اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (149) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد ..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي -أي: الجامع- للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وقد انتهى بنا الدرس إلى الأحكام، فهيا بنا نتدارس حكماً من تلك الأحكام.
[المادة الرابعة: في الإجارة].
على ماذا هذا العقد؟ على منفعة يستفيدها صاحب الإجارة، وهي معلومة بثمن معلوم.
وثالث دليل: [ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص:27]] قالها شعيب لموسى: عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص:27] أن يرعى الغنم مقابل تزويجه أحد بناته.
[وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( قال الله عز وجل )] ماذا قال؟ [( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة )] يقول الرسول الكريم: ثلاثة أنفار من أمتي أنا خصمهم يوم القيامة -والعياذ بالله- من هؤلاء الثلاثة؟ [( رجل أعطى بي ثم غدر )] هذا الرجل يكون الرسول خصمه؛ لأنه أعطى باسم الله ثم غدر [( ورجل باع حراً فأكل ثمنه )] والحر لا يباع، بل يباع المملوك، أيام كانت المماليك، وهذا الرجل باع حراً وأكل ثمنه، فمن يكون خصمه؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة [( ورجل استأجر أجيراً )] وهذا محل الشاهد [( فاستوفى منه عمله ولم يوفه أجره )] فالرسول خصمه يوم القيامة. وهذا الثالث معناه: أن رجلاً استأجر أجيراً فاستوفى له الأجير عمله ولكن لم يوفه أجره، أي: لم يعطه الأجرة.
والدليل الثالث: [ولاستئجاره صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ] استأجر الرسول أجيراً مع أبي بكر من مكة إلى المدينة يدلهم على الطريق بأجرة معينة [في هجرتهما رجلاً خريتاً] أي: جغرافياً يعرف الطرق والمسالك [من بني الديل] أي: من قبيلة بني الديل [يرشدهما إلى دروب المدينة ومسالكها].
فالرسول عليه الصلاة والسلام استعمل الأجرة مع أبي بكر حين استأجر رجلاً خريتاً يعرف الطرق، وأعطاه أجراً على أن يدلهم على الطريق إلى المدينة.
هذه أدلة على أن الاستئجار جائز، والأجرة أخذها جائز، ولكن مع شروط. فحكم الإجارة جائز، مثل استئجار بيت أو سيارة ليس في ذلك شك، ولكن لا بد من معرفة شروطها وأحكامها.
إذاً: معرفة المنفعة التي من أجلها استأجرنا كسكنى الدار؛ فأنا أجرتك هذه الدار للسكنى؛ أي: لتسكن فيها، أو خياطة الثوب، فأنا أعطيتك ثوباً لتخيطه فالعلة هي الخياطة، إذ هي كالبيع والبيع لا بد فيه من معرفة المبيع، فإذا بعتك سيارة أو داراً أو أمة فلا بد وأن تعرفها قبل البيع.
[فلا يجوز استئجار أمة للوطء] وهذا أيام كانت الإماء موجودة، فيستأجرها يومين أو ثلاثة للوطء، وهذا كنكاح المتعة والعياذ بالله [أو امرأة للغناء] أو للبكاء أو للنياحة، فلا يجوز استئجار امرأة مغنية للعرس؛ لأن الغناء حرام فكيف تستأجر امرأة للغناء؟! كذلك إن كانت امرأة معروفة بالنوح والبكاء والصراخ، كأن يموت لك ولد فتقول: تعالي يا فلانة ابكِ عندنا ولكِ من الأجر كذا. فيستأجرها للبكاء، وهذا لا يجوز.
فلا بد من إباحة المنفعة التي من أجلها استأجرنا، فلا يجوز استئجار أمة للوطء، أو امرأة للغناء أو النوح مثلاً.
[أو أرضاً لتبني كنيسة] لا يجوز كذلك [أو مخمرة] أو دار بغاء وزنا.
فإذا استأجرت لابنك أو لأخيك أو لأهل القرية من يعلمهم علماً أو صناعة فهو جائز، والدليل: مفاداة النبي صلى الله عليه وسلم بعض أسرى مكة في بدر بتعليمهم عدداً من صبيان المدينة الكتابة، يعني ما كان عندهم مال يفدون به أنفسهم، فكلفهم بتعليم الكتابة لأولاد المدينة، وهذا استئجار للتعليم. فقد كان هناك سبعين أسيراً في بدر، بعضهم كان عنده مال فدى نفسه، وبعضهم ما كان عنده، فكيف يفدي نفسه؟ قال الرسول: تعال علم أولادنا الكتابة ونعطيك أجرة.
