إسلام ويب

اللقاء الشهري [8]1،2للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد فرض الله سبحانه وتعالى علينا الصيام وجعله ركناً من أركان الإسلام لا يتم الإسلام إلا به، ورتب عليه الأجر العظيم والثواب الجزيل، وقد بيَّن أحكامه في كتابه الكريم، وفي هذه المادة تناول الشيخ أيام الصيام بشيء من الشرح وبيان الأحكام، ثم يجيب عن الأسئلة الواردة في اللقاء.
    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإنها لمناسبة كبيرة جليلة أن نلتقي في هذا اللقاء المبارك الذي سماه أخونا الشيخ حمود بن عبد العزيز الصايغ محاضرة، والمقصود هو الفائدة، وسمها ما شئت: محاضرة، لقاءً مفتوحاً، غير مفتوح، سمها كما تحب والمهم هو الفائدة، هذا اللقاء في وقته مناسب، وفي مكانه مناسب: أما وقته فإنه باستقبال شهر رمضان المبارك، الذي أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يصومه ويقومه إيماناً واحتساباً، ويُغفر له ما تقدم من ذنبه.

    وأما مكانه ففي الجامع الكبير في مدينة عنيزة، الجامع القديم الذين هو أقدم الجوامع في هذا البلد فيما نعلم، ويقع هذا اللقاء ليلة الأحد الثالث والعشرين من شهر شعبان عام (1413هـ).

    إن موضوع هذا اللقاء هو الكلام عن الصيام والقيام، وفي اللقاء الذي سيكون إن شاء الله دورياً في رمضان سيكون الكلام عن الزكاة أيضاً.

    وقد طلب مني الأخ الشيخ حمود بن عبد العزيز الصايغ أن أقدم بين يدي الكلام تفسيراً موجزاً لآيات الصيام، وكان هذا قد وقع في قلبي من قبل، فإني قد هممت أن أتكلم على آيات الصيام في كتاب الله عز وجل؛ لأن خير ما يُربط به المؤمنون هو كتاب الله عز وجل، ولهذا ينبغي لكل فقيه ولكل محاضر ولكل داعية أن يربط الناس بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لفوائد متعددة، منها:

    ربط الناس بالأصول؛ لأن أصول شريعتنا تنحصر في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والقياس والإجماع فرع عنهما؛ ولأن الناس إذا ربطوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم شعروا بأنهم يؤدون العبادات ويقومون بالمعاملات، اتباعاً لإرشاد الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكون الإنسان يعتقد وهو يعمل العمل أنه متبع لكتاب الله ولسنة الرسول خيراً من كونه يعمله وهو يعتقد أنه آخذ بالكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني.

    المقلدون تقليداً محضاً الذين يعتمدون على كتب الفقهاء دون الرجوع إلى الأصول من الكتاب والسنة تجد الواحد منهم إذا عمل العمل يشعر بأنه مربوط بكلام العالم الذي قلده، لكن إذا حاولنا أن نربط الناس بكتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام كان ذلك خيراً وأفضل، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلن في خطبة الجمعة يقول: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم).

    والذي أرجو من إخواني طلبة العلم والدعاة إلى الخير والمرشدين أن يلاحظوا هذه المسألة، وأن يربطوا الناس بكلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام حتى يعبد الناس ربهم وهم يشعرون بأنهم يفعلون ما يفعلون امتثالاً لأمر الله واتباعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

    ولهذا نجد الصحابة والتابعين عندما يريد أحد منهم أن يتكلم يقول: لأن الله قال؛ لأن رسول الله قال، وهذا أمر مهم جداً.

    وبناءً على ذلك أقول: إن الله تعالى في كتابه قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

    تأمل الخطاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:183] يخاطبنا الله عز وجل وينادينا باسم الإيمان أو بوصف الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:183] إذاً .. نحن مؤمنون فماذا تريد منا يا ربنا؟ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] كتب أي: فرض، وليس هذا الفرض تكليفاً لكم أنتم أيها الأمة وحدكم بل هو مكتوب على من قبلكم: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183].

    وفي قوله: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] فائدتان:

    الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة إذا أصابها ما يصيبها من الجوع والعطش بسبب الصيام، فإن الإنسان يتسلى بما يصيب غيره.

