اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة البقرة (122) للشيخ : أبوبكر الجزائري
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء يا ربنا ورب العالمين.
وها نحن مع هاتين الآيتين الكريمتين من سورة البقرة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:256-257].
قبل دراستنا لهاتين الآيتين نقرأ هداية الآية الكريمة التي هي آية الكرسي.
[ هداية الآية الكريمة:
من هداية الآية:
أولاً: أنها أعظم آية في كتاب الله تعالى ]، ولا تتردد في هذا، فهي أعظم آية في كتاب الله عز وجل، [ وقد اشتملت على ثمانية عشر اسماً لله تعالى ما بين ظاهر ومضمر ]، آية واحدة اشتملت على ثمانية عشر اسماً من أسماء الله تعالى، بعضها مضمر وبعضها ظاهر، [ وكلماتها خمسون كلمة، وجملها عشر جمل كلها ناطقة بربوبيته تعالى وبألوهيته وبأسمائه وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه.
ثانياً: تستحب قراءتها بعد الصلاة المكتوبة، وعند النوم، وفي البيوت لطرد الشيطان ].
تستحب قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة، وهي الصلوات الخمس، وعند النوم، وفي البيوت، فحين تدخل بيتك اقرأ آية الكرسي فتطرد الشياطين من بيتك، ولن تستطيع بعد قراءتها لطرد الشياطين أن تفتح الفيديو وتشاهد العاهرات يغنين، ما تقوى على هذا، ما تستطيع ما دمت تريد أن تطهر بيتك من الشياطين فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] ترفع صوتك وأنت في بيتك فما يبقى مجال للشياطين أن يدفعوك إلى أن تشاهد عواهر النساء وظلمة الرجال وكفارهم.
إذاً: الحمد لله الذي رزقنا هذا النور وجعلنا من أهل آية الكرسي نتلوها دبر الصلوات الخمس، وعند النوم، ونتلوها في البيوت، فالحمد لله.
قال تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]
هذا خبر ومعناه: الإنشاء، أي: لا تكرهوا أحداً على الدخول في الدين، كقوله: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233]، خبر ولكن معناه الإنشاء، أي: على الوالدات أن يرضعن أولادهن، جملة خبرية ومعناها إنشائي.
لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]؛ إذ أنزل الله كتابه ورسوله ونصر دينه وأولياءه وطلعت الشمس واتضح النهار وعرف الحق، إذاً: فما هناك حاجة إلى الإكراه، فالذي يتأمل أصول هذا الدين وفروعه وشرائعه وما يحويه من الهدى والنور يدخل في الإسلام بدون عصا أو كرباج كما يقولون.
الجمهور على أن هذا خاص بأهل الذمة اليهود والنصارى أهل الكتاب، وقد علمتم يقيناً أنه يوجد يهود أو نصارى في بلاد المسلمين ولا يكرهون على الدخول في الإسلام، ولا يؤمرون بصلاة ولا زكاة ولا غسل من جنابة، ولا يسمح لهم بأن يرابطوا في ثغورنا ولا أن يحملوا السلاح معنا؛ لأنهم كالأموات لا قيمة لهم، ميت وتقول له: صل! أين يذهب بعقلك؟ ميت تقول له: زك، لماذا يزكي؟ نفسه خبيثة منتنة بأوضار الشرك والكفر، ما يزكيها شيء ولو أنفق ماله كله.
وأما المشركون الكافرون فالجمهور على أنهم يقاتلون حتى يدخلوا في الإسلام، ومالك رحمه الله يرى أنهم لا يلجئون إلى الدخول في الإسلام بالقوة، وقد يؤخذ برأي مالك في بعض الظروف، وهذا خارج الجزيرة، أما قبة الإسلام وبيضته هذه الديار فلا يجتمع فيها دينان ولا يبقى فيها مشرك ولا كافر، وإليكم نص الآية الكريمة التي يفهم منها هذا: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:1-3]، إذاً: أعطاهم فرصة أربعة أشهر: اذهبوا إلى الشرق إلى الغرب أو ادخلوا في الإسلام، فإذا انقضت الأشهر الأربعة وجب قتالكم، أو تدخلون في الإسلام، إذ قال تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]؛ لأن وفاة الرسول أصبحت على الأبواب قريبة جداً، هذه السورة من آخر ما نزل.
