اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب التيمم للشيخ : سلمان العودة
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب التيمم للشيخ : سلمان العودة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التيمم ].
هذه هي المسألة الأولى قوله: [ باب التيمم ] ويندرج تحتها التعريف.
فالتيمم من يمم، أي: قصد ووجه، قال الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، وقال: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267].
فالتيمم في اللغة هو: القصد، قال الشاعر:
وما أدري إذا يممت أرضاًأريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيهأم الشر الذي لا يأتليني
وقال آخر:
ولما رأت أن الشريعة وقتهاوأن التراب من فرائضها دامي
تيممت الماء الذي دون ضارجيفيء إليها الظل عرمضها طامي
فقوله: تيممت الماء يعني: ناقته، أي قصدته وتوجهت إليه، ومثله قوله: إذا يممت أرضاً، أي: وجهت إليها. هذا هو المعنى اللغوي.
أما المعنى الاصطلاحي أو المعنى الشرعي فهو: أن يقصد الإنسان الصعيد الطيب ليمسح وجهه ويديه.. قصد الصعيد الطيب بنية مخصوصة لمسح الوجه واليدين. .
والتيمم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب فقوله تعالى في موضعين من القرآن: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43] فهذا نص في التيمم لمن احتاج إليه.
وأما السنة فقد استفاض التيمم عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قولاً وفعلاً، ومن ذلك قصة مشروعيته كما في الحديث المتفق عليه قصة عائشة رضي الله عنها: لما فقدت قلادة كانت استعارتها من أسماء، فالتمسوها فلم يجدوها، فحبست عائشة الناس على ذلك حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه، وعاتبها ولهدها في صدرها، فلما بعثوا البعير وجدوا القلادة تحته، ثم لم يجد الناس الماء للوضوء فأنزل الله تعالى آية التيمم، فقال أسيد بن حضير : ما هي بأول بركاتكم علينا يا آل أبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه- فنزلت آية التيمم.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في التيمم: منها أحاديث في صفته، ومنها أحاديث في مشروعيته، ومنها أحاديث في الأمر به كحديث عمار رضي الله عنه المتفق عليه، وسوف يأتي بعد قليل.
وعموماً فالأحاديث الواردة في التيمم إن لم تكن متواترة بالجملة فهي مستفيضة.
وقد أجمع أهل العلم في الجملة على مشروعية التيمم. وأنه من خصائص هذه الأمة وميزاتها التي اختصها الله تعالى بها من بين سائر الأمم كما في الحديث المتفق عليه قال عليه الصلاة والسلام: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل -وفي لفظ: صلى حيث كان- والثانية: نصرت بالرعب مسيرة شهر، والثالثة: أحلت لي الغنائم، والرابعة: أعطيت الشفاعة، والخامسة: كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ).
وقد جاءت أحاديث كثيرة في الخصائص، وقد عد العلماء الخصائص فأربت على ثلاثمائة خصيصة منها خصائص لهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عن أمته، ومنها خصائص لهذه الأمة عن الأمم السابقة.
والمقصود: أن التيمم من خصائص هذه الأمة التي تميزت بها، ولهذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن من ترك التيمم مع حاجته إليه فهو من جنس اليهود والنصارى ؛ لأنه لم يقبل هذه الخصيصة التي ميز الله تعالى بها هذه الأمة، ولم يترخص بهذه الرخصة التي شرعها الله تعالى لها مع أنه سبحانه يحب أن تؤتى رخصه.
بل قال بعض أهل العلم: إن التيمم عزيمة وليس رخصة، والواقع أن التيمم قد يكون عزيمة في أحوال ورخصة في أحوال أخرى.
قوله: [ أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ] هذه صفة التيمم.
[ أن يضرب بيديه ] أي: بكفيه -براحتيه-.
[ على الصعيد الطيب ضربة واحدة ] فيمسح بيديه وجهه وكفيه، وهذا أقل ما يجزئ في التيمم، ولو أنه مسح ظاهر كفيه قبل ذلك ثم مسح وجهه ثم مسح كفيه لكان ذلك أكمل.
والدليل على هذه الصفة في الجملة حديثان:
الأول: حديث عمار رضي الله عنه المتفق عليه قال: ( بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ومسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ).
فهذا أصح ما ورد في صفة التيمم: أن يضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ويمسح كفيه إحداهما بالأخرى، ثم يمسح وجهه وكفيه.
والحديث الثاني في صفة التيمم: هو حديث أبي جهيم المتفق عليه أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل من نحو بئر جمل -وهو موضع في المدينة- قال: فسلم عليه -سلم على النبي عليه الصلاة والسلام- فلم يرد عليه السلام حتى أتى الجدار فضرب يديه به، ثم مسح وجهه وكفيه ثم رد عليه السلام ).
أما ما سوى ذلك من الأحاديث الواردة في تيمم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها ضعيفة، كلها ضعيفة، وبعضها على الأقل ضعيف رفعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما تصح موقوفة على الصحابة، فإما أن تكون ضعيفة مطلقاً أو يكون المرفوع ضعيفاً، والصواب الموقوف على بعض الصحابة.
أما المرفوع فلا يصح من ذلك إلا ما مضى كما ذكر ذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى وابن حجر وابن عبد البر وغيرهم من أهل العلم.
هذا في قوله: [ وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ] كما سبق.
وهذا هو الراجح عند جماهير أهل العلم، وهو الرواية في المذهب المنصوصة عن الإمام أحمد فيما ذكره عنه أبو داود أنه -يعني: الإمام أحمد - علم رجلاً التيمم فضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، وهي التي نص عليها الإمام أحمد أنها هي المشروعة والمجزئة، فهي المنصوصة عنه رحمه الله تعالى، وهي مذهب الجمهور: أنه يضرب بيديه الأرض ضربة واحدة فحسب؛ وذلك للآية الكريمة قال الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43] فإن امتثال هذه الآية وتطبيقها يجزئ فيه مرة واحدة أو لا يجزئ؟ يجزئ؛ لأنه يحصل الامتثال للفعل مرة، كما إذا أمر بالغسل فهل يجزئ أن يغسل مرة أم لابد من التكرار؟ تجزئ واحدة، فالآية مؤذنة بأن الواحدة في التيمم مجزئة.
