أما بعد:
فإننا في هذا اليوم نفتتح جلساتنا بعد أن توقفنا مدة، وهذا هو الأسبوع الثالث من شهر ربيع الثاني عام (1413هـ).
هذه الجلسات المقررة في كل يوم خميس من الساعة العاشرة إلى ما قبل أذان الظهر بعشر دقائق، نسأل الله تعالى أن يجعلها جلسات نافعة لنا ولإخواننا إنه على كل شيء قدير.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا صدَّر الآية بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:6]، فإنه: إما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه، كما قال ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104] فارعها سمعك؛ فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه]، وهذه الآية التي نتكلم عنها الآن هي خيرٌ يأمرنا الله به.
إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] أي: عزمتم على القيام إليها، فافعلوا ما ذكر، وإنما أمر الناس أن يتطهروا هذا التطهر؛ لأنهم يقفون بين يدي الله عز وجل في صلاتهم يناجون الله بكلامه وتسبيحه وتعظيمه ودعائه، فالصلاة روضة من رياض العبادات، فلهذا أمر الله بالطهارة عند فعلها.
والجواب أن نقول: إن غسل الكفين ليس شرطاً لصحة الوضوء، بل هو سنة من سنن الوضوء، إن قام بها الإنسان أثيب عليها، وإن لم يقم بها فلا حرج عليه في ذلك، وأول فروض الوضوء غسل الوجه، والوجه قال العلماء: إن حده عرضاً من الأذن إلى الأذن، وحده طولاً من منحنى الجبهة من الأعلى إلى أسفل اللحية، حتى ما نزل من اللحية يعتبر من الوجه؛ لأنه مأخوذٌ من المواجهة، والإنسان يواجه غيره بكل هذا الجزء من بدنه، ويدخل في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق؛ وذلك لأن الأنف والفم عضوان في الوجه، وعليه فيبدأ أولاً بالمضمضة ثم الاستنشاق ثم يغسل جميع الوجه.
وفيه تخفيفٌ ثانٍ وهو: أنه لا يكرر مسحه بخلاف بقية الأعضاء، فإن الأفضل أن تكرر ثلاث مرات، أما الرأس فلا يكرر.
وفيه تخفيفٌ ثالث وهو: أنه يجوز أن يمسح على العمامة إذا كان على رأسه عمامة، فما دامت على رأسه فله أن يمسح سواء لبسها على طهارة أو لم يلبسها على طهارة، وسواء مسحها في خلال يوم وليلة أو أكثر من ذلك؛ لأنه لا تحديد لها، ولا يشترط أن تلبس على طهارة؛ لأن ظاهر السنة عدم اشتراط ذلك.
ففي تطهير الرأس ثلاث تخفيفات:
الأول: أنه مسح لا غسل.
الثاني: أنه يمسح مرةً واحدة ولا يكرر.
الثالث أنه يصح أن يمسح على العمامة ما دامت على رأسه، كما جاءت به السنة.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت للعمامة كما وقَّت للخفين، الخفان على الرجل لهما يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر.
ولم يثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علل مسحها بأن يلبسها على طهارة، فـالمغيرة بن شعبة روى أنه مسح على العمامة وعلى الخف، والخف قال فيه: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين).
والعمامة لم يذكر فيها ذلك، فدل هذا على أنه لا يشترط في لبس العمامة أن يلبسها على طهارة، ولا يشترط لها مدة معينة، وقياسها على الجورب قياسٌ مع الفارق؛ لأن الجورب ملبوس على عضوٍ يغسل، وأما العمامة فهي ملبوس على عضوٍ يمسح، وطهارته مخففة في الأصل.
فالجواب: أن يقال: إن السنة بينت متى تمسح ومتى تغسل، فإذا لُبست الجوارب أو الخفين فإن فرضها المسح، وإذا كانت مكشوفة فإن فرضها الغسل، فتكون القراءتان منـزَّلتين على حالين للرِّجل في حال الكشف يجب الغسل، وفي حال اللبس يكفي المسح، وبهذا نكون عملنا بالآية الكريمة على الوجهين في القراءة.
فإن قلت: هل يجوز أن نقرأ بالقراءتين فنقول: (وأرجلَكم)، (وأرجلِكم)؟
الجواب: أما في حال واحدة فلا، وأما أن تقرأ هذه أحياناً وهذه أحياناً فنعم، والأفضل لمن كان يعرف قراءتين في الآية أن يقرأ بهذه القراءة أحياناً وبالقراءة الأخرى أحياناً وذلك لوجهين:
الوجه الأول: أن ذلك اتباع للسنة؛ لأن القراءتين كلتاهما قد وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الوجه الثاني: لئلا ينسى وجهاً ثبتت به الآية الكريمة؛ لأنه إذا لم يتابع ويقرأ بالقراءة هذه أحياناً وهذه أحياناً نسي القراءة التي كان لا يقرأ بها، فيكون قد نسي وجهاً من أوجه القراءات التي جاءت بها الآية الكريمة، ولكن يشترط أن تكون القراءة فيما بينه وبين نفسه، أو فيما بينه وبين زملائه من طلبة العلم، أما عند العامة فلا يقرأ بالقراءة غير الموجودة في المصحف الذي بين أيديهم؛ لأنه إذا قرأ بقراءة أخرى غير الموجودة في أيديهم حصل في هذا ارتباك عند العامة ويقولون: كيف يغير القرآن؟ كما لو قرأ شخص قوله تعالى: فَتَبَيَّنُوا [النساء:94] وقرأ (فَتَثَبتُوا) في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا [النساء:94] لو قرأ (فَتَثَبتُوا) أمام العامة لأنكروا عليه، ورموه بما يرمونه به من مخالفة القرآن الذي بين أيديهم، ثم حصل عندهم اضطراب وشك، فلهذا لا نرى من الأفضل، بل لا نرى من الأحسن أن يقرأ الإنسان أمام العامة بقراءة غير المشهورة بينهم لما فيه من هذين المحذورين، أما فيما بينه وبين نفسه فالأفضل أن يحفظ القراءات، ويقرأ بهذه مرة وبهذه مرة للسببين اللذين ذكرناهما.
وقوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] الكعبان: هما العظمان الناتئان في أسفل الساق، وهم داخلان في الغسل، كما ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه صفة الوضوء التي أمر الله بها عند إرادة فعل الصلاة.
لكن له فروض وسنن نذكرها الآن على الوجه الأكمل: المسنون إذا حضر الماء أو حضر وهو في الحمام وأراد أن يتوضأ من صنبور الماء؛ فإنه ينوي، والنية معروفة فلا بد أن ينوي الإنسان إذا كان عاقلاً، ويسمي، ويغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض، ويستنشق ثلاث مرات؛ المضمضة والاستنشاق بكفٍ واحدة ثلاث مرات، وإن شاء تمضمض واستنشق من كفٍ واحدة ثلاث مرات، وإن شاء فصل؛ فيتمضمض ثلاثاً ثم يستنشق ثلاثاً، والأمر في هذا واسع، ثم يغسل وجهه ثلاث مرات، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم يمسح برأسه مرةً واحدة: يقبل بيديه ويدبر؛ يبدأ بالناصية، ويسحب يديه إلى العنق، ثم يرجع إلى الناصية ويمسح بأذنيه؛ لأن الأذنين من الرأس، فهما في الرأس كالأنف والفم في الوجه، فيمسح الأذنين بإدخال السبابتين في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، ثم يغسل رجليه من أطراف الأصابع إلى الكعبين ثلاث مرات، والسنة أن يخلل الأصابع: أصابع اليدين وأصابع الرجلين ليتيقن دخول الماء إلى ما بين الأصابع، لا سيما أصابع الرجل؛ لأنها متلاصقة، وبعد هذا الوضوء السابغ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
فإن الإنسان إذا فعل هذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، وبهذا يكون قد طهر ظاهره وباطنه؛ أما ظاهره فبالضوء، وأما باطنه فبكلمة الإخلاص شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وسؤاله الله تعالى أن يجعله من التوابين؛ لأن التوبة تطهير للنفوس من الذنوب، وأن يجعله من المتطهرين.
أسأل الله أن يطهر قلوبنا جميعاً من دنس الشرك والشك والحقد والبغضاء للمسلمين، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين وصالحين مصلحين إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الجواب: الصحيح أن مسح العمامة ليس له وقت معين؛ وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تُقيد الأمة به.
السائل: بالنسبة للعمامة، هل العمامة التي نلبسها -الغترة والشماغ- أم العمامة الملفوفة؟
الشيخ: لا. العمامة هي الملفوفة على الرأس.
السائل: هل معنى ذلك أنها التي يصعب فكها؟
الشيخ: نعم، أما الغترة والعقال فيجب أن يخلعها ويمسح على رأسه.
السائل: تقريباً للفهم هل هي مثل عمامة الإخوان الأفغان والسودانيين؟
الشيخ: مثل الأفغان والسودانيين وغيرهم، وكذلك بالنسبة لما يلبسه البعض أيام الشتاء كالقبعة التي تكون شاملة للرأس كله، وفيها طوق من أسفل من عند الرقبة؛ فهذه لها حكم العمامة.
السائل: المسح على العمامة مثل المسح على الرأس يُعمم، أو جزء بسيط؟
الشيخ: يكفي أن يمسح أكثرها.
السائل: وما حكم الأذن؟
الشيخ: إن كانت مكشوفة تمسح، وإن كانت العمامة غطتها فلا تمسح.
الجواب: هذا ليس فيه بأس؛ لأن هذه الدراهم التي توضع في الصندوق تعتبر كالوديعة، والمدرسات يقرضن الطالبات ما ينفقنه على هذا المقصف، فإذا كان في آخر العام حسبوا المنصرف وحسبوا الربح ثم أعادوها للطالبات.
الجواب: السرعة المقيدة من قِبَل الجهات المختصة؛ الأصل أنه يجب على الإنسان أن يتقيد بها؛ لأنها من أوامر ولي الأمر، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] فالواجب علينا نحن الرعية أن نمتثل ما أمر به ولاة أمورنا، حتى لو كانت السيارة مريحة ولا يشعر الإنسان بسرعتها، العبرة بالسرعة؛ لأنه حتى المريحة هذه لو انفجر الإطار لكانت عرضةً للهلاك، وأيضاً إذا قدرنا أن الإطار مأمون انفجاره فهل هو مأمون فيما لو عبر بين يديه بعير أو ماشية؟
السائل: أقصد الطرق السريعة وأنت تعرف أنها محاطة بسياج حديدي؟
الشيخ: على كل حال الأصل أنه يجب على الإنسان أن يسير على نظام الدولة؛ هذا هو الأصل.
الجواب: الالتزام الذي طرأ على الشباب، لا شك أنه يَسُرُّ -ولله الحمد- وليس فيه ضعف، بل هو -والحمد لله- في تقدم، لكن الشيطان قد يأتي للإنسان الملتزم فيثبطه عن فعل الخير أو يدفعه لفعل الشر، ويغريه بأن الله يغفر له وما أشبه ذلك، والواجب على الإنسان أن يخلص القصد والنية لله عز وجل.
ومن طلب العلى سهر الليالي |
وهناك أسباب تجعل الشاب نشيطاً:
السبب الأول: أن يقصد وجه الله والدار الآخرة، فإنه كلما رأى الفتور على نفسه جدد العزيمة حتى يستمر على نشاطه.
السبب الثاني: أن يحرص على مصاحبة الإخوان الذين ينشطونه على طاعة الله؛ فإن الجليس الصالح كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم: (كحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة).
السبب الثالث: ألا يكون عند الالتزام مندفعاً أكثر مما ينبغي؛ لأنه إذا اندفع أكثر مما ينبغي وحمل نفسه ما لا يجب تعب ومل، ولكن إذا التزم بانتظام ومشى على ما تقتضيه الشريعة، فإن الغالب أنه لا يمل مع فعل بقية الأسباب.
