أما بعد:
فهذا هو اللقاء الأخير في هذا العام (1413هـ) الذي حصل بعد موسم الحج، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا عامنا هذا بالمغفرة والعفو والرضوان، وأن يختم حياتنا بالتوحيد والإيمان.
إننا نذكركم نعمة الله سبحانه وتعالى على الحجاج في هذا العام، فإن هذا العام ولله الحمد من أيسر الأعوام على الحجاج، بالنسبة للسير ولتهيئة المشاعر وللجو اللطيف الذي لم يكن فيه مشقة.
ونذكركم أيضاً بأن الحج نوعٌ من الجهاد في سبيل الله فلا بد فيه من المشقة، وكثير من المترفين التالفين إذا رأوا أدنى مشقة عليهم خرجوا من النسك وتحللوا منه ورجعوا إلى بلادهم، وكأنهم يريدون أن يكون النسك نزهة، كما يخرجون إلى المنتزهات والأودية والرمال ورءوس الجبال، وهذا من سفههم، فإن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: نعم. جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه، حيث قال عز وجل: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ [البقرة:195-196] ولهذا كان من شَرَع في الحج أو العمرة ولو كان نفلاً لزمه إتمامهما، كما أن من شرع في الجهاد والتقى الصفان فإنه لا يحل له أن يفر، لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15-16].
كما أذكركم بأن الحج عبادة عظيمة ومسئولية كبيرة، فلا يجوز للإنسان أن يتهاون بها بحيث يخرج إليها وهو لا يعلم شيئاً عن واجباتها وأركانها ومحظوراتها؛ لأنه يخطئ، فإذا أخطأ ثم جاء يسأل عن هذا الخطأ بعد أن وقع فربما يكون خطأً لا يمكن تلافيه، ونضرب لهذا مثلاً:
بعض الناس عندما رأى الزحام في المطاف صار يدخل ما بين الحِجر والكعبة؛ لأنه أقصر وأسهل، وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن الإنسان إذا فعل ذلك فإن شوطه الذي حصلت فيه هذه المخالفة غير صحيح، وإن كان هذا العام -كما ذكر لي- قد وضع المسئولون على باب الحِجر من الناحية الشرقية شباكاً بحيث لا يتجاوزه أحد، ولكن ربما يكون هناك غفلة من بعض الناس فيزيح هذا الشباك ويدخل.
فالمهم أن يحتاط الإنسان لهذا النسك قبل أن يدخل فيه، وأن يحتاط لهذا النسك بعد الدخول فيه، فإذا وقع في شيء يرى أنه مخالف فعليه أن يبادر بالسؤال عنه ما دام في مكة، حتى يسهل عليه تلافي الخطأ وتكميل النسك، ولا يسأل إلا من يطمئن إلى علمه وأمانته، كما أن المريض لا يذهب إلى أي شخص كان ليعالجه؛ بل لا يذهب إلا إلى من يرجو منه المعالجة الصحيحة السليمة.
فكذلك في مسائل العبادة لا يجوز للإنسان أن يسأل إلا من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للإجابة؛ لكونه يعرف أنه عالم وأمين وثقة، حتى يكون على بصيرة من أمره، وما أكثر الذين يبلغنا عنهم إجابات في الحج والعمرة لا أساس لها، لا من السنة ولا من أقوال أهل العلم، بل هي خطأ محض، لكن العامي كالغريق يتشبث بكل شيء، فإذا وجد من يرى أنه من أهل العلم إما لهيئته أو لباسه أو ما أشبه ذلك ذهب يسأله مع أنه جاهل فيضله.
كل هذه مسائل يجب على الإنسان أن يلاحظها ليس في الحج فقط؛ بل في الحج والصيام والزكاة والصلاة والطهارة وغيرها، حتى يعبد الله على بصيرة.
