اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة فلسطين إسرائيل الكبرى للشيخ : راغب السرجاني
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، اللهم لا تجعل مصيبتا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم لا تجعل إلى النار مآلنا، واجعل الجنة هي دارنا ومستقرنا. آمين آمين.
وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فمع المحاضرة الرابعة من المحاضرات الخاصة بقضية فلسطين، وكنا قد تحدثنا في الحلقات الثلاث السابقة عن المؤامرة الضخمة التي تحاك ضد أمة الإسلام، وبالتبعية لفلسطين، وتحدثنا عن دور عموم الشعوب في هذه القضية، وذكرنا أن الدور الأول والأساسي هو تصحيح المفاهيم الخاصة بقضية فلسطين، وتحريك القضية بهذه المفاهيم وبسرعة.
ثم أتبعنا ذلك بالحديث عن المفهوم الأول الهام: وهو لماذا نحرر فلسطين؟ وخلصنا إلى أن تحرير فلسطين يرجع إلى أنها أرض إسلامية فتحت بالإسلام وحكمت بالإسلام، ولا نحررها لاعتبارات أخرى كثيرة ذكرناها في موضعها.
واليوم نتحدث عن مفهوم آخر أيضاً شديد الأهمية، وهو مفهوم إسرائيل الكبرى، يعني: ماذا تعني إسرائيل الكبرى؟
هناك مقولة تظهرها كثير من وسائل الإعلام، بل وتظهرها وسائل إعلام إسرائيل ذاتها، هذه المقولة هي: أن هناك ما يسمى بإسرائيل الكبرى، إسرائيل الصغرى هي فلسطين، أما إسرائيل الكبرى في زعمهم فهي فلسطين بكاملها بما فيها الضفة الغربية وغزة والأردن بكاملها ولبنان بكاملها، وسوريا بكاملها، وجزء كبير جداً من العراق يصل في بعض الخرائط الإسرائيلية إلى الفرات، وفي بعضها إلى دجلة، كذلك مصر حتى الفرع الغربي من النيل -يعني: أرض دلتا النيل كلها داخلة في أرض إسرائيل الكبرى، كذلك شمال السعودية حتى المدينة المنورة، بل في بعض الكتابات اليهودية يوضح اليهود أنهم يطمعون في أن تمتد حدودهم إلى حوالي ( 112 ) كيلو متراً جنوب المدينة المنورة -خيب الله ظنونهم- وبعض الخرائط أيضاً تضم جنوب تركيا إلى هذه الخريطة الواسعة.
هل فعلاً قضية إسرائيل الكبرى هذه قضية تفكر فيها إسرائيل؟ أم أنها أسطورة ذكرت في بعض الكتب أو ذكرت في بعض الصحف أو المجلات؟
الحق أن هناك إشارات كثيرة تشير إلى أن إسرائيل تفكر فعلاً في موضوع إسرائيل الكبرى، على سبيل المثال: هناك خريطة كبيرة معلقة على باب الكنيست وحدود هذه الخريطة من دجلة في العراق إلى النيل في مصر، معلقة في منتهى الوضوح على باب الكنيست، كما أن في ظهر عملة الشيكل الإسرائيلية خريطة من دجلة إلى النيل.
أيضاً: هناك أمر ثالث من الشواهد أو الإشارات وهو أن علم إسرائيل يحمل خطين أزرقين بينهما نجمة داود، الخط الأول منهما إشارة إلى نهر دجلة أو الفرات، والخط الآخر يشير إلى نهر النيل، لكن هذا الكلام ليس فقط بالإشارات، بل هم يصرحون به أحياناً، فمن أبسط الأمثلة على ذلك: مذكرات تيودور هرتزل ، هذا رجل له باع كبير جداً في إنشاء الدولة اليهودية في داخل أرض فلسطين، وسيأتي الحديث عنه بالتفصيل، ذكر تيودور هرتزل في مذكراته: أن حدود إسرائيل الكبرى التي ينوي أن يقيمها هناك في أرض فلسطين تمتد من نهر دجلة إلى نهر النيل في مصر، حتى إنه كان في حيرة من أمره، يقول: هذه هي الحدود التي بين الشرق والغرب، فأين الحدود الشمالية الجنوبية، وذكر في مذكراته أنه التقى مع راهب إنجليزي وتناقشا سوياً في هذا الأمر، وخلص إلى أن الحدود الشمالية تصل إلى جبال في جنوب تركيا، وتصل في الجنوب إلى المدينة المنورة حيث كانت قبائل بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير في المدينة المنورة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك رجل اسمه روتشلد وهو من أثرى أثرياء اليهود وكان يعيش في زمن تيودور هرتزل في أوائل القرن العشرين، عثروا في خزانته على خريطة كتب عليها مملكة إسرائيل، وهي أيضاً تضم نفس الحدود التي تحدث عنها تيودور هرتزل من قبل.
بل خطاب بن غوريون نفسه، وهو أول رئيس لإسرائيل، عندما كونت دولة إسرائيل في سنة 1948م خطب وقال: إن خريطة فلسطين الحالية إنما هي خريطة الانتداب وللشعب اليهودي خريطة أخرى يجب على شباب اليهود أن يحققوها وهي خريطة التوراة التي جاء فيها: وهبتك يا إسرائيل! ما بين دجلة والنيل.
إذاً: هم يصرحون بهذا الأمر ويعلنونه، وليس مجرد خواطر أو أفكار يرهبون بها الناس.
ترى هل هناك شواهد عملية تثبت تحركهم في هذا الاتجاه، أم أن هذه مجرد دعاية ضخمة جداً لإرهاب الدول المحيطة بإسرائيل؟
الحق أن هناك شواهد كثيرة تشير أنهم فعلاً يسيرون في هذا الاتجاه.
الشاهد الأول: تأسيس دولة إسرائيل في داخل فلسطين، والحق أن هذا الأمر من أكبر الشواهد على أنهم يسيرون بالفعل في اتجاه إنشاء إسرائيل الكبرى، وهي خطوة في منتهى الصعوبة، ولكنها تمت على مدار خمسين سنة كما سيأتي بالتفصيل إن شاء الله.
ثانياً: حرب سنة 1967م، ففي هذه السنة تقدمت إسرائيل من حدود فلسطين إلى قطاع غزة وإلى الضفة الغربية، وبذلك استحوذت على كل فلسطين، ثم تجاوزت ذلك إلى سيناء في مصر وإلى الجولان في سوريا، وهي أجزاء داخلة في حدود إسرائيل الكبرى، يعني: بدأت تأخذ بالفعل خطوات عملية لتكوين ما يسمى بإسرائيل الكبرى، بل إن موشي ديان وزير الدفاع في ذلك الوقت أعلن بمنتهى الوضوح أنه لما احتل اليهود القدس في سنة 1967م أصبح الطريق مفتوحاً إلى يثرب وإلى بابل هكذا قال، ثم قال أيضاً لما احتلت سيناء: لقد حررنا سيناء، وكأن سيناء أصلاً كانت ملكاً لليهود، ثم حررت بعد أن احتلها المصريون فترة من الزمان.
