اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأنعام (33) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك لهم زجل وتسبيح، والسورة تقرر عقيدة التوحيد بأن لا إله إلا الله، ونبوة ورسالة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وأنه حقاً رسول الله، وتقرر مبدأ المعاد والحياة الثانية للجزاء على الكسب في هذه الدنيا إما بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم.
السورة تدور على هذه العقائد الثلاث، وها نحن مع ثلاث آيات، فليتفضل أبو بكر القارئ يقرؤها ثم نشرحها بإذن الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:111-113].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الأنعام:111]، هذا خبر الصدق، يخبر تعالى فيقول لرسوله والمؤمنين: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا [الأنعام:111] إلى أولئك المعاندين إلى أولئك المشركين إلى أولئك المكذبين الكافرين الذين يطالبون بالآيات ويريدون أن يشاهدوها فيؤمنوا.
ما السر في هذا؟ السر أنهم لكثرة توغلهم في الكفر والتكذيب والشرك والفساد والباطل أصبحت هذه غرائز لهم ما يبطلها أبداً مشاهدة الملائكة، إذ لو شاهدوا الملائكة لقالوا: نحن مسحورون، فكيف تشاهد الملائكة؟ ما رأيناه ليس بحقيقة أبداً بل مجرد خيالات فقط، لو جمع لهم ما شاء الله أن يجمع من هذا الكون ووقف بين أيديهم ما كانوا ليؤمنوا؛ لأنهم عرفوا الحق وأصروا على إنكاره وعدم الاعتراف به، والذي أخبر بهذا -كما علمتم- هو خالقهم وخالق غرائزهم وطباعهم.
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ [الأنعام:111] من الملائكة؟ عالم الطهر والصفاء عالم النور، عالم يعمر الملكوت الأعلى، وهم معنا في حلقتنا هذه يحفون بنا، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى [الأنعام:111]، وكلمهم الموتى عدنان ومضر وإسماعيل: أنا فلان فآمنوا بأن محمداً رسول الله ما آمنوا، وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ [الأنعام:111] أمامهم يشاهدونه مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الأنعام:111]، فإذا شاء الله إيمانهم آمنوا، أما إذا لم يشأ الله أن يؤمنوا فلن يؤمنوا؛ لأنه كتب ذلك في كتاب المقادير في اللوح المحفوظ أن هؤلاء من أصحاب النار، أن هؤلاء يعرض عليهم الإيمان في أوضح صورة وبأعظم دليل وحجة فلا يؤمنون، فكتب ذلك عليهم، فلذلك هم لا يؤمنون.
فيا من تريدون أن تشاهدوا الآيات حتى يؤمن هؤلاء المشركون! اعلموا أنهم لا يؤمنون، وفي آية سورة الحجر: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [الحجر:14-15]، وفي هذه السورة في بدايتها وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام:7].
القلوب بيد الله يقلبها كيف شاء، فعلينا أن نقدم لهم الهداية فإن قبلوها لأن الله كتب سعادتهم ليكملوا ويسعدوا فهنيئاً لهم وهنيئاً لنا في نجاحنا في تقديم هذه الهداية، فإن هم رفضوا وأصروا على شركهم والكفر فلا نحزن ولا نكرب أبداً، ولنفوض الأمر إلى الله إذ بيده القلوب، وكان عليه الصلاة والسلام في سجوده يقول: ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي على دينك ) .
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام:109-110] هاتان آيتا الدرس السابق وهما متصلتان بهذه.
وزادهم تأكيداً فقال: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ [الأنعام:111] وشاهدوا جبريل وميكائيل وكل ملائكة السماء وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى [الأنعام:111] فلان وفلان وفلان من المقبرة وحشرنا وجمعنا لهم كل شيء أمامهم فوالله ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله.
ثم ختم الآية بقوله: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [الأنعام:111]، ويدخل في هذا من كانوا يريدون أن يشاهدوا الآية ليؤمن كفار قريش، كانوا يرغبون لشدة الحرب والمضايقة ويقولون: لو أنزل الله آية لآمنوا واسترحنا، فهذا أيضاً انزعوه من أذهانكم، وهذا ناتج عن الجهل وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [الأنعام:111]، ما قال: (ولكنهم يجهلون) فلا يخرج منهم واحد أو اثنان، معناه: أنه يوجد فيهم من لا يجهل، وهذا من عجائب القرآن.
الشياطين: جمع شيطان، والإنس نحن، والجن العالم الخفي الذي تعرفونه، هل يوجد في بني آدم شياطين؟ أي نعم، كما يوجد في الجن شياطين، ويوجد في الجن ربانيون مؤمنون أولياء الله، ويوجد في الإنس ربانيون مؤمنون أولياء الله، ويوجد في عالم الجن شياطين متمردون عن الله والحق لا يعرفونه أبداً، وتوجد ثلة من الناس شياطين لا هم لهم إلا الشر والخبث والفساد.