وكذلك حديث عمار فإنه قال: ( أن تضرب بيديك الأرض ضربة واحدة ) ومثله حديث أبي جهيم فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه الجدار واحدة ما زاد عليها، وذلك أيضاً هو المناسب من حيث المعنى، فإن التيمم بديل عن الماء، ومبناه على التخفيف والتيسير والترخيص، وهذا يلائمه أن يكتفى بضربة واحدة كما سبق أن قلنا في مسألة مسح الرأس حيث اكتفى فيه الشرع بمرة واحدة؛ لأنه أصلاً انتقال من الغسل إلى المسح للترخيص والتخفيف، فناسب للتخفيف أن يكتفى بمسحة واحدة، ومثله أيضاً المسح على الخفين فإنه يكفي فيه مرة واحدة، بل لا يشرع فيه أصلاً إلا مرة واحدة وهي الملائمة للرخصة.
ومع أننا نقول: إن المجزئ والمشروع ضربة واحدة إلا أنه يجوز التيمم بضربتين؛ وذلك لأنه قول لبعض أهل العلم.. التيمم بضربتين قول لبعض أهل العلم، وقال بعضهم: يجوز أن يزيد عليها فيتيمم بثلاث مثلاً، ولكن التيمم بثنتين فحسب أفضل من التيمم بواحدة عند بعض الحنابلة وغيرهم، ورجحوا ذلك بوجوه أهمها:
أولاً: قالوا: إن الواحدة مختلف فيها، أما الثنتان فليس فيهما اختلاف أنهما مجزئتان، وهذا لا يدل على أن الثنتين أفضل؛ لأن هناك أشياء كثيرة يكون مختلفاً فيها ومع ذلك لا يلزم من ذلك أن يكون المتفق عليه أفضل من المختلف فيه، أرأيت مثلاً: الوتر، لو أوتر بثلاث مفصولة -يفصل بينها بسلام- فإن ذلك أفضل من أن يسرد الثلاث بسلام واحد، مع أن الثلاث بسلام واحد متفق عليها، يعني ليس هناك خلاف في جوازها، أما الفصل فقد نازع فيها بعضهم وأنكر ذلك.
وكذلك قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية، فإنه لا يلزم من كون الشيء مختلفاً فيه أن يكون المتفق عليه أفضل من المختلف فيه، بل إنما يلجأ للاحتياط من لم يعرف السنة ولم يترجح له القول الصحيح أو الدليل، أما من عرف السنة وعرف الدليل فلا حجة له في شيء سوى ذلك، ولا يلزم أن يلجأ الإنسان إلى الاحتياط في مثل هذه المسائل.
وهذه المسألة التي نتحدث عنها الآن هي من هذا الباب، فإننا نقول: دل الكتاب والسنة وفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أن التيمم بضربة واحدة هو السنة وهو أفضل من التيمم بضربتين، وإن كان التيمم بواحدة مختلفاً فيه فهناك من لا يكتفي به، أما التيمم بضربتين فكلهم يرون أنه مجزئ وجائز.
لكن هذا لا يعني أنه أفضل، بل التحقيق أن الواحدة أفضل وهي السنة.
الوجه الثاني الذي احتجوا به على أن الضربتين أفضل من الضربة الواحدة: أنه هو المروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث، فقد جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم بضربتين، أو قال: ( إن التيمم ضربتين: ضربة للوجه وضربة للكفين ) قد جاء هذا من حديث جماعة من الصحابة منهم أبو جهيم وقد ذكرت حديثه قبل قليل المتفق عليه، وهل في حديث المتفق عليه ضربتين أم ضربة واحدة؟ ضربة واحدة، ومثله أيضاً ابن عمر وجابر بن عبد الله والأسلع .. وكل هذه الأحاديث رواها الدارقطني في سننه، كما جاء من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وأحاديثهم التي فيها ضربتان كلها أحاديث ضعيفة لا حجة فيها، ولذلك قال الأئمة: إنها لا تصح كما قال ذلك الإمام أحمد والخلال وابن قدامة في المغني وغيرهم، الأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كلها أحاديث لا تصح ولا حجة فيها، بل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ضربة واحدة.
أما ابن عمر رضي الله عنه فقد صح عنه التيمم بضربتين، لكن صح عنه هذا من فعله وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما المرفوع عن ابن عمر فهو ضعيف، قال الإمام أحمد : لم يصح مرفوعاً وهو منكر، وإنما هو من فعل ابن عمر رضي الله عنه.
إذاً: استدلالهم بهذه الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس بصحيح؛ لأن الصحيح في المرفوع ضربة واحدة، والصواب أن الراجح في الضربات ضربة واحدة كما هو المنصوص عن الإمام أحمد، أنه اكتفى بضربة واحدة، وسئل الإمام أحمد عما زاد عن الضربة لو تيمم بضربتين؟ قال: إنما هو شيء زاده من نفسه ولا حرج عليه فيه، فكأنه رحمه الله يقول بجواز أن يتيمم بضربتين وأن ذلك واسع، لكن السنة الاقتصار على واحدة.
حديث عمار رضي الله عنه ذكرته قبل قليل، وقد أخرجه البخاري وفيه قصة أسلفتها: أنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأذن فلم يجد الماء، فتمرغ في الصعيد كما تمرغ الدابة، وقاس التيمم على الوضوء، فظن أنه إذا كان التيمم في الحدث الأصغر بضربة واحدة للوجه والكفين، فإن الحدث الأكبر لابد فيه من التيمم على جميع البدن، ولهذا تمرغ في الصعيد، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ( إنما يكفيك هكذا، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة فمسح بها وجهه وكفيه ) والحديث متفق عليه أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التيمم، وأخرجه مسلم في كتاب الحيض، وله شواهد أصحها حديث أبي جهيم كما سبق..
المسألة السادسة: قال: [ وإن تيمم بأكثر من ضربة ] أي: بضربتين أو ثلاث جاز ذلك، ولكن لا ينبغي له أن يزيد على الثنتين؛ لأن الثنتين جاء فيهما أحاديث وإن كانت كلها ضعيفة، وإنما جاء هذا عن بعض الصحابة كما أسلفته عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيجوز الثنتين، أما الزيادة على ذلك فقد تفضي إلى الوسوسة ومخالفة السنة، وإذا كان الإنسان منهياً عن التلاعب بالماء والإسراف في استعماله، فلأن يكون منهياً عن العبث بالتراب مع ما فيه من غبار ومع أنه ليس هو الأصل إن ذلك أولى بالمنع والنهي والتأكيد.