السبب الرابع: ألا يتضجر تضجراً يصده عن طاعة الله مما يشاهده في مجتمعه، فإن الله عز وجل قال للرسول صلى الله عليه وسلم: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا ... [الكهف:6] أي: مهلك نفسك على آثارهم، وقال: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94]، فالإنسان إذا أصلح نفسه فيما بينه وبين ربه فلا يهلكَنَّ بفعل غيره؛ يدعو إلى الله، ويسأل الله لهم الهداية، ويعلم أنه ما من حسابهم عليه شيء ومن حسابه عليهم من شيء.
السبب الخامس: سؤال الله الثبات؛ فيسأل الله دائماً أن يثبته وأن يعينه.
فهذه خمسة أسباب تحضرني الآن، وربما يكون هناك أسباب أخرى لتقويته وتثبيته على ما هو عليه من الالتزام.
الجواب: المعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من الإسراف واتخاذ أكثر من اللازم، ولا سيما في زمن كزمن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان الناس يحتاجون فيه إلى الأموال التي يبذلونها في أمور أنفع وأهم، وإنما نسبته إلى الشيطان؛ فلأنه من الإسراف، وقد قال الله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141].
الجواب: (أعوذ) معناها: أعتصم بكلمات الله التامات.
وكلمات الله التامات هي: التي اشتملت على العدل والصدق، كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً [الأنعام:115].
والكلمات هنا تحتمل أنها الكلمات الكونية والقدرية والكلمات الشرعية، فإن الإنسان يستعيذ بكلمات الله الشرعية بالقرآن مثلاً، كالتعوذ بسورة الفلق، وسورة الناس، ويتعوذ بالآيات الكونية وهي: أن الله عز وجل يحميه بكلماته الكونية من الشيطان الرجيم.
وقوله: (من شر ما خلق) يدخل فيه النفس؛ فإن النفس مما خلق الله، ولها شرور كما جاء في خطبة الحاجة: (أعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا).
الجواب: لا شك أن الاختلاط بالنساء من غير المحارم ومصافحتهن لا يجوز، والخلوة أشد وأعظم، لكن عند الضرورة تختلف الأحكام، قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] فإذا كانت امرأة جاري مضطرة إلى أن أكلمها وأدخل عليها لنقلها إلى الطبيب وما أشبه ذلك، فلا بأس به مع أمن الفتنة، وإذا كان عنده زوجته يستعين بها حتى تزول الخلوة.
الجواب: أما الفتوى فيهم فلا تصدر مني بل تصدر من دار الإفتاء؛ لأنها هي الجهة المسئولة.
وأما ما يتعلق بالتدريس، فيجب أن يقول الإنسان الحق سواءً كان له أو عليه، فإذا ظهر منهم الدعوة إلى خلاف مذهب السلف الصالح فإنه يجب أن يمنعوا من إظهار هذه البدعة، وأن يناظروا عليها، ومعلوم أنه إذا ناظرهم هم أو غيرهم من أهل البدع من عنده علم بالسنة وطريقة السلف ؛ معلوم أنهم سوف يعجزون عن مقاومة الحق؛ لأن الله تعالى قال: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18].
أما إذا كان تدريسهم في أشياء لا تمت إلى العقيدة بصلة، إنما هم في أمور حسابية أو أمور أدبية أو لغوية، ولم يتعرضوا لما يتعلق بالعقيدة فلا بأس في ذلك، ولكن لا بد من أن يتأمل الإنسان خطر أهل البدع مطلقاً حتى لا تنتشر البدع بين شبابنا.
الجواب: أنا لا أرى أن يطردوا من المساجد، بل يتركون يصلون لعلَّ الله أن يهديهم، لأنهم إذا دخلوا المساجد فيما أعرف يُصلون مع الناس.
السائل: وإذا كانوا يصلون وحدهم خلف الجماعة؟
الشيخ: إذاً: يمنعونهم من الصلاة خلف الناس ويقال: صلوا مع الناس، وأما طردهم من المساجد فلا أرى ذلك، وإذا كانوا لا يريدون الصلاة مع الجماعة، يقال لهم: انتظروا إذا كنتم لا تريدون الصلاة مع الجماعة، انتظروا حتى يخرج الناس من المسجد وصلوا، مع محاولة دعوتهم إلى الحق، لا على السبيل الجماعي، السبيل الجماعي يمكن ألا يحصل فيه فائدة، لكن تنظرون إلى المهذَّب منهم الذي عنده وعي، وتدعونه إلى بيوتكم وتتكلمون معه بإنصاف وعدل.
الجواب: إذا كان الإمام يعلم أنه سيقوم بالواجب ويواظب على الصلوات، ولكن حدث له حادث من شغل أو غيره وذهب إليه وأناب من فيه الكفاية، فلا بأس، لأن هذا شيء عارض والمكافأة التي يأخذها حلالٌ له، وهي تسمى عند العلماء رزقاً من بيت المال، وليست أجرة على الصلاة، لو كانت أجرة على الصلاة لكانت الصلاة وإمامته بأجرة.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن شخص قال: لا أصلي لكم في رمضان إلا بكذا وكذا، أي: كلموه أن يقوم بهم في رمضان فقال: لا أقوم إلا بكذا وكذا، فقال رحمه الله: نعوذ بالله، مَنْ يصلي خلف هذا؟! لأنه جعل إمامته على عوض، وأعمال الآخرة لا يجوز أن يراد بها الدنيا؛ لقول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16]، فأمور الآخرة يجب أن تكون للآخرة، لكن ما نأخذه نحن الأئمة والمؤذنون، وكذلك أيضاً ما يأخذه المدرسون والقضاة وغيرهم من الحكومة ليس من باب الأجرة ولكن من باب الرزق من بيت المال للقيام بهذه المصالح العامة.
الشيخ: في نفس المسجد لا أرى هذا؛ لأن هذا معناه: التزامكم بإقامة جماعة بعد أخرى، لكن صلوا معاً في السكن، ودعوا المسجد لأهله يصلون صلاةً واحدة.
