اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأنعام (27) للشيخ : أبوبكر الجزائري
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن نستمع إلى آياتنا التي نتدارسها مرتلة مجودة أولاً، ثم نشرح ونبين مراد الله تعالى لنا منها.
مداخلة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:93-94].
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام:93] أولاً، أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام:93]، يقول: أوحى الله إلي بكذا وكذا، وأنا نبي الله، وهذه الدعوى وجدت على عهد رسول الله في آخر حياته، فادعى كثيرون النبوة والرسالة على رأسهم مسيلمة الكذاب، والأسود وفلان وفلان، وهي قائمة وباقية.
ما هناك أظلم ممن يدعي النبوة ويقول: إني يوحى إلي وأُعلَّم من طريق الله بما لم يُعَلِّمه الله، فأغلق الله تعالى هذا الباب، باب الدخول بدعوى أني نبي أو فلان يوحى إليه، هذا الباب مغلق، فإنه من أعظم الأبواب؛ إذ هو افتراء على الله وكذب للتضليل وإفساد البشرية.
وَمَنْ أَظْلَمُ [الأنعام:93] أي: لا أحد، فالاستفهام للنفي، مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام:93] فكذب على الله وقال: أمرني، أعطاني، أوحى إلي. أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام:93].
ثالثاً: وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ [الأنعام:93] هذه مثلها.
فهذه ثلاثة افتراءات كلها شر، ولا يرضى ذو عقل لنفسه أن يتصف بواحدة منها.
إذاً: فكيف يردون على رسول الله دعواه النبوة والرسالة وأن القرآن ينزل عليه؟ لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما أوحي إليه ولا أرسل لما كان سيجرؤ على أن يقول هذا، وهذا جزاء المفترين على الله الكاذبين عليه.
هكذا يقول تعالى: وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ [الأنعام:93]، النضر بن الحارث قال: نستطيع أن نأتي بمثل هذا القرآن، ولو شئنا لأتينا بمثله، وكلها ادعاءات باطلة وافتراءات مردودة، والله لا يستطيع أحد أن يأتي بآية واحدة، وتحداهم الله أن يأتوا بآية فما استطاعوا؛ إذ قال تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23].
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ [الأنعام:93] المشركون، المفترون على الله، الكاذبون عليه، المدعون النبوة، المدعون الوحي.. وما إلى ذلك، هؤلاء الظالمون لأنفسهم لو تراهم وهم فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ [الأنعام:93]، والغمرات: جمع غمرة، غمره الماء: غطاه، غمره الحزن والكرب: غشيه وغطاه، غمرات الموت لا تعرفها إلا إذا حضرت من هو في سكرات الموت، لما تتجلى لك تلك الغمرة، يفيق لحظة ويغمى عليه لحظات.
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ [الأنعام:93] حولهم، ملك الموت وأعوانه بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93] لضربهم، ولو ترى لرأيت أمراً فظيعاً فيغمى عليك وما تقوى على أن تشاهده، والملائكة المراد بهم هنا: ملك الموت وأعوانه.
بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93] بالضرب على وجوههم، أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ [الأنعام:93]، والروح إذا شاهدت ملك الموت وكانت في الحلقوم ترجع إلى الأقدام، وتعود إلى كل جزء من أجزاء الجسم خوفاً من ملك الموت، وهذا ليس من باب التهويل، والله إنه لهو الواقع، هذا جزاء الظالمين، لو رأيت لرأيت أمراً عجباً وحالة أفظع.
قال تعالى: بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ كنسبة الولد إلى الله وكنسبة الزوجة إليه تعالى، أليس هذا ظلماً؟ بلى. فالذي ينسب إليه مخلوقاً من مخلوقاته ويقول: هذا شريكه.. هذا شفيع عند الله أما كذب على الله؟ كالذي يدعي الوحي وأنه يوحى إليه، فهو كاذب على الله.
بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ [الأنعام:93] أولاً، وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93]، آيات الله القرآنية التي تحمل شرائعه، كانوا إذا سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ يتكبرون، إذا قيل لهم: قال الله كذا يتكبرون ويستكبرون، ولا يذعنون ولا يقبلون الحق، ولا يريدونه.
كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] ومعنى هذا أنهم حفاة عراة، وفي الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تحشرون حفاة عراة غرلاً. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذاك )، ماله أبداً قلب لينظر إلى العورة.
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ [الأنعام:94] ما أعطيناكم، ما وهبناكم، ما رزقناكم من الذرية والمال وما إلى ذلك، تركتم ذلك وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94] في الدنيا.
