إن الله سبحانه وتعالى حث على الزواج وأمر به في أكثر من موضع من كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لما له من فضل وطمأنينة وأمان وأسرار أودعها الله فيه، وجعل الله أحكاماً لهذا الأمر حتى ينضبط، وفي هذه المادة يتحدث الشيخ عن بعض الأمور والأحكام في الزواج.
لقد أباح الله للرجل أن يتزوج إلى أربع من الحرائر، ومن الإماء ما شاء بملك اليمين، فلو أنه ملك ألف امرأة ملك يمين لكان ذلك جائزاً له شرعاً لا حرج عليه فيه، وأما عندما تتزوج المرأة أكثر من رجل في وقت واحد كما يقول بعض دعاة تحرير المرأة، عندما يتشدقون بمقولتهم: إذا أبحتم للرجل أكثر من امرأة فأبيحوا للمرأة أكثر من رجل.. فلا شك أن هذا من فساد عقولهم وفطرهم وظلمهم وجورهم، وكل عاقل يعلم بأن هذه الحالة تؤدي إلى اختلاط الأنساب، ويجتمع في المرأة الواحدة في رحمها ماء رجل وماء رجل ثان وماء رجل ثالث وماء رجل رابع ولا يدرى لأيهم الولد، وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة أن اجتماع أكثر من ماء رجل في رحم امرأة واحدة يسبب عدة أمراض خطيرة التي تكون نتيجة لاجتماع أكثر من ماء رجل واحد في رحم امرأة واحدة، ولذلك كانت العدة أمراً مهماً للمرأة قبل الزواج الثاني بعد طلاقها، وكذلك عدة الوفاة، ولحق الزوج الميت -أيضاً- والمهم أن تتم براءة الرحم وينتهي أثر ماء الرجل الأول لكي تتزوج برجل ثانٍ، فانظر إلى حكمة العليم الخبير سبحانه وتعالى!
وحث الله عباده الرجال على الاقتصار على امرأة واحدة عند الخوف من الظلم، أما عند التحري في العدل والرغبة فيه فإنه أباح لهم إلى أربع من النساء، وأمر بإيتاء النساء صدقاتهن، وأن المهر يصلح بالقليل والكثير والأموال والمنافع، وبين أن من عنده يتيمة وهو وليها ألا يظلمها، وأنه إذا رغب في نكاحها أن يقسط لها في مهرها -أي: يعدل فيه- فلا ينقصها عما تستحقه، وعما يكون لغيرها في مثل حالها.
وكذلك لا يعضلها فيحبسها عن الرجال الأكفاء، وأن المرأة الرشيدة إذا طابت نفسها له بشيء من صداقها فله أكله بلا حرج إن لم يكن بسبب حبسه لها وعضله؛ لأن عضلها ظلم، فإن بعض الرجال الظلمة يفعلونه لكي تفتدي منه بما أعطاها أولاً أو ببعضه، فيكون قد أتى إثماً عظيماً، وقد بين تعالى أن الحكمة في ذلك أنه كيف يأخذه وقد استوفى المنفعة؟ يتزوج المرأة ويدخل بها، وتكون ثيباً بعد أن كانت بكراً بسبب دخوله، ثم يريد أن يضيق عليها لتطلب هي الخلع حتى يأخذ المهر، وليس له فيها حاجة وإنما يريد أن يأتي الخلع منها هي، هو في باطن الحال يريد الطلاق لكن لكي لا يدفع شيئاً، ولكي يسترجع ما فاته يريد أن يأتي الخلع منها لكي تعطيه المال الذي أخذته منه أولاً، أخذته منه مقابل أي شيء؟ الميثاق الغليظ، الميثاق الغليظ المؤكد:
وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً
[النساء:21] فكيف يسترجع المهر الذي أعطاها وقد أتاها وصارت ثيباً بعد أن كانت بكراً، أو صارت زوجةً ثانيةً بعد أن كانت لقبله لمن قبله؟ وهكذا..