ثالثاً: في سنة 1982م وقعت حرب احتلال لبنان، فلبنان داخلة أيضاً في حدود إسرائيل الكبرى، فقد انطلق اليهود من داخل فلسطين لاحتلال لبنان حتى وصلوا إلى حدود بيروت واستقروا هناك لمدة 19 سنة، ولم يخرجوا إلا رغماً عن أنوفهم كما سيأتي إن شاء الله في تفصيل تاريخ إسرائيل الحديث.
رابعاً: حرب الخليج ذاتها هي إشارة كبيرة إلى ما تنوي أن تفعله إسرائيل في المنطقة، نزول هذه القوات الضخمة جداً للأمريكان في هذه المنطقة، والتي تعتبر في خريطة إسرائيل هي الحدود الجنوبية لدولة إسرائيل بالقرب من منطقة العراق، تدمير القوة العسكرية في دولة العراق، وهي الدولة التي يدخل كثير من أرضها داخل حدود إسرائيل الكبرى، واستقرار الجيوش الأمريكية في هذا المكان، كل هذه إشارات إلى تأمين هذه الحدود الشرقية لمملكة إسرائيل الكبرى.
أنا أتخيل شكل إسرائيل الكبرى عبارة عن دوائر، كل دائرة أوسع من الدائرة التي قبلها، فالدائرة الصغرى هي أرض فلسطين ذاتها، وهذه الدائرة قد استطاع اليهود أن يسيطروا على معظمها، وبقيت بعض المناطق في الضفة الغربية وفي غزة، وهم يسعون إلى احتلالها وضمها وقد فعلوا ذلك من قبل في سنة 1967م.
والدائرة الثانية هي الدائرة المحيطة الأوسع، دائرة مصر والأردن وسوريا ولبنان، وهذه الدائرة قد حاولوا من قبل أن يدخلوها بالسلاح، ولكنهم فشلوا وخرجوا من مصر سنة 1973م ثم بعد ذلك كانت المعاهدة، وإن كان هناك سلبيات كثيرة كما سيأتي في الحديث عن المعاهدة، وخرجوا أيضاً من لبنان سنة 2000م، ومن أجل تحقيق حدود هذه الدائرة من جديد بدأت إسرائيل في محاولة إنشاء علاقات طيبة في داخل هذه البلاد عن طريق أمريكا، وهم يحاولون بذلك القضاء على روح العداء لإسرائيل عند هذه الشعوب، فتصبح شعوباً صديقة، ومع مرور الوقت يحدث الأمان لإسرائيل، ثم يغدر اليهود كعادتهم ويهجمون حين لا يتوقع أحد الهجوم.
إذاً: هذه الدائرة التالية لأرض فلسطين وقد تضم إليها دولة السعودية، فهي أيضاً على علاقات طيبة مع أمريكا، والعلاقة طيبة جداً كما سيأتي بين أمريكا وإسرائيل، بل هي أكثر من أن تكون طيبة، فهناك أمور أخرى نؤجل الحديث عنها إلى محاضرة لاحقة.
الدائرة التي تتبع هذه الدائرة الملاصقة لدولة فلسطين هي دائرة تضم دولة العراق. وشاهدنا ما حدث في العراق في حرب الخليج، كذلك هناك دائرة تضم دولة السودان، وهناك مساعدات ضخمة جداً لـجون قرنق بجنوب السودان للسيطرة على هذه المنطقة، ومنع المد الإسلامي من النزول إلى وسط أفريقيا، أيضاً هذه الدائرة الواسعة تضم ليبيا وعليها حصار اقتصادي ضخم من أمريكا، تضم أيضاً هذه الدائرة تركيا في الشمال، وهناك علاقات قوية جداً بين إسرائيل وتركيا، يعني: هناك ثلاث دوائر تقريباً، دائرة صغيرة حولها دائرة أوسع ثم دائرة أوسع مطلقاً، وكل هذه الدوائر تعمل فيها إسرائيل، سواء عن طريق العساكر، أو عن طريق المفاوضات، أو عن طريق الضغوط والحصار، لكن المهم أن هناك نشاطاً مستمراً في كل بلد من هذه البلاد على مدار السنوات لتحقيق ما يسمى بإسرائيل الكبرى.
وأيضاً كل دولة موجودة في هذه المنطقة توقع على معاهدة لمنع نشر الأسلحة النووية أو الكيميائية أو البيولوجية أو أسلحة التدمير الشامل كما يقولون، إلا دولة إسرائيل لا توقع عليها، هكذا في منتهى الوضوح والصراحة، فإسرائيل تملك هذا السلاح ولا يتحرك أحد في العالم لأجل ذلك، أو لا تتحرك الأمم المتحدة المزعومة لإرغام إسرائيل كما أرغمت الآخرين على توقيع هذه المعاهدة، إذا كان هذا السلاح محرماً فعلاً على شعوب العالم فلا بد أيضاً من أن يحرم على دولة إسرائيل، لكن هذا لا يتم، وتوقيع الجميع على فقدان السلاح الأكبر في هذا الزمن وعدم توقيع اليهود فيه أيضاً إشارة إلى التفوق العسكري الملموس لهذه الدولة في هذا المحيط الواسع الذي سوف يصبح لاحقاً في ظنهم دولة إسرائيل الكبرى، ونسأل الله أن يخيب ظنونهم.
لماذا من المهم أن نعرف قصة إسرائيل الكبرى؟ لماذا من المهم أن نعرف إن كان هذا حقيقة أم مجرد أسطورة لا يسعى إليها أحد ولكنها مجرد خيال؟
أولاً: معرفة ما في رأس العدو يحدد طريقة تحركه والخطوات التي من المتوقع أن يخطوها، وما يمكن أن يتنازل عنه، وما لا يمكن أن يتنازل عنه.
ثانياً: أن تعلم خطورة القضية، وأنه لا يمكن فيها الانتظار، فالقضية ليست قضية فلسطين فقط، ولكنها خطة شيطانية لتدمير أكثر من قطر إسلامي، وأنا على يقين من أنه لو مكن لليهود من احتلال البلاد الداخلة تحت مسمى إسرائيل الكبرى فإنهم سوف ينشرون خريطة أخرى توسع أملاك اليهود، وتذكر آيات في التوراة تضم بها ليبيا أو السودان أو بقية السعودية أو اليمن أو إيران أو غيرها من البلاد: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79].