أين المال؟ أين الرجال؟ أين الجيوش؟ أين الأولياء والأنصار؟
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ [الأنعام:94] ماذا؟ ما أعطيناكم في الدنيا وراء ظهوركم.
ثانياً: وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ [الأنعام:94]، أين الذين كنتم تؤلهونهم، تستغيثون بهم، تدعون أنهم يشفعون لكم؟ هاتوهم، والله لا أحد، ومن يقوى على أن يقول: أنا قلت له: أشفع لك؟ لا يقدر على هذا أحد، وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ [الأنعام:94] لله عز وجل فتعبدونهم بعبادة الله، إما بالذبح، وإما بالنذر، وإما بالعكوف حول قبورهم أو تماثيلهم.
لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام:94] البين الذي كان يربطكم تمزق، وما بقي، والبين: الذي يربط بين الشيئين كمن بيني وبينه أخوة، مصاهرة، مواطنة.. هذا البين كان بينك وبين هذا الصنم لأنك تعبده وتقول: يشفع لي، أو بينك وبين هذا الولي أو هذا النبي، تقطع ذلك الوصل نهائياً.
وَضَلَّ عَنكُمْ [الأنعام:94] وغاب ما كنتم تزعمونه في الدنيا من أنهم شركاء وأنهم يشفعون، وأنهم.. وأنهم.. من تلك الترهات والأباطيل،كلها ضلت، ما يستطيع أحد أن يقول كلمة بين يدي الله: هذا كان لي شفيعاً، أو كنت أعتقد شفاعته.
إذاً: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93] لا تذعنون ولا تخضعون ولا تطبقون حكماً من أحكام الله ولا طريقاً من طرائقه، حملهم على ذلك الكبر.
وقالوا لهم: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] حفاة عراة أم لا؟ أم يخرج الإنسان وعنده سروال أو عمامة؟ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94]، أي: في الدنيا التي فنيت وذهبت، وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ [الأنعام:94] لله يشفعون لكم عند الله، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام:94] انفصلت تلك الصلة، وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94] من أن لكم شفعاء وشركاء، وأنكم أولياء وما إلى ذلك.
وخلاصة ذلك أن الذين يعرضون عن كتاب الله وما فيه، وعن سنن رسول الله وما بين، وعما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ويخترع اختراعات ويدعي ادعاءات، منها أن هذه من شأن العوام، أما نحن الربانيون أولياء الله فنتلقى المعارف من الله، صفت قلوبنا وطهرت وذهب الغين والرين، وأصبحنا نتلقى المعرفة عن الله عز وجل!
وهذا حدث والله العظيم، واستغلوا العوام هكذا واستعبدوهم، وتركوا الصلاة وفجروا بالنساء بدعوى أن مستواهم أرقى وأعلى من مستوى العوام، وأن الذي تشاهدونه أنتم ليس كما ترون، ويقول أحدهم: أخبرني قلبي عن ربي! أخبرني قلبي عن ربي أنه يحب كذا وكذا، أو يكره كذا وكذا من غير محاب الله ومكارهه! وهؤلاء هم غلاة المتصوفة.
فالقرطبي قال: أمثال هؤلاء لا يستتابون، بل يقتلون، ولا تقبل لهم توبة؛ لأنهم وقفوا موقف من قال: أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، ومن قال: أنزل الله والله ما أنزل، ذلك الموقف هو الذي وقفوه.
والحمد لله فهذا النوع من البشر انتهى، وقد يوجد هنا وهناك بقلة مغمورين بين الناس، والذي نريده أنا لا نقول على الله كلمة لم يقلها، لا نحل ولا نحرم إلا ما أحل الله وحرم، لا نشرع ولا نقنن إلا ما شرع الله وقننه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد عرفتم جزاء المفترين على الله والكاذبين عليه.
قال الشيخ غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ مازال السياق مع المشركين والمفترين الكاذبين على الله تعالى باتخاذ الأنداد والشركاء، فقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام:93] بأن أدَّعى أن الله نبأه وأنه نبيه ورسوله، كما ادعى سعد بن أبي سرح بمكة ومسيلمة في بني حنيفة بنجد والعنسي باليمن] هؤلاء ادعوا النبوات [اللهم لا أحد هو أظلم منه وممن قال أوحي إلي شيء من عند الله ولم يوح إليه شيء وممن قال: سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ من الوحي والقرآن]، كالذي يقوله الصوفي: حدثني قلبي عن ربي؛ لأن قلبي طاهر صاف يتجلى في حقائقه الله عز وجل أو محاب الله ومكارهه.
[ ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَلَوْ تَرَى [الأنعام:93] يا رسولنا إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ [الأنعام:93] أي: في شدائد سكرات الموت، وَالْمَلائِكَةُ [الأنعام:93] ملك الموت وأعوانه بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93] بالضرب وإخراج الروح، وهم يقولون لأولئك المحتضرين تعجيزاً وتحدياً لهم: أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ [الأنعام:93] بسبب استكباركم في الأرض بغير الحق؛ إذ الحامل للعذرة] الخرء [وأصله نطفة مذرة، ونهايته جيفة قذرة، استكباره في الأرض حقاً إنه استكبار باطل لا يصح من فاعله بحال من الأحوال ].
أقول: قالوا لهم: بسبب استكباركم في الأرض. لماذا يستكبر الإنسان في الأرض؟ نسي أصله وأنه حامل العذرة في بطنه؟ أصله نطفة مذرة وسخة، ونهايته جيفة منتنة في المقبرة، كيف يستكبر هذا؟ من أين جاء حتى يستكبر؟ إنه استكبار ما هو بمتأهل له، ما له حق في أن يستكبر أبداً وهو يحمل العذرة، ومنشؤه من نطفة مذرة ونهايته جيفة قذرة! كيف يستكبر هذا؟ من أين جاء الحق الذي يستكبر به؟
قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الآية الثانية: فإن الله تعالى يخبر عن حال المشركين المستكبرين يوم القيامة حيث يقول لهم: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى [الأنعام:94] أي: واحداً واحداً كَمَا خَلَقْنَاكُمْ [الأنعام:94] حفاة عراة غرلاً، وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ [الأنعام:94] أي: ما وهبناكم من مال وولد وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94] أي: في دار الدنيا، وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ [الأنعام:94] وأنتم كاذبون في زعمكم مبطلون في اعتقادكم، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام:94]، أي: انحل حبل الولاء بينكم، وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94] أي: ما كنتم تكذبون به في الدنيا ] من أنواع الأباطيل والأكاذيب.
[ أولاً: قبح الكذب على الله تعالى في أي شكل، وأن صاحبه لا أظلم منه قط ].
الكذب على الله قبيح وبأي شكل، سواء قال: أحل الله، أو حرم، أو قال: أسماء الله كذا يكذب على الله، أو صفة الله كذا، كل ما ينسبه إلى الله والله منه بريء فهو من أقبح أنواع الظلم؛ لأنهم توصلوا إلى استعباد الأمم وعبادتهم بهذه الطريقة، يدعون كذا وكذا يكذبون على الله.
[ ثانياً: تقرير عذاب القبر ]، من أين أخذنا تقرير عذاب القبر؟ من قوله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ [الأنعام:93].
[ تقرير عذاب القبر، وسكرات الموت وشدتها، وفي الحديث: ( إن للموت سكرات )]، فما هي بسكرة واحدة.
[ ثالثاً: قبح الاستكبار وعظم جرمه ]، فجريمة الاستكبار هل هي عظيمة أم لا؟ لا أعظم منها بدليل الآيات.
[ رابعاً: تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا ].
فهاتان الآيتان قررتا هذه، قررتا عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا، كيف دلت الآية عليه؟ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94].
[ خامساً: انعدام الشفعاء يوم القيامة إلا ما قضت السنة الصحيحة من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء والشهداء بشروط، هي: أن يأذن الله للشافع ] أولاً [ أن يشفع، وأن يرضى عن المشفوع له ].
هذان الشرطان لا ننساهما، والله لا يشفع أحد يوم القيامة لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عالم ولا صالح إلا بعد إذن الله تعالى له، وقبل أن يأذن الله مستحيل أن يشفع واحد، قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26] عن المشفوع له، وإن فرضنا أن عالماً أو نبياً أو ولياً أراد أن يشفع لك، فحينئذ هل هذا الذي تشفع له رضي الله عنه أو سخط، فإن لم يرض الله عنه فوالله ما تنفعه شفاعة، تدخله الجنة والله غير راض عنه؟ فلا بد من هذين الحقيقتين:
أولاً: إذن الله لمن أراد أن يشفع.
ثانياً: أن يكون الله راضياً عن هذا المشفوع له حتى يسمح له بدخول الجنة.
ودلت على هذا آية النجم: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ أولاً، وَيَرْضَى [النجم:26].
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأنعام (27) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net