السائل: لو كان مثلاً مسجد على الطريق دائماً نصلي فيه جماعة بعد جماعة؟
الشيخ: المساجد التي على الطرق لا بأس أن تُصلى الجماعات فيها، كلما جاءت جماعة صلت؛ لأن هذه المساجد لم تعد لجماعة واحدة بل هي معدة لكل من طرق هذا الطريق.
الجواب: قضية العمال يجب أن يتمشى الإنسان فيها على نظام الدولة، وحسب علمي أن الدولة لا تسمح بمثل هذا، وإنما أذنت بأجرة مقطوعة للعامل، ولكن الكفلاء يشتكون من هذه الأجرة المقطوعة يقولون: إن العامل لا يهتم ولا يقوم بما يلزمه من الشغل؛ لأنه يعرف أن راتبه مضمون بكل حال ولا يهتم.
ولكن نقول: يمكن أن تجعل شيئاً معلوماً على كل عمل ينتجه، فإذا كان خياطاً تقول: لك على كل ثوب خمسة ريالات، عشرة ريالات أو حسب ما تتفقان عليه، وإذا كان بنَّاءً تقول له: لك على كل متر كذا وكذا، وإذا كان سباكاً أو كهربائياً كذلك، ففي هذه الحالة ينشط بالإضافة إلى أجرته المعلومة.
السائل: إذا كانوا كفاراً وثنيين أو نصارى هل يجوز أن يكونوا تحت كفالة المسلم؟
الشيخ: معلوم أن الكفار إذا دخلوا للعمل فقط لا للسكنى فلا بأس، لكن المسلم خير منهم، قال الله تعالى: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221] وقال تعالى: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221].
الشيخ: كيف كان ذلك؟
السائل: الأرض في إحدى القرى، أقام عليها مجموعة مسجد جامع، فاحتج صاحب الأرض؛ لأن الأرض ملكه، وصار نزاع على الأرض أنها ملك الشخص هذا أو ملك غيره، فخرجت هيئة النظر من المحكمة، وأقرت أن الأرض ملك المدعي، فهل تجوز الصلاة فيه؟
الشيخ: مثل هذه الحالة إذا ثبت أنها لفلان وقد بني عليها المسجد، فالذي أرى أن يصالح صاحب الأرض بأن تقدر قيمة أرضه ويعطاها، ولا يمكن هدم المسجد بعد أن بني وأنفق عليه النفقات الطائلة، فالواجب أن هذا الرجل لما ثبتت الأرض له أن يُصالح من قبل المحسنين.
السائل: القضية لها ثمان سنوات تقريباً، وصاحب الأرض معروف أنه غير متنازل مهما حدث، فهل تجوز الصلاة فيه، أم لا؟
الشيخ: الذي ينبغي ألا يصلى فيه، ولكن ما دام أن الحكومة قررت بناء هذا المسجد وجعلته للمسلمين، فإذا صلى فيه فلا حرج عليه، والأولى ألا يصلى فيه.
السائل: سواء صلاة الفرض، أو الجمعة؟
الشيخ: الجمعة أو غيرها إذا ثبت أنه لصاحب الأرض، ولكني أقول: لا يمكن أن تبقى هذه المشكلة، لماذا لا تحلونها؟
السائل: القضية من عام 1405هـ؟
الشيخ: في أي بلدة؟
السائل: سأذكرها بيني وبينك.
الجواب: مصلى العيد يشرع فيه تحية المسجد كغيره من المساجد، إذا دخل الإنسان لا يجلس حتى يصلي ركعتين.
السائل: حتى وإن كان خارج القرية؟
الجواب: وإن كان خارج القرية؛ لأنه مسجد سواء سُوِّر أو لم يُسَوَّر، والدليل على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع النساء الحيض أن يدخلن المصلى. وهذا يدل على أن له حكم المسجد.
السائل: ولا ينكر على من ترك التحية؟
الشيخ: لا ينكر؛ لأن بعض العلماء قال: لا تحية له. ولكن القول الراجح: أنه يصلى فيه؛ لأن له تحية.
الشيخ: أسألك: هل هذا كذب أو صدق؟
السائل: هذا كذب.
الشيخ: هل الكذب جائز؟
السائل: ليس بجائز، لكن الملاحظ ..
الشيخ: هل هذا من النصح للدولة أم من الغش؟
السائل: من الغش؟
الشيخ: المال المكتسب من عمل مبني على الكذب والغش هل هو باطل، أم حق؟
السائل: هو باطل.
الشيخ: إذاً ثلاثة محاذير في هذه المسألة: الكذب، وغش الدولة، وأكل المال بالباطل، وعلى هذا فإنه حرام، ولا يجوز للإنسان أن يستعير اسم غيره ليفعل ما منعته الدولة.
ويقال لهذا الرجل: إما أن تبقى على وظيفتك وتترك العمل، وإما أن تأخذ العمل وتترك الوظيفة، والدولة لم تجبرك على أن تكون موظفاً عندها.
الجواب: لا بأس أن الكفيل يوجه العامل على أن يعمل وله سهم من أجرته بشرط أن يكون له أثر في هذا العمل، بأن يكون هو العاقد وهو المسئول عن العقد وغير ذلك مما له أثر، ولكن لا بد أن نلاحظ هل هذا يتفق مع شرط الحكومة أم لا؟ فإذا كان لا يتفق بأن تكون الحكومة منعت من هذا الشيء فإنه لا يجوز.
الجواب: هذه المسألة أعني طلب الزوج أكثر مما أعطى المرأة عند الخلع أجازها بعض العلماء، واستدل بعموم قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229].
وقال بعض العلماء: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وأن معنى الآية: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] مما أعطاها، ولا تكلف شيئاً لم يعطها، وفي طلب الزوج أكثر مما أعطاها شيءٌ من الإضرار بها؛ لأن الرجل استحل فرجها واستحقت المهر باستحلال فرجها، فعلى أقل تقدير أن يأخذ ما أعطاها فقط، أما أن يربح عليها فلا، والمشهور من مذهب الحنابلة الوسط بين المنع والجواز حيث قالوا: إنه يكره أن يطلب منها أكثر مما أعطاها.
