اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (201) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها عقائد وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وهو جامع لأهل السنة والجماعة فلا مذهبية ولا فرقة أبداً، وها نحن قد انتهى بنا الدرس إلى [المادة الرابعة: في حد السرقة].
إذاً: السرقة هي أخذ المال المحروز -المصون المصان- على وجه الاختفاء، لا القوة والظهور والعلنية، كأن يدخل أحد دكاناً أو منزلاً فيأخذ منه ثياباً أو حباً أو ذهباً ونحو ذلك، هذه هي السرقة، والله يقول: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38].
[وقال صلى الله عليه وسلم في بيان أنها حد من حدود الله] كحد الزنا وما إلى ذلك [يقام على كل أحد] على الكبير والصغير [( والذي نفسي بيده لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها )] والذي نفس محمد بيده، أي: الله عز وجل، لو سرقت فاطمة ابنته -بنت محمد- لقطع يدها.
إما باعتراف السارق الصريح بأنه سرق، اعترافاً لم يلجأ إليه إلجاء بضرب] تثبت السرقة باعتراف السارق بنفسه أنه سرق ولم يضطر إلى أن يعترف بها لضرب أو تهديد أبداً وإنما اعتراف من نفسه، هذا أولاً [وإما بشهادة عدلين يشهدان أنه سرق].
إذاً: تثبت السرقة باعتراف السارق الصريح الواضح بأنه سرق؛ اعترافاً لم يلجأ إليه إلجاءً بضرب أو تهديد إنما بدون خوف، وإما بشهادة عدلين من المؤمنين يشهدوا أنه سرق وإن أنكر هو وكذب.
[وإن رجع في اعترافه] من اعترف أولاً ثم قال: أنا كاذب لم أسرق [فلا تقطع يده، وإنما عليه ضمان المسروق فقط] من اعترف ولم تقطع يده وما زال لم يرفع أمره إلى المحكمة ثم أنكر بعد ذلك عليه ضمان المسروق فقط.
[إذ قد يستحب أن يلقن الإنكار تلقيناً؛ حفاظاً على يد المسلم] لا بأس أن يلقن السارق الإنكار؛ حتى لا تقطع يد المؤمن، فإن قال: أنا لم أسرق، فلا بد وأن يضمن المسروق كيفما كان، أي: يدفع المسروق نقداً أو عيناً.
والدليل: [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم )] و(ادرءوا) أي: ادفعوا الحدود بالشبهات ما استطعتم، فلو عرفت أن صديقك أو أخوك سرق فقل له: لا تقل سرقت!. حتى لا تقطع يده، وهذا قبل أن يرفع أمره إلى المحكمة والقاضي، أما إذا رفع أمره فلم يبق من يقول ولو قالوا كلهم لا يُصدقون.
[أولاً: أن يكون السارق مكلفاً، عاقلاً، بالغاً] أما الصبي والمجنون فلا [لحديث: ( رفع القلم عن ثلاثة ) ومن بينهم المجنون والصبي].
ثانياً: [أن لا يكون السارقُ والداً لصاحب المال المسروق] فإذا سرق الوالد مال ولده لا تقطع يده [ولا ولداً له] والولد إذا سرق مال والده لا تقطع يده كذلك [ولا زوجاً أو زوجة] حتى الزوجة إذا سرقت من زوجها لا تقطع يدها، أو إذا سرق الزوج مال زوجته كذلك [لما لكل منهما على الآخر من حقوق في ماله] أليس الوالد وارث والولد وارث والزوجة ترث والزوج يرث؟! فلذلك لا تقطع اليد.
[ثالثاً: أن لا يكون للسارق شبهة ملك في المال المسروق بأي أوجه الشبه، كمن سرق رهنه من المرتهن عنده، أو أجرته من المستأجر عنده] هذه شبهة لا تقطع بها يد.
[رابعاً: أن يكون المسروق مالاً مباحاً لا خمراً أو مزماراً مثلاً] أن يكون المسروق مباحاً استعماله فإن كان خمراً فلا أو مزماراً وما إلى ذلك [وأن يكون بالغاً ربع دينار في القيمة] أما ما كان أقل من ربع دينار فلا تقطع فيه يد السارق أبداً [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعداً )] أي: لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوق.
[خامساً: أن يكون المال المسروق في حرز كدار، أو دكان، أو حظيرة، أو صندوق، ونحو ذلك مما يعتبر حرزاً] أما إذا كان المال في غير حرز فليست هذه سرقة، فالسرقة أن يؤخذ المال من مكان محروز كدار أو دكان أو حظيرة للغنم -مثلاً- أو صندوق ونحو ذلك مما يعتبر حرزاً محروزاً.
[سادساً: أن لا يؤخذ المال على وجه الخلسة وهي أن يختطف الشيء من بين يدي صاحبه ويفر به هارباً] من اختلس من بين يديك شيئاً وهرب منك لا تقطع يده؛ لأن هذا ليس بسرقة، ولكن يرجع المال منه بأن يقبض عليه ويؤخذ منه المال فقط ولا تقطع يده.