أما المسح أكثر فمراد المصنف بذلك: أن يزيد في المسح على الوجه والكفين، فيمسح مع الوجه مثلاً شيئاً من الرأس، أو يمسح مع اليدين -وهما الكفان- شيئاً من الذراعين، وفيما يتعلق بمسح الذراعين فقد جاء هذا عن بعض الصحابة، صح عن ابن عمر رضي الله عنه كما عند عبد الرزاق، وعن جابر كما عند ابن المنذر أنهم كانوا يتيممون بأيديهم إلى المرفقين، بل جاء في بعض الروايات أنه يتيمم إلى نهاية العضد.. إلى الكتف، وهذا ليس بصحيح، أما التيمم إلى المرفقين فقد جاء عن بعض الصحابة، ولهذا تسامح فيه بعض أهل العلم كما قال المصنف هنا رحمه الله تعالى قال: [ أو مسح أكثر جاز ] وذلك للنقل عن الصحابة رضي الله عنهم.
ومما يعزز جواز ذلك إلى المرفقين أن هذا هو موضع الطهارة الأصلية، فإن الإنسان في حال الوضوء يغسل يديه إلى المرفقين، فهذا هو موضع الطهارة الأصلية؛ ولذلك تسومح فيه.
أما إن زاد على ذلك فهو مخالف للسنة ولا حجة معه ولا دليل، وأقل ما يقال فيه: أنه كالزيادة في الوضوء على الموضع المشروع كما سبق في حديث أبي هريرة : ( إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل ) وبينت هناك أن هذا مدرج من كلام أبي هريرة، وأنه لا يشرع للإنسان أن يزيد في الوضوء على القدر المشروع..
فإنه لابد من أن يكون التيمم عند العجز عن استعمال الماء لسبب من الأسباب، إما أن يكون العجز عن استعمال الماء لعدمه، أو لخوف الضرر، أو للبرد، أو لخوف العطش.. أو لغير ذلك من الأسباب التي ساقها المصنف وسوف أسردها.
ويومئ إلى هذا الشرط -وهو قوله: العجز عن استعمال الماء- قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] فذكر الطهارة المائية، وأنها هي الأصل، ثم قال: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [المائدة:6] فذكر الطهارة الترابية بديلاً عن الطهارة المائية، وقيدها بقوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]؛ ولهذا أجمع أهل العلم على أنه إن عدل عن الماء إلى التراب مع وجود الماء، وعدم ما يمنع من استعماله، فإن تيممه باطل وطهارته باطلة، ولا بد له من استعمال الماء، فلا بد أن يكون عاجزاً عن استعمال الماء، إما لعدم الماء أو لسبب آخر، فقوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [المائدة:6] يدخل فيه من عدم الماء فلم يجده، ويدخل فيه من وجد عنده الماء لكن حال بينه وبين استعماله حائل كما سوف يأتي. .
فدلت هذه النصوص على: أن العجز عن استعمال الماء قد يكون لعدم وجود الماء.
ولذلك قال تعالى في الآية: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى [النساء:43] فأشار إلى المرض، وأنه من الأسباب التي تبيح ترك الماء إذا كان يتضرر باستعماله والعدول إلى التراب، ومثله أيضاً قصة صاحب الشجة، فقد روى أبو داود وغيره في قصة صاحب الشجة -وسبق الحديث- عن جابر رضي الله عنه: ( أن الرجل احتلم فسأل الصحابة؟ فأمروه أن يغتسل فاغتسل فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يقول بيديه هكذا، ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيديه الأرض ومسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ).
وهذا الحديث الذي رواه أبو داود -كما أسلفت- عن جابر في سنده انقطاع؛ ولذلك فهو ضعيف، ويجزئ عنه أحاديث أخرى كما سوف يأتي من قصة عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
هذا فيما يتعلق بقوله: [ أو لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد ].
وقوله: [ لمرض ] يدخل في ذلك عدة صور:
الصورة الأولى: أن يخاف التلف على نفسه باستعمال الماء.
الصورة الثانية: أن يخاف التلف على عضو من أعضائه.
الصورة الثالثة: أن يخاف زيادة المرض باستعمال الماء.
الصورة الرابعة: أن يخاف تأخر البرء باستعمال الماء.
ففي كل هذه الصور يجوز بل يشرع له أن يستعمل الماء، سواء علم ذلك بنفسه، أو أخبره به طبيب موثوق يؤخذ بقوله.
وعلى العموم فإن المرض له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكون مرضاً شديداً يخاف معه التلف على نفسه، أو على عضو من أعضائه، أو أن يتفاقم المرض ويستبد به استبداداً شديداً، ففي مثل هذه الحالة يتيمم بالإجماع.
الحالة الثانية: أن يكون المرض يسيراً جداً لا يؤثر فيه الماء، وذلك كوجع الضرس، أو الصداع الخفيف.. أو ما أشبه ذلك، فإن هذا لا يعدل للتيمم بل فرضه هو الوضوء بلا شك.
الحالة الثالثة: أن يكون مرضه لا يخاف معه تلفاً على نفسه لو استعمل الماء، ولا على عضو من أعضائه، ولكنه قد يخاف تأخر البرء، فحينئذ الراجح أنه يستحب له أن يستخدم التيمم ويترك استعمال الماء، كما هو ظاهر المذهب -مذهب الحنابلة- وهو قول جماهير أهل العلم، وقيل غير ذلك، ولكن هذا هو الصحيح.
قال: [ لمرض أو برد شديد ] والحجة في المرض الآية وحديث صاحب الشجة، أما الحجة للبرد الشديد فما رواه أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل قال: ( فاحتلمت في ليلة باردة فتيممت ثم صليت بأصحابي، فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال: صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: قلت: يا رسول الله! تذكرت قول الله تعال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقره على ذلك ).
وهذا الحديث إسناده صحيح قال ابن حجر : سنده قوي، وقال النووي : وبالجملة فالحديث حسن أو صحيح، فالحديث صالح للاحتجاج، وهو دليل على أن من خاف البرد الشديد على نفسه ولم يكن له سبيل إلى اتقاء ذلك بتسخين الماء أو الدخول في منزل يقيه من البرد، أنه يستخدم التيمم، ويستوي في ذلك أن يكون في حضر أو سفر؛ لأن العلة واحدة يستوي في ذلك أن يكون في حضر أو سفر على الصحيح من المذهب والمختار من أقوال أهل العلم، وخص بعضهم ذلك بالسفر، قالوا: لأنه هو الذي يغلب فيه الحاجة وخوف البرد، أما الحضر فبإمكانه أن يسخّن الماء، وبإمكانه أن يغتسل في منزل، أو مكان يقيه من البرد، ولكن هذا لا عبرة فيه؛ لأنه قد يجد نفسه حتى في الحضر محتاجاً إلى التيمم، وأنه لا يستطيع أن يسخّن الماء، أو يكون ذلك في برد شديد ولا يجد مكاناً يتقي به أذى البرد.
فالعبرة بالعلة وهي: خوف البرد الشديد على نفسه، سواء كان مسافراً أم مقيماً. .