والذي ينبغي للإنسان أن يتقي الله عز وجل، فإذا كان الخطأ من المرأة فلا حرج عليه أن يطلب ما شاء، وأما إذا كان التقصير منه، وأن المرأة سئمت البقاء معه لتقصيره، فليخفف ويكتفي بما تيسر، ثم هناك فرق أيضاً بين المرأة الغنية والمرأة الفقيرة، وهذا أيضاً ينبغي للزوج أن يراعيه.
الجواب: لا أحفظ حديثاً في اللعن لكن هناك وعيد شديد وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) وهذا وعيد شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن رائحة الجنة حرام عليها فهذا وعيد شديد، فالواجب على المرأة أن تتقي الله في نفسها وفي بعلها، وألا تطلب منه الطلاق إلا لسبب شرعي، لكن أحياناً تكون المرأة لا تطيق الصبر مع الزوج كراهة له، كما في زوجة ثابت بن قيس بن شماس حين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله!
الشيخ: ما معنى دخلها لخدمات المسجد؟
السائل: ملحق بجوار المسجد دخله يصرف خدمات المسجد من كهرباء وما شابه ذلك.
الشيخ: يعني أجرة المحل تكون للمسجد؟
السائل: المسجد خاص ليس تبعاً الأوقاف، وهذا الملحق ملاصق للمسجد مؤجر ودخله لخدمات المسجد كالكهرباء.
الشيخ: لا بأس، لا يوجد مانع ما دام أن التسجيلات مباحة فليس فيها شيء.
السؤال: قولنا فيه: أن النفس لا تطمئن إلى صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما في سياق متنه من النكارة، وقد أنكره الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره إنكاراً عظيماً؛ لأن سياقه يبعد أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
السائل: هل قال به أحد من السلف قبل محمد رشيد رضا ؟
الشيخ: لا أعلم، لكن لا يشترط، وأنا لم أتتبع أقوال العلماء فيه لكن في نفسي منه شيء.
الجواب: من الخطأ أن ندخل أهل البدع مهما كانت بدعتهم في الاسم المطلق لـأهل السنة والجماعة ، فإن أهل السنة والجماعة لا يدخل فيهم من خالف السلف فيما هم عليه، وفيما خالفهم فيه، فمثلاً: إذا كان هذا الرجل ينكر من صفات الله وأسمائه ما ينكره فهو ليس من أهل السنة والجماعة فيما أنكره، وإن كان منهم في أمور أخرى؛ لأن أهل السنة والجماعة يرون أن الإنسان قد يجتمع فيه بدعة وسنة، كفر أصغر وإيمان، فهذا الرجل الذي خالف السلف في صفات الله نقول: هو ليس من أهل السنة والجماعة في صفات الله، وإن كان منهم في أعمال أخرى، كالمسائل الفقهية مثلاً، فنحن نمنع أصلاً أن يكون صاحب بدعة من أهل السنة في بدعته، وحينئذٍ نسلم من هذا الإشكال الذي أدى إلى تضارب آراء العلماء.
فالذي نرى أن أهل البدع في بدعهم ليسوا من أهل السنة والجماعة ؛ لأن هذه البدعة ليس عليها أهل السنة والجماعة وكيف يكون من أهل السنة والجماعة وهو مخالف لهم؟!!
السائل: وهل مصطلح أهل السنة والجماعة يستعمل للسلفيين أم لا؟
الجواب: أبداً، لا حاجة لذلك؛ لأن أهل السنة والجماعة حقيقةً هم من كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنهم من كانوا على مثل ما كان عليه هو وأصحابه.
السائل: -كمثال- نجعل النووي وابن حجر من غير أهل السنة والجماعة ؟
الشيخ: فيما يذهبان إليه في الأسماء والصفات ليسا من أهل السنة والجماعة .
السائل: بالإطلاق ليسا من أهل السنة والجماعة؟
الشيخ: لا نطلق، ولهذا أنا قلت لك: إن من خالف السلف في صفات الله لا يعطى الاسم المطلق بأنه من أهل السنة والجماعة، بل يقيد يقال: هو من أهل السنة والجماعة في طريقته الفقهية مثلاً، أما في طريقته البدعية فليس من أهل السنة والجماعة.
الجواب: لعله:
شربن بماء البحر ثم ترفعت إلى لجنٍ خضرٍ لهن نئيج |
لا شك أن من حروف المعاني ما يختلف معناه بحسب متعلقه، فنجد (من) تارة تكون للتبعيض، وتارةً تكون للسببية، ونجد (في) تارة تكون للظرفية، وتارة تكون للسببية، وكذلك (الباء) قد تكون للتبعيض، وقد تكون للسببية إلى غير ذلك، وهذا أمر معلوم، ولكن ليس الشأن في أن (الباء) للتبعيض أو لغير التبعيض في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة:6] وإنما الشأن في كلمة الرأس، فإن الرأس يشمل كل الرأس، و(الباء) هنا للإلصاق؛ لأنها عدت للمسح، ومسح بكذا أي: جعل هذا آلة للمسح، يلصق به الممسوح ويبقى الاستدلال ليس بالباء وأنها للعموم أو التبعيض أو ما أشبه ذلك، وإنما الاستدلال بكلمة رءوس.
السائل: لكن إنكار أنها للتبعيض لا يصح لأنها في المغني ؟
الشيخ: لكن أنكرها بعض العلماء قال: إنها لم ترد في لسان العرب للتبعيض، وأما قوله تعالى: يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [الإنسان:6] فالصواب: أنَّ (يشرب) متضمن معنى: يرتوي، أي: يرتوي بها عباد الله، أو أن (الباء) بمعنى (من) أي: يشرب منها عباد الله، وكذلك أيضاً:
شربن بماء البحر ثم ترفعت إلى لجنٍ خضرٍ لهن نئيج |
أي: شربن من ماء البحر أو روين بماء البحر، وقد قال صاحب المغني في الآية: الظاهر أن الباء فيها للإلصاق.