    الفائدة الثانية: بيان أن الله استكمل لهذه الأمة الفضائل التي نالتها الأمم السابقة: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] ولهذا كانت شريعتنا -ولله الحمد نسأل الله أن يثبتنا عليها- متممة للشرائع السابقة حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام وصف رسالته بأنها كقصر تام البناء إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون بهذا القصر يدورون عليه ويتعجبون منه، إلا أنهم يقولون: هذا الموضع -موضع اللبنة- يعتبر ثلمة في القصر، ونقصاً فيه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (فأنا اللبنة الذي تمم هذا القصر)، ولهذا بعث عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق.

    قوله تعالى: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] لماذا؟ هل لأجل أن نجوع ونعطش؟ لا. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] أي: من أجل أن تتقوا الله.

    قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه).

    ومن هنا يجب أن نشعر ونحن نصوم فنمسك عما أحل الله من الأكل والشرب والنكاح، نشعر بأننا نفعل هذا تعبداً لله وامتثالاً لأمره وتنفيذاً لفرضه، وأننا نتوسل بذلك ونتوصل إلى التقوى .. إلى اجتناب المحرمات والقيام بالواجبات.

    أكثر الناس يظنون أن الصيام مجرد حبس النفس عن الأكل والشرب والنكاح، فتجدهم يقضون أوقات النهار بالنوم أو العبث أو اللعب أو ما أشبه ذلك، وهذا خطأ، إذا صمت فليصم منك السمع والبصر واللسان والجوارح، اتق الله، تجنب محارم الله، قم بما أوجب الله عليك من الواجبات، صل مع الجماعة، أكثر من قراءة القرآن، أكثر من الصدقة، أكثر من الإحسان حتى تنال الحكمة التي من أجلها فرض الصوم.

    ما هذا الصوم؟ هل هو أشهر؟ هل هو سنوات؟ هل هو أسابيع؟ استمع: أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184] لماذا قال: أياماً معدودات؟ لتقليلها وتهوينها على الإنسان، ليست شهوراً ولا سنين: أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184].

    قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] هذا تسهيل آخر، مع ذلك لا يجب على كل واحد أن يصوم، المريض الذي يشق عليه الصوم يفطر .. ومتى يصوم؟ عدة من أيام أخر، المسافر ولو في الطائرة، ولو في سيارة مكيفة، ولو في أيام الشتاء يفطر تيسيراً : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].

    ثم قال وهذا تسهيل ثالث: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184] هذا تسهيل ثالث أن الإنسان مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر وفدى.

    قال: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] أي: يستطيعون أن يصوموا، فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً [البقرة:184] ودفع الفدية فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184] الصيام خير من الفدية، لكن كله جائز إن شئت فصم وإن شئت فأفطر وافدِ، هذه ثلاثة تسهيلات:

    الأول: أياماً معدودات.

    الثاني: سقوط الصيام عن المسافر والمريض إلى أيام أخر.

    الثالث: التخيير، إن شئت فصم وإن شئت فأفطر، ولكن إذا أفطرت فلا بد من الفدية وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً [البقرة:184] وأدى الفدية:فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184].

    ولكن .. هل هذه التخييرات الثلاثة بقيت؟

    وهل الأيام بقيت مبهمة أي: أياماً معدودات -لا ندري قد تكون في شعبان .. في رمضان .. في رجب .. في شوال .. في ربيع.. هل بقيت الأيام مبهمة؟

    وهل بقي التخيير بين الصيام والفدية على ما هو عليه من التخيير؟

    وهل بقي الترخيص للمريض والمسافر في الفطر؟

    لننظر.. اقرأ الآية التي بعدها: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] هذه هي الأيام، إذاً.. الأيام المبهمة أولاً عينت في الآية الثانية بأنها شهر رمضان، ولماذا خص شهر رمضان؟ لماذا لم يكن الصوم في رجب؟ لماذا لم يكن في ذي القعدة؟ لماذا لم يكن في ذي الحجة؟ لماذا لم يكن في المحرم؟ هذه الأشهر الأربعة هي الحرم فلماذا لم يكن الصيام في الأشهر الحرم؟

    لأن الأشهر الحرم جبين السنة، قال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة:36] لماذا لم يكن الصيام في أحد الأشهر الحرم؟ استمع: شَهْرُ رَمَضَانَ [البقرة:185] لماذا خص رمضان؟

    الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] فشهر حصلت فيه هذه البركة العظيمة، جدير بأن يكون محل الصوم، ولهذا كان ارتباط القرآن بالصوم.

