اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (20) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وما زلنا في العقيدة، وألفت النظر إلى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة الموافقة للكتاب والسنة بمثابة الروح، صاحبها حي يسمع ويبصر، يعطي ويمنع، وفاقدها ميت.
فاقد العقيدة الإسلامية الصحيحة -كما هي في الكتاب القرآن والسنة النبوية- ميت ألا وهو الكافر، والكفار أموات غير أحياء.
وإذا داخلها نقص أو زيادة أو تحريف فصاحبها ليس ميتاً ولكنه مريض، والدليل: أن المريض أحيان يقوى على أن يقول وأحياناً ما يستطيع، أحياناً يقدر على أن يأخذ أو يعطي وأحياناً يعجز. ما سبب ذلك؟ مرضه، فلهذا على المؤمن والمؤمنة أن يصححا عقيدتهما، لا يبيتان الليلة إلا وعقيدتهما كعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه العقيدة علمنا أن أركانها التي تنبني عليها ستة، وهذه الأركان معلومة عند عامة المسلمين، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وعلمنا أن الإيمان بالله جل جلاله وعظم سلطانه يتطلب من المؤمن ألا يعبد غير الله، وألا يرضى بعبادة غير الله؛ لأنه يلهج بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله. إذاً: فاعبده ما دمت تعتقد أنه لا معبود إلا هو، ولا تعبد معه سواه وأنت تقول: لا إله إلا الله، ولا ترضى بعبادة غيره ؛ لأنك تقول: لا معبود بحق إلا الله.
ثم درسنا الوسيلة بعد التوحيد، والتوحيد -كما علمتم:- أن يوحد العبد ربه في عبادته، فلا يعبد معه غيره بأي نوع من العبادة أبداً، إن أمرك الله بالركوع فاركع، أمرك بالسجود فاسجد، ولا تركع لكائن ولا تسجد له، أذن لك الله أن تحلف به وتعظمه بيمينك فلا تحلف بغيره أبداً! أمرك أن تدعوه وتستغيث به، وتستعيذ بجنابه، إذاً: فادعه واستغث به، وتعوذ به، ولا تدع غيره، ولا تستعن بغيره، ولا تستعذ بسواه؛ لتكن عبادتك خالصة له، وبذلك يرتفع مستواك وتصبح في مصاف أولياء الله عز وجل.
ولفتنا النظر إلى أن التوسل يكون بماذا؟ أولاً نتوسل لمن؟ لله عز وجل. بأي شيء نتوسل به إليه؟ بعبادته.. أيما عبادة: حججت، اعتمرت، جاهدت، رابطت، صمت، صليت، ذكرت، تلوت كتابه، علمت دينه، جاهدت في سبيله، تلك العبادات هي وسيلتك إلى رضا الله عنك وإلى رفع درجتك. وإن قلت: أريد أن أتوسل إليه ليقضي حاجتي، أريد أن أنزل منزلاً أو أتزوج امرأة أو أن أحصل على كذا، دلوني على شيء أتوسل به إليه ليقضي حاجتي؟ نقول لك: كل تلك العبادات افعلها واسأل الله بعدها.
قم فتوضأ وصل ركعتين وارفع يديك وقل: رباه! اقض حاجتي!
صم وقبل أن تنال الطعام في فمك قل: يا رب! توسلت إليك بصيامي فاقض حاجتي!
اعكف في بيته واستقبله واذكره واسأله وصل على النبي وقل: يا رب! أعطني!
انظر إلى أوليائه وعباده المؤمنين، فإن وجدت عارياً كسوته بثوب، وقل: يا رب! كسوته لأجلك، أو جائعاً أطعمته وشبع فقل: يا رب! أطعمته من أجلك فاقض حاجتي!
وعرفنا يقيناً أن التوسل بغير طاعة الله ورسوله باطل وخرافة وضلال، ولفتنا النظر إلى توسلات شائعة ذائعة منتشرة مثل: اللهم إني أسألك بحق فلان، وبجاه فلان.
جاه فلان عظيم يعني، فلهذا سألت الله به؟ هل هذا الجاه أنت صنعته؟ هل أنت أوجدته من عملك فتسأل الله به؟ الجواب: لا. كيف تسأل بما ليس لك؟! فلو أنك ربيت شخصاً وهذبته وعلمته فأصبح ربانياً صالحاً ذا جاه محترم في القرية، قل: اللهم إني أسألك بجاه فلان؛ لأنك الذي قمت به وقدمته له.