الجواب: هذه المسألة غريبة، أي: إذا قلنا: أن الأذنين من الرأس، فهل إذا حج الإنسان أو اعتمر وقصر شعر رأسه هل يقصر شعر الأذنين أم يحلقه؟
لكن لا أستطيع أن أجزم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حلق رأسه حلق شعر أذنيه، ولكن في الوضوء ظاهر أنه يمسح رأسه وأذنيه، فإن ترك الإنسان ذلك، أي: حَلْقُ شَعْرِ أذنيه فأرجو ألا يكون عليه حرج.
الجواب: أما إسراف العبادات فليس أمراً نسبياً؛ لأنه محدد من قبل الشرع، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة ومرتين وثلاثاً، وقال: (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم).
وأما الإسراف في العادات فهو أمر نسبي، قد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لطائفة معينة، ولا يكون إسرافاً لطائفة أخرى، وقد يكون إسرافاً لأهل بلد، ولا يكون إسرافاً للبلد الآخر، فهو أمر نسبي، ويعرف هذا بالقاعدة: أن الإسراف مجاوزة الحد، وأما الطيب فلا شك أن الإنسان إذا كان من أهل الثروة، واشترى طِيباً طَيباً غالياً فإنه لا يعد مسرفاً، لا سيما وأن الطِّيب الطَّيب كما هو معروف تبقى رائحته مدة طويلة وتكون أطيب، وأما إذا كان من الناس المتوسطين والفقراء فإن شراء مثل هذا الطيب في حقه يعتبر إسرافاً، وكذلك بالنسبة للمركوبات، فبعض الناس يكون من متوسطي الحال أو من الأدنى ثم يشتري سيارة (كابرس) أو سيارة أفخم منها؛ لأنه يرى جاره الغني عنده مثل هذه السيارة، أو عند زميله في المدرسة، وما أشبه ذلك، ولا سيما حين فتح هذا الباب الذي نسأل الله أن يوصده؛ باب التقسيط، وهو في الحقيقة حيلة على رب العالمين، وهو ضررٌ عظيم على اقتصاديات البلاد وعلى ذمم الناس، فإن الصعاليك الفقراء سهل عليهم الآن الاستدانة بهذه الطريقة، وأنه يذهب إلى التاجر ويقول: اشتر لي السيارة الفلانية من أفخم السيارات، ثم يشتريها التاجر ويبيعها عليه بزيادة ربوية، والتاجر لم يشترها لنفسه إنما اشتراها لهذا، ولولاه ما اشتراها أبداً، وقولهم: إنهم لا يجبرونه، أي: إذا اشترى تاجر السيارات لا يجبر المستدين على القبول، هذا لا ينطلي على أحد، ولكنه مجادلة في الحقيقة، أما الواقع فليس كذلك؛ لأنه ما من إنسان يأتي إلى شخص يقول: اشتر لي السيارة الفلانية أو اشتر الحديد الفلاني أعمر بيتي، أو الأسمنت الفلاني لأعمر بيتي، ثم يرجع ويتراجع ويكون هذا بعيد جداً، ولا تكاد تجد من ألف صورة إلا صورة واحدة إن وجدت، كل هذا حيلة -والعياذ بالله- على رب العالمين والله أعلم -ولا أدعي الغيب، ولا أقول: إني نبي- أن هؤلاء سيكون مآلهم الإفلاس، هؤلاء الذين تحايلوا على رب العالمين عز وجل، وأشغلوا ذمم عباد الله بهذه الطريقة، الله أعلم أن مآلهم سيكون للإفلاس.
الشيخ: كل ما كان حيلة على الربا فهو داخل فيه بأي طريق كان، إذا كان شيخ الإسلام رحمه الله -ونعم الرجل هو علماً وفقهاً وديناً- يقول: إذا اشتريت السلعة التي عند صاحبها بثمن أكثر من الحاضر وأنت تريد دراهم فهو حرام وربا، فكيف بهذه التي لا يملكها الرجل الدائن، وليست عنده وليست في حوزته، ولا فكر أن يشتريها أبداً؟!!
بل سمعت أن بعض الناس يتجرأ فيشتري الشيء ثم يأتي به إلى التاجر يقول: أنا اشتريت الشيء الفلاني بكذا وكذا، وأنا الآن ما عندي فلوس، فيقول التاجر: أنا أقضي عنك، وأحولها عليك بالتقسيط مع أن الأول قد اشتراه من غيره.
السائل: فإذا اشترى سلعة وعليه دين فيبيعها ليقضي الدين؟
الشيخ: نفس الشيء إذا اشترى سيارة، وعليه دين على الوجه الذي ذكرناه أولاً فهذا نفس الشيء وإذا اشتراها وهي عند التاجر موجودة واشتراها بعينه من أجل أن يسدد دينه فهذه تدخل ضمن التورق التي حرمها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والإنسان إذا كان معسراً لا ينبغي أن يستدين ليوفي الدين ويجب على دائنه إنظاره.
السائل: إنه يبيعها لأناس آخرين ولم يبعها للتاجر نفسه؟
الشيخ: أعرف ذلك.. اشتراها بثلاثين ألفاً مثلاً من شركة السيارات، وهي تساوي خمسة وعشرين ألفاً ليوفي دينه.
أقول: هذا خطأ، حتى لو جاز شرعاً فهو سفه عقلاً؛ لأنه إذا التزم هذه الطريقة وجاءت السنة الثانية وما عنده...
السائل: هو ملتزم بهذه الطريقة وهو مورط يا شيخ؟
الشيخ: هذا غلط، ويجب أن ينصح، إذا كنت فقيراً فأنت فقير.
السائل: يا شيخ في بعض القبائل الزواج وصل إلى مائة وخمسين ألفاً فيعمل بالطريقة هذه؟
الشيخ: هذا غلط، هذا غلط وهذه المشكلة.
