب والفضة، أم حلياً من الذهب والفضة سواء كان ذلك للبس أو للبيع أو للتأجير، فالذهب والفضة جاءت نصوص الكتاب والسنة بوجوب الزكاة فيهما عموماً بدون تفصيل فمن ادعى خروج شيءٍ من أفراد هذه العمومات فعليه الدليل وإلا فقد قامت عليه الحجة لأن العام يشمل جميع أفراده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (إنكم إذا قلتم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) فإذا جاءت النصوص عامة في وجوب زكاة الذهب والفضة، فمن أخرج الحلي منها فعليه الدليل من كلام الله أو من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وأما إخراج الحلي بالأقيسة الضعيفة فإنه لا عبرة به، وإنني أقول: هناك نصوص من السنة خاصة في إيجاب الزكاة في الحلي فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار، فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام : رواه الثلاثة وإسناده قوي، وقال علامة هذه المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز : إن إسناده صحيح، وإذا كان هذا الحديث على هذه القوة ومؤيداً بعمومات الكتاب والسنة فما بالنا نتتبع الرخص في هذا الأمر العظيم.

    إن العلماء إذا اختلفوا في مسألة فإن مرجعهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا إلى قول فلان وفلان، وليس قول أحد من الناس حجة على الآخرين إلا أن يكون مؤيداً بكتاب الله أو بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].

    ولئن سألتم: هل تجب الزكاة في الذهب والفضة سواء كانت قليلة أم كثيرة؟

    فإن الجواب على ذلك: أن جميع الأموال الزكوية لا تجب فيها الزكاة إلا إذا بلغت نصاباً.

    نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً. وزن ستة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة، فما دون ذلك لا زكاة فيه.

    أما نصاب زكاة الذهب فإنه عشرون مثقالاً. وزن خمسة وثمانون غراماً فما دون ذلك فلا زكاة فيه.

    ومقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر، وطريق ذلك أن تقسم ما عندك على أربعين فما خرج بالقسمة فهو الزكاة، وتجب الزكاة أيضاً في الأوراق النقدية إذا بلغت ما يساوي ستة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة وفيها ربع العشر.

    وتجب الزكاة كذلك في الديون التي في ذمم الناس إذا كانت من الذهب أو الفضة أو الأوراق النقدية، وبلغت نصاباً بنفسها أو بضمها إلى ما عنده من جنسها سواء كانت حالة أم مؤجلة، ولكن الديون على الفقراء لا زكاة فيها إلا إذا استلمها الإنسان فإنه يزكيها لمدة سنة واحدة.

    وكذلك الديون عند شخص أو جهة لا يمكنك مطالبتها فإنه لا زكاة فيها حتى تقبضها ثم تزكيها بسنة واحدة.

    وتجب الزكاة في عروض التجارة وهي ما أعده الإنسان للتكسب من عقار أو أثاث أو مواشٍ أو سيارات أو مكائن أو أطعمة أو أقمشة أو غيرها فتجب فيها الزكاة وهي ربع عشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تم الحول وجب على التاجر أن يثمن ما عنده من العروض ويخرج ربع عشر قيمتها سواء كانت القيمة مثل الثمن أو أقل أو أكثر، فإذا اشترى سلعة بألف ريال مثلاً، وكانت تساوي عند تمام الحول ألفين وجب عليه زكاة ألفين، وإذا كانت لا تساوي عند الحول إلا خمسمائة لم يجب عليه إلا زكاة خمسمائة، وإذا كان لا يدري هل تزيد عن ثمنها الأول أو تنقص فإنه يعتبر الثمن الأول؛ وذلك لأن الزيادة والنقص مشكوك فيهما وما شك فيه فإنه يرجع فيه إلى اليقين.

    ولا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، فلو نفذ المال قبل تمام الحلول بنفقة أو تلف أو نقص عن النصاب فلا زكاة فيه، ولو مات المالك قبل تمام الحول ولو بأيام فلا زكاة عليه، وإنما تجب الزكاة على الورثة بعد تمام الحول من موت مورثهم إذا تمت شروط الوجوب في حقهم، ويستثنى من ذلك عروض التجارة، فإن ربحها تابع لأصلها، لأن الفرع يتبع الأصل كما قررناه فيما سبق، وكذلك لو استبدل العروض بعضها ببعض فإن المعتبر حول الأول، مثاله: إذا اشتريت سلعة بألف ريال مثلاً، وبقيت عندك وقبل أن يتم الحول بعتها واشتريت سلعة أخرى للتجارة، فإنك تزكي السلعة الثانية إذا تم حول السلعة الأولى لأن عروض التجارة يقوم بعضها مقام بعض.