والحج كما نعلم هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فيكون المسلمون قد أنهوا هذا الركن العظيم واستراحوا بعده ولاسيما فيما سبق من الزمن، حيث كانوا يتعبون في الوصول إلى مكة وفي الرجوع منها، فرأوا أن ابتداء السنة يكون في الشهر المحرم، وهذا الرأي رأي موفق وسديد، ولا ينبغي لنا نحن معشر المسلمين أن نتحول عنه إلى تاريخ الأمة الكافرة التي تبني ميقاتها على أشهر وهمية ليس لها أصل وإنما هي اصطلاحية فقط، ثم ينبغي لنا أيضاً ألا نعتبر السنوات الميلادية؛ لأن لدينا السنوات الهجرية التي هي رمز عزتنا وقوتنا وكرامتنا.
وإننا لنأسف أن بعض الناس اليوم وهم قلة ذهبوا يؤرخون بالتاريخ الميلادي، وتنكبوا عن تاريخهم الهجري الإسلامي الذي وضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واتفق عليه المسلمون، ولم نجد أحداً من العلماء يؤرخ فيما سبق بالتاريخ الميلادي أبداً، إنما يؤرخون بالتاريخ الهجري، تولى الخلافة سنة كذا وكذا، يعني: من الهجرة، ولد العالم الفلاني في سنة كذا وتوفي سنة كذا، حصل كذا في سنة كذا وكذا، بالتاريخ الهجري الذي وضعه الخليفة الثاني الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذه الكتب الآن تجد الإنسان إذا انتهى من المُؤلف قال: انتهى من تأليفه في يوم كذا، في شهر كذا من سنة كذا، كله بالهجرية، لكن دخلت الميلادية على المسلمين لما استعمر النصارى بلاد المسلمين في الشام ومصر والعراق وصارت لهم الغلبة والسيطرة؛ لأن العادة والطبيعة والفطرة تقتضي أن المغلوب يقلد الغالب، ولهذا أخذوا بهذا التاريخ، لكن هذه الدولة -السعودية باعتبارها دولة- قد جعلت تاريخها كما في نظام الحكم الصادر تاريخها هو التاريخ الهجري، وهذا لا شك أنه خير، لكن نأسف لبعض الناس الذين تنكبوا هذا وصاروا يؤرخون بالتاريخ الميلادي، مع أن نظام الدولة أن تاريخها هو التاريخ الهجري، بل نظام الأمة الإسلامية منذ وُضع هذا التاريخ في عهد عمر إلى يومنا هذا.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم اتباع سلفنا الصالح عقيدةً ومنهاجاً، وأخلاقاً وآداباً ومعاملة؛ إنه على كل شيء قدير.
الجواب: لا يجوز العمل بهذا القول أي: بترك الجماعة ولا ليومٍ واحد، نعم لو أن الإنسان إذا خرج رأى في نفسه أن المرض يزداد أو أنه يتأخر في البرء، فهذه حالةٌ طارئة يحكم لها بما تقتضيه تلك الحال وقت وجودها، وأما أن يقال للشخص: من تمام العلاج ألا تصل مع الجماعة فهذا ليس بمسلَّم إطلاقاً، ولا يجوز العمل به، والطيب كان الناس يدرءونه فيما سبق بأن يأخذوا معهم ما يعرف بالحلتيت يستنشقه الإنسان، فكلما شم طيباً استنشق الحلتيت حتى يزول عنه أثر الطيب.
الجواب: ما يسمى بعرائس الأطفال وهي الصور المجسمة على صورة امرأة أو بنت أو ولد ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: جائز ولا إشكال فيه، وهو ما صار يصنع الآن حديثاً بحيث تكون الصور كظل ليس لها عين ولا أنف ولا فم وهذه لا إشكال في جوازها، وكان لـعائشة رضي الله عنها بنات من هذا النوع تلعب بهن.