قال الإمام أحمد في هذه المسألة (خوف العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته) ومقصود المؤلف أن يكون الماء الذي معه قليلاً لا يكفي لكل ذلك، فإن توضأ به أو اغتسل خاف العطش على نفسه، أو على رفيقه، أو على بهيمته وماله، فيكون في ذلك تلف نفس أو تلف مال.
قال الإمام أحمد : [ عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يتيممون ويحبسون الماء لشفاههم ]، يعني أنهم يجعلون الماء للشرب إذا قل ويعدلون إلى التيمم؛ وذلك لأن في هذا الأمر حفظ ضرورة من الضرورات الخمس التي جاء الشرع بحفظها إما حفظ النفس، أو المال.
و أما التيمم: فهو طهارة مباحة إذا احتيج إليها فليس في العدول إليه ضرر لا شرعي ولا دنيوي، فلذلك يعدل الإنسان عن الماء، بل يتعين عليه ذلك ويجب إذا علم أن في استعمال الماء تفويتاً، وهو آثم لو تيمم بالماء وعطش فمات، أو مات رفيقه، أو وجد أحداً محتاجاً للماء حاجة شديدة فلم يمكّنه منه.. هو آثم بذلك كله، ومتنطع إذ عدل عما أحل الله تعالى له من التيمم وفوّت في ذلك نفساً معصومة أو مالاً محترماً.
وما يتعلق بالبهائم سواء بهائمه هو أو بهائم غيره أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في الحديث المتفق عليه: ( في كل كبد رطبة أجر ) وهي حيوانات محترمة فوجب صيانته.
هذا معنى قوله: [ أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه ]. .
يعني: تعذر حصوله على الماء بالمجان أو بثمن المثل، والمقصود بثمن المثل: الثمن المعتاد، وليس الثمن الطارئ، فإن الإنسان لو كان في صحراء وجاءه رجل وهو عطشان بجرعة ماء يدفع بها عطشه فلم يمكّنه منها إلا بالخروج عن كل ماله، يخرج أو لا يخرج؟ يخرج عن ماله لا شك؛ لأنه يفضل أن يحيا فقيراً على أن يموت غنياً لا شك في هذا، فليس المعتبر هذا، وإنما المعتبر القيمة المثلية المعتادة أو الزيادة اليسيرة، فلو وجد الماء مبذولاً له بالثمن المعتاد أو بثمن زائد عن المعتاد زيادة يسيرة وجب عليه شراؤه إذا وجد قيمته.
أما إن كان الثمن كثيراً فلا يجب عليه ذلك حتى لو كان هو غنياً لا يضر به ذلك ولا يشكل عليه، فلا يجب عليه دفع ثمن كثير لتحصيل الماء.
ولهذا قال المصنف: [ أو تعذر إلا بثمن كثير ] وإن بذل له الماء، يعني: أعطاه أحد الماء هدية أو عطية وجب عليه قبوله؛ لأن ذلك ليس فيه منّة في العادة، وإن كان فيه منّة فهي منّة يسيرة لا يلتفت إليها، فيجب عليه أن يقبل الماء ممن أعطاه له، ولا يجب عليه أن يقبل ثمن الماء ممن دفعه إليه، كما نص على ذلك أهل العلم. .
قوله: [ فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه ]. استعمال ماذا في بعض بدنه؟ استعمال الماء.
يعني: إذا وجد عنده ماء يسير لا يكفي لكل الطهارة سواء كان طهارة كبرى غسلاً أو طهارة صغرى وضوءاً، وجد عنده ماء لا يكفي للطهارة كلها.. لا يكفي إلا لبعضها، فحينئذ قال المصنف: [ فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه ] يعني: استعمله وتيمم للباقي، هذه مسألة (إن أمكنه استعمال الماء في بعض بدنه استعمل الماء وتيمم للباقي)، والدليل على ذلك القرآن فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وهذا عمل ما استطاع، وكذلك الآية: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ومثله ما جاء في حديث صاحب الشجة الذي رواه أبو داود وأسلفت ضعفه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر في بعض طرق الحديث التي ذكرتها أمس أنه يغسل على مواضع ويمسح الباقي الذي عصب عليه الجبيرة، فدل على أن الماء يستعمل فيما يمكن استعماله فيه، ويعدل عنه إلى غيره، سواء التيمم كما في رواية، أو المسح كما في الرواية الأخرى فيما لا يمكن فيه استعمال الماء، لكن دلالة الحديث بروايتيه على أنه يغسل ما أمكن غسله ويمسح ما أمكن مسحه أو يتيمم عنه.
والصواب هو المسح على الجبيرة كما ذكرنا ذلك سابقاً.
المقصود: أنه يستعمل ما أمكن استعماله من الماء ويتيمم عن الباقي الذي لا يمكنه استعمال الماء فيه.
ومما يؤيد ذلك أيضاً قصة عمرو بن العاص فإنه جاء عنه رضي الله عنه أنه كان غسل مواضع الوضوء وغسل مغابنه بالماء وتيمم عن الباقي؛ لأنه خاف الضرر، وهذا اللفظ الذي فيه أنه غسل مغابنه ومواضع الوضوء منه في قصة عمرو بن العاص رواه أيضاً أبو داود ورواه الحاكم، وقال الحاكم : هو صحيح على شرط البخاري ومسلم .
فدل ذلك على أنه لو وجد عند الإنسان ماء يسير لا يكفي لكل الغسل مثلاً، فماذا يصنع بهذا الماء؟ يغسل به ما استطاع ويتيمم للباقي.
طيب سؤال: يغسل ماذا؟ هو عليه غسل الآن وعنده ماء يسير لا يكفي للغسل، ماذا يفعل؟ يزيل النجاسة عن بدنه أولاً، ثم يغسل مواضع الوضوء، دل على ذلك حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في الرواية التي ذكرت عن أبي داود والحاكم، ودل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة غسل بنته المتفق عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) هذا من حيث النص.
أما من حيث المعنى: فلماذا نختار مواضع الوضوء قبل غيرها مع أن عليه الحدث الأكبر؟ لماذا نختار مواضع الوضوء؟
نقول: إذا بدأ بمواضع الوضوء فغسلها ارتفع عنها الحدثان: الأكبر والأصغر.
أما الحدث الأصغر فلأنه توضأ، وأما الحدث الأكبر فلأنه غسلها، وهل يشترط في الحدث الأكبر ترتيب؟ لا يشترط كما ذكرنا سابقاً ولا موالاة، فإذا بدأ بهذه المواضع ارتفع عنها الحدثان الأكبر والأصغر، لكن لو غسل غيرها فما الذي يحدث؟ يرتفع عما غسله الحدث الأكبر فحسب؛ لأنه ليس مطلوباً غسله في الحدث الأصغر أصلاً، فلذلك كان الأفضل عند قلة الماء أن يبدأ بمواضع الوضوء.