وقد علمتم مما سبق أن العوالم ثلاثة: عالم الملائكة وعالم الإنس وعالم الجن، دعنا من عالم الحيوانات، فنحن نتكلم عن العالم المكلف بعبادة الله عز وجل.
عالم الجن -والعياذ بالله تعالى- خرج عنه إبليس؛ إذ رفض أمر الله وتنكر له وأبى أن يسجد لآدم فأبلسه الله ومسح الخير منه وأصبح شيطاناً خالصاً لا يحب الخير ولا يخطر بباله، وذريته مثله إذ الحية لا تلد إلا حية، هل رأيتم عقرباً تلد جرادة؟ لا تلد إلا عقرباً.
وعالم الشياطين تفرع من إبليس، وعالم الإنس وعالم الجن الذين يفسقون عن أمر الله ويخرجون عن طاعته ويتوغلون في الخبث والشر والفساد يصبحون شياطين لا خير فيهم، كلامه وعمله وسياسته كلها شر، فمن هنا يوجد شياطين من الإنس لا هم لهم إلا نشر الباطل والشر والفساد، كما يوجد شياطين من الجن غير إبليس وذريته، أما الشياطين فهكذا وجدوا لا يعرفون الخير بالمرة ولا يهتدون ولا يقبلون الهداية.
زُخْرُفَ الْقَوْلِ [الأنعام:112] القول يزينونه ويزخرفونه ويحسنونه للإنسي أو الجني المؤمن ليوقعوه في الفساد، زخرف القول للتغرير بالمؤمنين من الإنس أو من الجن، إلا أن الشيطان من الإنس لا يستطيع أن يزين للشياطين من الجن؛ إذ لا صلة لهم بهم بحيث يتحدث معهم، إلا إذا تشكلوا في شكل إنسان فهذا ممكن.
لكن من حيث واقعهم يخبر تعالى عنهم أنهم يزينون القول ويزخرفونه حتى يوقعوا الإنسان في الفتنة والضلال، فالإنسان الذي هو شيطان توحي إليه الشياطين بكلمات ومعان وتدله على أعمال يقوم بها وتخرفها له وتحسنها له حتى يقولها ويفعلها، فالموبقات التي ترتكب من بعض الناس من الآدميين كالزنا واللواط والجرائم والقتل؛ كل هذه بتزيين الشياطين والتغرير بالآدمي حتى يفعلها ويأتيها؛ لأنها مهمتهم التي يقومون بها.
شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ [الأنعام:112]، شيطان الإنس يوحي إلى شيطان الإنس، أصحاب الشر أما يجتمعون ويتواصلون ويتعاونون؟ يوحي بعضهم إلى بعض.
وزخرف القول هو الذي يفتنون به من الأباطيل والكذب والدعاوى الباطلة حتى يوقعوا الإنسان في تلك المحنة أو الفتنة، وشياطين الجن كذلك، والذي أخبر بهذا خالقهم والعليم بحياتهم وسلوكهم.
يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112] أي: للتغرير وإيقاع الناس في الفتنة أو المحنة والحرب أو الفتن والضلال.
وكما أن أولئك المشركين لو جمع لهم كل الخلق بين أيديهم من ملائكة ورسل وأجداد لا يؤمنون إلا أن يشاء الله، فكذلك شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض ويزخرف القول ويعسله للإيقاع في الفتن والباطل والشر، ومع هذا لو شاء الله ما فعلوا؛ لأن قدرة الله فوقهم وهم بين يديه وفي قبضته.
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112] إذاً فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام:112]، اتركهم يا رسولنا وما يكذبون ويختلقون من الباطل، أتعرفون ما كان يقول أبو جهل وعقبة بن أبي معيط وفلان؟ كانوا يقولون بإيحاء الشيطان: محمد ساحر كذاب دجال. وهكذا يشيعونها في القبائل، بل يذهبون إلى الأسواق ويعلنون هذا، هذا هو زخرف القول، يحسنونه بألفاظ ليصرفوا الناس عن الدخول في الإسلام حتى لا يؤمنوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبقوا في الشرك والكفر.
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112] إذاً فَذَرْهُمْ [الأنعام:112] أي: اتركهم وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام:112] ويقولون من الكذب والباطل.
وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ [الأنعام:113] هل القلب يميل أم لا؟ مال قلبه إلى كذا: أحبه ورغب فيه ومشى وراءه، الإصغاء يكون للأذن فتسمع، والقلب إذا مال وهو يسمع يميل إلى الباطل والشر.
وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113]، الاقتراف ما هو؟ جمع الذنوب والآثام بلا حساب ولا عدد.