[لقوله صلى الله عليه وسلم وقد قرأ: طسم [الشعراء:1] حتى بلغ قصة موسى، فقال: ( إن موسى آجر نفسه ثماني حجج )] أي: ثماني سنوات [(أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه )] حتى يتزوج بنت شعيب فلا يفجر، وعلى طعامه وشرابه. ومعناه: جواز استئجار الشخص بالأكل والشرب واللباس ولا حرج أن يفعل كذا وكذا وكذا.
فالإنسان بم يستأجر؟ بطعامه وشرابه وكسوته، وعلى ماذا؟ على أن يحفر أرضاً أو يبني أو يغرس.. على حسب الحاجة. والدليل من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم وقد قرأ صلى الله عليه وسلم: طسم [الشعراء:1] حتى بلغ قصة موسى، فقال: ( إن موسى آجر نفسه ثماني حجج أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه ).
أو أجره -مثلاً- قلماً ليكتب به ثم منعه من الانتفاع به، أو أجره داراً، ثم قال له: أجرتك هذه الدار لكن لا تسكنها إلا بعد سبع سنين أو سبعة أشهر أو سبعة أيام، فحدد له موعداً، فإنه يسقط من الأجرة بقدر ذلك القدر الذي منعه.
أو أجره بستاناً ثم منعه من الانتفاع بالذي آجره مدة كشهر أو شهرين أو ثلاثة، سقط من الأجرة التي كانت ألفاً مثلاً لتصبح سبعمائة، أي: بقدر المدة التي منعها، وهكذا إذا منع يوماً أو يومين أو أسبوع؛ وإن ترك المستأجر الانتفاع من نفسه فعليه الأجرة كاملة.
إذاً: تفسخ الإجارة بتلف العين المؤجرة كسقوط الدار أو موت الدابة مثلاً، وعلى المستأجر أجرة المدة التي انتفع فيها بالعين المؤجرة؛ فإذا استأجر داراً وجلس فيها شهرين ثم سقطت، دفع أجرة الشهرين التي سكنها فقط، لا بد وأن يدفع هذا القدر، أو استرجع أجرته ساقطاً منها مقابل السكن الذي سكنه.
[وإن انتفع بالمؤجر مدة فعليه أجرتها] من استأجر شيئاً: كدابة أو سيارة -أو قل ما شئت- ووجد فيه عيباً أو نقصاً فإن له فسخ هذه الأجرة، اللهم إلا إذا كان قد علم بهذا العيب قبل الاستئجار فلا يحق له النقض، وإن انتفع بالمؤجر مدة فعليه أجرتها، فإذا استأجر منزلاً وسكن فيه شهرين أو ثلاثة ثم تبين له العيب فيه بعد ذلك فله أن يسترجع دون أجرة الشهر أو الشهرين التي سكن فيها.
فإذا تركت عندك هذا الثوب أو هذه السيارة لتحفظها لي حتى أجيء ثم ضاعت فإنك لا تضمن أبداً وديعة من الودائع، أو استودعتك مالاً في جيبك ثم ضاع أو أخذ منك فلا تؤديه، بل هو وديعة تراعها ما استطعت فإن أخذت بدون إرادتك فليس عليك شيء.
فالخياط أجير مشترك مع الناس كلهم، والحداد كذلك يصنع للناس كلهم، وهذا وذاك يضمن ما أتلفه بفعله هو لا ما ضاع من دكانه؛ لأنه حينئذ يكون كالوديعة، والودائع لا تضمن [ما لم يفرط صاحبها] أما إذا ترك بابه مفتوحاً مثلاً فلا بد وأن يضمن، لكن إذا كان متحفظاً حارساً ثم غُلب فلا شيء عليه، فإذا استودعتك ألف ريال ثم ضاعت منك فلا شيء عليك، أما إذا أهملت أو فرطت فلا بد وأن تضمن.
[والأجير الخاص كمن استأجر شخصاً يعمل عنده خاصة، لا ضمان عليه فيما أتلفه ما لم يثبت أنه فرط أو تعدى] فإذا استأجرت أجيراً ليعمل عندك ثم أضاع شيئاً فلا ضمان عليه، إلا إذا تعين أنه أراد بذلك الضياع والتفريط فلا بد وأن يوافى ويؤخذ من أجرته.
إذاً: الودائع لا تضمن ما لم يفرط صاحبها، والأجير الخاص كمن استأجر شخصاً ليقود سيارة أو يركب دابة لا ضمان عليه فيما أتلفه، ما لم يثبت حقاً أنه فرط أو تعدى، أي: فرط في تلك الأمانة التي يعملها واعتدى عليها.