[أو الغصب وهو الأخذ على وجه الغلبة والقهر] كمن دخل على عائلة بالسلاح فأخذ الأموال وقتل [ولا على وجه الانتهاب وهو الأخذ على وجه الغنيمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلف قطع )] ولكن يعزر ويؤخذ منه المال ولا تقطع يده.
[أولاً: ضمان المال المسروق إن كان بيده، أو كان موسراً] من كان عنده مال وهذا المال الذي سرقه ضاع، وهو موسر ليس بفقير فإنه يؤخذ منه [وإن تلف المال المسروق فهو في ذمته لمن سرقه منه].
[ثانياً: القطع كحق لله تعالى؛ إذ الحدود محارم الله تعالى، وإذ لم يجب القطع لعدم توفر شروطه فضمان المال لازم لصاحبه قليلاً كان أو كثيراً، وسواء كان السارق موسراً أو معسراً] القطع حق لله تعالى؛ إذ الحدود محارم الله تعالى وإذا لم يجب القطع لعدم توفر الشروط، أو أنه ما اعترف بنفسه ولا شهد شاهدين عدلين على السرقة، فضمان المال لازم لصاحبه قليلاً كان أو كثيراً، وسواء كان السارق موسراً أو معسراً.
إذاً: كيف تقطع يد السارق وما هي يده؟
تقطع كف السارق اليمنى التي سرق بها من مفصل الكف، ومفصل الكف معروف؛ لقراءة ابن مسعود : (( فاقطعوا أيمانهما ))، ولم يقل: (أيديهما)، واليمين هي: اليد اليمنى، ثم تحسم بغمسها في زيت مغلي؛ لتسد أفواه العروق فينقطع الدم؛ لأنه لو بقي الدم يسيل لمات، وإذا كان الآن هناك من الأدوية أو العلاج ما يحصل به المقصود فإنه يكفي، المهم إذا قطعت يده تعالج؛ حتى لا يسيل الدم ويموت الرجل السارق.
ويستحب بعد ذلك أن تعلق يد السارق فترة في عنقه، يعني: إذا أحب الحاكم وعلق فلا بأس، وإذا لم يعلق فليس عليه شيء؛ لأنه يستحب فقط؛ حتى يبقى بين الناس ويده معلقة في عنقه فلا يسرق سارق أبداً.
[وقيل: يا رسول الله! فالثمار وما أخذ منها في أكمامها؟ قال: ( من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، وما احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكالٍ، ومن أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن )] والأجران جمع جرن: وهو موضع تجفيف الثمر؛ لأن أهل الثمر يجمعونه في مكان فيه شمس ليجففونه، فهو مصون ومحروز، ومن أخذ منه تقطع يده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، وما احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال، ومن أخذ من أجرانه -الثمر هذا- ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن ).
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد.
الجواب: قلنا: إذا كانت في مرعاها الذي ترعى فيه ومحاطة فهي سرقة وفيها القطع، أما إذا كانت في البر فليست هذه سرقة، بل يضرب عليها ويعذب عذاباً نكالاً، ويغرم قيمتها مرتين، أما القطع فلا، القطع لا يكون إلا في المصون والمحروس.
الجواب: المختلس كما لو كان في يدك أو في جيبك مائة ريال مثلاً فجاء من خطفها وهرب، هذا لا تقطع يده؛ لأنه ليس بسارق، ولكن يؤدب، يؤخذ منه المال؛ لأنه اغتصبه، والسرقة: هو ما أخذ في الخفاء من شيء مصون. هذه هي السرقة.
الجواب: يجوز له أن يأخذ ماله منه، ولا تقطع يده.
وإذا لم يستطع أن يأخذ ماله يرفع إلى الحاكم وإذا رفع إلى الحاكم فالحاكم يقضي بينهما.
الجواب: تقطع يده، فلو كان شفع له شافع وأنكر قبل أن يصل إلى الحاكم نعم لا شيء عليه، وعليه أن يسدد ذلك المسروق من جيبه، لكن إذا رفع أمره إلى الحاكم فلا شفاعة عند القاضي أبداً.
ومن أراد أن يتوسط ويشفع حتى لا تقطع يده قبل ما يصل إلى الحاكم يشفع له.
الجواب: هذا معناه: أن الساعة التي يسرق فيها السارق لا يكون فيها مؤمناً، فلو آمن بالله لتذكر وما سرق، هل هناك من يتحدى الله عز وجل ويفجر؟! حتى الزاني عندما يفجر يكون ناسياً لله ليس بمؤمن أبداً. وأيما فاحشة يرتكبها العبد لا يرتكبها إلا بعد أن ينسى الله نهائياً، وإلا كيف يقبل عليها؟!
الجواب: يجوز بشرط أن لا تأخذ حبة ولا تفاحة ولا ثمرة في جيبك، أما أن تأكل من البستان وتشبع فلا حرج، فقد أذن لك الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: اذهب إلى هذا البائع وقل له: أنا كنت آكل من طعامك أو من تمرك ولا حرج.