    كان النبي عليه الصلاة والسلام ينزل عليه جبريل في كل رمضان يدارسه القرآن، ولا ينزل عليه في غيره من الشهور، ينزل عليه بالوحي لا بأس، لكن لا ينزل للمدارسة إلا في شهر رمضان، يدارسه القرآن كل سنة مرة، إلا في السنة التي توفي فيها دارسه إياه مرتين.

    إذاً .. هناك ارتباط بين الصيام وبين رمضان: أنه أنزل فيه القرآن، أشرف كتاب أنزل هو القرآن، كتاب حاكم سلطان على جميع الكتب: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة:48] الهيمنة للقرآن، هو سلطان الكتب، هو الحاكم على الكتب، كما أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هو سلطان الأنبياء وإمام الأنبياء، والناسخ لجميع أديان الأنبياء.

    قوله تعالى: الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] لماذا أنزل؟ السبب: هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] هدى للناس كلهم، كل من قرأ القرآن وجد فيه العلم الكثير، حتى اليهود والنصارى لو قرءوا القرآن لوجدوا فيه العلم الكثير، فهو هدى للناس. (وبينات) علامات ودلالات واضحات: (من الهدى والفرقان) ففي القرآن فرقان بين الحق والباطل .. فرقان بين الضار والنافع .. فرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان .. فرقان في كلما يحتاج إلى تفريق مبين موضح: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] أي: شهر رمضان، و(أل) هنا للعهد الذكري: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] في الآية بيان شيء مبهم في الآية التي قبلها، ما هو المبهم في الآية التي قبلها؟ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184] بينت بأنها شهر رمضان.

    في الآية الثانية تقرير لحكمٍ سابق في الآية الأولى وهو؟ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] هذا تقرير للحكم السابق والذي بقي علينا من الحكم السابق هو التخيير بين الصيام والفدية هل بقي؟ لا. ولذلك لم يأتِ في الآية الثانية قال: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] إذاً: التخيير الذي كان في الآية السابقة نسخ ولهذا كأني رأيت في بعضكم لما كنت أتكلم عن الآية الأولى رأيت في وجوه بعضكم استنكاراً! كيف يخير الإنسان بين الصيام والفدية، لكن الآن تبين ألا خيار وأنه يتعين الصيام ولهذا قال: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] فلا بد من الصيام ولا تخيير.

    إذاً: ما الحكمة في أن الله تعالى يخيرنا أولاً ثم يلزمنا بالصيام ثانياً؟

    الجواب: الحكمة أن الصيام فيه نوع من المشقة ولا سيما في الحجاز ، وإن كان الصوم إنما فرض في المدينة وهي أخف حراً من مكة ، لكن فيها نوع حرارة ولا سيما إن كان أول ما فرض الصيام في الصيف، ففي الصيام نوع من المشقة، وليس من الحكمة أن تجابه النفوس من أول الأمر بالإلزام، وإنما يبين أن الصوم هو خير وأن الإنسان مخير.

    وذو الهمة العالية إذا قيل له: الفدية جائزة والصوم خير، ماذا يختار؟ الصوم.

    فتنقاد النفوس وتترقى شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى الالتزام وهذا من حكمة الله عز وجل التدرج في التشريع.

    الخمر أنزل الله فيه أربع آيات: أحله في آية، وأشار إلى تحريمه في آية، ومنعه في وقت دون وقت، ومنعه منعاً نهائياً، لماذا؟ لأن النفوس متعلقة به، لو جوبهت من أول مرة: لا تشربوا الخمر، ربما يشق أو يحصل مخالفة والإنسان بشر سواء كان من الصحابة أو من بعدهم كلهم بشر: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل:67] هذه الآية فيها إباحة؛ لأن الله ذكرها في سياق الامتنان: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل:67] أي: الذي يسكر ويطرب والذي يبيع ويترزق به.

    وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] فيها إشارة إلى أن ضررها أكبر من نفعها.

    والإنسان العاقل هل يأخذ ما ضرره أكبر وإثمه أكبر أو يتجنبه؟ يتجنبه طوعاً واختياراً.