فالأجرة يتعين دفعها بعد استيفاء المنفعة أو تمام العمل، أي: ليس من أول يوم يعمل فيه اللهم إلا أن يكون قد اشترط دفعها عند العقد، فإذا اشترط ووافق المستأجر جاز ذلك؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( لكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله ) أي: فرغ منه.
إذاً: للمستأجر حبس العين، أي: المادة أو الثوب أو البضاعة أو الحيوان حتى يستوفي أجره، وهذا إذا كان العمل ذا تأثير في تلك الذات كالخياط مثلاً، ليس أنه تأخير في خياطته، وإن كان لا تأثير فيه كمن أُجر على حمل بضاعة إلى مكان كذا فليس له حبسها بل يوصلها إلى محلها ويأخذ أجرته، أي: ليس له أن يقف في الطريق.
إذاً: من عالج أو داوى مريضاً بأجرة ولم يكن قد عرف بالطب فأتلف شيئاً أو أفسده فعليه ضمانه لماذا؟ [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن )] أي من ادعى الطب، وما عرف أنه طبيب فهو ضامن لما أتلفه من العين أو الرجل أو غيرها ..
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: إي نعم، إذا كان أوصاهم بذلك وأعطى أجرة لنائحة لتبكي عليه، فإنه يعذب ببكاء أهله، أما إذا ما وصى ولا أذن ولا أمر ثم هم بكوا من أنفسهم فهم الآثمون وهو بريء ولا إثم عليه.
فإذا وصاهم وأمرهم بأن تبكي عليه فلانة فهو آثم آثم آثم، وإذا كان ما وصى ولا أمر ولا كان يرضى بذلك فلا إثم عليه، والآثمون هم الباكون.
الجواب: إي نعم، يعلمون ويردون ويفرحون، فأرواحهم في الجنة، والاتصال بين القبر والروح متصل كالكهرباء الآن ولا حرج، فأيما مؤمن يسلم على أهل مقبرة إلا عرفوا وردوا عليه السلام.
الجواب: لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً )، فلما استشهد جعفر في تبوك قال الرسول لقومه ولإخوانه: ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد جاءهم ما يشغلهم ).
أقول: إذا كان جيرانك وأحباؤك وإخوانك هم الذين صنعوا الطعام للزوار والمعزين فلا حرج، أما أن تقوم أنت صاحب الميت بهذا فقد كلفت نفسك ما لم تكلف، ولا تفعل.
الجواب: لا يجوز لا يجوز، والذي يجوز كلما طفت شوطاً ادع لمن تريد بالجنة والنجاة من النار، أما أن تهب له أجر هذا الطواف فأنت لم تملكه حتى تهبه، أنت تتوسل إلى الله، فإذا طفت ادع للميت بالمغفرة والرحمة.
الجواب: لا يشرع. الأذان من أجل أن يسمع الناس فيحضروا، والإقامة حتى يقوموا ويحضروا، فالمرأة تقيم الصلاة ولا حرج، أما الأذان فلا داعي له، وصوتها ممنوع لا يسمع فكيف ترفع الصوت بالأذان؟ لا يجوز لا يجوز.
الجواب: تصليها في المسجد لا في بيتك، فإذا كنت لم تخرج من بيتك بعد وعلمت أن المسجد انتهى والصلاة انتهت فصلِّ في بيتك، أما وقد جئت من بيتك إلى المسجد فخطواتك محسوبة لك بالأجر، فتدخل إلى المسجد وتصلي، وقد يجيء من يصلي معك، أو قل لأحدهما: قم صلِّ معي -ولا حرج- ممن صلوا حتى تكون جماعة.
الجواب: إن كان في إمكانه أن يدخل في الصفوف ويصلي معهم ورفض ذلك وأبى فصلاته باطلة، وإن كان لم يجد مكاناً والصفوف ممتلئة وما جاء أحد معه وصلى منفرداً فصلاته -والله- صحيحة؛ لأن الرسول حدد، ووالله لو ما قال هذا الكلام لكان أصحاب الغنى واللباس الجميل كلهم يصلون وحدهم لا مع الصفوف. أيكون ثياب وعطر وغنى ثم يدخل مع الفقراء والمساكين؟! لن يقبل هذا وسوف يصلي وحده، فمن ثمَّ منع هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد وأن تصلي مع الصفوف فقراء كانوا أو مرضى أو قل ما شئت.
مداخلة: وكيف يدخل إلى الصف؟
يستأذن بلمسة فإذا استجاب فبها ونعمت، أما بالعنف فحرام عليه، بل يمسه من كتفه ليفهم الآخر، فإن تراجع معه رجع والآخرون ضموا أنفسهم إلى بعضهم، أما أن يقول: تعال معي صلِّ فلا يجوز هذا.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (149) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net