اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] للشيخ : عبد الرحيم الطحان
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] للشيخ : عبد الرحيم الطحان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فلا زلنا نتدارس ترجمة أمنا الحصان الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله على نبينا وآله وأزواجه صلوات الله وسلامه.
فقد تقدم معنا أن أمنا عائشة رضي الله عنها هي راوية الحديث الذي رواه الإمام الترمذي في الباب الخامس من أبواب الطهارة في جامعه، ولفظ الحديث عنها رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك)، قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسنٌ غريب.
تقدم وأن قلت: سنتدارس ترجمة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها ضمن ستة أمور، مضى الكلام على الأمور الخمسة من هذه الأمور الستة، وشرعنا في الموعظة الماضية في مدارسة الأمر السادس ألا وهو: حب ربنا جل وعلا لأمنا، وغيرته عليها، ودفاعه عنها، وقلت: سأقتصر على أمرين اثنين في هذا الأمر السادس.
الأول: وهو تسببها رضي الله عنها في مشروعية التيمم لهذه الأمة، وثبوت هذا الحكم الشرعي إلى يوم القيامة ببركتها، وما هذه البركة منها بأول بركات آل أبي بكر رضي الله عنهم وأرضاهم، فبركاتهم كثيرة، جزاهم الله عنا وعن دينه خير الجزاء.
وأما الأمر الثاني الذي يظهر فيه حب الله لأمنا عائشة رضي الله عنها وغيرته عليها، ودفاعه عنها: تبرئتها رضي الله عنها وأرضاها مما افتري به عليها، وقذفت به، وهي الطاهرة المطهرة، الصديقة بنت الصديق ، حبيبة حبيب الله على نبينا وآله وأزواجه صلوات الله وسلامه.
أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها اتهمت بأمرٍ اتهم به صالحون وأنبياء مباركون قبلها، لكن غيرة الله على أمنا عائشة ودفاعه عنها زاد على غيرته وعلى دفاعه عمن افتري عليه من الأنبياء والصالحين قبلها؛ وما ذلك إلا لمكانتها في نفسها ومن نبينا عليه الصلاة والسلام؛ ولأجل ذلك نزلت تبرئتها كما تقدم معنا في ست عشرة آيةً من القرآن، بدأت من الآية الحادية عشرة كما تقدم معنا إلى نهاية الآية السادسة والعشرين من سورة النور كما سأتلوها عليكم إن شاء الله.
وسيأتينا في نهاية دفاع الله عن أمنا عائشة رضي الله عنها في هذه الآيات أن نبي الله يوسف، ونبي الله موسى على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه اتهما بما اتهمت به أمنا عائشة ، وبرئا بما يدل على طهارتهما وطيب معدنهما، لكن براءتهما لا تعدل البراءة التي حصلت لأمنا عائشة ، فهذه برئت بوحيٍ يتلى من كلام الله جل وعلا يتعبد به المسلمون إلى يوم الدين، وأما أولئك فبرئوا بما يدل على طهارتهم كما سيأتينا، لكن البراءة دون هذه البراءة، فهناك ظهر أمرٌ علم الناس بذلك الأمر صدق هذا النبي وطهارته، أما هذه فآياتٌ تتلى، وهكذا الصديقة مريم عليها وعلى سائر الصديقات رحمة الله ورضوانه برئت، وبراءتها حصلت بشيءٍ لا يعدل براءة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، برئت بمعجزةٍ كما سيأتينا، لكن دون آياتٍ تتلى، وهكذا العبد الصالح جريج افتري عليه واتهم وبرأه الله جل وعلا، وأثبت طهارته كما سيأتينا، لكن تلك البراءة دون ما حصل لأمنا عائشة رضوان الله عليها من براءةٍ بهذه الآيات التي أنزلها رب الأرض والسموات.
إخوتي الكرام! سأتلو هذه الآيات، وأبين ما فيها من دلالاتٍ وأوجزها في عشرة أمور فقط تدل على دفاع الله عن أمنا عائشة رضي الله عنها، وعلى حبه لها، وغيرته عليها، وعلى تكذيب ما نسب إليها، ثم أختم هذه الأمور العشرة بأمرين: أمر يتعلق بوالد أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وأنه أفضل هذه الأمة على الإطلاق بعد نبينا عليه الصلاة والسلام كما أشارت إلى ذلك هذه الآيات التي نزلت في تبرئة ابنته الطاهرة المطهرة، والإشادة بفضله رضي الله عنه وأرضاه، ثم بعد ذلك أذكر إن شاء الله حديث الإفك الطويل، وأبين من خرجه وسأتلو الآيات، ثم نشرع في بيان دلالتها على تبرئة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور:11-26].
هذه الآيات أنزلها ربنا جل وعلا في الدفاع عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وتبرئتها، واستمعوا للدلالات التي فيها.
يقول الله جل وعلا في سورة الأحقاف: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأحقاف:27-28]، هم زعموا أن هذه الآلهة تمنعهم وتنصرهم وتدافع عنهم، وهذا إفك؛ لأن الآلهة لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها نفعاً ولا ضراً.
قال أئمتنا: وأصل الإفك مأخوذٌ من الأفك، وهو القلب والصرف، وذلك يشمل أشنع الكذب وأبلغه وأعظمه، ويشمل البهتان الذي يصدأ الإنسان عندما يسمعه من قبل من يفتري عليه ويكذب عليه، إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11].
