اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (152) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الجامع للشريعة الإسلامية عقائد وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وها نحن مع الأحكام، وانتهى بنا الدرس إلى [الضمان] فما هو الضمان؟ وما هي أحكامه؟
[ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم)] و(الزعيم) هو: الضامن أو الكفيل، و(غارم): أي يغرم ويسدد ما ضمنه، فما دام أنه تحمل فلا بد وأن يسدد [وقوله صلى الله عليه وسلم: (إلا إن قام أحدكم فضمنه) في الرجل الذي مات وعليه دين ولا وفاء له] أي: ما خلف مالاً يسدد به الدين [فامتنع من الصلاة عليه] وهذه حادثة معينة وهي: أنه جيء بميت إلى المسجد النبوي ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم فسأل: أعليه دين؟ فقالوا: نعم. فقال: لا أصلي عليه ما دام عليه دين، إلا أن يضمنه أحدكم بسداده، فقام أحدهم فقال: أنا ضامن، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وهنا لطيفة: وهي أن صاحب الدين ما ينجو من عذاب الله، فمن مات وعليه دين يكون موقوفاً ومحبوساً في دينه، فلا يدخل الجنة؛ فلهذا يجب ألا نستدين وإن استدنا يجب أن نسدد ديوننا، فلا نأكل ونشرب ونعبث ونترك الديون، ومن أوصى ولده أو أخاه أو عمه ككفيل فلا بأس، أما أن يموت وعليه ديون ولا كافل لها فإنه يكون محبوساً عن الجنة، وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أبى أن يتدخل في هذا، وقال: ما دام وعليه دين فلا أصلي عليه، إلا إذا ضمن أحدكم هذا الدين.
ومعنى هذا: يا أبناء الإسلام! أن لا تستدينوا من الناس، ومن استدان للضرورة فعليه أن يسدد دينه ويحاول ألا يموت إلا وقد سدد دينه، وإن مات وعليه دين فروحه محبوسة -أي: موقوفة- حتى يسدد هذا الدين.
إذاً: يعتبر في الضمان رضا الضامن، فلا بد وأن يكون راضياً موافقاً على ضمان هذا الدين أو هذا الحق، أما المضمون فلا عبرة برضاه ولا بسخطه، فما دام لم يسدد دينه وقام شخص وقال: أنا أضمنه، فالعبرة بالضامن، أما المضمون فلا قيمة لرضاه أو سخطه، والمضمون قد لا يرضى؛ لأنه لا يريد أن يسدد هذا الدين، فلما قام من قال: أنا أضمنك في هذا الدين، قال: لا، خشية أن يطالب به.
[أو فيما هو آيل للثبوت كالجعالة مثلاً] كأن تقول: يا فلان! ابن هذا الجدار بعشرة آلاف ريال، فيضمن آخر ويقول: وأنا أضمن لك العشرة آلاف ريال. هذا ما هو آيل وراجع للثبات كالجعالة.
فإذا قلت: من يفعل لي كذا أعطيه كذا، أو من رد ناقتي الهاربة فله كذا. أصبح هذا حق له، فإذا قال آخر: وأنا أضمنه؛ صح ذلك؛ لأنه حق يئول إلى الثبات.
فإذا قلت: يا فلان اضمني! فقال: أنا ضامن، فشك الآخرون في ضمانه، فقال ثالث: أنا ضامن لهذا الضامن فلا حرج.
إذاً: الكفالة: أن يلتزم إنسان قادر بأداء حق وجب على شخص، أو يلتزم بإحضاره إلى المحكمة، فإما أن يكفله أو أن يأتي به إلى المحكمة.
[وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا كفالة في حد)] والحد كقطع اليد أو رجم الزاني أو القتل، فليس فيه كفالة، فمن كان محكوماً عليه بقطع يده فليس لك أن تكفله، أو كان محكوم عليه بالرجم -مثلاً- فتقول: أنا أكفله وترجم؟ لا ينبغي [وقوله صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم) والزعيم هو الكفيل].
إذاً: الأدلة على جواز الكفالة هي:
أولاً: قول الله تعالى: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ [يوسف:66] هم طلبوا منه أن يبعث أخاهم معهم فقال: لا، إلا بضامن، إلا بكافل.