ثالثاً: بمعرفة هذا المخطط سيسهل عليك أن تشعر بمشاعر الفلسطينيين، وما هم فيه من ألم ومصاب، فكونك تعلم أن الخطر قريب جداً منك يجعلك تتحرك بحمية وبسرعة، فلو عرفت مثلاً أن مدينة من مدن العالم بها وباء الكوليرا فإنك قد تتعاطف تعاطفاً وجدانياً أو مادياً مع هذه المدينة، ولكن إلى حد معين، أما إذا علمت أن الكوليرا في المدينة المجاورة، وأنه من الطبيعي جداً ومن السهل جداً ومن المتوقع جداً أن تكون في مدينتك بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين -فإن استعدادك سيكون مختلفاً بالكلية، أيضاً لما تعلم أنه في تخطيط إسرائيل أن تكون في بلادك بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين سيكون رد فعلك مختلفاً بالكلية من حيث مساعدتك لأناس يعيشون في بلد ما يحاربون اليهود.
رابعاً: استراتيجياً ومن منطلق الأخوة والدين هل من المصلحة أن تكون الحدود الملاصقة لك مباشرة هي حدود دولة قوية يهودية نووية مسلحة بكل أنواع الأسلحة الحديثة، وفي قلبها كراهية معلومة لك، أم أن تكون حدودك مع دولة مسلمة شقيقة إن حدث خلاف بينك وبينها فإنه مهما تعاظم فإنه يكون إلى حدود، ومهما تباينت المواقف تبقى الشعوب يربطها رباط واحد وهو الإسلام؟
إذاً: قضية إسرائيل الكبرى قضية يدبر لها في خفاء وإعلان، بل لعلي لا أكون مبالغاً إن قلت: إن الجزء الأكبر والأهم والأصعب قد حدث بالفعل، وهو تأسيس دولة إسرائيل في داخل فلسطين، وهم على الجزء المتبقي أقدر إلا أن يمن الله على المسلمين بتوبة وطاعة وعمل وجهاد.
تعالوا نرى تاريخ إنشاء دولة إسرائيل المزعومة، تعالوا أريكم العجب العجاب، تعالوا نرى كيف أن رجلاً يتبعه بعض الرجال أفلح في سنوات معدودات أن يغير من تاريخ المنطقة، بل ويغير من تاريخ العالم، هذا الرجل كما ذكرناه من قبل في أول المحاضرة هو تيودور هرتزل أول زعماء الصهيونية الذين سعوا إلى تكوين دولة في داخل أرض فلسطين.
من هو تيودور هرتزل ؟ هو يهودي مجري يعمل في صحيفة في النمسا من مواليد سنة 1860م، ففي سنة 1895م -كان عمره حينها 35 سنة- ألّف كتاباً سمّاه: كتاب الدولة اليهودية، وفي هذا الكتاب طرح فكرة إنشاء دولة لليهود في العالم، وكان اليهود في ذلك الزمن مشتتين في كل بقاع الأرض، يهود في روسيا، في انجلترا، في فرنسا، في ألمانيا، في شرق أوروبا، في الحبشة، في أمريكا، في البلاد العربية، في أماكن كثيرة جداً مشتتون تماماً، ويعاملون باضطهاد ملحوظ في معظم بلاد العالم، إلا في الدولة العثمانية، فإنهم لم يجدوا أماناً إلا في دولة المسلمين، لكن هناك معاناة ضخمة جداً في كل بقاع الأرض لليهود.
ومعلوم أن كل الناس في الأرض يكرهون اليهود كراهية غريبة جداً متأصلة في قلوبهم وهذا من أفعالهم، فقد كتب الله عليهم الذلة والمسكنة، فهم يحاولون أن يتذللوا للناس ويتمسكنوا لهم حتى يمكن لهم في الأرض، فإن مكن لهم في مكان أذاقوا الناس الويلات وقاموا بالمؤامرات والمكائد، وخططوا لأشياء كثيرة في الخفاء، هذه الأشياء جعلت الكراهية لهم تدب في قلوب الجميع، حتى الأمريكان الذين هم أكثر الناس مساعدة لليهود، لو أخذت أمريكياً وكلمته في قضية اليهود، فإذا اطمأن أنه لا يسمع حديثه أحد فإنه سيبدأ يتحدث عن اليهود حديثاً غريباً جداً مما يجعلك تظن أنه ليس أمريكياً، يسب ويلعن كل ما هو يهودي، قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:113]، فالنصارى يعتقدون اعتقاداً جازماً -وهذا الاعتقاد بالطبع خاطئ- أن اليهود قتلوا المسيح، قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، لكن الحق أن اليهود حاولوا أن يقتلوا المسيح عليه السلام، ولكن الله رفعه، فهناك كراهية شديدة جداً في قلوب المسيحيين لليهود، وتاريخ المسيحيين مليء بكثير جداً من الكراهية لليهود، وكثير جداً من الخلافات والثورات من اليهود على المسيحيين، ومن المسيحيين على اليهود، لكن اجتماع المصالح كما سيأتي جمع بينهم في هذه الآونة بين الأمريكان واليهود.
تيودور هرتزل لما وجد هذا التشتت وهذا الاضطراب والضياع في اليهود فكر في إنشاء دولة يهودية، لكنه كان محتاراً في أي مكان من الأرض ينشئ هذه الدولة، فبدأ تيودور هرتزل يفكر في الأماكن المتاحة التي من الممكن أن ينشئ فيها هذه الدولة، فكر في أماكن كثيرة وأحد هذه الأماكن كان فلسطين، لكن كان هناك خيارات كثيرة أخرى مطروحة، وانظروا إلى فعل هذا الرجل، فإني ذكرت هذا المثال لكي يتعلم المسلمون كيف يتحركون لقضيتهم، هذا الرجل كان علمانياً أصلاً، أي: ليس يهودياً ولا يؤمن بهذه اليهودية، كل ما يريد هو تكوين دولة علمانية صهيونية سياسية لليهود، لكن ليس له ارتباط وثيق بالتوراة كما سيأتي، هذا الرجل بذل مجهوداً يعجز عن بذله كثير من المسلمين مع أنهم يرجون جنة ويخافون ناراً، وهو لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً، فقد فكر على سبيل المثال في ليبيا، وكانت ليبيا في ذلك الوقت منفصلة عن الدولة العثمانية، وهي أقرب البلاد إلى إيطاليا، إذ إن إيطاليا في شمال ليبيا بعد البحر الأبيض المتوسط، فذهب تيودور هرتزل من النمسا إلى إيطاليا، وقابل ملك إيطاليا هناك، وطلب منه أن يساعده في تكوين دولة يهودية في أرض ليبيا، على أن يمنح بعد ذلك تسهيلات كثيرة للإيطاليين في أرض ليبيا كما يريد، لكن ملك إيطاليا فكر في الموضوع ورفض، ولم يدرك تيودور هرتزل في ذلك الوقت أن لإيطاليا أطماعاً كثيرة في ليبيا، فإنه بعد ذلك بسنوات أتت إيطاليا واحتلت ليبيا في سنة 1911م كما تعلمون.
