اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الحشر (4) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسيات الربانية ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الحشر المدنية، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، قال تعالى: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ * لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [الحشر:11-14].
وهنا واعد المنافقون من العرب من أهل المدينة بني النضير أنه إذا قاتلهم الرسول فإنهم سيقاتلون معهم، فقال تعالى مصوراً ذلك: أَلَمْ تَر [الحشر:11]، أي: ألم تنظر بقلبك يا رسولنا! إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الحشر:11]، وهم بنو النضير، لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ [الحشر:11]، فهل خرجوا معهم؟ بقوا في المدينة واليهود خرجوا، لكن في هذا الكلام تأديب لبني قريظة حتى يعرفوا موقفهم؛ لأن بني قريظة ما زالوا جاثمين في ديارهم جنوب المدينة، لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ [الحشر:11]، هل خرجوا؟ والله ما خرجوا، لكن واعدوهم وقالوا لهم: ابقوا على كفركم وملتكم ودينكم، ولا تسمعوا لهذا الرجل، ولا تستجيبوا له، وها نحن على عقيدتنا ودين آبائنا وأجدادنا ونحن معكم، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الحشر:11]، وهل لو قاتلوهم نصروهم؟ ما نصروهم، وإنما كلها دعاوى باطلة يحملهم عليها النفاق وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً [الحشر:13]، أيها المؤمنون! فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ [الحشر:13]، حقاً فالمنافقون لا يرهبون الله؛ لأنهم ما آمنوا به حتى يخافوه ويرهبوه، لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً [الحشر:13]، فهم يخافون القتال والضرب والذبح والقتل، لكن الله لا يخافونه لبعدهم عنه، ولعدم معرفتهم وإيمانهم به سبحانه وتعالى، وهذا هو شأن الكافرين في كل زمان ومكان، لكن المؤمنين خوفهم من الله أعظم من خوفهم من الكافر أو أي مقاتل، وهؤلاء هم المؤمنون الصادقون في إيمانهم.
لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا [الحشر:14]، أي: كلهم، اللهم إِلَّا فِي قُرًى [الحشر:14]، أي: مدن محصنة بالأسوار، أو من وراء جدر أو من وراء أشياء تحول فيما بينهم.
مرة أخرى: الآية تشير إلى أن الكافرين في كل زمان ومكان يبغضون المسلمين ويعادونهم، لكن لا تظن أنهم فيما بينهم متحابين متعاونين، بل هم فيما بينهم على بغضاء وعداء وحرب، كما وقع أن ألمانيا هزمتهم كلهم، لكن ضربوها ودمروها وهزموها بعد ذلك.
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14]، أي: متفرقة ممزقة، فمن أخبر بهذا الخبر؟ الله عز وجل، فوالله كما أخبر سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي أن نعرف حال الأعداء الكافرين.
لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ [الحشر:14]، هؤلاء المنافقون، بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ [الحشر:14]، يا رسولنا! أو أيا السامع! تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14]، أي: متفرقة ممزقة.
ثانياً: إذا وعد أخلف، أي: أن المنافق لمرضه ولظلمة قلبه ولما هو عليه من هبوط إذا وعد يخلف الوعد ولا يبالي بذلك، قد يتركك تنتظره الساعة والساعات، أو اليوم والليلة ولا يحضر، فعلى المؤمن ألا يخلف ما يعد به، فإن عجز يعلن عن عجزه وضعفه فيقول: ما استطعت، سامحني، اعف عني، وعدتك وما قدرت أن أحضر، أما أن يعد ويخلف فهذا ليس من صفات المؤمنين، بل هذا من صفات المنافقين.
ثالثاً: وإذا اؤتمن خان، أي: أن المنافق الذي كفر بالله ورسوله، وآمن بالشيطان وأعوانه الكافرين إذا اؤتمن خان، فإن ائتمنته على الريال فقط يخونك فيه، أو تأتمنه على زوجتك وأولادك يخونك فيهم، أو تأتمنه على سيارتك أو بستانك يخونك، وهذا هو طبعهم والعياذ بالله.