ومثله أيضاً لو خاف البرد كما في قصة عمرو بن العاص، فإنه قد يخاف الإنسان البرد بأن يغسل بدنه كله، لكن لا يجد ذلك فيما لو غسل مواضع الوضوء دون بقية البدن؛ لأن وقع الماء على بقية البدن أعظم ويحتاج الإنسان إلى معاناة ومقاساة في ذلك.
إذاً: قوله: [ فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه ] المعنى: استعمله وتيمم للباقي، سواء كان المانع من استعمال الماء قلته، أو كان المانع أمراً آخر كالمرض أو خوف البرد أو ما أشبه ذلك كما سبق.
وهذا فيه وجهان للحنابلة:
الوجه الأول: قالوا كما قال المصنف هاهنا: يستعمله ويتيمم في الطهارتين الكبرى والصغرى، وهذا هو المشهور في المذهب وهو المعتمد، أنه يستعمل ما عنده من الماء ثم يتيمم، ويستوي في ذلك أن يكون عليه حدث أكبر أو أصغر، الحدث الأكبر ضربت مثاله قبل قليل.
الحدث الأصغر: لو كان الإنسان ناقضاً للوضوء وعنده ماء لا يكفيه لكل الأعضاء إنما يكفي لبعضها، فماذا يصنع؟
قالوا: يستعمل هذا الماء الموجود، مثلاً: يغسل به وجهه ويغسل يده اليمنى، بقيت اليسرى وبقي مسح الرأس وبقي غسل الرجلين، ماذا يصنع عنه؟ يتيمم عن ذلك.
إذاً: قالوا: إذا كان الماء لا يكفي للطهارة كلها استعمله وتيمم للباقي، سواء في ذلك الطهارة الكبرى -الغسل- أو الطهارة الصغرى -الوضوء- وذلك للآيات السابقة كما في قوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وكما في قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وكما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) إلى غير ذلك من العمومات الدالة على هذا.
الوجه الثاني: وهو وجه اختاره أبو بكر عبد العزيز من الحنابلة وغيره، قالوا: إن ذلك لا يكون إلا في الجنابة فقط، لماذا قال: إنه يمكن استعماله في الجنابة ولا يمكن استعماله في الوضوء؟
قال: لأنه فيما يتعلق بالجنابة يرتفع الحدث عن الموضع الذي غسله بالماء، كما إذا غسل مواضع الوضوء فإن الحدث يرتفع، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء للجنب في مواضع، وأن ذلك يخفف جنابته.
أما فيما يتعلق بالوضوء، فإذا كان الماء لا يكفي للوضوء الكامل، فإنه لا ينفعه أن يغسل بقية أعضائه، بل إن التيمم يجزئ عن الوضوء ويعدل عن الماء إلى التيمم ما دام الماء لا يكفي لغسل جميع الأعضاء.
والصواب هو الأول؛ لأن الله تعالى قال في القرآن: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43] فجعل فقد الماء هو الشرط لإباحة التيمم، فما دام عند الإنسان ماء ولو قليل هل يجوز له أن يتيمم بظاهر الآية؟ لا يجوز، نقول له: استعمل هذا الماء، فإذا نفد الماء قبل أن تكمل ما عليك من الوضوء أو الغسل فحينئذ تعدل عنه إلى التيمم.
وهاهنا أيضاً مسألة متفرعة عن ذلك، وقد ذكرها المصنف بالأمس وهي معروفة مشهورة، وهي: ما إذا كان على الإنسان حدث أكبر يوجب غسلاً وأصغر يوجب وضوءاً، وعلى بدنه نجاسة، وليس عنده ماء يكفي لذلك كله.. فبأي هذه الأشياء يبدأ؟
يبدأ بإزالة النجاسة، هذا هو القول الراجح في المذهب وعند أكثر أهل العلم، أنه يبدأ بإزالة النجاسة من على بدنه، خاصة إذا كانت النجاسة في غير المخرجين، أما لو كانت النجاسة في السبيلين، فحينئذ هل يحتاج إلى استعمال الماء؟ لا يحتاج، لماذا؟ لأنه أصلاً حتى لو كان الماء موجوداً لا يلزمه استعماله على ما بينا وأسلفنا.
إذاً: الكلام فيما إذا كانت النجاسة في غير المخرجين.
طيب. إذا كان على بدنه نجاسة ويحتاج إلى وضوء وغسل، قال الأخ: يبدأ بإزالة النجاسة. هذا صحيح؛ لأن الصواب من أقوال أهل العلم: أن التيمم إنما يشرع لرفع الحدث الأكبر والأصغر، فهو يشرع لرفع الحدث لا لإزالة الخبث، والنصوص القرآنية والنبوية ظاهرة في أن التيمم يشرع كبديل عن الماء في الطهارة الصغرى والكبرى.
أما التيمم لإزالة النجاسة فهو وإن ذكره الإمام أحمد في رواية عنه إلا أنه قول ضعيف مرجوح لا دليل عليه، وهو قول مطروح خالف الإمام أحمد رحمه الله فيه جماهير أهل العلم بما في ذلك الأئمة الثلاثة المتبوعون، فإنهم لا يعرفون التيمم لإزالة النجاسة من على بدنه، وإن كان هذا موجوداً في كتب الحنابلة.
أما التيمم لرفع الحدث فهو ثابت بالنص والإجماع؛ ولهذا إذا كان محتاجاً إلى التيمم، هذا عند قول من يقول بالتيمم لإزالة النجاسة وهم بعض الحنابلة، إذا كان محتاجاً إلى الماء لإزالة النجاسة وللطهارة الصغرى والكبرى.. إذا كان محتاجاً إلى الماء لهذه الأشياء الثلاثة، فإنه يبدأ بإزالة النجاسة بالماء؛ لأن هذا متعين في حقه في هذه الصورة، إذ لا يصح التيمم عن النجاسة الموجودة على البدن على القول الراجح عند أهل العلم.
هذا فيما يتعلق بقوله: [ وإن وجد ماءً لا يكفيه لطهارته استعمله وتيمم للباقي ].
كم المسائل التي ذكرنا الآن؟ أربع عشرة. .
قال: [ فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها، ولا لنافلة في وقت النهي عنها ].