أولها: المعروف من حالها الحصانة والحصافة والتقى لله عز وجل، وتقدم معنا في الأمر الخامس تعظيم الله، والشفقة على خلق الله عز وجل، فهي التي تقوم بمقاصد الدين، فمثل هذه ينبغي أن يثنى عليها، وأن تحب، وأن تجل، وأن تكرم، أما أن يفترى عليها، فهذا هو عين الإفك.
الأمر الثاني: امتيازها بشرف النسب، فهي بنت الصديق أفضل هذه الأمة بعد رسول الله على نبينا وآله وأصحابه صلوات الله وسلامه.
الأمر الثالث: امتيازها بشرف السبب، فهي زوجة المعصوم، ولعصمة نبينا عليه الصلاة والسلام ينبغي أن تعصم زوجته أيضاً، إذاً هي في نفسها طاهرة مطهرة، حصان نقية، والحصان صفةٌ في المرأة العفيفة التي تبالغ في العفة، كما أن الحصان بالكسر صفةٌ في الخيل الجيدة، وسمي الحصان حصاناً؛ لأنه يحصن راكبه من الهلاك، ويمنعه من إدراك الأعداء، فلا يدركونه؛ لأن الحصان هو الآلة المفضلة في الجهاد، وهو الذي يصلح للكر وللفر، ويقاتل مع المقاتل، فيكر ويفر، والحصان إذا كان جواداً فسرعته تزيد على سرعة السيارة، فإذا كانت السيارة تقطع في الساعة مائة كيلو أو مائة وعشرين أو أكثر فسرعة الحصان المسرع تزيد، ثم هو يقاتل، قيل: وسمي حصاناً؛ لأنه يمنع ماءه، فيصونه فلا يضعه في غير محله فهو كريم لا ينزو إلا على نجيبة، فليس حاله كحال الحمر وغيرها، والحَصان هي التي صانت نفسها، فهذا حِصان، وتلك: حَصان، فالحِصان هي الخيل المعروفة، والحَصان بالفتح هي المرأة العفيفة الطاهرة النقية، كما قال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [التحريم:12].
إذاً: هؤلاء أتوا بالإفك؛ لأن المعروف من أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها الطهارة والنقاء والصفاء، والمبالغة في الحياء، فهي التي كانت تحتجب من المبصرين والعميان، من الأحياء والأموات، هذه بعد ذلك تبذل عفتها وتدنس حياءها وفرجها؟! حاشاها من ذلك!
إذاً: الذين قذفوها أتوا بالإفك؛ لأنه خلاف المعروف من حالها، ولا يتناسب هذا مع شرف نسبها، ولا مع شرف سببها، ففيها هذه الصفات التي لا توجد في غيرها من النساء الطاهرات، فقذفها إفكٌ قبيح، عليه براهين على أنه كذب وبهتان وافتراء، إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11].
إذاً هذه الدلالة الأولى في الآية، يقول الله من بدايتها: هذا إفك، يعني: لولا وقوع هؤلاء السفهاء في عرض هذه التقية الصديقة من النساء، لما كان هناك داعي لإنزال هذه الآيات، ومعلومٌ لكل أحد أنه لا يليق هذا بها وبحالها رضي الله عنها وأرضاها.
إذاً: هذه جماعة عصبة لها شأن قبيح خبيث، وكل جماعة لا بد لها من قائد في الخير أو في الشر، والذي تولى كبره منهم قائدهم الماكر عبد الله بن أبي ابن سلول رئيس المنافقين، إذاً (والذي تولى كبره) بكسر الكاف وضمها، وبالضم قرأ يعقوب فقط من العشرة، وقرأ التسعة بالكسر، قال أئمتنا: هما مصدران لكبر الشيء بمعنى عظم، والذي تولى كبره، يعني: معظمه، ونشره، وإشاعته بين الناس، وهو رئيس المنافقين، وقيل: إن الضم بمعنى معظم الشيء، والكسر بمعنى بداية الشيء، والأمران مجتمعان في هذا الخبيث، هو الذي قام بمعظم الإفك، وهو الذي ابتدأه واخترعه، وقال: ما نجت منه ولا نجا منها! وأرجف به ونشره بين الناس، فهو الذي ابتدأ، وهو الذي تحمل الدعاية له، والإثم الأكبر فيها.
إذاً: لفظ العصبة جماعةٌ متعاضدةٌ متناصرة، ومنه قول إخوة نبي الله يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه: قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ [يوسف:14]، نحن إخوة، أحد عشر ولداً نتعاضد ونتناصر ويأتي ذئب يأكل منا أخانا، إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ [يوسف:14]؟! نحن عصبة نتعاضد نتناصر، ونحمي أخانا من أن يأكله الذئب.