رابعاً: وإذا خاصم فجر، أي: إذا خاصم لا يعتدل ولا يمشي مع الحق ولا يقول الحق، بل يفجر ويكذب ويقول الباطل.
إذاً: هذه أربع علامات من علامات النفاق، فمن كن فيه كان منافقاً كاملاً، ومن كانت فيه خصلة من الأربع كانت فيه خصلة من النفاق: فأولاً: إذا حدث كذب، وثانياً: إذا واعد أخلف، وثالثاً: إذا اؤتمن خان، ورابعاً: إذا خاصم فجر.
معشر المؤمنين والمؤمنات! نربي أنفسنا على ألا نكون من المنافقين الذين يظهرون الإسلام بألسنتهم فيصلون مع المصلين ويخرجون حتى للجهاد معهم وهم لا يؤمنون بالله ولا بلقائه، وإنما هم كفار بالله وتوحيده وبلقائه وبيوم القيامة، فنبرأ إلى الله من النفاق والمنافقين، ونعمل على ألا نتصف بصفة من صفاتهم أبداً طول الحياة، ومن أصيب بشيء من هذا فليتب إلى الله وليستغفره وليرجع إليه فيمحو الله ما كتب عليه.
قال: [ ثانياً: خلف الوعد آية من آيات النفاق وعلامة من علاماته البارزة ]، من هداية الآيات: خلف الوعد من النفاق، وعلامة من علامات المنافق، وقد عرفتم أنها أربع، وقد بينها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، فالواحدة علامة على النفاق، وأربع صاحبها منافق كامل والعياذ بالله، والآن المنافقون أخلفوا وعدهم لبني النضير، إذ إنهم ما قاتلوا معهم ولا وقفوا معهم، وإذا أرادوا مع بني قريظة فكذلك.
قال: [ ثالثاً: الجبن والخوف صفة من صفات اليهود اللازمة لهم والتي لا تنفك عنهم ]، من هداية الآيات: الخوف والجبن صفة من صفات اليهود في كل زمان ومكان، وهي لازمة لهم لا تفارقهم أبداً إلى يوم القيامة، فلنحذر هذا، ولنعرف هذا، فهاهم ذا يقاتلوننا لأن الله تعالى سلطهم علينا، وكل ذلك لأننا فسقنا وفجرنا وخرجنا عن طاعة الله تعالى، وآية ذلك أين الخلافة الإسلامية؟ إننا الآن دويلات في الشرق والغرب، بل ولا دولة تطبق شرع الله ولا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر إلا هذه البقعة فقط، فأي فسق وأي فجور أعظم من هذا؟ وبالتالي كيف لا يسلط علينا الجبناء فيذلوننا؟ لقد أراد الله أن يذلنا، وإن قلت: كيف تقول هذا يا شيخ؟ فأقول: لما فسقنا وفجرنا وهبطنا وأشركنا وعبدنا القبور سلط الله علينا أوروبا بكاملها من إسبانيا إلى بلجيكا إلى هولندا فأدبونا، والآن هذه حفنة من اليهود تتحكم فينا! بل لو نرسل أبناءنا فقط لأخرجوهم، لكن الله يذلنا يبين لنا أنه غير راض عنا، ولهذا أقول: والله! لو يجتمع أهل فلسطين حول إمام واحد ويعبدون الله، ويطبقون شرعه كما كان على عهد رسول الله، والله لرهبهم اليهود وخافوا ورحلوا، وذلك لما يشاهدوا آيات الله وأنوار الإيمان في تلك الأمة التي تعبد الله تعالى، فيخافون ويرحلون قبل قتالهم.
قال: [ رابعاً: عامة الكفار يبدون متحدين ضد الإسلام ]، أي: يظهر أنهم متحدون ضد الإسلام، لكن في الحقيقة لا اتحاد ولا اتفاق فيما بينهم، والواقع يشهد بذلك، قال: [ وهم كذلك، ولكنهم فيما بينهم تمزقهم العداوات وتقطعهم الأطماع وسوء الأغراض والنيات ].
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الحشر (4) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net