إسلام ويب

واجباتللشيخ : محمد الفراج

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ حفظه الله عن المؤامرة ضد الإسلام، وأن واجبنا تجاهها هو الوقوف مع الصحوة التي فرضت نفسها على المجتمع، حاثاً على الدعوة إلى الله، إذ هي أهم خطوة لمواجهة هذه الهجمة الشرسة ضد الدين، ثم دعا إلى تصحيح مسار الدعوة بالعلم الشرعي الصحيح، ذاكراً جملة من الوصايا للدعاة والآباء.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.. وبعد:

    معشر الإخوة في الله! لقد تحدثت في خطبةٍ سالفة عن البشائر بنصر هذا الدين، والتمكين له، وضمان بقائه حتى يرث الله الأرض وما عليها، وذكرت بعض ما جاء في هذا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدفي من هذا تأمين عباد الله الغيورين على هذا الدين، وتبشيرهم، وطرد القنوط واليأس عن أنفسهم حتى يفرحوا ويعلموا بأن حافظ هذا الدين هو الذي أنزله سبحانه وتعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

    وأمر آخر وهو أن يتعظ هؤلاء الذين يكيدون للدين ويدسون له ولأهله الدسائس، حتى يوفروا على أنفسهم الجهد والتعب، ويكفوا عن الحرب على الدين وأهله، سواء منهم المنافقون المندسون في صفوف المسلمين، أو غيرهم من الذين يحاربون الإسلام سراً وجهاراً ونهاراً.

    وقد ذكرت أن من بشائر النصر والتمكين لهذا الدين، ما نشاهده -ولله الحمد- من هذه الصحوة المباركة والرجعة المباركة من قبل كثير من المسلمين وخصوصاً الشباب إلى دين الله، ورجوعهم إلى المساجد وإلى التمسك ظاهراً وباطناً بدين الإسلام وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أشرت إلى ذلك إشارة أحب أن أبسط القول فيها لأهميتها، وقبل هذا فإن هذه الصحوة -ولله الحمد- موجودة، وقد فرضت وجودها بحمد الله، وفرض الله سبحانه وتعالى وجودها، لا ينكرها إلا جاهل أو متجاهل، وإن كانت تحتاج إلى كثير من التصحيح والترشيد في بعض مسارها.

    ومما يدل على فرضها لنفسها بحمد الله أنها أصبحت واقعاً ملموساً فرض نفسه في كثير من بلاد المسلمين التي كان الإسلام فيها يُحارَب صراحة، ولا تكاد تجد الدعاة والمتحمسين له إلا في غياهب السجون والمعتقلات وحبال المشانق، وأما الآن فقد تغير كثيرٌ من الواقع والأمر -بحمد الله- فخرجوا من السجون والمعتقلات، وأصبحوا يزاحمون على مكاتب الاقتراع ومقاعد المجالس النيابية، ولا أعني بالضرورة من هذا جواز المشاركة في الحكومات التي تحكم بغير ما أنزل الله، حتى لا يفهم هذا من كلامي، ولكني أريد أن أنبه على أن هذه الصحوة والرجعة إلى دين الله فرضت وجودها بحمد الله، يبصر هذا كل ذي عينين، ولا ينكرها إلا جاهل أو متجاهل.

    ولهذا هبت الدول الكافرة والمنظمات الفاجرة الماسونية والصهيونية لمقابلة هذه الرجعة واغتيالها في مهدها، وقبل أيام قلائل رفعت المخابرات اليهودية مما يسمى بدولة إسرائيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية قراراً، تقول فيه: لقد زال الخطر الشيوعي الآن، لقد زال الخطر الاشتراكي، وأما الخطر الذي يداهم الولايات المتحدة والعالم كله فهو التطرف الديني -على حد زعمهم وتعبيرهم- ولهذا فإنهم رجعوا إلى أنفسهم وأعادوا النظر في حساباتهم وفي مخططاتهم، لا سيما ونحن نستقبل عصر الأقمار الصناعية، والتي لا يملك المسلم وهو يسمع أخبارها وما يخطط له فيها إلا أن يضع يده على صدره ويسأل الله الستر والعافية والسلامة.

    ثم يعمل ما وسعه العمل وما وسعه الجهد لمقابلة هذا الكيد الكافر السافر والوقوف له وحماية المسلمين منه، وإذا علمتم -أيها الأخوة- أنه يوجد في ألمانيا وحدها ثلاث محطات تلفازية لبث اللواط والجنس على مدى أربع وعشرين ساعة، وكذلك يوجد في الولايات المتحدة وفي كثير من دول أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية والدول الشيوعية؛ يوجد أمثال هذه المحطات، وبعد شهور قليلة ستصبح الكرة الأرضة عبارة عن دائرة تلفازية متصلة كما هو الشأن في الإذاعات اليوم، ناهيك عما سيبث في هذه القنوات التلفازية من الأفكار الإلحادية المضللة، والتحريض للعمال وغيرهم، ليثوروا على الدين، وليثوروا على العقائد ولينبذوا الأخلاق وغيرها مما سيعرض في هذه المحطات.

    إذا علمتم هذا أدركتم الخطر الذي يداهم المسلمين، والذي ينتظره المسلمون على وجه الخصوص، وتنتظره الصحوة الإسلامية التي يكيد لها اليهود والنصارى، ويكيد لها كل أعدائها، ويهدفون من جعل هذه الأقمار الصناعية أداة لاغتيال هذه الصحوة، إلا أن الله سبحانه وتعالى حافظ دينه ومعلٍ كلمته ومبقٍ شريعته، ونسأله سبحانه وتعالى أن يقتلهم وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يبطل سعيهم ومخططاتهم، كما نسأله سبحانه وتعالى -ونحن نتفاءل- أن تكون هذه الأقمار الصناعية بداية لانتصار هذا الدين، وأن ينشر بها دين الإسلام على وجه البسيطة كلها.