السائل: وما حكمها شرعاً؟
الشيخ: إذا اشترى الإنسان السلعة لأجل الدراهم فهي حرام عند شيخ الإسلام ابن تيمية ، يقول: هذه حيلة على الربا، وهي من العينة التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: أما من جهة أخذ الأجرة على الرقية على المريض فلا بأس بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)، وهذا القارئ مثل المداوي، بخلاف الذي يأخذ الأجرة على مجرد قراءته، مثل الرجل يقرأ ليتعبد لله بالقراءة، ويأخذ على هذا أجراً، فهذا حرام، ولكن رجل قرأ على غيره لينتفع به، أو علم غيره القرآن، فلا بأس أن يأخذ الأجرة، وأما دعوى أنهم يقرءون على الجن وأن الجن تخاطبهم وما أشبه ذلك فلا، فهذا يحتاج إلى إثبات، فإذا ثبت فليس ببعيد أن الجن يخاطبون الإنسان ويقولون أنهم مسلمون أو أنهم كافرون؛ لأن بعضهم -حسب ما سمعنا من الإخوان الذين يقرءون- يقول أنه مسلم لكنه لا يريد أن يخرج من هذا الإنسي؛ لأنه يحبه، وأحياناً يصرح أنه كافر يهودي أو نصراني أو بوذي أو ما أشبه ذلك، ولكن لا يريد أن يخرج.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه ابن تيمية رحمه الله: أنه جيء إليه بمصروع قد صرعه جني، فقرأ عليه الشيخ فلم يخرج، فضربه ضرباً شديداً فخاطبه الجني وهو امرأة فقالت: إني أحبه، قال: لكنه لا يحبكِ، فقالت له: أريد أن أحج به، فقال: لكنه لا يريد أن يحج معكِ، فقرأ عليها وضرب الرجل على رقبته ضرباً شديداً حتى أن يد شيخ الإسلام ابن تيمية تعبت وكلَّت، ثم قالت: أخرج كرامة للشيخ، فقال الشيخ: لا تخرجي كرامة لي اخرجي طاعة لله ورسوله، فخرجت، فأفاق الرجل فتعجب، ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ، يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية ، يعني: ما الذي أتى به؟ وما أحس بالضرب؛ لأن الضرب يقع على المصروع في الظاهر وفي الحقيقة يقع على من صرعه.
السائل: ولكن هل أخذ الأجرة مشروط بأنه إذا شفاه الله عز وجل؟
الشيخ: نعم يجوز أن يشترط المريض أو المصاب على القارئ على أنه إن عوفي من ذلك فله كذا وكذا، وإلا فلا شيء له.
الجواب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) فالاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا بأس بها، ولا حرج فيها، وأما مسألة كذبهم أو صدقهم هذا ينظر فيه، هم على كل حال مجهولون ودعواهم أنهم صالحون ينظر هل هو يأمر صاحبه بالخير أو بالشر، أنا بلغني أن بعض الناس الذين فيهم الجن إذا جاء عنده في آخر الليل أيقظه ليتهجد ويساعده، فإذا تأخر عن صلاة الجماعة أنبهه فمن هذه حالته فهي دليل على صلاحه.
السائل: بعض الذين يقرءون يقولون: أن أحد الجن تابعي فهو يعرف أحد الصحابة من الجن؟
الشيخ: الله أعلم، هم على كل حال أعمارهم طويلة، ذكر المؤرخون أن جنياً اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام في أحد جبال مكة، وسأله فقال: أنا كنت شاباً حين قتل قابيل هابيل. فالله أعلم، وهذا الحديث ذكره المؤرخون، ولا أدري عن صحته شيئاً.
الجواب: أما الاستدانة في الزواج فليست بمشروعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للذي لم يجد شيئاً يتزوج به: (هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم، قال: زوجتك بما معك من القرآن) ولم يرشده إلى الاستقراض، وربما يدل على ذلك قوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، وهذا الرجل عنده زوجة يستغني بها حتى يغنيه الله من فضله.
وأما الاستقراض من أجل العقيقة فينظر، إذا كان يرجو الوفاء كرجل موظف، لكنه صادف وقت العقيقة أنه ليس عنده دراهم، فاستقرض من شخص حتى يأتي الراتب، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان ليس له مصدر يرجو الوفاء منه، فهذا لا ينبغي له أن يستقرض.
السائل: يوجد نص عن الإمام أحمد يا فضيلة الشيخ؟
الشيخ: نعم قال الإمام أحمد قال في العقيقة: (يقترض يخلف الله عليه؛ أحيا سنة)، لكنه يحمل كلامه على ما ذكرت على التفصيل، يعني: شخصاً يستطيع أن يقضي.
السائل: إذا كان معسراً في الطفل الأول، وبعد أربعة أطفال أنعم الله عليه؟
الشيخ: يبتدئ من الأخير الذي أنعم الله عليه حين ولادته، أما الأولون فقد سقطت عنه عقيقتهم؛ لأنه كان معسراً.
الجواب: القول الراجح أنه يقتل به؛ لقوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثة: النفس بالنفس) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) وقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فهذه العمومات تدل على أن الحر يقتل بالعبد كما أن العبد يقتل بالحر، وليس هناك نصوص صحيحة تدل على أن الحر لا يقتل بالعبد.
الشيخ: في أي مناسبة؟
السائل: في العرس.
الشيخ: العرس بعض العلماء أجاز فيه الدف للرجال كما يجوز للنساء، ولكننا لا نفتي به؛ لأنه يفتح باب شر، ويحصل فيه من الاجتماع وربما يحصل فيه اختلاط بين الرجال والنساء، لذلك لا نفتي بكون الرجال يضربون بالدف في النكاح.
السائل: وإذا كان ينفصل الرجال عن النساء؟
الشيخ: ينفصل الرجال عن النساء في هذه الليلة وفي الليلة الأخرى لا ينفصلون، فلذلك منعه هو الأحسن.
الشيخ: قل من فهم منه ذلك يسألني فأخبره.
السائل: في العرضة -يا شيخ- لا أظن أن الرجال يختلطون بالنساء؟
الشيخ: العرضة لا بأس بها؛ لأنها أيام عيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لـعائشة أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد.
السائل: وإذا كان فيها طبل ومزمار؟
الشيخ: الطبل والمزمار لا يجوز، لا في العرس ولا في أيام العيد ولا غيرها.