القسم الثاني: ما يصنع من البلاستيك ويكون على شكل الصورة الآدمية تماماً حتى في العيون والشفتين والأهداب والحواجب، حتى إن بعضها ربما تمشي وتصوت، فهذا في جوازه نظر، ولكن لا أشدد فيه؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات، فقد يقال: إنه يدل على الفسحة والتوسع للبنت، لاسيما وأنها يحصل لها بذلك -كما قلت- شيء من المتعة، لكن مع هذا نقول: ما دام وقد وجد ما يغني عن ذلك، فلا ينبغي العدول إلى شيء مشتبه مع وجود شيء لا شبهة فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
أما صور الحيوانات الأخرى كالحصان والأسد وما أشبهها فلا وجه لاقتنائها إطلاقاً ويستغنى عن هذا بصور الآلات المصنوعة كالسيارة والجراف وما أشبه ذلك، فإن الصبي يلهو بها كما يلهو بصور الحيوان الأخرى، وإذا لم يكن فيها بد بأن أهدي للإنسان شيء من هذه الحيوانات فإنه يقطع رأسها ويبقيها بلا رأس ولا حرج في هذا.
الجواب: لا شك أن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم مما أمر الله به، وقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
فإذا دخلت في بيت ووجدته قد علقت فيه الصور فارجع ولا تدخل، إلا إذا أمكنك أن تكلم صاحب البيت بأن يزيلها فإنك تأمره أو تطلب منه أن يزيلها وتدخل؛ لأن في ذلك مصلحتين:
الأولى: إزالة المنكر.
والثانية: إتمام إجابتك للدعوة.
أما إذا كنت تعرف أنه لن يقبل منك ولن يزيل هذه الصور فإنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فلا تدخل، ومثل ذلك أيضاً ما يوجد من صور العائلة أو أبو العائلة أو صور الملك أو صور الأمير أو صور الوزير أو ما أشبه ذلك مما يوجد معلقاً في براويز، فإنك لا تدخل مادام هذا الشيء معلقاً حتى يُزال.
الجواب: تنظيم النسل ليس بيد الإنسان، بل هو بيد من له ملك السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49] وقال: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً [الشورى:50] ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في العزل: (لو شاء الله أن يخلقه ما منعته) قال هذا أو معناه، فالأمر بيد الله، وتنظيم النسل هل هو للمرتقب المقبل أو للنسل الحاضر؟ كل ذلك بيد الله، ربما يريد الإنسان تنظيم النسل بناءً على أن عنده الآن ثلاثة أولاد ثم يأتي على هؤلاء الأولاد حادث يحصدهم جميعاً ولا يبقى له ولد، بناءً على أنه يريد أن ينظم النسل، ولكن في بعض الأحيان قد تضطر المرأة إلى تأجيل الحمل لسببٍ من الأسباب كمرضها أو ضعفها أو عجزها عن القيام بحضانة أولادها، فهذا لا بأس أن تتخذ ما يؤجل الحمل بشرط أن يكون ذلك برضا الزوج.
أما الجنين إذا حملت به المرأة فإنه كما قال الله عز وجل: فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13] لا يجوز إنزاله؛ لأنه منذ كان نطفة ابتدأ تكوينه، وإذا كان العزل قد اختلف العلماء فيه فكيف بشيءٍ ابتدأ تكوينه؟
فلا يجوز إنزال الحمل منذ تكوينه إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك؛ لكون الأم لا تتحمل الحمل لمرضٍ في قلبها أو في صحتها أو في بطنها أو غير ذلك، فحينئذٍ ينـزل إلى تمام أربعة أشهر، أي: إلى أن تنفخ فيه الروح، فإذا نفخ فيه الروح فإنه لا يجوز تنزيله أبداً بأي حالٍ من الأحوال؛ لأنه إذا نفخ فيه الروح صار إنساناً، والإنسان لا يجوز قتله بأي حالٍ من الأحوال.
الجواب: كشف الطالبة أو المعلمة أو المرأة غير الطالبة وجهها والرجال ينظرون إليها حرام ولا يحل، ولو كانت في السيارة ولا يظهر من كان خلف الزجاج لكون الزجاج ساتراً، أما لو كانت بين النساء وبين السائق سترة فلا حرج عليهن في هذه الحال أن يكشفن وجوههن؛ لأنهن كاللاتي في حجرة منفردة عن الرجال، وأما إذا كان الزجاج شفافاً يرى من ورائه أو كان غير شفاف لكن ليس بينهن وبين السائق حاجز؛ فإنه لا يجوز لهن كشف وجوههن حيث يراهن السائق أو أحدٌ من الرجال.