ثانياً: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال: (لا كفالة في حد)، فلا تكون الكفالة في الحد، بل تكون في أمور أخرى كالمال وغيره.
ثالثاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم) أي: يغرم، فما دام كفل فلا بد وأن يتحمل، فإذا كفلت فلاناً فلا بد وأن تسدد، وإلا فلم تكفله؟!
إذاً: الكفالة تكون في المال، أما غير المال فليس فيه كفالة، وتكون في الوجه بأن يُأتى بذات الشخص، وإن مات فلا حرج.
نكتفي بهذا القدر. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
الجواب: قل له: صل وأعطيك، فإن قام وصلى وجاء للمسجد فأعطه، وإن قال: لا أصلي، فاتركه ولا زكاة له، ولا يجوز أن تعطيه أبداً، ولو فعلنا هذا لصلوا، فلو قلت لجارك: إن صليت أعطيتك، لصلى -والله-، وإن صلى لأجل أخذ المال، فما أنت بمسئول عن قلبه ونيته.
الجواب: تكفي.. تكفي، فما دمت صليت الرغيبة يكفيك ذلك، فأنت ما جلست حتى صليت و(إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي )، وكذلك الفريضة -الظهر أو العصر- فمن دخل المسجد وهم يصلون فهل يجب عليه أن يصلي تحية المسجد؟ الجواب: لا، الفريضة كافية.
الجواب: لابد من أداء الدين، يسدد عليه بعد وفاته، وسمعتم ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، أبى أن يصلي على المؤمن، فلابد من تسديد الديون، يوكل من يوكل، يقوم ابنه أو جاره أو أي مؤمن يضمن ذلك حتى تكون شهادته صالحة.
الجواب: نعم تبرأ والله.
والكفالة نوعان: إذا كان كفله ليسدد عنه وينتظره فنعم، كأن يقول: سأكفلك في ذلك حتى تسدده لي بعد عام أو عامين أو ثلاثة، المهم أخرجك من هذه المحنة، وهناك من يكفل ويقول: أنا ضامن لهذا الدين أن أسدده من عندي، وبدون أي مقابل.
الجواب: عليك إثم، فإذا مدت يدها، فقل: وعليكِ السلام، ولا تمد يدك ولا تصافح أجنبية أبداً، ولا تمس يدك يدها، أو لف خرقة على يدك أو منديل ومسها، أما الجسم مع الجسم فلا، وهذا في الموظف والموظفة أو غيرهما.
الجواب: يقضي عن خمس سنوات خمسة أشهر، ولا يقضيها متتالية، بل يفطر يوماً ويصوم يوماً -مثلاً- إلى أن يكمل ثلاثين يوماً فهذا شهر، ويطول العمر إن شاء الله ويكفي ليسدد ذلك، ويطعم مع كل يوم مسكيناً كيلو من تمر أو زبيب أو دقيق.
الجواب: إذا كانت آمنة من أن تداس أو تلوث بما لا يجوز فيجوز ذلك، لكن يُخشى أن تسقط على الأرض أو تداس، فمن هنا الأفضل ألا تعلق على الجدار، والأفضل أن نعلق الآيات في قلوبنا وليس على الجدران، فعلينا أن نقرأها ونتلوها من كتاب الله، وإن كانت معلقة على الجدار -لوحة من خشب- فليس عندنا مانع، بشرط أن تحفظ.
الجواب: ممنوع، محظور، لا يجوز إلا من ضرورة، وأصح قول أنه مكروه، فيكره للمؤمن أن يمر بين يدي المصلي إذا كانت له سترة يصلي إليها، وإن مر بين يديه فله أن يرده بيده، وإن أصر يدفعه ولا حرج، على شرط ألا يكون في طرق الناس ولا في أبواب المسجد، بل لابد وأن يكون في مكان قل من يمر بين يديه فيه وله سترة عمود أو غيره، أما بدون سترة فلا حق له.
الجواب: الذي عليه أهل العلم من السلف والخلف: أن المرأة ليست مكلفة بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم ولا صاحبيه ولا أهل البقيع، معفو عنها غير مطالبة بذلك، فلتحمد الله وتشكره، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتترضى عن أصحابه، فليست مسئولة بأن تزور القبر الشريف.