وإلى ذلك أشار الله أيضاً في سورة القصص: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76]، أي: جماعة متعاضدة وعندهم قوة لا يستطيعون أن يحملوا مفاتيح خزائن قارون من كثرتها وثقلها، إذاً: هؤلاء الذين افتروا الإفك عصبة ولم يقع الأمر كما يقال: فلتة وبدون تدبير، بل هو أمر دبر بليل وبخفاء من قبل عصبة متعاضدة على الشر وعلى النيل من عرض النبي عليه الصلاة والسلام، والعصبة ذكر أئمتنا لها حداً لا تتجاوزه ولا تزيد عليه، فقيل: هي من ثلاثة إلى عشرة، وبعضهم قال: من عشرة إلى خمسة عشرة، وأقصى ما قيل وهو الذي ذكره الرازي في تفسيره: من عشرة إلى أربعين، ولا يمكن أن تزيد العصبة على ذلك، المقصود أنهم شرذمة قليلة، هذا ما أجمع عليه الصحابة الكرام، وما أقره أهل اللغة والأحلام، تكلم به عصبة سفهاء اجتمعوا في الخفاء وقالوا: نريد أن ننال من خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، دبروا مكيدة، ابحثوا عن مطعن نطعن به على محمد عليه الصلاة والسلام، فوجدوا في تأخر أمنا عائشة رضي الله عنها عن البيت مجالاً للطعن، فتعاونوا وتساعدوا وتعاضدوا على هذا الافتراء، وكلام الأعداء لا يبالي به الأصدقاء.
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍفهي الشهادة لي بأني كامل
إن هذا عدو، فانتبه للآية الأولى قبل نهايتها، يعطي الله الدلالات من البداية فيقول لأهل العقول: انتبهوا! هؤلاء عصبةٌ أتوا بإفك، من أجل الطعن في عِرض نبي الله المختار على نبينا وآله وأزواجه صلوات الله وسلامه.
قد يقول قائل: العصبة قد تكون عشرة ولفظ العشرة يفيد التواتر، والتواتر يفيد العلم القطعي، ولا يشترط عدالة ولا ضبط ولا إيمان ولا كفر في رواية المتواتر، فلا نبحث لا في عدالة ولا في ضبط، لكن عندنا شرطٌ واحد هنا غير موجود وهو إحالة العادة تواطؤهم على الكذب، فلو اجتمع مائة في هذا الوقت في اجتماع سري وخرجوا بعد ذلك بكلام، هؤلاء مائة خبرهم يفيد التواتر في الأصل، لكن عندنا قرينة ترد خبرهم وتجعله دون خبر الواحد، وهو الافتراء والتواطؤ، لكن لو قدر أن هذا الخبر نقله مائة، واحدٌ من هذا الحي، واحدٌ من ذاك الحي، واحدٌ كبير، وواحدٌ صغير، ولا رابطة بينهم ولا اتفاق ولا اجتماع، فإننا نقول: هذا يفيد التواتر، وأنت مضطر إلى التصديق رغم أنفك؛ لأنه لا يمكن إلا أن يكون هذا الأمر قد وقع، فهؤلاء عندما نقلوه والعادة أحالت تواطؤهم على الكذب دل على قطعيته وثبوته، أما هنا فهب أنهم بلغوا عشرة، وأن نقل العشرة يفيد التواتر، فهذا التواتر لا يساوي بولة كلب؛ لأنه بواسطة عصبةٍ واجتماع.
قد يتواطأ أحياناً طلاب فصل من الفصول وعددهم مائة على الكذب على أستاذٍ من الأساتذة، ويذهبون يقولون: قال في الفصل كذا وهم كلهم كذابون، فلا يقال بعد ذلك عند التحقيق: هؤلاء مائة نأخذ بكلامهم ولا نكذبهم؛ لأن عندنا قرينة على التواطؤ والافتراء.
ويشترط في المتواتر أيضاً أن يسندوه إلى شيءٍ محسوس من سماع أو رؤية، فهل أنتم سمعتم هذا عن أمنا عائشة وعن صفوان ، وأنهما قالا: نحن فعلنا، وشهد عشرة على ذلك، أو رأيتم؟ لا يوجد إلا هذا، إما سماع وإما رؤية، وما عدا هذا فكذبٌ لا شك فيه، ولذلك يقول الله جل وعلا: عصبة متعصبة متعاضدة متناصرة مجتمعة على الضلال والباطل، أتوا بإفك، وهذا الإفك لم يقع اعتباطاً، وإنما وقع بتدبيرٍ ومكر، إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11].
وذهب بعض المفسرين إلى أن (عصبة) بدل من ضمير الفاعل في (جاءوا)، والخبر: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ [النور:11]، وعليه عندما قال: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ [النور:11]، أراد أن يبين حالة الجائين بالإفك والقائلين لهم فقال: إنهم عصبة، وهذا مع احتمال اللغة له كما ذكر أئمتنا المفسرون فالقول الأول أولى وأنجى.
وقوله: (منكم)؛ لأنهم في الظاهر ينتسبون إلى الإسلام، فمنكم، أي: من المسلمين من بني آدم من الذين يعيشون معكم في المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه يظهرون الإيمان ويبطنون النفاق والكفران، إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11].
إخوتي الكرام! الأمور في هذه الحياة؛ إما أن تكون خيراً محضاً، وإما أن تكون شراً محضاً، وإما أن يغلب خيرها على شرها، وإما أن يغلب شرها على خيرها، فالخير المحض هذا في طاعة الله عز وجل، فلا يكون في هذه الحياة خير محض إلا في طاعة الله، وما عدا ذلك من متاع الدنيا ومتعها كله ليس بخيرٍ محض، بل خير وفيه شر، لكن الخير يغلب الشر، أما دار الآخرة فهي خيرٌ محض في نعيم الجنة، وشرٌ محض، وهذا فيما تئول إليه المعاصي من نار جهنم، نسأل الله العافية، وبعد ذلك عندنا أشياء أخرى إما أن يغلب خيرها على شرها، أو أن يغلب شرها على خيرها، وهذا في أكثر الأشياء: من طعام، ولباس، ومصيبة، ومعاشرة، كما يقال: إيجابيات وسلبيات، لكن إذا كثرت الفوائد والمغانم فيقال عن هذا الأمر: خير، وإذا كثرت السلبيات والشرور فيقال عنه: شر.