إذاً: الميثاق الغليظ يجب احترامه؛ وهو التزام الزواج المتضمن القيام بجميع الحقوق التي أولها إيفاء الصداق، وإنما يدفع الإنسان نصف الصداق إذا عفا الطرف الآخر -الزوجة- عن النصف، وكذلك إذا طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهراً، فدلت الآيات على أن الصداق ملك للزوجة وحق لها، وأنه يتقرر كله بالدخول، وكذا بالموت لتمام وقته، فلو أنه كان موظفاً في شركة فعقد على امرأة ولم يدخل بها، ثم مات في حادث سيارة -مثلاً- فإن للمرأة الإرث من زوجها بلا شك، وعليها العدة لأجل الميثاق الغليظ المؤكد وهو عقد النكاح.
وقد بين سبحانه وتعالى حرمة نكاح المسلم للكافرة والإمساك بعصمتها إلا المحصنات من أهل الكتاب وهن العفيفات، وحرم إنكاح المسلمة للكافر، ومنه المستهزئ بالدين أو الذي يسب الله ورسوله ودين الإسلام، أو الذي يستهزئ بشرع الله تعالى، أو الذي يترك الصلاة تركاً بالكلية لا يركعها أبداً.. فهؤلاء كفرة لا يجوز لك يا مسلم أن تزوج ابنتك من واحد منهم، وينبغي أن تتقي الله في البحث عن حاله، ونحن مقدمون على موسم زواج في الإجازات، فينبغي إتمام البحث والتقصي حتى لا تسلم امرأةً مسلمةً مصلية لرجل كافر مرتد لا يصلي، أو أنه إنسان خارج عن الدين بأحد المكفرات التي سبق بيانها في خطبةٍ ماضية.
ولما شاع الفساد وانتشر بين الناس، وأدت هذه المفسدات الكثيرة في الجو والأرض إلى انتشار الرذيلة والفاحشة فيما بينهم، حتى كثر السؤال عن الحمل من الزنا وما يفعل به، وهذه من الورطات العظيمة التي تؤدي إليها المعصية، ثم قام الكلام والهمس في كثير من المجالس الخاصة في قضية هذه الفتاة التي فقدت عذريتها بسبب هذه العلاقة من رجل قابلها في السوق أو على باب المدرسة أو على باب الكلية، أو أخذها من مكان واعدها فيه ونحو ذلك، صارت هذه القضية مما كثر الكلام حوله؛ ولذلك فليعلم الجميع بأن الله سبحانه وتعالى قد حرم نكاح الزانية حتى تتوب، وحرم نكاح الزاني حتى يتوب، فلا يجوز للزاني أن يتزوج امرأةً مسلمة عفيفة، ولا يجوز للزانية كذلك أن تزوج بمسلم عفيف، ولا يجوز للزاني أن يتزوج زانية حتى يتوب كل واحد منهما، لا بد أن يتوب الأطراف أولاً، وثانياً: لا بد أن يتأكد من براءة الرحم وأنه ليس فيها جنين حتى لو كان منه؛ لأن ما كان من الزاني قبل الزواج لا يجوز أن ينسب إليه، بل ينسب إلى أمه.
وهؤلاء في هذه الحالات يتحدثون عن ستر الفضيحة بسرعة العقد عليها، ولما تتبين براءة الرحم، وليعلم المسلمون بأن الله لما حرم شيئاً علم سبحانه وتعالى أن فيه من الأضرار الأمور الكثيرة، وهذا واحد منها، فهذه العلاقات المحرمة خربت بيوتاً، وشوهت سمعةً، ونشرت رذيلةً، وأفقدت عذريةً، وأنجبت للحرام أولاداً، وهكذا صارت الفضيحة بسبب الفاحشة وشيوعها، والسبب: عدم الخوف من الله، والتساهل مع البنات في خروجهن وعدم متابعة أولياء الأمور، وهذه القضية التي صارت باجتراء هؤلاء الفسقة من الشباب على حدود الله، وانتهاك الحرمات؛ حتى لربما ضاعت الغيرة على أخته من كثرة ما ولغ في الحرام..!
عباد الله: لقد حرم الله النكاح لطرفي الزنا حتى التوبة، وكذلك فإنه سبحانه وتعالى بين أن الهبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى:
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ 
[الأحزاب:50]، فهذا صريح على أنه ليس للمؤمنين أن ينكحوا إلا بمهر مسمى أو مفروض بعد ذلك، ولذلك فإن فعل بعض الزانيات في بعض الجامعات عندما تهب نفسها لرجل أو طالب جامعي وتقول: وهبت نفسي لك على نكاح الهبة.. ليعلم أن ذلك عقد باطل، ونكاح باطل ليس في شرع الله أبداً، بل هو زناً محرم.
