اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب [118] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
الجواب: فإن الوسواس في الغالب يحدث من الفراغ النفسي والفكري، بل والجسمي؛ لأن الإنسان إذا انشغل اهتم بما يشتغل به، فبعد عن الأفكار والوساوس الرديئة. ولكن مع ذلك قد يحدث الوسواس حتى مع وجود ما يشغل الفكر والجسم والنفس، والطريق إلى التخلص منه:
أولاً: عدم الالتفات إليه والاهتمام به:
لا يلتفت إليه المرء ولا يهتم به ولا يجعل له شأناً في نفسه، حتى لو وسوس فليوطن نفسه على أن هذا الأمر ليس بحقيقة، ثم يدع التفكير فيه، وهذه طريقة التخلي، أن يخلي نفسه منه وألا يهتم به ولا يلتفت إليه.
الطريق الثاني للتخلص منه:
أن يستعمل الأسباب المنجية منه، وذلك بكثرة التعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ومن الوساوس، ويكون حين التعوذ مستشعراً بأمرين:
أحدهما: الافتقار إلى الله تبارك وتعالى الافتقار الكامل من جميع الوجوه؛ بحيث يتبرأ الإنسان في هذه الحال من حوله وقوته، ويفوض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.
الثاني: أن يشعر بأن الله تعالى قادر على إزالة ذلك لأنه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
وينبني على هذا الأمر الثاني: قوة الرجاء لله سبحانه وتعالى وحسن الظن به، حتى يتخلص من هذا الداء الذي أصابه في نفسه.
الطريق الثالث للتخلص من هذا الأمر:
أن يكون حين اشتغاله بأمور دينه ودنياه جاداً فيها، بمعنى أن يحضر قلبه عند العمل للعمل، وحينئذ إذا انصرف القلب عن الوساوس والخمول الفكري إلى الجد في العمل والنظر إلى الأمور بعين الجدية، فإن القلب يتحرك وينصرف ويتجه إلى هذه الأعمال، وبذلك ينسى ويزول عنه تلك الوساوس والأفكار الرديئة.
الطريق الرابع للتخلص منه:
أن يعلم بأن هذا الأمر، ولا سيما الوساوس في العقيدة وفيما يتعلق بالله تبارك الله وبأسمائه وصفاته، يعلم أن هذا قد ورد على من هم أكمل منا إيماناً وأرقى منا حالاً وهم الصحابة رضي الله عنهم، وقد شكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يستعيذوا بالله وتعالى في ذلك، وأن ينتهوا عنه.
وبهذه الطرق الأربعة التي تحضرني الآن يمكنك أن تتخلصي من هذه الوساوس التي أصابتك، وأسأل الله أن يعافيك منها ويعافي جميع المسلمين.
الجواب: الأعمال الصالحة عرفنا أنها صالحة، ولا يمكن أن تكون حراماً إذا كانت واردة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن تكون صالحة إلا إذا كانت على المنهج السليم المبني على الأخلاق والمتابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكأن السائلة تقول: هل هذه الأعمال الصالحة تنفع مع عدم الحجاب، هذا هو الظاهر الذي تريد..
فنقول لها: نعم الأعمال الصالحة تنفع مع الأعمال المحرمة، وعلى هذا تكون المحاسبة والموازنة بين الأعمال يوم القيامة، فيعمل الإنسان عملاً صالحاً ويعمل عملاً سيئاً وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:102]، فهي تؤجر على الأعمال الصالحة وتنتفع بها، ولكن لا يجوز لها الإصرار على المعصية، بل يجب عليها أن تتخلص منها، حتى تكون بذلك كاملة، تدع المحرمات وتقوم بما تيسر من المأمورات.
الجواب: ينبغي أن يُعلم أن الدعاء من العبادة لله عز وجل، وإذا كان الدعاء من العبادة فإنه ليس لنا أن نحدث من وسائل الدعاء ما لم ترد به الشريعة.
والتوسل إلى الله تبارك وتعالى حال الدعاء يكون بأمور:
أولاً: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، لقوله: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، مثل أن يقول الإنسان: اللهم يا رزاق ارزقني، ويا غفور اغفر لي، ويا رحمان ارحمني. ومثل أن يقول: ادخلني برحمتك في عبادك الصالحين، فيتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا مما جاءت به الشريعة.
الوسيلة الثانية: أن يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته، كما ذكر الله تعالى عن أولي الألباب رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا [آل عمران:193]، فإن الفاء هنا للسببية فتدل أن ما بعدها مفرع على ما قبلها، أي: بسبب إيماننا بهذا المنادي: فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193].
والوسيلة الثالثة: أن يتوسل الإنسان بحاجته إلى الله عز وجل، أي: بذكر حاله وفقره، كما في قول موسى عليه الصلاة والسلام: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24] فهذا خبر، لكنه يتضمن الدعاء. والتوسل إلى الله تبارك وتعالى بذكر حال الداعي.