إذاً: هنا يوجد ضر قطعاً وجزماً في هذا الافتراء، وفي ذلك تكديرٌ للخاطر، وتشويشٌ للبال، وبعد ذلك ربما ضعاف العقول يخدعون، فهذا شر، لكن ما يترتب على هذا من خير أرجح مما فيه من شر، فيغلب خيره على شره، لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11]، ليس بخيرٍ محض، حتماً فيه شر وفيه أذى وتكدر، لكن العاقبة محمودة، والخيرات كثيرة، نقتصر من هذه الخيرات على عشرةٍ:
وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن هذه الحقيقة، والحديث في المسند والصحيحين من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس أحدٌ أصبر على أذىً سمعه من الله عز وجل، يجعلون له نداً وهو يرزقهم ويعافيهم، يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم، وفي بعض الروايات: ويعطيهم سبحانه وتعالى)، يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم ومع ذلك يشركون به ويجعلون له أنداداً، سبحانه ما أحلمه! وما أصبره! هو الصبور، يخلق ويعبد غيره، يرزق ويشكر غيره سبحانه وتعالى، ويأتي بعد ذلك -من دون الله- الأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه فهم أكثر الناس ضراً في هذه الحياة، ويقع عليهم اعتداء من قبل السفهاء أكثر من غيرهم بكثير.
وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن، وقال: حسنٌ صحيح، ورواه ابن ماجه في سننه أيضاً، والإمام الدارمي في سننه، والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ، وفي الأحاديث الجياد المختارة للضياء المقدسي عليهم جميعاً رحمة الله، من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه -في روايةٍ: على حسب دينه- فإن كان في دينه صلباً زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه من البلاء، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة)، والبلاء حاصل في جميع أنواع المصائب التي تقع عليك؛ إما من قبل اعتداء السفهاء، أو من مصائب تقع عليك في بدنك، وفي مالك من حرق ومن غرق، وغير ذلك، ما أكثر مصائب الدنيا! نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من الصابرين الشاكرين، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
وهذا الحديث حديثٌ صحيح، وقد روي أيضاً من طريقٍ صحيح من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه في سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم وطبقات ابن سعد ، ومسند أبي يعلى ، ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون)، والحديث أيضاً روي في معجم الطبراني بسندٍ صحيحٍ أيضاً من رواية فاطمة بنت النعمان رضي الله عنها وأرضاها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، على حسب مراتبهم ينزل عليهم البلاء.
وفي سنن الترمذي وابن ماجه بسندٍ حسن عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).
إذاً هنا تحصل أمنا أجراً عظيماً، وهكذا نبينا عليه الصلاة والسلام، وهكذا صديق هذه الأمة رضي الله عنها وأرضاه، وهكذا المؤمنون، افتري علينا بقذف أمنا عائشة ، فنحتسب مصيبتنا عند ربنا جل وعلا.
ومن صور ابتلاء الله لأنبيائه: أن إبراهيم أحب ابنه إسماعيل فأمر بذبحه، وكذلك والد يوسف يعقوب على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، كان يحبه فعذب بفقده، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام أحب عائشة فابتلي فيها، فهل هناك رباط وثيق بين هذه الأمور؟ الذي يظهر لي والعلم عند الله جل وعلا أن الله جل وعلا يريد أن يكتب لأحبابه أجراً بالمصائب التي تقع عليهم، فحتماً ذبح الولد مصيبة أمر الله بها، لكنها مصيبة تقع على الوالد، كما لو مات الولد، وهكذا فقد الولد مصيبة تقع على الوالد، وهكذا الطعن في الزوجة مصيبة تقع على الزوج، فللدلالة على قدر الأنبياء والصالحين عند رب العالمين سلط الله عليهم هذه المصائب، هذا وجه.
وجهٌ آخر: الله جل وعلا يريد لأنبيائه أن تتعلق قلوبهم به على وجه التمام دون أن تلتفت إلى غيره، وليس معنى هذا أن قلب نبينا عليه الصلاة والسلام إذا تعلق بأمنا عائشة فقد حصل فيه انحراف عن الله، فهو الذي -كما تقدم معنا والحديث في الصحيحين، بل هو متواتر- (لا يتخذ خليلاً من أهل الأرض، ولو اتخذ خليلاً لاتخذ أبا بكر خليلاً)، لكنه خليل الله، وخلته أكمل من خلة خليل الرحمن إبراهيم لربنا العظيم على نبينا وعلى إبراهيم وعلى أنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه، لكنه من أجل هذه المصائب التي تقع، يتعلق القلب بعد ذلك بالرب على وجه التمام والكمال، فالله يتعهد قلوب أحبابه ما بين الحين والحين بمصائب من أجل أن يبقى القلب دائماً مع الرب جل وعلا، فهذا المحبوب الدنيوي يحصل حوله شيء من المنغصات، أما ذاك المحبوب وهو الله جل وعلا فليس حوله منغصٌ من المنغصات سبحانه وتعالى، فهنا مثلاً فقد محبوبك ولدك، وهنا تؤمر بذبحه، وهنا تحصل معرة بسبب الإفك أمام الناس، وبقي النبي عليه الصلاة والسلام شهراً في منتهى الشدة والكرب في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، حتى نزلت آيات الطهارة والبراءة، والتي يقول الله فيها: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11].