إذاً: ولا يموت الرسول صلى الله عليه وسلم وفي دار الإسلام كفر وشرك وكافرون ومشركون، أما خارج الجزيرة فالأمر واسع، فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ [التوبة:5]، أعطاهم مدة أربعة أشهر، يلتحق بالأحباش.. يلتحق بفارس.. يلتحق بالروم، يدخل في الإسلام، أما أن يبقى كافراً في دار الإسلام فلا، ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب )؛ لأنها قبة الإسلام وبيضته.
ولهذا مثل: بركة أو بحيرة ماء حين تلقي فيها حجراً تنفتح فيها دائرة وتأخذ في الاتساع حتى تصل إلى أطراف ذلك الحوض أو البركة، فهذا النور الإلهي وهذه الرحمة الربانية لا تحرمها البشرية، ومن أجلهم نزلت لأنهم عبيد الله، فلا يصح أبداً أن نتركهم تعبث بهم الشياطين من عقول هابطة وأفكار فاسدة بالظلم والخبث والشر والفساد، ومصيرهم بعد هذا البلاء والشقاء إلى عالم الخلد في عذاب الله أبداً، فرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما جاءت إلا لإنقاذ البشرية.
إذاً: كلما دخل إقليم في الإسلام فحدودنا وراءه، سنعسكر سواء غزونا من طريق البر أو البحر، نعسكر ونراسل أهل الإقليم: تدخلون في الإسلام فتنقذون أنفسكم من الشقاء والبلاء والفتن والهون والدون والظلم والخبث والشر والفساد، وتنقذون أنفسكم من عذاب النار يوم القيامة، فإن قالوا: مرحباً وأهلاً وسهلاً؛ دخل رجالنا ووضعوا محاكم وأخذوا يعلمون ويهدون تلك الأمة، وتمر فترة من الزمن وكلهم أولياء الله، لا كذب.. لا خيانة.. لا خمر.. لا زنا.. لا فجور، كالملائكة.
فإن رفضوا نقول لهم: لتسمحوا لنا أن ندخل، نحن نتكلم مع الملك أو الحاكم وجيشه، والأمة المسكينة ما ذنبها، فاسمحوا لنا أن ندخل لتعليم هذه البشرية سبيل نجاتها وسلم كمالها ورقيها، فإن قالوا: لا بأس؛ دخلنا وأخذنا نعلم ونربي ونوجه، ما هي إلا أيام -ولا أقول: أعوام- وإذا بالناس يدخلون في رحمة الله أفواجاً؛ لما يشاهدون من الطهر والصفاء والكمال البشري الذي ما كانوا يحلمون به؛ لأن حاملي هذه الرسالة كالملائكة في صفاء أرواحهم وفي تهذيب نفوسهم وزكاة آدابهم، بالنظر إليهم يجذبونك فتقتدي بهم، ما هي إلا فترة وقد دخلوا في الإسلام.
فإن رفضوا فالثالثة: القتال حتى يدخلهم الله في رحمته، فتستقبل الجيوش الجيوش كرة وكرتين ويومين وثلاثة شهر حتى ينهزم الكفر والكافرون ويدخل المؤمنون بصلاتهم بأنوارهم بكلامهم الطيب بعدلهم برحمتهم فيتدفق الناس على الإسلام ويدخلون فيه.
فلما غزونا أفريقيا والأندلس والشام والعراق هل هناك من أجبر على الإسلام بالعصا؟ والله! لا أحد أبداً، بل كان ينهزم الجيش الكافر فيدخل المسلمون فيشاهد الناس صلاتهم واستقامتهم وابتساماتهم فيدخلون في رحمة الله، فما لهم الآن لا يدخلون؟ لأنهم ما شاهدوا أنوار الإسلام، لو شاهدوا الطهر والصفاء والرحمة والمودة والإخاء في العالم الإسلامي؛ حيث أمرهم واحد على لا إله إلا الله، وغايتهم واحدة؛ لتدفقوا في بلاد الإسلام ودخلوا في رحمة الله، ولكن -مع الأسف- هم الذين مزقونا وفرقونا وشتتونا وأقعدونا عن الكمال ليحرموا هم أيضاً ويدخلوا جهنم، أيديهم هي التي فعلت بالمسلمين هذا حتى يحرموا من رحمة الله ويعيشوا على الخبث والدمار، وفي النهاية إلى مصير العياذ بالله منه.
الجمهور على ذلك، ومالك يقول: نعاملهم معاملة أهل الكتاب. وهذا قد يستفاد منه في ظروف خاصة حيث يعجز المسلمون حين تحدث أحداث فيأخذون بهذه الفتيا.
فلا إكراه في الدين، ومن ارتد من المسلمين فإنه يستتاب ثلاثة أيام، يقال له: ترجع إلى دين الله أم لا؟ فإن رفض قتل كافراً ولا يحل بقاؤه بيننا أبداً، لا يقاس على اليهودي والنصراني؛ لأنه أسلم وارتد، إذاً: جزاؤه القتل، ولكن يطلب منه الرجوع والندم والعودة ثلاثة أيام متتالية، يحضر في المحكمة ويبقى هناك محبوساً، فإن أصر على ردته وخروجه من الإسلام وتنصر أو تهود أو تبلشف فإنه يقتل بحكم الله عز وجل وقضائه.
لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]، الرشد: الهدى والنور بنزول الكتاب وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تبين الغي وعرف الشرك والجهل والظلم والخبث، اتضح هذا وهذا، فلا معنى إذاً للإكراه على الدين.
لفظ الطاغوت والطاغية والطاغي من: طغى الشيء: إذا ارتفع، فالصنم يعبد، ارتفع وطغى وأصبح إلهاً يعبد، والرجل يعبد ويقدسه الناس ويعبدونه حيث ارتفع وطغى، أصبح كالإله إذاً، فلهذا كل ما عبد ويعبد من دون الله سمه طاغوتاً من الطغيان، وهو الارتفاع والتكبر والعلو، إذاً: كل ما عبد من دون الله من سائر الألهة والأهواء هو طاغوت.
إذاً: عباد الله، أيها الناس! اعلموا أن من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فيقول: لا إله ثم يقول: إلا الله، يقول: (لا إله حق) فيحطم كل الآلهة الباطلة، ثم يقول: (إلا الله)، كفر بالطاغوت ثم آمن بالله؛ ولهذا يقول الحكماء: التخلية تجب قبل التحلية، أنت عليك أوساخ في بدنك من عملك، فلا تأتي وتلبس ثيابك الجميلة وتتضمخ بالطيب وعليك الأوساخ، خطأ هذا ما ينفعك، أولاً: اغسل بدنك بالماء والسدر والصابون، وحين يطهر جسمك وينظف البس الثياب النظيفة وتطيب بالطيب، أما وعليك أوساخ وتلبس فما ينفع.
إذاً: تخل أولاً عن الأوساخ والأدناس وتطيب بعد ذلك بالطيب، أولاً: اكفر بكل الآلهة الباطلة وقل: (لا إله) أعترف به أبداً، ثم قل: (إلا الله) فذلك إلهي الحق الذي أذل له وأخضع وأعبده بما أمرني أن أعبد، هذا معنى: التخلية قبل التحلية، تخل عن المسكرات وبعد ذلك خذ الأوراد والأذكار، أما وأنت قائم على المعاصي وتقول: أعطوني ورداً أذكر الله به فما ينفع، فالتخلية قبل التحلية؛ لأن الله تعالى قال وقوله الحق: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ [البقرة:256] أولاً وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة:256] ثانياً؛ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، والعروة معروفة، واستمسك بها: أمسكها، فلن يسقط أبداً في النار.