وكذلك فإنه لا بد من موافقة الولي، وهذا العقد الذي يكون من طرفه بقوله: زوجتك. ففعل هذه الزانية عندما تقول: وهبت نفسي لك، ونحو ذلك من الكلام التافه الذي لا يغني ولا يقام له وزن في هذه الشريعة، كل هذا -أيها الإخوة- من تسويلات الشيطان، ورغبة بعض الناس -بزعمهم- في العثور على القضية بسهولة، وقضاء الشهوة والوطر ولم يعقدوا عقداً شرعياً، ولذلك فإن هذا النكاح باطل كما يسمونه في بعض الأماكن "نكاح الهبة" ونكاح الشغار -أيضاً- بأن يزوج كل واحد لآخر موليته، ومهر كل واحدة بضع الأخرى.
إذاً: لا يجوز أن تكون هذه مقابل هذه، ولا أن تكون هذه شرطاً لهذه، وإنما لكل واحدة مهر مستقل، وعقد مستقل، وزواج مستقل.. وهكذا.
ثم إن بعض الناس يتساءل عن حكم أن يتزوج امرأةً تبقى في بيتها أو في بيت أهلها يأتيها متى شاء، فنقول: الجواب على هذا: متى تم الزواج والنكاح بالشرط الشرعي بالإيجاب والقبول من ولي الزوجة مع الزوج مع الشاهدين، وعقد هذا النكاح وأشهد عليه وأشهر فإنه نكاح صحيح، وتنازل المرأة عن النفقة أو عن السكن أو عن ليلتها هو أمر يعود إليها، فلو أنها تنازلت عنه أو عن بعضه فهو أمر يعود إليها، ولا يبطل النكاح ولا يؤثر في صحته إذا تنازلت عن مسكن أو عن ليلة من الليالي، إذا كان الرجل متزوجاً بأخرى فرضيت أن يأتيها مرةً أو مرتين في الأسبوع مثلاً، فإن هذا لا يبطل النكاح ولا يؤثر في صحته، فهي صاحبة الحق، وهي التي رضيت بأن يعطيها بعض الحق، ولذلك يبقى النكاح صحيحاً.
أما نجاحه وفشله فهذه قضية أخرى، فقد يكون اجتماعياً يكثر فيه الفشل، أما بالنسبة للحل والحرمة في عقد النكاح فإذا استوفى شروط العقد الشرعي فإنه نكاح صحيح.
أيها المسلمون: شرعنا -والحمد لله- شرع شامل كامل، فيه مراعاة للنفوس والخواطر، وفيه إرضاء ومراضاة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى أباح أن يأخذ الرجل من مهر الزوجة إذا رضيت، وأن تسقط المرأة من المهر إذا رضيت، فقال تعالى:
إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ 
[البقرة:232]، دليل على اعتبار رضا الزوجين، وأن ذلك التراضي مقيد بالمعروف
إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ 
[البقرة:232] وقد أمر الله الزوج إذا نشزت زوجته بإجراءين:
الأول: إجراء على ثلاث مراحل: أن يعظها، ويهجرها في المضجع، فإن لم تعتدل ضربها ضرباً غير مبرح، يجتنب الوجه ولا يجرح ولا يكسر عظماً.
والإجراء الثاني: إذا خيف الشقاق بينهما، وخيف ألا تقبل الحالة الالتئام ولو بهذه الإجراءات الثلاثة السابقة والخطوات الثلاث والدرجات الثلاث السابقة.. إذا خيف ألا تقبل الحال الالتئام أن يجتمع حكمان: واحد من أهل الزوج وواحد من أهل الزوجة، فينظران في الاجتماع بينهما، إن أمكن بطريقة من الطرق إما ببذل عوض، أو إسقاط حق من الحقوق، أو بغير ذلك، فلا يعدلا عن ذلك، ولكن إذا تبين أنه لا يمكن الاستمرار في الحياة الزوجية، فلهما التفريق بينهما بخلع من الزوجة أو بتطليق من الزوج، بحسب ما يقتضيه الحال، وما يقتضيه العدل والتجرد والإنصاف من النظر من قبل هذين الحكمين.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الوقافين عند حدودك، المطبقين لشرعك، اللهم اجعلنا ممن أحل الحلال وحرم الحرام إنك سميع مجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. أوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.