ولا يقال كما يقول بعض الناس إن القلب التفت إلى غير الله، فالله جل وعلا عاقبه! فهذا في حق أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه إساءة أدب، والإنسان ينبغي أن يضبط ألفاظه عندما يتكلم في مقام النبوة، نعم حصل لهم ما حصل ليزيد الله في أجورهم ورفعة درجاتهم، حصل لهم ما حصل لتبقى القلوب دائماً متصلة بعلام الغيوب، لا أنه حصل انحراف. هذا الذي يظهر لي والعلم عند الله جل وعلا.
ولذلك خليل الرحمن إبراهيم أحب ولده البكر إسماعيل على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فأمره الله بذبحه، لا لانحراف قلب إبراهيم عن الله العظيم وتعلقه بهذا الولد، فالله شهد له في القرآن بقوله: إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصافات:84]، ولذلك قال أئمتنا: قلبه للرحمن، وبدنه للنيران، وماله للضيفان، وولده للقربان، فهذا الذي اتخذه ربنا جل وعلا خليلاً، أما أنه في قلبه انحراف عن الله طرفة عين فلا، هذا المحبوب تقع أحياناً بسببه بعض المعكرات والمكدرات، ليزيد الله في أجورهم، ولتتعلق قلوبهم بربهم على وجه التمام والكمال دائماً، هذا الأمر الأول -إخوتي الكرام- من وجوه الخيرية في حادثة الإفك.
طبعت على كدرٍ وأنت تريدهاصفواً من الأقذار والأكدار
ومكلفُ الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار
هذه حال الدنيا، ولذلك المؤمن لا يركن إليها، والله يتعهده ما بين الحين والحين بالمصائب حتى يعلم أنه لا عيش إلا عيش الآخرة، أما لو صفت له الدنيا فلا نكد فيها، فقد لا يرغب في لقاء الله، ويطمئن إلى هذه الحياة ويرضى بها، فالله جعلها سجناً للمؤمن، والسجن يعني: أنك ستؤذى وتضرب وتمتهن، ويبصق عليك، فنحن في هذه الحياة في سجن، نسأل الله ألا يجعل الدنيا دارنا، وألا يجعل نعيمنا فيها، فهي دار من لا دار له، ولا يجمعها إلا من لا عقل له، ودارنا نسأله أن يجعلها في جنات النعيم، فتلك الدار التي لا نخرج منها ولا نذوق فيها الموت، وأما هذه فدار غصص.
إذاً: هذا عفو الصديق ظهر في هذه المصيبة، وهي مصيبة ضرب الرقبة أيسر منها، ومع ذلك يعفو عمن وقع في عرض ابنته، وهو أيضاً قريبه، والقريب في الأصل يدافع، وإذا لم يدافع يقف على الحياد، ثم هو قريب مسكين ينفق عليه أبو بكر ، كل هذه الاعتبارات تخطاها، ومع ذلك وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا [النور:22]، فإن قدر الذنب من مسطح يحط قدر النجم من أفقه، لو كان مسطح نجماً في غابر السماء بما فعله نحو أفضل النساء لخر على الأرض من الجرم الذي ارتكبه، وقد جرى منه الذي جرى، ومع ذلك يعاتب الله صديق هذه الأمة من أجل مسطح ، قال: اعف عنه واصفح عنه، وأعد نفقتك عليه، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22]؟ بلى، نحب، وأعاد النفقة، هذا العفو وهذا الحلم وهذه الشيمة الطيبة سيظهر في هذا البدن الطاهر وهذا العبد المؤمن بواسطة هذه المصيبة، لذلك المصائب كثيرة، والكير يظهر بها الحديد من الذهب، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وهنا لما دخل أبو بكر رضي الله عنه في هذا الكير في محنة الإفك، وليس ذهباً فقط، فالذهب يستر نفسه أمام معدن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه لتلألئه ونظارته، فحقيقةً هو الذهب الخالص.
نبينا عليه الصلاة والسلام فيه صفتان: هو رسول الله وخاتم أنبياء الله ورسله، وهو رئيس الدولة الإسلامية، وأول رئيسٍ لها، ولا أحد يمنعه من أن يأتي بهؤلاء ويضرب رقابهم، ولو أن إنساناً تكلم على مسئول من المفترين في هذه الأيام، وعرض به لطارت رقبته قبل أن يصل إلى بيته، فانظر إلى هذا الحلم وهذا الصبر وسعة الصدر، يفتري المفترون فيه وتلوكه ألسنتهم في المدينة المنورة مدة شهر كما سيأتينا عند حديث الإفك، ونبينا عليه الصلاة والسلام يضيق صدره ويفوض الأمر إلى الله، ولا يكلم هؤلاء بكلمة حتى ينزل الوحي، فهذا حلم وصبر لا يمكن أن يتصف به إلا نبينا عليه صلوات الله وسلامه.
هذه الحادثة أذكرها لكم لنعجب حقيقةً من أحوال المنافقين في كل عصر من العصور التي عاشتها الأمة الإسلامية، وكنت إذ ذاك؛ لما وقعت علي في حدود العشرين سنة، وكنت أذهب إلى البلدة التي أسكنها، وهي تبعد عن حلب قرابة ثمانين إلى تسعين كيلو متراً، وكان بعض الصوفية الضالين، وهو أضل من حمار، ولكنه يدعي أنه من المحققين، ويضلل الناس في المنطقة تلك باسم الشرع، وهو مدرس المنطقة أيضاً، فعندما كنت أذهب إلى هناك لزيارة الأهل الكرام في موسم الصيف، وأدرس في حلب، كنت أدرس مع الإخوة الكرام ونتدارس، ولا زلت في آخر المرحلة الثانوية، وهناك كنا نقرأ صحيح مسلم ودروساً في تفسير ابن كثير فيما بيننا، فسأل بعض الإخوة الكرام أيام مدارستنا وقال: يا شيخ! زوجتي تقول: والله الذي فوقي ما فعلت كذا، فهل هذا الكلام صحيح؟ يعني هل أنهاها، أو أقرها عليه؟ قلت: يعني ماذا تستشكل؟ ماذا تريد؟ قال: تقول: الله فوقنا، فهل أقرها على هذا أو أنه لا يجوز؟ وأنا عرفت المراد، فهو مرسل من قبل ذاك الضال الذي يضلل الأمة في ذلك المكان، قلت: يا أخي! يعني تريد أن تقول: هل يجوز أن نقول: إن الله فوقنا هكذا؟ قال: نعم، قلت: لم لا توضح السؤال وتأتينا بلف ودوران وزوجتك تقول: والفوقي كذا، يا أخي! زوجتك قالت ما هو في كتاب الله، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50]، أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10]، كلام زوجتك إن شاء الله شرعي، قال: يعني: يجوز أن نقول: إن الله فوقنا؟ قلت: يجوز، فلما سمعها طار بها فرحاً من أجل أن يرجف كحال المرجفين في كل زمنٍ وفي كل مكان، وذهب إلى المفتي في تلك المنطقة وقال: هذا ينبغي أن نمنعه من أجل أنه يفسد على الناس دينهم، فالمفتي عنده عقل ورشد وسعة صدر، وقد أحياناً يشذ، لكن عنده هذه الصفات، فقال له: يا هذا! أما تتقي الله في نفسك، اتسعت البلدة لكل زنديق يدعو ويحارب دين الله، وضاقت عن هذا الإنسان، كل زنديق يدعو في هذه البلدة، صاحب المذاهب الهدامة: يهود نصارى، لا يوجد ملة على وجه الأرض إلا والباب مفتوح لهم، فما بقي إلا هذا تريد أن تمنعه، أما تستحي من الله؟! يعني هذا تؤذيه؛ لأنه لا ناصر له إلا الله فقط، وأما أولئك لما كان لهم من يحميهم من الجماعات الضالة لا تتكلم عليهم! ما وجدت إلا هذا؟! ماذا يقول؟ قال: يقول: الله فوقنا، فالآن هو يثبت الجهة، قال: هو قال فيها أو قال: الله فوقنا، فلا داعي للغط ولا للكلام، فذهب، لكن بقي في المساجد يكثر اللغط، فقلت: أذهب بنفسي إليه في المسجد، وإلى الله المشتكى! هذه أحوال الأمة الإسلامية التي نعيشها! فذهبت إليه، وقلت له: يا شيخ! الخصومات بيني وبينك تستغل في المساجد، اتق الله! ماذا عندك؟ قال: أبداً ما بيننا شيء، وأنت أعز من أولادي، وبدأ يقبلني وبعد ذلك يزداد في الخصومة، فقلت: أذهب إليه مرة ثانية، وحضرت عنده في الدرس، فلما رآني يعلم الله كان يقرأ في بعض الكتب في تنوير القلوب، ما تقرأ عندنا في الفقه الشافعي تنوير القلوب، وقال: أنتم يا من تقرءون في هذه الكتب، وتدعون أنكم أهل حديث -كما هي النغمة التي نسمعها في كل وقت- وأنتم في الأصل أهل حدث وأهل ضلال وأهل بدعة، وبدأ بالإرجاف والكلام الباطل، وقال: العلم هذا في الأصل يؤخذ عن أهل الله -كل واحدٍ عنده نغمة، هذا أهل الله، وهذا أهل عقيدة، كل واحد له اصطلاح- قلت: من أهل الله أيها الشيخ؟! أوليس أهل الله علماء الشريعة المطهرة من المذاهب الأربعة لم طويت الكتاب الذي بين يديك؟ قال: اسمع عندنا أهل حال وأهل قال، أنتم أهل قال، ونحن أهل حال، وكل قال لا يشهد له حال فهو باطل! -قال هذا في بيت الله- ثم قال: أنت وإن كنت تحفظ القرآن فماذا ينفعك؟ جاء بعض طلبة العلم يعترض على بعض أهل الله، فلما قام إلى الصلاة توجه عليه ذلك الولي وسلبه القرآن من أوله إلى آخره، فصار لا يعرف حتى الفاتحة، فقطع الصلاة والتفت إلى هذا المخرف وقبل رجليه وقال: أتوب إلى سيدي، فقال: اذهب يعد إليك القرآن، قلت له: هذه في أي سورةٍ نزلت لنرجع إليها؟ في أي كتاب من كتب السنة؟ قال: هذه ثابتة، قلت: يا شيخ! اتق الله في نفسك.