أما أن تقول: اللهم إني أسألك بجاه فاطمة ، ماذا فعلت لـفاطمة ؟ أو أسألك بجاه سيدي فلان! أي شيء قدمته أنت؟ تسأل بماذا؟ اسأل الله بما قدمت له، وهذا معروف، تعطيني شيء فتقول: أعطني لأنني أعطيتك.
هذه الوسيلة بم تكون؟ تكون بالعبادات التي شرعها الله من فرائض ونوافل: ما تقرب العبد بأفضل من فريضة فرضها الله عليه، في أثناء صلاتك، وأثناء ذكرك، وأثناء تلاوة قرآنك، وأثناء سعيك بين الصفا والمروة، وأثناء الطواف ادع، اسأل حاجتك. هذه هي الوسيلة.
أما قولك: أسألك بحق فلان، فأعوذ بالله! من هو الذي له حق على الله؟! هل هناك من يملك أن يعطي حقاً على الله؟! رحم الله الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان فقد كان يقول: هذا السؤال كفر.
كيف يقول: أسألك بحق فلان؟! يعني: إذا لم تعطني أنت من عندك يا رب فأعطني بحق فلان عليك. أعوذ بالله! أي بشاعة أعظم من هذه؟! هل يعقل هذا الكلام مع الله؟ لو قلته لآدمي ما يقبل منك هذا الكلام، ولكنه الجهل، صدقت يا أبا عبد العزيز الجهل، لم لا نبعد هذا الجهل؟ لأنا مشغولون يا شيخ عن الجلوس في بيوت الله.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [أولاً: أولياء الله تعالى: يؤمن المسلم] يؤمن المسلم بحق [بأن لله تعالى من عباده أولياء استخلصهم لعبادته]، استخلصهم: نجاهم من يد الشياطين حتى لا يعبدوها ويعبدوه وحده، [واستعملهم في طاعته] استعملهم في طاعته، ليل نهار وهم في عبادة الله [وشرفهم] وأعلى مقامهم [بمحبته لهم، وأنالهم من كرامته، فهو وليهم، يحبهم، ويقربهم، وهم أولياؤه يحبونه ويعظمونه، يأتمرون بأمره]، إذا أمر فعلوا [وبه يأمرون] أي: بأمر الله يأمرون [وينتهون بنهيه، وبه ينهون]، فهؤلاء هم أولياء الله، يأتمرون بأمر الله ويأمرون غيرهم به، وينتهون وينهون أيضاً به، أي: يعرفون محاب الله فيفعلونها، ويعرفون مكارهه فيتركونها، ويأمرون الناس بمحابه وينهونهم عن مكارهه.
من هؤلاء؟ بنو هاشم؟! بل أولياء الله، سواء كانوا بيضاً أو صفراً، من العرب أو العجم، في الأولين أو الآخرين.
قال: [يحبون بحبه]، ما معنى يحبون بحبه؟ إذا علمت أن الله يحب فلان فأحببه لأجل حب الله، [ويبغضون ببغضه]، إذا علمت أن الله يبغض فلان فأبغضه لبغضه.
[إذا سألوه أعطاهم] والله ما يحرمهم من عطائه.
وهنا من اللطائف التي درسنها وعلمناها: أنك إذا رغبت في شيء، رغبت أن تتزوج امرأة، فإنك تبحث عن الوسيلة التي تتوصل بها إليها، فقلت: أنا أدعو الله عز وجل، فصمت وصليت وقمت أثناء الليل تبكي: يا رب! زوجني وارزقني فلانة. هنا: إذا علم الله تعالى أن في زواجك بها خيراً لك ولها استجاب وتزوجتها، وإذا لم يعلم أن فيها خيراً لك فوالله ما يستجيب لك. وعندها ستقول: أين دعائي؟! يعوضك الله عن دعائك حسنات عاليات، إذ هو القائل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، فأنت تدعوه في شيء تريده لك وهو أعلم به منك، فلا تدري أنت ينفع أو يضر، فإن رأى فيه خيراً لك استجاب وأعطاك، وإذا حرمك منه دفعك عنك الشر والبلاء، ويعوضك إما أن يرفع درجاتك أو يصرف عنك بلاء كان قد يصيبك، بمعنى: من دعا الله استجاب له إذا أخلص الدعاء ولم يدع غيره: يا رب ويا سيدي فلان والعياذ بالله!