السائل: هل الأجرة حرام؟
الشيخ: الأجرة ليست حراماً؛ لأن النساء لم يستأجرن هذه السيارة لأجل كشف الوجه، لكن يجب على السائق أن يأمرهن بتغطية الوجه، فإن أبين وأصررن على أن يكشفن وجوههن فليجعل على السيارة ستائر أو يتخذ من الزجاج المحجوب ويجعل بينه وبينهن سترة ويزول المحظور.
الجواب: هذا السؤال يشبه السؤال السابق عن تنظيم النسل، فاستعمال المرأة دواءً يمنعها من الحمل إلى مدة سنتين، نسمي هذا تأجيل الحمل، وتأجيل الحمل جائزٌ عند الحاجة إليه، لكن بشرط أن يأذن الزوج بذلك، فإن لم يأذن فإنه لا يحل للمرأة أن تستعمل هذه الموانع بدون علمه؛ لأن الولد حقٌ للزوج وللزوجة، فإذا لم يرغب الزوج في أن تؤجل الحمل حرم عليها أن تستعمل ما يؤجله، والمرجع في هذا إلى الزوج وإلى الزوجة، أما كونه إلى الزوج فلأن الله عز وجل قال: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] فالحارث هو الزوج، والحارث له أن يحرث أرضه متى شاء ويسقيها ويزرعها، كذلك الزوج لو أراد أن يعزل بحيث لا ينزل في الفرج فللزوجة أن تمنعه إذا لم ترض بذلك، ولهذا قال العلماء: يحرم العزل عن الزوجة الحرة بدون إذنها؛ لأن المرأة لها حقٌ في الولد، ولهذا لو تبين أن الزوج عقيم فللزوجة المطالبة بفسخ النكاح إذا لم ترض بكونه عقيماً؛ لأن المرأة لها حقٌ في الولد.
وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز للمرأة أن تستعمل ما يؤجل الحمل إلا برضا الزوج، ثم إذا رضي الزوج ننظر إذا كان هناك حاجة لتأجيل الحمل فلا بأس، وإن لم يكن هناك حاجة فالأولى عدم ذلك.
الجواب: إذا وجبت الصلاة في السفر فإنها تجب ركعتين، فإذا فاتته لغفلة أو نسيان أو نوم أو لإخلال في واجب ولم يعلم به إلا وهو في الحضر فإنه يقضيها ركعتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) أي: يصلي تلك الصلاة التي نسيها أو نام عنها بعينها ووصفها، إن كانت مقصورة فمقصورة، وإن كانت غير مقصورة فغير مقصورة.
كما أنه لو سافر بعد دخول الوقت ولم يصل الصلاة إلا في السفر فإنه يصلي ركعتين؛ وذلك لأن العبرة بفعل الصلاة لا بدخول وقتها.
أما إذا ترك الصلاة عمداً في حضر أو سفر فإنه لا يقضي منها ولا تبرأ ذمته ولو صلى ألف صلاة؛ لأن من ترك الصلاة عمداً حتى خرج وقتها ثم صلاها فإنها لا تقبل منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وتأخير الصلاة عن وقتها ليس عليه أمر الله ورسوله، بل عليه نهي الله ورسوله ولكن ماذا يصنع؟ نقول: إذا تاب تاب الله عليه، ولا يشترط للتوبة قضاء ما تركه عمداً.
الجواب: إذا دخل وهم يصلون الجنازة وصلى معهم فإن كان يريد البقاء بعد انصرافهم بالجنازة فليصل تحية المسجد بعد صلاة الجنازة، وإن كان سيخرج مع الجنازة فليخرج وإن لم يصل تحية المسجد.
الجواب: هذه المسألة -أعني ما يحصل من بعض الناس أحياناً- إذا بال ثم استنجى وتوضأ ثم خرج ومشى فإن بعض الناس يحصل منه قطرات، ولهذا أسباب:
منها ضعف إمساك المثانة بحيث يكون عنده ضعف في إمساك المثانة، فيتقاطر البول منه.