ثم ذكر -يعلم الله على مسمع أذني القصة الآتية في بيت الله- قال واسمع ما قال، قال: ابن دقيق العيد هذا الذي يقال له قاضي القضاة عليه رحمة الله، وهو شيخ المذهب المالكي في بلاد مصر، قال: كان يعترض على السيد البدوي ، ويقول: ما كان يشهد جمعة ولا جماعة، لكن أنتم محجوبون، يقول: كان السيد البدوي يذهب ويصلي الصلوات الخمس بغار حراء، لكن ابن دقيق العيد محجوب، يقول: أنتم أهل ظاهر، فقال: مرةً جاء الشيخ البدوي -وهنا عند الاحتكاك، أفرغ ما في قلبه يرمينا بكل ضلال وإفك وهو الضال وهو الأفاك- قال: فجاء ابن دقيق العيد ليخطب الجمعة في جامع الأزهر، والسيد البدوي جالس على زور الأزهر والنساء عنده، واحدة تكشف عن ثديها فيقرأ عليها، وواحدة يبصق عليها، وواحدة كذا، وواحدة تريد أن تلد ذكراً، وواحدة لم يأتها اللبن، وذاك يريد أن يخطب الجمعة، فقال: يا شيخ! هل لي مع المسلمين صلاة الجمعة؟ (فقال له: تسكت وإلا أطير دقيقك؟ قال: أنت تطير دقيقي؟ قال: طَيِّر، قال: فنفخ عليه السيد البدوي فصار ابن دقيق العيد في البرية، وقلب إلى أنثى، فمر عليه رعاة الغنم فاغتصبوه وفعلوا به الفاحشة فولد ولدين، ففكر في نفسه لم جاءته هذه البلية؟! قال: فتاب، وقال: يا سيدي! يا بدوي ! استغيث بك وألجأ إليك، وأتوب مما جرى مني، يا بدوي ! يا بدوي ! يا بدوي ! يا بدوي ! قال: فما رأى ابن دقيق العيد نفسه إلا وهو يلبس الجبة والعمة وهو على باب الجامع الأزهر، فنظر إليه السيد البدوي ، وقال لـابن دقيق : بقيت تعترض؟ قال: لا يا سيدي! قال: اذهب اخطب الجمعة، فالناس ينتظرونك.
قلت: يا شيخ! ألا تستحي مما تقول في بيت الله؟ قال: أنتم تعترضون على أولياء الله! إلى الله نشكو أحوالنا، هذا قال لي في البداية أنت أعز من أولادي ومن هذا الكلام، وعندما تقع المشكلة يخرج ما في قلبه، وهذا حال المنافقين في كل حين، إذا لقيك في حال السلم فمن أجل المصالح يقول: أنت شيخ ومحدث وإمام ونفتخر بك ومن هذا الكلام، وبعد ذلك إذا جرت مشكلة قذفك بما لا يقوله في حق الشيطان الرجيم، رفقاً بنفسك واتق الله، يأتي بعد ذلك بهذه القاذورات، وبهذه الضلالات، لكن النغمات تختلف، فهذا يعترض عليك؛ لأنك لست من أولياء الله ولست صوفياً، وذاك يعترض عليك؛ لأنك لست بسلفي ولست بموحد، وكل واحدٍ عنده افتراء كما يريد، والجامع المشترك بينهم عبادة الشيطان لا عبادة الرحمن، والتفريق بين المؤمنين لا الجمع بين عباد الله الصالحين، وإلا فالأمة إذا حصل بينها أحياناً نزاع في رأي فهذا النزاع إما أن يكون سببه جهلاً أو سوء قصد، فإن كان جهلاً فسرعان ما يزول؛ أنا أخالفك وأنت تخالفني؛ إما أن يظهر كلانا على حق وأنا أقرك وأنت تقرني وانتهى، وإما أن يظهر أن واحداً منا على الحق والثاني مخطئ فاتبعتك، هذا إذا كنا نريد الهدى، وإذا كنا نريد الردى فكل واحدٍ يعرض عن الآخر ويفتري عليه، وهذا حال الأمة في هذه الأيام وفي كل وقت، لكن هذه المعادن لا تظهر إلا عند الشدائد، فهي كالكير تظهر المعادن على حقيقتها، فمعدن النفاق الذي كان في المدينة على منورها صلوات الله وسلامه، ويعلمه نبينا عليه الصلاة والسلام، ويعلمه بعض الصحابة الكرام، وبعضهم لا يعلمون أيضاً، لكن كثيرٌ من الصحابة لا يعرفون حقيقة هؤلاء، فعند هذه الحادثة ظهر ما في القلوب على الألسن، فهذه فائدة عظيمة، ولذلك الشدائد فيها تمحيص للأمة مع ما فيها من غصص، وإذا لم تثبت الأمة في الشدائد، واكتشفت معادنها وأنها خاوية منهارة، فكيف سيكون حالها بعد ذلك؟! نسأل الله اللطف.