تعرفون يا رب وسيدي فلان؟! يا ألله! يا رسول! يا رب! يا سيدي فلان! يا عبد القادر ! يا مولاي الإدريسي ! يا بغداد ! يا فلان .. ملايين البشر يتخبطون، يغيظونه سبحانه، يذكرون عبداً من عباده معه إغاظة لله وهم لا يشعرون، ولو علموا -والله- يرضون أن يموتون ولا يغيظون ربهم عز وجل، ولكنه الجهل.
قال: [وإذا سألوه أعطاهم، وإذا استعانوه أعانهم، وإذا استعاذوا به أعاذهم، وأنهم هم أهل الإيمان والتقوى] عرفنا أولياء الله، من هم؟ أهل الإيمان والتقوى، رددها حتى تموت وهي على لسانك، فالكافر لن يكون ولي الله، والفاجر لن يكون ولياً لله، فقط أهل الإيمان والتقوى هم أولياء الله.
[والكرامة والبشرى في الدنيا والآخرة]، والكرامة في الدنيا والبشرى كذلك في الآخرة [وأن كل مؤمن تقي هو لله ولي]، كل مؤمن تقي هو لله ولي، فلا تخطئ، إذا قلت: كل مؤمن تقي هو لله ولي، فكل كافر عدو لله، وكل فاجر ليس بولي الله.
قال: [فكل من كان حظه من الإيمان والتقوى أوفى كانت درجته عند الله أعلى، وكانت كرامته أوفر]، أليس كذلك؟ بلى.
قال: [فسادات الأولياء هم المرسلون والأنبياء]، من سادات الأولياء؟ المرسلون والأنبياء، أولهم: الرسل، ثم الأنبياء [فسادات الأولياء هم المرسلون والأنبياء ومن بعدهم المؤمنون]، المؤمنون بحق وصدق، وليس مجرد دعوى.
[وأن ما يجريه الله على أيديهم من كرامات] كيف؟ مثالها؟ قال: [تكثير القليل من الطعام]، تذكرون قصة جابر بن عبد الله في غزوة الخندق، كان عنده صاع من شعير أطعم أكثر من ثمانين صحابياً [أو إبراء الأوجاع والأسقام]، كمريض تدعو الله له أو ترقه فيشفى، كرامة من كرامات الله، [أو خوض البحار]، من هو الذي خاض البحر مع عيسى؟ الحواريون [أو عدم الاحتراق بالنار]، إبراهيم لما ألقوه في النار هل احترق؟ والله ما احترق، خرج يتصفد جبينه عرقاً.
قال: [وما إليه هو من جنس المعجزات، غير أن المعجزة -شرطها- تكون مقرونة بالتحدي، والكرامة عارية من ذلك غير مرتبطة به، وأن من أعظم الكرامات الاستقامة على الطاعات بفعل المأمورات الشرعية، واجتناب المحرمات والمنهيات]، لعلكم ما فهمتم الاقتران!
المعجزة: يقول الرسول أو النبي يا فلان تؤمن به وإلا لا؟ فيقول له: إذا أنت أنطقت هذه الشجرة آمنت بك، فيسأل الله أن تنطق فتنطق، أي تحدياً، والكرامة للولي ما يحتاج فيها إلا أن يدعو الله فيستجيب له، ليست مقرونة بالتحدي، المعجزة مرتبطة بالتحدي كمعجزات موسى والأنبياء، ونبينا صلى الله عليه وسلم.
قال: [وأدلة ذلك الآتية من الكتاب والسنة: أولاً: إخباره تعالى عن أوليائه وكراماتهم في قوله: أَلا [يونس:62] .. ]، ألو! عجيب هذه ألو نقولها حتى نشجع المستمعين، و(ألا) هي (ألو)، سبق القرآن بها من مئات السنين، وجاءت مع التلفون.
ما معنى ألو ألو؟ قالوا: هكذا وجدت. قلنا لهم: قال سيبويه في (أي): (أي) هكذا وجدت، مرة مبنية ومرة معربة ومرة ..، لكن القرآن يقول: أَلا ، بمعنى انتبهوا، استمعوا، تفهموا بأنكم مخاطبون بأعظم خطاب.
[ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]]، لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، فولي الله لا يخاف أبداً ولا يحزن؛ لا بموت ولد، ولا بضياع مال، لا في الدنيا ولا في البرزخ -وهي في الحياة بين الحياتين- ولا يوم القيامة لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62].
[ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]]، كأن سائلاً يقول: يا رب! من أولياؤك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ فأجاب الله بنفسه: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، فلترددها بأعلى صوتك: من أولياء الله؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، هم المؤمنون المتقون.
[ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:64]]، ما هي البشرى؟ فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، أتدرون ما هي البشرى في الحياة الدنيا؟ هي صنفان:
الصنف الأول: رؤيا منامية تراها قبل موتك أو ترى لك، بشرى بالجنة يراها مؤمن لك فيقول: رأيت كذا وكذا وكذا.
والبشرى الثانية: عندما تكون على سرير الموت في غرفة الإنعاش، فيأتي موكب من أعظم المواكب وعلى رأسهم ملك الموت فيتقدمون منك وأنت مبتسم فرح، وجهك مشرق، فيبشرونك بألا خوف عليك ولا حزن، ويبشرونك بالجنة دار السلام، جاء هذا في قول الله تعالى في سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ [فصلت:30]، هؤلاء هم الأولياء الذين آمنوا واستقاموا، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، موكب يتنزل فرح بتلك الروح الطاهرة ليعرج بها إلى السماء.
قال: [وفي قوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257]]، الله ولي الذين آمنوا الإيمان الصحيح، الإيمان الحق كما علمنا [ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]] من آمن وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله أخرجه الله من ظلمات الكفر وأدخله في أنوار الإيمان، فإذا به مزكٍ مصلٍ صائم طاهر، نقي طيب ظاهراً وباطناً.
[وفي قوله تعالى: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال:34]] وما كانوا أولياءه أبداً إن أولياؤه إلا المتقون، فمن كان فاجراً غير متقٍ لم يكن من أوليائه، هذه آية من كتاب الله: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ [الأنفال:34] أي: ما أولياؤه إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال:34].
من هم المتقون؟ ما لباسهم؟ ما ركوبهم؟ ما هي عماراتهم وأموالهم؟ المتقون هم الذين عرفوا ما يجب الله ففعلوه، وعرفوا ما يكره الله فتركوه، فاتقوا الله، اتقوا عذابه وسخطه بطاعته بفعل ما يحب وترك ما يكره، أولئك هم المتقون.
قال: [وفي قوله تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:196]]، من هم الصالحون الذين يتولاهم الله؟ هل هم بنو علي ؟! من هم الصالحون؟ الصالحون هم الذين أدوا حقوق الله وافية ما نقصوها ولا بخسوها، ولا قصروا فيها، وأدوا حقوق العباد وافية ما نقصوها ولا قصروا فيها، أولئك هم الصالحون.
قال: [ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:196]]، يتولى الصالحين ويصيرهم أولياءه وهو وليهم لصلاحهم.
[وفي قوله سبحانه وتعالى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]]، هكذا نصرف عنه السوء والفحشاء، هذا يوسف الصديق ابن الصديق، لماذا؟ لأنه كان مِن عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]، راودته زليخة عليه السلام، وتعبت في مراودته وفعلت الأعاجيب وما مكنه الله منها بل صرف عنه السوء والفحشاء، فاستخلصه من عباده المخلصين، هكذا يقول عز وجل: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ [يوسف:24]، كل عبد صالح لله يصرف عنه السوء والفحشاء، يبعده عنها ويبعدها عنه، حتى لا يقع فيها؛ لأن وليه ما يريده أن يتلوث ويتلطخ بها، هل ترضى لولدك أن يتسخ أو يتلطخ؟ لا، ما ترضى، فكذلك الله لا يرضى لأوليائه أن يخبثوا ويتعفنوا فيحميهم.
[وفي قوله تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42]]، هذه كلمة الله لإبليس: عبادي العابدين لي المؤمنون بي ليس لك عليهم سلطان يا إبليس، ولا قدرة على إفسادهم، أي: إغوائهم أو إضلالهم، فما أن يشعر به المؤمن حتى يلعنه قائلاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا خطر بباله خاطر سيئ قال: أعوذ بالله! أعوذ بالله! فينفر العدو ويهرب.