وهذا -اشتراط دخول الوقت- هو المشهور في مذهب الحنابلة، بل هو الصحيح من مذهب الحنابلة، لاحظ هو الصحيح لا أقول من أقوال أهل العلم، وإنما هو الصحيح من حكاية مذهب الحنابلة، وعليه جماهير أهل المذهب واحتجوا لذلك بأدلة منها: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6] ثم ذكر بعد ذلك التيمم، فقالوا: قيد ذلك بالقيام إلى الصلاة، وإنما يكون ذلك بعد دخول الوقت.
ومما استدلوا به أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أسلفت قبل قليل: ( أعطيت خمساً ) قال: ( فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة ) قالوا: والمقصود بالإدراك: دخول الوقت عليه.
وعززوا هذا الاستنباط من الآية ومن الحديث بما رواه ابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: [ فاقد الماء يتيمم لكل صلاة ].
قال البيهقي : إسناده صحيح.
وقال ابن حجر : هو صحيح، وهو من كلام ابن عمر رضي الله عنه.
وهذا -يعني: اشتراط دخول الوقت للتيمم- بناءً على أن التيمم مبيح للعبادة لا رافع للحدث، يقولون: إن التيمم يبيح للمحدث أن يصلي، أو يدخل المسجد، أو يطوف بالبيت، أو يمس المصحف، أو يقرأ القرآن.. أو ما أشبه ذلك مما يمنع منه المحدث حدثاً أكبر أو أصغر، فالتيمم قالوا: يبيح له هذه الأشياء ولا يرفع حدثه؛ ولذلك اشترطوا أن يتيمم في الوقت، أي: بعد دخول الوقت، واشترطوا أيضاً -كما سوف يأتي-: إذا تيمم لفريضة ألا يصلي بها غيرها، وإذا تيمم لنافلة ألا يصلي بها فريضة، وإذا تيمم لعبادة.. وهكذا، هذا كله بناءً على أن التيمم مبيح للعبادة لا رافع للحدث.
والراجح عدم اشتراط ما ذكره المصنف من دخول الوقت، وهو المذهب الصحيح المختار وهو رواية عند الإمام أحمد : أن التيمم يقوم مقام الوضوء مطلقاً، والتراب يقوم مقام الماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) فكما أن الماء طهور فكذلك التراب والأرض هي طهور أيضاً، فهو يرفع ما يرفعه الماء ولكن بصورة مؤقتة.
ولذلك فلا يشترط دخول الوقت، بل يجوز أن يتيمم قبل دخول وقت الفريضة وبعد دخولها، ويصلي الفرائض المتعددة بتيمم واحد، ويتيمم للفريضة قبل وقتها، ويتيمم للنافلة حتى في وقت النهي عنها.
هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم؛ لأنه لا دليل على غير ذلك، ويصلي بتيممه ما شاء.
فلو فرض أن إنساناً عليه صلوات مقضية.. يريد أن يقضي عشر صلوات فرائض مثلاً، كم يتيمم لها من مرات؟
على القول المختار: يتيمم لها مرة واحدة.
أما على قول بعض الفقهاء الذين يرون أن دخول الوقت شرط للتيمم، وأنه لا يجزئه إذا نوى فريضة أن يصلي غيرها، فإنهم يقولون: يتوضأ لكل فريضة، بل إن بعضهم قالوا: لو أنه تيمم لصلاة الجنازة، ثم رفعت ووضعت بعدها جنازة أخرى وكان بينهما فاصل يمكنه معه أن يتيمم للثانية فإنه يتيمم لها، وهذا في الواقع ليس عليه دليل في الشرع لا من الكتاب ولا من السنة، بل الراجح أن التيمم يقوم مقام الماء من كل وجه.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: وهذا هو الصحيح الذي عليه الكتاب والسنة والاعتبار.
فإن قالوا: إن التيمم إنما يشرع للحاجة قيل: نعم، والإنسان محتاج إلى أن يكون دائماً وأبداً على طهارة، والإنسان محتاج إلى الأجر والثواب أبداً، فهو محتاج إلى الصلاة، وإلى قراءة القرآن، وإلى الطواف.. وإلى غير ذلك من الأعمال، فلا دليل مطلقاً على أن دخول الوقت من شروط التيمم. .
الأول: أن ينوي التيمم ويقصده، وهذا ظاهر من اسمه، فإن التيمم هو القصد كما ذكرنا فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] فلو أن الإنسان وقع على الأرض فوقعت يداه ووقع وجهه من غير قصد، هل يجزئ ذلك عن التيمم؟ يجزي؟ كلا، لو أن الريح هبت وسفت الغبار على الإنسان على يديه وعلى وجهه، هل يجزئه ذلك؟ لا يجزئه إذا لم ينوه.. إذا لم ينوه لا يجزئه.
فهذا المعنى في النية صحيح، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات ).
المعنى الثاني في مراد المؤلف بالنية: النية المحددة بعبادة بذاتها وعينها؛ ولهذا قال: [ فإن تيمم لنافلة لم يصل بها فرضاً، وإن تيمم لفريضة فله فعلها وفعل ما شاء من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها ].
وهذا -كما سلف- بناءً على أن التيمم مبيح لا رافع، ولهذا قالوا: إذا تيمم للنافلة لا يصلي بها الفريضة؛ لأن الفريضة أقوى من النافلة، فنية النافلة لا ترقى إلى إباحة الفريضة.
قالوا: وإن تيمم لفريضة معينة، فله فعل تلك الفريضة وفعل ما يجمع إليها أو يصلى معها من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها، وبعضهم اشترط لكل فريضة تيمماً كما سبق.
والصحيح أنه لا يشترط من ذلك شيء، بل له فعل ما شاء من الفرائض والنوافل بتيممه ذلك سواء تنفل قبل دخول الوقت أو بعد دخوله، وسواء نوى فرضاً معيناً أو نفلاً أو لم ينو شيئاً إلا أن ينوي رفع الحدث مطلقاً، ولو نوى استباحة العبادة أو رفع الحدث فإن ذلك كله مجزي، وهذه الأشياء من ألوان التشديد التي يبتلى بها بعض الناس، وقد تدخل آخرين في وساوس وأوهام في طهارتهم وتيممهم.
والتيمم رخصة شرعت للتخفيف عن الناس، فلا داعي أن يمنع الناس منها ويشدد عليهم فيها بما لا دليل صحيحاً عليه من الكتاب والسنة. .
قوله: [ التراب ] يعني ظاهر كلام المصنف أنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب، وحملوا قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] على التراب، بناءً على رواية مذكورة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: [ الصعيد هو: تراب الحرث ] الصعيد، يعني: في قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا [المائدة:6] هو تراب الحرث، يعني: الذي يكون له غبار.