الجواب: هذا يعود إلى الكمية، فإذا كانت الزكاة عشرة آلاف أو عشرين ألفاً فكيف يعطيها لواحد؟ عليه أن يوزعها على خمسة أنفار أو عشرة، لكن إذا كانت زكاته ألفين أو ألفين ونصف -مثلاً- وأعطاها لفقير فإنه يكفي.
هناك فرق بين كثرة الزكاة وقلتها، فإذا كانت قليلة فإنه يعطيها لواحد، أما إذا كانت كثيرة فإنه يوزعها على الفقراء والمساكين.
الجواب: إذا كنت تخاف على نفسك أن تقع في الزنا أو في الفاحشة إذا لم تتزوج فاعص أمك وأطع ربك، وإذا كنت آمناً لا تخاف على نفسك من الوقوع في الزنا وأمك ما رضيت فأطع أمك ولا حرج، واصبر حتى تزوجك.
الجواب: الذي قلته: إنه كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتوضئون مما مست النار، فإذا أكلوا طعاماً مطبوخاً يتوضئون، خبزاً أو لحماً أو أي شيء طبخ على النار، ثم نسخ هذا تخفيفاً على الأمة ورحمة بها، وأصبح الرجل يتعشى ويأكل ويشرب ولا يتوضأ، وإن توضأ فهو أفضل وأحسن له.
فإذا كان ذاك الطعام يمنع الوضوء في وقت من الأوقات فكيف بالذي يدخل النار والدخان مدة في فمه، أما يكون قريباً من إبطال الوضوء؟
فأقول: كيف يجوز للمؤمن أن يلوث فمه ويلطخه ويرمي السيجارة عند باب المسجد ويدخل ويقول: بسم الله، والحمد لله، ويتكلم مع الله! ما يجوز هذا، لماذا شرع الوضوء؟ أليس لأن تتكلم مع الله وأنت طاهر؟! لماذا شرع السواك عند الصلاة والوضوء؟! لتتكلم مع الله وأنت طاهر، فكيف ترمي السيجارة عند الباب وتدخل وفمك رائحته كريهة وتتكلم مع الله؟! أمر بشع!!
وقبل ذلك كله قلت: والله إن التدخين لحرام، والدليل ما يلي:
ما من نبي نبأه الله وأرسله إلا وعلمه خمس كليات يجب صيانتها والحفاظ عليها:
الكلية الأولى: كل ما يضر بجسم الإنسان حرام، من عهد إبراهيم وموسى ونوح ..؛ لأن هذا الجسم خلقه الله ليعبده، ليذكر ويشكره، فكيف يرضى بأن يمرض فيتعطل عن ذكر الله وشكره، فكلما يضر بالجسم حرام، والتدخين ضار بالجسم، وقد ذكرت أن مؤتمراً انعقد في باريس منذ عشرات السنين واتخذوا قراراً بأن نسبة الذين يموتون من المدخنين (75 %).
الكلية الثانية: حفظ المال، فلا يجوز إفساد المال، ولا العبث به ولا دفنه ولا رميه أبداً، فلابد من حفظ المال، والذي يحرق ماله بسيجارة أفسد ماله، تجده يخرج في العصر يشتري علبة سيجارة ويحرقها، أليس إفساداً للمال؟ والله إن هذا لإفساد للمال، وهذا الذي اشتراه ودخن به لا يقوي جسمه، ولا يزيد في عقله، بل هو معصية، فكيف إذاً يجوز التدخين؟
الكلية الثالثة: الدين، كل ما يضر بالدين ممنوع، والتدخين يضر بالدين، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (من أراد منكم أن يبصق فلا يبصق عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً ولكن يبصق بين يديه) والمدخن يقول: أف في وجه الملك، ونحن معنا أربعة ملائكة فكيف ينفخ في وجوههم الرائحة الكريهة، كيف يجوز هذا؟ من أجازه؟
الكلية الرابعة: العرض، كل ما يمس عرض الآدمي فهو حرام، أرأيتم لو أن إماماً يخطب بالناس على المنبر ثم يجلس الجلسة الثانية ويشعل سيجارة، هل فيكم من يرضى عنه؟ أو يضحك في وجهه؟ نعوذ بالله من التدخين وأهله..
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (152) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net