الجواب: نعم، بلا خلاف، بستان محاط بحائط، فإذا جعت ودخلت وأكلت أذن لك الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تطالب بتمرة ولا بعنب، فقط إذا أخذت في جيبك شيئاً تنكل وتعذب ويؤخذ منك.
مداخلة: وكذلك البساتين التي ليست عليها حوائط؟
الشيخ: نعم.
الجواب: ليس عليك شيء، وإنما فاتك أجر، وإن أتيت إلى علم ومعرفة فالعلم أفضل من الجنازة بعشر مرات.
الجواب: اللهم زوجه، اللهم زوجه بامرأة صالحة، اللهم زوجه بامرأة صالحة، اللهم زوجه بامرأة صالحة.
وأبلغنا إذا تزوجت لنحمد الله على ذلك.
مداخلة: ولعلها فرصة فضيلة الشيخ لمثل هذا الأخ وأمثاله أن يزوروا المشروع الخيري للزواج ورعاية الأسرة فهو يهتم بمثل هذه الأمور من تزويج الشباب.
الشيخ: هذا المجلس الخاص بالمساعدة مأجور قطعاً، ما داموا يساعدون على الزواج فهم مأجورين إن شاء الله، ومثابين والحمد لله.
الجواب: هل يعقل أن سارقاً سرق وقطعت يده اليمني ثم يزيد فيسرق باليسرى، ماذا يفعل بالسرقة؟!
ولكن إن سرق السارق وقطعت يده اليمنى ثم تعمد وسرق فإن اليسرى تقطع أيضاً ولا حرج، والغالب أنه لا يعود للسرقة، فيده عُلقت أمام الناس، ولكن إن سرق فإنها تقطع، ويبقى كالمشلول ولا حرج؛ لأنه عندما قال عز وجل: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ [المائدة:38] لم يحدد فتقطع يده وكفى.
الجواب: عليك أن تعظه وتذكره وتخوفه بالله عز وجل وبعذاب الآخرة ما استطعت، فإن عجزت فاهجره وابتعد عنه ولا حرج.
الجواب: اشتر سبعة أبقار وأعطها بعينها لصاحبها، فالبقر موجود والغنم موجود والإبل موجودة، فإن سرقتها ردها كما هي، وإن سامحك فلا بأس.
الجواب: إذا أدركت ركعة أضف إليها ركعة وسلم من ركعتين، أما إذا لم تدرك ركعة كاملة فقم أتمم الصلاة كالظهر أربع ركعات.
أيما مؤمن دخل يوم الجمعة والإمام قد ركع ورفع من الركوع أو كان قد جلس للتشهد الأخير فإنه يدخل معهم ثم يتم الظهر أربع ركعات، أما إذا أدرك ركعة من الركعتين فإنه يضيف إليها ركعة واحدة فقط، وهي صلاة الجمعة.
الجواب: لأن السرقة من النساء قليلة جداً، فهي لا تدخل البيوت وتأخذ أموال الناس إلا في النادر.
وأما تقديم الزانية على الزاني في قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النور:2] فلأن قبحها عظيم، فعلها هذا والعياذ بالله أشد قبحاً، فكيف المرأة المصونة المحفوظة في بيتها كالملكة تفجر والعياذ بالله؟!!
الجواب: الآن لم يبق من يقول: الحاج، متى كان يقال: الحاج؟ عندما كان يحج من القرية كل خمسين عاماً واحداً، في خمسين سنة لا يحج إلا واحداً، حين ذاك كيف يُعرف: بالحاج الفلاني، أما الآن إذا كان كل أهل القرية حجاجاً فلا تقل: يا حاج أبداً، ولا رياء ولا شيء.
ولكن على فرض إن كان هناك حاج يقول: قولوا: يا حاج، أي: يطلب أن نناديه بالحاج فلان، وأن لا نناديه يا أبا بكر -مثلاً- أو يا عمر، فهذا آثم.. ولكن قليلاً ما يقع هذا.
الجواب: الآن الرسول ميت لا يعطي ولا يمنع ولا يأخذ ولا يجاهد ولا يقاتل، روحه في الملكوت الأعلى في الجنة، فكيف تقول: اشفع لي؟! كيف يشفع لك؟! أما يوم القيامة فكل البشرية واقفة يبحثون عمن يشفع لهم عند الله، فلا يجدون إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع لهم، كيف نقيس هذا بهذا؟!
هذا هو الجهل المركب، كيف ندعو غير الله فنكفر ونشرك بالله عز وجل! هذا من الشيطان.
مداخلة: هناك دعاء حي لميت هذا لا يجوز، وهناك دعاء حي لحي.
الشيخ: معلوم، بينا أن في ساعات يوم القيامة يكون الناس كلهم أحياء.
الجواب: يجوز.. يجوز، ولا حرج.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (201) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net