والذي عليه جماهير أهل اللغة، وجمهور أهل العلم أيضاً، وهو اختيار الإمام مالك وكثير من الشافعية والحنابلة وغيرهم: أن كل ما على وجه الأرض يسمى: صعيداً، ويجوز التيمم به، فيجوز له التيمم بالتراب، ويجوز له التيمم بالرمل، ويجوز له التيمم بالحصى، ويجوز له التيمم بما هو موجود على ظاهر الأرض من الأشياء دون تفريق في ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقيمون في المدينة، والمدينة غالب أرضها حجارة صلبة ويتيممون فيها، وكما أن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، ذهبوا إلى تبوك وقطعوا مفاوز طويلة لا يوجد فيها تراب، إنما يوجد فيها الرمل أو غيره، ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان يأخذ معه التراب ليتيمم به، بل كانوا إذا جاءهم الوقت نظروا ما حولهم مما هو على ظهر الأرض فتيمموا به سواء كان تراباً، أو رملاً، أو زرنيخاً، أو حجارة.. أو أي شيء آخر فهذا قوله: [ التراب ].
قال: [ فلا يتيمم إلا بتراب طاهر ].
ولذلك جاء في الحديث ( وجعلت لي الأرض ) والأرض أعم من قوله: التراب، ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) فالحجارة تسمى أرضاً، والرمل يسمى أرضاً، وما على وجهها يسمى أرضاً.
أما اللفظ الآخر: ( وجعلت تربتها لنا طهوراً ) فيحمل على الأحاديث الأخرى، ولا شك أن التراب طهور بالإجماع عند الحاجة إليه، لكن أيضاً غيره طهور.
قال: [ بتراب طاهر له غبار ].
أما (طاهر) فهذا يؤخذ من قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] فالطيب هو الطاهر؛ وذلك لأن المقصود به رفع الحدث، والنجس لا يرفع الحدث.
ولهذا قال بعض الفقهاء: إذا تيمم بتراب فإن هذا التراب أو هذا الغبار الذي على يده والتراب يكون بعد ذلك غير طهور؛ لأنه رفع به حدث، وهذا ليس بجيد؛ لسببين:
أولاً: لما أفصلناه وقررناه سابقاً من أن الماء قسمان، وأنه حتى الماء المستعمل في رفع حدث هو في الواقع طهور.
الأمر الثاني: أنه حتى لو فرض أن هناك ماء طاهر، وأن الماء المستعمل في رفع الحدث يتحول من طهور إلى طاهر في نفسه لا يطهر غيره، فإنه لا يمكن أن يقال هذا بالنسبة للتراب، إذ إنه لم يرفع به الحدث حقيقة، وإنما استعمل بدلاً عن الماء بصورة مؤقتة، ولهذا فإن المتيمم إذا وجد الماء يجب عليه ماذا؟ أن يستعمله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسّه بشرته ).
الشرط الثالث الذي ذكره المصنف: [ أن يكون التراب له غبار ].
ويؤخذ هذا الشرط من قوله جل وتعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] و(من) كما هو معروف للتبعيض، وهي تدل على أنه يلتحق باليد شيء من الغبار ولو يسير.
وقد جاء في حديث أبي جهيم -الذي أسلفت- المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم بماذا؟ تيمم على الجدار.. تيمم على الحائط.
فحينئذ لا دليل على أن خروج الوقت يبطل الطهارة، لم يرد هذا في كتاب ولا في سنة ولا في فعل الصحابة، اللهم إلا كلام ابن عمر، وهو اجتهاد خاص ورأي له لا يكون ملزماً، ولا يكون حجة على الأمة كلها.
وهذه المسألة -مسألة القدرة على استعمال الماء- لها عدة صور:
الصورة الأولى: إنسان فقد الماء فتيمم وصلى ثم خرج وقت الصلاة، ثم وجد الماء بعد خروج الوقت، فماذا عليه؟
ليس عليه شيء، لماذا؟ لأنه في حال مطالبته بتلك الصلاة، في حال وجود وقت الصلاة لم يكن الماء موجوداً عنده، فهو صلى كما أُمر، ولم يكن معذوراً بتأخير الصلاة عن وقتها، وقد أوقع الصلاة على الوجه المشروع، فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، وهذا يشبه الإجماع إن لم يكن إجماعاً فعلاً، ولم ينقل أن أحداً من المسلمين أعاد الصلاة بعدما خرج وقتها بمثل تلك الحال.
إذاً: هذا ظاهر لا إشكال فيه، إذا وجد الماء بعد خروج الوقت.
الصورة الثانية: أنه وجد الماء بعدما فرغ من الصلاة وهو في الوقت، صلى الظهر في أول وقتها بالتيمم، وبعدما سلم وجد أن الماء جاء بعدما انتهى من الصلاة، توفر له الماء بعدما فرغ من الصلاة، فماذا يصنع في هذه الحالة؟
تجزيه صلاته الأولى ولا إعادة عليه، هذا أيضاً على الصحيح مذهب جماهير أهل العلم، وهو الرواية المعتمدة في المذهب، أنه تجزئه صلاته ولا إعادة عليه.
وقد جاء في هذا حديث أبي سعيد عند أهل السنن وصحح إسناده بعضهم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلين من أصحابه فلم يجدا الماء فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأما أحدهما فأعاد الوضوء والصلاة، وأما الآخر فلم يعد الوضوء ولا الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أعاد الوضوء والصلاة قال له: لك الأجر مرتين، وقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ) أيهما أولى وأفضل؟ الذي لم يعد؛ لأنه أصاب السنة، وإذا كان ذاك له الأجر مرتين، فربما هذا يكون له الأجر أضعافاً مضاعفة بإصابة السنة.
إذاً الحالة الثانية: إذا وجد الماء بعد انتهائه من الصلاة وقبل خروج الوقت، فالراجح بل الصحيح أنه لا إعادة عليه أيضاً حتى لو صلى في أول الوقت.
سؤال: هل يستحب له أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها؛ طمعاً في حصول الماء؟
قال كثير من الفقهاء: يؤخر الصلاة، وقد جاء في هذا أثر عن علي بن أبي طالب أنه قال: [ يتلوم بالصلاة ] يعني حتى آخر وقتها، ولكن هذا الأثر ضعيف؛ لأن فيه الحارث الأعور وهو ضعيف جداً.
والصواب: أنه لا يلزمه أن ينتظر على ما هو ظاهر الأدلة، فإن عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة على وقتها ) يشمله، وربما لو أوقع الصلاة في أول وقتها طلباً للفضيلة لكان ذلك أولى به، والله تعالى أعلم.