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43] الآية الثالثة ماذا فيها؟

    منعه في وقت دون وقت .. متى؟ وقت الصلاة، لا تقرب الصلاة وأنت سكران، إذاً: لا تسكر عند الصلاة، في وقت الصلاة تجنب السكر.

    ثم جاء قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] هذه الآية الرابعة: (اجتنبوه) ليس هناك تفصيل.

    إذاً.. نجد أن الله سبحانه وتعالى بحكمته لا يأتي النفوس بما قد يكون شاقاً عليها مباشرة ولكن بالتدريج.

    قال الله عز وجل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [البقرة:185].

    ماذا نفهم من هذه الجملة بعد قوله: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]؟

    أفهم منها أنه لا ينبغي للمريض أن يشق على نفسه بالصوم ولا ينبغي للمسافر أن يشق على نفسه بالصوم، بل يفعل ما هو أسهل ولو كان مرضه خفيفاً، ما دام الصوم يشق عليه بسبب المرض فالأفضل أن يفطر حتى ولو كان زكاماً؛ لأن الزكام في الغالب يحتاج الإنسان فيه إلى ماء؛ لأن الجسم يفرز ماءً كثيراً مع الزكام، فيحتاج إلى الماء، فإذا كان يشق عليه الصوم، نقول لك: أفطر يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ [البقرة:185] اللهم لك الحمد يا ربنا: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [البقرة:185].

    اليسر محبوب إلى الله، والعسر مكروه إلى الله، لا تعسر، ولهذا لما قال عبد الله بن عمرو بن العاص : (إني أقوم ولا أنام، وأصوم ولا أفطر، فمنعه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: لا تفعل، إن لربك عليك حقاً وإن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً) وفي بعض ألفاظ الحديث: (ولزورك -الزائر لك- عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه) وتدرج به إلى أن رخص له في شيء واحد في الصيام، أن يصوم يوماً، ويفطر يوماً، وفي القيام ينام نصف الليل ويقوم ثلث الليل وينام سدس الليل.

    قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] اللهم لك الحمد، (لتكملوا العدة ولتكبروا الله) متى يكون التكبير؟ عند تمام العدة في ليلة العيد (على ما هداكم) هل هداية توفيق أم هداية دلالة أم هما معاً؟ الاثنان معاً، على ما هداكم ودلكم عليه، وعلى ما وفقكم؛ لأن الإنسان إذا استكمل العدة فهو توفيق من الله وهداية: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].

    ثم قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] قال بعض العلماء: ذكرت هذه الآية بعد آية الصوم إشارة إلى أن الصيام من أسباب إجابة الدعوة، ولهذا جاء في الحديث: (للصائم عند فطره دعوة لا ترد).

    هذا ما يسر الله سبحانه وتعالى من الكلام على آية الصيام، وأحببت أن آتي بذلك لما أشرت إليه أولاً من أنني أحب أن يربط المسلمون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    كلنا يتوضأ إذا أراد الصلاة، لكن هل منا من يشعر بأنه إذا قام يتوضأ للصلاة بأن الله يأمره .. يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ويغسل وجهه وهو يشعر بأن الله يأمره بهذا الغسل أم قام يتوضأ لأنه سيصلي؟

    الثاني هو الأكثر، ولهذا أقول: ذق طعم هذا الشعور أنك إذا قمت تتوضأ وكأنك تقرأ قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ذق طعمها تجد لهذا الوضوء الذي هو تنظيف للجسم ظاهراً، تجد أنه ينظف القلب باطناً.

    وكذلك عندما نتوضأ هل نحن نشعر وكأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمامنا يتوضأ فنكون بهذا الوضوء متبعين له؟ قليل، لكن لو شعرت بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كأنه يتوضأ أمامك وأنت متبع له، ماذا يكون طعم الوضوء؟ إخلاص إذا استحضرت الآية، واتباع إذا استحضرت أن هذا صفة وضوء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

    فلهذا أقول: إن الواجب على طلبة العلم من فقهاء ودعاة ووعاظ أن يربطوا الناس بالكتاب والسنة؛ لأن فيه فائدة كبيرة.

    أما ما استقرأه أهل العلم من الأحكام المستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فإننا نذكر منها الآن ما تيسر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088948856

    عدد مرات الحفظ

    780066019