    فيتحقق الوعد والبشارة التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخرج الإمام أحمد من حديث أبي رقية تميم الداري وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولن يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الله الإسلام، وذلاً يذل به الكفر) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

    تصحيح مسار الصحوة والدعوة

    أما بث الإشارات التي أشرت إليها في الخطبة قبل الماضية، فهي أنه يجب على كل مسلم أن يساهم في هذه الصحوة والرجعة إلى دين الله وتصحيح مسارها وترشيد اتجاهها.

    فيجب على الدعاة أنفسهم أولاً وقبل كل شيء أن يتقوا الله في هذه الصحوة المباركة، ويجب عليهم أن يستحضروا الهدف من وراء دعوتهم إلى دين الله سبحانه وتعالى، وأن هدفهم وغايتهم إنقاذ الناس من طريق جهنم، ووضع أقدامهم على طريق الجنة، والسلوك بهم إلى الصراط المستقيم، كما بيّن سبحانه وتعالى في كتابه بقوله آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه من الدعاة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ [يوسف:108].

    هذه الدعوة ينبغي أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، تدعو الناس لإنقاذهم من طريق جهنم ووضع أقدامهم على طريق الجنة، لا تدعوهم لتستكثر بهم من قلة، ولا لتتقوى بهم من ضعف، إلا أن تقوي دين الإسلام ودعوة الإسلام، وإذا ما غاب عن أذهاننا -معشر الشباب والدعاة- هذا الهدف؛ فإنه حري بالدعوة أن تتخبط في مسارها، وأن تتورط في سلوك الدروب الحزبية، وانقسام الجماعات المقيتة التي بليت بها كثير من الدعوات في العالم الإسلامي.

    فليتق الله القائمون على الدعوة والقائمون على الصحوة، وعليهم أن يستحضروا الغاية التي يدعون لها، حتى لا تتبعثر الجهود، وحتى لا تجمع كل جماعة لأخرى، وحتى لا ننزلق ونتورط في دروب الحزبية والانقسامات الفردية، فلنتق الله معشر المسلمين! ويكون قدوتنا في هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه كما في البخاري وغيره (أنه زار يهودياً علم أنه مريض، فوجده يحتضر، فقال صلى الله عليه وسلم: قل: لا إله إلا الله، فنظر اليهودي إلى والده كأنه يستشيره وأبوه عند رأسه، فقال أبوه: أطع أبا القاسم، فقال اليهودي المحتضر: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ففاضت روحه ومات، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم ويقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).

    فنحن ندعو الناس لإنقاذهم من النار، لا ندعوهم لأمرٍ آخر، فلنعلم هذا يا شباب الإسلام! حتى نوحد الجهود ونقف صفاً واحداً أمام العدو المشترك الذي يكيد للإسلام وأهله داخل البلاد وخارجها.

    الحرص على العلم الشرعي الصحيح

    وأمر آخر وهو أنه ينبغي على شباب المسلمين أن يرتووا من العلم الشرعي، وأن يلتفوا حول علمائهم المخلصين الناصحين، علماء الشريعة العارفين بالكتاب والسنة، أهل الذكر؛ فيجب على شباب المسلمين أن يلتفوا حولهم، وأن يحرصوا على النهول من دروسهم ومن علمهم، والالتفاف والتحلق حول مجالس علمهم، ليأخذوا العلم الشرعي الصحيح الذي به يتمكنون من الدعوة الصحيحة إلى العقيدة الصحيحة .. إلى الإسلام الصحيح.

    يقول الله سبحانه وتعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وأمر سبحانه قبل ذلك بالقراءة التي هي وسيلة العلم الشرعي الصحيح، كما قال سبحانه لنبيه في أول الأمر: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] ثم ثنى بالأمر الآخر: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر:1-2] فالدعوة لا تكون إلا بعلم شرعي صحيح، ولهذا قال أبو حامد الغزالي في رسالته أيها الولد المحب: إن العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون.

    فلنحرص يا شباب الإسلام! على الاتصال بعلماء الإسلام ونستفيد من علمهم، ونأخذ من آدابهم ومن أخلاقهم حتى ندعو على طريقة صحيحة سليمة.

    الداعية والقدوة الصالحة

    وأمر مهم وهو أنه يجب على الدعاة أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يكونوا قدوة حسنة في أنفسهم، فإذا أمروا بمعروف كانوا أول من يفعله، وإذا نهوا عن منكر كانوا أول من يجتنبه، حتى يكونوا دعاة بأفعالهم وأخلاقهم قبل أن يكونوا دعاة بألسنتهم وأقوالهم، وما أقبح أن يخالف الداعية إلى الله ما يدعو إليه! ما أقبح أن يأمر بمعروف وينسى نفسه! أو ينهى عن منكر ويتورط فيه! فإن الله سبحانه وتعالى ضرب مثلاً لأولئكم بأقبح وأحقر مخلوقاته: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ [الأعراف:175-177] ويقول سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة:5].

    فيجب على الدعاة إلى الله أن يكونوا أحرص الناس على التمسك بما يدعون إليه، وأن يكونوا أحرص الناس على الانقياد إلى ما يدعون إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الثلاثة الذين تسعر بهم جهنم ومنهم قارئ القرآن، نعوذ بالله من ذلك كما ذكر في الحديث الآخر أن من أهلها إنساناً يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله، نعوذ بالله من مخالفة الفعل للقول.

    الحفاظ على أمانة العلم وعدم تعريضه للإهانة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088974569

    عدد مرات الحفظ

    780280740