الصورة الثالثة والأخيرة: لو أنه وجد الماء وهو في أثناء الصلاة، فلما صلى من الظهر ركعة جاءه الماء، فماذا يصنع؟
في المسألة قولان:
القول الأول وهو المعروف عند الحنابلة: أنه يقطع صلاته ويعتبر قد انتقض وضوءه بوجود الماء؛ لأن التيمم كان طهارة مؤقتة عند فقد الماء، فلما وجد الماء بطل الوضوء وانقطعت صلاته بذلك، وبناءً عليه يجب عليه أن يستأنف الصلاة.
والصحيح أن ذلك ليس بواجب، بل قال ابن العربي : لا يجوز له أن يقطع الصلاة، ولو قطعها كان آثماً، واحتج بعضهم بقوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33].
وعلى كل حال فطرد القياس وعمومات الأدلة على أنه إذا شرع في الصلاة الفريضة بالتيمم ثم وجد الماء فإن صلاته صحيحة ولا يقطع الصلاة ولا إعادة عليه؛ لأنه صلى كما أمر.
والقاعدة الشرعية التي يجب أن تعلم: أن كل إنسان صلى بحسب وسعه وطاقته، فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
يعني: إذا بذل وسعه في تحقيق الوضوء والطهارة والصلاة فإنه لا إعادة عليه، هذا هو الصحيح.
الجواب: إذا وجد الماء فإنه يجب عليه استعماله لرفع الحدث السابق، فلو كان جنباً مثلاً ولم يجد الماء، ثم تيمم وصلى ولو عشر سنين، فكل هذه الصلوات والعبادات صحيحة، لكن لو وجد الماء بعد عشر سنين، فيجب عليه حينئذ أن يغتسل لرفع الحدث، وهذا يشبه الإجماع عند أهل العلم، لم يخالف فيه أحد يعتد بقوله، ومثله الحدث الأصغر أيضاً، والدليل على ذلك حديث أبي ذر ( الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسّه بشرته ).
الجواب: الجمع بين المسح والتيمم لا دليل عليه، فإن كان على الإنسان جبيرة فما هو الحكم؟ تمسح، وإذا كان بالإنسان جرح يتضرر بالغسل فإنه يمسح عليه، أما إذا قل الماء عنده مثلاً أو عدم أو وجد ما أسلفنا، فإنه يتيمم ولا يحتاج إلى مسح.
الجواب: لا حرج، هذا جيد.
صفة التيمم عملياً كما جاء: أن يضرب بيديه الأرض مفتوحتي الأصابع، يضرب بباطن الراحة وجه الأرض ضربة واحدة هكذا، ثم يمسح إحدى يديه بالأخرى، فيمسح اليمين بالشمال والشمال باليمين، وهذا يقوم مقام غسل اليدين في أول الوضوء، ثم يمسح وجهه بكفيه هكذا، وينبغي له أن يعمم الموضع كله بالمسح، ثم يمسح اليد اليمنى واليسرى، وعلى القول بأنه يمسح إلى المرفق فهذا واضح أيضاً.
ومما ينبغي أن يعلم: أن من أهل العلم من اشترط في التيمم الترتيب وهو المذهب، ولكن المؤلف رحمه الله ما ذكره كالترتيب في الوضوء، ومنهم من اشترط الموالاة أيضاً كالوضوء، وهو المذهب أيضاً خاصة في الطهارة الصغرى.
و الأقرب أنه لا يشترط لذلك ترتيب ولا موالاة، ولا يشترط الترتيب والموالاة بين الوضوء والتيمم.
بمعنى: لو كان إنسان محتاجاً إلى وضوء وتيمم، يريد أن يتوضأ مثلاً عن موضع ويتيمم عن آخر، فإنه حينئذ يتوضأ وإذا انتهى من الوضوء تيمم بعد ذلك؛ لأن الأصل الوضوء.
الجواب: يتيمم بأي شيء متصل بالأرض، تيمم الرسول عليه الصلاة والسلام بالجدار، تيمم بأي أمر.. حتى قال الكثير من الفقهاء: حتى لو وجد دابة على ظهرها شيء من الغبار تيمم عليها.
الجواب: هذه فكرة طيبة، ولعلها تطرح إن شاء الله على مكتب الدعوة.
الجواب: أي أنهم تسببوا في قتله، حيث أفتوه بغير علم، ودعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: والله هذا الذي يظهر.
الجواب: عليه أن يصبر ويحتسب؛ لأن للوالدين حقاً عظيماً، ويسامحهما.
الجواب: أما فيما يتعلق بالصلوات النوافل فقد ذكر كثير من أهل العلم ونقل عن السلف: أنه إذا خشي فوات النافلة تيمم لها، مثل لو خشي فوات الجنازة تيمم، وقال بعضهم: مثل صلاة العيدين وغيرها، بل قال كثير من الفقهاء: لو كان في صلاة جمعة في المسجد وأحدث وأصبح خروجه من المسجد ورجوعه وقطع الصفوف أمراً يطول ويترتب عليه فوات الجمعة، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: الصواب حينئذ أنه يتيمم ويصلي؛ ليدرك الجمعة.
هكذا ذكر الإمام رحمه الله تعالى، وإن كان هذا خلاف الأصل فإن الأصل هو الوضوء، لكن إذا كان على الرجل جنابة ويخشى إن اغتسل خروج الوقت، فهذا له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون الرجل قام متأخراً، يعني: إنسان قام مثلاً قبيل طلوع الشمس، بحيث غلب على ظنه أنه إذا جلس لإعداد الماء للوضوء والغسل وما أشبه ذلك، ثم توضأ واغتسل أنه يخرج وقت الصلاة، فهذا ماذا يقال له؟
يقال له: ولو خرج الوقت يصبر ويتوضأ ويغتسل، لماذا؟
قالوا: لأن وقت الصلاة بالنسبة لهذا الإنسان يبدأ منذ متى؟ يبدأ منذ استيقظ، بحيث إنه لا يضر حتى لو خرج الوقت ما دام لم يحصل منه تفريط لا يضره.
أما إذا كان من أول الوقت وهو مع ذلك يخشى أن يخرج الوقت كله دون أن يحصل على الماء؛ لأنه يحتاج إلى مثلاً استخراج الماء من البئر وإلى حبال، أو أنه في مكان بعيد أو ما أشبه ذلك، فمثل هذا يتيمم.
لعلنا نكتفي الحقيقة من الأسئلة؛ لأنه -كما رأيتم- صوتي تآكل من كثرة الكلام، نسأل الله العفو والعافية والمسامحة.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب التيمم للشيخ : سلمان العودة
https://audio.islamweb.net