لم ييأس تيودور هرتزل ففكر في موزمبيق، وانظروا إلى أي حد تفكيره، كان تفكيره في أشياء بعيدة جداً عن أرض فلسطين، المهم مكان يضم اليهود ويجعل لهم دولة، وكانت موزمبيق في ذلك الوقت مستعمرة برتغالية، فذهب إلى ملك البرتغال، وطلب منه أن يساعده في إنشاء دولة يهودية في موزمبيق، وكان ملك البرتغال قد اضمحل ملكه في العالم، وكانت مملكة البرتغال في يوم من الأيام لها مستعمرات كثيرة جداً في كل أراضي العالم، ولم يبق لها إلا مستعمرات قليلة، منها موزمبيق وبعض المستعمرات في أمريكا الجنوبية، فرفض وقال له: لم أعد أملك شيئاً.
ففكر في أوغندا، وأوغندا في ذلك الوقت كانت تحت الاحتلال الإنجليزي، فذهب إلى الإنجليز، وطلب منهم أن يساعدوه في إنشاء دولة في أوغندا، ووافق الإنجليز ضمنياً أن ينشئوا دولة لليهود داخل أرض أوغندا، لكن الحل لم يكن مثالياً في ذهن تيودور هرتزل ، إذ إن أوغندا بلد في وسط أفريقيا، وليس لها أي حدود بحرية، وهي حارة جداً فلم تكن مناسبة، ولكن إن لم يستطع أن يكون دولة في مكان آخر فلتكن في أوغندا.
ثم فكر في سيناء، وذهب أيضاً إلى الإنجليز، وعرض عليهم فكرة إنشاء دولة في سيناء، وكانت سيناء في ذلك الوقت محتلة من قبل الإنجليز، وكان الاحتلال الإنجليزي لمصر في سنة 1882م، ووافق الإنجليز وذهبوا إلى مصر، وحاولوا إقناع اللورد كرومر الإنجليزي الذي يحكم مصر في ذلك الوقت، وبالفعل جهزوا حملة ذهبت إلى أرض سيناء وبحثت عن المياه هناك، ونقبوا عليها فوجدوا أن الأرض لا تصلح في هذه الآونة إلى إقامة دولة كاملة، فأسقطت سيناء من الفكرة.
ثم ذهبوا إلى قبرص وفكروا في إقامة دولة هناك، لكن قبرص كانت دولة محدودة ليس فيها أحلام توسعية؛ لأنها جزيرة تحيط بها المياه من كل جانب.
إذاً: كل الأطروحات التي طرحها تيودور هرتزل في ذهنه وسعى إلى محاولة تحقيقها لم تفلح، فظن تيودور هرتزل أن البلد الأنسب لإقامة الدولة اليهودية أحد بلدين: الأرجنتين أو فلسطين. سبحان الله! شتان بين البلدين، مساحات شاسعة جداً بين البلدين، فالأرجنتين في أمريكا الجنوبية، وفلسطين في آسيا، وبالفعل كانت هناك محاولات لترحيل اليهود إلى الأرجنتين، فقد كانت الأرجنتين مستعمرة إنجليزية في ذلك الوقت، لكن هناك مشكلة ضخمة جداً في الأرجنتين، وهي أنها بعيدة جداً عن كل بقاع العالم، فالإتيان بالمهاجرين من روسيا أو أوروبا أو أفريقيا إلى الأرجنتين فيه مشقة كبيرة جداً، ومع ذلك سعى إلى بيوت المال اليهودية ليرصد مالاً لهذا الأمر، لكنه كان يعتقد في داخله أن فلسطين أرض أفضل من الأرجنتين، وكانت من الصعوبة بمكان، كانت فلسطين في ذلك الوقت جزءاً من الدولة العثمانية الكبيرة، مع أن الدولة العثمانية في لحظاتها الأخيرة كانت ضعيفة نسبياً، لكن أنى له أن يذهب ويأخذ جزءاً من هذه الدولة الكبيرة.
ففكر تيودور هرتزل أن يشرك معه علماء وقادة اليهود في العالم، وقرر أن يقوم بجمعهم في مؤتمر عام في مدينة بال في سويسرا، كان ذلك في سنة 1897م، يطرح في هذا المؤتمر كل هذه الاقتراحات المتاحة سواء كان أوغندا أو الأرجنتين أو فلسطين، ويختارون جميعاً البلد المناسب، ويتخذون الخطوات المناسبة لتحقيق هذا الحلم.
وبالفعل وجه دعوة إلى معظم قادة اليهود في العالم وأشهر حكمائهم، فجاءه رجال السياسة، وجاءه رجال الدين، وجاءه رجال الفكر، وجاءه رجال المال، وجمع 197 عضواً في هذا المؤتمر الكبير في مدينة بال، وفي هذا المؤتمر أخذوا قرارات كثيرة، كان أهم هذه القرارات هي اختيار فلسطين كوطن لليهود، وإلغاء فكرة الأرجنتين أو أوغندا أو سيناء أو غيرها من الاقتراحات، التركيز على قضية فلسطين فقط.
لماذا اختار اليهود أرض فلسطين لإنشاء دولتهم؟
السبب الأول: لكونها أرض المثوى لداود وسليمان عليهما السلام، وأرض الميعاد لليهود كما جاء في توراتهم؛ ولذلك فالفكرة دينية وعقائدية، لكننا نقول: إن تيودور هرتزل شخص علماني لا يتمسك أبداً باليهودية، حتى إنه في مذكراته يقول: عندما كنا في مؤتمر بال في سويسرا كنت أضطر إلى الذهاب إلى المعبد اليهودي حتى لا يشك فيّ رجال الدين الموجودون هناك في سويسرا، فما أهمية أن تعلن القضية من منطلق ديني، ولماذا القضية هامة جداً لـتيودور هرتزل ولمن معه من المؤسسين لدولة إسرائيل؟
أولاً: من السهل أن يقنعوا اليهود في كل بقاع الأرض أن يتجهوا إلى هذه البقعة، خذ عندك مثلاً: رجل يعيش في فرنسا أو في أمريكا أو في انجلترا ظروفاً معيشية طيبة وعنده مال، فلماذا يترك هذه البلاد ويتجه إلى مكان آخر حتى يعيش فيه؟ لا بد أن يحرك عواطفه بشيء ما، هذا الشيء هو العقيدة اليهودية حتى وإن كان المتحدثون بها غير مقتنعين بهذه العقيدة، فقالوا: الدين هذا وسيلة طيبة جداً لتحريك اليهود أنفسهم من أجل أن يذهبوا إلى أرض فلسطين.
الشيء الآخر: لما نأتي ونكلم النصارى أو نكلم المسلمين أو نكلم أي أحد في الأرض يكون لنا مرجعية لا نستطيع أن نغير فيها وهذا كلام الله الذي يقوله لنا في الكتاب. لا أستطيع أن أغير، الله قال لنا: من النيل إلى الفرات. لا أستطيع أن أغير، والله قال لنا: نرجع إلى أرض الميعاد. لا أستطيع أن أغير، فأنا مضطر لهذا الأمر، هكذا يقول تيودور هرتزل ومن معه: مرجعية إلى الله سبحانه وتعالى.