إذاً: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256] التي لا تنحل ولا تسقط يا عبد الله منها، لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ [البقرة:256] لأقوال عباده، عَلِيمٌ [البقرة:256] بأحوالهم وأمورهم، فليخش وليتق، ولنؤمن بهداية الله لمن شاء هدايته، وإضلال الله لمن شاء إضلاله لواسع علمه وقدرته ولسمعه لكل أشياء الكون، فلا يخفى عليه شيء.
وأما أهل الديار المشركة التي ليست ديار أهل كتاب فالجمهور على أنهم يدعون إلى الدخول في الإسلام أو يقاتلون حتى يسلموا.
وهل عرفتم ما الطاغوت؟ مأخوذ من الطغيان، أما قال تعالى: لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11]؟ أي: ارتفع، فكل ما عبده الخلق من دون الله يقال فيه: طاغوت، والذي يعبد ورضي بأن يعبدوه هو طاغوت، إلا إذا أنكر عليهم ولم يقبل منهم ذلك.
إذاً: من يكفر بالطاغوت أولاً فيقول: لا أؤمن بغير الله، لا أعترف بمعبود سوى الله، لا أقر أبداً أحداً على عبادة غير الله، هذا أولاً، ثم يعبد الله، أما أن يقول: أنا لا أعترف بعبادة كائن من كان إلا الله ثم لا يعبد الله؛ فما تمسك بالعروة، ما وصل إليها حتى يحقق معنى: لا إله إلا الله، لا بد أن ينفي وجود إله مع الله يعبد معه، ويعبد الله عز وجل، ولو قال: لا إله إلا الله ولم يعبد الله فهل تنفعه هذه الكلمة؟ ما تنفعه، هو كاذب كاذب كاذب.
إذاً: التخلية قبل التحلية، تبرأ من كل معبود سوى الله، لا تعترف بعبادة كائن من كان إلا الله عز وجل فاعبده.
الله جل جلاله ولي الذين آمنوا، الذين آمنوا بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، آمنوا بلقاء الله والوقوف بين يديه للاستنطاق والاستجواب والحساب والجزاء، آمنوا بوحيه وشرعه، هؤلاء المؤمنون الله وليهم، والولاية تتحقق بشيئين: الإيمان والتقوى، وهنا ما ذكرت التقوى؛ لأنها لازمت الإيمان، والله! ما آمن عبد حق الإيمان إلا اتقى الله عز وجل، لا تتصور أن عبداً عرف الله وآمن بجلاله وكماله ثم يعيش على معصيته وعبادة غيره.
من هؤلاء؟ هل هم بنو هاشم .. بنو تميم .. البيض .. السود؟ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، والاستقامة هي أداء الواجبات والتخلي عن المحرمات، وامش في طريقك إلى دار السلام، وسر هذا معلوم، لأن العبادات تزكي النفوس وتطهرها، والبعد عن مدسيات النفس من الشرك والذنوب والمعاصي يبقي ذلك الصفاء وذلك الطهر للروح البشرية، فإذا جاءت الملائكة تقبضها تجدها طاهرة كأرواحهم، فيعرجون بها إلى الملكوت الأعلى وتفتح لها أبواب السماء، أما إذا كانت مظلمة منتنة متعفنة كأرواح الكافرين والشياطين فهذه الأرواح مستحيل أن تدخل الجنة، واقرءوا آية سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، من يدخل البعير في عين الإبرة؟ مستحيل، كذلك مستحيل على أصحاب الأرواح الخبيثة أن يدخلوا دار السلام الطاهرة، هذا حكم الله.
يقول تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257] يخرجهم من ظلمات الكفر والشرك والجهل إلى نور الإيمان والعلم والمعرفة، أيما مؤمن آمن بصدق واتقى الله عز وجل أصبح عالماً ربانياً.
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] من الشكوك والأوهام والهواجس والخواطر السيئة والمسالك المنتنة والفكر الهابط، كل هذه يخرجهم منها إلى نور اليقين، نور العلم.
الطاغوت، والطاغوت هنا هو الأكبر وهو الشيطان، الشيطان هو أعظم طاغوت؛ لأنه هو الذي عبد من دون الله عبادة حقيقية، إذ كل من عبد كوكباً.. شجراً.. حجراً.. فرجاً هو في الحقيقة عابد للشيطان، إذ الشيطان هو الذي سول ذلك وحسنه ودفعه إليه، أما هذا الذي عبد عبد القادر فهل قال له: اعبدوني؟ والذي قال: هذه شاة سيدي عبد القادر هل الشيخ عبد القادر أمرهم بهذا؟ من أمر بهذا؟ الشيطان هو الذي عُبد.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر، من نور العلم إلى ظلمات الجهل؛ لأن الكافر أجهل الخلق، لو كان يعلم لعرف من خلقه، ومن دبر حياته، ومن قاده ويقوده إلى مصيره.
والخاتم الأخير: أُوْلَئِكَ [البقرة:257] البعداء، أولئك أولياء الطاغوت أهل الكفر والشرك والجهل أَصْحَابُ النَّارِ [البقرة:257] لا يفارقونها ولا تفارقهم أبداً، وصاحبك هو الذي يلازمك أم لا؟ فمن أصحاب النار الذين لا تفارقهم ولا يفارقونها؟ أهل الشرك والكفر والعياذ بالله، أولياء الشيطان.
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ [البقرة:257] لا سواهم فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]، والله! لا نهاية أبداً، خلود أبدي.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
أولاً: لا يكره أهل الكتابين ومن في حكمهم كالمجوس والصابئة ]، لا يكرهون [ على الدخول في الإسلام إلا باختيارهم، وتقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم.
ثانياً: الإسلام كله رشد وما عداه ] كله [ ضلال ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ [البقرة:256] وطلعت شموسه بالكتاب والنبي المرسل والشريعة القائمة، تبين الرشد من الغي، فالإسلام كله رشد، وما عدا الإسلام ضلال من يهودية أو نصرانية أو بوذية أو صابئة، قل ما شئت من الملل الهابطة، فكله -والله- ضلال لا رشد فيه؛ لأنه لا يزكي النفس ولا يعد صاحبه للجنة؛ لأنه لا يطهر الأرواح والقلوب والعقول أبداً، فالكفار هابطون كالحيوانات.
[ ثالثاً: التخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل.
[ رابعاً: معنى لا إله إلا الله وهي الإيمان بالله والكفر بالطاغوت ]، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، هذا معنى لا إله إلا الله.
رابعاً: ولاية الله تعالى تنال ] بماذا؟ هل بالحسب والنسب.. بالبطولات.. بالشجاعات؟ تنال ولاية الله بشيئين: [ بالإيمان والتقوى ].
ما هي التقوى يا أبناء الإسلام ورجالاته؟ التقوى: فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، بذلك نتقي غضب الله أولاً ثم عذابه ثانياً، ما هناك حصون ولا أسوار ولا جيوش نتقي بها عذاب الله أبداً، ما يتقى إلا بطاعته.
هل يستطيع من تحت السماء أن يتقي الله وهو لا يعرف ما أمر الله به ولا نهى عنه؟ مستحيل، لا يمكنك يا عاقل أن تتقي الله إلا إذا عرفت بم تتقيه.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة البقرة (122) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net