وتارة يكون التوسل إلى الله تعالى بكل هذه الأسباب، كما في الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر يدعو به في صلاته: ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، فإن هذا توسل إلى الله تعالى بذكر حال العبد: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)، وبالثناء على الله تعالى بصفاته في قوله: (إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، وهذا من الإيمان بالله (فاغفر لي مغفرة من عندك إنك أنت الغفور الرحيم).
هذه هي الوسائل الشرعية الصحيحة التي يتوسل بها المرء إلى الله تعالى لإجابة دعائه.
أما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه:
فإن كان توسلاً بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمتوسل فهذا لا بأس به، ولكن هذا لا يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قول عمر رضي الله عنه: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. ثم يأمر العباس بن عبد المطلب فيدعو الله عز وجل.
وكما دخل الأعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقال: ( يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم. وقال: اللهم أغثنا ثلاث مرات. فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته). فهذا توسل بنفس الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو للمرء الذي توسل به إلى الله عز وجل.
وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فهذا لا يجوز، ومنه أن يتوسل بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن هذا من البدع، لم يرد عن الصحابة أنهم توسلوا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أن هذا مقتضى الأثر أن لا نتوسل بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام لعدم وروده، فكذلك أيضاً هو مقتضى النظر، فإن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس من فعلنا حتى نتوسل به إلى الله، كالتوسل بإيماننا وعملنا، وليس هو أيضاً نافعاً لنا حتى نتوسل إلى الله تعالى به، فإن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام إنما ينتفع به الرسول صلى الله عليه وسلم وحده، فليس وسيلة لإجابة الدعاء.
وإذا كان مقتضى الأثر والنظر أن لا نتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام، فلنتوسل إلى الله تعالى بما هو أحسن منه، وهو: الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم كما حكى الله سبحانه وتعالى عن أولى الألباب، فهذه الطريق الواردة الحسنة القيمة وهي التوسل إلى الله تعالى بالإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، ما لنا لا نسلكها .. ما لنا نسلك طريقاً وهي محرمة وبدعة وندع هذا الطريق.
فما دام الله تعالى قد فتح لنا طرقاً مشروعة سليمة فلنكن من الذين يسلكونها حتى نكون ممن قال الله تعالى فيهم: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18].
الجواب: أولاً: المسافر له رخص معلومة وهي قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، فلا يجوز للمسافر أن يقصر إلا إذا خرج من بلده، فمادام في بلده ولو كان عازماً على السفر، ولو كان قد حَّمَل متاعه وعفشه فإنه لا يجوز له أن يقصر حتى يخرج من البلد.
وأما الجمع فإنه ليس من خصائص السفر، بل الجمع تبيحه الحاجة إليه، سواء كان الإنسان في السفر أو كان الإنسان في الحضر.
وعلى هذا فإذا كان الإنسان يعرف أنه لا يمكنه أن يصلي في سفره لكونه مثلاً في طائرة، والطائرة لا يتأتى له أن يصلي فيها، فيقول: سأجمع العصر إلى الظهر حتى لا يبقى علي صلاة إلا المغرب مع العشاء، لنفرض مثلاً: أن سفر الطائرة سيكون ست ساعات وهو الآن في وقت الظهر وهو في بلده، فيجب أن يجمع العصر إلى الظهر، ثم يجمع المغرب إلى العشاء جمع تأخير، يكون في الظهر والعصر جَمَع جمع تقديم، ولو كان في بلده ولا حرج عليه في هذا؛ لأن صلاة العصر في وقته لا يتسنى له وهو في الطائرة ويكون عليه فيه حرج.
وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس وأيضاً من حديث جابر : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر)، وسئل ابن عباس عن ذلك؟ فقال: أراد ألا يحرج أمته.
فعلى هذا نقول: هذا الرجل الذي يلحقه حرج بترك الجمع له أن يجمع، ولكنه لا يقصر الصلاة لأنه لم يخرج من بلده.
الجواب: إذا كنت تريد أن تبقى في مكان وأنت على سفرك مدة يومين أو ثلاثة، فلا حرج عليك أن تقصر، بل هو أفضل لك من الإتمام.
وأما الجمع فهو جائز لك، ولكن الأفضل عدمه حيث لا حاجة.
إلا أننا نقول: إذا كنت مقيماً في بلد وأنت تسمع النداء فلابد أن تجيبه، ما لم يكن في ذلك حرج عليك وتضيق في سفرك، فلا حرج أن تصلي في رحلك. وإلا فمادمت تسمع النداء فيجب عليك الحضور وتصلي مع المسلمين تماماً بدون جمع.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب [118] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net