إذاً: الأمر الديني هذا جعل لفلسطين موقعاً خاصاً عند اليهود.
الأمر الثاني: أن فلسطين مركز لكل قوى العالم، وطريق للالتقاء بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وهي بذلك تعتبر مركزاً استراتيجياً هاماً للسيطرة على العالم، وهو حلم يهودي قديم.
ثالثاً: كونها في مكان متوسط يسهل على الجميع القدوم من أي مكان للهجرة بعكس الأرجنتين وموزمبيق وأوغندا البلاد البعيدة.
رابعاً: المناخ المعتدل في أرض فلسطين أيضاً يسهل للمهاجرين من أي مكان أن يأتوا إلى فلسطين سواءً من روسيا الباردة جداً أو من أوروبا وأمريكا الباردة نسبياً، أو من دول الشرق الأوسط المعتدلة الحرارة، أو من الحبشة الحارة وهكذا، فهو بلد يناسب كل التوجهات.
كانت فلسطين في ذلك الوقت يعيش فيها فقط 4500 يهودي موزعين في كل أرض فلسطين، فكيف نمكن من قيام دولة في هذا المكان وليس لنا فيها إلا 4500 رجل فقط؟ فأخذوا بعض القرارات المهمة لتنفيذ هذه الخطة الشيطانية.
القرار الأول: تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومن الوسائل التي تشجع اليهود على الذهاب إلى فلسطين أمر الدين. فقد ذكرنا أن الدين كان العامل الأساسي لاختيار أرض فلسطين لتكون وطناً لليهود، لكن كيف تصل هذه الفكرة لكل يهود الأرض؟ فليس من المعقول أن نذهب لكل يهودي ونسر له في أذنه أننا نريد وطناً في فلسطين لا، ففكروا في أمر برعوا فيه ألا وهو الإعلام، فذهبوا إلى أشهر جريدة في لندن واشتروها بالمال شراءً كاملاً، وأطلقوا عليها بعد ذلك: (جيوش كرنكل) أو أخبار اليهود أو أنباء اليهود، وأنشئوا جريدة أخرى أطلقوا عليها: (فويس أوف جاكوب) أو صوت يعقوب، وبدءوا في هذه الجرائد -وغيرها كثير- ينشرون هذه الفكرة الدينية ويشجعون اليهود على التفكير في أرض الميعاد، بل ويبثون فيهم روح الاضطهاد، وأنهم مشتتون في بقاع الأرض وعليهم أن يجتمعوا.
لكن الدين وحده ليس عاملاً كافياً عند كل اليهود، فهناك عامل مهم جداً يؤثر في معظم اليهود في الأرض وهو عامل المال، فأنشئوا بنكاً خاصاً لهذا الأمر، فالمؤتمر الذي كان في بال في سويسرا أتبع مباشرة بإنشاء بنك كبير، موّله روتشلد أثرى أثرياء اليهود في ذلك الوقت، كان رأس ماله 2.000.000 جنيه إسترليني، ولم يجدوا أنها كافية، فرفعوها إلى 5.000.000 جنيه إسترليني، وهذه مبالغ ضخمة جداً في ذلك الزمن، فنحن نتكلم عن أكثر من مائة عام سبقت، إذاً: هذه أول طريقة استخدموها لتحقيق الهدف وهي تشجيع الهجرة إلى أرض فلسطين.
الأمر الثاني: تنظيم يهود العالم كافة وربطهم سوياً، لا بد أن نجمع كل اليهود في رابطة واحدة يفكرون سوياً كل عام، وفكروا في أن يكرروا هذه المؤتمر في كل عام مرة، وبالفعل من سنة 1897م والمؤتمر يتكرر في كل عام، يجتمع حكماء اليهود من كل بلاد الأرض، ويتفقون سوياً على الخطوات التالية لإنشاء دولة لهم في فلسطين.
الأمر الثاني: الجمعيات السرية، جمعيات الماسونية اليهودية المشهورة، فكروا في إنشاء فروع كثيرة له في كل بلاد العالم، لكن قالوا: لو أنشأنا فروعاً، وأطلقنا عليها الماسونية اليهودية لن يشترك فيها كبار البلد، ومحركو السياسة في هذه البلاد، فأطلقوا عليها أسماءً أخرى، مثلاً: أندية الروتاري هي في الأصل فروع من الماسونية، وأندية الليونز مشهورة جداً وكثيرة في بلاد العالم الغربي والشرقي والإسلامي على حد سواء.
الأمر الثالث الذي فعلوه لينظموا يهود العالم بجانب المؤتمرات والجمعيات السرية: أمر اللغة. وانظر إلى حكمة اليهود في ذلك، بدءوا يعلمون اليهود في كل بقاع الأرض اللغة العبرية، فيهود روسيا ويهود إنجلترا وكل اليهود لابد أن يتكلموا العبرية، فليتعلموا العبرية بجانب لغتهم الأصلية في بلادهم، حتى إذا اجتمعوا بعد ذلك في فلسطين إن استطاعوا تحدثوا جميعاً وتفاهموا ليكونوا دولة واحدة.
إذاً: القرار الأول لمؤتمر بال: تشجيع الهجرة إلى فلسطين، القرار الثاني: تنظيم يهود العالم كافة عن طريق المؤتمرات والجمعيات السرية واللغة.
الأمر الثالث وهو في غاية الأهمية: السعي إلى الاعتراف الدولي في العالم، كل هؤلاء اليهود ليس لهم أي شيء يجمعهم، وليس لهم أي كيان معلن، وليس لهم أي هيئة رسمية، فكيف يأخذون اعتراف العالم، لا بد من تثبيت أركان هذه الدولة، وجعلها دولة قوية لها باع في الأرض في ذلك الزمن، يا ترى! ما هي الدول المطروحة على الساحة في ذلك الزمن في أواخر التاسع عشر؟
أول دولة خطرت على أذهانهم هي إنجلترا، فقد ذهبوا إلى إنجلترا وفكروا أن يستعينوا بها في إقامة دولة لهم في فلسطين، مع أن إنجلترا لا تحكم فلسطين في ذلك الوقت، فلسطين كانت تابعة للدولة العثمانية، لكن إنجلترا قوة عظمى في ذلك الزمن، وتحاول أن تسيطر على العالم، ولها ممتلكات في كل بقاع الأرض، فوافقت إنجلترا على مساعدة اليهود في تكوين بلد لهم في داخل أرض فلسطين.