السائل: بعض المناطق عندنا في الجنوب لا يعرضون إلا بالطبل والمزمار.
الشيخ: لا يجوز هذا؛ لأن الأصل في آلات اللهو والمعازف المنع، فيقتصر في الجائز على ما جاءت به السنة وهو الدف.
السائل: هل يجوز الدف للرجال في العرضة؟
الشيخ: لا بأس به؛ لأن في أيام العيد رخص في اللهو.
الجواب: كلا الحديثين لا أعرف عن صحتهما وسندهما، لكن الوجه الأول: حرمة قبر المسلم، فكما أن بيت المسلم في الدنيا محترم فقبر المسلم محترم، ولهذا قال العلماء: لا يجوز أن يدفن ميتٌ على ميت، مثل قبر نأتي لنحفره مرة أخرى لنضع فيه ميتاً آخر فإن هذا لا يجوز.
وأما التمسح الثاني فإن صح هذا الحديث فإنه لا عمل عليه؛ لأنه لا يتبرك بعرقه أو لباسه أو شعره إلا بالرسول عليه الصلاة والسلام.
السائل: بالنسبة لقبر الميت الأول فلم يبقَ منه إلا العظام، هل يجوز أن نضع عليه ميتاً آخر؟
الشيخ: العلماء يقولون: لا يجوز حتى يكون رميماً، لكن عمل الناس الآن في الأماكن الضيقة -كما قلت- يفعلون.
الشيخ: لا أعرف كيف هذا النظام.
السائل: النظام أن شركاء اجتمعوا فوضع كل واحد منهم عشرين ألفاً وهم خمسة، وضعوا شركة رأس مالها (مائة ألف)، ثم أصبح الدين على الشركة في حدود مائة وخمسين ألف ريال، وأنهم فقط مسئولون عن الديون في حدود مائة ألف، أما ما زاد فلا يسألون عنه، هذا النظام نظام تجارة.
الشيخ: كيف هذا؟
السائل: هذا نظام بعض الشركات السعودية -مثلاً- شركة ذات مسئولية محدودة، يأتي خمسة أفراد ويدفع كل منهم عشرين ألف ريال لتأسيس رأس مال الشركة، ثم تشتغل الشركة وتخسر مائتي ألف ريال فلا يضمنوا إلا مائة ألف ريال، كل واحد بقدر حصته والباقي لا يدفعونه ويسمونه ديوناً معدومة.
الشيخ: على كل حال لو كان الأمر كما صورت الآن على صورته هذه فهو شرط باطل، يطالب الشركاء بما خسروه من أموال الناس.
السائل: المجمع الفقهي قرأت فتواهم فأجازوها، مع أنني سمعت بعض العلماء حتى الدكتور الذي يدرسنا قال: هذا خطأ.
الشيخ: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مائة شرط، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الخراج بالضمان) من له مكسب فعليه غرم، فإذا كان هؤلاء الجماعة الذين أسسوا بمائة ألف ريال شركتهم لو ربحوا مليوناً فالربح لهم، إذاً! الخسارة عليهم، ولهذا يعتبر هذا شرطاً باطلاً.
السائل: هذا شيء موضوع كنظام بغض النظر عن كونه موافقاً لشرع أو مخالفاً له، المفروض أن الشخص الذي يتعامل مع الشركة ذات المسئولية المحدودة يعلم أنه لا ينبغي أن يتعامل معها إلا في حدود رأس مالها، فهو حينما أعطاهم بضائع أو أقرضهم أو تعامل معهم فيما يزيد عن رأس المال قد خالف النظام، ولا نقول: خالف الشرع، وهو بهذا يعلم مسبقاً بأنه إذا أفلست هذه الشركة فإنه بموجب هذا النظام لن يأخذ ما يزيد على حدود مسئولية الشركة؟
الشيخ: الآن على كلامك، معناه: أن التاجر ممنوع من أن يعطي الشركة أكثر مما تملك.
السائل: هو ليس ممنوعاً أن الحكومة تمنعه، ولكنه ممنوع من جهة أنه يعلم أن هذه ذات مسئولية محدودة لو خسرت لا تعوضه إلا في حدود رأس مالها.
الشيخ: هذا غلط؛ لأنها ربما تشتري أكثر من رأس مالها ترجو بذلك الربح، يمكن أن يكون السوق نشيطاً وتعرف أنك تشتري اليوم بمائة ألف أو مائتي ألف، وغداً تربح أكثر.
السائل: هذا النظام استورد من بريطانيا يا شيخ؛ لأن جميع الشركات في بريطانيا شركات محدودة المسئولية، وهي تلتزم التزاماً مطلقاً بالعمل والاتجار والحركة بدفاترها، وتقدمها إلى الدولة بحدود رأس مالها ومسئوليتها وتراقب مراقبة دقيقة، ولا يحيدون عن وضعهم، ولهذا دخول الشركاء يقول: أنا أدخل بهذا المال، وأنا مسئول فقط بحدود رأس مالي العشرين ألف، ولكن لا يؤخذ من أشيائي الخاصة التي ما دخلت في هذه الشركة، هذه هي القاعدة.
الشيخ: طيب -بارك الله فيك- فرضنا أنهم ما اشتروا إلا بقدر رأس مالهم، ولكنهم خسروا رأس المال، اشترينا بمائة ألف ولا بعنا إلا بخمسين ألف هل نحن مسئولون أم لا؟ نحن اشترينا في حدود ما نملك مائة ألف فقط، ولكن كسد السوق ونزل ولم نبع إلا بخمسين.
السائل: إذا أفلست الشركة ما عندها من أملاك تعطى للغرماء؟
الشيخ: طيب! أُعطيت للغرماء ولم تفِ.
السائل: يسجل الباقي ديوناً معدومة.
الشيخ: لا يُطالب بها؟
السائل: لا يطالب بها، تسقط لو اغتنى الشركاء بعد ذلك لا يطالبون.
الشيخ: على كل حال القاعدة الشرعية عندنا أن (الخراج بالضمان والغرم بالغنم) هذه القاعدة الشرعية فما خالف ذلك فهو باطل ولو كان مائة شرط.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر