اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الملك (2) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:6-11].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الملك:6]، في الآيات السابقة أعلمنا أن الشياطين أعد لهم سعيراً خاصاً وعذبهم به، ثم عطف على ذلك هذا، وقال: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا [الملك:6]. فإذا كان ذلك للشياطين فللذين كفروا هذا العذاب.
ولا ننسى أن الذين كفروا هم: الذين ما آمنوا بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله سواه، وآمنوا بأن محمداً رسول الله، وآمنوا بالبعث والدار الآخرة، وآمنوا بكل ما أمر الله أن نؤمن به في كتابه, أو على لسان رسوله، فمن لم يؤمن فهو كافر. وأنتم تعرفون عن الكفار اليوم أنهم لا يؤمنون بالله ولا بلقائه، ولا بمحمد ولا بدينه, ولا بشرعه في الشرق والغرب, وهم ملايين الملايين، والعياذ بالله. وكلهم من أهل النار. فقد قال تعالى هنا: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ [الملك:6], فليس لهم بساتين ولا قصور ولا أموال, وإنما لهم عَذَابُ جَهَنَّمَ [الملك:6]. هذا الذي لهم، فهناك طبقة من طبقات النار تسمى جهنم من أشدها حرارة، والنار دركات سبع، وجهنم من أشدها حرارة.
ثم قال تعالى: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الملك:6] الذي صاروا إليه، فقد صاروا إلى جهنم؛ لتأكلهم وتمزقهم وتحرقهم، ويعذبون فيها أبد الآبدين بلا نهاية. فهذا بئس المصير الذي يصار إليه, وهو دخولهم في جهنم, وخلودهم فيها. هذا جزاء الكافرين. فلنؤمن بالله ولقائه، ولنؤمن بالله ورسوله، ولنؤمن بكل ما أمر الله أن نؤمن به، سواء أدركناه وفهمناه أو لم ندركه ولم نفهمه ما دام أمرنا بالإيمان.
فقوله: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا [الملك:7], أي: ألقاهم الزبانية سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك:7-8]. وهذا والله كما تسمعون، فما إن يلقوا فيها حتى يسمعوا لها شهيقاً ليس كشهيق الحمار وصوته ونهمه، بل أعظم من ذلك. والشهيق يخرج من الصدر والحلق, والنار لها شهيق؛ متغيظة متألمة، تريد إحراقهم. وَهِيَ تَفُورُ [الملك:7]، أي: تغلو غلياناً, وتكاد تتمزق وتتحطم.
قال تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10]. والسعير عرفتموه البارحة, وهو: أنه أشد نار تلتهب وتستعر, والعياذ بالله.
وهذا الاعتراف لا ينفعهم يوم القيامة, وإنما ينفعهم في الدنيا, فلو أذنب الشخص ذنوباً كالجبال وتاب تاب الله عليه، وأما الآن فليس هناك توبة تقبل أبداً، وكذلك أحدنا إذا غرغرت روحه في حلقه وكادت تخرج وشاهد ملك الموت ومن معه فلو قال هنا: تبت والله ما تقبل له توبة أبداً، وفرعون لما أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]. فقال الله له: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ [يونس:91-92] فقط لا بروحك؛ لتكون آية للمسرفين.
وهم هنا فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ [الملك:11]، لكن قال تعالى: فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:11]. فلا ينفعهم الاعتراف أبداً، ولا تقبل لهم توبة؛ لأنهم ليسوا في دار العمل, بل هم في دار الجزاء. والتوبة تقبل هنا؛ لأن هذه الحياة حياة عمل، ذكر وشكر، أو كفر وشرك، وأما هناك فهي للجزاء فقط. ولذلك قال تعالى: فَسُحْقًا [الملك:11], أي: بعداً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:11]. ألا وهو عذاب جهنم الملتهب, والعياذ بالله. أعاذنا الله وإياكم منه، وأعاذ منه كل مؤمن ومؤمنة.
[ من هداية ] هذه [ الآيات ] التي تدارسناها:
[ أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء ] يوم القيامة [ ببيان ما يجري فيها ] ويقع فيها [ من عذاب وعقاب ] فقد كنا معهم الآن وهم يتكلمون ويسألون. ففي هذا تقرير عقيدة البعث والجزاء، فالذي لا يؤمن بالدار الآخرة وما يتم فيها من جزاء على الكسب في الدنيا فهو كافر, ولو صلى وصام، ولو قال: آمنت بكل الرسل إلا أني ما أؤمن بأنه توجد حياة أخرى فهو كافر من أهل جهنم.
ولقد بينت غير ما مرة أن هذه العقيدة إذا تمكنت من النفس وأصبحت يقيناً فصاحبها ما يستطيع أن يعصي الله، ولا يقوى ولا يقدر على أن يفجر أو يشرك، وإذا ضعف هذا المعتقد أو انعدم يفعل ما يشاء.
[ ثانياً: بيان أن تكذيب الرسل كفر موجبٌ للعذاب، وتكذيب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم, أي: في وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة الله ورسوله ] فمن هداية الآيات: وجوب الإيمان بالرسل واتباعهم، والإيمان بما جاءوا به، والعلماء من بعدهم مثلهم؛ لأنهم خلفاؤهم، فيجب القبول عنهم واتباعهم، والاهتداء بهدايتهم.
[ ثالثاً: بيان أن ما يقوله أهل النار في اعترافهم هو ما يقوله الملاحدة اليوم في ردهم على العلماء بأن التدين تأخر عقلي ونظر رجعي ] وكما قلت لكم: الآن الملاحدة والعلمانيون والشيوعيون والدهريون يقولون مثلما قال أهل مكة, فهم يقولون: أنتم متأخرون, وهذه نظرية فاسدة, وعقلية هابطة. وهم إلى الآن يقولون هذا؛ حتى لا يدخلوا في الإسلام, ولا يقبلوه.
[ رابعاً ] وأخيراً: [ تقرير أن الكافر اليوم لا يسمع ولا يعقل, أي: سماعاً ينفعه, وعقلاً يحجزه عن المهالك باعتراف أهل النار، إذ قالوا: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10] ] ووالله لقد صدقوا في قولهم: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10]. فالكفار الآن والله ما يسمعون الحق ولا يقبلونه، ولا يعقلون ولا يفكرون في مصيرهم، ولا في خلق هذه الحياة ولا وجودها، ولا لماذا كانوا. بل هم كالبهائم يأكلون ويشربون وينكحون فقط.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الملك (2) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net