يا مسطح! يا حسان! يا حمنة! أنتم صحابة أجلاء، كيف تتناقلون هذا باللسان دون أن يكون عليه عقد القلب وتصديق القلب؟! أتظنون أن هذا الكلام في هذه المسألة سهلٌ يسير؟ (وهو عند الله عظيم) لكن -كما قلت-: مع وقوع هؤلاء الثلاثة رضوان الله عليهم فيما وقعوا فيه الله وعظهم بقوله: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [النور:17]، وعظيم بكلامٍ يخلع القلب، فأورد إيمانهم في مورد الشك: إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [النور:17]، فتابوا إلى الله وأنابوا، فمع انخداع ثلاثة تبقى الصورة الواضحة لطيب المعادن، مثل هذه الحادثة لو جرت في عصرٍ من العصور في مدينة من المدن في هذه الأيام لما سلم منها لسان، وهؤلاء الثلاثة فقط انخدعوا فتحدثوا بهذا الحديث دون أن يقولوا: نوقن ونصدق، يعني الناس يتحدثون ونحن معهم، فأقيم عليهم الحد، وزجروا ووعظوا وهددوا، وأمرهم الله بالتوبة فتابوا.
إذاً: هذا في الحقيقة يبين لنا جودة قلوب المؤمنين، وأنها لا تتأثر بالأراجيف، ولا تخدع بالأقاويل، فتثبت وتتحقق، وهذا حال المؤمن، وحال المؤمنة.
هذه هي وجوه الخيرية في هذه الحادثة، فمع ما فيها من غصص، فيها فوائد ومنافع، لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11].
إخوتي الكرام! (لولا) إذا وليها الفعل ودخلت عليه فهي للتحضيض، وإذا وليها الاسم ودخلت عليه فهي حرف امتناعٍ لوجود، وهي تعتبر من أدوات الشرط إذا وليها الاسم، لولا زيدٌ لعاقبتك، امتنعت العقوبة لوجود زيد، وأما إذا وليها الفعل كمثل: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12]، لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:13]، لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46]، فهي للتحضيض، والتحضيض معناه: طلب الشيء بحثٍ وشدةٍ ومتابعةٍ، فهنا وليها الفعل، فهي بمعنى (هلا)، أي: هلا عند سماعكم ذلك الإفك ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم: (هذا إفكٌ مبين).
قال أئمتنا: وهي مركبةٌ من هل الاستفهامية، ولا التي هي للنفي والجحد، فأنت تقول: هل فعلت؟ ثم تريد أن تنفي الفعل قبل أن يجيب فتقول: لا، فمعنى هلا: هل فعلت؟ لا لم تفعل، ولذلك أنت تطالبه بالفعل، فهلا معناها هل الاستفهامية، ثم هذا الاستفهام نفيته، وقلت: ما حصل الفعل منك، ومثلها: لوما.
قال أئمتنا: ففي ذلك تنبيهٌ على وجوب الفعل، وأنه حصل إخلالٌ به، قال الإمام الألوسي عليه رحمة الله في روح المعاني: وإذا دخلت (لولا) و(هلا) على الفعل الماضي فهي تفيد التوبيخ على ترك الفعل، وتفيد اللوم على الترك فيما يمكن تلافيه، وقد تفيد الأمر به في المستقبل، هذا إذا كان بعدها فعلٌ ماضٍ تفيد التوبيخ واللوم على تركه وعدم القيام به، وقد تفيد وجوبه ووجوب القيام به في المستقبل فيما يمكن تلافيه وتداركه، يعني لو قدرنا أن هذا الفعل صدر منك في الماضي، لكن يمكن أن تأتي به في المستقبل، فما مضى منك وفرطت فيه، فانتبه للمستقبل فهو واجبٌ عليك، فلا تفرط فيه، وإذا وليها الفعل المضارع فتدل على طلبه وعلى الأمر به، وهنا وليها فعل ماض: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ [النور:12]، هلا إذ سمعتموه ظن، فإذاً يلومهم ويوبخهم ويعنفهم على عدم حصول هذا منهم، يقول: تداركوا هذا في المستقبل إذا جرى لهذه الحادثة نظير، التزموا بهذا المسلك الجليل الذي شرعه ربنا الجليل سبحانه وتعالى، فإذا سمعتم إشاعةً وافتراءً عن مؤمن أو عن مؤمنة فظنوا بأنفسكم خيراً، ونزلوا عباد الله منزلة أنفسكم، (ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وامتنعوا عن إساءة الظن في المستقبل.
إذاً: هنا لومٌ على أمرٍ مضى، ويمكن أن يتدارك مثله في المستقبل، فأفاد اللوم فيما مضى، والوجوب والاحتياط فيما يأتي في المستقبل.
وهذه الدلالة الرابعة التي نحن فيها فيها ثلاثة أمور نحتاج إلى أن نتكلم عليها، أولها: لفظ الظن، والثاني: الالتفات الذي في الآية، ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12]، ولم يقل: لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم، إنما التفت وحول الخطاب منهم بعد ذلك إلى الغيبة، (ظن المؤمنون)، والأمر الثالث: قوله: (بأنفسكم)، هذه الدلالات الثلاث سأتكلم عليها في أول الموعظة الآتية إن شاء الله مع بقية الأمور العشرة في هذه الآيات التي يدافع بها رب الأرض والسموات عن أمنا عائشة ، وفي ذلك حبٌ لها، وغيرةٌ منه عليها رضي الله عنها وعلى نبينا وآله وأزواجه صلوات الله وسلامه.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] للشيخ : عبد الرحيم الطحان
https://audio.islamweb.net