    وإذا كان الشخص يملك المال شيئاً فشيئاً مثل الرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحول عليه الحول، أما إذا كان ينفق رواتبه كل شهر بشهره، فإنه لا يجب عليه شيء من الزكاة في هذه الرواتب لأنها تنفق، ولكن إن كان عنده أموال أخرى فليزكها.

    أما إذا كان لا ينفق جميع الراتب في الشهر فإنه إذا تم الحول يخرج زكاة ما عنده والأحسن والأريح له أن يخرج زكاة الجميع وتكون بالنسبة لما لا يتم حوله معجلة.

    وإذا كان للإنسان عقار يسكنه أو سيارة يركبها أو مكينة لفلاحته أو عقارات يؤجرها فإنه ليس فيها زكاة، ولكن الزكاة فيما يحصل منها من الأجرة.

    وإذا كان للإنسان أرض يريد أن يبني عليها مسكناً له أو للإيجار فلا زكاة عليه فيها.

    وكذلك إذا أبقاها للحاجة يقول: إن احتجت بعتها وإلا أبقيتها فلا زكاة عليه فيها، وكذلك إذا أبقاها متردداً فيها هل يبيعها أو لا فلا زكاة عليه فيها.

    وكذلك إذا كان عنده عقار انتهت حاجته منه فعرضه للبيع فلا زكاة عليه فيه؛ لأن هذا ليس من عروض التجارة، ولكنه من الأموال التي انتهت حاجته منها وأراد بيعها.

    فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل واعرفوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم، وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسكم محتسبين بها الأجر من الله، فإن الله يقول: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].

    والزكاة من سبيل الله، بل إخراج الزكاة أفضل من إخراج المال في الجهاد، لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام.

    أسأل الله أن يعينني وإياكم على خلاص ذممنا من الواجب له ومن الواجب لعباده، وأن يعيننا على ما فيه صلاحنا وفلاحنا وزكاتنا إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ينجو بها العبد إذا أخلصها يوم نلاقيه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الإخوة المسلمون: فإن المؤمن إذا قضى الله ورسوله أمراً، لم يكن له الخيرة من أمر الله ورسوله، كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36].

    معنى الآية: أن الله إذا قضى ورسوله أمراً فإن المؤمن لن يختار سوى ما قضى الله ورسوله، فإن اختار سواه فقد عصى الله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36].

    وإنكم سمعتم في الخطبة الأولى شيئاً مما تجب فيه الزكاة، وإنني أقول في هذه الخطبة: إن الزكاة لا تبرأ بها الذمة ولا تكون مقبولة عند الله إلا إذا وضعها الإنسان في مواضعها التي فرض الله أن توضع فيها، واستمعوا إلى هذه المواضع، استمعوا إلى قول الله عز وجل: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60] هذه الآية -كما يعرف علماء البلاغة واللغة- جاءت عن طريق الحصر بـ"إنما" وكأنما العبارة: (ما الصدقات إلا للفقراء و...) والحصر كما قال العلماء: هو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه.

    فقد حصر الله سبحانه الصدقات في هذه الأصناف الثمانية لا تجزئ في غيرها، فلا يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد، ولا يجوز إخراج الزكاة في إصلاح الطرق، ولا يجوز إخراج الزكاة في بناء المساكن للفقراء، ولا غير ذلك، اللهم إلا فقيراً معيناً تدرس حاله وينظر فيه.

    هذه الصدقات للفقراء والمساكين، وضابط هذين الصنفين ألا يكونوا قادرين على نفقاتهم ونفقات عوائلهم لمدة عام كامل، فإذا قدرنا أن شخصاً من الناس له راتب قدره ثلاثة آلاف وعنده عائلة لا يكفيهم في الشهر إلا أربعة آلاف فإننا نعطيه من الزكاة اثني عشر ألفاً لأنه يحتاج كل شهر لسداد نفقته ألفاً، فنعطيه ما يسد نفقته، ولكننا إذا خفنا إذا أعطيناه المبلغ كاملاً أن يفرط فيه ويفسده، فلا بأس أن نقسطه عليه بكل شهر حماية له من الفساد.