ما زال السياق في أولئك العادلين بربهم ] الظالمين [ المطالبين بالآيات الكونية ] عرفنا هذا أمس، الكون ما هو؟ السماء والأرض، الآية الكونية كأن تقع الشمس في حجر فلان! أن ينزل المطر الآن، أن يحيا فلان الميت، هذه الآيات الكونية، [ ليؤمنوا إذا شاهدوها، فأخبر تعالى في هذه الآيات أنه لو نزل إليهم الملائكة من السماء وأحيا لهم الموتى فكلموهم وقالوا لهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحشر عليهم كل شيء أمامهم يعاينونه معاينة، أو تأتيهم المخلوقات قبيلاً بعد قبيل وهم يشاهدونهم ويقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ ما كانوا ليؤمنوا بك ويصدقوك ويؤمنوا بما جئت به إلا أن يشاء الله ذلك منهم، ولكن أكثر أولئك العادلين بربهم الأصنام والأوثان يجهلون أن الهداية بيد الله تعالى وليست بأيديهم كما يزعمون، وأنهم لو رأوا الآيات آمنوا ] فالهداية بيد الله.
[ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الآية الثانية فإن الله تعالى يقول: وكما كان لك يا رسولنا من هؤلاء العادلين أعداء يجادلونك ويحاربونك جعلنا لكل نبي أرسلناه أعداءً يجادلونه ويحاربونه شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]، أي: القول المزين بالباطل المحسن بالكذب]، والذين عاشوا مع إذاعة (صوت العرب) قديماً سمعوا وعرفوا.
كنا في طريقنا إلى المغرب في السيارة، مشينا بالليل في صحراء ليبيا، في آخر الليل جاء صوت ما كنا نسمعه في المدينة، فاستمعت ذاك الصوت ومن ثم انقبضت انقباضاً، وأصبحت -والله- ما أستطيع أن أسمعه، وتعجبت من قوله تعالى: وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [الكهف:101]، كيف لا يستطيعون السمع؟ وجدتني -والله- ما أستطيع.
قال تعالى: زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]، وإلى الآن ما زالت الأباطيل تزين وتحسن، وإذاعة لندن كافية.
قال: [ أي: القول المزين بالباطل المحسن بالكذب. غُرُورًا [الأنعام:112]، أي: للتغرير والتضليل، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ [الأنعام:112] أيها الرسول عدم فعل ذلك الإيحاء والوسواس مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112]] أليس هو خالقهم [ إذاً: فَذَرْهُمْ [الأنعام:112]، أي: اتركهم وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام:112] من الكفر والكذب والباطل. هذا ما دلت عليه الآية الثانية.
أما الآية الثالثة وهي قوله تعالى: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113]، هذه الآية بجملها الأربع معطوفة على قوله: زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]، إذ إيحاء شياطين الجن والإنس كان، للغرور، أي: ليغتر به المشركون، وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ [الأنعام:113]، أي: تميل أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ [الأنعام:113]، وهم المشركون العادلون بربهم الأصنام والأحجار، وَلِيَرْضَوْهُ [الأنعام:113]، ويقتنعوا به؛ لأنه مموه مزين لهم، ونتيجة لذلك التغرير والميل إليه وهو باطل والرضا به والإقناع بفائدته فهم لذلك يقترفون من أنواع الكفر وضروب الشرك والمعاصي والإجرام ما يقترفون ]، متأثرين بذلك التغرير والباطل.
أولاً: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن أبداً ]، هل هناك من ينقض هذه؟ ما شاء الله كان من الإيمان أو الكفر، من الخير أو الشر، من الهداية أو الضلال، ما شاءه الله كان وما لم يشأه -والله- لا يكون.
قال: [ وبهذا تقررت ربوبيته وألوهيته للأولين والآخرين ]، ما دام أن ما يشاؤه يكون وما لم يشأه لا يكون فبهذا تقررت ألوهيته للخليقة كلها، وربوبيته للأولين والآخرين.
[ ثانياً: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وكل داع إلى الله تعالى بإعلامه أنه ما من نبي ولا داع إلا وله أعداء من الجن والإنس يحاربونه حتى ينصره الله عليهم.
ثالثاً: التحذير من التمويه والتغرير، فإن أمضى سلاح للشياطين هو التزيين والتغرير ]، وهذا تعرفونه من كلام المضللين.
[ رابعاً: القلوب الفارغة من الإيمان بالله ووعده وعيده في الدار الآخرة أكثر القلوب ميلاً إلى الباطل والشر والفساد ]، من جاء مدينة أهلها كفار يستطيع أن ينشر الباطل والفساد بكل سهولة، وإذا جاء إلى مدينة أهلها أتقياء هل يستجيبون له؟ لا يستجيبون، يبقى عشرين سنة يعمل فلا ينجح، لكن إذا كانت القلوب فارغة من الإيمان بالله ولقائه فإنها تتحول وتتبدل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأنعام (33) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net