قال: [وفي قوله تعالى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزقًا [آل عمران:37]]، سبحان الله! كرامة! هذه البتول، هذه النذيرة، خادمة الله مريم، إليكم قصتها العجيبة وهي في كتاب الله ونحن عنه معرضون والعياذ بالله: كانت حنة امرأة عمران عليهما السلام عقيماً عاقراً، فتاقت نفسها للولد وهشت عندما رأت فرخاً يزق أفراخه ويطعمهم، فهاجت العاطفة فيها، وسألت الله أن يرزقها ولداً وتجعله له، لا يخدمها ولا يأتي لها بشيء وإنما فقط يعبد الله، نذرته نذراً لله، فاستجاب الله عز وجل دعاءها، فولدت البتول مريم ، ولما ولدتها وضعتها في خرقة وخرجت بها إلى أنبياء بني إسرائيل وصلحائهم وقالت: هذه نذيرة الله فخذوها، وهم مجموعة من الأنبياء والصلحاء وكان منهم زكريا، فاقترعوا عليها، كل واحد منهم يقول: أنا أولى بهذه النذيرة، فوقعت القرعة على زكريا بتدبير الله؛ لأنه زوج خالتها أخت أمها.
قال تعالى: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ [آل عمران:44] يا رسولنا! إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]، أي: هل كنت يا محمد هناك منذ أكثر من سبعمائة سنة؟ كيف لا يؤمنون برسالتك ونبوتك وأنت تتحدث عن أحداث مضت عليها مئات السنين؟! وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]، وإلقاء الأقلام أقلام الأنبياء والصلحاء، ليست أقلام العلمانيين اليوم، فالقلم له شرف؛ لأنه يكتب به الحق فقط، ويمحى به الباطل، أما الأقلام التي تكتب الباطل والشر والفساد فبئست الأقلام وبئس أهلها.
فجمعوا أقلامهم وقالوا: نلقيها في الماء، والذي يقف قلمه كالعود ذاك هو الذي يأخذها، فرموا بقلم فلان فجره الماء، وقلم فلان .. حتى رموا بقلم زكريا فوقف في الماء، فأخذها زكريا. وهذه كرامة.
إذاً: أخذها وفي البيت خالتها، فلما أصبحت تعي وتبصر وتفهم في الرابعة أو الخامسة من عمرها جعلوا لها مقصورة في المسجد حتى تعبد الله فقط، فهي نذيرة الله، فكان زكريا يأتيها بالطعام على حسب عادتهم، مرة في اليوم ومرتين كما هي الحال، فكان إذا دخل بالطعام وجد عندها طعاماً فقال: أَنَّى لَكِ هَذَا [آل عمران:37]، فتقول: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37]، يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، أيام ما كانت لا كهرباء ولا ثلاجة. وهذه كرامة أيضاً.
قال: [وفي قوله تعالى: [ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:139-144]]، يونس ابن متى أحد أنبياء الله ورسله بعثه في نينوى وهي مدينة من مدن الشرق، فوجد الصد والعناد كحالنا، فملهم وأعرض عنهم، وما استطاع أن يصبر فهرب، فلما خرج وجد سفينة مقلعة على ساحل البحر فركب فيها، فلما ركب السفينة قال ربانها: إن شحنة السفينة كبيرة! أنزلوا واحداً منكم أو تغرقون كلكم، فقالوا: ما لنا إلا القرعة، الذي تخرج القرعة عليه هو الذي نلقيه في البحر، وتخف الحملة وتمشي السفينة، فاقترعوا فكان يونس من المدحضين؛ لأنه هرب من دعوة الله وما صبر، فرموه في البحر، فما إن وقع في الماء حتى صدر أمر الله إلى سمكة من أعظم أنواع السمك بأن تفتح فاها فدخل به.
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:142]، وثم في ظلمات البحر والحوت والليل ألهمه الله؛ لأنه وليه بقوله: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، فما زال يسبح الله ويسأله حتى أمر الله الحوت أن يلفظه على ساحل البحر، فتقيأه وخرج لحمه ناضج من الحرارة، فأنبت الله عليه -فوراً- شجرة اليقطين (الدباء المديني)، وورقها ناعم ولا يقع الذباب ولا البعوض عليه أبداً، فكانت مستشفى رباني على ساحل البحر، فتماثل للشفاء وذهب فوجد قومه ينتظرونه فأسلموا كلهم، وما أسلمت أمة كلها إلا قوم يونس فقط، هذا هو يونس ابن متى، وهذا هذه هي معجزته وهي كرامة أيضاً.
[ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144]]، لبقي ثمَ إلى يوم القيم، يموت ويبقى في البحر، هذه هي قيمة التسبيح.
[ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144]]، فهذا هو التسبيح يا أهل الكروب! يا أهل الهموم! يا أهل الأحزان! يا أهل! .. يا أهل! .. عليكم بهذا التسبيح، اختف هكذا في بيتك وابك بين يدي الله طوال ليلك وقل: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، رددها حتى يفرج الله ما بك.
هذا ومع أسئلة بعض السائلين.
الجواب: عجب هذا! السائلة الكريمة تقول: ذهبت في رمضان إلى العمرة مع زوجي فلما وجد زوجي الزحام منعني قائلاً: لا تطوفي ولا تسعي، فصليت ركعتين ورجعت؟
نقول: هدى الله زوجها وعفا عنه وغفر لنا وله، ما كان له أن يفعل هذا أبداً، العجائز يطفن والكبار والصغار، كان عليه أن يصبر ساعتين أو ثلاثاً، فهو آثم، وهي مكرهة مضطرة عليها أن تذبح شاة في مكة وهو الذي يدفع ثمنها إذ هو المتسبب، وهذا هو الحل.
الجواب: يقول السائل إذا ركع المؤمن وقال في الركوع: سبحان ربي الأعلى بدل سبحان ربي العظيم، وإذا سجد أيضاً وقال بدل سبحان ربي الأعلى سبحان ربي العظيم.
نقول: إذا كان عامداً من الأحسن ومن الخير له أن يقول بما قال الرسول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، وهذا سببه ( لما نزل قول الله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، قال: اجعلوها في ركوعكم )، فأصبح الصحابة يجعلوها في الركوع، و( لما نزل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، قال: اجعلوها في سجودكم فجعلوها في سجودهم )، فكونه نسي فقط لا يضره ذلك، أما إن كان متعمداً مخالفاً للسنة فلا ينبغي، بل عليه أن يقول: سبحان ربي العظيم في ركوعه، وسبحان ربي الأعلى في سجوده، فإن سها فلا شيء عليه.
الجواب: تقول السائلة الكريمة: إن لها ذهباً ووجبت فيه الزكاة وزوجها عليه ديون أو فقير فهل تعطيه الزكاة؟
الجواب: نعم؛ لأن نفقته ليست عليها هي، فهي ليست مسئولة عنه، فتعطيه الزكاة ليسدد دينه، أو ليشتري بها الطعام والشراب، والزكاة لا تجوز فيمن يجب عليك أن تنفق عليه، فلا يجوز للرجل أن يعطي الزكاة لامرأته، ولا يجوز للأب أن يعطي ولده زكاته، ولا يجوز للابن أن يعطي الزكاة لأبيه، ما يجوز أبداً، من تجب نفقته عليك لا تعطه الزكاة.
الجواب: الجمهور من الأئمة يقولون: أن الرضعة الواحدة لا تؤثر، لكن الإمام مالك رحمه الله يقول: إذا كانت الرضعة مشبعة مغذية واستحال اللبن إلى دم ولحم وعظم فلا يجوز، فلهذا إذا كان الرضاع مصتين أو ثلاثاً فقط فقد قال الرسول: ( لا لإملاجة ولا لإملاجتين )، أما إذا تغذى بتلك الرضعة وشبع فمن الخير له ألا يتزوجها؛ فإنه أحوط لدينه.
الجواب: ما حكم صبغ المرأة المسلمة شعرها بالسواد وقد شابت -مثلي- يجوز أو لا يجوز؟
الأفضل لها أن تصبغ بالحناء والكتم فتصبح حمراء أو صفراء الشعر، هذا هو المطلوب، لكن إذا كان زوجها رغب في سواد رأسها ورغبها فلا بأس إن تجملت لزوجها، والغالب أن من شابت لا زوج لها.
الجواب: قال: هل يجوز لنا بين السجدتين -أي: ونحن ساجدون- أن ندعو ونصلي ونسلم على الرسول؟ يجوز، الرسول يقول: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب ) فقط: سبحان ربي العظيم، ( وأما السجود فادعوا فيه بما شئتم )، قال الصحابي: كنا نسأل الله البصل والثوم ونحن ساجدون، فإذا سجد وسأل وصلى على النبي متوسلاً بالصلاة يجوز وفيه خير.
الجواب: امرأة شقت ثوبها لما مات زوجها حزناً وكآبة، ماذا عليها؟ نقول: تستغفر الله وتتوب إليه، ما في شيء معين من الصدقة ولا غيرها، وإنما فقط تتوب توبة نصوحاً، وتكثر من الاستغفار، وإن تصدقت بشيء يكفر الله عنها.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (20) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net