    وهنا مسألة يجب أنبه عليها وأن تنتبهوا لها: وهي أن بعض الفقراء يريد أن تكون نفقته كنفقة الأغنياء؛ فتجده يريد أن يكمل النقص فينفق من الأطعمة وينفق من الأكسية وينفق من الكماليات ما ينفقه الأغنياء وهو في هذه الحال مسرف والله لا يحب المسرفين، والواجب أن يعرف الإنسان حاله وألا ينفق إلا بقدر ما أعطاه الله عز وجل كما قال الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7].

    ومن الأمثال العامية المطابقة للحكمة تماماً: (مد رجلك على قدر لحافك) فلا ينبغي بل ولا يجوز للفقير أن يصرف من النفقات مثلما يصرفه الأغنياء بل يصرف على قدر حاله، ومن يستعفف يعفه الله.

    وأما الغارمون: فالغارمون هم الذين عليهم ديون للناس، سواء كانت ثمن مبيع أو أجرة سكن أو غير ذلك، فهؤلاء إذا لم يكن عندهم ما يكفيهم لسداد الديون فلا حرج أن نقضي عنهم الديون من الزكاة، ولكن هل نعطيه هو ليوفي عن نفسه، أو نذهب نحن إلى صاحب الدين ونسدد الدين عمن هو عليه؟

    نقول في هذا: ينظر إلى المصلحة؛ فإذا كان المستدين رجلاً حريصاً على إبراء ذمته رشيداً في تصرفه فإننا نعطيه ليوفي حتى لا يكون لنا منة عليه أمام الناس، أما إذا كان رجلاً أخرق سفيهاً لا يبالي باشتغال ذمته بالديون فإننا نذهب إلى صاحب الدين ونسدد الدين عمن هو عليه حتى تبرأ بذلك ذمته، ولا تحقروا شيئاً من المعروف، لا تقولوا: هذا مدين بديون كثيرة وزكاتنا قليلة، فإن الكثير من القليل كثير.

    أيها المسلمون: وإن من الحاجة الملحة حاجة الشاب أو غير الشاب إلى الزواج إذا كان ليس عنده ما يعفه وإذا كان ليس قادراً على المهر، فلا حرج أن نعينه من الزكاة في مهره حتى يتزوج؛ لأن الزواج من أهم الأمور، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم به في قوله: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فإذا عرفنا أن هذا الرجل محتاج إلى الزواج وليس عنده من المهر ما يكفيه فلا حرج أن نعطيه من الزكاة من أجل استكمال المهر؛ لأن هذه حاجة ملحة.

    أيها المسلمون: إن من أدى الزكاة في غير محلها فهو كمن صلى الصلاة في غير وقتها لا تبرأ بها ذمته ولا يسقط عنه الواجب، فعلينا أن نحرص غاية الحرص على وضعها في محلها وألا نحابي بها قريباً ولا صديقاً ولا بعيداً ولا شريفاً ولا أحداً من الناس إلا من كان من أهلها، وإذا اجتمع عندنا رجلان كلاهما مستحق ولكن أحدهما قريب فإن القريب أولى؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، ولكن إذا كان القريب ممن تجب نفقته عليك وكان مالك يتحمل الإنفاق عليه فإنه لا يجوز أن تعطيه للإنفاق من زكاتك، لأنك إذا أعطيته ذلك فإنك بهذا تحمي مالك من النفقة.

    أما قضاء الدين عن المدين الذي لا يستطيع وفاءه وهو من قرابتك فلا بأس أن تقضيه من زكاتك ولو كان ابنك أو أباك أو أخاك؛ لأن الدين لا يجب على الإنسان قضاءه ولو كان على أبيه أو ابنه أو أخيه، فإذا سدده من زكاته فلا حرج عليه ولكن بشرط ألا يكون عنده ما يوفي به.

    فاعلموا -أيها المسلمون- حدود الله، واتبعوا ما أوجب الله عليكم، وتجنبوا ما حرم الله عليكم لعلكم تفلحون قال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132].

    اللهم إنا نسألك أن ترحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا ذا الجلال والإكرام!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المسلمين في كل مكان على من ناوءهم وعلى من عاداهم، وعلى من قام ضد حركاتهم يا رب العالمين!

    اللهم ومن قام ضد الحركات الإسلامية المبنية على كتاب الله وسنة رسوله اللهم فاخذله وأسقطه وأذله يا رب العالمين! إنك جواد كريم.

    اللهم انصر من قام بالإسلام على من خالفه، اللهم انصر من قام بالإسلام على من خالفه في أي مكان يا رب العالمين!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794029