ومنها: أن بعض الناس إذا انتهى من البول جعل يمسح بإبهامه من أصل الذكر إلى رأس الذكر بحجة أنه يريد إخراج ما تبقى من البول، وهذا يضره؛ لأن قنوات البول رقيقة جداً ومع هذا التعصير ربما تتآكل وتضعف، ولهذا يُنهى الإنسان أن يعمل مثل هذا العمل -يعني التعصير من أسفل الذكر إلى رأسه- قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا من البدع، وإن الذكر مثل الضرع إن حلبته درَّ، وإن تركته قرَّ.
والإنسان إذا عرّض نفسه لهذا حصل منه ما ذكرت من القطرات التي تحدث إذا استنجى ثم توضأ ثم مشى، فإنه مع الحركة ينـزل البول، فإذا تأكد الإنسان أن البول نزل فالواجب عليه أمران:
الأمر الأول: تطهير ما أصاب هذا البول من بدنه أو سرواله أو ثيابه.
الأمر الثاني: إعادة الاستنجاء والوضوء؛ لأنه انتقض الوضوء، إلا إذا كان هذا أمراً مستمراً يحصل باستمرار، بمعنى أنه لا يحدث عند البول فقط، بل هو مستمر حتى لو كان له ساعة أو ساعتان من البول فإنه يخرج هذا، فإن هذا يسمى سلس البول، وحينئذ يستعمل ما يأتي:
أولاً: إذا استنجى فليجعل حفاظة على ذكره حتى لا ينتشر البول.
ثانياً: لا يتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: (توضئي لكل صلاة) فإذا خرج بعد هذا فإنه لا يضره؛ لأننا لو قلنا: ينتقض الوضوء فلو توضأ خرج ثانية، وبقي هكذا يتوضأ ويحدث ويتوضأ ويحدث، وهذا من الحرج الذي نفاه الله سبحانه وتعالى في قوله: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [المائدة:6] هذا إذا تيقن خروج البول.
أما إذا كان وهماً كما يوجد في بعض الناس الذين عندهم وساوس فإن هذا لا يلتفت إليه إطلاقاً يعرض عنه ويتلهى عنه وسيزول عنه بإذن الله.
الجواب: السجود على (الطاقية) وعلى الغترة وعلى الثوب الذي تلبسه مكروه؛ لأن هذا شيء متصل بالمصلي، وقد قال أنس رضي الله عنه: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) فدل هذا على أنهم لا يسجدون على ثيابهم أو على ما يتصل بهم إلا عند الحاجة، يقول: (إذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض) أما إذا لم تكن حاجة فإنه مكروه.
وعلى هذا فالسجود على طرف الطاقية مكروه؛ لأنه لا حاجة إليه، فليرفع الإنسان عند السجود طاقيته، حتى يتمكن من مباشرة المصلى.
أما الشيء المنفصل كأن يسجد الإنسان على سجادة أو على منديل واسع، يسع كفيه وجبهته وأنفه فإن هذا لا بأس به؛ لأنه منفصل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى على الخُمرة)، وهي حصيرة صغيرة تسع كفي المصلي وجبهته.
الجواب: قراءة الفاتحة واجبة في كل صلاة، وواجبة في كل ركعة على الإمام والمنفرد والمأموم، إلا أنه يستثنى في حق المأموم حالة واحدة، وهي: ما إذا جاء والإمام راكع فإن الفاتحة تسقط عنه في هذه الحالة، وكذلك لو جاء والإمام قائم وكبر للإحرام وشرع في الفاتحة ثم ركع الإمام وخاف إن أتمها أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، فحينئذٍ يسقط عنه ما لم يدركه من الفاتحة، ويكون مدركاً للركعة، ودليله حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، فلما قضى الصلاة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) وجعله مدركاً للركعة.