لماذا توافق إنجلترا على مساعدة اليهود؟ ما هي وسائل الضغط التي يملكها اليهود حتى يؤثروا في دولة عظمى كبرى مثل إنجلترا في ذلك الزمان، وحتى تهتم بأمر هؤلاء المشتتين المشردين المكروهين من إنجلترا شخصياً؟
أولاً: عرض تيودور هرتزل على زعماء إنجلترا التحالف معهم في هذه البلاد بعد أن تحالف أعداء إنجلترا مع أصدقاء في هذه المنطقة نفسها، فروسيا في منطقة الشرق الأوسط تحالفت مع الأرثوذوكس الفلسطينيين النصارى في ذلك المكان، طبعاً روسيا في ذلك الزمن كانت قيصرية أرثوذوكسية متشددة جداً، فتحالفت مع الأرثوذكس في بلاد الشرق الأوسط، وبذلك استطاعت أن تنفذ إلى هذه البلاد، وفرنسا تحالفت مع الموارنة وبالذات في لبنان، أما إنجلترا فلم تجد لها حليفاً في هذه المنطقة، فقال تيودور هرتزل : سنكون نحن حلفاء لكم في هذه المنطقة يداً طولى وخادماً مطيعاً.
الأمر الثاني غير المحالفة بينهم وبين إنجلترا: الأموال اليهودية من أكبر وسائل الضغط على إنجلترا، فأكبر بنك موجود في إنجلترا في ذلك الزمن هو بنك روتشلد ، كان هذا البنك مشهوراً باسم روتشلد ، هذا الرجل يهودي ومن أشد الناس حماسة لفكرة إنشاء دولة لهم في فلسطين، وكان هذا البنك من أكبر الدعائم الاقتصادية في داخل إنجلترا، ولكي تعرفوا حجم البنك اليهودي وقيمته في ذلك الزمن: لما طرحت أسهم قناة السويس للبيع، طرحها الخديوي إسماعيل ، وذلك لما أفلس واستدان حتى ينشئ قصوراً لافتتاح قناة السويس، فطرح أسهم قناة السويس للبيع، فتنافست إنجلترا وفرنسا على شراء هذه الأسهم، وكان الخديوي إسماعيل يريد نقوداً لتسديد الديون، فأراد أن يبيع قناة السويس لتسديد هذه الديون.
والعجيب أن إنجلترا وفرنسا الدولتين الكبريتين اللتين تحكمان العالم في ذلك الوقت لم يكن لديهما المال السائل الكافي لشراء قناة السويس، فأسرعت إنجلترا مباشرة كحكومة إلى روتشلد ، وأقرضها مالاً سائلاً يكفي لشراء قناة السويس، حكومة دولة عظمى تقترض من رجل يهودي يعيش في إنجلترا. إذاً: هذا تأثير ضخم جداً يقوم به اليهود عن طريق هذا المال.
إذاً: الأمر الأول: أنهم يشجعون إنجلترا على أن يكونوا حليفاً لها هناك في فلسطين.
الأمر الثاني: يلوحون بالمال اليهودي الوفير لمساعدة إنجلترا.
الأمر الثالث: أقنعوا إنجلترا أنه بإنشاء دولة لليهود في داخل أرض فلسطين يؤمّنون لإنجلترا طريقاً إلى مستعمرات الهند، والهند في ذلك الوقت كانت مستعمرة إنجليزية والطريق لها طويل وبعيد، فاليهود سيؤمّنون طريقاً عبر فلسطين، ثم ينشئون طريقاً حديدياً من فلسطين إلى الخليج العربي، ثم بعد ذلك تنتقل البضائع والجنود وغير ذلك من فلسطين إلى الهند، وبالتالي يسهلون لإنجلترا الطريق إلى مستعمرة من أكبر المستعمرات الإنجليزية في ذلك الوقت.
الأمر الرابع: فلسطين استراتيجياً مكان رائع، فهو مدخل الشرق وقريب من قناة السويس ومضيق الدردنيل في الشمال عند تركيا، فبالسيطرة على هذا المكان وإنشاء دولة مرتكزة لإنجلترا في هذه المنطقة يعيش فيها أعوان وحلفاء يسيطر الإنجليز مستقبلاً على قناة السويس، وبالتالي على البحر الأحمر وعلى مضيق الدردنيل أو البسفور وبالتالي على البحر الأسود، أي: سيطرة على كل المنطقة.
الأمر الخامس: قاله هرتزل في مقولة له مع وزير خارجية بريطانيا، قال: من أجل أوروبا سوف نبني هناك حاجزاً في مواجهة آسيا، وسنكون حراس المقدمة للحضارة ضد البربرية -يقصد بذلك: المسلمين- أي: يقول لهم: أنا سأكون خط الدفاع الأول لكم، فأول ضربة يتلقاها الغرب ستتلقاها إسرائيل، ثم بعد ذلك تصل الضربات إليكم، والحقيقة هذا واقع، فإسرائيل زرعت في هذا المكان لتتلقى ضربات المسلمين وتشغل المسلمين بحربها، وهناك إنجلترا وفرنسا وأمريكا وغيرهم يتحكمون عن بعد في أمن إسرائيل، وإسرائيل تواجه في مقابل إنشاء دولة لهم وكانوا قبل ذلك في الشتات.
إذاً: إنجلترا عندها دوافع قوية وكثيرة لإنشاء دولة لليهود في داخل أرض فلسطين، ولا بد أن تسعى جاهدة لتحقيق مصالحها الشخصية أولاً، ثم لتحقيق مصالح اليهود الغير متعارضة بالمرة مع مصالح الإنجليز، هذا كان موقف اليهود من إنجلترا، وذكرنا أن إنجلترا كانت دولة عظمى في ذلك الزمن، تسيطر على بقاع كثيرة، وتغير من موازين الأرض في ذلك الوقت.
كانت الدولة الثانية الكبرى العظمى في ذلك الزمن ألمانيا، وكانت على خلاف عميق مع إنجلترا، وبعد قليل كما تعلمون ستقوم الحرب العالمية الأولى، وستكون ألمانيا في فريق، وإنجلترا في فريق آخر، ومع ذلك ذهب تيودور هرتزل إلى ألمانيا يطلب منهم أن يساعدوهم في إنشاء دولة يهودية في فلسطين.
سبحان الله! يتصرف في ناحيتين، يتكلم مع إنجلترا ومع عدو إنجلترا، والذي ينجح أولاً في تحريك القضية هو الذي يسير معه تيودور هرتزل ، لا يوجد لهذا الرجل أي مبادئ، كل ما يحكمه فقط المصالح، وقد استغل تيودور هرتزل العلاقات الطيبة بين ألمانيا في ذلك الوقت وبين الدولة العثمانية، وعرض على الألمان أن يساعدوه في إنشاء الدولة اليهودية، وقابل قيصر ألمانيا في فلسطين، فقيصر ألمانيا كان يزور فلسطين، فذهب تيودور هرتزل إلى فلسطين وقابل قيصر ألمانيا، وعرض عليه الفكرة، لكن لم يجد حماساً كافياً من قيصر ألمانيا؛ وذلك لأنه كان يعيش عنده هناك في ألمانيا أعداد ضخمة من اليهود، وهو يكرههم كراهية شديدة كما ذكرنا وهو في نفس الوقت يريد إخراجهم، ويخشى أنه إن ساعد اليهود يشعرون أنهم تحت حمايته فلن يتركوا ألمانيا أبداً، لكن جاء بعد ذلك هتلر ، ونفذ الذي كان قيصر ألمانيا يفكر فيه.
إذاً: لم يفلح تيودور هرتزل في علاقاته مع ألمانيا وإن كان سعى لها.
كانت الدولة الثالثة المتمكنة في الأرض في ذلك الوقت هي دولة روسيا، ودولة روسيا هذه عجيبة جداً، فقد كانت من أشد الدول اضطهادًا لليهود، ففي كل يوم في روسيا في ذلك الوقت يقتل عشرات من اليهود اضطهاداً؛ وذلك لأن روسيا في ذلك الوقت أرثوذوكسية متشددة يكرهون اليهود بشدة، وكان فيها 7.000.000 يهودي، وكان تعداد سكان روسيا في ذلك الوقت 136.000.000 روسي.
أراد تيودور هرتزل مقابلة وزير المالية الروسي وكان اسمه ويت ، وهو من أشد الناس كراهية لليهود، ومع ذلك بذل تيودور هرتزل مجهوداً ضخماً جداً في أن يقابله، وبالفعل قابله ودار بينهما حوار عجيب. فقد طلب تيودور هرتزل من وزير المالية الروسي أن يخلصه من يهود روسيا، قال له: ساعدني في أن أخلصك من الذين تكرههم، ساعدني في أن أضع هؤلاء الذين تكرههم في أرض فلسطين، وأخلصك من كل اليهود الذين أنت تكرههم.
انظر كيف يفكر تيودور هرتزل ، في كل بلد يسعى إلى تحقيق مصلحة ما، ويضرب على وتر ما. لكن وزير المالية الروسي رد عليه قائلاً: أنا في الحقيقة رأيي ألا أهجر اليهود، بل رأيي أن أغرق كل اليهود في البحر الأسود، وأتخلص منهم تماماً، فلا يبقى في روسيا ولا في فلسطين ولا في أي مكان في العالم يهود، لكن للأسف اليهود يملكون 50% من اقتصاد روسيا، ولن نستطيع أن نغرقهم، أي: لن أستطيع أن أساعدك في هذا الموضوع.
ولم ييأس تيودور هرتزل من هذه المقابلة الجافة جداً من وزير المالية الروسي، بل أخذ يضرب على وتر آخر، فقال له: إن جنداً من الأتراك المسلمين يحرسون قبر المسيح عليه السلام في فلسطين، يعني: أنتم أرثوذوكس ومتشددون وتتركون المسيح عليه السلام يحرس بجند من المسلمين؟! لكن وزير المالية الروسي قال له: ربما يكون الأمر أكثر سوءاً لو كان اليهود هم حراسه، يعني: المسلمون أرحم من اليهود.
ولم ييأس تيودور هرتزل ، بل أخذ يقول له: أنا أريد منك بعض التشجيع على الهجرة، ليس كامل التشجيع، فقال: نحن نشجع اليهود على الهجرة بركلات الأقدام، فقال: لا أريد هذا النوع من التشجيع، ولكن بطلب من السلطان عبد الحميد أن يسمح لهم بشركة امتياز في فلسطين، وأن تفرض ضرائب على اليهود هناك في روسيا، والسبب العجيب في ذلك أنه يريد أن يضيق عليهم الخناق في روسيا فيجعلون يرغبون في الهجرة، ويعطي تسهيلات لهم حتى يتركوا هذه البلاد، ولا يبقى في روسيا إلا أهل الاقتصاد والمال!
رفض وزير المالية الروسي كل هذه الاقتراحات، وطرد تيودور هرتزل وأعلن رفضه بالكلية كل هذه المطالب، بل بعدها بشهور قليلة أقام مذبحة ضخمة جداً لليهود هناك في أرض روسيا، ومن ساعتها واليهود يدبرون لقلب نظام الحكم في روسيا لأنها لم تقف معهم، إلى أن أفلحوا في ذلك في سنة 1917م بعد حوالي 17 أو 18 سنة من هذا اللقاء الذي تم بين تيودور هرتزل وبين وزير المالية، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
إذاً: كانت الدول العظمى آنذاك ثلاثة دول: إنجلترا، وألمانيا، وروسيا، وكانت فرنسا دولة قوية، لكن كانت مصالحها تتماشى مع مصالح إنجلترا!
الدولة الرابعة هي الدولة العثمانية، وهي دولة في غاية الأهمية؛ لأنها هي الدولة التي تمتلك فلسطين، الأرض التي يريد أن يقيم فيها اليهود دولة.
يا ترى! ما هو موقف الدولة العثمانية من اليهود بصفة عامة؟
أولاً: الدولة العثمانية ضمت اليهود المشردين في العالم، وبالذات بعد سقوط الأندلس، فقد كانت الأندلس يعيش فيها أعداد كبيرة من اليهود تحت الحماية الإسلامية، ولما سيطر النصارى على هذه البلاد بعد سقوط دولة المسلمين في الأندلس، طردوا جميع المسلمين، وطردوا جميع اليهود، وأقاموا محاكم التفتيش للمسلمين ولليهود، وتخلصوا منهم بالكلية، وتشتت اليهود في بقاع الأرض، ولم يجدوا مكاناً يضمهم إلا عند الدولة العثمانية، فعاشوا في بلد في تركيا تسمى بلدة سالونيك، عاشوا فيها فترات طويلة من الزمان، وكونوا ما يعرف في التاريخ باسم يهود الدونمة، وهؤلاء لهم دور كبير في إنشاء دولة إسرائيل داخل فلسطين كما سيأتي.
إذاً: الدولة العثمانية قدمت في البداية يداً كريمة إلى اليهود، لكنهم أبداً ما رعوا حقاً ولا جميلاً.
الأمر الثاني: بدأ اليهود الذين يعيشون في الدولة العثمانية مع مرور الوقت يتقدمون بطلبات متكررة لشراء أرض في فلسطين، وللسماح لهم بالهجرة إليها، لكن رفضت تماماً وكان أشهرها المحاولة التي تمت في سنة 1876م -يعني: قبل مؤتمر بال بعشرين سنة- بواسطة حاييم جورديلا أحد أثرياء الصهيونيين في ذلك الوقت، لكن كل هذه المحاولات رفضت، بل لما شعرت الدولة العثمانية أن اليهود يريدون أن يستوطنوا في هذه البلاد عينوا رجلاً شديداً اسمه رءوف باشا حاكماً على القدس، وأرسلوا قوات كثيرة تبحث دائماً عن اليهود المقيمين هناك بطريقة غير قانونية، ويطردونهم خارج فلسطين؛ ليعيشوا في أي مكان في الدولة الإسلامية تحت رعاية الدولة العثمانية؛ لكونهم يعلمون أنهم -أي: اليهود- يريدون أن ينشئوا دولة في هذا المكان.
في سنة 1888م قبل مؤتمر بال بتسع سنوات أصدرت الدولة العثمانية قوانين جديدة نصت على ضرورة أن يحمل الأجانب الذين يرغبون في زيارة فلسطين جوازات سفر توضح عقيدة حامليها أول مرة، سواء النصرانية أو اليهودية أو غيرها، حتى لا يتسرب اليهود باسم رعايا البلاد الأخرى، كما رفضت السلطات العثمانية في ميناء يافا السماح بدخول اليهود الذين لا يحملون سمات دخول، بل حتى الزيارات التي كانت تعطى أحياناً لليهود كانت تعطى لفترة محدودة ولأغراض دينية فقط، وكانوا يوقعون على تعهد بمغادرة البلاد بسرعة، وبلغ الأمر حدة أن الدولة العثمانية منعت نائب القنصل الإنجليزي في أنطاكية من دخول فلسطين ما لم يقم بالتعهد المطلوب وهو مغادرة البلاد بسرعة، وهو رجل كبير في القنصلية البريطانية، منعته الدولة العثمانية لأنه كان يهودياً؛ مما أدى إلى توتر شديد في العلاقات بين الدولة العثمانية وبريطانيا.
في هذا الجو المتوتر تماماً والعصبي تماماً بين إنجلترا والدولة العثمانية، وبين اليهود والدولة العثمانية لم ييأس تيودور هرتزل من أن يقابل سلطان المسلمين في هذا الوقت عبد الحميد الثاني رحمه الله، فمع كل هذه الأمور إلا أنه ذهب ليقابله ويعرض عليه عرضاً عجيباً.
يقول تيودور هرتزل في مذكراته: أنه ذهب بنفسه إلى السلطان عبد الحميد الثاني وحاول مرة وثانية وثالثة أن يقابله، حتى نجح في الأخيرة وعرض عليه عروضاً، انظر معي إلى عروض تيودور هرتزل على السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله؛ حتى تعلم عظمة هذا الرجل السلطان عبد الحميد الثاني ، وحتى تعلم أيضاً مدى ثراء اليهود في ذلك الوقت.
العرض الأول: مائة وخمسون مليون ليرة إنجليزية رشوة خاصة للسلطان عبد الحميد الثاني .
العرض الثاني: سداد جميع ديون الدولة العثمانية البالغة ثلاثة وثلاثين مليون ليرة إنجليزية ذهبية.
العرض الثالث: بناء أسطول لحماية الإمبراطورية العثمانية بتكاليف قدرها مائة وعشرون مليون فرنك ذهبي.
العرض الرابع: تقديم قرض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فوائد لإنعاش مالية الدولة.
العرض الخامس: بناء جامعة عثمانية إسلامية في القدس.
العرض السادس: تهدئة الأوضاع في الغرب حول قضية اضطهاد العثمانيين للأرمن والتي أثيرت في فرنسا وإنجلترا، فرنسا وإنجلترا ادعتا أن الدولة العثمانية اضطهدت الأرمن، والحق أن الأرمن النصارى ثاروا على الدولة العثمانية التي تملك هذه البلاد في ذلك الوقت، لكن أشيع في فرنسا وإنجلترا أن الدولة العثمانية تضطهد الأرمن؛ حتى يكون هذا ذريعة لدخول الجيوش الإنجليزية والفرنسية لاحتلال الدولة العثمانية بهدف الدفاع عن الأرمن النصارى، فعرض عليه تيودور هرتزل أنه سيهدئ له قضية الأرمن في إنجلترا وفرنسا وأنه على ذلك قادر.
ستة عروض ضخمة يسيل لها لعاب أي رجل من حكام الأرض في ذلك الوقت، لكن السلطان عبد الحميد رجل صالح وقليل ما هم، نظر السلطان عبد الحميد من أعلى إلى كل هذه العروض وقال: على تيودور هرتزل ألا يتقدم خطوة واحدة أخرى في هذا الشأن، لا أستطيع بيع بوصة واحدة من البلد؛ لأنه ليس ملكي بل ملك شعبي، لقد أوجد هذه الإمبراطورية وغزاها بدمه، وسنغطيها مرة أخرى بدمائنا قبل أن نسمح بتمزيقها، يستطيع اليهود أن يوفروا ملايينهم حين تقسم الإمبراطورية، قد يأخذون فلسطين مقابل لا شيء، لكن لن تقسم إلا على جثثنا؛ لأنني لن أسمح أبداً بتشريحنا ونحن أحياء.
الله أكبر! هكذا كان رد السلطان عبد الحميد الثاني على تيودور هرتزل ثم طرده وطلب تيودور هرتزل مرة أخرى أن يقابله، فرفض رفضاً تاماً وأغلق باب اليهود تماماً. ولا بد أنه سيكون لليهود شأن مع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله.
أذكر مقولة قالها تيودور هرتزل بعد هذا الرفض وسجلها في مذكراته وعرضها في مؤتمرهم بعد ذلك على اليهود، قال: في حال استمرار رفض السلطان عبد الحميد للمطالب الصهيونية فإن تحطيم الإمبراطورية العثمانية شرط أساسي لإقامة حكومة صهيونية في فلسطين. يعني: بعد هذا اللقاء قرر تيودور هرتزل ومن معه في مؤتمراته أن يسقطوا السلطان عبد الحميد الثاني .
إذاً: نلخص ما سبق. أن اليهود بدءوا ينظرون إلى قوى الأرض في ذلك الزمان، فوضعوا أيديهم في أيدي إنجلترا، وفشلوا أن يتعاهدوا مع ألمانيا، وفشلوا أيضاً أن يتعاهدوا مع روسيا، ولكن روسيا ردت رداً شديداً عليهم ففكروا في قلب نظام الحكم هناك، وأيضاً جوبهوا بمجابهة عنيفة شديدة من الخلافة العثمانية ففكروا أيضاً في قلب نظام الحكم في الخلافة العثمانية، يا ترى! كيف تحرك اليهود لتنفيذ هذه المخططات الخبيثة الكبيرة جداً وهم لم يكن لهم دولة في ذلك الزمن؟ يا ترى! كيف سعوا لإسقاط الدولة العثمانية؟ ويا ترى! كيف سعوا لإسقاط الدولة الروسية القيصرية؟ ويا ترى! كيف نفذت إنجلترا مخططات اليهود؟ هذا ما نتداوله وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وجزاكم الله خيراً كثيراً.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة فلسطين إسرائيل الكبرى للشيخ : راغب السرجاني
https://audio.islamweb.net