فإذا كانت الصلاة سرية فقراءة الفاتحة للمأموم لا إشكال فيها، وإذا كانت جهرية فإن المأموم يقرأ الفاتحة في سكتات الإمام، فإن لم يكن له سكتات -يعني: يواصل القراءة- فإنه يقرأ ولو كان الإمام يقرأ، لما رواه أهل السنن من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف ذات يوم من صلاة الصبح وكان الصحابة يقرءون خلفه فقال: ما لي أُنازع القرآن) أي: يغالب في القرآن، حيث يقرأ من وراءه، ثم قال لهم: (لا تقرءوا خلف الإمام إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).
الجواب: إذا سلم الإمام بصوت منخفض لا يسمعه المأمومون فإنه لا يعيد السلام مرة ثانية، ولكن إذا سلم استغفر الله وانصرف فيعرف الناس أنه انتهى.
ومثل ذلك الفاتحة أيضاً، فلو أن الإمام نسي في الصلاة الجهرية أنه الإمام فقرأ الفاتحة سراً ثم ذكر فإنه يتمها ولا يعيدها، وقال بعض العلماء: بل يعيدها؛ لأن إعادتها جهراً إعادة لسنة وليست عبثاً، والإنسان مأمور بأن يأتي بالقراءة على وجه السنّة، لكن الأول أحوط؛ يبدأ من حين ذكر.
وفيه فائدة أيضاً: وهو أنه إذا ابتدأ من حين ذكر فلن يعود مرةً ثانية إلى ذلك، وبالتالي يكون دائماً متذكراً، لكن لو أعادها من الأول هان عليه أن ينسى وأن يعود مرة ثانية؛ لأن المأمومين لن يعلموا به إذا أعادها من أولها.
والخلاصة أن الإمام إذا سلم سراً نسياناً حتى أتم التسليمتين فإنه لا يعيدهما ويكفيه الانصراف، وإن أسر في الأولى ثم ذكر جهر في الثانية.
الجواب: أولاً: هذا الحديث فيه ضعف ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه من الناحية الطبيعية أنه إذا قُدر أن يكون بين الرجل وبين امرأة من الناس محبة؛ فإن أكبر ما يدفع الفتنة والفاحشة أن يتزوجها؛ لأنه سوف يبقى قلبه معلقاً بها إن لم يتزوجها، وكذلك هي، فربما تحصل فتنة.
قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير الوجه الشرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق وقصم الظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل. ويقول: إنه يرغب في زواجها خوفاً من الفتنة، وإلا فالأصل أنه لو حصل أن المرأة تخبر وليها أنها تريد فلاناً مثلاً فيتصل به كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعلى عثمان رضي الله عنه، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل الفتنة.
الجواب: قد ثبت في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنين إذا أتم أربعة أشهر نفخت فيه الروح، فإذا سقط بعد نفخ الروح فهو كما لو سقط عن تمام، فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في المقابر.
وأما العقيقة ففيها خلاف، بعض العلماء يقول: يُعق عنه؛ لأنه سوف يبعث، وبعض العلماء يقول: لا يُعق عنه، وأرى أنه يُعق عنه إذا كان أبوه موسراً؛ لأن هذا فيه خير وصدقة وبر.
الجواب: رأيي في الصور التي تكون في حفيظة النفوس وفي رخصة القيادة وفي الدراهم أنه مما عمت به البلوى، وأنه لا يمكن التخلص منها، فلا يكون على الإنسان في ذلك حرج، فإذا علم الله من نيته أنه كاره لهذا؛ فإنه لا يلحقه إثم بلا شك.
الجواب: يجب أن نعلم أن الشك إذا كان بعد الفراغ من العبادة فإنه لا يلتفت إليه أصلاً.
أما إذا كان أثناء العبادة فهذا إن غلب على ظنه أنه صواب فهو صواب، أو تيقن أنه صواب فهو صواب، وإن غلب على ظنه أنه خطأ أو تيقن أنه خطأ فهو خطأ، وإن شك بلا ترجيح فإنه خطأ، هذا إذا كان في أثناء العبادة، يعني: أنت واقف الآن ترمي ثم شككت هذا الموقف صحيح أم لا؟ هل هذا المرمى صحيح أم لا؟ أما بعد أن تنصرف فالأصل أنه صحيح ولا شيء عليك.
وإلى هنا ينتهي المجلس، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر